مقالات سياسية

ناس مارادونا وناس مرضونا(2) كيف نصل كأس العالم؟

الخطوة الأولى هي إستشعار النخبة ?من مثقفين وسياسيين- لواجباتها ودورها المنوط بها تجاه الوطن في دفع عجلة التغيير وحث المجتمع لتحقيق ذاته. أما رجال الدين فعليهم دور أكثر فاعلية وحساسية في توعية الناس بأن الدين سلوك ومعاملة وقيم وأخلاق ومنهج للإنسان وليس لحزب أو طائفة أو حركة، لكي لا يخدع أو يستقطب أحد بإسم الدين. فعليهم دعوة لا للشعارات الدينية في السياسة أو تديين السياسة، ولا لتسييس الدين ليوافق هوى السياسيين. فعليهم توعية الناس بأن الله تعالى جعل الناس في وطن واحد مختلفة الأديان والمذاهب والمعتقدات ولكن أخوة في الوطن والمواطنة. والسياسيون سواسية بغض النظر عن دينهم ومذهبهم وطائفتهم، وكل يعمل على شاكلته؛ فالمهم وطنيته ومقدار تضحيته بمصالحه الشخصية وتخليه عن تعصبه العقدي وإنتماءاته الحزبية من أجل الوطن. وكما ذكرنا فإن دول أمريكا اللاتينية ترجمت هذا بهمة في عمليتي تنوير وتثوير فتخلصت من أكبر عائق وهو الحكومات الديكتاتورية والقفز داخل سياج الحريات. ومن ثم شرعوا لتأطير ديمقراطية مستدامة تعمل كمنظومة لمحو إرث الماضي البغيض الرجعي.
فلا خروج لنا من نفق التخلف والتردي إلا بالتخلص من الفساد السياسي وتحقيق العدالة الوطنية وبناء نظام ديمقراطى وطنى حقيقي- وإن طال السفر- يستصحب الحرية، والمساواة، والمحاسبة والشفافية كركائز أساسية للنهضة.

والخطوة الثانية وهى المحافظة على النظام الديمقراطى. فلا تقدم وتطور بدون إستدامة الديمقراطية. والديمقراطية تتيح الشفافية والمساواة ومشاركة الجميع والتطور الذاتي من الأفضل للأفضل منه. وهنا يجب أن ننبه بأن هناك من يستخدم الديمقراطية كوسيلة، كما يستخدم الإنقلابات للوصول للحكم، ومن ثم ينكر الديمقراطية كوسيلة سلمية لتداول للسلطة. بل منهم من يسب ويشتم ويلعن أبو أم الديمقراطية بعدما يصل لغرضه. فهؤلاء هم “المرض” الذين لا يستطيعون اللعب في ميدان الديمقراطية ولا يلتزمون بقانون اللعبة فيجب إنذارهم ثم طردهم.
وقانون اللعب الأساسي بسيط جدا وهو خلع الجلابيب الطائفية والدينية وإرتداء الزي الوطني فقط في ملعب الديمقراطية للتمكن من اللعب جيدا ليرى الناس الكرة السياسية بوضوح لكي لا يخفيها البعض تحت العبايات والعمم ويجري للمرى ويحرز بها الأهداف غير الشرعية، ومنهم من يكون متسللا أصلا.
أي بمعنى آخر، الفصل بين الدين وبين إستخدامه في السياسة تماما من اجل البناء السياسي الديمقراطي الصحيح. فدول أمريكا اللاتينية لم ترى أي تناقض بين الديمقراطية والدين. وقد إلتزم رجال الدين والكنائس الكاثوليكية بذلك لكي لا يخدع السياسيون الناس بالدين، ولكن دون أن يقلصوا من دور الدين في الحياة. فقد كانوا عاقلين فعلا حينما نشروا الوعي بين الناس وجعلوا الدين تطبيق ومنهج في سلوك الفرد والرقي بالأخلاق ومن ثم لعبهم أدوارا ثورية تقدمية إنحازوا فيها للشعب وشاركوه التغيير وجلسوا مثلهم مثل الجمهور لتشجيع أي فريق، دون شعارات دينية، أو لتشجيع اللعبة الحلوة بين الأندية الحزبية لأن ما يهمهم هو الفريق القومي فقط.

و بعد تجهيز الديمقراطية كقاعدة أرضية يمكن الإنطلاق.
لقد حققت دول أمريكا اللاتينية فى الإجمال إنجازات ملموسة على صعيد التنمية الاقتصادية والسياسية، ومن ثم الاجتماعية. فقامت بنهضة صناعية وقطعت خطوات على طريق تطوير التعليم حيث أنجزت العديد من المشروعات العملاقة التي وضعتها على الخريطة الدولية كدول متطورة. فمثلا البرازيل باتت من الدول المتقدمة فى مجالات شتى، فهى الآن تحتل مقدمة دول العالم فى إنتاج الطائرات متوسطة الحجم، أو طائرات رجال الأعمال. وبالمثل حققت الأرجنتين تقدما كبيرا فى المجال الاقتصادى والتكنولوجى، وباتت دولة متطورة فى إنتاج المفاعلات النووية المتوسطة.

وهذا التطور الإقتصادي لا يمكن أن يكون دون إرساء أسس العدالة الاجتماعية. فبالدستور، الدولة هي المسئولة عن دعم وحماية ومساندة الفئات الضعيفة في المجتمع وغير القادرة ماديا على أعباء المعيشة. فتقوم الدولة بتوفير المسكن اللائق لهم، والتعليم الجيد لأبنائهم، والرعاية الصحية المناسبة. وتقوم الدولة بوضع الحد الأدنى من الأجور لكي لا تتسع الهوة بينهم وبين البقية حتى لا يكونوا عبئا على أحد ولا يطأهم المجتمع بقدميه. فبذلك تظل الدولة محافظة على الدينمو المنتج أو طبقة المجتمع الوسطى التي تحرك الإقتصاد.
وهنا يجدر بنا أن نذكر دور حكومة تشيلي فى تقديم دعم كبير للطبقات الدنيا حيث بنت لهم المساكن لتأويهم. وتجربة المكسيك فى الرعاية الصحية والغذاء للفقراء بواسطة الشركات الوطنية العملاقة مثل شركات الألبان والمواد الغذائية.
أما فى مجال التعليم فقد تم تشجيع أبناء الفقراء على مواصلة التعليم عبر فتح حسابات شخصية للطلاب ودفع مكافآت شهرية لهم طوال فترة الدراسة. وبعد التخرج من الجامعة يحق لهم أخذ تلك الأموال وتوظيفها في أي مشروع أرادوا. وعبر هذه الطريقة نجحت دول مثل فنزويلا فى القضاء على الأمية، وحققت البرازيل نجاحا باهرا فى رفع معدلات التعليم والتنمية، كما قدمت المكسيك نموذجا فى الحراك الطبقي عبر المحافظة على الطبقة الوسطى ودفع أبناء الطبقات الفقيرة إلى مراتب أعلى من خلال التعليم.

لقد بدأت دول أمريكا اللاتينية التطلع إلى أخذ دور ريادي في العالم. فقامت بتوطيد شبكة العلاقات فيما بينها في يقين بأن في التفرقة والتقسيم والإنفصالات ضعف، بينما التنوع والتعدد والإختلاف الإثني والعرقي والإتحاد قوة. فعلى المستوى الإستراتيجي تجاوزوا صدام و صراع الحضارات والإختلافات الشكلية في ملامح الوجه وتكوينات الجسد ليقدموا نموذجا للتعايش السلمي. وقد أنشأوا السوق المشتركة لدول أمريكا الجنوبية والتي تختصر ب (ميركوسور) ومع إنضمامها لمجموعة دول الأنديز شكلوا إتحاد دول أمريكا الجنوبية. والآن تتطلع دول أمريكا اللاتينية لتكون في الطليعة بتوثيق علاقاتها الدولية مع جميع أنحاء العالم لتكون نسيج وحدها.

النماذج والتجارب والدروس والعبر كثيرة التى يمكن ان نستلهم منها كيفية أن نكون ويكون لنا مستقبل. فلا تفوق أو نجاح لوطن عربي على أعجمي أو أعجمي على عربي، ولا أبيض على أسود إلا بالإجتهاد والعمل الخالص من أجل الوطن إن كان لاتيني أو حتى لاوندي.
وقد يقول البعض إن هذا الكلام سابق لأوانه ، أو لسه بدري علينا، ولكن هذا الكلام من الضرورة لمعرفة أن الحلم يمكن تحقيقه بسهولة بخطوات ثابتة. و لو كان ليس لنا فلأجيالنا القادمة.

وعلى العموم لن يتحقق الحلم إذا ظل مرضونا العجوز -ومن لف لفه- يلعبون بنفس الطريقة ويريدوا أن يكونوا هم فقط كابتن الفريق.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..