زاوية (ينابيع)

للخوجلي.. يد واحدة تصفق
محيي الدين حسن محيي الدين
ثلاثون عاماً بالتمام والكمال عندما هممت بإرسال مقال عنوانه (رفقاً بالقوارير) لنشره بجريدة سودانية.. وقتها القرية وليست المدينة كانت عبارة عن قارة!! لا بريد إلكتروني.. لا بريد مستعجل.. ولا حتى رحلات يومية تربط الرياض بالخرطوم.. فوجئت صباح اليوم التالي ـ لا أقصد الصحيفة الوليدة ـ وإنما (بُكرِيتُه) وبذات الصحيفة التي أعمل بها وقتذاك (الرياض) وزاوية (غرابيل) تحديداً وبنفس العنوان.. نفس المضمون.. نفس الملامح والشبه وجدت أفكاري تُنشر على حبل الغسيل قبل الورق المصقول للصفحة الأخيرة.. قلت في نفسي ربما توارد أفكار وخواطر..
ذات التوقيت ولج للتو الأستاذ حسين خوجلي باب صاحبة الجلالة من أوسع الأبواب.. من الجامعة مباشرة لرئاسة التحرير، أو ما يسمى القفز بالزانة.. وينطبق على الخوجلي فقط المثل القائل (وُلد بأسنانه) وأضيف (ضرس العقل) وليست الأسنان اللبنية.. ربما هو الوحيد الأقرب إلى أفكاري وفهمي وكثيراً ما أعرف ما سيقوله بالحرف والفعل والاسم والجملة والنص..
هناك الكثير من المسؤولين لهم آراء وأفكار نيّرة لكن طرحهم فيها الكثير من الخجل مع أنها تملك آلاف الأيدي العاجزة عن التصفيق.. عكس الأستاذ حسين الذي يملك يداً واحدة تجيد التصفيق.. إذا أرادت الحكومة وأراد الشعب السوداني انتشال السودان من هذه البراثن والأوحال وإصلاح الأحوال قبل فوات الأوان، تنفيذ مطالب هذا الغيور بكل الحذافير..
لماذا إذا سرق منا الضعيف صاحب الحاجة (الإبرة) أقمنا عليه الحد وعرفه القاصي والداني.. وإذا سرق القوي (الجمل) والمليارات من قلب العاصمة وخرطوم بالنهار بحثنا له العذر والتبرير بدل التشهير.. يا حليل الزمن الجميل زمن (خرطوم بالليل).. زمن تشرب من النيل مباشرة لنظافته قبل تطوله الأيادي العابثة والأجسام القذرة للاستحمام.. إلى أين وصلت نسج الأحلام والأقطان؟ ألم يكتمل الثوب؟! العيد على الأبواب.. ماذا عن مصير شبكة أكبر عصابة عملية تهريب لتدمير العقول المضبوطة ببورتسودان هل تحتاج محاكمتهم كل هذا الوقت؟!. لماذا نسير كالسلحفاة في كل شؤوننا لأن (في التأني السلامة وفي العجلة الندامة) لا ينطبق مثلاً على المدينة الرياضية!!
أرى من غير المجدي استضافة فلان أو علان من السياسيين والمحللين والنقاد ليدلوا بدلوهم وآرائهم وتحليلاتهم بما تطالعنا صحفنا اليومية، ما يقدمة الأستاذ الكبير حسين خوجلي يكفي وزيادة..
حقيقة لا مجازاً.. لا رياء.. لا نفاقاً.. لا سمعة.. من أشد المعجبين بأطروحاته وأفكاره المقروءة والمسموعة والمرئية.. مذ أكثر من ثلاثين عاماً أعمل بالصحافة (27 عاماً بجريدة الرياض) قبل الانتقال لجريدة الاقتصادية منذ سنتين) ومارست كل أنواع الكتابة (سياسية.. اجتماعية.. رياضية.. فنية.. منوعات.. مقالات…..إلخ) في أكثر عشر مطبوعات سودانية وسعودية (السياسة ـ الأيام ـ الخرطوم ـ السوداني ـ الانتباهة ـ الرائد ـ الوحدة ـ الرياض ـ الشرق الأوسط ـ الحياة ـ الاقتصادية ـ الرياضية ـ مجلة اليمامة)..
الآن لا تسعني بعد أن حطت رحالي لاستظل قليلاً تحت (راكوبتنا) الوارفة وأقرف بقدح القرع من زير قديم نبت فيه الزرع ولُف خصره ببقايا جوال مهترئ لتكون محطتي واستراحة المحارب ومكان اعتزالي.. ومن أسفلها تفجرت زاويتي (ينابيع)..