الروائي و القاص (أحمد الملك)

إطلالة على أحد رموز السرد الشباب
*أحمد الملك و الطيور المهاجرة*
ثمة ظاهرة ، ظلت تنخر في كيان الوطن العربي ، منذ أن تأهل أبناؤه و صاروا طاقات فاعلة و قادرة على الإنتاج و الإبداع و البحث !!؟…
هذه الطاقات المنتجة و المبدعة و الباحثة المترعة بالعطاء و المفعمة بالوطنية ؛؛؛
حاولت عبثاً أن تجد متسعاً في رحاب أوطانهم !!؟…. بينما كان الغرب ينصب فخاخه و شراكه ؛؛؛
للإقاع بهم في براثنه !!؟…
بالأوضاع المريحة و المقابل المجزئ ، فضلاً عن تهيئة الأجواء المحفزة لمزيد من الإنتاج و الإبداع و إجراء البحوث تحت مظلة الحرية و المحفزات المغرية ؛؛؛
و بذلك أُفرغ الوطن العربي من منتجيه و مبدعيه و باحثيه ، إلا من لم يجدوا سبيلاً لذلك أو لظروفهم الإجتماعية القاهرة التى تجبرهم على البقاء ، و ثمة ضرب ثالث من المبدعين الذين يتشبثون بأرض الوطن و لا يغادرون ترابه قيد أُملة و هم فئة نادرة !!؟…
و إذا قصرنا حديثنا على المبدعين السودانيين ، فنتيجة للحكومات العسكرية
المتعاقبة و إنعدام حرية القول و التنكيل بالمعاريضين منهم …
طوت ظاهرة الطيور المهاجرة بين أجنحتها
العديد من المبدعين و رمت بهم في كل وادٍ و أقاصي الدنيا و لحق بهم آخرون و آخرون !!!؟…
و خلال منتصف الثمانينات، نشر “أحمد الملك” محاولاته الشعرية و السردية الأولى
في بعض الملفات الثقافية التي كانت تصدر إبان الديموقراطية الثالثة و أصدر أيضاً أولى رواياته في أواخر العام 1991 م بعنوان (الفرقة الموسيقية) ، و كانت تعبيراً صادقاً عن الصدمة القاسية التى تلقاها بإنقضاء الديموقراطية الثالثة بصورة متسارعة … دون أن تمهله لترسيخ إسمه بين أبناء جيله ، ناهيك عن الأجيال السابقة له ، أعقب الديموقراطية الثالثة ، أقبح وأبشع صنوف الحكم الذي مر على الوطن و قد إستولت على السلطة طغمة باغية ، غصباً و إستعبدت شعوب السودان و قهرتهم و أذاقتهم الأمرين بإسم الدين و المشروع الحضاري !!؟….
و لعل هذا ما عجل بمبدعنا للإلتحاق بأسراب الطيور المهاجرة ؛؛؛
* * *
*أحمد الملك بين القرية و المهجر*
على الرغم من هجرته المبكرة ، مقارنة بالأجيال السابقة مثلاً ، إلا أن قلبه ظل معلقاً بقريته و ناسها و أحوال معايشهم. و تماهي ذلك مع الأساطير و الممارسات الشعبية من حفلات الزار و حبات الودع …
معظم رواياته لا تخرج من محيط قريته و شخوصه المحورية ، دوماً ملتصقة بالطين و أشجار النخيل و النيل و ضفتيه و أحلام البسطاء التي لا تتعدى شغل وظيفة رئيس الحي أو عضو لجنة شعبية أو يُعين نفرٌ في شرطة قسم البلدة و هكذا دواليك ؛؛؛
ثمة إشكالية تطرحها أعمال الروائي “أحمد الملك” ، لعلها تبطل وتتحض المقولة السائدة ( أن الرواية أبنة المدينة ) ….
معظم كتاب الرواية في الغرب و الشرق ،
كانت رواياتهم تتحدث عن رجال و نساء يعيشون في المدن !!؟….
و عن حياة إجتماعية أكثر تركيباً و تعقيداً … و ربما تكون قصتة القصيرة ( البريد لا يُوزع يوم الأحد ) هي الوحيدة التي إستلهمت ، تجربته في الغرب ، مع
ملاحظة إنها قصة قصيرة و ليست رواية ،
لكن تظل مشكلة “أحمد الملك” قائمة مع أصحاب دور النشر في هولندا ، هم يريدون معرفة رأي من أتوا من ثقافات أخرى مختلفة ، عن تفاصيل حياة مجتمعاتهم الغربية و مدى صداها في نفوس المهاجرين !!؟… بينما ظل وجدانه هو لا زال مشدوداً الى “حكاوي الحبوبات” و أسرار و أحلام أهل قريته البسيطة ؛؛؛
و لعل إرتباط السودانيين ولا سيما المبدعين منهم بالوطن و ترابه يثير الدهشة
و التساؤل لدى الكثير من الآخرين ، و قد طُرح عليّ سؤال من قبل أحد الروائيين اليمنيين ( لماذا لا نبصر في أعمالك أي مشهد يشير الى أنك عشت بيننا عشرين عاماً ؟) ، فلم أحر جواباً !!؟…
نحن هكذا نحتقب الوطن معنا و نعتز بتراثنا و بلهجتنا ، لأن أغلب مفرداتها جذرها فصيح ، كما أثبت ذلك علماء اللغة د. عبدالله الطيب و د. عون الشريف
و وجدانياً نرفض آن نكون صدى للشعوب الأخرى أو نتخاطب مع الآخر بغير لهجتنا السودانية ، فأنا مثلاً لا يمكن أن أتحدث اللهجة الليبية أو الخليجية أو اليمنية أو المصرية ، على الرغم من أنني عشت في كل منها ردحاً من الزمن ؛؛؛
ربما لهذه الأسباب ، يُعرف السوداني من خلال لهجته !!؟… * * *
*أحمد الملك و النقد في السودان*
النقاد في السودان يغضون الطرف عن الإبداع المحلي إلا من جاء مبدعه معمداً من الخارج ، أمثال “الطيب صالح” و “الفيتوري” ، لذلك ظل كلاهما ، لوقت طويل ، عنواناً للأدب السوداني و ما عداهما لا ذكر لهم !!؟…
و قد أدركت هذا الأمر بصورة جلية من خلال إقامتي في القاهرة عبر لقاءاتي بالأدباء العرب في مهرجانات الأدب و الثقافة و الفنون العديدة التي كانت تُقام هناك ؛؛؛
المعضلة تبدأ منا نحن ، لا أحد يكتب عن
بني جلدته سلباً أو إيجاباً ، بدليل ما ينشره الأدباء السودانيون في الراكوبة ، يمر دون تعليق حتى من رفقاء القلم ، كأن مؤامرة من الصمت تُضرب حوله !!؟…
الروائي “أحمد الملك” كتب عنه الناقد الهولندي “يان ياب” وبهرت روايته ( عصافير آخر أيام الخريف ) الروائي الكبير “جمال الغيطاني” ، و لم تحرك رواياته العديدة و المثيرة للجدال أقلام أحد نقادنا ، فماذا تقول يا أيها القارئ الكريم !!؟…
كتبتُ من عدة أشهر مقالاً نُشر في الراكوبة بعنوان ( النرسيسية و الأدباء السودانيون ) ، دعوت من خلاله رفقاء القلم ، أن يكتبوا عن بعضهم البعض بحب ؛؛؛
فهل من مستجيب !!؟…. * * *
*أحمد الملك و إصداراته الروائية*
كانت أولى إصدارته الروائية ، رواية ( الفرقة الموسيقية ) خلال عام 1991م ، ثم أتبعها في ذات العقد بإصدار روايته الثانية ( عصافير آخر أيام الخريف ) عام 1995م ، بعدها تعثرت منجزاته عبر العقد الأول من الألفية الثالثة ، فإكتفى بنشر روايته الرابعة ( الموت السادس للعجوز منوفللي ) عام 2000 م
و إنتظر قراؤه طويلاً الى أن صدرت روايته السادسة ( 7 غرباء في المدينة )
و بذلك يكون الروائي “أحمد الملك” قياساً بعمره الشاب من كتاب السرد المكثيرين -إن جاز لنا التعبير – في السودان ، لأن معظهم يكتفون بنشر عمل واحد إلا ما ندر مثل “إبراهيم إسحق” و “عيسى الحلو” و “الحسن محمد سعيد” و آخرون قد لا إستحضر أسماءهم الآن … *بوابة الروائي أحمد الملك *
يظل المدخل المفضي الى بوابة الروائي “أحمد الملك” مشرع على مصرعيه ، يستوعب العديد من القضايا السياسية و الثقافية ، كثنائية الشرق و الغرب و كيف يمكن له الإندماج في المجتمع الغربي و يكتب عنه و مخزون الذاكرة مكتنز بأدق تفاصيل حياة أهل القرية !!؟…
هل يكتب عن الأساطير و حفلات الزار و حبات الودع و الموروث الشعبي ، بإعتبار أن هذه القضايا ، تجتذب القارئ الغربي !!؟….
و هل يمكن أن ينهي تعالقه بخصوصيته أم يواصل مسيرته التي إجترحها إبتداءً ؟؟!…
و هناك قضية غياب النقد حول ما يكتبه
كتاب السرد في السودان ، بسبب الشللية و الأستاذ و التلاميذ ، و لعل دعوة “إبراهيم إسحق” و “محمد المهدي بشرى” و “فيصل مصطفى” و من قبلهم “الطيب صالح” للأدباء السودانيين ليكتبوا بحب عن بعضهم البعض ، حتى لا تظل أعمالهم كماً مهملاً بلا فاعلية و دون ذكر لها بين المشاهد الثقافية العربية او العالمية أو حتى الأفريقية !!؟…
و بوابة الروائي “أحمد الملك” لا زالت تتسع لتستوعب المزيد ، هناك حصوله على جائزة ( صورة العالم ) ، و هي جائزة تختص بأدب المهاجرين ، و ينظمها مركز الفنون بمدينة “خرونجن” الهولندية ، و كان عنوان الرواية الفائزة بالجائزة الأولى …( المشير يبحث عن بيته في شارع الأرامل ) ؛؛؛
أما روايته ( الخريف يأتي مع صفاء ) فقد حظيت بدراسة من قبل بعض النقاد الهولنديين الذين ركزوا أهتمامهم على مقدرة الكاتب في توصيل فكرة الرواية و إبراز القيم الجمالية و إستلهام التراث بإعتباره جزء من التكنيك الذي يجتذب القارئ الغربي !!؟… و قد تُرجمت بعض أعماله الى الهولندية و الفرنسية …
و يظل مصرعا بوابة الروائي “أحمد الملك” مواربين ، لولوج و خروج ، كل ما من شأنه يشغل المبدع السوداني المهاجر و المهموم أصلاً بالشأن العام !!؟….
فيصل مصطفى
[email][email protected][/email]
تشكر الأستاذ فيصل مصطفي عن هذه الكتابة الجميلة عن الصديق الاديب احمد الملك صاحب المشروع الروائي والقصصي العميق، فعلا ان النقد في السودان يحتاج ان يرتاد عوالم الكتاب الشباب بكل شجاعة بمحبة او بغير محبة، علي النقاد ان يغامروا كما غامر الروائيون ، واخيرا لكما الشكر، ولراكوبتنا الجميلة