الأحزاب السودانية .. هل إلى إصلاح من سبيل؟ (7)

من المؤكد أن الأحزاب السودانية، حسب المعطيات الراهنة، لا تستطيع تلبية حاجات المجتمع السوداني في شتى مناحي الحياة، سواء منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وذلك لعدة عوامل حاولنا أن نجملها فيما طرحنا من آراء وتحليلات لواقع تلك الأحزاب المؤسف جداً. فأحزابنا تعاني من غياب الشورى والديمقراطية في ممارستها الداخلية، ولذلك أنعدم في أوساطها التنافس الذي يمكن أن يفسح المجال لذوي القدرة والكفاءة، فقد ظل بعض زعماء الأحزاب في كابينة القيادة حتى الممات ومن لم يمت فهو لا يزال يصر على البقاء في موقعه مهما تقدمت به السن وأقعده العجز والشيخوخة أو ربما الزهايمر في بعض الحالات! ولذلك فإن قرارات الأحزاب السودانية لا تصدر عن مؤسسات تلك الأحزاب ومجالس شوراها، إن وجدت، بل كثيراً ما نسمع عبارات مثل قرر مولانا أو الحبيب الإمام أو الشيخ أو ما شابه ذلك من الألقاب، وهذا ما يفسر ظاهرة التذمر في الأوساط الحزبية؛ مما يؤدي فيما بعد إلى التشرذم ومن ثم الانقسامات التي فرخت لنا حتى الآن ما يزيد عن مائة وعشرين حزباً هي التي تشارك في الحوار الوطني الآن. وبما أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإن من المطلوب في المقام الأول من أحزابنا أن تتخذ الديمقراطية والشورى منهجاً لممارسة العمل والسياسة داخل أروقتها وهياكلها ومن بعد ذلك يمكن لها أن تحاول إقناع الجمهور السوداني بمقدرتها على الالتزام بمتطلبات الديمقراطية وتطبيقها على أرض الواقع من أجل التداول السلمي للسلطة وتحقيق الاستقرار السياسي. وذلك يتطلب إشراك أعضاء الحزب في صنع القرار وتداوله ضمن الهيكلية الحزبية؛ أي ممارسة الديمقراطية الحزبية الداخلية حتى تغذي التنافس الحزبي للمواطنين وتقدم ممثلين أكثر حنكة ودراية وخبرة، حتى تضمن أن الحزب سيكون قادراً على وضع سياسات وبرامج سياسية أفضل. وهذا يعني بالضرورة اختيار جماهير الحزب لقيادته ومرشحيه والمساهمة في تمويل أنشطته حتى لا يكون عرضة لرهن قراره لجهات قد تكون لها أجندة تتضارب مع المصلحة العليا للبلاد. وبمعنى آخر لابد من وجود أنظمة وضوابط صارمة في أروقة الحزب تكون قابلة للتنفيذ على جميع المنضوين تحت رايته دون استثناء. علاوة على ذلك، يجب على الأحزاب السودانية أن تقدم للجمهور نظماً أساسية تصلح لأن تكون منطلقاً لأحزاب سياسية حديثة ذات برامج محددة، بعيداً عن التبعية الطائفية والقبلية والعقائدية والجهوية والمواقف التاريخية التي عفا عليها الزمن، بحيث تكون المواطنة هي المبدأ الذي ترتكز عليه الأحزاب تفادياً لأي تقاطعات غير مرغوب فيها على مستوى العمل السياسي الوطني الخالص. في واقع الأمر، تواجه الأحزاب السياسية في السودان تحديات كبيرة وسط دورات ديمقراطية هشة ومهددة دائما بانقلابات عسكرية أو ثورات شعبية. كما تواجه معوقات أكبر من بينها غياب الشفافية والديمقراطية داخل أجهزتها وضعف التأييد الشعبي والثقة في قياداتها بالإضافة إلى مشكلات ضعف التمويل وغياب البرامج البديلة. ولعل هذا هو السبب الرئيس في تقلب الوضع السياسي في بلادنا بين ديمقراطية هشة لا تقوى على الصمود، وبين حكومات شمولية طويلة الأجل تعطل الدستور وتحول دون ممارسة الحكم الديمقراطي وتحكم قبضتها عن طريق القهر والأجهزة الأمنية دون أن تحقق تنمية ملموسة، وبالتالي تتكرر نفس الدورة الخبيثة التي تظل شاهداً على إدمان النخب السودانية للفشل في إدارة شأن الوطن. إن أزمة الأحزاب في السودان ناتجة عن عجز تلك الأحزاب عن إعادة هيكلة بنائها الداخلي وصياغة مشاريع مجتمعية تراعي التحولات الاجتماعية والسكانية وربما الممعرفية العميقة لبلادنا، من أجل مواكبة الاستحقاقات السياسية التي بلورتها تلك التطورات، إلا أن الأحزاب السودانية، سواء منها التقليدي أو العقائدي، قد فضلت الاستكانة إلى حلول ترقيعية تتنافى مع ما تفرضه الظرفية السياسية الحالية من التزام بالإصلاح. يجب على الأحزاب السودانية أن تدرك أن أفضل وسيلة لبقائها واستمرارها كمنظمات فاعلة هي السعي نحو الإصلاح المستند أساساً على قيادة ذات منظور قابل للتطوير وفق أسس علمية وعملية وباستخدام آليات وأساليب مبتكرة حتى يستطيع الحزب طرح أفكاره وتنظيم عملية اتخاذ قراراته وإنفاذها ومحاسبة أعضائه حفاظاً على وحدته وتماسك جماهيريه. وبما أن الأحزاب هي منظمات مجتمع مدني مفتوحة، فإنها مطالبة بأن تكون أهم أولوياتها هي تلبية حاجات المواطن حتى تساهم في استقرار البلاد وتطورها سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. ومن أجل تحقيق هذه الغاية، ينبغي على قادة الأحزاب وهيئاتها القيادية افساح المجال للكوادر الشابة للانخراط في ممارسة العمل السياسي وفقاً لمنظور حزبي حديث يرتكز على المفاهيم النظامية المعمول بها في المؤسسات الحزبية الفاعلة. ليس هذا فحسب، بل يجب على الأحزاب إتاحة فرص التدريب المنظم لفئات عمرية مختلفة ضماناً لاستمرار عملها وتأكيداً لمبدأ عدم احتكار القيادة بسبب أسري أو طائفي أو عقائدي أو غير ذلك من الأسباب التي يتمسك بها زعماء الأحزاب للبقاء في قيادة أحزابهم. وانطلاقاً من قاعدة البقاء للأصلح؛ فإن الأحزاب السودانية أمامها خياران: إما الإصلاح أو الزوال.
[email][email protected][/email]