حتى عاميتنا لم تسلم من الغزو (1)

كتبت على مدى نحو تسعة أيام ناعياً بهدلة اللغة العربية في السنوات الأخيرة، ورافضاً على نحو خاص العربيزية اي الاستيلاد القيصري القسري لمفردات وعبارات عربية من الإنجليزية، وقلت إن المناهج المدرسية وطرق التدريس وبؤس إعداد معلمي اللغة العربية مسؤول عن خروج جيل كامل من شبكة اللغة العربية في جميع البلدان التي تزعم أن العربية هي لغتها الرسمية.
ومصابنا في السودان أعظم لأننا لم نكتف باستيراد ?العًرَّاقي? الغرب أفريقي وجعلناه زياً للقيافة والمناسبات بألوانه الزرقاء والبنية والبنفسجية واللون زينبية، بل حولنا العمائم إلى طِرح (جمع طرحة)، فصارت كورنيش العمة مطرزة بألوان عجيبة، وكان من قبل قمة القيافة أن يكون تطريز العمامة باللون الأبيض، المنسجم مع لونها الأصلي.
حب كل ما هو غير سوداني جعلنا نستورد مفردات عامية مع وجود نظائرها عندنا بالكوم والردوم، وهكذا كان مصير الجداد نفس مصير الديناصور بظهور ?الفراخ?، وضاعت الطعمية وحلت محلها الفلافل رغم أن الفلفل لا يلعب دوراً محوريًا في إعدادها، وصارت ح?أدُق? ليك، لا تعني أن محدثك ذو مروءة وسيدق عنق عدو لك بل أنه س?يضرب لك تلفون?، صحيح أن الدق هو الضرب ولكن طالما أننا ظللنا منذ دخول خدمة الهاتف الى بلادنا نقول: أضرب تلفون، وقال محمد أحمد عوض: ضربت ليه التلفون جرسه رن/ قال لي هالو وأنا قلت قلبه حنّ، وقالت مطربة دلوكة قروية، كانت أقل حظاً من إنصاف مدني: حبيبي في الخرطوم/ ضربت ليه مكرفون / قال لي هالو (وهي معذورة إذا لم تكن تميز بين المايكروفون والتلفون).
دق التلفون جاءنا من الخليج، وقد عشت في الخليج سنوات أطول مما عاشها فيها أكثر من نصف سكانه، (هذه النسبة من السكان دون الثلاثين)، ومع هذا لم ولن ?أدق? التلفون لأحد، بل اتصل بزيد وعبيد، ولا اتصل ?فيهم?، وكلما قال لي خليجي اتصلت فيك أقول له ?كيف اتصلت فيني؟?، فيصيح: بلبلبل، زين اتصلت عليك، ولا أتركه حتى أقنعه بأنه اتصل بي.
أعني أنني وقد عشت في الخليج سنوات أطول من تلك التي عشتها في السودان، لا أتبنى مفردات أهل المنطقة فحتى وأنا أحادثهم لا أأتي بمفردة خليجية ما لم أدرك أن محدثي لن يفهم كلامي، ولا يعني ذلك أنني استخدم مفردات مثل قنب، وانجم (استرح)، و?أعوزو مدّ بوزو?، ولكنه يعني أنني وعلى الأقل عندما أتحدث مع سوداني مغترب مزمن مثلي في الخليج، لا استخدم مفردات خليجية ما عدا القليل منها الذي يتردد في الألسن على مدار اليوم مثل ?سيدا? التي تعني في عاميتنا ?دوغري? وأظنها تركية الأصل، و?دوار? لما نسميه صينية، وهي اسم سخيف لذلك الجسم الذي نجده في تقاطع الطرق، ومنشأ السخافة هو أن الصينية قد تكون مستطيلة أو مربعة.
وكنا حتى عهد قريب نتحدث عن ساعات العمل الرسمية، وفجأة صارت تلك الساعات ?دوام?، وصارت عبارات مثل بعد/ قبل الدوام على كل لسان، مع الكلمة في منتهى ?البلاهة?، وهي في فقه اللغة بنت سفاح لأنها مجهولة المصدر، فلا علاقة لها بـ?دام/ يدوم?، فالدوام لله وحده ولو جعلوا ساعات العمل ?دوَّامة? لكان أوقع وأقرب للصحة.
وبحكم أني تربية مطابخ (ليس بحكم أني نوبي بل لأن والدي كان يملك مطاعم في كوستي، وكان المطعم يسمى ?مطبخ?، ولكن الكلمة ضاعت كما ضاعت كلمتا طابونة وفرن وحلت محلها مخبز)، المهم أنني نشأت مثقفاً ذا معرفة موسوعية بلغة المطاعم، ولم تكن تدهشني التسميات العجيبة للأكلات المباعة في مطعم والدي: سرينا وشريفة وسلكيمة والباسم والبلدي، والسمك الفرايض، وظللت لسنوات طويلة أذهب الى مطاعم خارج كوستي وأطلب السمك الفرايض، ولم أنتبه الى أن الكلمة تحوير للأصل الإنجليزي ?فرايد fried? أي مقلي بالزيت إلا بعد أن عرفت طريقي إلى المطاعم الأفرنجية، واليوم تسمع الخرطوميين يتحدثون عن أكل الفراخ البروستيد، ولا تجد من يقول لهم: مي ياهو الجداد المحمر بدراش الرغيف الناشف (البقسماط)؟
وقد أواصل وقد ?لا? .

الراي العام

تعليق واحد

  1. أعجبني بشدة يا أستاذ والحاجات دي صراحة حارقاني شديد جدا لكن مشكلتي ما بعرف أكتب وليتني كنت كاتباً أو شاعراً والله دخلت علينا لغة دخيلة وغريبة ومشكلتنا إننا ما بنعتز بلهجتنا يعني تقابل المصري طوالي اللسان يتوج وتتكلم مصري وبدون إجادة طبعاً وكذلك الحال مع الخليجي أما قصة اللبسات الإفريقية والباكستانية دي الله المستعان بس .

  2. انا ارجو ابو الجعافر ان يكتب فى هذا الموضوع لمدة عام كامل لعله ينبه المثفين فى السودان بالذات بان اغلبهم لايعرفون اين مواقع مخارج الحروف اثناء الحديث .. كنت استمع الى برنامج فى احدى قنوات بلادنا يديره بروفيسور له شهرة كشهرة مستشفياته ، وحينما يريد جمع كلمة سبب ينطقها هكذا ( الازباب ) !! واغلب مسئولي البد ومثقفيها فى حاجة لكورسات مكثفة لفك الاشتباك بين حرف الغين والقاف لانه للاسف القاف لايوجد له مكان فى لهواتهم وانما ياتي من اعماق الحلق اي يخرج من بيت الغين ولذلك ينطقون كلمة القرار هكذا ( الغرار ) وعن الاشتباك بين الذاي والزين حدث ولا عجب … للاسف حق لنا البكاء على نظام الكتاب وهي خلاوي القرءان التي كانت بمثابة التمهيدي للاجيال التي مضت حيث يتعلم منها الطالب المران على مخارج الحروف والاملاء الصحيح ..

  3. وما يغيظنى جدا تكرار المذيعات فى السودان والبنات عامة كلمة ( حابى وتسلم ) وكنا نقولها ( لو عايز و الله يخليك ) تشقلبنا فى كل شئ وأدخلنا فى السودان الزي الباكستانى نساءا ورجالا وفى الاعراس حدث ولا حرج أدخلنا كل ما رأيناه من الهنود والخليج وتركيا وبنجلاديش حتى الزفة المصرية لم تسلم .. ولكن الشئ الذى لم أراه فى اي بلد وللآن لم أجده من أي فجة دخل الينا هو قبلات العريس والعروس أمام الخلق جهارا نهارا يا للهول .. ربنا يستر علي الجايات

  4. ابو الجعافر لك التحية
    اصبحنا منطقة منخفضة (واطية) عشان كدة بنستقبل كل التيارات الثقافية
    القادمة من مناطق عالية بمنتهي السلاسة واليسر .
    بعدىن يعني شنو امكن اوآصل وامكن لأ !
    على كيفك !؟ شغلك شنو انت ؟ مش الكتابة ؟ شوف شغلك خلاص .
    الاستلاب الثقافى طال جميع اوجه الحياة فى بلاد الكيزان حين اختل الميزان
    الى جانب ملابسنا ونضمنا تأمل يا ابو الجعافر ( اسماء مناطقنا ) !
    ولغة صحافتنا الرياضية المقروءة والمشاهدة (بقينا بنتكلم ذي التوانسة )
    ولو عايز تحس بطعم آخر للقرف ولون آخر للخزئ
    وتصاب بجلطة وحول فى عينك الشمال
    وتساقط في شعر حواجبك حتى لا تجد ما ترفعه حين تصاب بالدهشة والعجب
    استمع لمعلقنا الرياضى وهو يحاكي الشوالي !!!!!!

  5. طيب يااستاذنا رأيك شنو في :
    صباح الخير عليكم
    و العيد ينعاد عليكم

    انا غايتو لمن اسمع الكلمتين ديل ضغطي بطير السماء
    وده كلو بسبب قناة النيل الأزرق
    مرض بس.

  6. والأغرب من دا كلو يا استاذ جعفر رغم المفردات السودانية التى تعجب الخليجيين وغيرهم وحتى الهنود ولكن السودانى للأسف الشديد لا يقبل أن يناديه أحد غير السودانى فى الخليج بكلمة يا زول أو يردد مفرداتنا المشهورة مثل ساااكت و آآي وياخى ومتين …الخ ويجن جنون السودانى ويصبح زي التور الهائج ظنا منه بأن الذى أمامه يستفزه او يستهبل عليه ولو كنا قبلنا هذه المفردات من غيرنا بكل اريحية لتغيرت الكثير من المفردات فى الخليج الى مفردات سودانية .. ولا انسى أبدا الدرس الذى أخذته من سائق التاكسى الذى أوصلنى الى بيتى عندما جئت من دولة خليجية الى السودان وسألته بحسن نية( كيف الربع وكل شى زين فى البلد ) وما كان من سائق التاكسى الا واخرج سكاكينه وسلخنى حتى تبت وندمت وجعلنى العن هذه المفردات ولا أنطق بها حتى فى دار اهل الربع والزين

  7. قولت أيه؟
    مي ياهو الجداد المحمر بدراش الرغيف الناشف (البقسماط)؟
    باين عليك دقة قديمة ابو الجعافر
    الان الفراخ المحمر بدراش الأسنفج، أنت من زمن البقسماط

  8. لدينا القابلية للإستهواء,بجانب طبيعة البداوة التي نتصف بها.ثم إضمحلال الثقافة الوافدة التي ورثناها عن التركية و موت مصطلحاتها,مثل إجزخانة و أدبخانة و حكيمباشي و عربية.ثم إصصمحلال الثقافة الإنجلزية بفعل مؤثرات عديدة, منها أنه لا توجد لدينا ثقافة أصيلة تعمل كحائط صد ضد ما هو وافد سواء من الشام أو من مصر أو دول الإغتراب.لذا سرعان ما نتلقف بعض التعبيرات التي يأتي بها المغتربين و ما يبث في القنوات الفضائية حتي و إن كان خطأ لغويآ. و من هذا تعبير (بحاجة) التي يرددها مذيعو منطقة الشام. و صحته في حاجة إلي….
    سمعت قبل سنين ناس الخرطوم يرددون تعبير :سلااام بدل السلام عليكم و عرفت لاحقآ أنها وفدت إلينا من الجزيرة العربية. و في هذه الأيام أسمع تعبير :تسلم بدل شكرآ. و هو تعبير يردده البدو في السعودية.قلت هل نصعد يثقافتنا أم نهبط؟!

  9. دا كلو من اولاد وبنات الجامعات
    خاصة بتاعين الشهادات العربية ديل
    انا ما قادر استوعب كيف الراجل يقول ( تسلم) و( يلا)
    وكمان مقدمي البرامج الشباب كل واحد داير يعمل فيها
    رقيق وناعم ويقعد يستخدم ليك في مفردات انثوية نظام الود لطيف !

  10. انا شفت لو واحد قال لي دقيت ليك اقرب اشيل اقرب طوبة و افلقوا بيها عدييييييل كده و العجب كلام النسوان ، دا عايز ليه مقال تاني يا ابو الجعافر.

  11. انا شفت لو واحد قال لي دقيت ليك اقرب اشيل اقرب طوبة و افلقوا بيها عدييييييل كده و العجب كلام النسوان ، دا عايز ليه مقال تاني يا ابو الجعافر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..