رواية المحاكمة لكافكا..‏

من أطرف الروايات ، حيث يستيقظ (ك) ليجد نفسه متهما بجريمة لم يرتكبها وذلك لأنه وحتى ‏تنفيذ الموت عليه لم يعرف ما هي التهمة. أثارت الرواية جدلا عارما حول المقصود بها .. ولكني ‏رأيت أن الاحتمالات التي فاقت العشرين احتمالا كلها تجاهلت حقيقتين .. أولاهما الخلفية القانونية ‏لكافكا والثانية الجانب اللاواعي في الكتابة (وقد سبق أن أشرت إليه في مقال سابق) ، ولأن أغلب ‏النقاد بعيدون عن مجال القانون ؛ لم يلتفتوا إلى نظام قانوني يسمى النظام التنقيبي في الدعوى ‏الجنائية حيث تكون التحقيقات فيه سرية ولا يعلمها حتى المتهم ، وهو نظام قديم قد ولى وانقضى. ‏كان يجيز فوق ذلك تعذيب المتهم للحصول منه على اعتراف . ‏
وقد أكد (ك) بطل الرواية بأن الجميع -من يعرفهم ومن لا يعرفهم- قد تواطئوا عليه ، حتى رجال ‏الدين ؛ وهو بالتالي يعكس رؤية متشائمة تجاه العدالة والتي يرى تواطؤ الكافة -كل بحسب ‏مصالحه- ضدها. في هذا الخط يمكننا أن نقول بأن كافكا طرح النظرية التي تقول بأن القانون ‏ليس سوى آلة للأذكياء تطبق على الأغبياء ؛ وأن القانون ليس سوى مجموعة من القواعد التي ‏تضعها القوى المسيطرة عليه. أي ما يسمى بالقوى الخلاقة للقانون ؛ كما أسماها تناغو . وهذا مما ‏لا شك فيه حتى في أكثر الدول ليبرالية كالولايات المتحدة الأمريكية . وهنا لا يتعلق الأمر بالدولة ‏العميقة بقدر ما يتعلق بالإطار الفلسفي العام الذي يجب أن تتبعه الدولة ليحقق وجهات نظر ‏المجموعة ذات النفوذ والشوكة. وأقرب مثال مفهوم للجميع هو الحالة المصرية والصراع الذي دار ‏بين الإخوان المجرمين والقوى السياسية الأخرى للسيطرة على الدولة عبر السيطرة على القانون بدءاً ‏بالدستور مرورا بالتشريع وانتهاء باللوائح أي ما يسمى لدى الإخوان بالتمكين. وهذه ليست بدعة ‏ابتدعها الإخوان فالشيوعيون أيضا ما أن بلغوا السلطة في كل دول أوروبا الشرقية و الاتحاد ‏السوفيتي سابقا والصين واليمن الجنوبي والسودان وغيرها حتى أنقضوا على السلطة التشريعية ‏لتمرير قوانين تتفق ونظريتهم. وكذا الحال في أمريكا حيث وضعت الرأسمالية التوتاليتارية النافذة ‏الدستور الأمريكي والقوانين الأمريكية التي تعبر عن مصالحها .. وذات الأمر في إيران عقب ‏الثورة …الخ. وهكذا لم تكن غاية القانون أبدا هي تحقيق العدالة كأساس للأنظمة بقدر ما هو آلية ‏من آليات الصراع الإنساني للسيطرة على الآخر. وهكذا يقهقه كافكا ساخرا من عدالة لم تجد ‏طريقها أبدا في هذا العالم. ‏
أمل الكردفاني
‏17مايو2014‏
الساعة 4:26 صباحا.‏
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. عندما كتب التشيكي المبدع هذه القصة كانت الديمقراطية تحبو ولم تتعلم المشي والاعتماد علي النفس وكانت ثغراتها لا تعد ولا تحصي ولم يكن حسب ظني هناك دستور دعك من حارس للدستور وهما ضروريان للجسم الديمقراطي في اي بلد بنشد العدالة , نكون سلفيين سياسيا اذا حاكمنا ديمقراطية الغرب الحالية بافكار قرون بادت ! نعم هنالك ثغرات والصحيح ايضا ان هنالك نضال ونزال لا يهدأ لحظة واحدة لاصلاح وترميم وترقية النظام , لاشيئ في الدنيا يولد مكتملا وارجو ان تقرأي رواية (الروبوت) للمبدع التشيكي الاخر كاريل تشابك حتي يتسني لك معرفة العصر الذي كتبت فيه هاتان الروايتان العظيمتان . علي كل شكرا لاثارة هذا الشغب الفكري الجميل الذي يماثل نار ابراهيم عليه السلام هجين اللظي والماء او الشمس البارد لهيبا

  2. عندما كتب التشيكي المبدع هذه القصة كانت الديمقراطية تحبو ولم تتعلم المشي والاعتماد علي النفس وكانت ثغراتها لا تعد ولا تحصي ولم يكن حسب ظني هناك دستور دعك من حارس للدستور وهما ضروريان للجسم الديمقراطي في اي بلد بنشد العدالة , نكون سلفيين سياسيا اذا حاكمنا ديمقراطية الغرب الحالية بافكار قرون بادت ! نعم هنالك ثغرات والصحيح ايضا ان هنالك نضال ونزال لا يهدأ لحظة واحدة لاصلاح وترميم وترقية النظام , لاشيئ في الدنيا يولد مكتملا وارجو ان تقرأي رواية (الروبوت) للمبدع التشيكي الاخر كاريل تشابك حتي يتسني لك معرفة العصر الذي كتبت فيه هاتان الروايتان العظيمتان . علي كل شكرا لاثارة هذا الشغب الفكري الجميل الذي يماثل نار ابراهيم عليه السلام هجين اللظي والماء او الشمس البارد لهيبا

  3. حقاً لقد عنى كافكا ما أرادت رواية
    المحاكمة أن تقوله :- ( ليست ثمة عدالة
    في هذا العالم ) !!؟….
    من يضعون القوانين و يشرعون الدساتير
    من أولوياتهم . ضمان مصالحهم و إحكام
    السيطرة على رعاياهم
    أليس الأدب نبوءة !!؟…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..