حسن بلْصة – الحلقة الثالثة

حسن بَلْصَه الحلقة الثالثة
عندما نُقِل صاحبنا (حسن بلْصه) للعمل بقسم رخص قيادة السيارات, تأكد لنا أنه قد عثر على كنز لا ينضب من البلْصات، التي تتجاوز قيمتها تلك التي يستلبها بشق الأنفس من أصحاب الدراجات، وغيرهم من عابري الطريق. كان صاحبنا يفعلها:
– عيني عينك
كما قال أحد معارفه, إذ أنه كان يحمل دفاتر الرخص في جيبه، جاهزة مختومة، فقط يكتب الاسم ويضع الصورة، ويستلم.
كثيراً ما عكّر زبائنه مزاجنا, ونحن نستعد لبدء سهرتنا. بمرور الأيام، تكاثروا، وأصبح بعضهم يأتي من مدنٍ بعيدة وصلت إليها شهرة (حسن بَلْصَه) وتسهيلاته الخدمية. من الأبيض، من مدني، من كوستي، من شندي، وغيرها من مدن البلاد المختلفة. وبسبب التأخير واستعجال البعض إكمال الصفقة بسرعة والعودة لمدنهم البعيدة، تحدث أحياناً ملاسنات ومشاحنات بينهم وحسن بلْصة، الذي يستغل الموقف لزيادة الرسوم المتفق عليها. فرصة، وحسن بلْصة خير من يغتنم الفرص.في النهاية يرضخون مجبرين لمطالبه.
حذرناه من مغبة ما يفعل، إلا أنه لم يكترث:
– حيحصل إيه ؟ يرفدوني ؟ أنا ذاتي دايرهم يرفدوني
ثم علمنا أنه وبمهارة وذكاء، استطاع استقطاب بعض أقرانه بالقسم، وبعض أصحاب الرتب الوسيطة,. يتقاسم معهم حسن بلْصة ( الغلَّة)، كما كان يُسمي عائد البلْصات. بالطبع فهو لن يعطيهم الأرقام الحقيقية لغلّته تلك. في البداية شككنا في مدى صحة تلميحاته إلى أن ( رأس كبيرة)، حسب تعبيره، مشتركة معهم وتوفر لهم الحماية اللازمة. إلا أننا في النهاية، تأكدنا من ذلك، بعد أن كثرت الشكاوى. وتكونت لجنة لتقصى الحقائق، وخروج (حسن بلْصة)، بعد التحقيق، كالشعرة من العجين. دون محاسبة تذكر.إذ اكتفت اللجنة بفصله عن العمل بدعوى الإهمال وعدم الانضباط.
غادر (حسن بلْصة) قسم رخص قيادة السيارات، وبحوزته كمية معتبرة من المال,شيّد منها منزلا, واكترى بصاً، وانطلق داخل السوق، يتاجر في أي شيء وكل شيء.
ظهرت مواهبه الحقيقية، حين قفز إلى مركب السياسة. (حسن بَلْصَه) يجيد فطرياً قراءة المستقبل لكل أمر يخوض فيه. انضم لزمرة مؤيدي حكومة عبود, فنال نصيبه من مقاولات بناء منازل قرى حلفا الجديدة. وفي الوقت المناسب تماماً، كان أول من ركب موجة اسقاطها هاتفاً:
– تسقط حكومة العسكر.
وأول من اعتلى ( قطار الموت) الذي سيره أهل المدينة إلى العاصمة لمساندة الثوار.
أقسم لنا أنه شارك في الزحف الى القصر الجمهوري، وأنه أول من هتف:
– نحو القصر حتى النصر.
لكن من يُصدٌق مبالغات ( حسن بلْصة)؟
انضم لليساريين في بدايات أكتوبر، فتسيّد المسيرات و الليالي السياسية، بجُرْأته و صوته الجهوري، الذي لا يحتاج معه لمكبر صوت،يحشو فمه بكلمات وتعابير ومصطلحات من شاكلة الاشتراكية والأممية والبروليتاريا، وأسماء قادة اليسار المعروفين، كارل ماركس ولينين وغيرهم. وكنا نتندر عليه بمناداته ( الرفيق حسنوف).
أخيراً تركهم، مبرراً انسلاخه عنهم بقوله:
– تصور كان تحت تحت، يسموني (ميم نون)، يعني مغفل نافع, شوف بالله الناس ديل.
نحن نعرف يا حسن بَلْصَه أن الأمر غير ذلك.
بعد الانتخابات أصبح اتحادياً ديمقراطياً، وحين تغيّر اتجاه الريح، انضم لحزب الأمة. عاث بيعاً في رخص الاستيراد والتصدير، التي كافأه بها هؤلاء وأولئك وتدفق عليه المال. عرف في تنقلاته، من والى الخرطوم، ركوب السيارات الفاخرة، والطائرات، وحَجْز مقصورة خاصة بالقطار عند الضرورة. ازدادت حمرة وجهه احمراراً, وظهرت له كرش صغيرة يربت عليها ويسأل جلسائه:
– رأيكم شنو في الحنَّانة دي؟
الغريب في الأمر، أنه مازال متمسكاً بلقبه:
– ياجماعة اللقب ده بخيت معاي
ثم يضحك ضحكته تلك التي تشبه نبيب التيس0
يتبع….
انته اكيد قاصد الصادق المهدي…موش ؟؟؟؟