عاميتنا وينابيع الحنان (2)

اللغة العامية لكل شعب، مستودع ضخم لتراثه وقيمه الأخلاقية وأعرافه وتقاليده، وإذا صار هناك جيل «يستعر» من ذخيرتنا وقاموسنا العامي في الحياة اليومية، فهذا مؤشر لاهتزاز وتخلخل تلك القيم والأعراف، ومع الهلهلة والبهدلة التي تتعرض لها العلاقات الاجتماعية والعائلية عندنا، هناك جيل كامل ينفر من عبارات حنينة مثل حبيب قساي / ضلي وضراي، مع أن شاعراً جهبذاً كمحجوب شريف قال في أجمل قصائده الغزلية (جميلة ومستحيلة): يا صبية الريح ورايا خلي من حضنك ضرايا. الله عليك يا محجوب ود مريم محمود.
وهل يرفض سوداني أصيل طلباً لواحدة تقول له: أموت ليك / تدفنِّي؟ طبعاً هناك شابات يفضلن الموت على النطق بمثل تلك العبارات، بينما يرون في «تقبرني والتي تنطق تؤبرني»، عبارة «شيك وكوول»، لأنها وردت على ألسنة العجرميات، تماماً كجعل كلمة «بيبي»، تحل محل «حبيبي»، ولو قال شاب قبل ثلاثين سنة لفتاة يهواها «بيبي»، لانهالت على رأسه بشاكوش، وهي تصيح: أنا مخي يوزن بلد. تقول لي بيبي؟ البو الينفخك.
وأغنيات هدهدة الأطفال (اللولاي، ومن عجائب الصدف أن هذه الكلمة السودانية تشبه لفظاً نظيرتها الإنجليزية للاباي lullaby) عندنا بديعة الكلمات والإيقاعات، وكثير من النساء يؤلف اللولاي الخاص بعياله، بينما اللولاي المتوارث عبر القرون هو: النوم تعال سكت الجهال/ النوم النوم ولدي الغالي/ النوم النوم يستر حالي (في الخليج أيضا يسمون الصغير «جاهل» وينطقونها «ياهل»)، ولكن وبصراحة فإن جزءاً من هذا النص بحاجة إلى حذف أو تعديل، وتحديداً: النوم النوم بكريك بالدوم
الدوم كان بالنسبة لجيلنا ثمرة مشتهاة، وياما طارت أسناننا ونحن «نكُدَّه»، حتى بعد أن نشبعه ضرباً بيد الفندك/ الهاون، حتى يصبح هشاً إلى حد ما، ولكن قُم باستطلاع رأي بين أطفال عاصمتنا، وستكتشف أن أكثر من نصفهم لم يسمع بالدوم، أو حلاوة لكّوم، ولا يعرف معنى الضربة «أم دلدوم».
ومن المفردات السودانية التي تلمس شغاف قلبي (بصراحة لا أعرف موقع الشغاف من القلب)، كلمة «هيلي» بمعنى ملكي، وهل قيل في قوة الانتماء الى الوطن أجمل من «بلداً هيلي أنا»، وتؤدي «هيلي» نفس معنى كلمة «حقي/ حقتي»، و»حق» هنا أقوى من «حق/ حقوق» التي يتداولها الساسة و»المسقفون» وجماعة الحوار الوطني والمجتمع المدني (بالمناسبة هل العسكريون ممنوعون من عضوية منظمات طوعية إنسانية؟)، لأن «حقي/ حقتي» لا تصدر إلا عن شخص واثق من ملكية الشيء، حتى وهو يقول «البلد حقتي أنا كمان، ما المؤتمر الوطني براهو!!».
وهل هناك عبارة تلين حتى قلب شخص قُدّ من صخر من شاكلة «فشار» الأسد، مثل أعفي لي، التي يقولها أهلنا ليس فقط من باب الاعتذار، بل بأن يتم مسح الخطأ في وِشِّي»؟ وهل يتمنى ابن / بنت بار(ة)، أن يسمع من أحد الوالدين ما هو أجمل من: عافي(ة) منك، حتى تحيتنا «عوافي»، تحمل طلب العفو، والأمنيات لمتلقي التحية بتمام العافية، وما إحساسك لو قالت لك قريبة لك: نور الضلمة، وليد ناس يمه؟ إذا كنت ذا حس سليم سيصاب رأسك بالاستسقاء من فرط السرور لكونك ? في نظر القائلة ? «بدر الليلة الظلماء» وبرٌّ بأمهاتك (والسوداني الأصيل عنده «كذا» أم، وقد تكون إحداهن جارة ليس إلا).
الراي العام
إن سُؤلتُ: لمن هذه ؟
قلتُ ( هي لي ) أي ( ملك لي ) و بالسودانية( هيلي ) (ملكي )
و إن سُؤلتُ: لمن هذا ؟
قلتُ ( هو لي ) أي ( ملك لي ) و بالسودانية( هولي ) (ملكي ).
دمتم بود أستاذنا النحرير أبو الجعافر
ينصر دينك يا أستاذ
يا حليلك يا أبوالجعافر.
لا فض فوك يا بو الجااافر…
لكن تحولات الزمان لها أثر في حياة الإنسان.
نعم لقد حدثت كثير من التحولات في السنين الأخيرة و خاصة في عصر المعلوماتية و هذه الثورة الرقمية العاصفة,لدرجة أن موضة الشباب صارت تظهر في أمريكا و في أفريقيا في وقت واحد.أصبحت الموضة لا تدوم أكثر من ستة شهور أو سنة علي أكثر تقدير.شاهدت ذات مرة الشباب موقفين (تفهم) أي شعورهم و يحملون شنط صغيرة في كتفهم.تصفحت النت ووجدت أنها مجرد موضة.لقد أفلحت الشركات في إصطياد الشباب و التفنن في تسويق سلعها.
أقول أن تحولات الزمان لها أثر في حياة الإنسان.لم يكن في زماننا غير الدوم لنكده و نستمتع به.كان رمي الدوم بالحجارة من الشجر يستهوينا.أما الآن فقد تبدل الحال,أي من الدوم إلي الشيكولاتة. و من إشتهاء الفواكه التي كانت نادرة في ذاك الزمن إلي الوفرة.
إتفق معك في الحفاظ علي إرثنا الثقافي و الحضاري, و لكن في نفس الوقت علينا أن نعد أبناءنا و نربيهم و ما يتفق مع روح العصر.جاء في الأثر عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : لا تعلموا أولادكم أخلاقكم فإنهم مخلوقين لزمان غير زمانكم.
بسم الله والصلاة والسلام على المبعوث رحمة لكافة الخلائق
(لا فض فوك)
دي أشياء طبيعية جدا مع تطور الحياة ، يعني إنت كديت دوم وأكلت حلاة لكوم داير أطفال هذا الجيل برضو يكدو ؟
عاميتنا كما هي ما فى زول هبشا ، سوي تغييرات بسيطة طرأت لتطور الحياة ، هيلي وهيلك وأرح وعوافي وأبقي داخل وأتفضلوا وحبابكم ، نحن ناس الجزيرة لي هسع بنستعملن.