كم الحساب ياعزيزة…؟؟

الماضى من حياة الناس اصبح الاغلى غالبا، احتلت الذكريات والحنين للايام الخوالى الوجه الافضل، الذى يهرولون اليه طلبا للامان اوهلعا من حاضر قد تشعبت مسالكه، وتضاربت مشاربه، وكثرت اشكال المعاناة فيه، وتلون بالف لون ولون ….
فكل يوم يمضى يبقى أهون من ما هو اّت من ايام …مجهولة التضاريس ضبابيةالمعالم ، تحمل فى طياتها العجائب والغرائب من المحن والمنحدرات الخطيرة ، ولا نلتمس من ملامحها الا الخوف والتردد ، فلا بصيص من نور فى اخر النفق… ولولا العشم فى ما عند الله عز وجل، والامل والرجاء فى رحمته ،لضاقت الدنيا بما رحبت.
جلست خلف نار الموقد المشتعلة ، اباريق الشاى وتنكة القهوة ، تراصت عدد من الاكواب الفارغة والملاعق .على طاولة خشبية صغيرة بخور اللبان يملاء الخياشيم ،قريب من الطاولة جلس عدد من الزبائن، البعض يحتسى كوبه والاخر ينتظر … طلبه بينما جلست عزيزة ست الشاى، امرأة فى مقتبل العمر, يدثرها (توب) سودانى بسيط وهى ترمى ببصرها بعيدا ،وفد تحجرت دمعتين كادتا ان تنطقا لولا عيون الزبائن…تناولت منديلا مسحت عينيها خوفا ان يحس بها من حولها ، اه تذكرت ايام طواها النسيان …الاعن ذاكرتها…. كيف سيتمكن منها النسيان وقد خرج زوجها قبل سنوات قريبة الى عمله، كعادته الا انه لم يعود حتى اليوم تاركا لها سبعة من الاطفال ….اكبرهم دون الرابعة عشر من عمره ولم يترك لهم ما يقتاتون ….به الا الفقر والعوز….وبعض كراكيب وكم هائل من الحزن والهموم لايملكون لهم حول ولاقوة
هكذا دخلت عزيزة حياة المعاناة من اوسع الابواب ثم طرقت كل ابواب الخير بين يأسها ورجائها، حتى تطعم صغارها حتى دبوان الزكاة فوجدت من المماطلة والاهمال مايكفبها وزيادة …
ورغم العوز فقد ظلت دائما امرأة شريفة …عفيفة…. نظيفة … انتظرت عزيزة زوجها وابو عيالها … السيد ابوعلى ما شاء الله لها من الانتـظار، اصبحت وسادتها دميعات تذرفهن كل ليلة بكاء على شريك حياتها الهارب او المفقود، الذى لم يستاذن حينما قرر وبدون سبب فض الشراكة الزوجية بالهروب من حجم المسؤلية فتوارى عنها خجلا وجبنا ليتركها تواجه المصائر كيف ما تكون…. ثم تبكى اكثر حينما تتذكر حالها وما اجبرتهاعليها الحاجة … فجعلت من بيع الشاى مهنة ومصدرا لاطعام صغارها، فى زمن اصبحت لقمة العيش لاتاتى بالتى هى احسن، الابعد جهد جهيد ومكابدة
اماالسيدابوعلى….الهارب عمدا او اجبارا فقد ضاقت عليه سبل العيش بين اسرته فلم تسعفه اياديه …. ان يطعم اطفاله الصغار كما كان يريد، فهمس له شيطانه ان أهرب واتركهم للمجهول او لهذه المرأة المسكينة المغلوبة على امرها فهى اولى بهم …
ياه كم هى قاسية الحياة فى ارض بلغت فيها المعايش قمة التناقض والغلاء، لامرأة مثل عزيزة بائعة الشاى وهى تكد وتعمل…من بعد صلاة الفجر فى بيع الشاى والقهوة حتى تتمكن من اطعام تلك الافواه الصغبرة تنهدت عزيزة مع انات مكتومة وانفاس مكلومة….
اه لو يعود ابوعلى الى عشه يوما، اه لو عدت الى البيت ووجدته قد ملاءه صخبا بصوته المتهدج وسحنته القاسية ، اه ربما سيكون أسعد ايام الحياة …. هكذا كانت الامال تداعب افكارعزيزة كل صباح ليقطع فجأة حبل افكارها وخيالها….صوت احد الزبائن قائلا : كم الحساب يا عزيزة.
بس يا الكاتب العزيز خليها تحجرت دمعتان بدل دمعتين
أبو علي يجي لي شنو تاني تجيهو الكشة التكشو (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)
بس يا الكاتب العزيز خليها تحجرت دمعتان بدل دمعتين
أبو علي يجي لي شنو تاني تجيهو الكشة التكشو (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول)