الحكومة اليابسة

لعل أجمل ما جمّل عروض مهرجان البقعة للمسرح هو إشتراك دولة الجزائر بمسرحية إسمها”مايا” بالطبع ليس من غرض هذه المقالة إستعراض المسرحية ،اونقدها فنيا ،بقدر ما قصدت أنها فعلا كانت نوارة المهرجان شكلا ومضمونا . ومن أجمل ما أثار إنتباهى فى المنلوج الذى أدته الممثلة الوحيدة فى كل العرض عبارة “حكومة اليابسة ” فى مقابل”حكومة البحر” وما قالته عن هذه الحكومة أعجب كثيرا جمهور العرض الذين اسقطوا عليه الكثير من الدلالات والاشارات التى يلمسونها يوميا فى حياتهم فى ظل حكومة الانقاذ . فهل حقيقة ان الانقاذ يابسة لهذه الدرجة؟ لو اننى كنت اجالس فى حضور ذلك العرض المسرحى شخصا آخر غير الدكتور فضل الله احمد عبد الله لكنت سألته عن رأيه فى الحكومة اليابسة , لكن لأن شهادته مجروحة فقد اخبرته فقط عن اعجابى بتعبير “حكومة اليابسة ” فجفاف الانقاذ لا يحتاج لشهادة معارض جاء اخيرا لصف المعارضة. ولا يحتاج اصلا لمصباح ديوجين ليراه الناس . الانقاذ إستطاعت بمكر عال تجفيف كل منابع الخير والجمال فى نفوس السودانيين ،وتيبّس قلبها وركن عقلها على انها الاوحد ،وهذا ما ساهم بشكل فاعل فى هدم صرح كامل الوطن وزعزعة الروح الوطنية . وبعد كل هذه السنوات الطوال من حكم الحكومة اليابسة ناقصة العقل والدين هذه يحاول هذه الايام الحزب الحاكم ان يتلين ويتجمل بهذه اللقاءات المطبوخة.التى يطلق فيها بالونات الهواء الكذوب علها تطير فى الآفاق وتصل الى مظانها فى الدول ذات الاثر والشأن فى السياسة الدولية وقرارات هيئاتها ومنظماتها علها تراجع العديد من المواقف والقرارات السابقة التى إتخذتها فى معارضته ،ومخدوع بصدق او مهزوم داخليا من يعتقد لحظة ان هذا الحراك الانقاذى يصب فى صالح الوطن والمواطن ، فالطريق اليهما دونه متاريس صنعتها الانقاذ ذاتها بيباسها على الموقف الاعمى المتعنت والخائف فى اغلب الحالات . فالتليين الموسوم بالوثبة ليس المعنى به إلا الدوائر الخارجية سعيا لإجهاض محاولات الضغط الذى تمارسه تلك الدوائر علي النظام القائم لتجبره على الخضوع والتنازل عن الكثير من مفردات وقواعد توجهه الحضارى اليابسة ،الامر الذى سيقود الى تغيير كامل فى عصبته ومصالحها وكشفها عارية للمحاسبة والعقاب ، وهذا بالطبع دونه لحس الكوع كما يقول عتاة النظام للمعارضة بشقيها المدنى والعسكرى . وتسويق هذا الهواء الكذوب “الهواء وليس الهراء”نجح فى خداع بعض الاحزاب المتجانسة فى الشغف بالسلطة والثروة ويعتبر كسبا كبيرا للنظام ويؤثر بصورة سالبة ومباشرة على دفع المعارضة فى اتجاه ترويض النظام او إسقاطه ، و يعطى النظام ايضا إحساسا زائفا بالرسوخ رغما عن ان المعادل الموضوعى لاسباب وعناصر بقائه فى السلطة لم تعد سوى قبضة امنية عاصفة ،وقوانين ترسّخ بطشها ومصالح شخصية وحزبية مرتعبة تسيّرها ولا تساهم باى حال فى الاستقرار الداخلى فى مركز السلطة والاطراف كلها .و ينظر الحزب العاكم لهذا الهواء كقارب نجاة الى الاستقرار السياسي الموهوم والذى يعمل على إطالة بقائه عاكما حتى الانتخابات التى دخلت خطوط إجرائها مطبخ الحزب لتسبيكها . ولأنها حكومة يابسة ومعسمة فإنها لا تستطيع الالتفات لترى المتغيرات حولها فى المحيط الاقليمى والعربى ،وليس فى حقيبتها من الاستراتيجية او الخطط او البرامج ما يمكن ان يساهم ويساعد على الوصول الى اجماع وطنى بل لا ترغب فيه اصلا حول القضايا السودانية المطروحة .وخاصة ملف الحرب و السلام .دع عنك ما يدور هناك فى دهاليزالادارة الامريكية وسياساتها المتأرجحة بين اليأس والعشم فى انعدال رأس الحاكمين او كسره لاخراج ما فيه مما يعيق مستقبل السياسة الامريكية فى القارة السمراء كلها ، وفى ذات الاوان عينها على البترول الذى تمسك زمامه بعض الدول الخليجية التى قلبها مع الانقاذ والريحة العربية فى ما تبقى من جسد السودان . و لذلك وجد الحصان الامريكى نفسه محاصرا داخل طاحونة الوضع الملتبس والمتيبس و المتكلس للحزب العاكم و طريقته فى الحكم التى لا يعرف ( رأسها من قعرها ) سوى العزم على تجييش الالوية للحسم العسكرى .ولكن الحسم العسكرى يحتاج للمال و المال عند الذى تتمنّع امريكا وتجادل فى أمره الخرطوم والدول المصادقة اوالصديقة . التغيير المطلوب من كل الاطراف و الجهات و الدول اصبح فى حد ذاته اساس العقدة التى تقعد بكل محاولات الوصول الى الاستقرار فى البلاد . فالسودان و منذ قدوم الانقاذ اصبح حقل تجارب لكل الدول صغيرها وكبيرها تمارس فيه تجاربها . والتربة الخصبة للازمات والمشاكل التى إبدعتها سياسات ومناهج المؤتمر الوطنى خير مكان. ومن هنا كانت معضلة الحكم فى ضياع الرأى الوطنى الرشيد وإستفحال سياسة المماطلة التى يتبناها صغار العقول و ابقاء الوضع على ما هو عليه متوترا دون مرحلة الانفجار الكلى . ليس هذا خوفا من التهاب الوضع الامنى فى كامل دول الجوار او الاقليم . فدول الجوار لم تتوقف فيها الحروب ولن تتوقف ما لم يلتفت الحاكمون المتيبسون فيها الى القضايا الحقيقة ومعالجتها بفهم وطنى ، و لهذا فان الرسالة الامريكية الموجهة لبعض الدول العربية ان سارعى لايجاد موقع قدم و ساهمى باغراء المال فى تليين رأس الحاكمين وليس من وقت افضل فى ظل الازمة الاقتصادية الخانقة الحالية
[email][email protected][/email]