مقالات سياسية

إِطعام همشكوريب — Feeding Hameshkoreb بقلم: مايكل ميدلي —

إِطعام همشكوريب — Feeding Hameshkoreb
بقلم: مايكل ميدلي — Michael Medley
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
[email][email protected][/email] تقديم: هذه ترجمة مختصرة لبعض ما جاء في مقال نشر في العدد الثلاثين من المجلة البريطانية ” دراسات السودان” الصادرة في أبريل من عام 2003م للكاتب البريطاني مايكل ميدلي، والذي عمل في منتصف ثمانينات القرن الماضي مدرسا للغة الإنجليزية في مدارس الجزيرة، ثم عمل من بعد ذلك في مجال الإغاثة الإنسانية في مناطق النزاعات بالسودان وفي جنوب السودان(قبل وبعد الانفصال)، وقدم رسالته للدكتوراه حول سياسات الاستجابة الإنسانية للمجاعة في بحر الغزال في عام 1998م.
قد يجد البعض منا أن في عنوان المقال شيئا من “المن والأذى” وتأكيدا لدعوة الشاعر البريطاني كبيلنيج القديمة للرجل الأبيض كي يستمر في تحمل عبئه. ولكن يجب تذكر أيضا أن تقاعس الحكومة عن القيام بواجباتها تجاه مواطنيها، وغياب منظمات الإغاثة الوطنية لا يدع لأحد مجالاً كبيراً لذم وانتقاد المنظمات الأجنبية وما قد تفعله وما لا تفعله… فنحن نعيب “منظماتنا” والعيب فينا!
المترجم
**********
قررت أن أحاول الذهاب إلى هيمشكوريب، تلك المدينة المقدسة، عندما سمعت في أكتوبر الماضي (عام 2002م) بأن المعارضة السودانية قد أعادت الاستيلاء عليها، فقد كنت قد عملت في مجال الإغاثة الإنسانية في تلك المناطق التي يسيطر عليها “التحالف الوطني الديمقراطي” على الحدود الإرترية حتى شهر مايو المنصرم. وكانت سيرة هيمشكوريب كثيراً ما ترد في أحاديثنا، فقد كنا نطلق اسم تلك البلدة على كل المنطقة التي كنا نعمل بها، غير أن البلدة نفسها كانت بعيدة عن العمليات الحربية في تلك الأيام.
كنت شديد الافتتان بالطبيعة في تلك المناطق… جبالها العالية وتلالها المنخفضة، وصخورها الملساء العارية أحيانا، والمتعرجة الخشنة كظهر ديناصور أحيانا أخرى…وأشجار الدوم المتفرعة المبثوثة بين نباتات الأكاشيا المنتشرة في أوديتها، وطبيعتها التي تبدو وكأنها آتية من عصر ما قبل التاريخ. ولا تهطل الأمطار في هذه المنطقة إلا نادرا في شهري يوليو وأغسطس. وفي العام الماضي، وكما كان هو الحال في معظم مناطق القرن الأفريقي، لم تمطر السماء إلا لماما.
وجدت نفسي في هذه المنطقة منجذبا عاطفيا لهؤلاء البجا الذين ظلوا يقطنون هذه المناطق منذ أكثر من خمسة آلاف من الأعوام. وذات صباح، وعلى مائدة شيخ سليمان بيتاي، تناولت طعام الإفطار والذي كان مكوناً من لحم المعز ولبن الإبل. وأهداني الشيخ في ذلك الصباح طقماً كاملاً للزي البجاوي الرجالي. وكانت الجلابية البجاوية (التي تشابه قميصا أبيضا طويلا) تشبه الجلابية التي يرتديها غالب الرجال في أواسط السودان إلا أنها أقصر قليلا، فهي تصل إلى منتصف الساق ولا تلامس الأكعاب كما هي جلابية رجال الوسط. وفوق الجلايبة يرتدي البجاوي صديري يميز زيه الخاص وسروالاً واسعاً. تعثرت قدماي وأنا أحاول أن أعثر على فتحتي السروال المنتفخ. ولعل من مزايا هذا الزي المريح أن بمقدور المرء أن ينام به عندما يغلبه النعاس في ذلك الحر اللافح.
كان كثير من الرحالة يفترضون أن البجا هم من العرب، غير أن التاريخ يعلمنا أن البجا قد وجدوا في هذه المنطقة قبل توسع العرب في أفريقيا بسنوات طويلة جدا، وهم يتحدثون لغة مختلفة تماما. وكان رفقائي من البجا يحاولون إفهامي بأن لغتهم “البداويت” تخرج من الصدر مباشرة وليس من اللسان والشفاه. وربما كان يرمون إلى أن لغتهم كانت تأتي القلب، وهي أداة تنقل الإخلاص والصدق وليس مجرد الحديث المجرد والحذلقة. وأشهد أن هذا هو ما لمسته عند هؤلاء الناس.
خلال القرن المنصرم ظلت مناطق البجا التقليدية تخصص لغيرهم من الذين أتوا للمنطقة بغرض التجارة والتبشير والتنقيب عن الذهب، والذين قاموا بتأسيس مدن ومشروعات زراعية. وفي هذه المدن والمشاريع تعلم البجا اللغة العربية وتبنوا ثقافتها، و”تسودن” بعضهم تماما واستوعبوا ثقافة الدولة الغالبة. وقام من رفضوا ذلك ممن كانوا ينادون بهوية بجاوية مستقلة بتأسيس حزب “مؤتمر البجا” في عام 1958م أي بعد عامين فقط من استقلال السودان. وقام انقلاب عام 1989م بإلغاء حزب “مؤتمر البجا” مع غيره من الأحزاب السياسية الأخرى، فانخرط ذلك الحزب، ومنذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، في حركة مقاومة مسلحة.
وفي الفترة التي عملت فيها في مجال الإغاثة في تلك المنطقة نشب خلاف بين شيخ سليمان بيتاي وبين قادة “مؤتمر البجا”، ولعلي كنت، وبصورة من الصور، “متورطا” في ذلك الخلاف. ولتفسير ذلك الخلاف ينبغي أن نذكر بعض المعلومات عن ذلك الشيخ وعائلته. إنه شيخ موقر ومحبوب عند سكان منطقته وخارجها. ويؤمن مريدوه بأن والده الشيخ على بيتاي كان قد رأى في المنام أن الرسول يوصيه بأن يجمع الرعاة الرحل في مكان واحد وأن يبني لهم مساجد للصلاة حيث يقيمون. وكان كل هؤلاء البجا يدينون بالإسلام، غير أن معرفتهم بأمور دينهم كانت محدودةً جداً، وكانوا لا يودون التقيد والالتزام الصارم بما يرد في التعاليم الدينية، خاصة إن أتتهم من رجل من غير البجا. وكانت رسالة الشيخ علي بيتاي لشعبه بسيطة وواضحة وهي: “اعبد ربك بانتظام وتعاون مع جيرانك”. واستجاب الناس لدعوة الشيخ بحماس شديد، غير أن الحكومة الاستعمارية وما أعقبها من حكومات وطنية كانت، وفي فترات معينة، تحس بالشك والريبة في نوايا الشيخ وشعبه، ولا عجب فهؤلاء هم القوم المحاربون الذين خلدهم الشاعر البريطاني كيبلنيج في قصيدته الشهيرة “فيزي ويزي” وذكر استبسالهم في معاركهم مع جيش المهدي ضد قوى الامبريالية والحداثة قبل جيلين أو أكثر.
وأنشأ الشيخ على بيتاي مدينة هميشكوريب الصغيرة لتغدو مركزا لشبكته الدينية، فأقامها حول الخلوة والتي استقطبت فيما ما أقبل من أيام عددا كبيرا من التلاميذ من منطقته ومن المناطق السودان الأخرى القريبة والبعيدة، بل ومن الدول الأجنبية كذلك. وكان “الحيران” يجلبون معهم أحيانا بعض العطايا للخلوة، إلا أنه من الثابت أن الشيخ كان يدبر أمر تعليم وإعاشة هؤلاء “الحيران” من موارد الزكاة التي كان يتلقاها ممن يرتاد المساجد التي كان قد شيدها في المنطقة.
وفي عام 1978م خلف شيخ سليمان أباه، ومع مرور الأعوام قام الشيخ الجديد بالدخول في عمليات تجارية كثيرة جنبا إلى جنب عمله الرئيس كشيخ ديني، وقيل أنه أفلح في الحصول على دعم مالي وعيني مقدر من مانحين أثرياء كثر في الخليج العربي.
ولكن بدأت أعمال الشيخ في المجال الديني وغيره تتأثر مع بدء التمرد في المنطقة. فقد استولت المعارضة على هميشكوريب في المرة الأولى في عام 2000م وبقيت في قبضتها لخمسة شهور كاملة. وقرر الشيخ البقاء في مدينته الصغيرة وأعلن عن تأييده للتحالف الوطني الديمقراطي. وسر بالطبع ذلك التحالف المعارض للحكومة بتأييد الشيخ له نظراً لثقله الديني والشعبي والاجتماعي فدعاه ليكون عضوا في مكتب قيادته والذي كان يضم نخبة من شخصيات سياسية مؤثرة مثل محمد عثمان الميرغني (زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي) وجون قرنق (زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان). غير أن ممثلي “مؤتمر البجا” في “التحالف الوطني الديمقراطي” كانوا من أقل أعضاء التحالف سعادة بذلك التعيين، فقد كانت إدارة شئون شرقهم وشعبهم متروكة لهم وحدهم دون تدخل من الجنود الآتين من المناطق الأخرى. وبقيت الأحوال هكذا- على الأقل من ناحية نظرية- حتى بعد دخول شيخ سليمان بيتاي إلى المكتب القيادي للتحالف. بيد أن دخول ذلك الشيخ، وبكل ما كان يحمله من ثقل معنوي وديني، استوجب من “مؤتمر البجا” القيام بحركة تكتيكية كان وراءها ما وراءها. تلخصت تلك الحركة في انتخاب ابن الشيخ سليمان الأكبر (واسمه محمد الطاهر) لمنصب محافظ هميشكوريب، ليكون مسئولا عن الشئون الإدارية في المنطقة وذلك تحت إشراف فضفاض من قبل “مؤتمر البجا”.
ولم أكن ملماً تماماً بتفاصيل خلفيات العلاقة بين الشيخ سليمان و”مؤتمر البجا” عندما وصلت للمنطقة لإقامة برنامج عون إنساني لإحدى المنظمات الأمريكية غير الحكومية. وتوطدت علاقتي بمحمد الطاهر، إذ أن أحد أهدافنا الرئيسة لم يكن يقتصر على تقديم العون الإنساني والخدمات الاجتماعية فحسب، بل العمل أيضا على إنجاز تلك المهمة عن طريق الإدارة المحلية وبطريقة تشجع على المسائلة والمحاسبة الديمقراطية. وطلبت من محمد الطاهر أن يسمح لي بأن أشهد اجتماعات لكبراء قبيلته الذين يمثلون كل القرى في المنطقة كان يعقدها بانتظام مرة كل شهرين. وفي تلك الاجتماعات كنت وزميل لي نقدم قوائم مفصلة بكل ما جلبنا للمنطقة من مواد غذائية وغيرها، ونطلب مشورتهم في وضع خطط لتوزيعها. وكانوا يعبرون لنا عن جزيل شكرهم لما كنا نقدمه لهم، ويطالبونا بتقديم مواد بعينها لمناطق يحددونها هم بأنفسهم. وكانت غالب طلباتهم تدور حول حفر مزيد من آبار مياه الشرب، وإمدادات الأدوية البشرية والبيطرية، ومبيدات الهوام القوية (مثل الدي دي تي) لقتل الحشرات والقراد في بهائمهم. ومما أذكره أن اثنين من ممثلي إحدى القرى والذين كانوا يشهدون تلك الاجتماعات المنتظمة أصيبا في مقتل بسبب انفجار لغم أرضي كان مزروعا في المنطقة، وأذكر أيضا أن شيوخ القرى ناشدونا أن لا تفت تلك الحادثة المروعة في عزمنا ورغبتنا الأكيدة في حضور تلك الاجتماعات الدورية.
كان محمد طاهر يستقبل بنفسه شحنات البضائع والإمدادات التي كنا نجلبها للمنطقة ويقوم على أمر توزيعها مستخدما اللواري (التقليدية) التي يملكها والده.
وكان أكبر مشروع شاركت فيه وأشعرني بالفخر هو عندما وصل وبصورة مفاجئة بضع مئات من العائلات التي نزحت من المناطق التي كانت تسيطر عليها القوات الحكومية بسبب فيضان مفاجيء، وأيضا بسبب مضايقات مستمرة من رجال الشرطة الحكومية. ذهبت إلى مقر المحافظ وأعطيته كمية من المال تكفي لنسج خيام محلية تقليدية. وما هي إلا أيام قليلة حتى تحول ذلك المعسكر البائس إلى معسكر خيام جميلة المنظر تحاكي في الشكل الخارجي مبنى أوبرا سيدني الشهير! وحرصت على تسجيل أسماء كل المقيمين في ذلك المعسكر وأخذ بصمات أيديهم كذلك. وحاولت ذات مرة أن أستوثق من بعض الأسماء في المعسكر، ولكن لم يتيسر ليذلك ، فالرجال لا يبقون أبدا في بيوتهم في غضون ساعات النهار، وكان من المستحيل رؤية النساء في المعسكر دعك من الحديث معهم.
كان من ضمن المشاريع الأخرى التي كنت مسئولاً عنها هي إدخال جهازي تلفزيون وفيديو ومولد كهرباء صغير. وكان مقرراً أن نطوف على القرى المختلفة بالجهازين كي نعرض أفلاماً تعليمية وتوعوية وإرشادية قصيرة عن أمور أولية تتعلق بالصحة العامة والتغذية. وأردنا أيضا أن نقنع مشاهدي تلك البرامج بأنه يمكن للمرأة في مختلف أرجاء العالم أن تحيا حياة محترمة وأن تشارك بنشاط وفعالية في ذات الوقت في الحياة العامة. وكان الشريط الأول الذي تلقيناه لنعرضه على سكان قرى المنطقة عن عادة ختان الإناث، وكنت متخوفاً في البدء من ردة فعل المواطنين، إلا أن شيخ سليمان وولده طمأنني بأنهما يؤيدان رسالة ذلك الشريط ويعملان على نشرها بين السكان.
وفي نوفمبر من عام 2001م أتاني مسؤول كبير في “جبهة البجا” وأخطرني بأن محمد طاهر قد أعفي من منصبه كمحافظ لهمشكوريب، فردت عليه بما يفيد أن كنت أظنه منتخباً من عامة السكان ولا يمكن فصله بقرار فوقي كهذا. أجابني بأن ذلك صحيح، ولكن دورة الرجل قد شارفت على الانتهاء وأن انتخابات جديدة ستجرى عما قريب… هذا إضافة لأنه كان يسيئ استغلال منصبه للحصول على إعانات ومواد يقوم بتوزيعها حصرياً على من يؤيدون والده!
كنت أشعر ومنذ أغسطس بأن شيخ سليمان لم يكن يتبع الخط الذي تنتهجه “جبهة البجا”، فقد كان قد قدم اقترحاً بوقف إطلاق النار وإنشاء منطقة (عازلة) منزوعة السلاح في كل مناطق البجا شريطة أن يشرف عليها هو بنفسه دون تدخل من الحكومة السودانية أو “جبهة البجا”. وأشيع أنه عقد اجتماعات خاصة لمناقشة هذا الأمر مع ممثلين للحكومة السودانية، ولذا اتهمته “جبهة البجا” بالعمل منفرداً وخدمة لمصلحته الخاصة فقط. وأنكر الشيخ ذلك الاتهام مؤكداً أنه لا يعمل إلا لمصلحة شعبه. وكان حدسي ? ولا يزال- أن الرجل يتمتع بتأييد غالب السكان، ولكني قد أكون مخطئاً أو متحيزاً في هذا التقييم، إذ أنني كنت أقضي غالب وقتي في دائرة ولده محمد طاهر، ولم أكن لصيقاً بمن هم من غير مؤيديه. وسرت إشاعة مفادها بأن شيخ سليمان سعى لتدبير انقلاب في داخل “مؤتمر البجا” بتأليب الجنود الموالين له في ذلك الحزب. غير أن “جبهة البجا” ظلت عصية على الاختراق، ولم يجد الشيخ في نهاية المطاف غير اللجوء للمناطق التي تسيطر عليها الحكومة. وسرعان ما لحق به صديقي محمد طاهر.
وبهذا إنهار النموذج الصغير للديمقراطية الليبرالية الذي حاولنا إقامته في همشكوريب. ونصحنا المسؤولون في “جبهة البجا” بأنه من الأفضل في المستقبل أن نقوم نحن رجال منظمات الإغاثة الأجنبية بتحديد المناطق التي ستوزع عليها المساعدات وتنظيم الآليات اللازمة لذلك، إذ أن إشراك مجموعات كبيرة من المستفيدين في عملية اتخاذ القرار تجلب معها كثيراً من العداوات والمشاكل.
وكانت هنالك مشاكل من نوع آخر في عمل منظمتنا (والمنظمات الأخرى) التي كانت تنشط في المناطق الأخرى من السودان التي كانت تحت سيطرة الحكومة. وكان مكتبنا بالخرطوم يشكو دوماً من ضغوط وإشارات (ظاهرة وخفية) من الحكومة لنا بأن هنالك عقوبات ستفرض علينا إن لم نغلق أو نخفض لأقصى درجة من أعمالنا في المناطق التي يسيطر عليها المعارضون، إذ أنها كانت ترى في تدريبنا لهؤلاء لإدارة الخدمات في مناطقهم تقوية ودعم لهم ضد الدولة. وهنا يجب أن أذكر أنني عندما كنت في الخرطوم في مايو من عام 2000م وجدت أن منظمتنا كانت تدفع لبعض العاملين في وزارة الصحة السودانية مبالغ نظير عملهم كمستشارين بها بمعدل يفوق ما كانوا يتلقونه كمرتبات من الدولة!
غير أن أكثر ما كان يحزنني أن المنظمة لم يكن لديها من الأموال ما يكفي لغوث المحتاجين، إذ أن ثلاثة أرباع ميزانيتها كانت تصرف على مرتبات العاملين بها وعلى الأدوات والأجهزة والمصاريف اليومية الجارية.
ومن فرط الاحباط تركت العمل في المنظمة وودعت شيخ سليمان ومحمد طاهر وغادرت المنطقة.
وعندما عدت مرة أخرى للمنطقة بعد عامين وهي تحت سيطرة التحالف الوطني الديمقراطي رحب بي هذه المرة “مؤتمر البجا”، ووجدت أن هنالك منظمة أمريكية (كنسية) أغنى من المنظمة التي كنت أعمل فيها قبل عامين، اسمها Samaritan?s Purse International كانت تتولي الانفاق على هيمشكوريب وخلوتها. ووجدت في الأمر بعض الغرابة، إذ أن رئيس تلك المنظمة هو فرانكلين جراهام (ابن القسيس اليميني المتطرف بيلي جراهام).غير أنه يجب القول بأني لم أشاهد أي دليل على أن تلك المنظمة كانت تقوم بأي أعمال تبشيرية في شرق السودان، ولكنني أعتقد بأن جراهام كان يشارك التحالف الوطني الديمقراطي رغبته (أو أمنيته) في زوال الحكم القائم في الخرطوم. ورغم أني أجد في نفسي موافقة خجولة على هذا الموقف، إلا أنني أعد نفسي من أنصار المؤسسات الديمقراطية، وعلى الأقل المساواة (التقريبية) بين الجنسين.
وعلى المستوى الشخصي جدت سعادة غامرة في سعيي للمزج بين مبادئ أخلاقية عالية واستراتيجيات كبرى مع صداقة شعب عظيم كشعب البجا. وهذا بالطبع معاكس تماما للروح التي سادت قبل نحو قرن من الزمان عندما حارب البريطانيون الأصولية الإسلامية، وخلدها شعرا كبيلنيج في قصيدته الشهيرة “فيزي ويزي Fuzzy Wuzzy”.
===

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..