الحركة الإسلامية: 25 عاماً من الخسران المبين

غداً يمر ربع قرن منذ قيام نظام الإنقاذ. ومن بين خرائبه العظمى أنه قضى قضاء مبرماً على الحركة الإسلامية وظل يستأجر منها من شاء في وقته المناسب، وبالشروط “الهَبل”، ويستغنى منه متى شاء. ومن يقول من المعارضين أن “الكيزان” هم من يمسكون بزمام الحكم في السودان إنما ينبح الشجرة الخطأ. فحكمهم إلا مكاء وتصدية (زيطة وزمبريطة). وأحزنني الأمر حتى قلت مرة ماذا خسرنا بخسارة الحركة الإسلامية جرياً وراء عنوان مشهور لكتاب أبي الحسن الندوي:”ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟”.
سيستحيل فهم الأزمة السودانية المعروفة بالدورة الخبيثة (انقلاب فديمقراطية لاهثة الأنفاس) ما لم نقف على تحليل أفضل لارتكاب الحركة الإسلامية طريق الانقلاب. وقد أضعنا فرصة سبقت إلى فهم ديناميكة الانقلاب بقفل الحزب الشيوعي باب الاجتهاد في المسألة بعد محنة 19 يوليو 1971. فقد أوسعنا العقلية الانقلابية درساً ومقاومة بعد انقلاب 25 مايو 1969. وكتب أستاذنا عبد الخالق محجوب في فقهها صحائف غراء. ثم وقع انقلاب 19 يوليو وغطت خجلته على تجديد ذلك الفقه.
وحرك ساكن هذا الحديث فيّ مقالة ذكية لخالد التجاني النور، رئيس تحرير “إيلاف” بإعادته أمس الأول نشر مقالة كان كتبها في فبراير 2012. فنظر إلى عوار حركته الخاملة التي تخطاها إسلاميون آخرون بقطار الربيع العربي. وقال إن هذا الربيع في شقه الإسلامي وجد حركته، بتورطها في انقلاب خرقت له الدستور ورعت انظاماً طغيانياً، متلبسة بالوقوف في الجانب الخاطيء من التاريخ والخاسر. وأعجبتني جذرية خالد. فهو لا يعتقد أن أياً من حركات اصلاح النظام الناشطة في دوائر الإسلاميين لوقتنا ستصيب الهدف. فكل برامجها لم تتخط سطح أزمة الحركة ولم تعتنق تشخيصاً عميقاً لها. فليس أزمتها، حسب خالد، في الانقلاب ولا الاستفراد بالحكم ولا . . ولا. فكل هذه عاهات مترتبة عن الأزمة العميقة. وصفتها أنها أزمة فكرية ومنهجية بالأساس ترتبت عليها ممارسات ذرائعية وميكافيلية للسياسة مثل سدانة مايو والانقلاب وبيوت الأشباح والتمكين والمشروع الحضاري. وغطت الحركة على هذه السياسات بلافتات وشعارات إسلامية براقة لم تتقيد فيها بما يمليه الوازع الأخلاقي والديني.
ويعيدني خالد هنا إلى تحليل عرضته قبل سنوات عن مشابه في مسيرة الحركتين الشيوعية والإسلامية في السودان. فكلاهما خرج في حركة جماهيرية بعد هزيمة أهل التربية فيه وهم من كانوا يدعون لتثقيف العضوية في مناهج فكرهما قبل أن يخوضوا في النشاط الجماهيري. فخرج عوض عبد الرازق (1952) من الشيوعي وجعفر شيخ إدريس (1969) من الإسلامية. وقال أهل السياسة أنهم سيخرجون بعموميات فكرهم للمارسة ثم يستدركون دقائق ذلك الفكر في النشاط العملي بين الجماهير. وقلت إن الحركتين في هذا بخلاف من الحزب الجمهوري الذي بدأ بالعمل الجماهيري في الأربعينات ثم ركز على التربية المحضة للأخوان. ولم ينجح لا الإسلاميين ولا الشيوعيين في استدراك ما التزموا باستدراكه من حظوظ التربية وعاشوا على عموميات فكرهما إلا من رحم.
ولم تسعف العموميات الحركة الإسلامية. فلم توطن بين صفوفها فقهاً أريحياً للديقراطية فأنقلبت عليها في المنعطف الأول ولم يرتفع غير صوت نادر هنا وهناك يحتج على هذه المسارعة الفطيرة لله. وهذا يعني أن الممارسة في الحركة عصا مرفوعة وعصا مدفونة بلا هدي أو خلق أو دين. ولم يقبل خالد بتحجج أهل الحركة بتغلب الانقلابيين عليهم في الحكم. وقال لهم كان الانقلاب عقيدة فيكم وليس مهماً من جنى ثماره بل من هز الشجرة. فالأهم فهم أدق لباب الغفلة الذي تسرب منه.
أعتقد أن الباب الذي يفتحه خالد لنقاش محنة الإسلاميين هو الأهدى. وليس بالأهدى للإسلاميين وحدهم بل لسائر حركات البرجوازية الصغيرة المتعلمة التي استثمرت في الانقلاب. ولا يزال الانقلاب أو أشكال العنف الأخرى “الحركات” تعشعش في أذهانها. ولن تكسب. فخالد يعيب على حركته أنها لم تقطع نفسها معرفياً من الانقلاب كحيلة أو تخريمة للحكم. ويُستغرب هذا من حركة قاومت ببسالة عدد انقلابيين في 1958 و1969. وكتب الله عليها الآن أن تقاوم انقلاباً من صنع يديها تولد عنه نظام طغياني فرعوني أثيم. وهذا بوء بخسران مبين.

عبد الله علي إبراهيم
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. استاذي واستاذ الاجيال تتحفنا بالفكر العميق ومعك خالد التيجاني وغاب حسن ساتي من الركاب اما البقية تستطيح كانبيح الا ما رحم ربي محنتنا عدم النظر بفكر في الامر والذوبان في التلاحي حد المشاج كما تري ها هو الحصاد بوار يحتاج لمحرات يثيران لتقليب الارض لو لا محن الزمان ما كان مثلك بالخارج تكون بالداخل ويكون لك صالون نؤمه حتي تغذي الاجيال بالعافية فاصل العافية صحة العقول جوهرة الله في الانسان بغيابها متنا كما تري ونحن احياء وهذه اسوا من ميته

    كل سنة وانت طيب وكل مفكري السودان بمثلك نحيا
    واري ان خالدا هو الاوحد الذي يقول كلاما مفيدا للجماعة لكنهم ولغوا في ماعون الكنز فلن يبقوا ولن يبقي الكنز لكما المحبة واصل ولا تنقطع !!!وما رايك في تهديد احمد بلال وياود جمال التي كستك جمال الفكر رحم الله قريبنا ود المامور عوض عبد الرازق واطال الله عمر شيخنا جعفر ضاعا بسبب شخصنة الامور كان الوكن مزرعة !!!

  2. الانقلاب على الديمقراطية عقيدة حزبية سودانية :

    حزب الامة من عبدالله خليل لابراهيم عبود فوقا سلاح
    الشيوعيون 1969 – ثم محاولة تصحيحية 1971 انقلابية هي كذلك
    الاسلاميون 1989 يعني بعد عشرين سنة بالضبط ،،،

    البعثيون : ينتظرون دورهم
    حزب التحرير ينتظر دوره
    الجماعات الجديدة تنتظر دورها،،،،

    هكذا هي العقلية الحزبية ،،، ماعدا الاتحاديين والجمهوريين لم يلوثوا ايديهم بتدبير انقلابات او تسليم ،،

    مراجعات

  3. القضاء المبرم على الحركه الاسلاميه ليس من خرائب الانقاذ بل هو الحسنه الوحيده من تجربة حكمهم حتى ينتزعوا من ارض السودان انتزاعا ثم لاتقوم لهم قائمه..ولا يمكن ان يكون هنال امل فى قيام دوله حديثه فى السودان مع بقاء حزب يقوم على اساس دينى

  4. اقتباس: ومن يقول من المعارضين أن “الكيزان” هم من يمسكون بزمام الحكم في السودان إنما ينبح الشجرة الخطأ.” اذن من يحكمنا الان؟ ما هي النسبة المئوية من الاسلاميين الذين لم يشاركوا في حكم الانقاذ؟ ان البشير والقليل من الدائرة التي تحيط به ربما لم يكونوا اسلاميين اصلا وهنالك حديث كثيف عن بعثية الرئيس اوردها قادة البعث اكثر من مرة ولربما كان هنالك تقارب من درجة ما بين الفكرين بدليل مشركة احد افرع البعث في السلطة الحالية … جاء في الاخبار الاسفيرية ان وزير الدفاع وبكري حسن صالح لا يمكنهم تحريك دبابة واحدة … ورد هذا الحديث عند بدء المصالحة بين البشير والترابي في هذه السنة ولم يحضرها وزير الدفاع ولا نائب الرئيس … اذن من يصدر الامر بتحرك السلاح من عدمه؟ مرة اخرى، اذا كان الذين يحكون الان ليسو من الاسلاميين اذن من يحكمنا؟

  5. تمكن الترابي ومعه قلة فى حزبه من السيطرة على اعضائه واتخذوا كل القرارات المصيرية دون ديمقراطية.
    ان عزل اكبر كتلة من خريجى جامعة الخرطوم فى حزب عن القرار ما كان الا ليتنهي لدمار التنظيم.
    اما انقسام الحزب الشيوعي فجنحت لتفسيره بان(دعونا نكتشف الماركسية بانفسنا).
    وارى ان اكتشاف عمال السكة حديد وغيرهم انهم هم الطبقة العاملة كان نجاحا باهرا يدلل على صحة معقولة فيما ذهب اليه عبد الخالق.
    واضح ان د. عبد الله مشغول بما يجري داخل اى تنظيم سياسي ونقده, لان هذا فى النهاية هو يشكل لوحة البلاد, ومصيرها.

  6. * ربما كان المصاب بانقلاب الإسلاميين أخف لولا خسة علي عثمان الذي تلهف لاحتكار الثمرة ولما تينع فجني الحصرم.

  7. ماذا لم يكن السودان في منتدى دافوس وهو نادي الاغنياء الاذكياء والقوى الاقتصادية العظمى في العالم؟؟…
    رغم ان موارد السودان المهولة والمتعددة الا انه من افشل ثلاث دول في العالم حتى الان؟
    تركه الانجليز 1 يناير 1956 في منصةالانطلاق والريادة الى القرن 21…واعادته بضاعة خان الخليلي”الناصريين+ الشيوعيين+ الاخوان المسلمين” الى العصرالطباشيري….
    وحتى هذه اللحظة…نرى اعادة تدوير “اهل القبلة “والنخبة السودانية وادمان الفشل في المركز والمشاريع الميتة سريريا ومع -نفس الناس-
    يحتفون بانجازات هزيلة ونحن نشاهد انشااءات عظيمة في ناشونال جوغرافيك ونهوض ماليزيا والهند والبرازيل والصين
    والمنتظر من” اهل المركز” ديل يطلعو ليه بوصفة سحرية تعالج ازماته المتعددة يكون منتظر سراب بقيعة يحسبه اظمان ماء…
    انتهت الشعوذة الدينية باسبابها وجائنا الدجل السياسي غير القائم على اي اسس علمية او واقعية…
    وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بانفسهم…
    ****
    موضوع الهوية السودانية اتحسم من 1 يناير 1956 قانون الاحوال الشخصية السوداني
    1- الجنسية الخضراء-السوداني بي الميلاد
    2- الجنسية البنية -السوداني بي التجنس”الوافدين
    ………………….
    والان ساعدد لكم “منصات التاسيس” التي تشكلت عبر العصور وكيف يتم التجديف بعيدا عنها بسبب “بضاعة خان الخليلي” وجهل واستكبار الرعيل الاول ومن خلفهم من زرية ضعفاء حتى غدت البلد كالصريم…
    1- المنصة الاولى :
    الفدرالية ومؤتمر جوبا 1947 الذى اكد استحالة ادارة السودان عبردولة مركزية فاسدةوفاشلة وفاشية -النموذج المصري-
    2-المنصة الثانية
    السيد عبدالرحمن المهدي والشعار الجامع المانع”السودان للسودانيين” ومحاربة الاستلاب المصري الفكري -الثقافي -السياسي في السودان “الخديج” ودعمه لرؤية الجنوبيين”الفدرالية ” الاب بيامس والسياسي بنجامين لوكي 1955
    3- المنصة الثالثة:
    اسس دستور السودان 1955- محمود محمد طه او مشروع سوداني لدولة مدنية فدرالية ديموقراطية اشتراكية في العالم الثالث والسودان
    4- المنصة الرابعة
    مقررات مؤتمر المائدة المستديرة “سر الختم الخليفة”
    وكانت نواة لاول مؤتمر وطني دستوري لوضع رؤية كيف يحكم السودان ولاحظ مع ثورة اكتوبر غير المجيدة 1964و-نفس الناس- وارجع ال التاريخ شوف ما حاق بالجنوبي وليم دينق ومن احرق الجنوبيين في بابنوسة1965
    5- المنصة الخامسة
    اتفاقية اديس ابابا 1972
    اول مشروع سوداني ديناميكي بعد لاستقلال استطاع ان يتيح للجنوبيين الفرصة للعيش في دولة سودانية مستقرة بالحكم الذاتي في الجنوب والحكم لاقليمي اللامركزي الرشيد في الشمال ….
    6- منصة السادسة:
    اتفافية الميرغني /قرنق والمؤتمر الوطني الدستوري 1988 التي اجهضاانقلاب الانقاذ..

    7- المنصة السابعة
    7- مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية 1995
    اقترب كثيرا من علاج ازمة الدستور نفسها وضع تصور لحكم السودان…واجهضه -نفس الشخص-
    8- المنصة الثامنة
    اتفاقية نيفاشا للسلام الشامل 2005 ودستور 2005
    وهذه وضعت الحل المؤسس دستوريا لحل كافة مشاكل السودان العالقة من 1956 ومؤسسة بي دستور وبي اختراع المحكمة الدستورية العليا…وايضا اجهضها -نفس الناس

    المنصة التاسعة
    اتفاق مالك عقار/د.نافع علي نافع 2011
    والقرار 2046
    …………….

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..