حسن بَلْصَه – الحلقة الأولى

الحلقة الأولى
1
رحِمَ الله صاحبنا حسن بَلْصَه, الذي غيبَهُ الموت قبلَ أنْ يكون حاضراً في هذا الزمن الرديء, وإلاّ لكان له شأنٌ وأي شأن. فهو بطريقتهِ الميكافيلّية الفِطْرية, وركضه خلف المال, وطَرْقِهِ لكل السبل المشروعة وغير المشروعة لامتلاكه, يصلحُ لهذا الزمان الذي أصبح فيه أخذ الحقوق بالباطل, والاحتيال والغدر والخيانة، شطارة, يتباهى بها فاعلوها0
اسمه بشهادة ميلاده (حسن أدهم شبيب), إلا أن أفعالَه دعت إلى إلحاق صفة (بَلْصَه) به, فلازمته ولازمها حتى مماته0
على أيامنا, كانت تلك الصفة,( بَلْصَه)، سُبّة, لا يرضاها عامة الناس, من يمارسها ويقبل بها, يُصبح طريد العدالة والمجتمع, ويحاول حينها إخفاءَ فعلته عن الأعين بكل الطرق. لاحقا, وببقيةٍ من حياء, أخضعوها لعمليات تجميل, حتى تحظى بشيء من القبول, وزفّوها للناس بأسماء تدليلٍ شتى، إكرامية, دهن, تسليك, تسهيلات، عمولات. حتى إذا ما بلغ الأمر مبلغه من الانفلات، وخراب الذمم, صاروا يقولون، رشوة, هكذا, صريحة واضحة0
صاحبنا حسن ما كان يكترث بإخفاء فعلته, يأخذ بلْصته جهاراً نهاراً. أصوله الغجرية التي ينحدر منها، لا ترى في التسول والنصب والاحتيال والخداع والسلب، ما يدعو للخجلِ أو التخفي. لذا فهو لم يذهب بعيداً, حتى أنه يبالغ أحيانا فيعرّف نفسه بها:
– محسوبك حسن بَلْصَه
هيأ له عمله بالبوليس في فترةٍ ما, فرصةَ للبطشِ بكل مخالف للقانون والنظام, خاصةً أصحاب الدرّاجات, الذين يسهون عن وضع إضاءة عاكسة خلفية أو أمامية, وما أكثرهم حينها, خاصة أهلنا البسطاء من غرب النهر، الذين بطبعهم يخشون أهل السلطة، فأولئك هم صيد حسن بَلْصَه الثمين. بالرغم من ذلك, لم يحدث يوماً أن أوصل أحدهم إلى المركز, فهو يكتفي بالإرهاب، والتلويح بالإدخال إلى الحراسة, ثم يفرِض بلْصته فرضاً، وما على من تسوقه أقداره السيئة للوقوع بين يديه, سوى الدفع , وهو لا يغالي فيما يُدفع له من بَلْصَه, شلن، أو ريال على الأكثر ، وهو رسم مقبول من الطرفين.
حذره رؤساؤه حين فاحت رائحة أفعاله تلك, إلا أنه ضرب عرضَ الحائط بكل تلك التحذيرات, فلا دليل مادي يثبتها و لا شكوى رسمية, إن هي إلا أقوال تناقلتها الألسن:
-ناس حاسدين, ما عندهم أي دليل
يقولها (حسن بَلْصَه)،وهو يضرب بقدمه على بدالة دراجته الأنيقة،التي أغتصبها من أحد العجلاتية،عنوة واقتدارا،حين ضبطه وهو يدخن سيجارة بنقو بجِسرٍ قصيٍ من جسور النهر.
2-
صاحبناه زماناً, أو بالأحرى فرض هو صداقته علينا. فهو مهووس بمصادقة المتعلمين، وكبار الموظفين، ومن على شاكلتهم. يدّعي علماً وثقافة واطلاعاً، بالرغم من أننا نعلم تمام العلم، أنه بالكاد أكمل تعليمه الأولي. كثيراً ما تذمر منه صاحب المكتبة الوحيدة بالمدينة, حين يقوم حسن، بمطالعة كافة الصحف والمجلات وعناوين الكتب المعروضة، ثم ينسحب دون أن يشتري أياً منها 0
أضحكنا مرةً حين ذكر أنه وجد بالمكتبة رواية جديدة ليوسف السباعي، عنوانها (السَقَامات) لفظها هكذا ككلمة واحدة.
رحم الله مؤلفها, فهو بالتأكيد لم يخطر بباله هذا الاسم, فالعنوان الذي صاغه لروايته، يتكون من كلمتين:
( السّقّا….مات),
وهذه غير تلك يا حسن.
حاول جاهداً أن يتعلم اللغة الانجليزية, دفعه إلى ذلك، غيظه منّا ونحن نتخاطب بها أحياناً. للأسف نفض يده عن تعلمها وتركها لسببين, أولهما، أن مواعيد الدرس، تمنعه من اصطياد البلصات. ثانيهما والأهم, ضيقه من دفع رسوم الدراسة, فالقاعدة عنده أن يأخذ فقط.
صديقنا ( عمر ), كان يستهدفه دائما بسخريته، ويُدْخِله في اختباراتٍ عسيرة، بقصد إضحاكنا. عرض عليه ذات مرة صورة ( الموناليزا)، وسأله بخبث ظاهر:
– ياحسن، باللهِ عبّر لينا عن إحساسك بالصورة دي ؟
لم يفطن حسن للكمين الذي نُصب له، تطلّع في الرسم, اتكأ بخده على كفه المضمومة، متخذاً هيئة المفكرين والأدباء الذين يراهم في الصحف والمجلات, قطب جبينه، وكأنه يستدعي أفكاراً استعصت عليه, ثم نطق بعد هنيهة:
– يا خي شفت صورة ( ريّا )، في مطعم عمّك يوسف ؟, السمينة المشلخة، شُفتها ؟ والله أجمل من دي.
ثم ضحك ضحكته المميزة، التي تشبه نبيب التيس0
وهو بقوله هذا، يُشير إلى تلك اللوحات، التي كان يُزين بها أصحاب المطاعم والمقاهي جدران محلاتهم. لوحات بالحجم الطبيعي لنساءٍ بدينات, سمراوات, مشلخات, ناعمات, لامعات, عاريات كاسيات, على سُررٍ متكئات, يلبسن أنواعاً من الحُلي التي كانت سائدة حينها,كالزمام، والقشّة، والرشمة، والفِدو، والحجول، وتيلة الشّف، والفرج الله، والجدلة، و غيرها. تلك اللوحات التي برع في رسمها آنذاك، الفنان السوداني ( احمد سالم)0
الله عليك يا حسن بلصة, لقد جعلت الخواجة ( دافنشي)، يتململ غيظاً في تابوته0
[email][email protected][/email]
خيال يقتنص في حذق مشاهد حياتية من الزمن الجميل.
شكرا أستاذ الطيب على هذا الإبداع فى عرض مشاهد من زمن جميل ولى.
الموضوع ده مكرر يا حبيب
شكرا يا استاذ الطيب على هذا الابداع
وكم انت رائع وراقي ايها الفصيح البليغ
ليو
حسن بلصة مات مظلوما لم يعذب احد ولم يدخل
احدا الحراسة او السجن لم يسمع ببيوت الاشباح
حيث تقبض الارواح والممتلكات في ان واحد رجل
كان طيب وسازج وزول بيضاء. واليوم السودان
اصبح كله حسن بلصة وكما بلصة مقننة وعلى عينك
يا تاجر اعني حسن بلصة لو كان عايش اليوم لاصبح
فريق شرطة لانه مؤاهل وصاحب خبرة الكيزان يعملوا
ليه الف حساب