اغترابنا بلا نهاية

سنوات تتخطى الاحساس، وتمضى مغتصبة منه عمر مضى ،غير قابل للاسترداد…ومثلما تسرق الكوابيس الاحلام الجميلة ،تتسلل حلاوة الايام ونغماتها ….عبر نوافذ الهجرة..حين تستقل قطارات الغربة ، وهى تعزف على وتر الاحزان (برتمها) وايقـــــاع رتابتها الصاخب الصامت….
لايهم كيف تشتريك الغربة او تستلبك ولكن المهم جدا، كم تدفع لها المقابل الباهـــظ من انسانيتك وكيانك.
قطار التغرب لا تجد فيه زاد الا ما اختزنته من عواطف مدفوعة مسبقا، عبرت الحـــــدود معك…وفى نفسك حقيبة مليئة بالذكريات التى تجتر بعضها، كانها حبوب مسكنة، تتنـــاول منها عند اللزوم لتخفف بها الام الغربة….
هجرة تستصحبك ،فيها الامال الممزوجة بالامانى.. فى عودة ..مرتقبة… الى وطن يلتحف سماء الغــــلاء ويفترش الواقع… المحزن.
وبين الخوفين تتارجح الاشواق ..خوف من الوطن الهزيل المنزوع (الدسم)…وخوف علي الوطن الجريح واحزان ( لا تنحسم) هكذا يستدرج …الاغتراب فريسته …ويمدد امامــــها سنوات الابتعاد المبرر… ليسرق بالمقابل سنوات هائلة..من رصيد الاحلام…
كثيرا ما كان يقرر ان يعود ادراجه الى الوطن ،وان هذه السنة ستكون السنة الاخيرة، فــى حساباته على ارض المهجر ثم ما يلبث ان تتجدد العلاقة بينه وبين الغربة عندما يتـــــــذكر حجم الالم المختبىء هناك داخل اسوار الوطن …
تتعثر خطوات رحيله الى الديار…كلما احس بالمجهول المنتظر والحالة.. المعلنة عن حجم الانفلات الاقتصادى…. والامنى ….الخ…
فتمنحه التقلبات كل يوم مبرر جديد، ليدفن راسه فى رمال الغربة مكرها … ويبقى مقيد الخطوات مصلوب على جمر الانتظار، والوطن لا يصبح عليه صباح الا والاوضاع تتردى . ترك الايام تجره الى اقصى قـــاع الاغتراب .
تصاغرت الاشــــواق ثم تلاشت صورة الوطن .. فى خيالاته المترعة فما عاد يشعر بذلك الحب الملتهب الذى كان يملاء شرايينه وكانت قناعته من قبـل انه يعشق الوطــــن حــــد الثمالة ولكنه يجزم انه حب من طرف واحد ترك الاشواق تترسب فى قاع وجدانه حتى لا تناوشه.
انه لا يصدق ان عمر اغترابه الان يقارب خمسة وعشرون عاما…كيف استغفلته الايـام
هكذا بل كيف استباحت الايام احاسيسه ثم انسلخ عمر طويل بكل زخمه عمر مخصوم من دفتر احلامه او مضاف الى رصيد احزانه.
حاول ان يحسب حجم الارباح التى جناها فى الغربة بعد ان جمــع كل اشجـــانه المتكدسة… وقسمها على كل سنوات الاغتراب ثم خصمها من اجمالى الفوائد الغير مقروءة فتاكد تماما ان خسارته اليوم تفوق حجم الارباح بفارق 25 سنة.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لو أن ساسة السودان اتجهوا لتعمير وتطوير البلاد لما هاجر وطفش الناس .. عندك أثيوبيا جذبت حتى جيرانها وأدركت فائدة المستثمر والإستثمار.
    بلادنا فيما مضى كانت قبلة وواحة للاغاريق والطليان والأرمن والشوام والهنود وكانوا يتواجدون في جميع مدن السودان الكبرى.

    السياسات الخرقاء تؤدي إلى مزيد من الفشل والتدهور.

  2. ليس بين إنسان وأرض نسب وخير أرض الله ما حملتك وطاب لك فيها عيش واستقام لك فيها دين. دع عنك هذه الأوهام واستمتع بعيش الواقع.

    هاجر من ( وطنك ) و إذا ضاق المهاجر منه هاجر.

    دعوات ممقوتة ( رد الله غربتك ) .

    لو مكذب .

    أقرب مغترب جنبك قل له ذلك وكن حصبفا في قراءة تعابير وجهه ولا تهتم لمجاملة شفاهه المضطربة.

    واحد قالت له أخته: ( ما خلاس جايي ) رد عليها ( أنا أسا داير أعمل ليك زيارة ) قالت : والله !!!

    ربنا يسحن خواتمنا إن شاء الله حيث وافتنا المنايا .

  3. < قطار التغرب لا تجد فيه زاد الا ما اختزنته من عواطف مدفوعة مسبقا، عبرت الحـــــدود معك...وفى نفسك حقيبة مليئة بالذكريات التى تجتر بعضها، كانها حبوب مسكنة، تتنـــاول منها عند اللزوم لتخفف بها الام الغربة.... هجرة تستصحبك ،فيها الامال الممزوجة بالامانى.. فى عودة ..مرتقبة >

    تعبير رائع و جميل يحكى تماما مايدور و يختلج فى نفوسنا و داخل صدورنا – و كأنك يا نابلسى قد شققت صدورنا و اطلعت على مافى نفوسنا – لك التحية على جمال العبارة وصدق التعبير .

  4. أصعب حاجة لمن بمشي الإجازة بحس بالغربة أكتر من الأنا فيها حسه . الناس إتغيرت وما بقى فيها الطيبة والبساطة ذي زمان .. كله بقى بحب المظاهر وكله لابس قناع حتى إستعمالات الكلمات بقت سخيفة ومالها معني .. مع كل كلمة والتاني الواحد يزج (يلا يلا ) وكأنها ذبابة كبيرة ورزيلة بهش فيها طول الوقت !! حاجات كتيرة يطول شرحها لكن … ما زلت أتمنى العودة .
    كلامك مسني جدا وعزف على الوتر الحساس بقلبي وإن شاءالله السودان يرجع حلو بناسه ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..