البَرلَمَان رَكَّلَ لائِحَتَه فَخَرَقَ الدَّسْتُور!

في جَلسَته المُنعقدة الأربعاء بتاريخ 14/5/2014م أبَي البرلمان إلاّ أن يخلع رداءه ويرتدي رداء القضاء، ورغم أنَّ عضو البرلمان رئيس لجنة التشريع السابق أثار نقطة نظام لَفَتَ فيها نظر البرلمان، إلي خَطأ التَطرُق لِموضوعٍ ما زالَ قيد التحري، عندما ذكر أنَّ البرلمان قد خالَف بذلك نص لائحته “راجع السُّوداني عدد الخميس 15/5/2014″، إلاّ أنَّ، رئيس البرلمان لَم يَعِر ذلك اهتماما. فواصل البرلمان الخوض فيما بدأه مِن حديث، وأكمَل حَشْرَ أنفه. وكُل مَنْ إستطاع مِن الأعضاء تَقدَّمَ بِمرافعَته، وأدلي بدلوه. لِتُطوَي مَضابِط الجلسَة، مُعلنةً إنتهاء جلسة البرلمان، بعد توجيه تُهمة الخيانة العظمي بِحق رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي!
لستُ هُنا بِصدد إستعراض ما تناوله رئيس حزب الأمة القومي فهذا الأمر ستفصل فيه الأجهزة المُختصة. ولكني هُنا بِصدد ما أثاره رئيس البرلمان في تلك الجلسة، فرئيس البرلمان وبِطرحه جانباً لِما جاء في لائحة البرلمان لَم يَخرق لائحة البرلمان الداخلية فحسب، بل خَرَقَ أيضاً القانون الأعلي للبلاد نفسه. فباستقراء نص المادة 100 مِن الدستور الانتقالي لسنة2005م مقروءة مع المادة33/9 مِن لائحة تنظيم أعمال المجلس الوطني لسنة2010م يَتبَيّن لنا خطأ ما إقترفه رئيس البرلمان. فالمادة المُشار إليها مِن الدستور نَصّت علي أنَّ مِن حق أعضاء الهيئة التشريعيّة القوميّة التعبير عن آرائهم بِحُريّة ومسؤوليّة، وذلك دون قيد سوي ما تفرضه أحكام لائحة المجلس المَعنِي….إلخ. وجاء في المادة المُشار إليها مِن لائحة تنظيم أعمال المجلس الوطني تلك، علي أنَّه “لا يجوز للمُتكلم أن يدليّ بِرأي أو يخوض في أمر ما زال أمام القضاء أو النيابة العمومية أو لجان التحقيق القانونية…إلخ”.
إنَّ ما يدعو للدهشة حقاً هو، أنْ ينتهِي رئيس البرلمان للقول بأنَّ البرلمان أعلي مِن أي لائحة(!) وإذا كان ذلك كذلك، رغم أنَّه ليس كذلك، فما جدوي لوائح البرلمان؟! وهل وُضِعَت لِتُخرَق؟! لماذا لا يُؤبَه بها؟! وحتي وإنْ كان البرلمان يملك سُلطة التشريع فهل هذا يعني أن يَدُوسَ علي لائحته بأقدامه؟! فاللائحة بما أنَّها شُرِّعَت لِتُنَظِمَ أعمال البرلمان، بالتالي، يكون لزاماً علي أعضاء البرلمان النزول عندها، والالتزام بنصوصها وقيودها إلي أن تُعَدَّل. وأي قول خلاف ذلك لا أساسَ لَه. هذا غير أنَّ، التطرق لموضوع ما زال محل نظر أمام النيابة، بِخلاف أنَّه قد يُؤثر سلباً علي مجري التحريات، فهو يهدر أبسط قواعد ومبادئ القانون الدستوري، وهو مبدأ الفصل بين السُلطات، وهو مبدأ مِن مبادئ الديمقراطية.
حتي وإن جارينا رئيس البرلمان في زعمه، واعتبرنا أنَّ البرلمان أعلي أي لائحة، ففي ظل سريان اللائحة، وطالما لَم يكُن هنالك تعديل سابقٌ لَحِقَ بذلك النص اللائحي، فيجب علي البرلمان الخضوع لأحكام اللائحة. فضلاً عن ذلك، وفي ظل وضوح النص الدستوري، يبقي مِن غير الجائز الانتهاء إلي ما إنتهي إليه مِن قول. وكما أسلفنا مِراراً، فَعلَي نصوص الدستور تُقاس سلامة التصرفات مِن عدمها.
والسؤال الذي يبدو، هل خلُصَّت القضايا، حتي يقوم البرلمان ويعرِج علي ما هو مطروح مِن قضايا أمام النيابات ويفصل فيها، منتهِياً إلي ما إنتَهَي إليه؟! إن كان الأمر كذلك، فإنني أقترح علي البرلمان(نواب الشعب)، بدلاً مِن الخوض فيما لا يَعنِيهم ?مؤقتاً طالما الأمر بَقِيَّ بِيَد الأجهزة العدليّة- استدعاء وزير العدل ليوضح الحقائق ويحيط البرلمان علماً، بشأن الجرائم التي أُرتكبت بِحق الشعب في هَبَّة سبتمبر مِن العام المُنصرم، حيثُ نَفَي وكيل وزارة العدل وجود لجنة للتحقيق في أحداث سبتمبر.
[email][email protected][/email]