كلية القانون جامعة الخرطوم تدعوكم لتحطيم سلسلة الفساد (1)

وسط هذا الجو المفعم بالإحباط وإنتشار حالة اليأس وإنعدام الرؤية لمخرج آمن من الأزمة السياسية الشاملة التى تعيشها بلادنا والفساد الذى إنتشر فى جسم الدولة وأقعدها عن القيام بوظيفتها وأصبح يهدد المجتمع بأسره بالإنهيار ، تقول كلية القانون جامعة الخرطوم لا لليأس…لا للقعود… وتدعو أهل السودان عموماً بمختلف مشاربهم وتوجهاتهم الى تحطيم سلسلة الفساد ، وتطرح نفسها كرائد لهذا الحراك الوطنى بإقامة ورش تحت عنوان (سبل مكافحة الفساد ) ، شعارها ( حطموا سلسلة الفساد ) وذلك بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، لطالما كان الفساد بكافة أشكاله هو إحدى الأدوات الأساسية التى إستغلها النظام للبقاء فى السلطة ، وليصبح الآن من أعقد ملفات البحث عن حل سلمى للأزمة السودانية.

ويبقى علينا واجب تسليط الضوء على هذا المجهود ، ونستعرض هنا الورشة الثانية التى عقدت بقاعة الشارقة فى الثامن من هذا الشهر من العاشرة صباحاً حتى الثالثة بعد الظهر . وقد شهدت حضوراً كثيفاً ، من طلبة وسياسيين وناشطين وإعلاميين و أطباء وقانونيين بمختلف مهنهم ، لاحظت حرص وزارة العدل ، ممثلة فى المدعى العام مولانا صلاح عبد الله ، على حضور الورشتين الأولى والثانية ، كما لاحظت حضور بعض مغتربي دول المهجر من بينهم إخصائية فى أمراض الكلى تعمل ببريطانيا أشادت بالورشة وما يجرى فيها .

بدأت الورشة بكلمة الترحيب من السيد عميد الكلية ثم كلمة السيد ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول مجهوداتهم الدولية فى مكافحة الفساد ، أعقبه السيد رئيس القضاء مثمناً على دور الأمم المتحدة وقال أن دورهم كقضائية هو تشديد العقوبة فى جرائم الفساد والمحافظة على إستقلال القضاء .

الأستاذة إبتسام السنهورى أستاذة بكلية القانون ، مثال رائع للفتاة السودانية الطموحة القادرة على المساهمة فى تشكيل المستقبل المنشود لبلادنا ، تشع ملاحة وثقة وحيوية ومقدرة على التعبير عن أفكارها ، قدمت الورقة الأولى تحت عنوان ( البعد الإجتماعى للفساد الحاضر فى الممارسة الغائب فى التطبيق ) ، لتقول بضرورة الإنتباه للآثار الإجتماعية للفساد ، المتمثلة فى الإقصاء والتهميش و إنعدام الخدمات والبطالة وإرتفاع معدلات الفقر والجوع والمرض.. الخ ، بما يؤدى الى الشعور بالغبن الذى يولد العنف ويهدد السلام والأمن الإجتماعى ..بالتالى لا بد من أخذ هذه الآثار فى الإعتبار حين الحديث عن مكافحة الفساد وكنس مخلفاته .

كما قالت أن الفساد ليس مقصوراً على الدولة فبعض جرائم الأفراد المنصوص عليها فى القانون الجنائي وكذلك المعاملات المالية المشبوهة بين الأفراد بدورها شكل من أشكال الفساد ، وشددت على ضرورة توعية الأطفال منذ مرحلة الروضة حتى لا يكونوا ضحايا فساد المجتمع.

الأستاذ المحترم محجوب محمد صالح صاحب قلم ذهبى يفيض صبراً وحكمة وموضوعية ، قدم الورقة الثانية بعنوان (دور الإعلام فى محاربة الفساد ) وذكر منها دور الإعلام فى نشر المعلومات والحقائق بإتباع وسائل التحقيق الإستقصائي وتوفير منابر تبادل الرأي حول الفساد ومحاربته ، وقال رغم تعدد أشكال ودرجات الفساد إلا أن الفساد الأعظم هو الذى يقوم على

*

*

تقويض مؤسسات الدولة والنظم المالية والمحاسبية ، وأن نشر الفساد والإفلات من العقاب من طبيعة الأنظمة الشمولية ، وقال أن دور الإعلام فى فضح ومكافحة الفساد يقل فى دولة ينعدم فيها الحياء وتعمل بأجهزة قانونية معطوبة ، وبالرغم من ذلك شدد على ضرورة قيام الإعلام بدوره بصبر وموضوعية ، بغرض توعية المجتمع حتى لا تسود ثقافة متسامحة مع الفساد.

وأضاف الأستاذ محجوب أنه ليس هناك ما يفيد بأن الإرادة السياسية فى السودان جادة فى محاربة الفساد ، وذلك لإنعدام حرية التعبير وإستمرار القوانين المكبلة للحريات والمقننة للحصانات ، وعدم وجود الأجهزة القانونية القادرة على محاربة الفساد .

الورقة الثالثة كانت بعنوان ( اليوم العالمى لمحاربة الفساد) ، قدمها د. محمد الحافظ نائب المراجع العام ، وقد إشتملت على تعريف بالديوان ودوره فى محاربة الفساد ومذكرة الديوان حول تقييم جهود الحكومة فى مكافحة الفساد وأثرها على تصنيف السودان فى تقارير منظمة الشافية ، وقال أن ( الجلد تخن ما من سبيل لمكافحة الفساد ) ثم عاد وقدم مقترحات لمكافحته من بينها تعزيز قدرات الديوان وإنشاء هيئة مستقلة لمكافحة الفساد وتقوية وتفعيل الآليات القائمة *وتفعيل دور الإعلام وإعادة صياغة القوانين وتفعيلها.

ختم د. محمد الحافظ عرضه السلس بآيات من سورة الفجر ولسان حال الحضور يتلو معه قول الله تعالى :- ( ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد * التى لم يخلق مثلها فى البلاد * وثمود الذين جابوا الصخر بالواد * وفرعون ذى الأوتاد الذين طغوا فى البلاد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربك صوت عذاب * إن ربك لبالمرصاد. ) صدق الله العظيم.

أتيحت الفرصة للحضور للمناقشة والتعليق فبادر أحدهم بإتهام المنصة بالمحسوبية ومحاباة رئيس القضاء ، بإعطاءه فرصة الحديث من المنصة بالرغم من أن إسمه لم يكن مدرجاً ضمن قائمة المتحدثين . لا شك أن هذا شطط واضح وسوء تقدير للموقف من قبل المحتج ، فبطبيعة الورشة وموضوعها يبقى الإفتراض هو أن يكون حضور وحديث السيد رئيس القضاء أمراً مطلوباً ، وفرصة عظيمة لتبادل الرأي حول القضاء ودوره المنشود فى مكافحة الفساد فى ضوء *الإنتقادات الموجهة له.

غير أن أكثر من صوت (جالس) صحح تناول الموضوع ، بالقول بأن مغادرة السيد رئيس القضاء للورشة فور الإنتهاء من كلمته حرمهم من إسماعه رأيهم فى القضاء *وسماع رده ، وقد أمنت المنصة على ذلك بالقول بأن دعوة سيادته للورشة كان هدفاً مقصوداً لذاته ، بانصرافه لن يتحقق الهدف.

لا شك أن القضاء كجهاز من أجهزة الدولة محل حرصنا وإحترامنا ، وهذا هو الذى يجعلنا نقول بسقوط مقولة أنه جهاز حساس لا ينبغى تناول اموره فى منابر عامة ، فالواقع يقول أنه شأنه شأن مؤسسات دولة الإنقاذ نال حظه الكامل من التخريب المتعمد ، وما أصابه من عطب لم يعد سراً خافياً على أحد ، والجهر بذلك ومحاولة تشخيص ما لحق به يبقى من ضرورات

*

تحقيق الإصلاح المطلوب ، لهذا فإن مغادرة السيد رئيس القضاء للورشة لن تحول بيننا وطرح الأسئلة المشروعة لسيادته :- ألا تتفق مع ما أمنت علية الورشة بأن القضاء ليس فى وضع يمكنه من القيام بدوره فى مكافحة الفساد ؟ إذا كان المعلن هو أن توليكم رئاسة القضاء كان بغرض إحداث الإصلاح القضائي ، ما هي الخطوات التى قمتم بها تجاه الإصلاح ؟ ما هي المعوقات التى تقف فى طريق الإصلاح ؟ بل ، من هم الذين يشكلون عائقاً أمام الإصلاح القضائي ؟

إن بلادنا تمر بمرحلة تاريخية حرجة يحتدم فيها الصراع بين الحق والباطل ، بما يستوجب على الجميع التعاون والوقوف بوضوح فى نصرة الحق ، ومهما علا شأن الباطل وطال أمده فهو حتما الى زوال . اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه ، و أرنا الباطل باطلاً وارزقنا إجتنابه.

عاد الهدوء للورشة وتحدث مولانا صلاح عبد الله المدعى العام ، مشيداً بالورشة وبالمتحدثين ومندداً بالفساد الذى استشرى وبالحصانات وقال فى وضوح يحمد له ، أن المشكلة الحقيقية ليست فى البحث عن قوانين جديدة لكن فى وجود إرادة لتفعيل القوانين السارية .

وما قاله السيد المدعى العام هو عين الحقيقة ، فإنتظار إصلاح القوانين لن يضيف جديداً يذكر تجاه مكافحة الفساد ، فالقانون الجنائي موجود والقوانين العقابية الأخرى موجودة والنيابة العامة والمتخصصة موجودة والشرطة موجودة والمحاكم موجودة والسجون موجودة والمقصلة موجودة ، وحتى قانون الثراء الحرام والمشبوه السارى الآن يجرم ويحاكم الفساد ، وخلافاً لما يرى البعض ، فهو لا يبيح التحلل بعد فتح البلاغ وهذا ما قال به السيد وزير العدل فى مؤتمره الأخير وهذا ما يقول به التفسير الصحيح لذلك القانون .

كل المداخلات والتعليقات الأخرى للمشاركين ، كانت تصب فى ذات الفهم والإتجاه الذى طرحته الأوراق التى إستعرضتها فى إيجاز وبالتأكيد لم أتناول كافة جوانبها . رفعت الجلسة الأولى لتنعقد الثانية بعد حوالي نصف ساعة .

عبد القادر محمد أحمد

المحامى
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الموضوع برمته لتهدئة الشارع وتمديد عمر الكيزان مثل الحوار الوطني
    لن يتوقف الفساد إلا بالثورة و تحرير السودان من قبضة الأخوان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..