الشعب يريد الماريجوانا

في أمريكا، قرر العقل أن يخرج عن قضبان منطقه، ليتجاوز بتشريعات عبثية حدود الهذيان، فتتحول كتب القانون بفرمانات دستورية غير قابلة للنقض أو التصالح إلى لفافات تبغ وقات وماريجوانا. ففي أمريكا، يمكنك أن تنفث المحرم عند أي ناصية، وأن تلف أصابع التيه أمام الدوائر الشرطية دون أن تخشى ملاحقة مخبر سري أو خفير درك، ويمكنك أن تمد أصابعك الصفراء بسيجارة محشوة بالمخدر لتشارك رئيس المحكمة الدستورية عربدة قانونية ظهرت فجأة في صفحات القوانين الفيدرالية الصفراء.
يوم الجمعة الفائت، قرر مجلس النواب الأمريكي، وبأغلبية 219 عضوا أن يسقط الحظر عن الماريجوانا، ليدخل تجار السموم في عصمة القانون، ويغادر العقار سيء السمعة دائرة التحريم. وهكذا، وبقرار غير مستغرب من أعضاء المجلس الموقر، تم اسقاط التهم التي وجهها قضاة الوعي على مدار خمسة وأربعين عاما ضد المتعاطين والمروجين للعقار. وعليه، لم تعد الماريجوانا “من أخطر العقارات وأكثرها تهديدا للصحة النفسية والجسدية” كما نصت تشريعات السبعينات، ولم يعد من حق شرطي أن يوقف شابا يوزع الماريجوانا في الطرقات أو داخل حرم الجامعة لأن نواب الشعب الأمريكي قرروا فجأة إنهاء العداوة التاريخية بين الشعب الأمريكي والهذيان. بقي أن يوقع أوباما، ليتحقق حلم البرلماني بلومونوير الذي كرس وقته وجهده للدفاع عن حقوق الشباب في التعاطي والتداول.
وهكذا يتراجع عقار الماريجوانا عن تصنيفه كواحد من أخطر المخدرات على المجتمع الأمريكي، ليصبح على يد البرلماني المخضرم إلى “مجرد مسكر” لا فرق بينه وبين الخمور التي يحتسيها المشرعون هناك، فلا تصيبهم إلا بنوبات خفيفة من الصداع وفقدان التوازن و”الهذيان”.
لم يعد هناك مبرر لمطاردة الخارجين على سلطان العقل، ولم يعد منطقيا ملاحقة الباحثين عن اللذة في الأزقة الضيقة إذن. وإذن، لا معنى لانتقادات بابا الفاتيكان اللاذعة لمشرعي الماريجوانا طالما أن خمسة وخمسين بالمئة من الشعب الأمريكي طبقا لآخر استطلاع أجرته السي إن إن يطالب بإخراج العقار من قائمة الممنوعات. الشعب يريد إسقاط المحظورات .. والنواب لسان الشعب .. والبابا لا يعبر إلا عن نفسه أولا وأخيرا.
من قال أن عقار الماريجوانا شر كله أيها الفرانسيس الطيب؟ وكيف تجزم وأنت تقف أمام التاريخ الأسود بحلة بيضاء أن التصالح بين الشر والخير مستحيل؟ ألم تر كيف غيرت سحب الماريجوانا البيضاء سواد تاريخها القديم، وكيف تحول نواب الشعب وقضاته إلى مروجين محترفين للفافات التبغ المحشوة بالتيه؟ ثم، من سمح لك أن تقحم نفسك في غمار السفسطة المفسدة وأنت ترتدي عباءة الدين التي صارت ملطخة بالرجعية والتخلف من كل جانب؟ ثم إن أمريكا ليست بدعا من الدول المارقة التي تحلل ما حرم الله، فقد سبقتها الأوروجواي على درب الفساد، فتحولت إلى سوق كبير لتوزيع العقار بحكم القانون الصادر في ديسمبر الفائت. كما تعهد الجامايكيون مؤخرا بتعديل قوانين بلادهم لإدخال أبخرة المتعة إلى ساحة القوانين الفسيحة.
لن تكون كولورادو أو واشنطن آخر الولايات المارقة يا سيدي، ولن تتوقف سحب الدخان عند سواحل أمريكا، وقريبا جدا، سيقف بعض نوابنا الذين يمثلون خمسة وخمسين بالمئة على الأقل من شعوب ما وراء المنطق ليدافعوا عن حق الشعب في العيش والحرية والماريجوانا. ولن تقف قضايانا المصيرية عند حدود الختان والاغتصاب والتحرش، لكنها حتما ستمتد إلى حجر ضب آخر تتصاعد منه سحب الزمان الأخير حيث اللامنطق، واللاوعي، واللامحرم. ويومئذ، ستدرك أيها الفرانسيس الفارس أن المتدينين قلة، وأن الشعب يريد الماريجوانا.
عبد الرازق أحمد الشاعر
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. في هولندا مخدر الحشيش مسموح به ولا يعتبر من الممنوعات … !!

    مرة شاهدت حلقة تلفزيونية كان موضوعها أخطاء المذيعين اللغوية … فذكر الأستاذ محمد سليمان أطال الله عمره … بأن أحد المذيعين كان يقرأ أسعار الخضروات في النشرة الإقتصادية …. فقرأ كيلو البنجو (والمقصود البنجر) ب 25 قرش في زمانه … فتوافد المسطلاتية للتلفزيون للإستفسار عن صحة الخبر ومكان البيع … !!!

  2. سبحان الله…بعض الكتاب العرب يدبجون الأكاذيب. يا باشا أنا مواطن أمريكي مقيم بمدينة دينفر (ولاية كلورادو) وهي الولاية الأولي التي أجازت استخدام المارجوانا ولكن هنالك شروط وليست بالطريقة التي تكتب بها. هذا على مستوى الولاية، أما على المستوى الفدرالي فالمخدرات بجميع أنواعها ممنوعة. حتي لحظة كتابتي هذا التعليق المصارف لا تفتح حساب في الولاية لأصحاب الأعمال الذين منحتهم القوانين الولائية رخصة لادارة متجر لبيع المارجوانا. وللتأكد من ذلك فقط ابحث في النت عن صحيفة The Denver Post وستجد ما يشفي غليلك من مواضيع ذات علاقة بالمخدارت وأن نسبة من عارضوا ذلك في الانتخابات الولائية فاقت ال46 في المائة. مهما تقل عن الديمقراطية الأمريكية فهي بكل تأكيد أفضل للمواطن الأمريكي من الفوضي المصرية خاصة والهرجلة العربية عامة كنظام للحكم. هلا تفرغ الكتاب العرب لقضاياهم كأولوية قصوى عوضا عن الخوض فيما لا يعلمون ؟

  3. وماذا يضيرك أنت …. ارجوا منك أن تكتب عن منع الكتاب بأنواعه وعن فرض الانظمه التي تخضع لها لنمط محدد من القراءه الممنهجه ولماذا ليس لك الخيار فيما تقرأ .. ودع الأمريكان لخياراتهم ودساتيرهم وقوانينهم .. شعوب المنطقه في حوجه ماسه للتعليم والتنوير وليس معارضة قوانين لا تخصهم
    العالم وصل مرحله متقدمه في الكف عن التدخل في حرية الإنسان بل ومنحه إياها وحمايتها .. ونحن نجلس هنا ونسخر من أنهم مجرد مساطيل.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..