أخبار السودان

ربيع شباب العرب ولد عجوزاً

أمين حمادة

قد يُفهم الآن، أكثر من أي وقت مضى، معنى “ربيع الشباب العربي”. في الربيع تصبح الحبة الواحدة سنابل عدة. وفي حين يغص العالم العربي منذ عقود، من مشرقه إلى مغربه بلا استثناء، بكل الأسباب الموجبة للثورة، حتى حيث لم تقم، تسير ليبيا مثلا نحو النموذج العراقي عبر فدرالية برقة، إذ أعلن زعماء المحافظة الشرقية، التي تضم ثمانين في المئة من احتياطيات النفط والغاز في البلاد، إنشاء مجلس إدارة شؤون المحافظة في مسعى للوصول إلى “حكم ذاتي”.
ومن جهته، رد “الثائر السابق” مصطفى عبد الجليل باتهام بعض الدول العربية بتغذية الفتنة “حتى تهنأ في دولها ولا ينتقل إليها طوفان الثورة”، وما أشبه قوله بمقال القذافي قبل أن يقتل بطريقة غير إنسانية!
أما رئيس الوزراء عبد الرحيم الكيب، فدعا الليبيين إلى حماية الدولة من “أشباه الثوار”، ولعل هذا يفسر أكثر سبب تصديرهم إلى سوريا!
واللافت أن يمر الإعلان “الفدرالي” خافتاً بين شباب عربي ادعى النقمة الدائمة على “سايكس – بيكو”، كما مرّ تقسيم السودان، حيث كانت الحدود أيضاً المنطقة النفطية.
هذه ليبيا “الثورة” من دون ذكر أعمال التعذيب، المثبتة من قبل المنظمات الإنسانية الدولية، في سجون السلطة الحالية ضد من أصبح “معارضا”.
وفي استطراد مشروع، يُسأل هل كانت “سايكس – بيكو” مؤامرة “تقسيم” أم نسج خيال؟
ولمشهدية “الربيع” قاسم مشترك فاقع: الإسلاميون في الحكم بعد ثورات سميت على اسم “الشباب العربي” الغائب، أقله ككوادر، عن السلطة ومراكز القرار. الأمر الذي تدل عليه المظاهرات المستمرة في تونس ومصر.
ورب قائل أن الديمقراطية أوصلت الإسلاميين، ومع التغاضي عن عامل تنظيم هذه الأحزاب المتفوق نسبة لغيرها، والتي ساعدها استعجال الاستحقاقات الانتخابية، إلاّ أن المفارقة تكمن في سلوك السلطويين الجدد، وخاصة تجاه العدو الإسرائيلي، المناقض لكل ما ادعوه زمن معارضتهم!
فإلى جانب الأحداث الدامية بين الشباب المسلم والقبطي، ظلت كامب دايفيد “محترمة” كاحترام إمداد الغاز لـ”إسرائيل”، وحرس سفارتها في القاهرة، زادت عديده السلطة، بعد أن أحيت ثورة مصر الحنين إلى دروب فلسطين.
والجدير بالذكر أن المرشح الرئاسي الأبرز حتى الساعة، هو عمرو موسى، الذي انتقدته الجماهير العربية مدة عشر سنوات، هي فترة توليه الأمانة العامة للجامعة العربية، لا سيما في حربي تموز وغزة.
ولائحة المرشحين تطول، وتشمل أمثال أحمد فاروق ببرنامج لا يتضمن سوى إلغاء عيد الحب أو “الفالنتين”.
وفي تونس، رفض حزب “النهضة” الإسلامي الحاكم سن قانون “تجريم التطبيع مع إسرائيل”. وكان زعيمها راشد الغنوشي سبق أن صرح لمجلة “ويكلي ستاندرد” الأميركية بأن الدستور التونسي الجديد لن يتضمن “أية مواد تدين إسرائيل”.
وحتى في المغرب، الملَكية لم تصمد إلا بعد تسوية مع حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي، وقدمت رئاسة الحكومة إلى رئيسه عبد الإله بنكيران، الذي كان أحد واضعي وثيقة تقبل فيها الحركة بالنظام الملكي وتقر فيها “بإمارة المؤمنين” التي تؤسس للشرعية الدينية للملك…عذراً لم أذكر أن الصلات المغربية الإسرائيلية لم تمس!
وفي اليمن، استبدلت المبادرة الخليجية صالح بنائبه، في بلاد ارتفعت فيها أصوات جنوبية انفصالية، وأدّت ثورة الشعب بعد كلفة قدرت بمئات القتلى من الشباب والأفراد، إلى تعزيز مواقع آل الأحمر من جهة وأقارب الرئيس السابق من جهة أخرى.
أما سوريا، البلد العربي الوحيد الذي خاض جميع الحروب ضد «إسرائيل» من دون استثناء، والدولة الوحيدة من بين دول الطوق التي لم توقع سلاماً يوماً ما، فتقع اليوم في أزمة أصبحت كونية، بعد أن ثار قسم من الشعب على نظام حمل «الممانعة» في يد والحكم الدكتاتوري في يده الأخرى. وسرعان ما تحولت الثورة المشروعة المطالب، إلى باب تصفية حسابات بين المحاور الإقليمية والعالمية، فانقسمت سلمية وعسكرية، دينية وعلمانية، وحتى المعارضة انقسمت معارضات خارجية، داخلية و«نظامية»..
وحده المواطن السوري يدفع ثمن دم يهرق ومطالب تمسخ وأياد تعبث. والأكيد أن سوريا الآن لا تعرف أي “ربيع”.
وخلال زمن “الربيع”، تظهر نظرة دقيقة إلى الفاتورة الفلسطينية: إنها الأعلى تهويداً وتشريداً واستيطاناً منذ عقود، ولا تزال غزّة تحت النار. في زمن الديكتاتوريات، قالت الشعوب العربية، وشبابها بالأخص، بالغلبة على أمرهم في المعادلة الفلسطينية، أما الآن فـ”الديمقراطيات” الجديدة متفقة حتى التماهي مع الأنظمة “الوراثية”، ومنطق “حكم الشعب” يقول أنها تمثله، وبالتالي الشعوب العربية بمعظمها يفترض أنها أصبحت صاحبة قرارها بفضل “الربيع” الذي حتى الساعة، سار على ركب من سلف بكل ما اختص بـ”إسرائيل”، فهل هو فعلاً الإرادة الشعبية والثورة التي انتفض بها الشباب العربي، مع ما يعنيه من تحول وربما دفن للقضية الفلسطينية؟ .. وهل هكذا يكون الربيع؟

السفير

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..