التخلف السياسي والحزب الغالب

الحمد لله الذي عافاك مما ابتلى به غيرك وفضلك على كثير ممن خلقت تفضيلاً.. الحمد لله الذي جعلك منذ النشأة الأولى حراً أبياً غير منقاد لـ (س) من الأحزاب أو تابعاً لـ (ش) من الأشخاص.. وأشكره شكراً لا يحصيه العدد لأن جعلك من الحزب الغالب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ألا وهو (حزب الله)..
الخلاف شيء أزلي موجود منذ عهد النبوة الأولى وأيام الخلفاء الراشدين ومن بعدهم الصحابة الكرام، والأئمة الأربعة الكبار ولم يكن خلافهم أبداً في جوهر العقيدة وإنما كان في بعض الفروع.. واحترام الرأي الآخر من الثوابت لا مناص منه، ومصدر الاندهاش والاستغراب هو الولاء المطلق في هذا الزمان في الصواب والخطأ لبعض المنتمين بما يسمى بالأحزاب الكبيرة (الوطني.. الشعبي.. والأمة والديمقراطي الأصليين) وحتى بعض الأحزاب الصغيرة المقلدة منها والمعدلة بطريقة (إن لم تكن معي فأنت ضدي).. قدرنا أننا ابتلينا برموز وقيادات عاشت (زمنها وزمن غيرها) وتريد أن تعيش وتتدثر في جلباب آبائهم وأجدادهم وبعضهم صباهم دائم لا يشيخ، ولا يتصورون أنفسهم أبداً خارج السلطة!!.. وكأن حواء السودان عقمت بعد إنجابهم مباشرة.. بعضهم عملاء انتهازيون لا يريدون لبلدهم خيراً.. أخذوا منه كل شيء ولم يعطوه أي شيء.. أكثر من نصف قرن ماذا جنينا من انقيادنا كالقطيع المحروس من قبل تلك الذئاب؟!.. إنها هي العبودية وإن اختلفت المسميات.. ما المانع أن نأخذ منهم الصالح وندع لهم الطالح؟!.. حتى عندما نتعامل مع عالم التكنولوجيا والتقنية الحديثة كالشبكة العنكبوتية نجد فيها المفيد والمفسد وعلينا مسؤولية الاختيار ومراقبة النفس..
أنى لشخص عاقل.. كيس.. فطن، أن يرضى التبعية الفكرية لـ (ص) أو (ض) مهما بلغ شأنه وعلا كعبه بعد أن ولد حراً على الفطرة، كيف تسلم نفسك رخيصة ليتم عجنك وتشكيلك من جديد بما يناسبهم؟!.. وهذه واحدة من أهم الأسباب الدامغة لتخلفنا السياسي المزمن..
في السودان يلبس أهله السياسة ويأكلونها ويشربونها بل يتنفسونها.. وهذه الصفة لم تميزنا عن غيرنا بحال من الأحوال، بقدر ما هي كارثة محدقة تحيط بنا من كل حدب وصوب..
الهوس السياسي أصبح يأخذ منعطفاً خطيراً في الآونة الأخيرة ليس في الشارع فحسب بل وصل الأمر إلى منابر العلم، فأحداث جامعات الجزيرة والخرطوم وأم درمان الإسلامية الدامية والمعنصرة بين أبناء البلد الواحد خُطط لها بعناية واستهدف بها السودان وأهله لإشعال فتيل الفتنة الطائفية والنعرة القبلية.. فبدلاً من المقارعة بالحجة والمنطق والمجادلة بالتي هي أحسن، واختلاف الرأي الذي (كان) لا يفسد للود قضية، غلبت عليه المهاترات والجدل السوداني وليس (البيزنطي) في مؤسسات علمية مرموقة يفترض أنها منارات وينابيع علم وليس مصانع ذخائر وخناجر وأسلحة بشقيها البيضاء والسوداء، إلى أن وصلت هذه المهازل إلى حد القتل والجرح في بعض جامعاتنا.. في كل الدنيا وفي الظروف العادية تواجد ملحوظ للقوات النظامية حول الحرم الجامعي لحفظ الأمن وعلى أهبة الاستعداد والتدخل السريع متى تطلب الأمر وقبل أن تفلت الأمور، كإضافة حقيقية لأمن الجامعة..
كلما عانى الشعب الأمرين بالزيادة المستمرة وبالمتوالية الهندسية لأبسط ضروريات الحياة، سعد آخرون بانخفاض أسعار وسائل الهلاك من الأسلحة التي تحول بيوت الأفراح إلى أتراح كما حدث بالحاج يوسف من طلق عشوائي قيد كالعادة ضد مجهول.. والعريس المغدور داخل ناد للمشاهدة، بطاقة الدخول فقط لحملة السلاح الأبيض لليوم الأسود..
إذا لم يتم التخصص، ويتفرغ التلميذ لمدرسته، والطالب لمعهده وجامعته، والمزارع لمزرعته، والتاجر لمتجره، والطبيب لمشافه.. والعامل يكدح في مصنعه وندع السياسة والرياضة والفن.. إلخ.. لأصحابها ونعطي الخبز لخبازه ولو يأكل (كله) وليس نصفه، فلن نخطو خطوة واحدة للأمام ونلحق بالركب الذي فاتنا كثيراً ومن زمان، إن استطعنا الصمود في مكاننا الذي نحن فيه الآن..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كلام من دهب: عندما نشرت هذا الموضوع بالانتباهة وأشرت إلى (قوات التدخل السريع) قبل أكثر من عام لم تكن الفكرة موجودة في قاموس الحكومة.
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..