خذوا الحكمة من فم عرمان

* لم يجد ياسر عرمان حرجاً في الإشادة بمبادرة الحوار الوطني التي أطلقها البشير مؤخراً، وذلك في معرض حديثه لنا في واحدة من أمسيات التفاوض الذي جرى في العاصمة الإثيوبية أديس مؤخراً.

* بدا عرمان متوجساً من الإعلام في الأيام الأولى للمفاوضات، وتحدث بلهجةٍ حادةٍ عن أن المؤتمر الوطني يستخدم وسائطه الإعلامية (لشيطنة) خصومه، وتشويه صورتهم لدى العامة.

* ذكر عرمان أن المؤتمر الوطني طرح مبادرة جيدة، وعليه ألا يضيع فرصةً تبدو سانحةً لإقرار سلامٍ شاملٍ، وإحداث تغيير ديمقراطي حقيقي في السودان.

* تحدث عن أن الحزب الحاكم يمتلك المال والكوادر والإعلام، وعليه ألا يخشى فتح منافذ الحرية، لأنه يستطيع أن يعود إلى الحكم عبر ديمقراطية حقيقية، ولو بعد حين، ونصحه بالاستفادة من تجربة الساندونيستا في نيكاراغوا، حينما تخلوا عن السلطة لشيمورو، ثم استعادوها عبر صناديق الانتخابات بعد ستة عشر عاماً.

* يرى عرمان أن أي حوار لا يؤدي إلى إقرار سلام شامل لا قيمة له، ويعتقد أن مشاركة كل القوى السياسية والحركات المسلحة مهمة، وأن عزل الجبهة الثورية عما يسميه (مؤتمر الحوار الدستوري) سيعني استمرار الحرب في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق، الشيء الذي سيفقد المبادرة قيمتها، لأنها لن تثمر سلاماً يفيد الوطن.

* خلال أحاديثه المطولة مع الإعلاميين ظل عرمان يجتر تاريخ السودان، ويتحدث عن أن البشير نال فرصةً لم تتأت لمن سبقوه على حكم السودان، لأنه أمضى 25 عاماً في السلطة، مقارنةً بستة عشر عاماً للنميري، و23 لبعانخي، ويعتقد أن الفرصة الحالية تبدو سانحة لإقرار تحول تاريخي نحو ديمقراطية حقيقية، تقوم على أساس المواطنة والعدالة والمساواة في الحقوق والواجبات وسيادة حكم القانون وقومية القوات النظامية.

* يأخذ عرمان على الحكومة أنها تتحدث بلسانين عن السلام والحرب، بدليل أنها دعت الحركات المسلحة إلى الحوار، وتوعدتها بالاستئصال في آنٍ واحد، وهو ذات ما كتبناه في هذه المساحة قبل فترة عن تضارب الخطاب الإعلامي الحكومي وتناقضه.

* النقطة الأخيرة ينبغي أن تحظى بنقاشٍ وافٍ من القائمين على أمر مبادرة الحوار الوطني، لأنها تحوي منطقاً قوياً، إذ لا يعقل أن يتحدث الرئيس عن رغبة حكومته في إقرار السلام عبر حوار جاد مع المتمردين، ويليه وزير الدفاع ليتحدث بلسانٍ آخر عن اعتزامهم سحق الحركات المسلحة، في ذات الصيف الذي يفترض أن يشهد انطلاقة الحوار.

* بعض ما يقوله عرمان منطقي؛ لأن إشراف المؤتمر الوطني على تفاصيل ومجريات الحوار الوطني سيعني امتناع الحركات المسلحة عن المشاركة فيه، وذلك عين ما ذكره عبد الواحد محمد نور رئيس حركة تحرير السودان، في معرض الحوار الساخن الذي أجراه معه الزميل المتميز عبد الرحمن العاجب.

* (سودنة الحل) لا تمنع إشراك مؤسسات دولية وإقليمية فيه، ولو بصفة (مراقب)، لأن وجودها سيهدئ مخاوف المتمردين، ويعزز ثقتهم في جدية الحكومة لإقرار السلام، وسيمنحهم مؤشراً قوياً يدل على أن المبادرة المطروحة لا تحوي أي مناوراتٍ سياسية، أو تكتكيات تستهدف لم صف الإسلاميين في مواجهة الحركات المسلحة وقوى اليسار.

* الاتفاق مع الخصوم يستوجب الاستماع إليهم، وتخفيف ضغائنهم، وتهدئة مخاوفهم.. والاستجابة للمعقول من مطالبهم، لذلك نقول للمعنيين بالأمر داخل مؤسسات المؤتمر الوطني: خذوا بعض الحكمة من فم عرمان.. بغض النظر عن مواقفكم منه، ورأيكم فيه.

اليوم التالي