(غوردون) وسيكولوجية التفكير في (التونسية) !!ا

(غوردون) ينهار !!
خالد عويس*
[email protected]

لا تنقصه بالطبع روح الفكاهة. وإن كانت هذه الروح غير (متأصلة)، إلا أنه، شأنه شأن (وزير دفاعه)، إذا خطب دون ورقة يقرأ منها يُضحي مهرجاً من الدرجة الأولى !
قال – بحسب موقع (الراكوبة) على الإنترنت – إنـ(هم) لو شعروا أن الشعب يرفضهم فسيخرجون إلى الشوارع ليتّم رجمهم !!
(غوردون) أشاد بثورة الشعب التونسي التي قادت إلى فرار (الطاغية) على (التونسية)، لكنه أكد أنه لن يهرب من السودان إن ثار السودانيون ضدّه.
(غوردون) يدرك أن (زين العابدين بن علي) ذاته واجه مأزقاً بالغاً في إيجاد دولة تؤويه إلى أن تفضلت عليه السعودية بذلك، فما بالك برئيسٍ تلاحقه المحكمة الجنائية الدولية !
إلى أين أيها (الغوردون) و(الهولندية) لا (التونسية) ستكون في إنتظارك في أيّ مطارٍ تحطُّ فيه طائرتك؟
أنسيت إصرارك على زيارة آثار (النجاشي) في إثيوبيا، وخوفك البالغ حين حطّت طائرتك الرئاسية هناك، وفوجئت أنت بهبوط طائرتين (أميركيتين) في الوقت ذاته ما أثار ذعرك خاصةً أن الإثيوبيين تأخروا في استقبالك وتركوك في الطائرة ما يزيد على النصف ساعة كانت فرائصك كلها ترتعد أثناءها ثم عزمت على العودة إلى الخرطوم مرعوباً حتى دون المرور على أديس أبابا؟
إلى أين ستذهب يا فخامة الـ(غوردون) وأكثر من 104 دولةً حول العالم موّقعة على ميثاق المحكمة الجنائية الدولية؟
(غوردون) ليس جاداً في أيّ كلمة يقولها، وإلا فما معنى تأكيده الخروج إلى الشارع إذا شعر أن الشعب يرفضه. يا لحساسية شعوره، ويا لرقته البالغة. حسناً أيها الـ(غوردون) فلتتوكل على الله ولتذهب وحيداً إلى (معسكر كلمة) أو (كجبار) أو (بورتسودان) أو (الكرمك)..كلا لا تذهب بعيداً أيها الـ(غوردون) فلتذهب لوحدك دون طواقم الحراسة والسيارات الفارهة إلى شارع المشتل في (الرياض) حيث تقيم بعض أسرة الشهيد (عبدالمنعم كرار) !!
ثم ما معنى الحديث عن (ثورة الشعب) وتفضيله خيار (الرجم) على الفرار، بعد عنترياته بـ(لحس الكوع)؟
(غوردون) لم ينسَ في غمرة تناقضاته ومعنوياته المنهارة أن يحدثنا عن (أوهام) الذين يسعون إلى الإطاحة بنظامه !
كلُّ هذه التناقضات والتصريحات الرخوة تعكس قدراً هائلاً من التمزّق النفسي يعيشه (غوردون). فالهواجس في (لا وعيه) باتت تنعكس في خطاباته بشكلٍ داعٍ للإنتباه. (غوردون) يفكّر كثيراً في (النموذج التونسي)، والواضح أنه يتوجس خيفةً من تكراره ومن مأزقه الخاص إذا حدث ذلك فهو لن يتمكن من مغادرة السودان إلى أية وجهة.
هذه (السيكولوجية) لا تنطبق على (غوردون) وحده، فالمستشار (المعجزة) قال إنه من المستحيل أن يهرب غوردون ويترك شعبه ! وأردف أن (ثورة تونس) جاءت نتيجة للفساد والقمع والإرهاب والمحسوبية قبل أن يؤكد أن هذه الأسباب لا تتوفر في السودان !
السودان الذي نعرف أم السودان الذي تتوهم يا سيادة المستشار المعجزة؟
وتحدى أن يُثبت أيّ بنكٍ في العالم بأن لدى (غوردون) أو أحد أقربائه حساباً مصرفياً فيه !
الواضحُ أن (فوبيا التونسية) شملت الجميع ودعتهم إلى التخبط ! أيّ بنوك في العالم أيها المستشار المعجزة ودون الشعب السوداني حي (كافوري) بأكمله ؟!
أي بنوك والشعبُ السوداني فرداً فرداً يدرك جيدا كيف تعيشون وكيف يعيش الفرد السوداني بمتوسط دخل لا يتجاوز دولار واحد يوميا بحسب (قلوبال فاينانس) ؟
(إن هذه الفئة الجديدة تستفز المواطنين بمسكنها وملبسها ومأكلها ومركبها)، وهذا ليس كلامنا أيها المستشار المعجزة، هذا كلام الدكتور حسن مكي الدكتور ( صحيفة الخليج الاماراتية، 6/9/1996) عنكم وعن مساكنكم ومأكلكم وسياراتكم !!
(غوردون) وجيوش مستشاريه وسدنته يدركون ذلك جيدا، ويعلمون أنهم قدموا أسوأ نموذج في الحكم، لكنهم (يكذبون)، يكذبون في ساعة الضيق، ويلجأون فوراً إلى (ورقة) الشريعة الإسلامية عسّاها (تُخدر) الشعب السوداني وكأن الشريعة الإسلامية في بعدها الشعاراتي الصرف ستطعم الشعب السوداني من مسغبة، وستؤمنهم من خوف !
عوراتُكم كلها انكشفت أيها المستشار المعجزة، ولن تغطيها ورقة (الشريعة الإسلامية) فهي أكبر أكاذيبكم. الحقُّ إنكم تدركون ذلك جيدا. أنتم تعانون الشعور الصاعق بفقدان المشروعية، مشروعية عملكم الإسلامي المزعوم ذاته، هذا العمل المزعوم الذي قاد إلى نتائج كارثية. لنقرأ معاً أيها المستشار المعجزة، وليقرأ (غوردون) طالما أنه يجلس في مكتبه دون عمل يراقب السقف ويخلو مكتبه من أيّ ورقة أو صحيفة:
(يتنامى لدى أبناء الصف الإسلامي عامة الإحساس بتراجع العمل الإسلامي، ومحاصرته مضموناً ومظهراً وخطاباً، وظهور الجرأة على الدولة، وعلى قيم المجتمع، بل وعلى الإسلام في أصله، وتمادي الوصاية من الأجنبي، واستقواء المؤسسات والمنظمات المشبوهة. كما يزداد إحساسهم بأن الدولة تقصر عن واجبات التضامن في قضايا المسلمين الجامعة، فاهترأت جراء ذلك تحالفاتها الخارجية التاريخية، وتقوقعت في ذاتها، وبعدت من أن تحسب كماً ذا مغزى في أي تشكيل إقليمي أو عالمي فاعل. بدلاً من ذلك أصبح السودان هو الحالة النموذجية للأزمة يسعى كل من يؤبه له ومن لا يؤبه له من الدول والمنظمات للتدخل في شئونه بدعوى الوساطة والمبادرة لحل أزماته).
كلامٌ مرٌ في حقكم أيها المستشار المعجزة، أليس كذلك؟ حسناً إنه كلامكم !! هذه فقرةٌ من ورقة قدمها (المستشار الرئاسي)، الدكتور غازي صلاح الدين في ندوة (معالم في طريق الإحياء الإسلامي) التي أقامتها هيئة الأعمال الفكرية في الخرطوم 16 مارس 2005 !!
وهب أنكم أعتبرتم الدكتور حسن مكي متخاذلا ومخذلا، فهل تنطبق هذه الأوصاف على الدكتور غازي صلاح الدين أيضا ؟
(أصبح السودان هو الحالة النموذجية للأزمة يسعى كل من يؤبه له ومن لا يؤبه له من الدول والمنظمات للتدخل في شئونه بدعوى الوساطة والمبادرة لحلّ أزماته) ؟
(تمادي الوصاية من الأجنبي)؟
من يذكر البيان الأول الذي أذاعه (غوردون) صبيحة 30 يونية 1989؟
أما في شأن النزول إلى الشارع أيها الـ(غوردون) فكلام الدكتور غازي صلاح الدين في الورقة ذاتها يغنيك عن تكبّد المشاق..إقرأ أيها الـ(غوردون) فما ضرّكم شيء قدر هشاشة بنياكم الفكري والثقافي، إقرأ:
(ليس بأضر لجماعة تلي أمر الناس من أن تفقد الصلة بهم والمقدرة على تلقي أحاسيسهم والعناية بمشاغلهم. ويجب لذلك إظهار حساسية أعلى تجاه مشاغل المواطنين في معاشهم وأرزاقهم ومجمل حقوقهم في الحياة الحرّة الكريمة، صيانة لهم من أذى الفقر وذل الحاجة. فإنه يستحيل لصاحب دعوة أن يدعو قوما لا يعبأ بمكابدتهم في ظروف الشظف وضنك العيش واتّساع مدى حاجات الإنسان المعاصرة. ولقد وصف القرآن النبي (صلى الله عليه وسلم) بأنه “بالمؤمنين رءوف رحيم”. هذا شرط ضروري لأي جهد رسالي بناء، فالجماعة السياسية الناجحة ليست هي التي تقوم مقام الدفاع غير المشروط عن مواقف أصحابها وممارساتهم، خاصة إذا وليت السلطة، بل الجماعة الناجحة هي التي تملك مقياساً حساساً لنبض المجتمع وحاجاته وتطلعاته، وتصبح هي ذاتها موصلاً ممتازاً لتيارات المجتمع ومحامياً صلباً عنها) !!.
من ? أيها الـ(غوردون) ? جعل الشعب السوداني الكريم في حالٍ منكرة من (أذى الفقر وذل الحاجة) ؟
من ? أيها الـ(غوردون) ? افتقر إلى الصلة بالناس و(المقدرة على تلقي أحاسيسهم والعناية بمشاغلهم)؟ هؤلاء الناس الذين تقول ? اليوم ? إنك ستخرج إلى الشارع ليتم رجمك بواسطتهم إذا شعرت أنهم يرفضونك!!
(الجماعة السياسية الناجحة ليست هي التي تقوم مقام الدفاع غير المشروط عن مواقف أصحابها وممارساتهم، خاصة إذا وليت السلطة)، تُرى من يقصد الدكتور غازي صلاح الدين بهذا الكلام أيها الـ(غوردون)؟
من الذي يقوم بـ(الدفاع غير المشروط عن مواقف أصحابها وممارساتهم)؟
فلتقرأ أيها الـ(غوردون) من ورقة الدكتور غازي صلاح الدين عن (سندك الشعبي) وعن (حال الوطن) في عهدك:
(بضعف السند الشعبي ضعفت الاستجابات لنداءات النصرة وتعرى ظهر البلاد أمام العدوان العسكري الصريح من داخلها وخارجها.
وتأثرت كذلك استجابات الدولة للمصاعب والأزمات التي تجابهها. يتبدّى ذلك في تصديها لوظائفها وواجباتها، ويتعدّى أثره إلى أشد المؤسسات حساسية مثل القوات المسلحة التي تجد نفسها في محيط متلاطم من المهام الأمنية والمصاعب التي يولدها تكاثر حركات المعارضة المسلحة وتنامي وجود القوات الأجنبية في البلاد. ومن جراء تلك الفتن والمواجهات تهاوت أطراف من البلاد، وتمرد من كان بالأمس القريب أقوى الموالين في نواح مختلفة من البلاد، وخيمت ظلال البلوى حتى على العاصمة).
(تهاوت أطراف من البلاد) أيها الـ(غوردون) !!
(تمرد من كان بالأمس القريب أقوى الموالين) أيها الـ(غوردون) !!
(خيمت ظلال البلوى حتى على العاصمة) أيها الـ(غوردون) !!
خيمت ظلال البلوى حتى قبل أن يبلغ الدكتور خليل إبراهيم بقواته تخوم قصركم أيها الـ(غوردون) !!
هل تجد في دواخلك رغبةً في المزيد من القراءة من ورقة الدكتور غازي صلاح الدين؟
حسناً:
(أشد الأدواء مضاضة وأبلغها أثراً كان إحساساً مداخلاً بتآكل المشروعية، وفقدان المصداقية الذاتية، ذلك الإحساس الذي يضعف الإيمان بالنفس وبأحقية المطلب الذي اجتمع عليه من اجتمعوا وتواثقوا على نصرته. ومعلوم أنه عندما يضيع إيمان صاحب الحق بحقه فمن المحال أن ينيب عنه من يقتضيه له مجاناً).
في مايو 2009 أجرى موقع (إسلام أون لاين) حواراً مع الدكتور غازي صلاح الدين، تُرى ماذا قال عن بعض زملائه؟
(أعرف أيضا أنه قد يكون من بين زملائي من اغتر بالسلطة وتغير بسبب السلطة واستولى على الأموال، وأوصد الأبواب أمام الناس) !!
هل حاسبتم واحداً من مسؤوليكم على استيلائه على الأموال؟ من هو أيها الـ(غوردون)؟
بعد هذا كُلُّه أيها الـ(غوردون) إن لم نثر ويثر الشعب السوداني عليكم، فحقّ لكم أن تحكمونا إلى أبد الأبدين، ففي تلك الحالة، نحن شعبٌ لا يستحق إلا حاكماً مثلكم وحكومة كحومتكم !!

* روائي وصحافي سوداني

تعليق واحد

  1. ياسيد عويس كتبنا وكتبنا ولكن الكود عرقل لنا وأطاح ما كتبناه.. المهم ياسيدي لماذا حملت تصريحات البشير على نموذج الرئيس التونسي المخلوع ولم تحملها على "قدوة" الرئيس صدام حسين؟ الثلاثة يجمع بينهم طول سنوات تقلدهم لأمور الحكم في بلدانهم وإن كان البشير أصغرهم سناً، وكأني بالرئيس التونسي يعض على اصابعه ندما أنه غادر أو أنه بعد أن غادر لم يغفل راجعا إلى تونس ويقود مناصريه أو قوات الأمن الرئاسي وغيرهم قد تعيده أو قد تسوقه إلى حتفه في أرض المعركة أو حتى عبر محاكمة. تصريحات البشير مقبولة فالباقي من العمر لن يكون أطول مما انطوى منه. مقالك ياسيد عويس ينقص أن تضاف مفردة المفكر أمام النجمة التي توسدت درك العمود، وهذه طبيعة الأشياء فالبشير ضابطا ثم كوزا ثم قائد انقلاب ثم رئيس مجلس قيادة ثورة ثم رئيس جمهورية وإن كان لا بد من صفة حسب طبيعة الأشياء فصفة صدام حسين السوداني هي الواردة.

  2. شكرا للصحفي خالد عويس المشكلة ليست في غردون ولكن المشكلة في القيادة انت تعلم انه لاتوجد قيادة الجميع كان يتوقع ثبات الحركة الشعبية الاخ ياسر عرمان في الانتخابات ولكن قذارة السياسة انسحب دون مبرر واحبط الجميع بعد اتفاق الحركة مع الموتمر الوطني والان دور السيد الصادق المهدي دور هزيل حب السلطة.
    اما بالنسبة للتجمع اختلاف وضبابية وعدم وضوح رؤية.
    الجميع مستعد لكن المشكلة في القيادة وهي الاساس اذا وجدت القيادة تاكد ان غردون لن يبقى في السلطة نصف اليوم
    الآن الجميع ينتظر من ياخذ بيدهم للحرية من هذا الاستبداد والفساد الذي اصبح مضرب مثل في كل الدول .

  3. ينصر دينك
    والله دا حديث شهد شاهد من اهلها
    بس المشكلة عندهم الزهايمر
    هسع يقول كلام وبعد نص ساعة يحلف يقوللك يطرشنى
    العمى على راى الشوام اهل المصارى

  4. 1- لقد أبدع المُفكّر السوداني ( خالد عويس ) في كتاباته ، وفي إهتمامه بأمر السودان والسودانيّين ….. وهو سخيّ ٌ كعادته وعلى وطنه ليس بضنين ….. هذا هو واجبه …. وهو حريّ ٌ بذلك …. وليس مشحوداً عليه …. ولا مشكوراً عليه……… لأنّه منهم ………. ولأنّهم يستحقّون كلّ خير ؟؟؟

    2- ولكن أرجو أن يتمعّن النّاس في كتابات الدكتور غازي صلاح الدين … التي تعبّر عن إحباط وخيبة الإخوان المسلمين … وعن عنادهم المُبين .. … وعن العزّة التي تأخذهم بالإثم وهم يسيئون إلى الدين…… ويحسبون أنّهم يُحسنون صُنعاً بالعُروبة وبهذا الدين …… وهم يضيّعون أرض السودان وثروات السودانيّين … ولا يحفظون المواطن السوداني في حرماته الثلاث : دمه ، وماله ، وعرضه ….. ولا يغربون عن وجه السودان والسودانيّين ، بالإستقالة أو الإعتزال عن السلطة والثروة الزائلتين ، بعد أن صبر الناس على لأوائهم ولكن إلى حين أن تصبخ إغالتهم فرض عين … وهم لايزالون يقولون إنّهم سوف يسلّمون السلطة والثروة المسروقتين إلى سيّدنا عيسى عليه السلام ، في آخر الزمان …. ويحلفون عليهم بالطلاق وبالأيمان الثلاثيّين أن يقبلهما منهم وإن كانتا مسروقتين …. وهم الآن بأمر وبتدبير من أسيادهم الأمريكان ، يرفعون شعار العروبة كآيديولوجيا في هذا الزمان ….. ويفرضون إجتهادهم حيال الشريعة الإسلاميّة كفكرة آيديولوجيّة إخوانيّة خاتمة للإفكار الإنسانيّة ، ينبغي ان يُحكم العالم بموجبها ، بدون أن تجيزها المنظّمات الأمميّة التي تحكم العالم ….. وبذلك سوف يفرّطون في العروبة والإسلام معاً ، إذا ما حدث للسودان ما حدث للأنلس ، من جرّاء فلسفات وأقوال وأفعال وأهوال هؤلاء الإخوان…………. الآن في إسبانيا وفي أوروبا كُلّها يحرقون المراجع العلميّة التي تعتبر القرآن مرجعاً من مراجعها ؟؟؟

    3- لو مغالطهم وما مصدّقهم …… أسأل العنبة الرامية فوق بيتهم :

    غازي صلاح الدين العتباني

    الجزر والعصي كلمتان مستهلكتان في السياسة، فلا حاجة لشرحهما. أما الأجراس فهي تشير إلى تجربة شهيرة أجراها عالم وظائف أعضاء روسي اسمه بافلوف أسهمت في تطوير علم النفس السلوكي. درس بافلوف الارتباط بين المؤثر والاستجابة الفسيولوجية في الحيوانات اللبونة. أحضر ذلك العالم مجموعة من الكلاب وأخذ في كل مرة يقدم لها فيها طعاما يقرع أجراسا، فكانت الكلاب بالطبع تنبح وتلتهم الطعام بشهية بالغة، وكان هو يسجل الاستجابة الفسيولوجية من خلال قياس كمية اللعاب وعصائر المعدة التي تفرزها الحيوانات في تلك اللحظة. وبعد أن استقر هذا الترابط في غريزة الكلاب، جرب بافلوف أن يقرع الأجراس دون أن يقدم طعاما، فكانت النتيجة مدهشة، إذ أن الكلاب نبحت تماما كما نبحت من قبل عند تقديم الطعام، وأفرزت من اللعاب وعصائر الهضم مثلما أفرزت من قبل. نال بافلوف جائزة نوبل في الفسيولوجيا عام 1904، وبتجربته تلك أثبت وجود التكيف الترابطي (Conditioning) في السلوك الحيواني عامة.

    علل السياسة الأميركية تجاه السودان تشابه من ناحية خاصة علل السياسة الأميركية تجاه الفلسطينيين، وتشابه من ناحية عامة علل السياسة الأميركية تجاه دول العالم الأخرى. أما وجه الشبه مع الحالة الفلسطينية فيتمثل في خللين خطيرين: الأول: يتعلق بنزاهة الوسيط الأميركي المنحاز تماما إلى الحكومة الإسرائيلية، بنفس مقدار انحيازه للحركة الشعبية. على الرغم من ذلك، لا تجد الحكومة الأميركية غضاضة في أن تقدم نفسها، أو تفرضها، وسيطا. و«إن أنس لا أنسى» دهشتي في يوم من أيام عام 2001 عندما كنت أتحدث مع بعض مرافقي المبعوث الأميركي حينها، دانفورث، وأقول له بحماس ساذج يفترض أن ما أقوله مسلمة من المسلمات التي أقرتها البشرية منذ زمان سحيق: «لا بد أن تكونوا محايدين ونزيهين كي تحققوا نتائج». وقد رد محدثي بغير حماس وبصراحة متناهية: «نحن لا نستطيع أن نكون محايدين». عندها لم أر جدوى للجدل معه واحتفظت برأيي لنفسي، وهو أن الولايات المتحدة الأميركية، بهذا المنهج، لن تنجح أبدا في أن تقدم حلا حقيقيا نزيها ومستداما لمشكلة الجنوب، وهو ما أثبتته الأيام.

    وجه الخلل الثاني: هو أن الولايات المتحدة الأميركية تقدم عروضها دائما بأسلوب «الصدقة». فهي التي تحدد ماذا تقدم، وبأي كيفية وفي أي زمان. ولأن عروضها لا تنبع من انخراط متكافئ، فهي لا تأبه لمشاعر الطرف الآخر، وتفترض أن ما تقدمه ينبغي أن يقبل باعتباره ثمنا عادلا للمقابل الذي سيطلب منه. الصدقة هنا فعل من طرف واحد لا يعترف بقاعدة التعاطي، ويقول لك: «خذ ما أعطيتك أو اغرب عن وجهي». ولست بصدد الاستفاضة في وصف الاستجابة السودانية التقليدية لمثل هذا النوع من الصدقات، وهي الرفض المهذب، خاصة عندما يكون الأمر أمر استحقاق مبدئي لا علاقة له بفضيلتي الرأفة والإحسان. وهذا أيضا ما رأيناه في الحالة الفلسطينية بوضوح.

    وجه الخلل الثالث الذي يعاني منه كل من يتعاملون مع الولايات المتحدة: هو أن السياسة الخارجية الأميركية ترتكز على مبدأ «الاستثناء،» أو «The American Exception» وقد تكرس هذا المبدأ منذ القرن التاسع عشر على اعتبارين: قوة الأمة الأميركية، وأنها ليست كبقية الأمم، لذلك فهي «مستثناة» مما ينطبق على الآخرين. هكذا انسحبت الولايات المتحدة الأميركية من عصبة الأمم في عشرينات القرن الماضي، على الرغم من أن فكرة إنشائها كانت فكرة أميركية محضة أراد بها صاحبها الرئيس ويلسون القضاء على «نظام توازن القوى» السائد في أوروبا والذي اعتبر مسؤولا عن قرون من الحروب الأوروبية الداخلية. ثم تكرر المشهد في عدة اتفاقيات ابتدرتها الولايات المتحدة ثم انسلت منها: اتفاقيات البيئة، اتفاقية منع انتشار الألغام، وللطرافة أيضا اتفاقية محكمة الجنايات الدولية. ووجه الطرافة والتناقض هو أن الولايات المتحدة تطالب السودان بالامتثال لطلبات المحكمة على الرغم من أن أقوى دفع قانوني ضد المحكمة وتسييسها صدر من الولايات المتحدة نفسها. ويجب التنبيه، ما دمنا قد افتتحنا بالحديث عن علم النفس السلوكي، إلى أن هذا المسلك يضع الطبيعة الأميركية في اصطدام مباشر مع الطبيعة السودانية، فأبغض الأشياء إلى النفسية السودانية هو الاستثنائية، بمعنى تميز الأقوياء والأغنياء على الضعفاء والفقراء، حتى إن الرحالة العرب وصفوا بلاد النوبة بأن «ملوكها كسوقتها»، أي أنها بلاد بها مجتمع يقدس المساواة.

    جرد حساب الحوار السوداني الأميركي في الأشهر الماضية، كما عبرت عنه بعض البيانات الرسمية وفصلته الصحافة الأميركية، يتلخص في العطية التالية التي تبدو كأنها قد صاغها مجموعة من الناشطين المتذاكين إلى حد السخف:

    أقيموا الاستفتاء في موعده دون أدنى نظر إلى نتائجه وشروطه الجوهرية، وحتى إن أدى إلى انفصال وحرب في آن واحد، على الرغم من أن الاستفتاء إنما اقترح في المقام الأول لترسيخ الوحدة ولتجنب الحرب. وبمقابل ذلك سنعطيكم الآن ست رخص تصدير لشركات أميركية في مجالات الزراعة والصحة؛ وعليكم مواصلة التعاون في مكافحة الإرهاب؛ وسننظر في رفع اسم السودان من قائمة الإرهاب وفي رفع العقوبات الاقتصادية في يوليو (تموز) المقبل من عام 2011 عندما تستكمل إجراءات الانفصال؛ أما محكمة الجنايات الدولية فعلى الرئيس أن يلتزم بمطالبها وأن يسلم نفسه لها (لاحظ أنه هو الرئيس ذاته المطلوب منه الوفاء بالالتزامات أعلاه).

    لسبب لا يخفى على ذوي الألباب ذكرني هذا العرض بعرض قريش لأبي طالب أن يسلمهم ابن أخيه محمدا (صلى الله عليه وسلم) وأن يسلموه بالمقابل أنهد فتى في قريش، عمارة بن الوليد، فكان رد أبي طالب الذكي: «والله لبئس ما سمتموني: تعطونني ابنكم أغذوه لكم، وأعطيكم ابني تقتلونه».

    أخطر من ذلك على الجنوب والجنوبيين هو أن تقديم مثل هذا المقترح ينتقص من حق الاستفتاء بجعله عرضا من عروض التجارة. بتعبير آخر، فإن المقترح يعني أن الاستفتاء قد تنزل من كونه مبدأ وحقا ليصبح ورقة مقايضة تخدم السياسة الأميركية في المقام الأول.

    عندما سئل أحد متطرفي اليمين المسيحي في عهد بوش الابن: لماذا لا تستخدمون الجزر مع خصومكم؟ لماذا أنتم دائما مسرعون إلى استخدام العصا؟ رد عليه ذلك المتطرف: بلى، نحن نستخدم الجزر. قال له محدثه: كيف؟ لم نركم مرة واحدة تستخدمونه. قال المتطرف: عندما لا نستخدم العصا فهذه هي الجزرة. إذن لا جزر حقيقي، والعصي لم تحرز نجاحا كبيرا، أما الأجراس فلكي تسيل اللعاب لا بد من ارتباطها بخبرة سابقة فيها طعام، أو كما قال بافلوف.

    * مستشار رئيس الجمهورية السوداني والمسؤول الحكومي لملف دارفور

    الشرق الاوسط

  5. لاسلام السياسي هو النموذج المرتقب للاداره الاميركيه في المنطقه العربيه والاسلاميه لمن ينادون ان الاسلام هو الحل كما في شعار الاخوان المسلمين وحيث ان الدين هو شعور وجداني عذب لا يخالطه دنس ورزيلة واقع الناس الفاسد وهو حلم كل مسلم يداعب خيالاته بصور العدل والفضيله والمجتمع الفاضل في قيمه وسلوكه وارساء قيمة العدل والمساوه بين الناس علي جميع افرادهم بالقسطاس المستقيم لم تزل هذه الصوره الزاهيه النقيه تربض في جزئيه من وعيه الوجدانى تتطلع الى يوم الفتح الاكبر وصور الخلاص ولما كان السودان من ضمن الدول التي طبق فيها الاسلام في صورته المفبركه الهزيله والتى قصد منها محو تلك الصوره النقيه عن الدين وطهره علي الاقل في ذهن الشعب السودانى المسلم وجعله يعيش هذا الفصام المر بين عقائيده المقدسه وبين مايراه من مظاهر من الفساد علي جميع صوره واشكاله التى اصبحت لا تخفي عليه ومجمل ما ارمي اليه في هذه التعليق القصير ان الاسلام مستهدف في معركه قذره يقودها خصومه تهدف الى التشكيك في تاريخه الناصع وقيمه التى ما شهدت الانسانيه ارقي وارفع منها علي مدار عهودها الغابره واصبح هذا الاسلام المغشوش فتنه لغير المسلمين وحجه باطله في تقسيم البلد بحجة التمسك بالشريعه كما دائما وابدا يخرج لنا المشير بصراخه الاحمق وعنترياته الوهميه ان لاتنازل عن الشريعه. فقد اصبحت الشريعه كلمة حق اريد بها باطل واي باطل اشنع في تمزيق البلد بسبب هذه الشريعه المدعاه اهه لهذه الشريعه التي اصبحت مطيه سائيبه في ايدي هؤلا يتقافذونها كم الكره عند الصبيه ووالله ان القلب لموجوع وان العين دائما في دموع لما وصلنا اليه ولكنا نشكو ضعفنا وقلة حيلتنا للقيوم الذي لايغفل ولاينام ونقول ان للشريعه رب يحميها وللوطن رب يحميه ومال كل طاغيه جبار الي خسار وهذه التباشير تهب علينا من تونس الخضراء ان من اراد الحياه فلا بد ان يستجيب القدر.

  6. لم أعجب لأمر غردون ، ولكن عجبت لأمر هذا (الغازي) .
    طيب الكلام ده ما يقولوا في برلمان مولانا (الطاهر) بدل ما يجي يكتبو في الخفاء ويصّرح به في الحوارات الصحفيه ؟؟
    اليس هذا (الغازي) .. لازال احد سواقي قطار (النظام) المتهالك أم ان استقال ولا ندري ؟؟
    مشكلة هؤلاء القوم ، لا يستطيعون ان ينفكّوا في ان يمشوا « ام فكّو » يوماً ، دائم متدثرون بـ « نفاقهم » ..
    عجبي ..

  7. خالد يا حبيب ..
    اقرأ (بيان) المعارضة الضعيفة والتي يقودها حفيد « الإمام المهدي »، الصادرة اليوم (الخميس) ، والذي يهادن النظام ..
    (غردون) لن ينهار يا سيدي ..
    هذا اعتقاد ـ للأسف خاطئ جداً ـ لا تعّولوا على قيادتكم البائسة هذه ، لاتعوّلوا على (الإمام) ، عولوا على الجماهير ..
    في الكنانة اليوم خرج شباب مصر ضد (الفرعون ) دون قيادات دون كذابين ودجالين و مقايضين ..
    ومن قبل فعل شباب تونس ..
    وكذلك شبابنا .. عولوا عليهم .. وادعوا لهم بالنصر على النظام و المعارضة ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..