المتفاصلان المتواصلان ومفهوم الشرعية

كشف نائب الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي د على الحاج ان اللقاء الذي تم بين حسن الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي والرئيس عمر البشير بعد 15 عاما من القطيعة كان على خلفية تطابق موقفيهما من اعتبار أن ما حدث في مصر انقلابا على شرعية الرئيس محمد مرسي وان بناء سد النهضة هو شأن اثيوبي لا علاقة لمصر به جاء ذلك في حوار أجرته معه صحيفة الزمان التي تصدر في لندن .
ولم يكشف لنا على الحاج ما إذا كان البشير والترابي قد اتفقا أيضا على أن ما حدث في الثلاثين من يونيو عام 89 كان انقلابا على الشرعية أيضا ام لا.
تحليلات كثيرة دارت حول لقاء الرجلين غير ان اهم ما حمل المتفاصلان المتواصلان هو ما يجري في المنطقة من تحولات تستهدف بشكل صريح وواضح تنظيمات الإخوان المسلمين بلافتاتها المختلفة واشكالها المتعددة في ضوء ما يجري في مصر من ملاحقات الإخوان وتضييق عليهم في المنطقة في بعض دول الخليج والسودان ليس ببعيد .
إذن إن دوافع اللقاء بين الرئيس والشيخ عند الكثيرين ليست بالضرورة بدافع استعادة الحرية والديمقراطية وبسط الحريات الأساسية وإيجاد مخرج لأزمات البلاد المستفحلة وإلا لكان هناك اعتراف لو كانا صادقين أيضا بأن ما حدث في الثلاثين من يونيو في السودان كان انقلابا على الشرعية الديمقراطية من حيث الاعتراف والمبدأ وأنهما سيسعيان إلى إعادة بناء نظام ديمقراطي حقيقي يتسع للجميع لا أن يقتصر الأمر على اعتبار أن ما حدث في الثلاثين من يونيو في مصر فقط هو وحده الانقلاب .
ويبدو أن الحوار الوطني الذي يطرحه النظام من خلال ما أفاد به على الحاج هو موجه بشكل أساسي لفصائل الحركة الإسلامية التي بدأت تستشعر الخطر القادم من بعض دول الخليج التي بدورها بدأت تشدد من ضغوطها على النظام باعتباره ركيزة فاعلة للحركة الإسلامية وفق مفهوم وتعريفات الشيخ نفسه من خلال عدة مؤشرات أهمها موقف النظام غير المعلن من الوضع الجديد في مصر المسنود بالمملكة العربية السعودية ودولة الامارات المتحدة والكويت . أيضا الحصار الاقتصادي المالي المفروض من تلك الدول على النظام في الخرطوم فضلا عن البدء في تقليص حجم الواردات السودانية لتلك الدول كالذهب والماشية وغيرها . وهو لقاء على شاكلة أن المصائب يجمعن المصابينا وأن ما يجري يستوجب تجاوز الخلاف والمفاصلة وتوحيد الإسلاميين لمواجهة المجهول القادم ولا مانع في تقديم تنازلات لبعضهم البعض وليست لصالح قيام نظام ديمقراطي بدليل تمنع النظام عن تقديمها وأهمها بسط الحريات العامة وسيادة القانون ومحاربة الفساد .
إذن فإن هذه العوامل الخارجية الضاغطة ستتزايد مالم يتجه النظام بكلياته نحو حوار جاد بعيدا عن المراوغة السياسية وقتل الوقت يفضي إلى قيام نظام ديمقراطي حقيقي بكل متطلباته ، باعتبار أن ذلك التحول هو الحل الوحيد للأزمة الراهنة الداخلية والخارجية من خلال نظام يملك القدرة على إعادة الثقة لعلاقاته الإقليمية والدولية وينهي الأزمة الداخلية المستفحلة بكل اوجهها الاقتصادية والسياسية والأمنية . ولن يجدي النظام العودة إلى مربعه الأول في ظل متغيرات كبيرة لن تسمح له بذلك .وعليه أن يعول على الجدية في الرغبة في التغيير الحقيقي والجاد.
وبما أن الوضع الآن قد بلغ حافة الانهيار في كافة المجالات لم يعد من خيار أمام النظام إلا البدء عمليا في بسط الحريات وإعلان وقف اطلاق النار وانطلاق الحوار الوطني الجاد وإقناع القوى السياسية بجديته في رد الأمر للشعب وإلا فعليه انتظار خيار الانهيار الشامل للدولة الذي بدأت ملامحه تتشكل في انهيارات متتالية على الصعيد الزراعي والصناعي والمالي والتجاري والتعليمي والاجتماعي والأمني والخدمي والمتمثل في هجرة الكفاءات والكوادر والعزلة الإقليمية والدولية حيث لم يعد امام الرئيس إلا تشاد واريتريا واثيوبيا فقط. ولعل من مصلحة البلاد أن لايجهد المتفاصلان المتواصلان نفسيهما في تأكيد شرعية مرسى الديمقراطية بقدرما يجتهدان في استعادة ديمقراطية أجهضاها في ذات الثلاثين من يونيو التي شهدت وئد نظام يبكيان عليه .
[email][email protected][/email]