حتى عاميتنا لم تسلم من الغزو (2)

تسللت مفردات خليجية إلى عاميتنا، والمصيبة أن من يستخدمونها في لغة التخاطب اليومي، لم يروا الخليج إلا في الأطلس، أو على شاشات التلفزيون، وزاملت في الخليج أشخاصاً من كل البلدان العربية، ولا أذكر إلا حالات استثنائية لغير خليجيين، يتحدثون بلهجة البلد الخليجي الذي يعيشون فيه، إلا لضرورة توصيل «فكرة»، فأهل الخليج أكثر العرب فهماً لعاميات الدول العربية الأخرى، بحكم مخالطتهم للملايين منهم على مدى عقود.
وأعرف عرباً وافدين على منطقة الخليج، يحرصون على ارتداء الغترة والعقال والتحدث باللهجة الخليجية بـ»انتظام»، ولكنني أعرف أن الخليجيين لا يحبون هذا الصنف من البشر، لأنهم يدركون أنهم يتخلجنون من باب الاستهبال، ويحسبون أنهم وبإيهام الآخرين بأنهم خليجيون سيحصلون على مكاسب أو مزايا أو خدمات معينة.
وأعود إلى موضوعي، وهو أنه لا يليق بأي شعب استيراد مفردات وعبارات من لغة أجنبية أو لهجة شعب آخر، في وجود ما يقوم مقامها في لغته، وأقول بكل اعتزاز إنني أتقن اللهجات الخليجية، أكثر من السودانيين الذين يعيشون معي في قطر ويحسبون أنهم سينالون جواز السفر القطري، إذا أثبتوا لزملائهم القطريين في العمل او الدراسة أنهم يتكلمون اللهجة القطرية بكفاءة.
أنا أعرف وهم لا يعرفون أن أندر تعني أخرج، وقروشة تعني إزعاج.، ومنطول = مرمي ، وحمولة = يعني قبيلة، ومغتلق= يعاني من ضيق نفسي، ودهريز = مدخل البيت، ومطيور = متهــور، ودج = كن متزناً وعاقلاً، وكروز= إبريق الوضوء، وأشكره (بفتح الكاف): بشكل مباشر «على عينك يا تاجر»، و أكو:= يوجد، أو هذا هو (وعند العراقيين والكويتيين فإن «ماكو» هي عكس «أكو»، اي تعني «لا يوجد»)، وهذه مفردات وعبارات قد لا يفهم معانيها جيل الشباب من الخليجيين.
والغريب في الأمر هو أن شريحة كبيرة من المثقفين الخليجيين، غير راضية عن وجود مفردات ذات أصل إنجليزي وفارسي وهندي في عاميات بلدانهم، فشباك عندهم دريشه، والسلك واير، وخرطوم المياه هوز (نحن نسميه خرطوش ولا أعرف لماذا خرطشناه علماً بأن ذخيرة بنادق الصيد القديمة أيضاً اسمها خرطوش)، وكبت = خزانة ملابس (بالسوداني دولاب منقولة عن الأصل الإنجليزي كَبَرْد cupboard ? هكذا وليس كبورد).
ومن الطبيعي أن تتأثر اللغات بمحيطها اللغوي، وتؤثر عليه، ومن ثم فإنه وبحكم أن الأتراك حكموا السودان أكثر من 60 سنة، فقد تركوا عندنا مفردات صرنا من فرط تداولها عبر الأجيال، نحسبها «محلية»: أوضه، أسطى، أونطه، برضو، كوبري، كفتة، (وعندما ضرب الخواجات الكفتة على أم رأسها وفلطحوها قبلنا بتسميتها «بيرقر»)، كباب، دولاب، كلبش، قشلاق (ننطقها بالمصري «إشلاق»)، طز (ملح)، كرباج، البقسماط ،الطشت، الدفتر، والزلابية، واستخدام «جي» للنسبة كأن نقول عربجي وكلمنجي ومغازلجي وكورنجي (لاعب كرة ماهر).
وقد نجحنا في تعريب وسودنة بعض الكلمات فصار البوليس شرطة، والأجزخانه صيدلية والبكباشي (في القاموس العسكري «عقيد») والطابونه مخبزاً، وحكمدار (ما يقابل رتبة مقدم في الشرطة)، ثم طبزناها وجعلنا أدبخانه التركية وتعني «بيت الأدب» إلى دبليو سي الإنجليزية، التي ترجمها البعض حرفياً إلى دورة مياه باعتبار أن WC= water closet
كلمة «ستايل»
وبعض الناس المغرمين بغريب الكلام، يحسبون أن استخدام مفردات مستعارة من لغات أخرى، يجعلهم مميزين عن العوام (ناس قريعتي)، صاروا يسمون المعلمة، خاصة في مستويات الحضانات ورياض الأطفال «أبله»، فهل يجوز تسمية المدرس المذكر «أَبَل» بفتح الهمزة والباء؟ وصار البعض يحسب كلمة «حبوبة» بلدية وصاروا يسمون الجدة نينه (كما عند الأتراك والمصريين)، وبالمناسبة فقد كان المدرس في ما مضى من الزمان يسمى «خوجه»، ولم تكن للكلمة صيغة تأنيث، (ولا غرابة، ففي اللغة العربية لا توجد صيغة مفرد لـ»نساء»، ولا صيغة جمع لـ»امرأة»)، وبالمناسبة فإن كلمة خواجة فارسية تركية، وفي سوريا تعني الكلمة المسيحي أو اليهودي الثري.
الراي العام

تعليق واحد

  1. منقول: كفتة، (وعندما ضرب الخواجات الكفتة على أم رأسها وفلطحوها قبلنا بتسميتها «بيرقر»)

    تصحيح سريع تسمية البرقر كانت في عام 1884 يعني قبل ما نعرف الكفته في السودان.
    Main articles: History of the hamburger and History of the hamburger in the United States
    There have been many claims about the origin of the hamburger. There is a reference to a “Hamburg steak” as early as 1884 in the Boston Journal.

    خارج اطار الموضوع النظره الدونيه لبعض شعوب الارض سواء عجم او عرب تدل على نظرتنا الدونيه لبعضنا.

  2. هل حقا وصلنا الى نهاية هذه السلسلة الممتعة من مقالات ابو الجعافر ؟؟خسارة فقدامتعتنابخفة دمها وعلمها اللغوي الغزير وقوة الملاحظة والتحليل المنطقي الذي يميز اهل النيل الاعلى في السودان.الا انني لست متأكدا اذا كنت اشارك ابو الجعافر معارضته لتلقيح العامية السودانيةبمفردات جديدة مستقاة من عاميات الشرق الاوسط.وظني انه لا يذهب الى ذلك المدى ولكنه ضائق ذرعا بطبقة المستهبلاتية الذين يستخدمون تلك الالفاظ للتقرب لاهل البلاد او للتظاهر بالعلم او بطول الاقامةالذي يقود الى التأثر باللهجة المحلية.واولئك طبقة من المتظاهرين تثير الغيظ في الصدور وهم الذين اخرجوا كاتبنا عن طوره فشن عليهم مقالته النارية.ويعرف الكاتب القدير ان اللهجات المحكية(على عكس الفصحى)تتطور بسرعة قياسية وتدخلها مفردات وتعابير جديدة معظمها يعمل على اثرائها وتوسيع طاقتها التعبيريةوقد شهدنا في مدى عمرناهذا كيف تحول الاب الوالد الى الجلكان وعبارة شكرا جزيلا الى شكرا شديد الخ الخ.عموماتعاني لهجتنامن عزلة عن اللهجات العربية السائدة(عدا الهجات المغاربية وعي تعيش نفس العزلة الت تعيشها عاميتنا) ولابد ان نفكر معا في اخراجها من تلك العزلة دون ان تفقفد روحها وأصالتها

  3. تعبير دورة المياه هو أقرب ترجمة لتعبير( Water closet(WC.هي دورة للمياه صعودآ و هبوطآ في الحمام.
    يقول المصريون عن الحمام كبنيه. و هو التعبير الفرنسي Cabinet.
    و المصريون تأثروا أيضآ بالفرنسيين في بداية إتصالهم بالحضارة الغربية و ذلك بدخول الحملة الفرنسية إلي مصر في نهاية القرن الثامن عشر.و بالتالي نجد لديهم تعبيرات هي من أصل فرنسي,مثل كبنيه كما قلت و ميرسي أي شكرآ.

  4. اللغات العامية و حتى الفصحى تقترض من بعضها البعض .
    عند اختراع جهاز التلفون بحثوا عن اسم عربي فتم اختيار اسم ( مِسَرَّة ) و لم يجد حظه من الذيوع.
    والسينما عربت إلى ( دار الخيال ) و الموبايل إلى ( هاتف خولي ) و ( هاتف جوال )
    Television تم تعريبه إلى ( التلفاز ) تلفز يتلفز إلى تلفزة خارجية

    فالقرآن الكريم به كثير من المفردات المقترضة من لغات غير عربية
    ألّف الإمام السيوطي (ت911هـ) كتاباً سماه: (المهذب فيما وقع في القرآن من المعرب )
    وَزِدتُ ياسينُ وَالرَحمَنُ مَع مَلَكوتٍ ***** ثُمَّ سينينَ شَطرَ البَيتِ مَشهورُ
    ثُـمَّ الصِـراطِ وَدُرِّيٍّ يَحـورُ وَمُـرجـانٌ ****أَليـمٌ مَــعَ القِنـطـارِ مَـذكـورُ
    وَراعِنـا طَفِقـا هُدنـا اِبلَـعـي وَوَراءَ **** وَالأَرائِــكُ وَالأَكــوابُ مَـأثـورُ
    هـودٌ وَقِسـطٌ وَكُفـرٌ رَمـزَهُ سَـقَـرٌ *** هَونٌ يَصُدّونَ وَالمَنساةُ مَسطـورُ
    شَهرٌ مَجـوسٌ وَأَقفـالُ يَهـودُ حَـوارِيّــونَ **** كَـنـزٌ وَسَـجّـيـنٌ وَتَثـبـيـرُ
    بَـعـيـرُ آزَرُ حـــوبٌ وَردَةٌ عَـــرِمٌ *** إِلٌّ وَمِـن تَحتِهـا عَبَّـدتَ وَالصـورُ
    وَلِينَـةٌ فومُـهـا رَهــوٌ وَأَخـلَـدُ مَــزجــاةٌ *****وَسَـيِّـدُهـا الـقَـيّـومُ مَـوفــورُ
    وَقُـمَّـلٌ ثُــمَّ أَسـفــارٌ عَـنــى كُـتُـبـاً *** وَسُـجَّــداً ثُــــمَّ رِبِّــيّــونَ تَـكـثـيـرُ
    وَحِطَّةٌ وَطَوى وَالـرِسُّ نـونُ كَـذا *** عَـدنٌ وَمُنفَطِـرُ الأَسبـاطُ مَـذكـورُ
    مِسكٌ أَباريـقُ ياقـوتٌ رَووا فَهُنـا *** ما فاتَ مِن عَدَدِ الأِلفاظِ مَحصورُ
    وَبَعضُهُم عَدَّ الأولى مَـع بَطائِنُهـا *** وَالآخِرَةَ لِمعاني الضِـدِّ مَقصـورُ
    وَمـــا سُـكـوتِـيَ عَـــن آنٍ وَآنِـيــةٍ *** سيـنـا أَوابِ وَالمـرقـومُ تَقـصـيـرُ
    وَلا بِأَيدي وَمـا يَتلـوهُ مِـن عَبَـسٍ *** لِأَنِّـهـا مَــعَ مـــا قَـدَّمــتُ تَـكـريـر

    و قد نظم الإمام السبكي على غرار السيوطي الأبيات الآتية:
    السَلسَبيـلُ وَطَــهَ كُــوِّرَت بِـيَـعٌ *** رومٌ وَطوبى وَسِجّيـلٌ وَكافـورُ
    وَالزَنجَبيلُ وَمِشكاةٌ سَرادِقٌ مَع *** إستبرق صَلواتٌ سُندُسٌ طـورُ
    كَـذا قَراطيـسُ رَبّانِيِّهِـم و غَـسـاقٌ*** ثُمَّ دينارُ وَالقِسطاسُ مَشهورُ
    كَــذاكَ قَـسـوَرَةٌ وَالـيَـمُّ نـاشِـئَـةٌ *** وَيُؤتِ كِفلَينِ مَذكُورٌ وَ مَسطـورُ
    لَــهُ مَقالـيـدُ فِــردَوسٌ يُـعَـدُّ كَــذا *** فيما حَكى اِبنُ دُرَيـدٍ مِنـهُ تَنّـورُ
    كما ألف الحافظ ابن حجر على ذات النهج منظومته
    وَزِدتُ حَــرمٌ وَمُـهـلٌ وَالسِـجِـلُّ كَــذا السَـــرى*** وَالأَبُّ ثُــــمَّ الـجِـبــتُ مَــذكُــورُ
    وَقِــطَّــنـــا وَإِنـــــــاهٌ ثُــــــــمَّ مُــتَّــكَــئــاً *** دارَســتُ يُصـهَـرُ مِـنـهُ فَـهـوَ مَصـهـورُ
    وَهَـيـتَ وَالـسَـكَـرُ الأَوّاهُ مَـــع حَـصَــبٍ *** وَأَوِّبـــي مَـعــهُ وَالـطـاغـوتُ مَـسـطـورُ
    صِرهُنَّ أَصري وَغيضَ الماءُ مَع وَزَرٍ *** ثُـــمَّ الـرَقـيـمُ مَـنــاصٌ وَالـسَـنـا الــنــورُ

    و في مجال كرة القدم بدأ بعض الشباب يستعير مفردات من دولة تونس مثل ( زنطور ) بمعنى بواب
    جمعها زناطير و مؤنث ( زنطورة )
    حتى نوبيتنا لم تسلم من الغزو

  5. أجد نفسي أتفق مع شاعرنا الكبير محمد المكي إبراهيم متعه الله بالصحة والعافية أن اللغة فصحى كانت أو عامية تتطور بالتوالد الذاتي وبالإقتباس من اللغات الأخرى .. هنالك بعض المفردات في عاميتنا جميلة جدا .. لكن بالمقابل هناك مفردات أتحاشاها بقدر الإمكان مثل نخرة وخشم وأضان (طبعا الإشارة هنا لعامية الوسط إذ هنالك لهجات عديدة في السودان). ولك الشكر الأستاذ الكبير أبوالجعافر. ولأصحاب المداخلات المفيدة خاصة المنظومات الشعرية لسعيد لورد.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..