قضى الأمر الذي فيه تستفتيان ..ماذا بعد؟ا

رأي
قضى الأمر الذي فيه تستفتيان ..ماذا بعد؟
حسن أحمد الحسن
كان معلوما من قبل ومنذ توقيع اتفاق نيفاشا أن هناك فترة انتقالية محددة بأجل قبل الشروع في إجراء الاستفتاء على تقرير مصير جنوب السودان وفق بنود الاتفاق . كل المؤشرات طوال هذه السنوات كانت تدلل على أن علاقة الشراكة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لم تكن موفقة بقدر ما كانت مصدر توتر وشكوك لعدم وجود الانسجام المطلوب ولو توفرت الأجندات المتباينة ولعدم وجود الثقة اللازمة ولو في الحدود الدنيا ولكن لم يكن من مخرج غير الاستمرار في الشراكة الفاترة والزواج النكدي بحكم اتفاق السلام حتى يمضي الى غاياته.
ظلت الحركة الشعبية تتعامل مع شريكها وهي تعمل من أجل تأسيس دولتها القادمة وتعد في البرامج والخطط والخرط والاتفاقات داخل وخارج السودان وفي شتى المجالات وتدير الجنوب بصورة مستقلة وكدولة غير معلنة في انتظار اليوم الموعود الذي سيكون من أهم مكتسباته بعد الانفصال الكامل الحصول على مكتسبات اقتصادية توفرها النسبة الكاملة من النفط المستخرج دون قسمة مع الشمال، ثم اجتذاب كل رعاتها الغربيين لدعم مشروعاتها واستقرارها السياسي والاقتصادي والأمني وعلى رأسهم الحاضنة الرئيسية الولايات المتحدة الأميركية.
ولعل التصريحات الأخيرة لكبار المسؤولين في واشنطن وعدد من العواصم الغربية التي تلوح بالاعتراف السريع بالدولة القادمة والأخذ بيدها بل والحرص على إجراء الاستفتاء في موعده دون إبطاء، لعل فيها ما يؤكد ان قيام دولة جديدة في جنوب السودان أصبح أمرا لا جدال فيها رغم الحديث عن الوحدة الذي يعبر عنه المثل السوداني الذي يقول «الجس بعد الذبح» من قبل المؤتمر الوطني و من غيره ممن يغردون خارج سرب الوقائع.
هناك قضايا حقيقية من حق الشعب السوداني ان يعرف ماذا أعدت الحكومة بشأنها وبكل الوضوح لمعالجة تداعيات الانفصال التي ستنعكس على حياتهم المعيشية ومن أهمها قضية البترول ومشتقاتها وكيف سيؤثر ذلك على حياة الناس وماهي الخطط والبرامج التي أعدت لذلك؟
قضية اختلال ميزان الصادرات الذي يشكل النفط فيه نسبة 50 بالمئة على أقل تقدير وبماذا ستعوض الحكومة هذا النقص بهذه النسبة وكيف ستعالج التداعيات السلبية وماذا أعدت من مشروعات تعويضية ؟
معلوم أن عائدات البترول قبل الانفصال المحتمل تشكل «90» بالمئة من عائد الصادرات وأن مجمل صادرات السودان الأخرى تشكل نسبة 10 بالمئة فقط . إذن ما هو حجم التدهور المحتمل الذي سيحدثه إختفاء الـ 90 بالمئة من الصادرات البترولية وكيف ستتم معالجة ذلك ؟
وقضايا كثيرة معلومة أخرى ستخلفها تداعيات الانفصال على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والحدودي والسكاني وعلى مستوى الأمن القومي للبلاد ورؤية الحكومة للعلاقات مع الدولة الوليدة باعتبارها الحقيقة الوحيدة التي ينبغي التعامل معها.
أما الذين يتحدثون عن الوحدة الآن والتعبئة لها في ظل تنامي وتعالي الأصوات المطالبة بالانفصال في أوساط الانتلجنسيا الجنوبية الحاكمة ذات الارتباطات الخارجية الواضحة وفي ظل الوقائع الموضوعية والسلوك السياسي اليومي للقيادة السياسية للحركة الشعبية بل وفي تشجيع قوى أجنبية عديدة لخيارات الانفصال يصبح حديث هؤلاء لامعنى له ولا علاقة له بالواقعية والعملية ولا يعدو عن كونه مجاملات سياسية سودانية ومحاولة من الحزب الحاكم لاقناع نفسه ومواطنيه بأنه حاول من أجل الوحدة لكن الجنوبيين قد اختاروا غير ذلك بغض النظر عن التقييم الحقيقي للوقائع والاتفاقيات والأحداث منذ اتفاق نيفاشا مرورا بالفترة الانتقالية .
ما يهم المواطن السوداني إذن الآن هو أن يجد الآن إجابات واضحة من الحكومة للعديد من التساؤلات المطروحة في الشارع السوداني بكل شفافية ووضوح وكل من يعتقد بأن هناك مجالا ولو بنسبة ضئيلة لأن يختار الجنوبيون الوحدة في ظل الظروف الموضوعية الراهنة والمناخ السياسي الماثل يحتاج إلى أن يعيد قراءة الوقائع فيما تبقى من عمر السودان الذي كنا نعرفه من خلال مطالعتنا لجغرافيا وتاريخ المليون ميل مربع….. غداً ستكتمل الصورة .
*واشنطن
الصحافة