(الإخوان المسلمون) فرقة ضالة مبتدعة.. يحرم شرعاً العمل تحت لوائها

د. محمود علي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فمما يقضى منه العجب هذه الأيام، ما نراه من شباب لو طلب منه أن يتعصب لصحيح الدين وما عليه الرسول المعصوم والجهاد في سيلهما، لما تعصب بمثل ما يتعصب لما عليه جماعة الإخوان، على الرغم من وضوح ما هي عليه من خلل وباطل، وعلى الرغم من كون بعض من يتعصبون لها تعلم في الأزهر وكان من المفترض أن يقيس أقواله وأفعاله على: قال الله وقال رسوله وأجمعت الأمة على كذا، لا على قول فلان أو أمر فلان من البشر.
ونستطيع أن نحكم من خلال هذا التعصب المقيت بأن (الإخوان المسلمون) فرقة ضالة مبتدعة، يستبدلها الله ولا يأتمنها على دينه.. بل و يحرم شرعاً العمل تحت لوائها أو التحالف معها أو المشاركة في فعالياتها أو الجهاد تحت رايتها لكونها راية عمية.. ذلك إن دعوتها إنما هي دعوة إلى الطاغوتية وعبادة القبور وتقديس الأشخاص والذوات وطاعتهم المطلقة حتى في المعاصي.
أما كون (فرقة الإخوان) على ضلال، فلكونها تقدم بين يدي الله ورسوله، ولا تستضيء بنور الوحي المبين، ولا تقول بصحيح الدين ولا تعتبر بأدلته ولا تعظم حرماته، ولا تزن تصرفاتها بميزان الكتاب والسنة ولا تعترف بإجماع الأمة، ولا تجعل هذه المصادر في معظم الأحيان مراجع أساسية لها، ولا غرو فالبنا كما ذكر أ. حوى في تربينا الروحية ص 75، 160 قد “وصل إلى مرتبة الاجتهاد” و”توفرت فيه شروط المرشد الكامل”.. كما أنه ? على ما في (المدخل إلى دعون الإخوان) ص 183، 185 ?: “مجدد القرون السبعة الماضية، وليس مجدداً لقرن واحداً”، ودعوته “أوجدت الصيغة التي يمكن أن يلتقي عليها المسلمون جميعاً”، وأتباعه وثقوا في شخصه ودعوته تلك “ورضعوها عمن هم أمثال الجبال في الثقة”.. وعليه فإنك مهما كلمتهم مثلاً عن حرمة الدماء وزدت من سرد الأدلة على حرمة تكفير المسلم، ازدادوا ولوغاً فيهما طالما أنهم يرون ذلك.. وكلما حادثتهم عن عدم جواز سعي جماعتهم وطلبها (الإمارة والحكم والخلافة)، وأنهم لو آتوها فليس من حقهم أن يعينوا في سلطانهم قرابة ولا أهل أو عشيرة وأن الأحاديث نص في كل ذلك، وحسبنا منها ما بوب له النووي في كتابه (رياض الصالحين)، ازدادوا عناداً وابتعاداً عما رسمه لنا ديننا الحنيف.. وكلما تحدثت معهم عن عدم حب الله للفساد والمفسدين وأتيت لهم من الآيات ما به تقام الحجة، تمادوا وراحوا يضربون المثل في قطع الطرق والتخريب والتدمير والتقتيل والتحريق والعثو في الأرض فساداً.. ومهما أخبرتهم عن وصية النبي لمصر وأهلها وجندها وشعبها وأقباطها وأنهم له الذمة والرحم، زادوا في كيدهم وأمعنوا في إلحاق الضرر والأذى بهم ولم يرقبوا فيهم إلا ولا ذمة، وتلك مجرد نماذج.
فهي جماعة اعتادت ألا تعظم لله ولا لرسوله قولاً ولا أمراً ولا نهيا، كما أنها لا تحترم إجماعاً، ودائما ما تؤول النصوص وتفصل الإسلام على هواها وهوى مرشديها ومنظريها وقادتها، وتُصدر من الأحكام ما يروق لها، وتطيع قادتها حتى في المعاصي طاعة عمياء.. وهذا هو الضلال بعينه، وفيه يقول تعالى: (ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)، ويقول: (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً)، ويقول: (ومن يضلل الله فما له من هاد)، ويقول: (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) كما يقول النبي فيه: (تركت فيكم ما اعتصمتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي).. وحسبنا في النهي عن كل ما ذكرنا والنهي عن طاعتهم في المعاصي والاستجابة لتلبيساتهم وشبهاتهم حديث البخاري ومسلم الذي فيه أن النبي بعث سرية فاستعمل عليها رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه فأغضبوه، فقال: أليس أمركم النبي أن تطيعوني؟، قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً فجمعوا، فقال: أوقدوا ناراً فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهموا وجعل بعضهم يُمسك بعضاً ويقولون: فررنا إلى النبي من النار، فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه فبلغ ذلك النبي فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف).. وكذا قوله: (فتلك عبادتكم إياهم)، وذلك أن عدي بن حاتم حين أراد أن يسلم وقد كان نصرانياً، أتى رسول الله وأنكر أن يكون ممن يعبدون الأحبار والرهبان من دون الله، فقال له: (ألم يكونوا يحلون لكم الحرام فتحلونه؟ ألم يكونوا يحرمون عليكم الحلال فتحرمونه؟)، قال عدي: بلى، فقال : (فتلك عبادتكم إياهم).. ومن قبل قوله تعالى: (ومن الناس من يتخذ من دون أنداداً يحبونهم كحب الله.. البقرة/ 165).
أما استبدال الله بها، فلأنها لم تقيد نعمة التمكين لها في زماننا بالشكر المشار إليه في قوله تعالى: (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر)، وما وجدنا منها سوى الانفراد بالحكم والتكالب على السلطة والحرص والسعي إليها بكل طريق، والتسلط على المخالف لها، وموالاة أعداء الإسلام من يهود وشيعة وغيرهم، وممالئة الباطل في السماح بالخمارات والبارات، والسكوت عن الفوضى والفساد، وإهدار الأموال وتعيين من يسئ أكثر مما يصلح وإطلاق صراح المجرمين وسافكي الدماء.. ولكونها أيضاً ما حققت شيئاً من شروط التمكين الوارد ذكرها في قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) أي كما قال ابن كثير: يترك الحق إلى الباطل (فسوف يأت الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم)، والقائل: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئاً)، فما وجدنا تبرئة مما طغى على منهجها من شركيات ولا رأينا أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر ولا رحمة بالمؤمنين ولا عزة على اليهود وأعداء الدين.
أما عدم ائتمانه تعالى إياها على دينه فلتلاعبها بالإسلام وأحكامه، وحصرهما في فهم جماعتها وإساءتها المنقطعة النظير لهما.. ولكم حلُم سبحانه على الفساد والمفسدين وفي غير ما دولة، في حين نزع حلمه عنهم في أقل من عام كانت لهم فيه وفي بلد الأزهر كعبة العلم ومقصد طلابه، الغلبة.. وما ذلك إلا لأنه تعالى يغار على دينه وما يصبر على من يبدله أو يحرفه أو يثير حوله الشبهات، إذ خَلْع مثل هؤلاء ونزع الملك عنهم من دلائل حفظ الله لدينه فهو القائل: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).
أما كون فرقة (الإخوان المسلمون) طائفة مبتدعة، فلكون دعوتها قائمة على الطاغوتية وعبادة القبور وتقديس الأشخاص والذوات.. ومن مظاهر ذلك:
1-الخلل في توحيد الألوهية أو العبادة: فسوادها الأعظم يغضون الطرف ولا يتبرءون مما ذكره قادتهم من شركيات وكفر صريح، ولا دلالة لسكوتهم عن هذا سوى رضاهم في المجمل عنه، ونذكر من ذلك ما سطره مرشدهم العام عمر التلمساني في كتابه (شهيد المحراب عمر بن الخطاب) ص 226، قال: “لا داعي إذن للتشدد في النكير على من يعتقد في كرامة الأولياء واللجوء إليهم في قبورهم الطاهرة والدعاء فيها عند الشدائد”، وقال ص 231: “فما لنا وللحملة على أولياء الله وزوارهم والداعين عند قبورهم”، والكتاب كله ? على حد ما ذكر ابن سيف العجمي صاحب كتاب (وقفات مع كتاب للدعاة فقط) ص 16 ? مليء “بالدعوة إلى الشرك وعبادة القبور وجواز الاستغاثة بها والتبرك بها ودعاء الله عندها وعدم جواز تشديد النكير على زوارها الذين يقومون بكل الأعمال السابقة”.. فكلامٌ مثل هذا مع توجه من (البنا) مؤسس جماعتهم إلى النزعة الصوفية المغالية، وبقائه متمسكاً بأوراد بعض طرقها “إلى آخر عهده وفي زحمة أعماله” كما جاء في (التفسير السياسي للإسلام) لأبي الحسن الندوي ص 139، وإقرار من منظريهم على مستوى العالم بما هو وهم عليه.. هذا وحده كفيل بصرف قلوب الموحدين عنهم، والكف عن سياسة الترقيع والتلفيق أو الكلام عن مراجعات أو العودة لقديم ما كانت عليه الجماعة، وموجب ? بالتالي ? للبحث بدلاً من ذلك عن بديل يعود بنا إلى ما كان عليه سلف الأمة ويعتقد معتقدهم جملة وتفصيلاً ويصون الدين ويحفظ له قدسيته ويحقن دماء المسلمين ويحفظ لهم بيضتهم وكرامتهم، ذلك أن ما ذكرنا يعد من خلاف التضاد الذي لا يجوز الاجتماع مع القائل به أو التحالف معه، وأيضاً فإن قبول العمل عند الله متوقف على إخلاص العبادة له جل وعلا، والمتابعة لرسوله القائل كما في الصحيحين: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، وذلك قوله تعالى: (فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحا ولا يشرك بعيادة ربه أحداً).
ومعلوم بالضرورة أن مغبة الشرك وعاقبته وخيمة، وحسبنا منه قوله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يشرك به)، وقوله في عدم المجاملة فيه: (ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين).. كما أن (توحيد الألوهية) الذي يقضي بإفراد صاحب الخلق والأمر بالتقديس والعبادة، هو الذي من أجله أنزل الله الكتب وبعث الأنبياء والرسل، فهم ما دعوا إلى شيء قبله، وذلك قوله تعالى: (ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت.. النحل/ 36)، وقوله: (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون.. الأنبياء/ 25)، وقوله: (واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون.. الزخرف/ 45)، وقوله عليه سلام الله: (نحن معاشر الأنبياء أولاد علات، ديننا واحد).. أما تفصيل ذلك فشرحه يطول وينظر في شأنه ? على سبيل المثال ? معارج القبول 1/ 320 وما بعدها إبان شرح مؤلفها لما جاء في منظومته المسماة بـ (سلم الوصول إلى علم الأصول)، وفيها قوله عن توحيد الألوهية:
وهو الذي به الإله أرسلا * رسلــه يدعون إليه أولا
وأنزل الكتــــاب والتبيانا * من أجله وفرق الفرقانا
2-التأصيل لما الخلاف فيه وسيلة للشرك: فإذا ما أضفنا لما سبق: اعتبار البنا الخلاف في التوسل المقرون بالدعاء الذي هو مخ العبادة، خلافاً فرعياً، طف الصاع وزاد الكيل، وفي رد ذلك يقول الألباني في كتابه التوسل أنواعه وأحكامه ص 133بعد أن صال وجال في الاستدلال على ما يشرع من التوسل وما لا يشرع: “ومن هنا يتبين أن قول بعض الدعاة الإسلاميين ? يقصد: البنا ? في الأصل الخامس عشر من أصوله العشرين: (والدعاء إذا قرن بالتوسل إلى الله بأحد من خلقه خلاف فرعي في كيفية الدعاء وليس من مسائل العقيدة) ليس صحيحاً على إطلاقه، لما علمت أن في الواقع ما يشهد بأنه خلاف جوهري، إذ فيه شرك صريح كما سبق”، وقد ساق صاحب (وقفات) بعض الفتاوى التي ترد عادية البنا وتؤيد بصريح العبارة ما قاله الألباني، ومما ساقه ص 31، 32 عن الشيخ صالح بن فوزان عضو هيئة كبار علماء السعودية قوله: “إن التوسل في الدعاء بذوات المخلوقين أو حقهم أو جاههم يعتبر أمراً مبتدعاً ووسيلة من وسائل الشرك، والخلاف فيه يعتبر خلافاً في مسائل العقيدة لا في مسائل الفروع”، ومما ساقه ص 27 وما بعدها عن الشيخ التويجري قوله: إن التوسل بالمخلوقين مردود بموجب نصوص الوحي “وما كان مردوداً بالنص الثابت عن النبي، فالقول بجوازه قول باطل يمس العقيدة وليس من الخلاف في الفروع”.. وليراجع بقية كلامهما فإنه من الأهمية بمكان.
ولقد وصل الأمر حداً جعل أوائل من عنوا بشرح أصول البنا، يعيب عليه تهاونه في أمر التوسل هذا، ونذكر من هؤلاء عبد الله البنا الذي على الرغم من تعصبه علق يقول: “والصواب في منع هذا الدعاء، لأنه لم يرد دعاء عن النبي توسل فيه بأحد من خلقه، وكذلك لم يرد عن الصحابة مثل هذا الدعاء، والخير دائماً في الاتباع لا في الابتداع”أ.هـ من شرح الأصول العشرين ص 54.
أما خلل فرقة الإخوان في قضايا توحيد الصفات، وموالاتها ومعاداتها في غير الله، وموقفها المخزي من الشيعة وسائر أعداء الإسلام، وموقفها المخزي من يهود فلسطين الذين لا يكفون عن اقتحام باحات المسجد الأقصى ولا عن ضرب المصلين فيها، مع تعهد ذراعها العسكري (حماس) بعدم المساس بأمن إسرائيل بل وتحقيق أهدافها بالتسلط على جنودنا وقواتنا المسلحة درع الإسلام والأمة الإسلامية، وكذا اعتبار نفسها جماعة المسلمين، ونظرتها للبيعة، وللسمع والطاعة المطلقة، واتباع منهج الغاية تبرر الوسيلة، واستباحة الكذب والخداع باسم مصلحة الدعوة، والاستقواء بالخارج، والاستبداد بالرأي وتقديمه على نصوص الوحي، وتقديم الانتماء للجماعة عن الانتماء لصحيح الدين، وكراهة أهل السنة والوقيعة في أهل الأثر.. إلى غير ذلك من المخالفات الشرعية، فتلك رءوس موضوعات تحتاج إلى تفصيل يضيق به المقام.. نسأل الله أن يبصرنا بعيوبنا وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
نعم كل هذا واكثر صحيح فى حق هؤلاءالمجرمين ولكن فى غمرة غضبنا عليهم لن ننسى ابدا ابدا ان السلفيه بمختلف مسمياتها وفروعها اكثر ضلالا وتخلفا ورجعية وبعدا عن اى شى مفيد …عليكم اللعنه جميعا اذا اردتم الاصلاح الزموا مساجدكم ولا تخرجوا منها ابدا
” وموقفها المخزي من الشيعة وسائر أعداء الإسلام”
اتفق معك أن الجماعات الدينية فاشلة، فاسدة،تتاجر بالدين لدغدغة المشاعر الدينية للشعوب المتخلفة و تدخلهم في نفق لا خروج منه و السودان عبرة لمن يعتبر
يا أخي لم السعي لاثارة الكراهية و حروب داحس و الغبراء مع الشيعة وغيرهم لا لشئ الا “لكفرهم” كما تزعمون
العالم دا سوق الله أكبر لمن أراد أن يعرض بضاعته و لكن بأسلوب “أخنق بطس” المسلمون هم الخاسرون!!!! و الاسلام هو ضحية هوس و عنف جماعتنا!!!
“و قل الحق من ربك فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر”
بهذه العقلية ستحيلون الدنيا بأجمعها الى أنهار و دماء
قلنا ليكم 100 مرة ، حسن البنا صنيعة امريكية .. يعنى صناعة امريكية..
قلنا صناعة ايييييييييييه..؟
اذا كان البنا صنيعة امريكية فلماذا احتفلت امريكا باستشاهده ونحن نعرف ان كل من قتل اثناء الاستعمار فهو كذلك وهو ما حدث عندنا في الجزائر . ثم قلي اشهد الله على ما في قلبك من هو غير صناعة امريكية من حكامنا السابقين والحاليين الم يقل ترمب لولي نعمتك لو لا طائراتنا ما بقيت ربع ساعة على كرسيك فهل سمعنا ردا منه قول ولي امركم ان الله العلي القدير هو الحافظ اليس السكوت يعبر عن الحقيقة وانا في هذا اقرار بالاعتماد على البشر اما صاحب المقال فانه مدخلي بامتياز وقوله فما وجدنا تبرئة مما طغى على منهجها من شركيات ولا رأينا أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر ولا رحمة بالمؤمنين ولا عزة على اليهود وأعداء الدين. فهل هذا تحقق في حكم السيسي وابن سلمان وابن زايد الم يكونوا اشدا حرصا على امن اسراءيل والتطبيع خير دليل ولوكا فيهم شرا على اسرلئيل ما بقوا ساعة في الحكم كما فعل مع السلفيين الجزائريين في التسعينات ومع كل مسلم مجاهد صادق.اتقوا الله وقول عدلا فلكل خير وشر .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد: فادعاء فرقة الإخوان امتلاكها الحق المطلق أمر متأصل لم تتخل عنه لحظة منذ نشأتها على يد البنا رحمه الله وإلى يومنا، وهذا من كبائر ما تقترفه دائماً وأبداً بحق نفسها وبحق غيرها، وما يشاهده العالم كله عيانا في زماننا من إفسادهم في بلاد المسلمين باسم الإسلام، خير شاهد على ما أقول إذ ليس بعد العين أين.. وقد نبه على خطورة هذا المرض العضال وخطورة ما ينتج عنه: عديد من أهل التحقيق فتحت عنوان (فكر البنا هو المقياس) يشير أ. سليم الهلالي ص 155 من كتابه (مؤلفات سعيد حوى دراسة وتقويماً) إلى أن الإخوان “يعتبرون فكر مرشدهم هو الميزان الذي توضع به الجماعات الإسلامية لترى وزنها وحجمها، فالإمام الشهيد كما يحلو لهم أن ينعتوه، أول من فطن إلى إحياء العمل الإسلامي.. وأول من وضع قدم المسلمين على الطريق الصحيح”، ويسوق الهلالي ما يدعم هذا الزعم من كلامهم ويؤكده، فيذكر فيما يذكر قول سعيد حوى في كتابه (من أجل خطوة إلى الإمام) ص 31: “أثبتنا بما لا يقبل جدلاً عند المنصفين، أن أحداً لم يضع قدم المسلمين في هذا العصر في طريق تحرير الإسلام من الوهن، ثم في الطريق إلى جماعة المسلمين، وإمام تتوفر فيه الخصائص، كحسن البنا”، وقوله في (جولات) ص 79: “إن حسن البنا من بين خلق الله في هذا العصر ? الذي يمتد بالطبع إلى ما شاء الله ? استطاع أن يُوجد القاسم المشترك الوحيد الذي يمكن أن يلتقي عليه المسلمون وتقوم به جماعة جامعة”.. وقوله ص 12 من كتابه (في آفاق التعاليم): “إننا لا نرضى لأنفسنا أن ننطلق بعيداً عن سير الأستاذ البنا، لأن التفريط في ذلك تفريط في السير الصحيح لنصرة الإسلام في هذا العصر”، فحصروا الإسلام فيما فهموه عنه ولو بطريق الخطأ.
والحق أن في ادعاء الحق المطلق لفرقة الإخوان ومؤسسها على النحو السالف الذكر مع ما بهما من شنيع الأخطاء، من شأنه أن يهدم أصل الدين ويقوض مرجعيته، ليجعلهما فيما أوتي البنا من دون كتاب الله وسنة رسوله وما أجمع عليه علماء الأمة.. وهذا جماع كل شر، وادعاء بالعصمة لغير الأنبياء، وتكذيب لما صح عن النبي في قوله: (كل ابن آدم خطاء)، وما أحد من خلفاء المسلمين حتى المهديين منهم قال بهذا ولا بمعشاره، فهذا أول وثاني الراشدين من بعد الرسول أثر عنهما بعد قولهما (أطيعوني ما أطعت الله فيكم): (فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)، (وإن وجدتم فيَّ اعوجاجاً فقوموني)، فيفترض أبو بكر في نفسه المعصية ويفترض عمر الاعوجاج، بل إن القرآن علم رسوله أن يأتي الخصوم بما يوقن بإحالته مجاراة لهم، وأن يقول مخاطباً لهم: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون.. سبأ/ 24، 25)، يعلمه ربه أن يقول هذا مع فظاعة ما بهم من كفر ومع تيقن بطلانه وحصول إجرامهم وأنه عليه سلام الله على الحق والهدى المبين، وهذا من فقه الدعوة ومن أدب النبوة العالي.. وحتى لا يُدعى أن البنا فيما رسخه في أتباعه لم يقل بهذا ولا ارتضاه، انظر إلى قوله في (دعوتنا) ص 16: «هي دعوة لا تقبل الشركة، إذ إن طبيعتها الوحدة، فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به، ومن ضعف عن هذا العبء فسيُحرم ثواب المجاهدين، ويكون مع المخلفين، ويقعد مع القاعدين ويستبدل الله لدعوته به قوما آخرين»، وقوله في (مذكرات داعية) 263: “دعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتى هي أحداً، وتستغني عن غيرها، وهى جماع كل الخير، وما عداها لا يسلم عن النقص، إذن فأقبِلوا على شأنكم ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عزة وقوة، فمن مد لكم يده على أساسه فأهلاً ومرحباً في وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار، أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم وينفذ تعاليمكم ومن أبى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه”.
ثم هو لا يقف عند هذا حتى يصنع من نفسه مطابقة واضحة وحقيقية مع النبوة، فالناس حياله واحد من أربعة: إما مؤمن بدعوته وهذا يشبه المؤمنين السابقين الأولين ممن شرح الله صدورهم لهدايته، وإما متردد شأنه كذلك شأن المترددين من أتباع الرسل، وإما نفعي: إن كشف الله الغشاوة عن قلبه وأزاح كابوس الطمع عن فؤاده، سينضم إلى كتيبة الله، وكذلك كان شأن قوم من أشباهه حين أبوا مبايعة رسول الله، وإما متحامل وهو الذي يأبى إلا أن يلج في غروره، وهذا حاله (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء)، و(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).. مع العلم أن عصر البنا كان مليئا بالمفكرين وأيضا الحركات الدعوية مثل (الشبان المسلمين)، و(مصر الفتاة)، وكذلك (شباب محمد) الذين كانوا أعضاء في الإخوان المسلمين، ولكنهم خرجوا على حسن البنا بسبب أمور مالية، منها تعديه على أموال جمعت لفلسطين، ولكنه صرف جزءا منها على الجماعة واعترف بذلك وقال: “نعيدها مرة أخرى”، وأمور أخرى إدارية.. وقد سبقه مشايخ كثر مثل: (جمال الدين الأفغانى) و(محمد عبده) و(محمد رشيد رضا) و(الكواكبى) وغيرهم كثير، ولم يَدَّع أحد منهم ذلك لنفسه، ولا عقد مطابقة بهذا الشكل، ولا قال إن فريقه دون سواه هو كتيبة الله، ولا حمل في ثنايا دعوته نفيا للآخر، ولا ادعى أن ما جاء به هو ما جاء به رسول الله ولا أن أتباعه هم أتباع الرسل.
إنه بما سبق ? وبنحو قوله في مجموعة الرسائل ص 24: “موقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار، أن نزنها بميزان دعوتنا، فما وافقها، فمرحبا به وما خالفها فنحن براء منه، ونحن مؤمنون بأن دعوتنا محيطة لا تغادر جزءً صالحًا من أي دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه» ? يجعل من نفسه مصدراً وحيداً للتشريع، وميزاناً دقيقاً في معرفة الحق من الباطل والخير من الشر والإيمان من الكفر، والموقِّع عن الله ورسوله، وهو إلى جانب ذلك يرسخ معاني الغرور وإقصاء الآخرين، ويصنع من نفسه ومن جماعته طواغيت تطاع ولو في المعصية وها نحن نجني ثمار هذه التربية في زماننا وبلادنا المسلمة، ورحم الله الشافعي: (رأيي صواب قد يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ قد يحتمل الصواب)، وما أعظم قول ابن تيمية في المجموع 20/ 8، 9 لرد ذلك: “لا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله r، ولا لقول إلا لكتاب الله عز وجل، ومن نصَّب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً)، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل اتِّباع الأئمة والمشايخ، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم”.
على أن العاطفة الدينية الجياشة التي تُمثل ما يشبه الرأي على حساب نصوص الوحي لدى أهل السنة، والتي تنتاب فرقة الإخوان الضالة تجاه شيخها، تفرض علينا أن ننبه على أن الارتباط الروحي والعاطفي، العلمي والعملي، إنما يكون للموحى إليه دون سواه، وأن نذكر بأن أهم ما يميز أهل السنة عن أهل البدعة، أن أهل السنة ? كما قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص 627 ? “يتركون أقوال الناس لها وأهل البدع يتركونها لأقوال الناس.. ويعرضون أقوال الناس عليها فما وافقها قبلوه وما خالفها طرحوه، وأهل البدع يعرضونها على آراء الرجال، فما وافق آراءها منها قبلوه وما خالفها تركوه وتأولوه.. وأنهم يدْعون عند التنازع إلى التحاكم إليها دون آراء الرجال وعقولها، وأهل البدع يدعون إلى التحاكم إلى آراء الرجال ومعقولاتها.. وأن أهل السنة إذا صحت لهم السنة عن رسول الله لم يتوقفوا عن العمل بها واعتقاد موجبها على أن يوافقها موافق، بل يبادرون إلى العمل بها من غير نظر إلى من وافقها أو خالفها، وقد نص الشافعي على أن الواجب على من بلغته السنة الصحيحة أن يقبلها وأن يعاملها بما كان يعاملها به الصحابة حين يسمعونها من رسول الله، فيُنزل نفسه منزلة من سمعها منه ، قال الشافعي: (وأجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان).
ومن أبرز علامات أهل السنة أيضاً ? والكلام لا يزال لابن القيم ?: أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول، فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها سوى الحديث والسنة.. ومنها: أن أهل السنة ينصرون الحديث الصحيح والآثار السلفية وأهل البدع ينصرون مقالاتهم ومذاهبهم.. ومنها: أن أهل السنة إذا ذَكروا السنة وجردوا الدعوة إليها نفرتْ من ذلك قلوب أهل البدع، وأهل البدع إذا ذَكرتَ لهم شيوخهم ومقالاتهم استبشروا بها.. ومنها: أن أهل السنة يعرفون الحق ويرحمون الخلق فلهم نصيب وافر من العلم والرحمة، وأهل البدع يكذِّبون الحق ويكفِّرون الخلق فلا علم عندهم ولا رحمة، وإذا قامت عليهم حجة أهل السنة عدلوا إلى حبسهم وعقوبتهم إذا أمكنهم على غرار ما جرى لفرعون، فإنه لما قامت عليه حجة موسى قال: (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين).. ومنها: أن أهل السنة إنما يوالون ويعادون على سنة نبيهم وأهل البدعة يوالون ويعادون على أقوال ابتدعوها.. ومنها: أن أهل السنة لم يؤصلوا أصولاً حكموها وحاكموا خصومهم إليها وحكموا على خالفها بالفسق والتكفير، بل عندهم الأصول: كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة” إلى آخر ما ذكره رحمه الله مما يعد مقياساً دقيقاً يستطيع عوام المسلمين قبل خواصهم أن يُميزوا به صحة وصدق الأعمال وفاعليها عن رديئها وفساد معتنقيها.. وما آمله أن تكون هذه الكلمات رسول سلام نبعث بها لكل من احترم عقله وعظم شرعه، أما أصحاب العاطفة الدينية والرأي من المغيبين ? وما أكثرهم ? فهؤلاء وشأنهم، فقد ارتضوا أن يجعلوا من أنفسهم نعاجاً لمتبوعيهم وأذناباً لطواغيتهم التي يعبدونها من دون الله، تشرع لهم من الدين ما لم يأذن به الله فيستحلون من خلالهم الدماء، وينتهكون بأمر منهم الحرمات، ويكفرون ويقتلون ويحرِّقون ويخربون ويدمرون ويفسدون ? وللأسف ? باسم الإسلام الذي هو منهم براء، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون).. وقديما برر البنا مؤسس الجماعة ضرب من عارضه في شعبة الإسماعيلية بقوله: “إن المخالفين قد تلبسهم الشيطان وزين لهم ذلك.. وإن من يشق عصا الجماعة فاضربوه بالسيف كائناً من كان”، فما أشبه الليلة بالبارحة!، وإذا كان هذا حال المخالف من داخل الجماعة، ما يكون الحال لو كان من خارجها؟؟!!.. تلك هي عاقبة البيعة الكاملة في المنشط والمكره والعسر واليسر، والمعاهدة على السمع والطاعة العمياء، وأثر كل ذلك على النفس والغير.. نسأل الله أن يجعلنا من أهل السنة وأن يجنبنا البدع وأهلها.. اللهم آمين.
عرض موجز لكتاب: (تحفة الإخوان في صفات الرحمن)/
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (حلقة1)
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد:
فإيماناً بأهمية تصحيح العقيدة، وبوجوب معرفة التوحيد الذي هو أعظم الأوامر التي يخاطب الله بها المكلفين من عباده ونبذ ما هو ضده من الشرك والتعطيل والتأويل والتفويض والتمثيل والتشبيه والتجسيم التي هي من أعظم المناهي.
وإعمالاً لما ذكره علماء الأمة من ضرورة تصفية العقيدة الإسلامية مما هو غريب عنها كالشرك وجحد الصفات وتأويلها، وتربية الجيل الناشئ علي الإسلام المصفى تربية إسلامية صحيحة.
ولأن الإعراض عن مثل هذا الأمر “يتضمن: إبطال أصول الدين ودعائم التوحيد.. وكتمان ما بعث الله به رسوله ” من إثبات صفات الله علي نحو ما أراده تعالى في كتابه ووصفه به رسوله على حد ما أفاده شيخ الإسلام في الفتاوى الكبرى 5/ 7، 12.
ولأن قضية الصفات من قضايا العقيدة التي لا يجوز الخلاف فيها أو حولها.
ومن أجل الحب في الله والتناصح ابتغاء مرضاته عملاً بقول النبي : (الدين النصيحة)، وأخذاً بقول عمر : (رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي).
وإعمالاً لما صرح به الإمام حسن البنا من أنه: (لا مانع من الخلاف والتحقيق العلمي النزيه، في جوًّ من الحب في الله).
كان لزاماً علينا أن نعرض لتصور الشيخ البنا المؤسس والمرشد والمُنظِّر الأول لجماعة الإخوان، لنقف على مدى تجاوزه وجماعته لصواب ما كان عليه سلف الأمة في توحيد الصفات
أولاً: الكلام عن تفويض علم الصفات إلى الله:
1- وفي ذلك يقول الإمام البنا: “إن البحث في مثل هذا الشأن مهما طال فيه القول، لا يؤدى في النهاية إلا إلى نتيجة واحدة هي التفويض لله تبارك وتعالى” [مجموعة الرسائل ص 329]، ويقول فيما ينبغي علينا: “هو أن نترك بيان المقصود منها لله.. ونترك لله تبارك وتعالى الإحاطة بعلمها” [الرسائل ص 325]
وهذا قول “يتناقض ? كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في الإكليل ص 45، 46? مع قول الله تعالى: (قرآناً عربياً غير ذي عوج)، وقوله: (إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون)، حيث “أخبر أنه أنزله ليعقلوه، وأنه طلب تذكرهم.. وقال أيضاً: (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)، فحض على تدبره وفقهه وعقله، والتذكر به والتفكر فيه، ولم يستثن من ذلك شيئاً، بل نصوص متعددة تصرح بالعموم فيه مثل قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القران).. ومعلوم أن نفى الاختلاف عنه لا يكون إلا بتدبره كله، وإلا فتدبر بعضه لا يوجب الحكم بنفي مخالفة ما لم يُتدبر لما تُدبِّر”.
والعقل يقتضي القول بأن رسالة النبي تضمنت شيئين هما: العلم النافع والعمل الصالح كما أفاده قول تعالي: (هو الذي أرسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره علي الدين كله ولو كره المشركون)، فالهُدي هو: العلم النافع، ودين الحق هو: العمل الصالح الذي اشتمل علي الإخلاص لله والمتابعة لرسوله .. وأن العلم النافع يتضمن كل علم يكون للأمة فيه خير وصلاح في معاشها ومعادها وأول ما يدخل في ذلك: العلم بأسماء الله وصفاته وأفعاله، فإن العلم بذلك أنفع العلوم وهو زبدة الرسالة الإلهية وخلاصة الدعوة النبوية، وبه قوام الدين قولاً وعملاً واعتقاداً، ومن أجل ذلك كان من المستحيل أن يهمله النبي ولا يبينه بياناً ظاهراً ينفي الشك ويدفع الشبهة ? خاصة ? وأن الإيمان بالله وأسمائه وصفاته هو أساس الدين وخلاصة دعوة المسلمين، وهو أوجب وأفضل ما اكتسبته القلوب وأدركته العقول.. ثم أنه كان أعلم الناس بربه، وهو أنصحهم للخلق وأبلغهم في البيان، فلا يمكن مع هذا المقتضي التام للبيان أن يترك باب الإيمان بالله وأسمائه وصفاته ملتبساً مشتبهاً.
الأمر الذي يعني أن معرفة أسماء الله وصفاته مما يجب العلم به والسعي لتحصيله، وهو ما نبه عليه ابن عباس فقد رُوي عنه أنه قال: تفسير القرآن على أربعة أوجه، وذكر منها: تفسير لا يعذر أحد بجهالته: وهو تفسير الآيات المكلف بها اعتقاداً أو عملاً، كمعرفة الله بأسمائه وصفاته ومعرفة اليوم الآخر والطهارة والصلاة والزكاة وغيرها، وتفسير لا يعلمه إلا الله فمن ادعى علمه فهو كاذب: وهو حقائق ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر، فإن هذه الأشياء نفهم معناها، ولكن لا ندرك حقيقة ما هي عليه في الواقع.
على أن مقتضى القول بالتفويض الذي يقول به البنا وغيره، يستلزم استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وإنهم كانوا يقرئُون الآيات المتعلقة بالصفات ولا يعرفون معنى ذلك ولا ما أريد به، ولازم قولهم أن رسول الله كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه.. “ومن المحال ? على حد عبارة ابن حجر في الفتح 13/ 402 ? أن يأمر الله نبيه بتبليغ ما أنزل إليه من ربه وينزل عليه (اليوم أكملت لكم دينكم) ثم يترك هذا الباب فلا يميز ما يجوز نسبته إليه مما لا يجوز مع حضه على التبليغ عنه بقوله: (ليبلغ الشاهد الغائب) حتى نقلوا أقواله وأفعاله وأحواله وصفاته وما فُعل بحضرته، فدل على أنهم اتفقوا على الإيمان بها على الوجه الذي أراده الله منها ووجب تنزيهه عن مشابهة المخلوقات بقوله (ليس كمثله شيء)، فمن أوجب خلاف ذلك بعدهم فقد خالف سبيلهم”.
بل ومن الأدلة على أن القول بالتفويض مناقض ومخالف لما عليه جميع العباد وفى مقدمتهم الأنبياء والمرسلون، أن “من تأمل خطب النبي وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذكر صفات الرب جل جلاله وأصول الإيمان الكلية.. فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه” انتهى من كلام ابن القيم في زاد المعاد1/ 116، وهو في معنى عبارة: (إثبات الصفات لله سبحانه)، وفى ذلك يقول رحمه الله في الكافية الشافية:
وهذا ومن توحيدهم إثبات أو * صاف الكمال لربنا الرحمن
“أي من توحيد الأنبياء والمرسلين وأتباعهم أن يعترفوا ويثبتوا لله كل صفة للرحمن وردت في الكتب الإلهية وثبتت في النصوص النبوية، يتعرفون معناها ويعقلونه بقلوبهم، ويتعبدون لله بعلمها واعتقادها، ويعملون بما يقتضيه ذلك الوصف من الأحوال القلبية والمعارف الربانية، فأوصاف العظمة والكبرياء والمجد والجلال تملأ قلوبهم هيبة لله وتعظيما له وتقديسا، وأوصاف العز والقدرة والجبروت تخضع لها القلوب، وتذل وتنكسر بين يدي ربها، وأوصاف الرحمة والبر والجود والكرم تملأ القلوب رغبة وطمعا فيه وفى فضله وإحسانه وجوده وامتنانه، وأوصاف العلم والإحاطة توجب للعبد مراقبة ربه في جميع حركاته وسكناته، ومجموع الصفات المتنوعة الدالة على الجلال والجمال والإكرام تملأ القلوب محبة لله وشوقا إليه وتوجب له التأله والتعبد والتقرب من العبد إلى ربه بأقواله وأفعاله بظاهره وباطنه، بقيامه بحقه وقيامه بحقوق خلقه”.. ونخلص من هذا إلى أن “السلف كانوا يفهمون معاني آيات وأحاديث الصفات ولو كان معناها غير مفهوم لهم لما صح منهم الإثبات، إذ كيف يثبتون شيئاً لا يعقلون معناه، وغاية الأمر أنهم لم يكونوا يبحثون فيما وراء هذه الظواهر عن كنه هذه الصفات، أو كيفية قيامها بذاتها لله تعالى” [ينظر ابن تيمية السلفي د. هراس ص 48، 49].
والظاهر أن الذي حمل الأستاذ البنا ? وكذا تلاميذ مدرسته كالأستاذ سعيد حوى والبهنساوي و د. حسن أيوب ? على القول بالتفويض، ما وجده في أقوال السلف من ألفاظ لم يدرك البنا حقيقتها ولا المراد منها.. آية ذلك ما ساقه لأبى عبد الله أحمد بن حنبل في مجموعة الرسائل ص 326: “نؤمن بها ونصدق بها ? أي الصفات ? ولا كيف ولا معنى ولا نردُّ منها شيئاً.. إلخ”، وما ساقه بنفس المصدر ص 325 لأبى القاسم اللالكائي عن محمد بن الحسن، صاحب أبى حنيفة “اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن، والأحاديث التي جاءت بها الثقات عن رسول الله في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا”، وكذلك ما ساقه لغيرهما مما يفيد ذلك.
و”الجواب على ذلك ? كما يقول ابن عثيمين في فتح رب البرية ص 63 ?: أن المعنى الذي نفاه الإمام أحمد في كلامه، هو المعنى الذي ابتكره المعطلة من الجهمية وغيرهم وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة، وأخرجوها عن ظاهرها إلى معان تخالفه، ويدل على ما ذكرناه أنه نفى المعنى ونفى الكيفية، ليتضمن كلامه الرد على كلتا الطائفتين المبتدعتين، طائفة المعطلة وطائفة المشبهة”، ويدل عليه أيضا قول أحمد نفسه كما في مختصر صواعق ابن القيم ص 124″إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه، وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه”.. وعلى مثل ذلك تُحمل عبارات نفى التفسير كما في عبارة محمد بن الحسن وكما في قول غيره من الأئمة: (نؤمن بهذه الأحاديث من غير تفسير، منهم: الثوري ومالك وابن عيينة وابن المبارك)، وكذا قول الأثرم والطلمنكي وابن الماجشون: (لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف)، وهؤلاء جميعهم من علماء السلف وقد ساق البنا كلامهم في مجموعة الرسائل ص 326.
وفى بيان ذلك يقول ابن القيم في مختصر الصواعق ص 125: “الصحابة والتابعون فسروا القرآن وعلموا المراد بآيات الصفات، كما علموا المراد من آيات الأمر والنهى، وإن لم يعلموا الكيفية.. فمن قال من السلف: (إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله بهذا المعنى) ? الكيفية ? فهو حق، وأما من قال: (إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد منه لا يعلمه إلا الله) فهو غلط، والصحابة والتابعون وجمهور الأمة على خلافه”.. وفى هذا، القول الفصل في الرد على معتقد البنا، ومن دافع عنه وسار على دربه في مسألة التفويض.
2-ثم إن الإمام البنا أخطأ ثانية في نسبة التفويض إلى السلف، وذلك قوله: “قد علمتَ أن مذهب السلف في الآيات والأحاديث التي تتعلق بصفات الله تبارك وتعالى أن يُمِرُّوها على ما جاءت عليه، ويسكتوا عن تفسيرها أو تأويلها” (مجموعة الرسائل ص 329)، وهذا يعني: عدم إدراكهم لمعاني هذه الصفات وترك بيان المقصود منها لله، وذلك ما عبر عنه بقوله: “أما السلف، فقالوا: نؤمن بهذه الآيات والأحاديث كما وردت، ونترك بيان المقصود منها لله، فهم يثبتون اليد والعين والأعين والاستواء والضحك والتعجب.. إلخ، وكل ذلك بمعان لا ندركها ونترك لله الإحاطة بعلمها” (مجموعة الرسائل ص 325)، وقوله: “إن السلف يؤمنون بآيات الصفات وأحاديثها كما وردت، ويتركون بيان المقصود منها لله.. إلخ” (مجموعة الرسائل ص 327).
والتفويض بهذا المعنى، ليس هو عقيدة أهل السنة والجماعة.. فهذا أمر فيه لبس، “ومن الخطأ القول بأن هذا هو مذهب السلف كما نسب ذلك إليهم المتأخرون من الأشاعرة وغيرهم، فإن السلف لم يكونوا يفوضون في علم المعاني ولا كانوا يقرئون كلاماً لا يفهمون معناه” كذا في شرح الواسطية د. خليل هراس ص 17.. وعليه “فليس الأسلم تفويض الأمر في الصفات إلى علام الغيوب، لأنه سبحانه بيَّنها لعباده وأوضحها في كتابه الكريم، وعلى لسان رسوله الأمين ولم يبيِّن كيفيتها، فالواجب تفويض علم الكيفية لا علم المعاني، وليس التفويض مذهب السلف بل هو مذهب مبتدع مخالف لما عليه السلف الصالح، وقد أنكر الأمام أحمد وغيره من أئمة السلف على أهل التفويض وبدَّعوهم، لأن مقتضى مذهبهم أن الله سبحانه خاطب عباده بما لا يفهمون معناه ولا يعقلون مراده منه، والله يتقدس عن ذلك”[تنبيهات على ما كتبه الصابوني ص 12، 13].
وقد زاد ابن تيمية هذا الأمر وضوحاً في (الإكليل) 46 بنحو ما جاء عن “عليٍّ لما قيل له: هل ترك عندكم رسول الله شيئا؟، فقال: لا والله الذي فلق الحبة وبرأ النسمة”.. وأيضاً فالسلف من الصحابة والتابعين وسائر الأمة، قد تكلموا في جميع نصوص القرآن، آيات الصفات وغيرها وفسروها وفق دلالتها، ورووا عن النبي أحاديث كثيرة توافق القرآن، وأئمة الصحابة في هذا أعظم من غيرهم، مثل ابن مسعود الذي كان يقول: لو أعلمُ أعلمَ بكتاب الله منى تبلغه آباط الإبل لأتيته”.. ويقول: (ما في كتاب الله آية إلا وأنا أعلم فيما أنزلت).. وابن عباس وقد قال فيه مجاهد: (عرضت المصحف على ابن عباس إلى خاتمته، أقفه عند كل آية وأسأله عنها).. ومسروق، قال: (ما سأل أصحاب محمد عن شيء إلا وعلمه في القرآن، ولكن علمنا قصر عنه).. ولو كانت معاني هذه الآيات منفياً أو مسكوتاً عنه، لم يكن ربانيو الصحابة أهل العلم بالكتاب والسنة أكثر كلاما فيه[ينظر مختصر الصواعق ص 125].
ثم إن الصحابة نقلوا عن النبي أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة، ولم يُذكر عن أحد منهم قط أنه امتنع عن تفسير آية.. وكذلك الأئمة كانوا إذا سُئلوا شيئاً عن ذلك لم ينفوا معناه، بل يثبتون المعنى وينفون الكيفية، كقول مالك بن أنس لما سئل عن الاستواء، فقال: (الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)، وكذلك شيحه ربيعة، فنفوا العلم بكيفية الاستواء لا العلم بنفس الاستواء، لأنه قد ورد عنهم وعن الصحابة أن معناه: العلو والارتفاع، وقد تلقى الناس هذا الكلام بالقبول، فليس من أهل السنة من ينكره.. وهذا ? بالطبع ? شأن جميع ما وصف الله به نفسه.. ومن هنا جاء قول الخطابي: (إن مذهب السلف إثباتها وذلك لا يكون إلا بمعرفة معناها وإجراؤها على ظواهرها ونفى الكيفية والتشبيه عنها).. وقد نقل نحواً منه من العلماء من لا يُحصى عددهم[ينظر الحموية ص 35 كما ينظر في نقول أئمة السلف وأهل اللغة: اجتماع الجيوش لابن القيم والعلو للذهبي].
وعلى نحو ما أزلنا اللبس ? في المسألة الأولى ? في عبارات السلف عن ترك المعنى وعدم تفسير آيات الصفات.. نزيله هنا في عبارات (الإمرار) التي جاءت على ألسنتهم، ذلك أن الذي دفع الإمام البنا ومنظري جماعته إلى القول بالتفويض في الصفات عند السلف، إجماعهم على (إمرار الصفات على ما جاءت بلا كيف)، والجواب عنه: أن مقصود (الإمرار) هنا، إنما هو لحقيقة الصفة وكنهها وكيفية قيامها بذاته سبحانه وليس لمعنى الصفة، “ولو كانوا لا يعتقدون لها معنى لقالوا: (أمروا لفظها، ولا تتعرضوا لمعناها)” كذا في فتح رب البرية لابن عثيمين ص 63.. ونص عبارة شيخ الإسلام في الحموية ص 25: “لو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله، لما قالوا: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول.. فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم.. ولما قالوا: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، إذ لو كان مرادهم تفويض معناها لقالوا: (أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد)، أو (أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة)، وحينئذ تكون قد أمرت كما جاءت، ولا يقال حينئذ (بلا كيف)، إذ نفى الكيف عما ليس بثابت لغو من القول”.
ويؤكد ذلك.. أن كل من نقل عنه مثل هذه العبارات قد نقل عنه ? أيضاً ? القول بالإثبات الذي يقتضي معرفة المعنى، ومثال ذلك ما روي عن الإمام الأصفهاني، لما تكلم في كتابه (الحجة في بيان المحجة) عن آيات وأحاديث الصفات، قال: (إن مذهبنا فيه ومذهب السلف إثباته وإجراؤه على ظاهره ونفى الكيفية والتشبيه، وقد نفى قوم الصفات فأبطلوا ما أثبته الله تعالى، وتأولها قوم على خلاف الظاهر فخرجوا من ذلك إلى ضرب من التعليل والتشبيه، والقصد إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين، لأن دين الله تعالى بين الغالي فيه والمقصر عنه، فالأصل في هذا أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات، وإثبات الله إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فإذا قلنا يد وسمع وبصر ونحوها فإنما هي صفات أثبتها الله لنفسه ولم يُقل معنى اليد: القوة، ولا معنى السمع والبصر: العلم والإدراك، ولا نشبهها بالأيدي والأسماع والأبصار، وإنما نقول وجب إثباتها لأن الشرع ورد بها، وأوجب نفى التشبيه عنها لقوله تعالى: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير).. كذلك قال علماء السلف في جميع أخبار الصفات: (أمروها كما جاءت).. والمراد من قول سفيان.. إنما هو نفى الكيفية، كما نفتها أم سلمة وتابعها مالك وغيره من السلف عندما قالوا الاستواء معلوم والكيف مجهول”.
ويؤكد ابن تيمية هذه الحقيقة فيقرر في مجموع الفتاوى 5/ 41 أن “قول ربيعة ومالك: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب)، موافق لقول الباقين: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، فإنما نفوا علم الكيفية ولم ينفوا ظاهر معنى الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، فإن الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً.. وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذ لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفى علم الكيفية إذا أثبت الصفات، وأيضاً فإن من ينفى الصفات الخبرية لا يحتاج أن يقول: (بلا كيف)، فمن قال: (إن الله ليس على العرش)، لا يحتاج إلى أن يقول: (بلا كيف).. وكذلك لو كان مذهب السلف نفى الصفات في نفس الأمر، لما قالوا: (بلا كيف)، وعليه فإن قولهم: (أمروها كما جاءت)، يقتضى إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظاً دالة على معان، إذ لو كانت دلالتها منفية لكان الواجب أن يقال: (أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير مراد)”.. “كما جاء في بعض العبارات أيضاً عن بعض السلف: (وترك تفسيرها) ? أي أحاديث الصفات ? ومرادهم منها: ترك التفسير الذي يخرج عن ظاهر اللفظ، أو ترك التفسير الذي يؤدي إلي معرفة الكيفية والكنه”[ينظر علاقة الإثبات ص 71].
ويفصل ابن عثيمين كلام ابن تيمية في هذا الأمر فيبين ص 63 في تلخيصه على الحموية أن المراد بإمرار الصفات شيئان: “الأول قولهم: (أمروها كما جاءت)، فإن معناه إبقاء دلالتها علي ما جاءت به من المعاني، ولا ريب أنها جاءت لإثبات المعاني اللائقة بالله، ولو كانوا لا يعتقدون لها معني لقالوا: (أمروا لفظها ولا تتعرضوا لمعناها)، ونحو ذلك.. الثاني قولهم: (بلا كيف)، فإنه ظاهر في إثبات حقيقة المعني، لأنهم لو كانوا لا يعتقدون ثبوته ما احتاجوا إلي نفي كيفيته، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه، فنفي كيفيته من لغو القول.. فإن قيل: ما الجواب عما قاله الإمام أحمد في حديث النزول وشبهه: (نؤمن بها ونصدق، لا كيف ولا معني)، قلنا الجواب علي ذلك: أن المعني الذي نفاه أحمد هو المعني الذي ابتكره المعطلة من الجهمية وغيرهم، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة عن ظاهرها إلى معان تخالفه، ويدل علي ما ذكرنا: أنه نفي المعني ونفي الكيفية، ليتضمن كلامه الرد علي كلتا الطائفتين المبتدعتين، طائفة المعطلة وطائفة المشبهة”.. وهذا الكلام الذي سقناه هنا يُحمل عليه ? كما قلنا ? كلام اللالكائي في أصول السنة في إثبات (صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه)، كما يُحمل عليه قوله: (فمن فسر اليوم شيئا من ذلك فقد خرج عما كان عليه علم النبي ، وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا…إلخ).. وكلام الخلال من كتاب السنة عن بعض صفات الله سبحانه وفيه: (قال أحمد بن حنبل: نؤمن بها ونصدق بها ولا كيف ولا معني)، وكذا كلام الأثرم والطلمنكي وابن الماجشون: (لا نجحد ما وصف ولا نتكلف معرفة ما لم يصف).. وهؤلاء جميعهم من علماء السلف، وقد ساق البنا كلامهم في مجموعة الرسائل ص 326.
وغاية القول أن مذهب السلف، هو: الإثبات وليس التفويض لما يرد علي التفويض من محاذير منها:
1? نفي الحقيقة.. 2? وإثبات التكييف بالتأويل.. 3? وتعطيل الرب تعالي عن صفاته التي أثبتها لنفسه.. 4 ? وعدم معرفة النبي ? وكذا الملائكة وسائر الأنبياء ? والصحابة لمعاني آيات وأحاديث الصفات، وأن يكون الأنبياء أنفسهم قد تكلموا بما لا يعقلون، وبعثوا بتبليغ العباد وتكليفيهم بما لا يفهمون.. 5 ? كما يستلزم أن يكون الله قد خاطب عباده بما لا يفهمون معناه، وأنه تعالى أنزل نحو مائة آية عبثاً لا تفيد العباد عقيدة ولا ديناً.. 6? وأنه يؤدي إلي القول بأن ظواهر هذه النصوص تدل علي معان لا يليق به سبحانه.. 7?وإلى إبطال إجماع السلف علي عدم تفويضهم لمعاني الصفات، ومعلوم أن الإجماع أحد مصادر التشريع.. 8? وكذا إلى مصادمة هذا القول للنصوص التي تفيد الإثبات، والتشكيك في صفات الله، وهذا أمر لا يجوز شرعاً، لأنه يؤدي إلى التشكيك بالموصوف.. 9? كما أنه يؤدي إلي أن ينسب إلي البدعة من خالف القائلين بالتفويض، وفي هذا خطأ كبير.. لأن فيه تسوية بين من أثبت الصفات وبين من نفاها، وهذا يؤدي إلي أن يكون الحق باطلاً وأن تكون السنة بدعة.. 10? كما أن القول بمبدأ تفويض الصفات، هو الذي ألجأ الملاحدة القدامى إلي إنكار معاد الأجساد في الآخرة، لأنهم اعتبروا القول في نصوص المعاد كالقول في نصوص الصفات.
وهذه كلها لوازم شنيعة بإجماع الأمة، ولذلك لا يعذر باعتقادها والتزامها المقلدون، بل يجب عليهم الإيمان بأن مراد السلف الصالح من تلك العبارات المنع من تأويل الصفات، وإلزام الناس أن يعتقدوا بمعانيها اللغوية وأن لا يبحثوا عن كيفيات صفات الله التي دلت الآيات عليها، وأن الكيفيات هي وحدها الممنوع من اتباعها والتي يجب أن تكون من قبيل المتشابه دون أصل معانيها، فإن جميع العباد مكلفون باعتقاد أصل المعاني المذكورة، وبذلك يمكنهم أن يقصدوا ويتوجهوا إليه سبحانه.. الأمر الذي يؤكد على أن “السف لم يكونوا يفوضون في علم المعنى ولا كانوا يقرئون كلاماً لا يفهمون معناه، بل كانوا يفهمون معاني النصوص من الكتاب والسنة ويثبتونها لله عز وجل، ثم يفوضون فيما وراء ذلك من كنه الصفات أو كيفياتها”[شرح الواسطية د. هراس ص 17].
عرض موجز لكتاب: (تحفة الإخوان في صفات الرحمن)
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (حلقة 2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
3- فالشيخ حسن البنا لم يكتف بما سبق أن ذكرنا من القول بالتفويض في صفات الله ونسبة ذلك إلى السلف، حتى راح يستدل بطريقة خاطئة من القرآن والسنة علي التفويض!. وفي ذلك يقول رحمه الله: “فهُم ? يعني السلف ? يثبتون اليد والعين والأعين والاستواء والضحك والتعجب.. إلخ، وكل ذلك بمعان لا ندركها ونترك لله تبارك وتعالي الإحاطة بعلمها، ولاسيما وقد نهينا عن ذلك في قول النبي : (تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تقدروه قدره” (مجموعة الرسائل ص 325).
ويقول في موضع آخر: “آيات الصفات وأحاديثها الصحيحة، وما لحق بذلك من المتشابه نؤمن به كما جاء من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء، ويسعنا ما وسع رسول الله وأصحابه (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا.. آل عمران/ 7)” ( مجموعة الرسائل ص 269، 270 ).
ولنعلم بداية أن القول بمثل ذلك، من قبيل ضرب نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض ? وذلك إثم عظيم لمن تعمده ? وقد عرفنا ما كان عليه السلف من إدراكهم لمعاني الصفات الثابتة في حق الله سبحانه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونوا في ذلك مخالفين لنصوص الكتاب والسنة، يقول شارح العقيدة الطحاوية ص 524 حاكياً عن حال أهل البدع وممثلاً لذلك بمسألة القدر والصفات: “وجميع أهل البدع مختلفون في تأويله، مؤمنون ببعض دون بعض، يقرون بما وافق رأيهم من الآيات، وما يخالفه: إما أن يتأولونه تأويلاً يحرفون فيه الكلم عن مواضعه، وإما أن يقولوا هذا متشابه لا يعلم أحد معناه، فيجحدوا ما أنزله من معانيه وهو في معني الكفر بذلك، لأن الإيمان باللفظ بلا معني هو من جنس إيمان أهل الكتاب كما قال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً)، وقال تعالي: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) أي: إلا تلاوةً من غير فهم معناه”.
وإذا كان هذا حال البدع، فهل يليق بنا ? أهل السنة والجماعة ? أن نطلق أوصافهم هذه علي صحابة رسول الله وتابعيهم بإحسان إلي يوم الدين، أو أن نضرب كتاب الله وأحاديث رسوله بعضها ببعض؟! اللهم لا.. إذاً فلنرفع هذا اللبس الذي وقع في نصوص الإمام البنا ? رحمه الله ? وكذا استدلالاته الخاطئة، ونقول وبالله التوفيق:
أما عن الحديث: (تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تقدروه قدره)، فإن معني إدراك السلف الصالح لمعاني الصفات دون إدراك كنهها وحقيقتها، هو ما يعنيه إثباتهم لحقيقة الصفة أو الذات ونفيهم لعلم كيفيتها وإمرارها كما جاءت، وهو مفهوم الحديث الذي استشهد البنا به هنا.. والقول بخلاف ذلك ضرب ? كما قلنا ? لنصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض، وتناقض شنيع علي نحو ما في هذه النصوص التي سقناها قبلاً وجاءت معبرة عن إجماع الصحابة وسلف الأمة.
فإذا ما أضفنا إلي ذلك ضعف هذا الحديث، دل ذلك علي عدم صحة الاستدلال به علي الإطلاق في مسألة عقدية كهذه وعلي النحو الذي ذهب إليه الإمام البنا.. ثم إن هذا الحديث مع ضعفه لا يدل علي ما أراده الإمام البنا من تفويض السلف لمعاني الصفات وعدم إدراكها وترك الإحاطة بعلمها، بل يعني ترك التفكر في حقيقة ذاته سبحانه وحقيقة صفاته.. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية ص 35: “فإذا كان.. إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف”.
يريد أن معاني هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله ظاهرة المعني وواضحة البيان، أما كيفياتها وحقيقة أمرها ففيه التفويض، “ومن المحال أن يكون النبي قد عَلَّم أمته كل شيء، وقال: (تركتكم علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)، وقال فيما صح عنه أيضاً: (ما بَعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته علي خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم)، وقال أبو ذر: (لقد توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما)، وقال عمر ابن الخطاب فيما رواه عنه الإمام البخاري: (قام فينا رسول الله مقاماً فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه).. محال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين وإن دقت، أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول علي غاية التمام؟!.. ثم إذا كان قد وقع ذلك منه، فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه.. ثم من المحال أيضاً أن تكون القرون الفاضلة.. غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين، لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع”.
أما امتناع الجهل: فلأنه لا يمكن لأي قلب فيه حياة ووعي وطلب للعلم ونهمة في العبادة، إلا أن يكون أكبر همه هو: البحث في الإيمان بالله تعالي ومعرفته بأسمائه وصفاته وتحقيق ذلك علماً واعتقاداً.. ولا ريب أن القرون المفضلة وأفضلهم الصحابة هم أبلغ الناس في حياة القلوب ومحبة الخير وتحقيق العلوم النافعة.. وأما امتناع اعتقاد غير الحق: فلأن كل عاقل منصف عرف حال الصحابة رضي الله عنهم، وحرصهم علي نشر العلم النافع وتبليغه الأمة، فإنه لن يمكنه أن ينسب إليهم كتمانه ولاسيما في أوجب الأمور، وهو معرفة الله وأسمائه وصفاته.. وعلي هذا سار التابعون بإحسان، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه علي ما يليق بالله، لما قالوا الاستواء معلوم بل كان مجهولاً، وأيضاً فإنه لا يُحتاج إلي نفي علم الكيفية إذا لم يُفهم من اللفظ معني.. كذا في الحموية ص 5 وما بعدها.
وأما عن الآية التي استشهد بها الإمام البنا واستند إليها واستدل بها علي جعل آيات الصفات من المتشابه، وهي قول الله تعالي: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا.. آل عمران/ 7)، فالاستدلال بها في تفويض معاني صفات الله سبحانه واعتبارها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله خطأ جسيم.. فلقد “فسر الإمام أحمد ? ولا أحد يشك في أنه من الراسخين في العلم ? الآيات التي احتج بها الجهمية وجعلوها من المتشابه، وقال: (إنهم تأولوها علي غير تأويلها وبيَّن معناها)”، وقال: “إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه”، كذا نص عليه ابن القيم في مختصر الصواعق ص124، 125، قائلاً: “وكذلك الصحابة والتابعون ? وهم خِيرة الراسخين في العلم ? فسروا القرآن وعلموا المراد بآيات الصفات، كما علموا المراد من آيات الأمر والنهي وإن لم يعلموا الكيفية، كما علموا معاني ما أخبر الله به في الجنة والنار وإن لو يعلموا حقيقة كنهه وكيفيته.. فمن قال من السلف: إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله بهذا المعني ? أي حقيقة وكنه الصفة ? فهو حق، وأما من قال: إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد منه لا يعلمه إلا الله فهو غلط، والصحابة وجمهور الآمة علي خلافه”.
بل “إن الصحابة نقلوا عن النبي أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة، ولم يذكر أن أحدا منهم قط امتنع عن تفسير آية، قال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل)، قالوا: (فتعلمنا القرآن والعلم والعمل)، وكذلك الأئمة كانوا إذا سُئلوا شيئاً من ذلك لم ينفوا معناه، بل يثبتون المعني وينفون الكيفية، كقول مالك بن أنس: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)”.. وعلي هذا الدرب سار من بعدهم، يقول الحسن البصري: (ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد منها).. وقال الشعبي: (ما ابتدع قوم بدعة إلا في كتاب الله بيانها)، وكذلك فإن “سائر الأمة قد تكلموا في جميع نصوص القرآن آيات الصفات وغيرها ? كذا نص عليه شيخ الإسلام في الإكليل ص 47 ? وفسروها بما يوافق دلالتها، ورووا عن النبي أحاديث كثيرة توافق القرآن”، فبالإضافة لما في كتب الصحاح والسنة والمسانيد التي اشتملت علي أحاديث الصفات وبوبت فيها أبواب مثل: (كتاب التوحيد)، و(الرد علي الزنادقة والجهمية) التي هي آخر كتاب صحيح البخاري، ومثل: (كتاب الرد علي الجهمية) في سنن أبي داود، جمع طائفة من العلماء من هذا الباب مصنفات منها: مصنفات حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وجامع الثوري وجامع ابن عيينة ومصنفات وكيع ومالك بن أنس وغيرهم كثير.. وفي ذلك كله بيان قاطع لما كان عليه سلف الأمة وتابعيهم، ورد حاسم علي من ظن خلاف ذلك وزعم أن مذهبهم التفويض وعدم إدراك معاني آيات الصفات، وفي الرد علي هذه المزاعم يقول ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 22:
“وزعمت الجهمية ? عليهم لعائن الله ? أن أهل السنة ومتبعي الآثار ? القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم المثبتين لله جل وعلا من صفاته ما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله المثبت بين الدفتين، وعلي لسان نبيه المصطفي بنقل العدل ? فوضوه إليه”.. والحق أن هذا غير صحيح، إذ إن معرفة الصفات أمر يوافق النقل والعقل علي نحو ما رأينا.
وعلي ذلك فـ “إدخال أسماء الله وصفاته ? علي نحو ما صرح الإمام البنا في مجموعة الرسائل ? أو بعض ذلك، في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله، كما يقول كل واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم، فإنهم وإن أصابوا في كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم، فالكلام من وجهين:
الأول من قال: إن هذا من المتشابه وأنه لا يُفهم معناه.. جعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا يعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من أئمته لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية.. ولا قالوا: إن الله ينزل كلاماً لا يفهم أحد معناه.. بل تكلم أحمد عن ذلك المتشابه وبين معناه وتفسيره بما يخالف تأويل الجهمية، وجري في ذلك علي سنن الأئمة قبله.. فهذا اتفاق من الأئمة علي أنهم يعلمون معني هذا المتشابه، وأنه لا يسكت عن بيانه وتفسيره، بل يُبَيَّن ويُفسر باتفاق الأئمة، من غير تحريف له عن مواضعه أو إلحاد في أسماء الله وصفاته وآياته”.
الثاني أنه إذا قيل: هذا من المتشابه، يقال: الذي في القرآن: أنه لا يعلم تأويله إلا الله، ونفيُ علم تأويله ليس نفي علم معناه كما.. في القيامة وأمور القيامة، ويؤيده أنه قد ثبت أن في القرآن متشابه (الله الذي نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً)، وهو: ما يحتمل معنيين، وفي مسائل الصفات، ما هو من هذا الباب.. بل نفي التشابه بين الله وبين خلقه أعظم من نفي التشابه بين موعود الجنة وموجود الدنيا.. كذا أفاده ابن تيمية في الإكليل ص 29: 31.
وقد هاجم ? رحمه الله ? مدعي التشابه في آيات الصفات من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم، ووصفهم في الفتاوى الكبرى 5/ 296 بقوله: “وهذه حال أهل البدع والأهواء الذين يسمون ما وافق آراءهم من الكتاب والسنة محكماً.. وما خالف آراءهم متشابهاً، وهؤلاء كما قال الله تعالى: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولي فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين. وإذا دُعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين. أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله)، وكما قال تعالي: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، وقال: (فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون).. ذلك أن ادعاء التشابه وأنه لا يعلمه إلا الله، يستلزم الإعراض عن ذكره وعدم الاشتغال به، وحاشا لله أن يكون في كتاب الله ما أمر المسلمين بالإعراض عنه وعدم التشاغل به، أو أن يكون سلف الأمة وأئمتها أعرضوا عن شيء من كتاب الله لاسيما الآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته، فما منها آية إلا وقد روى الصحابة فيما يوافق معناها وفسروه عن النبي وتكلموا في ذلك بما لا يحتاج معه إلي مزيد، والدليل على ذلك: أن أئمة السنة وأخيار الأمة بعد صحب النبي لم يودع أحد منهم كتابه الأخبار المتشابهات، فلم يورد مالك في الموطأ منها شيئا وكذلك الشافعي وأبو حنيفة وسفيان والليث والثوري.. وأن هذا الكلام لا يقوله إلا من كان من أبعد الناس عن معرفة هؤلاء الأئمة وما نقلوه وصنفوه، وقوله رجماً بالغيب مما كان بعيد”.
ذلك أن ظواهر الشرع كلها تقضي بإثبات الجهة مثل قوله تعالي: “ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)، ومثل قوله: (يدبر الأمر من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه)، وقوله: (تعرج الملائكة والروح إليه)، وقوله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور).. إلي غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولاً، وإن قيل: إنها من المتشابهات، عاد الشرع كله متشابهاً، لأن الشرائع كلها مبنية علي أن الله في السماء وأن منه تَنزَّلُ الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأنه من السماء نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي حتى قرُب من سدرة المنتهي، وجميع الحكماء قد اتفقوا علي أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع علي ذلك[ينظر مناهج الأدلة لابن تيمية ص 93].
كما ساق ابن تيمية دليلاً آخر مؤداه: أن الله وصف نفسه بصفات مثل سورة الإخلاص وآية الكرسي وأول الحديد وآخر الحشر، وقوله: (إن الله علي كل شيء قدير) وأنه يحب المتقين والمقسطين والمحسنين، وبمثل قوله: (فلما آسفونا انتقمنا منهم)، (ولكن كره الله انبعاثهم)، (الرحمن علي العرش استوي)، (ثم استوي علي العرش)، (إنني معكما أسمع وأرى)، (وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)، (بل يداه مبسوطتان)، (ويبقي وجه ربك)، (يريدون وجهه)، (ولتصنع علي عيني) إلي أمثال ذلك، فمن قال أن ذلك متشابه لا يعلم معناه، كان هذا عناداً ظاهراً، وجحداً لما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام، بل كفر صريح.. فإنا نفهم من قوله: (إن الله بكل شيء عليم) معني، ونفهم من قوله: (إن الله علي كل شيء قدير) معني ليس هو الأول، ونفهم من قوله: (ورحمتي وسعت كل شيء) معني، ونفهم من قوله: (إن الله عزيز ذو انتقام) معني، وصبيان المسلمين بل وكل عاقل يفهم هذا.. فإن لم يعترف أن هذه الأسماء دالة علي الإله المعبود فهو المعطل، وإن أقر ببعضها قيل له: ما الفرق بين ما أثبتَه وما نفيتَه أو سكتَ عن إثباته ونفيه بالتفويض، خاصة وأن السمع والعقل دلتا علي إثبات هذا وذاك.
أما الأول فدلالة القرآن علي أنه رحمن رحيم ودود سميع بصير عليٌّ عظيم، كدلالته علي أنه قدير مستو له يد ووجه ومجيء ويمين وإتيان وأصابع، ليس بينهما فرق من جهة النفي.. أما الثاني: فالمعني المفهوم في حقنا يمتنع علي الله، فكما أن إرادته ليست من جنس إرادة خلقه، فرحمته كذلك ليست من جنس رحمة خلقه، وكذلك محبته واستواؤه ووجه ويداه، وكل ذلك معلوم بالبديهة، كذا أفاده شيخ الإسلام في الإكليل ص 32: 36، وفيه الرد القاطع علي مدرسة الإمام البنا التي تبنت مذاهب الأشاعرة والمعطلة والنفاة والجهمية، من ذلك ما جاء علي لسان الأستاذ (إسماعيل الشطي ) رئيس تحرير مجلة المجتمع (اللسان الناطق للإخوان المسلمين في الكويت) حين قال: (لا أدري كيف أثبت لله يداً)، وفي الرد علي هذا: يقول الشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري في كتابه الإجابة الجلية علي الأسئلة الكويتية: “من أنكر توحيد الأسماء والصفات فهو جهمي، ومن أنكر أن يكون لله يداً أو أنكر غير ذلك من أسماء الله وصفاته فهو جهمي.
وخلاصة الأمر: أن التأويل في الآية: (وما يعلم تأويله إلا الله) منفي ومثبت، فالمنفي هو تأويل الأخبار التي لا يعلم حقيقة مخبرها إلا الله، ونفي علم تأويلها ليس نفياً لعلم معناها المثبت، إنما هو نفي علم حقيقتها وكنهها كما في القيامة وموعود الجنة وفيما اختص الله بعلمه كأعيان الرياح ومقاديرها وصفاتها، أما المثبت فهو بيان ذلك ومعرفة معناه والمقصود منه.. و”القول الشامل في جميع هذا الباب ? على حد ما ذكر ابن تيمية في الإكليل ص 16-: أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله وما وصفه به السابقون الأولون، لا يتجاوز القرآن والحديث.. ونعلم أن ما وصف الله به نفسه من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، لاسيما إذا كان المتكلم ? وهو الرسول ? أعلم الخلق بما يقول وأفصح الخلق في بيان العلم.. وفي التعريف والدلالة والإرشاد”.
والكلام في تأويل آيات الصفات هو فرع في تأويل الآيات المحكمات، والناس متفقون علي أنهم يعرفون تأويل المحكم ومعلوم أنهم لا يعرفون كيفية ما أخبر الله به عن نفسه في الآيات المحكمات، فدل ذلك علي أن عدم العلم بالكيفية لا ينفي العلم بالتأويل الذي هو تفسير الكلام وبيان معناه، وما يقال في الآيات المحكمات يقال أيضاً في آيات الصفات، فالناس يعلمون تأويل الصفات وتفسيرها، وهو هو جانب المحكمات فيها، ولكن لا يعرفون كيفية وحقيقة وكنه ما أخبر الله به.. فدل ذلك علي أن الصفات كلها معلومة، فهي من المحكم ولم يغب ويحجب عنا إلا كيفيتها، وهذا هو جانب المتشابهات منها وعدم العلم بالكيفية لا ينفي العلم بالتأويل الذي هو تفسير الكلام وبيان معناه.. وسيأتي تفصيل ذلك في الحديث عن أسباب التأويل إن شاء الله تعالي.
عرض موجز لكتاب: (تحفة الإخوان في صفات الرحمن)
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (حلقة 2)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
3- فالشيخ حسن البنا لم يكتف بما سبق أن ذكرنا من القول بالتفويض في صفات الله ونسبة ذلك إلى السلف، حتى راح يستدل بطريقة خاطئة من القرآن والسنة علي التفويض!. وفي ذلك يقول رحمه الله: “فهُم ? يعني السلف ? يثبتون اليد والعين والأعين والاستواء والضحك والتعجب.. إلخ، وكل ذلك بمعان لا ندركها ونترك لله تبارك وتعالي الإحاطة بعلمها، ولاسيما وقد نهينا عن ذلك في قول النبي : (تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تقدروه قدره” (مجموعة الرسائل ص 325).
ويقول في موضع آخر: “آيات الصفات وأحاديثها الصحيحة، وما لحق بذلك من المتشابه نؤمن به كما جاء من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء، ويسعنا ما وسع رسول الله وأصحابه (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا.. آل عمران/ 7)” ( مجموعة الرسائل ص 269، 270 ).
ولنعلم بداية أن القول بمثل ذلك، من قبيل ضرب نصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض ? وذلك إثم عظيم لمن تعمده ? وقد عرفنا ما كان عليه السلف من إدراكهم لمعاني الصفات الثابتة في حق الله سبحانه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونوا في ذلك مخالفين لنصوص الكتاب والسنة، يقول شارح العقيدة الطحاوية ص 524 حاكياً عن حال أهل البدع وممثلاً لذلك بمسألة القدر والصفات: “وجميع أهل البدع مختلفون في تأويله، مؤمنون ببعض دون بعض، يقرون بما وافق رأيهم من الآيات، وما يخالفه: إما أن يتأولونه تأويلاً يحرفون فيه الكلم عن مواضعه، وإما أن يقولوا هذا متشابه لا يعلم أحد معناه، فيجحدوا ما أنزله من معانيه وهو في معني الكفر بذلك، لأن الإيمان باللفظ بلا معني هو من جنس إيمان أهل الكتاب كما قال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً)، وقال تعالي: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني) أي: إلا تلاوةً من غير فهم معناه”.
وإذا كان هذا حال البدع، فهل يليق بنا ? أهل السنة والجماعة ? أن نطلق أوصافهم هذه علي صحابة رسول الله وتابعيهم بإحسان إلي يوم الدين، أو أن نضرب كتاب الله وأحاديث رسوله بعضها ببعض؟! اللهم لا.. إذاً فلنرفع هذا اللبس الذي وقع في نصوص الإمام البنا ? رحمه الله ? وكذا استدلالاته الخاطئة، ونقول وبالله التوفيق:
أما عن الحديث: (تفكروا في خلق الله ولا تتفكروا في الله، فإنكم لن تقدروه قدره)، فإن معني إدراك السلف الصالح لمعاني الصفات دون إدراك كنهها وحقيقتها، هو ما يعنيه إثباتهم لحقيقة الصفة أو الذات ونفيهم لعلم كيفيتها وإمرارها كما جاءت، وهو مفهوم الحديث الذي استشهد البنا به هنا.. والقول بخلاف ذلك ضرب ? كما قلنا ? لنصوص الكتاب والسنة بعضها ببعض، وتناقض شنيع علي نحو ما في هذه النصوص التي سقناها قبلاً وجاءت معبرة عن إجماع الصحابة وسلف الأمة.
فإذا ما أضفنا إلي ذلك ضعف هذا الحديث، دل ذلك علي عدم صحة الاستدلال به علي الإطلاق في مسألة عقدية كهذه وعلي النحو الذي ذهب إليه الإمام البنا.. ثم إن هذا الحديث مع ضعفه لا يدل علي ما أراده الإمام البنا من تفويض السلف لمعاني الصفات وعدم إدراكها وترك الإحاطة بعلمها، بل يعني ترك التفكر في حقيقة ذاته سبحانه وحقيقة صفاته.. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتوى الحموية ص 35: “فإذا كان.. إثبات الباري سبحانه إنما هو إثبات وجود لا إثبات كيفية، فكذلك إثبات صفاته، إنما هو إثبات وجود لا إثبات تحديد وتكييف”.
يريد أن معاني هذه الصفات التي أثبتها الله لنفسه وأثبتها له رسوله ظاهرة المعني وواضحة البيان، أما كيفياتها وحقيقة أمرها ففيه التفويض، “ومن المحال أن يكون النبي قد عَلَّم أمته كل شيء، وقال: (تركتكم علي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك)، وقال فيما صح عنه أيضاً: (ما بَعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته علي خير ما يعلمه لهم، وينهاهم عن شر ما يعلمه لهم)، وقال أبو ذر: (لقد توفي رسول الله وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما)، وقال عمر ابن الخطاب فيما رواه عنه الإمام البخاري: (قام فينا رسول الله مقاماً فذكر بدء الخلق حتى دخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم، حفظ ذلك من حفظه ونسيه من نسيه).. محال مع تعليمهم كل شيء لهم فيه منفعة في الدين وإن دقت، أن يترك تعليمهم ما يقولونه بألسنتهم ويعتقدونه في قلوبهم في ربهم ومعبودهم رب العالمين، الذي معرفته غاية المعارف، وعبادته أشرف المقاصد، والوصول إليه غاية المطالب، بل هذا خلاصة الدعوة النبوية وزبدة الرسالة الإلهية، فكيف يتوهم من في قلبه مسكة من إيمان وحكمة أن لا يكون بيان هذا الباب قد وقع من الرسول علي غاية التمام؟!.. ثم إذا كان قد وقع ذلك منه، فمن المحال أن يكون خير أمته وأفضل قرونها قصروا في هذا الباب زائدين فيه أو ناقصين عنه.. ثم من المحال أيضاً أن تكون القرون الفاضلة.. غير عالمين وغير قائلين في هذا الباب بالحق المبين، لأن ضد ذلك إما عدم العلم والقول، وإما اعتقاد نقيض الحق، وقول خلاف الصدق، وكلاهما ممتنع”.
أما امتناع الجهل: فلأنه لا يمكن لأي قلب فيه حياة ووعي وطلب للعلم ونهمة في العبادة، إلا أن يكون أكبر همه هو: البحث في الإيمان بالله تعالي ومعرفته بأسمائه وصفاته وتحقيق ذلك علماً واعتقاداً.. ولا ريب أن القرون المفضلة وأفضلهم الصحابة هم أبلغ الناس في حياة القلوب ومحبة الخير وتحقيق العلوم النافعة.. وأما امتناع اعتقاد غير الحق: فلأن كل عاقل منصف عرف حال الصحابة رضي الله عنهم، وحرصهم علي نشر العلم النافع وتبليغه الأمة، فإنه لن يمكنه أن ينسب إليهم كتمانه ولاسيما في أوجب الأمور، وهو معرفة الله وأسمائه وصفاته.. وعلي هذا سار التابعون بإحسان، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه علي ما يليق بالله، لما قالوا الاستواء معلوم بل كان مجهولاً، وأيضاً فإنه لا يُحتاج إلي نفي علم الكيفية إذا لم يُفهم من اللفظ معني.. كذا في الحموية ص 5 وما بعدها.
وأما عن الآية التي استشهد بها الإمام البنا واستند إليها واستدل بها علي جعل آيات الصفات من المتشابه، وهي قول الله تعالي: (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا.. آل عمران/ 7)، فالاستدلال بها في تفويض معاني صفات الله سبحانه واعتبارها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله خطأ جسيم.. فلقد “فسر الإمام أحمد ? ولا أحد يشك في أنه من الراسخين في العلم ? الآيات التي احتج بها الجهمية وجعلوها من المتشابه، وقال: (إنهم تأولوها علي غير تأويلها وبيَّن معناها)”، وقال: “إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه”، كذا نص عليه ابن القيم في مختصر الصواعق ص124، 125، قائلاً: “وكذلك الصحابة والتابعون ? وهم خِيرة الراسخين في العلم ? فسروا القرآن وعلموا المراد بآيات الصفات، كما علموا المراد من آيات الأمر والنهي وإن لم يعلموا الكيفية، كما علموا معاني ما أخبر الله به في الجنة والنار وإن لو يعلموا حقيقة كنهه وكيفيته.. فمن قال من السلف: إن تأويل المتشابه لا يعلمه إلا الله بهذا المعني ? أي حقيقة وكنه الصفة ? فهو حق، وأما من قال: إن التأويل الذي هو تفسيره وبيان المراد منه لا يعلمه إلا الله فهو غلط، والصحابة وجمهور الآمة علي خلافه”.
بل “إن الصحابة نقلوا عن النبي أنهم كانوا يتعلمون منه التفسير مع التلاوة، ولم يذكر أن أحدا منهم قط امتنع عن تفسير آية، قال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا: عثمان بن عفان وعبد الله بن مسعود وغيرهما، أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل)، قالوا: (فتعلمنا القرآن والعلم والعمل)، وكذلك الأئمة كانوا إذا سُئلوا شيئاً من ذلك لم ينفوا معناه، بل يثبتون المعني وينفون الكيفية، كقول مالك بن أنس: (الاستواء معلوم، والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة)”.. وعلي هذا الدرب سار من بعدهم، يقول الحسن البصري: (ما أنزل الله آية إلا وهو يحب أن يعلم ما أراد منها).. وقال الشعبي: (ما ابتدع قوم بدعة إلا في كتاب الله بيانها)، وكذلك فإن “سائر الأمة قد تكلموا في جميع نصوص القرآن آيات الصفات وغيرها ? كذا نص عليه شيخ الإسلام في الإكليل ص 47 ? وفسروها بما يوافق دلالتها، ورووا عن النبي أحاديث كثيرة توافق القرآن”، فبالإضافة لما في كتب الصحاح والسنة والمسانيد التي اشتملت علي أحاديث الصفات وبوبت فيها أبواب مثل: (كتاب التوحيد)، و(الرد علي الزنادقة والجهمية) التي هي آخر كتاب صحيح البخاري، ومثل: (كتاب الرد علي الجهمية) في سنن أبي داود، جمع طائفة من العلماء من هذا الباب مصنفات منها: مصنفات حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وجامع الثوري وجامع ابن عيينة ومصنفات وكيع ومالك بن أنس وغيرهم كثير.. وفي ذلك كله بيان قاطع لما كان عليه سلف الأمة وتابعيهم، ورد حاسم علي من ظن خلاف ذلك وزعم أن مذهبهم التفويض وعدم إدراك معاني آيات الصفات، وفي الرد علي هذه المزاعم يقول ابن خزيمة في كتاب التوحيد ص 22:
“وزعمت الجهمية ? عليهم لعائن الله ? أن أهل السنة ومتبعي الآثار ? القائلين بكتاب ربهم وسنة نبيهم المثبتين لله جل وعلا من صفاته ما وصف الله به نفسه في محكم تنزيله المثبت بين الدفتين، وعلي لسان نبيه المصطفي بنقل العدل ? فوضوه إليه”.. والحق أن هذا غير صحيح، إذ إن معرفة الصفات أمر يوافق النقل والعقل علي نحو ما رأينا.
وعلي ذلك فـ “إدخال أسماء الله وصفاته ? علي نحو ما صرح الإمام البنا في مجموعة الرسائل ? أو بعض ذلك، في المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله، أو اعتقاد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله، كما يقول كل واحد من القولين طوائف من أصحابنا وغيرهم، فإنهم وإن أصابوا في كثير مما يقولونه ونجوا من بدع وقع فيها غيرهم، فالكلام من وجهين:
الأول من قال: إن هذا من المتشابه وأنه لا يُفهم معناه.. جعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا يعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من أئمته لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية.. ولا قالوا: إن الله ينزل كلاماً لا يفهم أحد معناه.. بل تكلم أحمد عن ذلك المتشابه وبين معناه وتفسيره بما يخالف تأويل الجهمية، وجري في ذلك علي سنن الأئمة قبله.. فهذا اتفاق من الأئمة علي أنهم يعلمون معني هذا المتشابه، وأنه لا يسكت عن بيانه وتفسيره، بل يُبَيَّن ويُفسر باتفاق الأئمة، من غير تحريف له عن مواضعه أو إلحاد في أسماء الله وصفاته وآياته”.
الثاني أنه إذا قيل: هذا من المتشابه، يقال: الذي في القرآن: أنه لا يعلم تأويله إلا الله، ونفيُ علم تأويله ليس نفي علم معناه كما.. في القيامة وأمور القيامة، ويؤيده أنه قد ثبت أن في القرآن متشابه (الله الذي نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً)، وهو: ما يحتمل معنيين، وفي مسائل الصفات، ما هو من هذا الباب.. بل نفي التشابه بين الله وبين خلقه أعظم من نفي التشابه بين موعود الجنة وموجود الدنيا.. كذا أفاده ابن تيمية في الإكليل ص 29: 31.
وقد هاجم ? رحمه الله ? مدعي التشابه في آيات الصفات من المعتزلة والأشاعرة وغيرهم، ووصفهم في الفتاوى الكبرى 5/ 296 بقوله: “وهذه حال أهل البدع والأهواء الذين يسمون ما وافق آراءهم من الكتاب والسنة محكماً.. وما خالف آراءهم متشابهاً، وهؤلاء كما قال الله تعالى: (ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولي فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين. وإذا دُعوا إلي الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون. وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين. أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله)، وكما قال تعالي: (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، وقال: (فتقطعوا أمرهم بينهم زبراً كل حزب بما لديهم فرحون).. ذلك أن ادعاء التشابه وأنه لا يعلمه إلا الله، يستلزم الإعراض عن ذكره وعدم الاشتغال به، وحاشا لله أن يكون في كتاب الله ما أمر المسلمين بالإعراض عنه وعدم التشاغل به، أو أن يكون سلف الأمة وأئمتها أعرضوا عن شيء من كتاب الله لاسيما الآيات المتضمنة لذكر أسماء الله وصفاته، فما منها آية إلا وقد روى الصحابة فيما يوافق معناها وفسروه عن النبي وتكلموا في ذلك بما لا يحتاج معه إلي مزيد، والدليل على ذلك: أن أئمة السنة وأخيار الأمة بعد صحب النبي لم يودع أحد منهم كتابه الأخبار المتشابهات، فلم يورد مالك في الموطأ منها شيئا وكذلك الشافعي وأبو حنيفة وسفيان والليث والثوري.. وأن هذا الكلام لا يقوله إلا من كان من أبعد الناس عن معرفة هؤلاء الأئمة وما نقلوه وصنفوه، وقوله رجماً بالغيب مما كان بعيد”.
ذلك أن ظواهر الشرع كلها تقضي بإثبات الجهة مثل قوله تعالي: “ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)، ومثل قوله: (يدبر الأمر من السماء إلي الأرض ثم يعرج إليه)، وقوله: (تعرج الملائكة والروح إليه)، وقوله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور).. إلي غير ذلك من الآيات التي إن سلط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولاً، وإن قيل: إنها من المتشابهات، عاد الشرع كله متشابهاً، لأن الشرائع كلها مبنية علي أن الله في السماء وأن منه تَنزَّلُ الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأنه من السماء نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي حتى قرُب من سدرة المنتهي، وجميع الحكماء قد اتفقوا علي أن الله والملائكة في السماء، كما اتفقت جميع الشرائع علي ذلك[ينظر مناهج الأدلة لابن تيمية ص 93].
كما ساق ابن تيمية دليلاً آخر مؤداه: أن الله وصف نفسه بصفات مثل سورة الإخلاص وآية الكرسي وأول الحديد وآخر الحشر، وقوله: (إن الله علي كل شيء قدير) وأنه يحب المتقين والمقسطين والمحسنين، وبمثل قوله: (فلما آسفونا انتقمنا منهم)، (ولكن كره الله انبعاثهم)، (الرحمن علي العرش استوي)، (ثم استوي علي العرش)، (إنني معكما أسمع وأرى)، (وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي)، (بل يداه مبسوطتان)، (ويبقي وجه ربك)، (يريدون وجهه)، (ولتصنع علي عيني) إلي أمثال ذلك، فمن قال أن ذلك متشابه لا يعلم معناه، كان هذا عناداً ظاهراً، وجحداً لما يُعلم بالاضطرار من دين الإسلام، بل كفر صريح.. فإنا نفهم من قوله: (إن الله بكل شيء عليم) معني، ونفهم من قوله: (إن الله علي كل شيء قدير) معني ليس هو الأول، ونفهم من قوله: (ورحمتي وسعت كل شيء) معني، ونفهم من قوله: (إن الله عزيز ذو انتقام) معني، وصبيان المسلمين بل وكل عاقل يفهم هذا.. فإن لم يعترف أن هذه الأسماء دالة علي الإله المعبود فهو المعطل، وإن أقر ببعضها قيل له: ما الفرق بين ما أثبتَه وما نفيتَه أو سكتَ عن إثباته ونفيه بالتفويض، خاصة وأن السمع والعقل دلتا علي إثبات هذا وذاك.
أما الأول فدلالة القرآن علي أنه رحمن رحيم ودود سميع بصير عليٌّ عظيم، كدلالته علي أنه قدير مستو له يد ووجه ومجيء ويمين وإتيان وأصابع، ليس بينهما فرق من جهة النفي.. أما الثاني: فالمعني المفهوم في حقنا يمتنع علي الله، فكما أن إرادته ليست من جنس إرادة خلقه، فرحمته كذلك ليست من جنس رحمة خلقه، وكذلك محبته واستواؤه ووجه ويداه، وكل ذلك معلوم بالبديهة، كذا أفاده شيخ الإسلام في الإكليل ص 32: 36، وفيه الرد القاطع علي مدرسة الإمام البنا التي تبنت مذاهب الأشاعرة والمعطلة والنفاة والجهمية، من ذلك ما جاء علي لسان الأستاذ (إسماعيل الشطي ) رئيس تحرير مجلة المجتمع (اللسان الناطق للإخوان المسلمين في الكويت) حين قال: (لا أدري كيف أثبت لله يداً)، وفي الرد علي هذا: يقول الشيخ العلامة حمود بن عبد الله التويجري في كتابه الإجابة الجلية علي الأسئلة الكويتية: “من أنكر توحيد الأسماء والصفات فهو جهمي، ومن أنكر أن يكون لله يداً أو أنكر غير ذلك من أسماء الله وصفاته فهو جهمي.
وخلاصة الأمر: أن التأويل في الآية: (وما يعلم تأويله إلا الله) منفي ومثبت، فالمنفي هو تأويل الأخبار التي لا يعلم حقيقة مخبرها إلا الله، ونفي علم تأويلها ليس نفياً لعلم معناها المثبت، إنما هو نفي علم حقيقتها وكنهها كما في القيامة وموعود الجنة وفيما اختص الله بعلمه كأعيان الرياح ومقاديرها وصفاتها، أما المثبت فهو بيان ذلك ومعرفة معناه والمقصود منه.. و”القول الشامل في جميع هذا الباب ? على حد ما ذكر ابن تيمية في الإكليل ص 16-: أن يوصف الله بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله وما وصفه به السابقون الأولون، لا يتجاوز القرآن والحديث.. ونعلم أن ما وصف الله به نفسه من ذلك فهو حق ليس فيه لغز ولا أحاجي، بل معناه يعرف من حيث يعرف مقصود المتكلم بكلامه، لاسيما إذا كان المتكلم ? وهو الرسول ? أعلم الخلق بما يقول وأفصح الخلق في بيان العلم.. وفي التعريف والدلالة والإرشاد”.
والكلام في تأويل آيات الصفات هو فرع في تأويل الآيات المحكمات، والناس متفقون علي أنهم يعرفون تأويل المحكم ومعلوم أنهم لا يعرفون كيفية ما أخبر الله به عن نفسه في الآيات المحكمات، فدل ذلك علي أن عدم العلم بالكيفية لا ينفي العلم بالتأويل الذي هو تفسير الكلام وبيان معناه، وما يقال في الآيات المحكمات يقال أيضاً في آيات الصفات، فالناس يعلمون تأويل الصفات وتفسيرها، وهو هو جانب المحكمات فيها، ولكن لا يعرفون كيفية وحقيقة وكنه ما أخبر الله به.. فدل ذلك علي أن الصفات كلها معلومة، فهي من المحكم ولم يغب ويحجب عنا إلا كيفيتها، وهذا هو جانب المتشابهات منها وعدم العلم بالكيفية لا ينفي العلم بالتأويل الذي هو تفسير الكلام وبيان معناه.. وسيأتي تفصيل ذلك في الحديث عن أسباب التأويل إن شاء الله تعالي.
عرض موجز لكتاب (تحفة الإخوان في صفات الرحمن)
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (حلقة3)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فقد وضح فيما سبق خطأ تصور الشيخ البنا في توحيد الصفات، وتبين أن ما ذكره في هذا الباب من تفويض لم يكن فيه على صواب، وأن ما ادعاه على السلف واستشهد له من نصوص أخطأ فيه خطأ فادحاً.. والكلام الآن عما قاله بحق تأويل نصوص الصفات وتأثره بما كان عليه الأشاعرة، وأنه قد جانبه على نحو ما جانبهم أيضاً فيه الصواب.
ثانياً: الزعم باتفاق السلف والخلف على أصل التأويل:
(1)وفي ذلك يقول الإمام البنا: “وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل”.. مجموعة الرسائل ص 330.
ومفهوم التأويل في كلام البنا الذي أراد أن يجمع من خلاله هنا بين الخلف والسلف، والذي دل عليه سائر نصوصه، هو: صرف الكلام عن ظاهره، وهو ما ذهب إليه المعتزلة والجهمية، واتبعهم فيه علماء الكلام وغيرهم من المتأخرين، ذلك أن التأويل ? كما في مختصر الصواعق ص 11 ? نوعان: تأويل في اصطلاح أهل التفسير والسلف من أهل الفقه والحديث، ومرادهم منه: التفسير والبيان، أو ما يؤول إليه الكلام.. وتأويل عند المعتزلة والجهمية وغيرهم من المتكلمين، ومرادهم به: صرف اللفظ عن ظاهره، وهذا هو الشائع في عرف المتكلمين من أهل الأصول والفقه.. وكلام البنا عن هذا الأخير المذموم، بدلي دفاعه عنه في قوله في مجموعة الرسائل ص 330: “وقد لجأ أشد الناس تمسكاً برأي السلف رضوان الله عليهم إلى التأويل في عدة مواطن وهو الإمام أحمد بن حنبل، وذلك تأويله لحديث: (الحجر الأسود يمين الله في أرضه، وقوله : (قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن).. إلخ”، فدفاعه عن التأويل بمثل هذه الطريقة، واستدلاله بما نسب إلى الإمام أحمد ? رغم عدم صحته وتلمُّس العذر للقائلين به بصفة عامة، ومحاولته التقريب بين آراء السلف والخلف في ذلك بصفة خاصة، كل هذا يدل على أنه قصد التأويل المذموم والمنهي عنه شرعاً، ومن هنا كانت محاولاته المستميتة وغير الموفقة في التوفيق بين مذهب السلف والخلف في مثل قوله: “وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف على أصل التأويل”. يقول البنا هذا، على الرغم من اتساع الهوة التي بينهما، فلقد ذكر البنا نفس الحديث الذي نسب إلى أحمد تأويله، وهو (قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الرحمن) ? رغم عدم صحة هذه الحكاية أصلاً عن أحمد ? ذكره كشاهد على التأويل عند بعض علماء الخلف وهو أبو حامد الغزالي، فنقل قوله: “إذ لو فتشنا عن قلوب المؤمنين لم نجد فيه أصابع، فعُلم أنها كناية عن القدرة التي هي سر الأصابع وروحها الخفي، وكنى بالأصابع عن القدرة: لأن ذلك أعظم وقعاً في تفهم تمام الاقتدار”[مجموعة الرسائل ص 329].. على الرغم من أن الغزالي نفسه والذي ساق البنا بعض كلامه، وكذا الرازي والجويني وأبا الحسن الأشعري وغيرهم ممن كانوا يقولون بذلك، قد تراجعوا فيما بعد عن مسألة تأويل الصفات، واقتنعوا بالسير على طريقة أهل السنة والجماعة من السلف وذموا علم الكلام كما ذموا المتكلمين فيه، ونصوصهم في ذلك كثيرة.. فقد صرح الغزالي بتحريم الخوض في علم الكلام قائلاً في كتابه: (التفرقة بين الإيمان والزندقة): “لو تركنا المداهنة لصرحنا بأن الخوض في هذا العلم حرام”، ومات الغزالي على خير أحواله، مات على الصحيحين البخاري ومسلم طالباً علم الحديث، فتحول من الكلام إلى السنة من مصادرها الصحيحة[ينظر قواعد المنهج السلفي د. مصطفى حلمي ط. دار الدعوة ص222].. كما أن الرازي ? وهو المعبر عن المذهب الأشعري، وقد نقل البنا في مجموع الرسائل ص 328 بعض كلامه في تأويل الصفات ? نبه في أواخر عمره إلى ضرورة اتباع منهج السلف، وأعلن أنه أسلم المناهج، وذلك بعد أن دار دورته في علم الكلام والفلسفة [ينظر السابق ص 222].. يقول د. مصطفى حلمي: “وأئمة الأشعرية بعد الأشعري اتخذوا موقفاً مشابهاً يثير الانتباه ويدعو لبحث هذه الظاهرة التي تدل على الإخلاص في البحث عن الحقيقة من جهة، كما تدل من جهة أخرى على أنه لا سبيل إلى معرفة أصول الدين إلا من مصادره، من الكتاب والسنة”[نفس المصدر ص221].. والذي نريد أن نخلص إليه الآن هو أن هؤلاء الذين ذكرنا ? وغيرهم ممن سلك طريقهم وهم كُثْر ? أثبتوا أنهم من أهل السنة، وفيهم يقول ابن تيمية: “أما من قال منهم ? أي الأشاعرة ? بكتاب الإبانة الذي صنفه الأشعري في آخر عمره، ولم يظهر مقالة تناقض ذلك، فهذا يعد من أهل السنة”[مجموع الفتاوى 6/ 359].. وبمثل ذلك نقول في هذه الأيام ونوصي به مدرسة الإخوان.
ويبقى السؤال: كيف يتسنى للإمام البنا أن يذكر عنهم مذهبهم القديم، ولا يشير مجرد إشارة إلى تراجعهم عنه وتبرأهم منه وبخاصة مع شيوع هذا الأمر عنهم، ومعلوم أن رأي الإنسان: ما استقر عليه في نهاية حياته، ثم إنه لا يكتفي بذلك حتى يزعم أخيراً أن السلف والخلف قد اتفقوا على أصل التأويل؟.. التأويل الذي يجر إلى تعطيل صفات الله وإنكارها، ويؤدي إليه ? على نحو ما ذكره وأفاض فيه ابن القيم حين جعله شر من التعطيل[ينظر مختصر الصواعق المرسلة ص 37].. الأمر الذي يفرض على دارس عقيدة السلف والخلف أن يعرف معنى التأويل، فإن هذه الكلمة قد استغلها الخلف وجعلوها أداة لهدم النصوص وتحريفها عما أراد الله بها وما أراده بها رسول الله ، ولهذا فقد اعتنى الإمام ابن القيم فخص لأمر التأويل هذا، جزءً كبيراً من كتابه (مختصر الصواعق)، وجعله أحد الطواغيت التي يجب كسرها، وعنه يقول رحمه الله: “وهذا التأويل، هو: الذي صنف في إبطاله القاضي أبو يعلى والشيخ موفق الدين ابن قدامة، وقد حكا غير واحد إجماع السلف على عدم القول به”[مختصر الصواعق المرسلة ص 11كما ينظر شرح الطحاوية ص 172]”.
ومما يجدر ذكره هنا، التنبيه على أن الذي أوقع البنا وغيره في هذا الأمر ? وهو أمر التأويل ? يرجع إلى واحد من أربعة أسباب رئيسة هي:
السبب الأول: عدم التفرقة بين ظاهر الصفة وهو ما ينبغي أن يُعرف معناه وبين كيفيتها وحقيقتها وهو ما يكون تفويض العلم فيه إلى الله جل وعلا:
فلقد نشأت فكرة تأويل الصفات لعدم استيعاب فهم السلف الصالح في معرفة الظاهر من آيات الصفات والأفعال مع تفويض حقيقة وكنه ذلك إلى الله، فأرادوا تنزيهه سبحانه فأخطئُوا وضلوا الطريق، فما بين مثبت لها بتأويل وما بين معطل لكل صفاته أو بعضها، خاصة فيما يتعلق بالصفات الاختيارية، و”معلوم بالسمع اتصاف الله تعالى بالأفعال الاختيارية كالاستواء إلى السماء والاستواء على العرش والقبض والطي، والإتيان والمجيء والنزول ونحو ذلك، بل والخلق والإحياء والإماتة، فإن الله تعالى وصف نفسه بالأفعال اللازمة كالاستواء وبالأفعال المتعدية كالخلق.. والفعل المتعدي كالفعل اللازم، فإن الفعل لابد له من فاعل سواء كان متعدياً إلى مفعول أو لم يكن، والفاعل لابد له من فعل، والفعل المتعدي إلى غيره لا يتعدى حتى يقوم بفاعله إذ كان لا بد له من الفاعل، وهذا معلوم سمعاً وعقلاً”[موافقة صحيح المنقول لابن تيمية 2/ 3 وينظر المجموع 6/ 233].
ويدلل ابن تيمية على هذا بالعقل، فيذكر في منهج علماء الحديث ص 233، والمجموع 3/ 18، 178، 6/ 219ودرء التعارض 1/ 141، 151 أن نفي صفات الأفعال يؤدي إلى إنكار حدوث المخلوقات، بينما هي مشهودة مرئية لنا جميعاً، دالة بنفسها على خالق حكيم قدير.. كذلك لا يرى سبباً يدعو إلى إنكار صفات الأفعال أو تأويلها، مستنداً في ذلك إلى دليل عقلي آخر، مقتضاه: أن دلالة السمع ? أي النقل ? على علم الله تعالى وقدرته وإرادته وسمعه وبصره، كدلالته على رضاه ومحبته وغضبه واستوائه على عرشه، وهذه بعض أدلة السمع والعقل على ذلك وبعضاً من وجوه دلالتها:
يقول تعالى: (ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل)، ويقول: (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً)، وقال عليه السلام مجيباً لمن سأله عن رؤية الله ونحن كثير: (سأنبئك بمثل ذلك في آلاء الله، هذا القمر من لآيات الله كلكم يراه.. إلخ)، وبداهة أن يكون التشبيه هنا للرؤية لا للمرئي، فإن الله (ليس كمثله شيء).. وكانت هذه طريقة الصحابة أيضاً، فقد روي عن ابن عباس أنه لما عارض السائل بقوله: (لا تدركه الأبصار)، قال له: (ألست ترى السماء؟)، فقال: (بلى)، فسأله مرة ثانية، (أتراها كلها؟)، أجاب: (لا)، يريد أن رؤية الله ? وله المثل الأعلى ? كذلك.. وقد مضى أئمة الحديث والسنة على نفس الطريقة، فعندما أثيرت صفة العلو وأنه تعالى مستو على عرشه عالم بكل شيء، أراد الإمام أحمد أن يشرح ذلك، فضرب لذلك مثلين ? ولله المثل الأعلى ? فقال: لو أن رجلاً في يده قوارير فيها ماء صاف لكان بصره قد أحاط بما فيها مع مباينته له، والثاني: لو أن رجلاً بنى داراً لكان مع خروجه منها يعلم ما فيها.. فالله الذي خلق العالم يعلمه مع علوه عليه ومباينته له، كما قال: (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير).. غاية ما في الأمر أنه لا يجوز أن نكيف استواءه سبحانه أو علمه.. ثم يخلص شيخ الإسلام من ذلك بقوله:
إنه “يمكنا وضع القضية في الصيغة المنطقية الآتية: الله تعالى موصوف بصفات الكمال، منزه عن النقائص، وكل كمال وُصف به المخلوق من غير استلزامه لنقص فالخالق أحق به، وكل نقص نزه عنه المخلوق فالخالق أحق بما ينزه عنه، والفعل ? من نحو: الكلام والقدرة ? صفة كمال لا صفة نقص، وعدم الفعل ? من نحو: عدم الكلام وعدم القدرة ? صفة نقص، فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع وزال الإشكال”.
ومما لا شك فيه أن هذه الأدلة العقلية والبراهين والأمثلة المنطقية، تثبت بطلان القول بتأويل الأفعال بحجة أن ذلك مما لا يدرك، كما تثبت بطلان حجج الأشاعرة وغيرهم في تأويل الصفات، وتوضح أن هناك فرقاً بين ظاهر الصفة وبين حقيقة كنهها.. ومن هنا جاءت عبارة سلف الأمة وفقهائها: (أمروها كما جاءت بلا كيف)، وللخطابي في ذلك قوله وقد نقله عنه الذهبي في العلو ص 173: “إن مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا من ذلك إلى ضرب من التشبيه والتكييف، وإنما القصد في سلوك الطريقة المستقيمة بين الأمرين”، وقد نقل نحواً منه من العلماء من لا يحصى عددهم، فأثبتوا بذلك فهمهم لمعاني ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات ووقوفهم عن كيفياتها، وردوا بقولهم: (أمروها كما جاءت) على المعطلة، لأنه يعني بقاء دلالتها على ما جاءت به من المعاني اللائقة به سبحانه.. كما ردوا بقولهم: (بلا كيف) على المشبهة لأنه ظاهر في إثبات حقيقة المعنى، إذ لو كان السلف لا يعتقدون ثبوت هذه الصفات ما احتاجوا إلى نفي كيفيتها، فإن غير الثابت لا وجود له في نفسه، فنفى كيفيته من لغو القول.
لأجل ما يستلزمه الجهل بين ظاهر الصفة وكيفيتها كانت خطورة التأويل.. وكان ابن القيم محقاً حين جعله شراً من التعطيل الذي هو نفي الصفات الإلهية وإنكار قيامها بذات الله سبحانه، لأنه يتضمن التشبيه والتعطيل والتلاعب بالنصوص وإساءة الظن بها، فإن المعطل والمؤول قد اشتركا في نفي حقائق الأسماء والصفات، وامتاز المؤول بتحريفه للنصوص ونسبة قائلها إلى التكلم بما ظاهره الضلال والإضلال فجمعوا بذل بين أربعة محاذير:
1- اعتقادهم أن ظاهر كلام الله ورسوله محال باطل، ففهموا التشبيه ? الناتج عن فساد اعتقادهم بإلحاق استواء الخالق باستواء خلقه ? أولاً.
2- ثم عطلوا حقائقها بناء منهم على هذا الفهم الذي لا يليق بالرب سبحانه.
3- نسبة المتكلم الكامل العلم الكامل البيان التام النصح ? وهو الله سبحانه ? إلى ضد البيان والهدى والإرشاد، لأن ذلك يتضمن أنهم كانوا أعلم منه وأفصح وانصح للناس.
4- تلاعبهم بالنصوص وانتهاك حرماتها.. فضلاً عن:
5- أن المؤول لم يرض لله تعالى ما ارتضاه لنفسه وما رضيه له أعرف الناس به وهو رسوله .
6- أن هذا التأويل لو أراده الله تعالى لنفسه، لأمر به في كتابه أو على لسان رسوله ، ولكان حينئذ التأويل لصفات الله تعالى واجباً دينياً يحرم إهماله ويأثم تاركه، غير أنه لما لم يأذن الله تعالى به كان فعله خطأ وتكلفاً مذموماً محرماً، لما فيه من معنى الاستدراك على الله تعالى وعلى رسوله .
7- أن المؤول لصفات الله تعالى فراراً من التشبيه وخوفاً منه، قد جهل حقيقة عظيمة هي: استحالة وجود أي شبه بين صفات الله تعالى وصفات عباده، إذ لا شبه بين صفات الخالق وصفات المخلوق أبداً، لما أخبر تعالى من أنه ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ومن أنه أحد ولا كفؤ له.. وهو في ذلك كاذب، إذا الواقع يختلف عما قاله تماماً.. ومكذب لأنه كذب الله تعالى في قوله: (ليس كمثله شيء).. ويخشى عليه الكفر والشرك لتشريكه بعض عباد الله في بعض صفاته تعالى.
8- أن هذا المؤول لصفات الله تعالى فراراً من التشبيه وخوفاً منه، قد خفي الفرق العظيم بين صفات الخالق جل وعلا وبين صفات المخلوقين العاجزين الضعفاء.
9- كما أن التأويل يفقد النصوص هيبتها، لاسيما عندما يكون هذا التأويل غير معتمد على نص شرعي صحيح ولم يقل به أحد من علماء السلف.
10- كذلك فإنه يتنافى مع كون الإسلام ديناً عملياً يتمشى مع كل زمان، ويتنافى مع وصف الله تعالى للقرآن بأنه تبيان لكل شيء وأنه مُيَسَّر للذكر، وأن آياته مطلوب تدبرها والتفكير فيها، ولذلك فقد قال ابن مندة في كتابه (الرد على الجهمية): (التأويل عند أصحاب الحديث نوع من التكذيب)”[ينظر مختصر الصواعق ص 37، 124وعقيدة المؤمن للجزائري ص 111].
وصفوة القول: أن نصوص القرآن والحديث كلها تدل على وجوب معرفة الظاهر من آيات الصفات والأفعال ومعرفة مراد الله منها.. كما أن نصوص فقهاء الأمة وعلمائها تحث على وجوب ترك حقائق وكيفية هذه الصفات، من ذلك قول ابن الماجشون والإمام أحمد وغيرهما من السلف: (إنا لا نعلم كيفية ما أخبر الله به عن نفسه، وإن كنا نعلم تفسيره ومعناه)، وقول مالك وربيعة: (الاستواء معلوم والكيف مجهول)، فالمعلوم هو ظاهر الصفة، والكيف المجهول ? الذي لا ينبغي الخوض فيه ? هو حقيقتها وكنهها.
عرض موجز لكتاب (تحفة الإخوان) لمؤلفه د. محمد عبد العليم
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (الحلقة 4)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فالسبب الثاني الذي جعل الشيخ البنا يقول بتأويل صفات الخبر والأفعال: جعلها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله:
وفي رد ذلك يقول ابن القيم: “إن أصحاب التجهيل الذين قالوا: نصوص الصفات ألفاظ لا تعقل معانيها ولا يُدري ما أراد الله ورسوله فيها، ولكن نقرؤها ألفاظا لا معاني لها، ونعلم أن لها تأويلا لا يعلمه إلا الله.. بنوا مذهبهم علي أصلين:
أحدهما: أن هذه النصوص من المتشابه.. الثاني: أن للمتشابه تأويلا لا يعلمه إلا الله، فنتج عن هذين الأصلين استجهال السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار وسائر الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وأنهم كانوا يقرئُون هذه الآيات المتعلقة بالصفات ولا يعرفون معني ذلك ولا ما أريد به، ولازم قولهم: أن رسول الله r كان يتكلم بذلك ولا يعلم معناه”.
والحق أن “هؤلاء غلطوا في المتشابه وفي جعل هذه النصوص من المتشابه، وفي كون المتشابه لا يعلم معناه إلا الله، فأخطئوا في المقدمات الثلاث، واضطرهم إلي هذا التخلص من تأويلات المبطلين وتحريفات المعطلين وسدوا علي نفوسهم الباب، وقالوا: لا نرضي بالخطأ ولا وصول لنا إلي الصواب، فتركوا التدبر المأمور به، والتعقل لمعاني النصوص وتعبدوا بالألفاظ المجردة التي أنزلت في ذلك، وظنوا أنها أنزلت للتلاوة والتعبد بها دون تعقل معانيها وتدبرها والتفكر فيها، وأولئك جعلوها عرضه للتأويل والتحريف كما جعلها أصحاب التخييل أمثالاً لا حقيقة لها”، في حين أن “أن الله تعالي أمر بتدبر كتابه وتفهمه وتعقله، وأخبر أنه بيان وهدي وشفاء لما في الصدور، وحاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ومن أعظم الاختلاف اختلافهم في باب الصفات والقدر والأفعال.. واللفظ الذي لا يعلم ما أراد به المتكلم لا يحصل به حكم ولا هدي ولا شفاء ولا بيان”، كذا في مختصر الصواعق ص 63، 123.
فهل يسوغ للأستاذ البنا مع ما ذُكر أن يقول في مجموع الرسائل269، 270: “وآيات الصفات وأحاديثها الصحيحة وما لحق بذلك من المتشابه، نؤمن به كما جاء من غير تأويل ولا تعطيل، ولا نتعرض لما جاء فيها من خلاف بين العلماء ويسعنا ما وسع رسول الله وأصحابه (والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا)”؟.. إن هذا القول فيه لبس وتناقض، وهو “قول مردود، فقد تطرق إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسيره، إلي بيان المراد بالمتشابه عند قول الله تعالي (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات)، وذكر الأقوال في ذلك عن السلف، ولم يذكر أن أحدا من السلف قال بدخول آيات الصفات في قسم المتشابه”.. ولقد رد مؤلف كتاب (إيثار الحق علي الخلق) ص 282 بكلامه السالف الذكر علي من ردد ? في عصره ? مقولة البنا، واعتبر هذا القول غير صحيح، لقول الراسخين في العلم (آمنا به كل من عند ربنا)، ولِذمِ الله الذين في قلوبهم زيغ بابتغاء تأويله.
وإن مما يدحض القول بجعل معاني الصفات من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله، وأنها المقصود بقول الله تعالى: (وأخر متشابهات) وأن ما عداها محكم، ما جاء في صحيح البخاري من أن النبي قال لعائشة: (يا عائشة إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذريهم)، وهذا عام حتى في المحكمات، وقصة صبيغ مع عمر بن الخطاب من أشهر الأدلة على ذلك، فقد بلغه أنه يسأل عن متشابه القرآن حتى رآه عمر، فسأل عمر عن (والذاريات ذرواً)، فقال: ما اسمك؟ قال: عبد الله بن صبيغ، قال وأنا عبد الله عمر، وضربه الضرب الشديد.. على الرغم من أن سؤاله كان عن آية محكمة، وليس عن شيء من الصفات، وكان ابن عباس إذا ألح عليه رجل في مسألة من هذا الجنس، يقول: ما أحوجك أن يُصنع بك كما صنع عمر بصبيغ، هذا لأنهم رأوا أن غرض السائل ابتغاء الفتنة لا الاسترشاد والاستفهام، كما قال : (إذا رأيت الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذريهم)، وكما قال الله تعالى: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة).
ومما يبين معه الفرق بين المعنى وبين التأويل ? الفاسد والمذموم ? أن صبيغاً سأل عن الذاريات وليست من الصفات، لكن لأن مراد السائل إحداث فتنة ولكون (الذاريات) و(الحاملات) و(الجاريات) و(المقسمات) فيها اشتباه، لأن اللفظ يحتمل الرياح والسحاب والنجوم والملائكة، ويحتمل غير ذلك إذ ليس في اللفظ ذكر الموصوف، كان التأويل الذي لا يعلمه إلا الله: هو أعيان الرياح ومقاديرها ومتى تهب، وأعيان السحاب وما تحمله من الأمطار ومتى ينزل المطر، وكذلك في (الجاريات) و(المقسمات)، فهذا لا يعلمه إلا الله [ينظر الإكليل لابن تيمية ص 50: 53].
بل إن ابن القيم ينبه في مختصر الصواعق ص 17 إلى أن آيات الصفات أبين وأوضح وأجلى من آيات الأحكام، فيقول: “تنازع الناس في كثير من الأحكام ولم يتنازعوا في آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها وإمرارها مع فهم معانيها وإثبات حقائقها، وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بياناً وان العناية ببيانها أهم لأنها من تمام تحقيق الشهادتين وإثباتها من لوازم التوحيد، فبينها الله ورسوله بياناً شافياً لا يقع فيه لبس يوقع الراسخين في العلم، بينا آيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس.. ولهذا أشكل على بعض الصحابة قوله تعالى: (حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود)، حتى بين لهم بقوله: (من الفجر)، ولم يشكل عليه ولا على غيره قوله: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب).. وأيضاً فإن آيات الأحكام مجملة عُرف بيانها بالسنة كقوله تعالى: (ففدية من صيام أو صدقة أو نسك)، فهذا مجمل في قدر الصيام والإطعام، فبينته السنة بأنه صيام ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة، ونظائره كثير كآية السرقة وآية الصلاة والزكاة والحج وليس في آيات الصفات وأحاديثها مجمل يحتاج إلى بيان من خارج، بل بيانها فيها، وإن جاءت السنة بزيادة في البيان والتفصيل”.
ويشير ابن القيم في أعلام الموقعين 1/ 40 إلى تأكيد أن الصحابة تنازعوا “في كثير من مسائل الأحكام وهم سادات المسلمين وأكمل الأمة إيماناً، ولكن لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة من أولهم إلى آخرهم لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرفوها عن مواضعها تبديلاً، ولم يبدوا الشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحد منهم يحب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقوها بالقبول والتسليم وقابلوها بالإيمان والتعظيم”.. وبمثل هذا، جاء كلام ابن عبد البر في كتابه (جامع بيان العلم) 2/ 113 وفيه يقول: “نهى السلف رحمهم الله عن الجدال في الله جل ثناؤه في صفاته وأسمائه، وأما الفقه فأجمعوا على الجدال فيه والتناظر، لأنه علم يُحتاج فيه إلى رد الفروع إلى الأصول، للحاجة إلى ذلك.. وليس الاعتقادات كذلك لأن الله لا يوصف.. إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله أو أجمعت الأمة عليه، وليس كمثله شيء فيدرك بقياس أو إنعام نظر”.
ومن هنا كانت كلمة الصحابة على الاتفاق “في توحيد الله عز وجل ومعرفة أسمائه وصفاته وقضائه، قولاً واحداً وشرعاً ظاهراً، وهم الذين نقلوا عن رسول الله ذلك حتى قال: (عليكم بسنتي).. (لعن الله من أحدث حدثاً..)، فكانت كلمة الصحابة على الاتفاق من غير اختلاف، وهم الذين أمِرنا بالأخذ عنهم، إذ لم يختلفوا بحمد الله في أحكام التوحيد وأصول الدين من الأسماء والصفات كما اختلفوا في الفروع، ولو كان منهم في ذلك اختلاف لنقل إلينا كما نقل سائر الاختلاف، فاستقر صحة ذلك عند خاصتهم وعامتهم حتى أدوا ذلك إلى التابعين لهم بإحسان، فاستقر صحة ذلك عند العلماء المعروفين حتى نقلوا ذلك قرناً بعد قرن لأن الاختلاف كان عندهم في الأصل، كفراً” كذا في الحموية ص 42.
ومما سبق ندرك أنه لا يجوز صرف شيء من كتاب الله ولا سنة رسوله عن ظاهره المتبادر فيه إلا بدليل يجب الرجوع إليه، وعن هذا النوع يقول ابن تيمية في الإكليل ص50، 44: “أما التأويلات المحرفة مثل (استولى) وغير ذلك، فهي من التأويلات المبتدعة لما ظهرت الجهمية”.. وأن ثمة جمع من أئمة السلف آثروا الوقف عند قوله: (والراسخون في العلم).. فجعلوا الراسخين في العلم يعلمون التأويل.. بل إن ابن عباس كان يقول عن نفسه بصريح العبارة: (أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله).. وقد تواترت النقول عنه أن تكلم في جميع معاني القرآن ? بما في ذلك آيات الصفات ? ولم يقل عن آية إنها من المتشابه الذي يعلم أحد تأويله إلا الله[والإكليل ص 18وينظر الصواعق ص 125 و الحموية ص 23 وشرح الطحاوية ص 174].. وفي ذلك يقول ابن قتيبة في تأويل مشكل الحديث 1/ 150، 159: “ولسنا ممن يزعم أن المتشابه في القرآن لا يعلمه الراسخون في العلم، فهذا غلط من متأوليه على اللغة والمعنى، ولم ينزل الله شيئاً من القرآن إلا لينفع به عباده”.. ويتساءل رحمه الله: “هل يجوز لأحد أن يقول أن رسول الله لم يكن يعرف المتشابه؟، وإذا جاز أن يعرفه مع قول الله تعالى: (وما يعلم تأويله إلا الله)، جاز أن يعرفه الربانيون من صحابته.. وعن مجاهد قال: تعلمونه وتقولون آمنا به، ولو لم يكن للراسخين في العلم حظ من المتشابه إلا أن يقولوا: (آمنا به كل من عند ربنا)، لم يكن للراسخين فضل على المتعلمين بل على جهلة المسلمين، لأنهم جميعاً يقولون: (آمنا به كل من عند ربنا)”.. ويقول ابن قتيبة ص 98 فيما يقول: “إنا لم نر المفسرين توقفوا عن شيء من القرآن فقالوا: هذا متشابه لا يعلمه إلا الله، بل أمرُّوه كله على التفسير حتى فسروا الحروف المقطعة في أوائل السور”.
ومن ذلك ندرك أن الصفـات مثل سائر آيات القرآن، لها جانبان:
جانب محكم: يتأول، ويدخل فيه ما لا مندوحة عن تأويله لأسباب لغوية أو شرعية أو اعتقادية، وعليها تأويلات السلف، وهو: ما لا يخرج عن ظاهر المعنى وما ورد عنهم من أمثال ما جاء في تفسير ابن عباس لمعنى الاستواء بالعلو والارتفاع، وهذا هو التأويل المقصود من دعائه ? عليه السلام ? له (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)، فهو مشروع محمود، لكونه من باب إيضاح المعنى وإزالة اللبس.
وجانب متشابه: لا يتأول، ويدخل فيه حقيقة وكنه صفاته جل وعلا، فتمر بلا كيف.. لكونها من المتشابـه وتأويلها مذموم ممنوع، وكذلك الشأن في غير الصفات كما مثلنا بـ (الذاريات، وبقصة صبيغ).. والنقول المتواترة عن السلف تفيد أنهم كانوا يفهمون معاني الصفات كما يفهمـون معاني غيرها من القـرآن.. وإن كان كنه الرب تبـارك وتعالى لا يحيط به العباد، فذلك لا يمنع أن يعلموا مـن أسمائه وصفاته ما علمهم سبحانه، كما أنهم إذا علموا أنه بكل شيء عليم وأنه على كـل شيء قدير لم يلزم منه أن يعرفوا كيفية علمه ولا كيفية قدرته، وإذا عرفوا أنه حق موجود لم يلزم أن يعرفوا كيفية ذاته.. وإذ قد عرفنا ذلك فقد ظهر لنا أن ادعاء الإمام البنا “أن آيات الصفات وأحاديثها وما لحق بذلك من المتشابه.. إلخ”، هكذا على إطلاقه، عار تماماً عن الصحة.
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (الحلقة5)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فقد تكلمنا في آخر حلقة عن سببين من أربع أسباب دعت الأستاذ البنا لأن يقول بالتأويل في نصوص الصفات.
أما السبب الثالث فيكمن في: الإيهام بأن في إثبات ظاهر الصفات لله مشابهة له تعالى أو مماثلة للحوادث:
ذلك أن المؤول لصفات الله أو لبعضها ما فعل ذلك إلا لاعتقاده أن إثبات الصفات يستلزم منه التشبيه، فمثل أولاً وعطل ثانياً ثم اضطره ذلك إلي أن يؤول ثالثاً، وذلك حتى يفلت من شائبة التكذيب لآيات القرآن وأحاديث السنة.
ومن أمثلة ذلك ما ذكره البنا نقلاً عن ابن الجوزي معبراً عن رأي الخلف في قضية الصفات، وفي خلاصة ما جنح إليه يقول في مجموعة الرسائل ص 328: “إن الأخذ بالظاهر هو تجسيم وتشبيه، لأن ظاهر اللفظ هو ما وضع له فلا معني لليد حقيقة إلا الجارحة”.. وكذا ما نقله بنفس الصفحة عن الفخر الرازي من “أن ظاهر قوله تعالي : (ولتصنع علي عيني) ، يقتضي أن يكون موسي عليه السلام مستقرا علي تلك العين ملتصقاً بها مستلقياً عليها، وذلك لا يقوله عاقل”.. وما يعاب به هنا علي البنا، هو: دفاعه عن الخلف، ومحاولاته التهوين من آرائهم هذه رغم تراجعهم عنها، وذلك في مثل قوله ص 330 من مجوعة الرسائل: “وانحصر الخلاف بينهما ? السلف والخلف ? في أن الخلف زادوا تحديد المعني المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلي ذلك، حفظاً لعقائد العوام من شبهة التشبيه، وهو خلاف لا يستحق ضجة ولا إعناتا”.
وللرد علي ذلك نقول: إن الحكم بأنه “لا معني لليد إلا الجارحة”، وأن معني: (ولتصنع علي عيني) هو: الاستعلاء والالتصاق والاستقرار.. تحكم بغير دليل، ومخالفة للواجب في صفات الله.. والحق أن التجسيم والتشبيه لا وجود لهما إلا في خيال أصحابه، فها هم أصحاب رسول الله وسلف الأمة إنما أخذوا بهذا الظاهر وآمنوا به ولم يروا فيه تشبيهاً ولا تجسيماً، ومعاذ الله أن تأتي نصوص القرآن بما يوهم التشبيه والتجسيم، وحاشاه تعالى أن يكون كتابه سبباً للوهم أو الضلال، خاصة في أمر هو من أسمي عقائد الإسلام.. كما أن الإنسان عادة ما يفرق بدلالة الإضافة بين صفات المخلوق، وهي: عرض زائلٍ، وبين صفات الخالق سبحانه.. ولا يوجد عاقل يزعم تشابه الصفات بين المخلوق وبين الخالق، و”العرب ? على حد ما هو متعالم ونص عليه ابن القيم في مختصر الصواعق 298 ? لم تستعمل هذه الألفاظ مطلقة بل لا تنطق بها إلا مقيدة، كرأس الإنسان ورأس الطائر ورأس الدابة ورأس الأمر ورأس المال ورأس القوم، فها هنا المضاف والمضاف إليه جميعاً حقيقة وهما موضوعان.. ومن توهم أن الأصل في الرأس للإنسان، وأنه نقل منه إلي هذه الأمور، فقد غلط أقبح غلط وقال ما لا علم له به بوجه من الوجوه.. وهذا حكم عام في جميع الألفاظ المضافة كاليد والعين وغيرهما، فيد البعوضة حقيقة ويد الفيل حقيقة، وليست مجازاً في أحد الموضوعين حقيقة في الآخر، وليست اليد مشتركة بينهما اشتراكاً لفظياً، وكذلك إرادة البعوضة وحياتها وقوتها حقيقة، وإرادة المَلِك وقوته وحياته حقيقة”، إذ شتان بين هذا وذاك..وإذا كان هذا التفاوت في الصفات حاصل فيما بين المخلوقات فما بالك بما بين الخالق والمخلوق؟!.
و”قد ثبت بالعقل الصريح والنقل الصحيح ثبوت صفات الكمال للرب سبحانه، وأنه أحق بالكمال من كل ما سواه، وأنه يجب أن تكون القوة كلها لله وكذا العزة والعلم والقدرة والكلام وسائر صفات الكمال، وقام بالبرهان السمعي والعقلي علي أنه يمتنع أن يشترك في الكمال التام اثنان، وأن الكمال التام لا يكون إلا لواحد”، لا شبيه له ولا نظير [المختصر174].
إن القارئ للقرآن يتضح له أن آيات الله كلها تشهد بنفي أن تكون صفاته كصفات المخلوقين، فهو تعالي يصف نفسه بأنه (ليس كمثله شيء)، و(لم يكن له كفوا أحد)، (هل تعلم له سمياً)، (فلا تجعلوا لله أنداداً).. كما يتضح له أن الله بَعث أنبياءه ورسله بإثبات مفصَّل لأسمائه وصفاته ونفي مجمل لها، أي أنهم صلوات الله عليهم نفوا عنها مماثلة المخلوقات، ولكن جاء أهل النظر من المتكلمين النفاة والفلاسفة وغيرهم، فعكسوا القضية وجاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل وأداهم ذلك إلى تعطيل الصفات بزعم مماثلتها للحوادث وهو سبحانه مخالف لها ومنزه عنها.
وقد تأثر بهؤلاء: المعتزلة والأشاعرة مما جعلهم يؤولون في صفات الله، مخالفين طريقة الأنبياء والصحابة والتابعين، وقد رد الله علي كل المخالفين لهذه الطريقة بقوله: (سبحان ربك رب العزة عما يصفون).. ذلك أنه بـ “مجرد إضافة الصفة إليه جل وعلا، يتبادر إلي الفهم أنه لا مناسبة بين تلك الصفة الموصوف بها الخالق، وبين شيء من صفات المخلوقين، وهل ينكر عاقل أن السابق إلي الفهم المتبادر لكل عاقل هو منافاة الخالق للمخلوق في ذاته وجميع صفاته؟.. والجاهل المفتري الذي يزعم أن ظاهر آيات الصفات لا يليق بالله لأنه كفر وتشبيه، إنما جر إليه ذلك: تنجيس قلبه بقذر التشبيه بين الخالق والمخلوق، فأداه شؤم التشبيه إلي نفي صفات الله وعدم الإيمان بها، مع أنه جل وعلا هو الذي وصف بها نفسه، فكان هذا الجاهل مشبهاً أولاً ومعطلاً ثانياً، فارتكب ما لا يليق بالله ابتداء وانتهاء” وتلك عبارة الشنقيطي في أضواء البيان 2/ 320.. ولا عجب فقد جعل ابن القيم تشبيه الخالق بالمخلوق في صفاته، من الأمور المنافية للتوحيد، فقال في (اجتماع الجيوش) ص 27 ? بعد أن قسم التوحيد إلى علمي اعتقادي، وهو: المتضمن لإثبات صفات الله وتنزيهه عن التشبيه وعن صفات النقص، وعلمي خبري ويعني: توحيد العبادة (الألوهية) ?: “إن التوحيد العلمي له ضدان: التعطيل، والتشبيه والتمثيل.. فمن نفى صفات الرب وعطلها، كذب تعطيلُه توحيدَه، ومن شبهه بخلقه ومثله بهم كذب تشبيهُه وتمثيلُه توحيدَه”.
وفي محاولة يائسة وتحت زعم تنزيه الله عن صفات المخلوقين، أراد بعض كتاب جماعة الإخوان المسلمين في كتابه (الهداية الربانية) 2/ 172 ? كما هي العادة عندهم دائماً ? أن يُخضع الإسلام ويطوع العقيدة لمنهج وفكر الأستاذ البنا، فراح يزعم أن من المتشابهات التي لا يعلمها إلا الله: صفات الرحمة والغضب والرضا والحياء والاستهزاء والمكر، معللاً ذلك بأن هذه الصفات علي حسب المفاهيم اللغوية ينزه عنها الله سبحانه، وساق علي ذلك بعض أقوال الخلف الذين تراجعوا عما ذهبوا إليه أولاً وندموا عليه، ثم توصل في نهاية كلامه إلي أن الصفات نوعان:
“أ ? محكمة: وهو الواضحة المبينة التي لا يشتبه وصف الله بها علي أحد، مثل: الخالق، الحي، العليم، القدير.
ب ? متشابه: وهي الصفات التي توهم بظاهرها مشابهة الله لأحد من خلقه، وهي بدورها ? والكلام لا زال له ? تنقسم إلي ثلاثة أقسام:
1- قسم يجب تأويله باتفاق: مثل قوله تعالي: (نسوا الله فنسيهم)، فالنسيان هنا ? كذا هو الأمر عنده ? بمعني: انمحاء صورة الشيء من الذهن محواً تاماً، وهذا لا يليق بجلاله، ولذلك نصرفها عن ظاهرها تنزيهاً لله وحتى لا تتناقض معاني القرآن، فقد قال تعالي: (وما كان ربك نسياً).
2- قسم نحمله علي ظاهره: فنصف الله تعالي به من غير كيف ولا معني، مثل اليد والأصابع والضحك والاستواء والإتيان والمجيء.
3- قسم يحتمل أمرين”.. وقد تم فيما مضى دحض كل هذه الشبهات عدا ما يتعلق منها بالقسم الأول من المتشابه من نحو النسيان والمكر وما شابه، وهذا منه سبحانه آت على سبيل المجازاة، وهو جائز في جميع الملل مستحسن في جميع العقول، ولهذا كاد سبحانه ليوسف جزاءً لإخوته على كيدهم له، فكان من أعدل الكيد.
والحق أن ليس ثمة سبب يدعو إلي إنكار صفات الخبر أو الأفعال تحت زعم تنزيهه سبحانه عن صفات المخلوقين، أو لكون ظاهرها يوهم مشابهه الحوادث، ذلك لأن دلالة السمع ? أي النقل ? علي علمه تعالي وقدرته وإرادته وسمعه وبصره كدلالته علي رضاه ومحبته وغضبه واستوائه علي عرشه وغير ذلك.. وهنا يري ابن تيمية أن وجه القصور في منهج التأويل يرجع إلي أن أصحابه لم يتنبهوا إلي أن هناك من الأسماء والصفات المقدسة ما هو ثابت بالشرع في أكثر من مائه موضع.. ولذا لم يتفقوا علي تأويلٍ واحدٍ، بل ذهب كل فريق منهم فيها مذهباً يلائم أصول نحلته، فالفلسفي له فيها تأويل والمعتزلي له تأويل والأشعري المعطل له فيها كذلك تأويل، فهل يعقل أن توصف هذه التأويلات مع اختلافها وتناقضها بأنها الحق الذي أراد الله منا أن نعتقده من هذه النصوص؟.
إن النقل والعقل يدلان علي بطلان كل ذلك، فأدلة النقل: ما أكثرها في القرآن والسنة وقد مر ذكر بعضها، أما أدلة العقل علي بطلان قولهم هذا: فهو أن أصحاب التأويل وإن كانوا قد أولوا صفات الأفعال فإن سائر الصفات الأخرى التي لم يؤولوها، لها ما تقتضيها في المخلوقات، فان القدرة والسمع والبصر والحياة بل والذات تطلق أيضاً علي المخلوق، فكيف بهذه التفرقة؟، ثم إنه بتأويله المحبة بالإرادة، أو الوجه بالذات قد فر من صفة إلي صفة، إذ إن كلاهما يوصف به الخالق والمخلوق، والحق أنه وكما أن ذاته سبحانه لا تشبه الذوات فكذا صفاته لا تشبه الصفات، وأن صفات هذا يخصه وصفات هذا يخصه، وفي بيان ذلك يقول إسحاق بن راهويه كما في فتح الباري 13/ 407: “إنما يكون التشبيه لو قيل: يد كيد وسمع كسمع”، ويقول العلامة القاسمي وهو يتحدث عن أهم ما يميز الجهمية: إن “من أعظم شُبههم في باب الصفات، اعتقاد أن ظاهرها يفيد التشبيه بالمخلوق، أي أن ما يفهم من نصوصها يماثل ما يفهم من صفات المخلوق، فظاهر معناها التمثيل وهو مستحيل فيجب التأويل.. وقد رُدَّ عليهم بأن الظاهر المفهوم لو كان المراد به خصائص صفات المخلوقين حتى يُشبَّه المولي بخلقه، لما خالف أحد في رده ونفيه، لكن هذا ليس مراداً بالاتفاق، للقطع بأنه تعالي ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، كما أن هذا ليس هو ظاهرها، وإنما ظاهرها هو ما يليق بالخالق تعالي وليس في العقل ولا في السمع ما ينفي هذا، والصفة تتبع موصوفها، فكما أن ذاته المقدسة ليست كذوات المخلوقين فكذلك صفاته”.. وعليه فمن قال له علم كعلم خلقه أو قوة كقوتهم أو رضا كرضاهم أو يد كأيديهم أو استواء كاستوائهم.. الخ، كان ممثلاً مشبهاً لله بالمخلوقات، ومن أنكر هذه الصفات أو أراد تعطيلها أو تعطيل بعضها، كان مكذباً لله ومدعياً أنه أعلم منه وأقدر منه في الحديث عنه.
ولو أردنا أن نزيد الأمر توضيحا فلن نجد أحسن مما ذكره ابن تيمية رداً علي المشبه، وذلك حين أفاد في التدمرية ص 7 وما بعدها والصفدية 1/ 100: أنه إذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه وما هو محدث ممكن يَقبل الوجود والعدم، فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود، ولا يلزم من اتفاقهما في مسمي الوجود أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصه ووجود هذا يخصه.. واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمي ذلك الاسم، فلا يقول عاقل: إن العرش شيء موجود وإن البعوض شيء موجود، إذن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمي الشيء والوجود، لأن وجود كل منهما يخصه مع أن الاسم حقيقة في كلا منهما، ولهذا سمَّي الله نفسه أسماء وسمي صفاته بأسماء وكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمي بعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قُطعت عن الإضافة والتخصيص ولم يلزم في اتفاق الاسمين وتماثل مسماهما واتحاده، اتفاقهما.. يقول الإمام الجويني: “ليس كذاته ذات ولا كاسمه اسم، ولا كفعله فعل ولا كصفته صفة، إلا من جهة موافقة اللفظ، وجلت الصفة القديمة أن يكون لها صفة حديثة، كما استحال أن يكون للذات المحدثة صفة قديمة، وهذا كله مذهب أهل السنة والجماعة”.. وكما أن الناس مفطورون علي الإقرار بالخالق، فإنهم مفطورون علي أنه أجل وأكبر وأعلي وأعلم.
ويؤكد شارح الطحاوية في معنى (ولا يشبهه الأنام) ص 171 على أن “أهل السنة لا يريدون بنفي التشبيه نفي الصفات.. بل مرادهم أنه تعالى لا يشبه المخلوق في أسمائه وصفاته وأفعاله، وإنما الأمر كما قال أبو حنيفة رحمه الله: (صفاته كلها خلاف صفات المخلوقين، فهو سبحانه يعلم لا كعلمنا ويقدر لا كقدرتنا ويرى لا كرؤيتنا، وهذا معنى قوله تعالى: (ليس كمثله شيء)”، فنَفَى المِثل وأثبت الصفة.
ويشارك ابن القيم في مجادلة المتأولة بالتي هي أحسن، فيقول في مختصر الصواعق ص 21 وما بعدها: “إن تأولت الجميع وحملته علي خلاف حقيقته، كان ذلك عناداً ظاهراً أو كفراً صراحاً وجحداً لربوبيته.. وإن أثبت قيل لك: فما الذي سوغ لك تأويل بعضها دون بعض، ودلالة النصوص علي أن له سمعاً وبصراً وعلماً وقدرةً وإرادة وحياة وكلاماً، كدلالتها علي أن له محبه ورحمة وغضباً ورضاً وفرحاً وضحكاً ووجهاً ويدين؟!، فان قلت: إن إثبات الإرادة والمشيئة لا تستلزم تشبيهاً وتجسيماً، وإثبات حقائق هذه الصفات يستلزم التشبيه والتجسيم.. قيل لك: جميع ما أثبته من الصفات إنما هي أعراض قائمة بالأجسام في المشاهد، فان قلتَ: أنا أثبتُها علي وجه لا يماثل صفاتنا ولا يشبهها، قيل لك: فهلا أثبتَ الجميع علي وجه لا يماثل صفات المخلوقين؟!.. ثم إن كان ظاهر النصوص يقتضي تشبيهاً وتجسيماً، فهو يقتضيه في الجميع فأول الجميع، وإن كان لا يقتضي ذلك لم يجز تأويل شيء منه، وإن زعمتَ أن بعضها يقتضيه وبعضها لا يقتضيه طولبت بالفرق بين الأمرين”، ثم قال: “فإن تأول المتأول المحبة والرحمة والرضا والغضب بالإرادة، قيل له: يلزمك في الإرادة ما لزمك في هذه الصفات، وإذا تأول الوجه بالذات لزمه في الذات ما يلزمه في الوجه، فإن لفظ الذات يقع علي القديم والمحدث، وإذا تأول لفظ اليد بالقدرة فالقدرة يوصف بها الخالق والمخلوق.. وإذا تأول الفوقية بفوقية القهر لزمه فيها ما فرَّ منه من فوقية الذات، وكذلك من تأول الأصبع بالقدرة، فإن القدرة أيضاً صفة قائمة بالموصوف، وعرض من أعراضه ففرَّ من صفة إلي صفة، وكذلك من تأول الضحك بالرضا والرضا بالإرادة، إنما فرَّ من صفة إلي صفة، فهلا أقر النصوص علي ما هي عليه ولم ينتهك حرمتها؟!”.
ثم أوضح ? رحمه الله ? أنه لابد من واحد من أمرين: إما هذا النفي والتعطيل، وإما وصف الله بما وصف به نفسه وبما وصف به رسوله ، واتباع سبيل السلف الذين هم أعلم الأمة بهذا الشأن نفياً وإثباتاً، وأشد تعظيماً لله وتنزيهاً له عما يليق بجلاله، فإن المعاني المفهومة من الكتاب والسنة لا ترد بالشبهات، فيكون ردها من باب تحريف الكلم عن مواضعه.. ولا يترك تدبرها ومعرفتها، فيكون ذلك مشابهة للذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل هي آيات بينات، دالة علي أشرف المعاني وأجملها، قائمة حقائقها في صدور الذين أوتوا العلم والإيمان إثباتاً بلا تشبيه وتنزيهاً بلا تعطيل، كما قامت حقائق سائر صفات الكمال في قلوبهم كذلك، فكان الباب عندهم باباً واحداً وعلموا أن الصفات حكمها حكم الذات، فكما أن ذاته لا تشبه الذوات فكذا صفاته لا تشبه الصفات.
والمحصلة: أن “صفاته ? تعالي وكذا ذاته ? معلومة من حيث الجملة والثبوت، غير معقولة من حيث التكييف والتحديد، فيكون المؤمن بها ? علي حد قول الإمام الجويني في (النصيحة ص 41، 46) ? مبصراً من وجه أعمي من وجه، مبصراً من حيث الإثبات والوجود أعمي من حيث التكييف والتحديد، وبهذا يحصل الجمع بين الإثبات لما وصف الله به نفسه، وبين نفي التحريف والتشبيه، وذلك هو مراد الله منا في إبراز صفاته لنا لنعرفه بها ونؤمن بحقائقها، وننفي عنها التشبيه ولا نعطلها بالتحريف والتأويل”، “فيحصل بذلك إثبات ما وصف الله به نفسه في كتابه وفي سنة رسوله، ويحصل نفي التشبيه والتكييف عنها، ويحصل أيضاً ترك التأويل والتحريف المؤدي إلى التعطيل، ويحصل إثبات الصفات وحقائقها على ما يليق بجلال الله وعظمته لا على ما نعقل نحن من صفات المخلوقين”.
نقول هذا، ونسوق لأجله كلام أهل العلم علي طوله، رداً علي من ادعي أن اللجوء إلي التأويل أمرُ ضرورةٍ، لابد منه حتى لا يوهم تشبيه الخلق بالخالق، ومن ذلك ما عبر عنه البنا بقوله ص 330 من مجموعة الرسائل مدافعاً عمن تلفظ به من الخلف ومقرباً بين هذا السفه وبين الفهم الصحيح: “وإذا تقرر هذا فقد اتفق السلف والخلف علي أصل التأويل، وانحصر الخلاف بينهما في أن الخلف زادوا تحديد المعني المراد حيثما ألجأتهم ضرورة التنزيه إلي ذلك، حفظاً لعقائد العوام من شبهة التشبيه، وهو خلاف لا يستحق ضجة ولا إعناتاً”.. كما نسوقه أيضا رداً علي مزاعم متأولة هذا الزمان وعلي رأسهم الأستاذ سعيد حوي في الإجابات ص 90 وكذا المستشار البهنساوي في الشبهات ص 114، فقد توهما في معرض دفاعهما عن شيخهما البنا في مسألة التأويل، أن تفسير معية الله بأنها: علمه، وقربه في قوله: (ونحن أقرب إليه من حبل الوريد) بـ “قرب ملائكته”، توَّهما أن ذلك من قبيل تأويل الصفات وصرفها عن ظاهرها دفعاً لشبهة أو إيهام التشبيه.
والحقيقة أن الأمر علي خلاف ذلك، فما نقل عن الإمام أحمد حين سُئل عن معني: (وهو معكم)؟، فقال: (علمه محيط بالكل، وربنا علي العرش بلا حد ولا صفة)، وكذا قوله حين سُئل: (ربنا فوق السماء السابعة على عرشه بائن من خلقه، وقدرته وعلمه بكل مكان؟!)، فقال: (نعم، لا يخلو شيء من علمه).. هو بعينه ما عند أهل السنة والجماعة.. فقد “حكي ابن عبد البر والطلمنكي إجماع أهل السنة علي هذا.. وذلك لأن النصوص من الكتاب والسنة الدالة علي علوه وفوقيته وتنزيهه سبحانه عن الحلول والاتحاد تقتضي ذلك جمعاً بين الأدلة، ومن تأمل الآيات الواردة في ذلك علِم أنها تدل علي أن المراد بالمعية: العلم بأحوال عباده واطلاعه علي شئونهم مع دلالة المعية الخاصة علي كلاءته وحفظه ونصره لأنبيائه وأوليائه مع علمه واطلاعه علي أحوالهم، والعرب الذين نزل الكتاب وجاءت السنة بلغتهم يعلمون ذلك ولا يشتبه عليهم، ولهذا لم يسألوا النبي عن معاني هذه الآيات لظهورها لهم”، وأيضاً لـ “أن القلوب مفطورة على الإقرار بأن الله في العلو، وعلى أنه يُدعى من أعلى لا من أسفل”[تنبيهات على ما كتبه الصابوني ص 30 ، واجتماع الجيوش ص43، 47].. وممن قال بذلك من غير من ذكرنا: أبو نصر السجزي، قال عن أهل الحديث: “أئمتنا كالثوري ومالك وابن عيينة وحماد بن زيد والفضيل وأحمد وإسحاق، متفقون علي أن الله فوق العرش بذاته وأن علمه بكل مكان”، وروي الخلال في السنة قول ابن راهويه: “إجماع أهل العلم أنه فوق العرش استوي، ويعلم كل شيء أسفل الأرض السابعة وفي قعور البحار ورؤوس الجبال وبطون الأودية وفي كل موضع، كما يعلم ما في السموات السبع وما دون العرش، أحاط بكل شيء علماً، ولا تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض إلا قد علم ذلك كله وأحصاه، لا يُعجزه معرفة شيء عن معرفة غيره” [ينظر اجتماع الجيوش ص97، 88].
علي أن ما ذهب إليه الإمام أحمد وغيره من علماء السلف، من حمل معيته سبحانه علي العلم، هو: من قبيل تفسير القرآن بالقرآن، ولا شك أن هذا النمط هو أعلي وجوه التفسير وأصوبها، لأن كلام الله يفسر بعضه بعضاً ويصدق بعضه بعضاً، فهو لا يتعارض ولا يتناقض ولا يتصادم، فما جاء مثلاً في الآية: (إلا هو معهم أينما كانوا)، قد صُدِّر بقوله تعالي: (ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم)، فابتدأها سبحانه بالعلم، فهو يعلم ما في السموات وما في الأرض، ويعلم ما يكون بين المتناجين قَلُّوا أم كثروا، بل إن آخر الآية نفسها ليدل علي ذلك، وفيها يقول جل وعلا: (ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم)، فالله معنا بعلمه لا بذاته.
وهذا القول ليس مبتدعاً ولا مخترعاً، بل إن السلف فسروا الآية بهذا، فقد روي ابن جرير في تفسير هذه الآية عن الضحاك، أنه قال: (هو علي العرش، وعلمه معهم)، وقول الضحاك رواه الآجري في الشريعة ص 288، وقال الإمام ابن عبد البر كما في الحموية ص 51: “أجمع علماء الصحابة والتابعين الذين حُمل عنهم التأويل، قالوا في تأويل قوله (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم): (هو علي العرش وعلمه في كل مكان)، وما خالفهم في ذلك من يحتج بقوله”.
وعلي ذلك، فالادعاء بأن ذلك تأويل ? علي نحو ما ذهب إليه الأستاذ سعيد حوي في الإجابات ص 90 قائلاً: “أليس هذا الذي قال بالفوقية المكانية للذات الإلهية، مضطراً لتأويل قوله تعالي: (وهو معكم أينما كنتم)، وقوله: (ونحن أقرب إليه منكم)، وقوله: (وهو الله في السموات وفي الأرض)، أليس هو مضطراً حتى لأن يؤول النصوص التي يستشهد بها علي صحة دعواه في مثل ما ورد في الحديث قالت: (في السماء)” ? ادعاء باطل.. إذ لا يمكن لمن عرف الله وقدَره، وعرف مدلول المعية في اللغة العربية التي نزل بها القرآن، أن يقول: إن حقيقة معية الله لخلقه تقتضي أن يكون مختلطاً بهم أو حالاً في أمكنتهم، أو شبيهة بمعيتهم، فضلاً عن أن تستلزم ذلك، “فالقمر ? مثلاً ? آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر.. وإذا كان هذا في حق المخلوق ففي حق الخالق المحيط بكل شيء مع علوه سبحانه، أولي.
وينبغي للعاقل أن يعرف أن المسائل الاعتقادية ? التي هي أعظم مسائل الدين ? لم يكن السلف جاهلين بها ولا معرضين عنها، بل من لم يعرف ما قالوه هو الجاهل بالحق وبأقوال السلف.. وقد ساق ابن خزيمة إجماع السلف علي إثبات الصفات بدون تشبيه أو تأويل، ولا ريب أن في إثبات الصفات إثبات لمعناها، إذ لا يُتصور إثبات شيء لا يُعقل معناه.. يقول ابن خزيمة في التوحيد ص 10: “نحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر، مذهبنا أن نثبت لله ما أثبته لنفسه، تقرُّ بذلك ألسنتنا وتصدق بذلك قلوبنا.. عز ربنا علي أن نشبهه بالمخلوقين، وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز أن يكون عدماً كما قاله المبطلون”.
فنسبة التأويل إذاً إلي السلف ومن سار علي دربهم تحت دعوي دفع إيهام التشبيه أو المماثلة للحوادث أو غير ذلك كما فعل البنا وغيره، فيه تجاوز كبير.. والحق أن طريقة السلف الذي رسموه لأنفسهم إنما هو إثبات لمعاني الصفات ? أي معرفة تفسيرها والمقصود منها ? من غير تشبيه، ونفي لمعرفة حقيقتها وكنهها من غير تعطيل، وإمرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تحريف، هذا هو ما كان عليه أئمة المسلمين قديماً وحديثاً والذين نطقوا بالحق وبه كانوا يعدلون.
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (الحلقة6)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فالسبب الرابع من أسباب جنوح الشيخ البنا للتأويل: القول بأن مراد الصفات غير ظاهرها: وقد ذكر الإمام البنا ذلك بالنص في مجموعة الرسائل ص 331 ونسبه إلى السلف فقال: “إن السلف والخلف قد اتفقا علي أن المراد من الصفات غير الظاهر المتعارف عليه بين الخلق، وهو تأويل في الجملة، واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم بالأصول الشرعية غير جائز، فانحصر الخلاف في تأويل الألفاظ مما يجوز في الشرع، وهو هين كما ترى، وأمر لجأ إليه بعض السلف أنفسهم”.. (مجموعة الرسائل ص 331).
والحقيقة أن السلف علي خلاف مع الخلف في هذا، ذلك أن السلف.. أجروها علي ظاهرها اللائق بالله عز وجل، ومذهبهم هو الصواب المقطوع به لدلالة الكتاب والسنة والعقل عليه دلالة ظاهرة.. قال ابن حجر العسقلاني في الفتح 13/418 نقلاً عن إمام الحرمين: “ذهب أئمة السلف إلي الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها ? يعني: من حديث الكيفية ? إلي الله تعالي، والذي نرتضيه رأيا وندين به عقيدة، اتباع سلف الأمة للدليل القاطع علي أن إجماع الأمة حجة، إذ لو كان تأويل هذه الظواهر حتماً لأوشك أن يكون اهتمامهم به فوق اهتمامهم بفروع الشريعة، وإذا انصرم عصر الصحابة والتابعين علي الإضراب عن التأويل، كان ذلك هو الوجه المتبع”.
وقد حكي إجماع الأمة علي أن مراد الصفات: ظاهرها ? من غير إمام الحرمين ? القاضي أبو يعلي في كتاب (أبطال التأويل)، وفيه يقول: “لا يجوز رد هذه الأخبار ولا التشاغل بتأويلها، والواجب حملها علي ظاهرها، وأنها صفات الله لا تشبه صفات سائر الموصوفين بها من سائر الخلق ولا يعتقد التشبيه فيها”.. إلى أن قال ? بعد أن ذكر من أسماء الأئمة والتابعين من ذكر ?: “ويدل علي إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين، حملوها علي ظاهرها ولم يتعرضوا لتأويلها ولا صرفوها عن ظاهرها”.
وبمثل ذلك صرح “أبو سليمان الخطابي في رسالته المشهورة (الغنية عن الكلام وأهله) قال فيما نقله عنه الحافظ الذهبي في العلو ص 173: فأما ما سألتَ عنه من الصفات وما جاء منها في الكتاب والسنة، فان مذهب السلف إثباتها وإجراؤها علي ظواهرها”.. كما قرر ذلك الشوكاني وأكده في (التحف في مذاهب السلف)، فقال ص 9 وما تلاها وبعد أن فصَّل القول وساق المذاهب في ذلك:
“الحق الذي لا شك فيه ولا شبهة، هو: ما كان عليه خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، وقد كانوا ? رحمهم الله وأرشدنا إلى الاقتداء بهم والاهتداء بهديهم ? يُمِرُّون أدلة الصفات على ظاهرها لا يتكلفون علم ما لا يعلمون، ولا يتأولون، وهذا المعلوم من أقوالهم وأفعالهم والمتقرر في مذهبهم، لا يُشك فيه ولا ينكره منكر ولا يجادل فيه مجادل، وإذا نزع نازع أو نجم في عصرهم ناجم، أوضحوا للناس أمره وبيَّنوا لهم أنه على ضلالة، وصرحوا بذلك في المجامع والمحافل، وحذروا الناس من بدعته.. وبينوا لهم أنه على خلاف ما عليه أهل الإسلام”.. يقول: “وسائرُ المبتدعين في الصفات القائلون بأقوال تخالف ما عليه السواد الأعظم من الصحابة والتابعين وتابعيهم في خبايا وزوايا، لا يتصل بهم إلا مغرور ولا ينخدع بزخارف أقوالهم إلا مخدوع.. ولما كان سبحانه قد تكفل بإظهار دينه على الدين كله، وبحفظه عن التحريف والتغيير والتبديل، أوجد من علماء الكتاب والسنة في كل عصر من العصور من يبين للناس دينهم وينكر على أهل البدع بدعهم، فكان لهم ولله الحمد المقامات المحمودة والمواقف المشهودة في نصر الدين وهتك المبتدعين”.. ومن كلامه رحمه الله: “ليس مقصودنا هاهنا إلا إرشاد السائل إلى أن المذهب الحق في الصفات، هو: إمرارها علي ظاهرها من دون تأويل ولا تحريف ولا تكلف ولا تعسف ولا جبر ولا تشبيه ولا تعطيل، وأن ذلك هو مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم”.
على أن استعمال عبارة: (أن المراد من الصفات غير الظاهر المتعارف عليه بين الخلق) والتي استخدمها البنا ? رحمه الله ? هي وإن ساغت، إلا أنها ملبسة والأمر فيها ? إضافة لما سبق ذكره وعلى حد ما ذكر ابن تيمية في المجموع 6/ 358 ?: أن “من قال أن الظاهر غير مراد، بمعنى: أن صفات المخلوقين غير مراده، قلنا له: أصبت في المعنى لكن أخطأت اللفظ وأوهمت البدعة، وجعلت للجهمية طريقاً إلى غرضهم وكان يمكنك أن تقول: (تمر كما جاءت على ظاهرها مع العلم بأن صفات الله ليست كصفات المخلوقين، وأنه منزه مقدس عن كل ما يلزم منه حدوثه أو نقصه)”.. ولأجل كونها ملبسة عظمت البلية وكانت الطامة الكبرى، فقد “زعم كثير من النظار أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها غير لائقة بالله، لأن ظواهرها المتبادرة منها تشبيه صفات الله بصفات خلقه.. وهذه الدعوى الباطلة ? يقول الشنقيطي في الأضواء ? من أعظم الافتراء على آيات الله تعالى وأحاديث رسوله ، والواقع في نفس الأمر: أن ظواهر آيات الصفات وأحاديثها المتبادرة منها لكل مسلم راجَعَ عقله، هي: مخالفة صفات الله لصفات خلقه”.
أما عن قول الأستاذ البنا بعد ذلك: “وهو تأويل في الجملة”، فهو قول ساقط إذ إن السلف لم يلجأ كما قلنا إلى ما لجأ إليه الخلف من التأويل المذموم، بل إن بينهم وبين الخلف في ذلك بُعد المشرقين كما أفضنا القول في ذلك.. كما سقط قوله بعد: “واتفقا كذلك على أن كل تأويل يصطدم بالأصول الشرعية، غير جائز”، إذ من المعلوم أن التأويل في الأسماء والصفات فيه تلاعب بكتاب الله، ومن ثم كان مصطدماً بطبيعة الحال مع النصوص والأصول الشريعة، فقد تقرر أن موقف السلف بالنسبة للتأويل في الأسماء والصفات هو الرفض التام، فكيف يا ترى حدث الاتفاق بينهما؟!، ومتى؟!.
وإذا كان السلف يرون أن التأويل في الأسماء والصفات غير جائز، والخلف يغرقون أنفسهم في التأويل على نحو ما صرح به البنا نفسه ص 327 من أنهم “أخذوا يؤولون الوجه بالذات واليد بالقدرة وما إلى ذلك، هربا من شبهة التشبيه”.. فأين إذا هذا الاتفاق المزعوم؟!.. وأما عن قوله رحمه الله: “فانحصر الخلاف في تأويل الصفات بما يجوز شرعاً”، فهو مترتب على سابقه، فالخلاف لم ينحصر في تأويل الألفاظ بما يجيزه الشرع، لأن الشرع لم يجز أصلاً التأويل الذي أجازه الخلف في الصفات على الإطلاق.. وقد رد شيخ الإسلام في الحموية ص 64 على القائلين بهذا الرأي المتزعمين له بالهوى قائلاً: “رأيت هذا المعنى ينتحله بعض من يحكيه عن السلف، ويقولون إن طريقة أهل التأويل هي في الحقيقة طريقة السلف، بمعنى أن الفريقين اتفقوا على أن هذه الآيات والأحاديث لم تدل على صفات الله، ولكن السلف سكتوا عن تأويلها، والمتأخرون رأوا المصلحة في تأويلها، لمسيس الحاجة إلى ذلك.. ويقولون: الفرق أن هؤلاء يعيِّنون المراد بالتأويل، وأولئك ? السلف ? لا يعينون لجواز أن يراد غيره”، وهو في معنى ما ذكره البنا تماماً، وعلى مثل هذا يرُد ابن تيمية قائلاً: إن “هذا القول على الإطلاق كذب صريح على السلف، فإن من تأمل كلام السلف المنقول عنهم.. علم بالاضطرار أن القوم كانوا مصرحين بأن الله فوق العرش حقيقة وأنهم ما اعتقدوا خلاف هذا قط، وكثير منهم صرح في كثير من الصفات بمثل ذلك”.
وقد زاد الأمرَ تجلية وإيضاحاً الشيخُ عبد الرحمن الوكيل في كتابه القيم (الصفات الإلهية بين السلف والخلف) ص 118، فنبه إلى ذلك بقوله: “يزعم بعض الناس أن دين السلف في الأسماء والصفات هو إقرار ألفاظها على ما جاءت به مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد، ثم يزعم هؤلاء بعد ذلك أن دين السلف هو إذاً دين الخلف، فالفريقان متفقان ? هكذا يزعمون ? على أن هذه الآيات والأحاديث لا تدل على صفات الله سبحانه، فلا خلاف إذاً بين الفريقين إلا في أن السلف أمسكوا عن التأويل مخافة أن يكون المراد معنى آخر، وأما الخلف فرأوا المصلحة في تأويلها وتعيين المراد منها”.. كذا بما يعني أن مبدأ اعتقاد أن (ظاهر الصفات غير مراد) موجود عند كل منهما، وقد انفرد السلف عند هؤلاء بمبدأ التفويض، والخلف بمبدأ التأويل وإخراجها إلى المجاز وهو بعينه ما قاله البنا ومن لف لفه ودافع عنه وسار على هداه، وعليهم جميعا يرد الشيخ الوكيل فيقول: “وهذا التصوير لمذهب السلف مخالف للحقيقة، وقد نتج إما عن سوء فهم وإما عن سوء نية وكذب”.
ويحق لنا هنا أن نتساءل: هل ما سقناه هنا للخلف على لسان البنا، هو بعينه ما قصده السلف من أن (المراد من الصفات: غير ظاهرها المتعارف عليه بين الخلق) حتى يجمع بينهما الأستاذ البنا؟، وهل لجأ أحد من السلف لمثل ما سطره الرازي فيما سبق أن نقله عنه البنا، حتى يهون البنا من شأن الخلاف بينهما؟، وهل تم بذلك، الاتفاق فعلاً بين السلف والخلف في هذه الجزئية الخطيرة من عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه الصفات على نحو ما ادعى الأستاذ البنا أيضاً؟!، اللهم لا.. إنما بينهما من الفهم، البون الشاسع والفارق الكبير، وعلى ذلك فقول الإمام البنا بالاتفاق بينهما في ذلك إدعاء باطل، وإنما الذي أوقعه ? رحمه الله ? في هذا الغموض والتناقض والإلباس محاولاته الغير موفقة للجمع بين ما هدى الله إليه السلف، وما ضل بسببه الخلف، كما أوقعه كذلك استخدامه لعبارة: (المتعارف عليه بين الخلق)، التي ناقض الخلف فيها أنفسهم وهي في نفس الوقت دخيلة ? ومثلها عبارة: (غير الظاهر) ? على الرعيل الأول من سلف الأمة وتابعيهم.. ذلك أن “قصد المتكلم من المخاطب حمْل كلامه على خلاف ظاهره وحقيقته، ينافي قصد البيان والإرشاد الذي أفاده قوله تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين)، وقوله: (والله يقول الحق وهو يهدي السبيل)، وأن تركه بدون ذلك الخطاب، خير له وأقرب إلى الهدى”.
كما أن من لوازم القول بذلك: “أن يكون الله سبحانه قد أنزل في كتابه، وسنة نبيه من هذه الألفاظ، ما يضلهم ظاهره ويوقعهم في التشبيه والتمثيل، ومنها: أن يكون قد ترك بيان الحق والصواب ولم يفصح به بل رمز إليه رمزاً وألغزه ألغازاً.. ومنها: أن يكون تعالى قد كلف عباده ألا يفهموا من تلك الألفاظ حقائقها وظواهرها، وكلفهم أن يفهموا منها ما لا تدل عليه، ولم يجعل معها قرينة تُفهم ذلك.. ومنها: أن يكون أفضل الأمة وخير القرون قد أمسكوا من أولهم إلى آخرهم عن قول الحق في هذا النبأ العظيم الذي هو من أهم أصول الإيمان.. وذلك إما جهل ينافي العلم، وإما كتمان ينافي البيان، ولقد أساء الظن بخيار الأمة من نسبهم إلى ذلك.. ومنها: أنهم التزموا لذلك تجهيل السلف، وأنهم كانوا أميين مقبلين على الزهد والعبادة والورع والتسبيح وقيام الليل، ولم تكن الحقائق من شأنهم.. ومنها: أن ترك الناس من إنزال هذه النصوص، كان أنفع لهم وأقرب إلى الصواب، فإنهم ما استفادوا بنزولها غير التعرض للضلال، ولم يستفيدوا منها يقيناً ولا علماً لما يجب لله ويمتنع عنه، ومعلوم أن كل هذه لوازم باطلة.. ومما يبين بطلانه: أن الله وصف كتابه بأوضح البيان وأحسن التفسير فقال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين).. فأين بيان المختلف فيه والهدى والرحمة في ألفاظ ظاهرها باطل”، وقد أفاض في الحديث عن ذلك بالتفصيل ابن القيم في مختصر الصواعق ص 38، 40: 93.
كما تكلم في الصواعق أيضاً عن المجاز في الصفات وإخراجها عن ظاهرها فيما يقرب من اثنتين وثمانين ومائتي صفحة استطاع فيها بحمد الله أن يكسر طاغوت المجاز من خمسين وجهاً، ثم راح يبطل دعوى المجاز في قوله تعالى: (وجاء ربك)، فرد مجازه من عشرة أوجه، تصلح كلها أن تكون جواباً لما نسبه الأستاذ سعيد حوى للإمام أحمد زوراً وبهتاناً.. وأبطله في قوله: (استوى على العرش) من اثنتين وأربعين وجهاً في اثنتين وعشرين صفحة.. ثم في صفة (اليد) من عشرين وجهاً.. ثم صفة (الوجه) من ستة وعشرين وجهاً.. ثم صفة (الفوقية) من سبعة عشر وجهاً.. و(النزول) من أربعة عشر وجهاً.. و(المعية) من أربعة وجوه.. وهكذا.. والحقيقة أن الكتاب كله، رد على المتأولة والمعطلة، بل هو عمدة في هذا الباب ومطالعته من الأهمية بمكان.
ونخلص من كل ما ذكرنا هنا، إلى أن البنا أخطأ في هذه المسألة عدة مرات، مرة حين استعمل ص 331من مجموعة الرسائل عبارة: “أن المراد من الصفات غير الظاهر المتعارف عليه بين الخلق”.. ومرة أخري حين اتهم السلف بهذه العبارة وجمع بينهم فيها وبين الخلف قائلاً: “إن السلف والخلف قد اتفقا علي أن المراد من الصفات غير الظاهر المتعارف عليه بين الخلق”، على الرغم من أن أحداً من السلف لم يتلفظ بها قط، فهي كلمة محدثة لم ترد عن أحد منهم حتى نصمهم بها.. وبحقها يقول الحافظ الذهبي في العلو ص 183: “المتأخرون من أهل النظر قالوا مقالة مولَّدة ما علمت أحداً سبقهم بها، قالوا: (هذه الصفات تمر كما جاءت ولا تؤول مع اعتقاد أن ظاهرها غير مراد)”
كما أخطأ البنا مرة ثالثة حين قال ص 330: بأن “كلاً منهما ? السلف والخلف ? يقطع بأن المراد بألفاظ هذه النصوص في حق الله، غيرُ ظواهرها التي وُضعت لها هذه الألفاظ في حق المخلوقات، وذلك مترتب علي اتفاقهما علي نفي التشبيه”، وذلك لأن السلف لم يمنعهم نفي التشبيه عن إثبات صفات الله علي النحو اللائق به سبحانه، في حين أن الخلف لما توهموا التشبيه أدَّاهم ذلك إلي نفي الصفات وتعطيل حقائقها، وراحوا يؤولونها بعد أن أخرجوها عن ظواهرها.. كما أخطأ أيضاً وللمرة الرابعة حين قال بنفس الصفحة: بأن “كلاً من الفريقين ? السلف والخلف ? يعلم أن الألفاظ توضع للتعبير عما يجول في النفوس أو يقع تحت الحواس مما يتعلق بأصحاب اللغة وواضعيها، وأن اللغات مهما اتسعت لا تحيط بما ليس لأهلها بحقائقه علم، وحقائق ما يتعلق بذات الله تبارك وتعالي من هذا القبيل، وأن اللغة أقصر من أن تواتينا بالألفاظ التي تدل علي هذه الحقائق، وأن التحكم في تحديد المعاني بهذه الألفاظ تغرير”.
فإن هذه الدعاوي فضلاً عن أنها دعاوى ضمنية لاتهام السلف مرة أخري بالتفويض في الصفات والعجز عن تحديد معانيها، وهو ما لم يقولوا به، فإن الزعم بان التحكم في تحديد المعاني بهذه الألفاظ تغرير، يستلزم القول بوجوب إخراج الكلام عن ظاهره، وذلك أيضاً لم يقولوا به فضلاً عن أنه يتنافي مع قول الله سبحانه: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء).. ولقد صرح الناس قديماً وحديثاً بأن الله لا يجوز أن يَتكلم بشيء ويعني به خلاف ظاهره.. “قال صاحب المحصل: لا يجوز أن يعني الله سبحانه بكلامه خلاف ظاهره”.. ثم أجاب عن شبه المنازعين بأن “لو صح ما ذكرتموه لم يبق لنا اعتماد علي شيء من أخبار الله تعالي، لأنه ما من خبر إلا ويحتمل أن يكون المراد به غير ظاهره وحقيقته، وذلك ينفي الوثوق” ويُثبتُ التغرير، وليس العكس علي نحو ما زعمه الإمام البنا رحمه الله.. وقد نبه إلى خطورة وخطأ ما جنح إليه البنا صراحة د. عمر الأشقر، حيث قال في كتابه العقيدة في الله ص 201: “حاول بعض المعاصرين كالشيخ حسن البنا وحسن أيوب وغيرهما أن يهونوا من خطيئة هؤلاء الذين عُرفوا باسم الخلف، وأن يقربوا بين وجهة نظر السلف والخلف التي يجب أن تظهر وتُدرك، إن مذهب الخلف الزاعمين أن ظاهر الصفات غير مراد، المؤولين لها.. مذهب بعيد عن الصواب، ولا لقاء بينه وبين مذهب السلف، ولا يشفع لهم حسن نيتهم، فحسن النية لا يجعل الباطل حقاً”.. وأزيد على ذلك فأقول: إن مما يدل على إثبات السلف للصفات، وأنهم ليسوا على وفاق مع أولئك المتأولين، أن المتأولة كانوا خصوماً للسلف وكانوا يرمونهم بالتشبيه والتجسيم لإثباتهم الصفات، ولو كان السلف يوافقونهم في عدم دلالة النصوص على صفات الله، لما جعلوهم خصوماً لهم يرمونهم بالتشبيه والتجسيم ? المفضي إلى الكفر ? وهذا ظاهر ولله الحمد.
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (الحلقة7) قبل الأخيرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
ففي خطئه في نسبة التأويل للإمام أحمد: يقول البنا رحمه الله في مجموعة الرسائل ص 330: “وقد لجأ أشد الناس تمسكا برأي السلف إلى التأويل في عدة مواطن، وهو الإمام أحمد بن حنبل، من ذلك تأويله لحديث (الحجر الأسود يمين الله في أرضه)، وقوله : (قلب المؤمن بين إصبعين من أصابع الرحمن)، وقوله : (إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمن).. إلخ”.
وهذه حكاية أبي حامد الغزالي عن بعض الحنبلية وهي مكذوبة على الإمام أحمد، وفي شأنها يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى 5/ 398: “هذه الحكاية كذب على أحمد لم ينقلها أحد عنه بإسناد ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه، وهذا الحنبلي الذي ذكر عنه أبو حامد مجهول، لا يُعرف لا علمه بما قال ولا صدقه فيما قال”.
كما جاءت مثل هذه الحكاية المنسوبة إلى أحمد في كلام البيهقي في كتابه (الاعتقاد) زاعماً هو وغيره، بأن الإمام أحمد تأول بعض آيات الصفات.. والجواب عن ذلك أن “ما وقع في كلام البيهقي في كتاب (الاعتقاد) من هذه الأمور.. هو مما دُخل عليه من كلام المتكلمين وتكلفِهم، فراج عليه واعتقُد صحته، والحق أنه من كلام أهل البدع لا من كلام أهل السنة”.. بل ورد عن أحمد ? رحمه الله ? قوله: “لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله لا يتجاوز القران والحديث”أ.هـ من كتاب تنبيهات على ما كتبه الصابوني ص 23.
ولا دلالة لما ثبت عن الإمام أحمد سوى إثباته آيات الصفات وإمرارها كما جاءت وعلى الوجه اللائق به سبحانه من غير تحريف ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تأويل.. ويبدو أن ما أشيع عنه بخلاف ذلك قد جاء على لسان بعض تلامذته أو من كان قريبا منه ونسب إليه خطأ على ما أفاده الحافظ ابن رجب الحنبلي في كتابه (فضل علم السلف على الخلف) ص 19، 20، حيث قال:
“والصواب أن ما عليه السلف الصالح: إمرار آيات الصفات وأحاديثها كما جاءت، من غير تكييف ولا تمثيل، ولا يصح عن أحد منهم خلاف ذلك البتة خصوصاً الإمام أحمد ولا خوَّض في معانيها ولا ضرب مثلاً من الأمثال لها، وإن كان بعض من كان قريباً من زمن الإمام أحمد فيهم من فعل شيئاً من ذلك إتباعاً لطريقة مقاتل ? ابن سليمان الذي كان يسرف في الإثبات والتجسيم ? فلا يُقتدي به في ذلك، إنما الاقتداء بأئمة الإسلام كابن المبارك ومالك والثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيدة ونحوهم، وكل هؤلاء لا يوجد في كلامهم شيء من جنس كلام المتكلمين فضلا عن كلام الفلاسفة”.. ولا ينكر ابن تيمية في المجموع 3/ 185أنه انتَسب إلى أحمد ناس من الحشوية المشبهة.. كما أن أصناف الأكراد كلهم شافعية وفيهم من التشبيه والتجسيم مالا يوجد في الحنبلية، وكذلك الكرَّامية المجسمة كلهم حنفية.
هذا فيما يتعلق بسند روايات التأويل المنسوبة إلى أحمد، أما عن الأحاديث نفسها وعن نسبة التأويل إليه فيها، فيرِدُ عليه: إن الحديث الأول: (الحجر الأسود يمين الله في أرضه)، حديث باطل لم يثبت عن النبي : “قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (حديث لا يصح)، وقال ابن العربي: (هذا حديث باطل فلا يلتفت إليه)” كذا في الضعيفة للألباني حديث (223)، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع 6/ 387: إنه “روي عن النبي بإسناد لا يثبت”.. وعلى هذا فلا حاجة للخوض في معناه، كما ذكر صاحب (تنبيهات على ما كتبه الصابوني) ص 31 عن هذا الحديث: “إنه حديث ضعيف، والصواب وقفه على ابن عباس”.. بل إن الشيخ الألباني يعلق على رواية الوقف هذه قائلا: “الوقف أشبه وإن كان في سنده ضعيف، فإن إبراهيم ? بن يزيد صاحب الرواية ? متروك كما قال أحمد والنسائي”.. ومما قيل بحق إسناده أيضاً، ما ذكره الهيثمي، قال: هذا الحديث “فيه قال عبد الله بن المؤمل: وثقه ابن حبان وقال: يخطئ وفيه كلام، كما أن لابن المؤمل هذا ترجمة في الميزان 2/ 510، وقد ضعفه يحيى بن معين والنسائي والدارقطني، وقال أحمد: (أحاديثه مناكير)، وقال ابن حبان في الضعفاء 1/ 27: (لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد)”، وقال الحافظ في التقريب 1/ 454: “ضعيف حديث”، كما أخرج الحديث أيضا الخطيب من طريق إسحاق بن بشر الكاهلي عن جابر مرفوعاً وقال عنه: “(يروى عن مالك وغيره من الرفعاء أحاديث منكرة)، ثم ساق له هذا الحديث، ثم روى تكذيبه عن أبي بكر بن أبي شيبة وقد كذبه أيضاً موسى بن هارون وأبو زرعة، وقال ابن عدي عقب الحديث: (هذا في عداد من يضع الحديث)، وكذا قال الدارقطني كما في الميزان” [ينظر مجموع الفتاوى 6/ 328].
هذا وقد عاب الألباني في الضعيفة 223 على الحافظ ابن رجب الحنبلي سكوته عن هذا الحديث وتأويله له بقوله: (إن المراد بيمينه أنه محل الإسلام والتقبيل)، ثم عقب الألباني على ذلك قائلاً: “وكان يغنيه عن ذلك كله، التنبيه على ضعف الحديث وأنه لا داعي لتفسيره أو تأويله، لأن التفسير فرع التصحيح كما لا يخفى”، كما أن أول الحديث وآخره يبين أن الحجر ليس من صفات الله كما هو معلوم عند كل عاقل، فكيف يتهم الإمام أحمد بأنه يؤول الصفات على نحو ما ذهب إليه الإمام البنا وغيره؟!، وأنى له رغم عدم صحة الحديث والرواية معاً، أن يعلق عليه بقوله: “قال العراقي: رواه الحاكم وصححه من حديث عبد الله بن عمر” وأن يتجاهل عن عمد ما قاله الغزالي بحق أحمد في نفس السياق، من عبارة تحمل معنى التضعيف لما سُمع عنه في هذا الصدد، ومن أنه رحمه الله “منع من التأويل حسماً للباب ورعاية لصلاح الخلق، فإنه إذا فتح الباب اتسع الخرق وخرج الأمر عن الضبط وجاوز حد الاقتصاد”؟!، يقول الغزالي في الإحياء1/ 179: “ويشهد له سيرة السلف، فإنهم كانوا يقولون: (أمروها كما جاءت)، حتى قال مالك لما سئل عن الاستواء: (الاستواء معلوم والكيفية مجهولة)”.
وكذلك الحديثان الآخران لم يثبت عن الإمام أحمد أنه أوَّل أيا منهما.. على أن هذه التهمة وهي: نسبة التأويل للإمام أحمد لم تقتصر عليه هو فقط، بل إن كثيراً من “الخائضين في آيات الله بالباطل.. يَنسب إلى أئمة المسلمين ما لم يقولوه، فينسبون إلى الشافعي.. ومالك وأبي حنيفة الاعتقادات الباطلة مما لم يقولوه، (مثال ذلك ما ذكره أبو حاتم الرازي في كتاب الزينة، إذ يشير في معرض حديثه عن المشبهة إلى المالكية أصحاب مالك والشافعية أصحاب الشافعي)، ويقولون لمن اتبعهم، هذا الذي يقوله: اعتقاد الإمام الفلاني، فإذا طولبوا بالنقل الصحيح عن الأئمة تبين كذبهم في ذلك.. ومنهم من إذا طولب بتحقيق نقله يقول: هذا القول قاله العلماء والإمام الفلاني لا يخالف العقلاء، ويكون العقلاء طائفة من أهل الكلام الذين ذمهم الأئمة أنفسهم” أ.هـ من قطف الثمر ص 46.. والسؤال الذي يفرض نفسه: أليس من يصنع صنيعهم فينسب إلى أحمد ما لم يقله يكون قد شاركهم في هذا؟.
إن مما نقل عن أحمد من نحو قوله: (ما ارتدى أحد بالكلام فافلح)، وقوله: (علماء الكلام زنادقة) ليؤكد أن مذهبه هو عينه مذهب أئمة السنة وفقهاء المذاهب وأن ما نسب إليه بخلاف ذلك كذب محض.. وتلك هي بعض نصوصه التي تبرئ ساحته من شبهة التأويل والتعطيل للصفات، فقد صح عن علي بن الحسن بن شقيق قال: قلت لعبد الله بن المبارك: كيف تعرف ربك؟، قال في السماء السابعة على عرشه.. فقيل هذا لأحمد بن حنبل فقال: (هكذا هو عندنا).. وقال في أحاديث الاستواء: (نسلم بهده الأحاديث كما جاءت، ولا نقول كيف كذا؟، ولا لم كذا؟).. وقال: “(ليس كمثله شيء في ذاته، كما وصف نفسه، قد أجمل الله الصفة فحدَّ لنفسه صفة، ليس يشبهه شيء، وصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه)، قال: (فهو سميع بصير بلا حدٍّ ولا تقدير ولا يبلغ الواصفون صفته ولا نتعدى القران والحديث، بل نقول كما قال ونصفه بما وصف به نفسه ولا نتعدى ذلك، ولا يبلغ صفته الواصفون، نؤمن بالقرآن كله: محكمه ومتشابهه، ولا نزيل عنه صفة من صفاته بشناعة شنعت.. وهو على العرش بلا حدٍّ كيف شاء، المشيئة إليه والاستطاعة إليه، ليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء وهو سميع بصير بلا حدٍّ ولا تقدير، لا نتعدى القرآن والحديث)”، “وسئل: الله فوق السماء السابعة على عرشه؟، قال: (نعم، ولا يخلو شيء من علمه.. وربنا على العرش بلا حد ولا صفة)”.. وبمثل هذا كان كلامه عن سائر صفات الله، ونصوصه كلها تشهد في ذلك بالإثبات دون التعطيل والتأويل.. ويكفينا ما حدَّث به حنبل فقد “قال: سألت أبا عبد الله أحمد عن الأحاديث التي تُروي في أن الله عز وجل ينزل إلى سماء الدنيا، وأن الله يُرى وأن الله يضع قدمه، وما أشبه ذلك، فقال أبو عبد الله: (نؤمن بها ونصدق، ولا كيف ولا معنى، ولا نردُّ منها شيئاً، ونعلم أن ما جاء به الرسول حق.. ولا نرد على الله قوله، ولا نصف الله بأكثر مما وصف به نفسه بلا حد ولا غاية (ليس كمثله شيء)”[ينظر معارج القبول 1/ 120، 248 وما بعدهما ومختصر الصواعق 480].
تلك هي عقيدة الإمام أحمد بن حنبل في الصفات، جاءت كما نرى موافقة لعقيدة سلف الأمة وعقيدة فقهاء المذاهب كالشافعي ومالك وأبي حنيفة.. وحري بمن يسير على مذاهبهم الفقهية أن يتحرى عقيدتهم في توحيد الله من باب أولى، وإلا فهو مخالف لمذاهبهم، وكلهم متفقون على القول بالإثبات دون التأويل، وذلك ما صرح به ابن تيميه في الإكليل ص 30حين قال: “إني ما أعلم عن أحد من سلف الأمة ولا من الأئمة، لا أحمد ولا غيره، أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية ? (وما يعلم تأويله إلا الله) ? ونفي أن يعلم أحد معناه أو جعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا: إن الله ينزل كلاماً لا يَفهم أحد معناه، وإنما قالوا: (كلمات لها معان صحيحة)، وقالوا في أحاديث الصفات: (تمر كما جاءت)، ونهوا عن تأويلات الجهمية وردوها وأبطلوها، التي مضمونها تعطيل النصوص على ما دلت عليه، ونصوص أحمد والأئمة قبله بيِّنة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية منها، ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها، ويفهمون منها بعض ما دلت عليه كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل.. فتأويل هؤلاء المتأخرين عند الأئمة: تحريف باطل.. وكذلك نص أحمد ? في كتاب (الرد على الزنادقة والجهمية) ? على أنهم تمسكوا بمتشابه القرآن، وتكلم أحمد على ذلك المتشابه وبين معناه وتفسيره، بما يخالف تأويل الجهمية، وجرى في ذلك على سنن الأئمة قبله.. فهذا اتفاق من الأئمة على أنهم يعلمون معنى هذا المتشابه، وأنه لا يُسكت عن بيانه وتفسيره بل يُبين ويُفسر باتفاق الأئمة من غير تحريف له عن مواضعه، أو إلحاد في أسماء الله وآياته”.
فهل يجوز لنا أو يليق بنا أن نغتر ? بعد هذا التحقيق ? بقول الإمام البنا الذي قال فيه كما في ص 330: “ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله أسلم وأولى بالإتباع حسما لمادة التأويل والتعطيل، فإن كنت ممن أسعده الله بطمأنينة الإيمان وأثلج صدره ببرد اليقين، فلا تعدل به بديلاً، ونعتقد إلى جانب هذا أن تأويلات الخلف لا توجب الحكم عليهم بكفر ولا فسوق، ولا تستدعي هذا النزاع الطويل بينهم وبين غيرهم قديماً وحديثاً، وصدر الإسلام أوسع من هذا كله، وقد لجأ أشد الناس تمسكا برأي السلف رضوان الله عليهم إلى التأويل في عدة مواطن، وهو الإمام أحمد بن حنبل”، ثم ذكر الأحاديث الثلاثة التي بسطنا القول فيها وفي الرد عليها؟.. اللهم لا.. فلا السلف قالوا بالسكوت والتفويض لمعاني الصفات، ولا الإمام أحمد لجأ إلى التأويل، ولا قائل هذه العبارة التزم برأي السلف ولم يعدل به بديلاً، بل راح يمزج ويقارب بين آراء السلف والخلف، وبينهما من الخلاف بُعد المشرقين.. والحق أن الذي خلق هذا الشقاق والنزاع الطويل حتى هذه الأيام، وأوجد البعد عن طريق السلف في معرفة معاني الصفات وعدم تأويلها هو: ما ذهب إليه البنا وأمثاله من التهوين من شأن هذه الأمور العقدية الخطيرة وأمثالها مما يكون الخلاف فيها اختلاف تضاد، وكذا محاولة الخلط فيها بين فهم السلف الصحيح وبين شطحات الخلف وتكلُّف الجمع بين أراء هؤلاء وأولئك على الرغم من اتساع الخرق بينهما، حتى ضاق صدر الإسلام ذرعا تجاه هذا التخبط واللبس في دين الله وصفاته جل في علاه.
وما ذكرناه هنا، أظنه كافياً للرد علي صاحب كتاب (شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر) ص 89 حين قال: “إن معتقد الإمام البنا في الصفات موافق لمعتقد أهل السنة وسلف الأمة”، وكان عليه أن يتأمل عبارات البنا بشيء من التدقيق والتحقيق العلمي النزيه، لا أن يتبع الهوى ويتعصب للآراء والشبهات.. وكافياً أيضاً في الرد على الأستاذ عمر التلمساني مرشد الإخوان وذلك حين نقل تحت عنوان: (هل للدعاة إلى الله برنامج؟)، نفس آراء البنا وذلك في العدد الخامس لمجلة لواء الإسلام غرة المحرم سنة 1408 هـ، 25 أغسطس سنة 1987 ص 6، 7 وعنوان المقال يوحي أن هذا ما استقر عليه أمر مدرسة الإخوان، بل وما ينبغي أن يستقر عليه أمر الدعاة إلى الله قاطبة، نعوذ بالله أن نكون من الجاهلين.. وكافياً كذلك في الرد على سعيد حوى في الإجابات ص 91 في مشاركته أستاذه البنا في نسبة التأويل للإمام أحمد واتهامه به، وفيه يقول: “ألا تري أن أهل السنة والجماعة لا بد أن يؤوِّلوا، وهذا الإمام أحمد وهو أبعد الناس إلي التأويل نقل عنه ? كما ذكر ابن كثير في البداية والنهاية ? تأويله لقوله تعالي (وجاء ربك)، فقد روي البيهقي عن أبي عمر ابن السماك عن أحمد بن حنبل تأول قول الله تعلي: (وجاء ربك)، أنه: جاء ثوابه”.
والحق أن هذه الرواية التي جاء بها الأستاذ سعيد حوى ليدافع بها عن أستاذه بالحق والباطل.. يشوبها هي الأخرى الريب، ويحيط بها الشك من كل جانب لعدة أسباب أهمها:
1- أن ذلك يتعارض مع مذهب أحمد في هذا، ومع ما صرح به من نصوص تدل كلها على الإثبات بلا تأويل، كما يتناقض مع ما سقناه له وعنه منذ قليل، بل ويتناقض مع كلام الأستاذ سعيد حوى نفسه الذي برأه أولا من ساحة التأويل فقال: “وهو أبعد الناس عن التأويل”، ثم راح بعدُ يتهمه به.. وله في أستاذه البنا الذي ساق العبارة بمعناها سلف ومثل أعلى، إذ كيف يكون الإمام أحمد بنظريهما أبعد الناس عن التأويل ثم يُثبتان له ذلك؟!.
2 – أن هذه الرواية أيضاً والتي ساقها الأستاذ حوى عن طريق البيهقي، ينطبق عليها ما ذكره سماحة الشيخ ابن باز في تنبيهاته ص 23 قائلاً: والجواب عن ذلك: أن “ما وقع من كلام البيهقي في كتابه الاعتقاد من هذه الأمور، هو مما دُخل عليه من كلام المتكلمين وتكلفهم، فراج عليه واعتُقد صحته، والحق أنه من كلام أهل البدع لا من كلا م أهل السنة.. ذلك أن الوارد عن أحمد قوله: (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفة به رسوله لا يتجاوز القرآن والحديث)”، هذا عن رواية السماك في البيهقي، وابن كثير لم يزد على أن نقلها عنه.. ونفسح المجال هنا لابن القيم كي يزيح هو الآخر هذه التهمة ويزيل هذه الظلمة، وليحقق هذه المسألة التي نسب فيها تأويل المجيء إلى الإمام أحمد كذباً وبهتاناً، ونصها كما في رواية حنبل أنه “قال يوم احتجوا على: (يومئذ تجيء البقرة ويجيء تبارك وتعالى)، قلت لهم: هذا الثواب، قال الله تعالى (وجاء ربك والملك صفاً صفاً) إنما يأتي قدرته، وإنما القرآن أمثال ومواعظ وزجر”.. يقول ابن القيم في صواعقه ص 487: “وأما الرواية المنقولة عن الإمام أحمد ? يعني السابق ذكرها ? فاختلف فيها أصحابه على ثلاث طرق: إحداها: أنها غلط عليه، فإن حنبلاً تفرد بها عنه وهو كثير المفاريد المخالفة للمشهور من مذهبه، وإذا تفرد بما يخالف المشهور عنه فالخلال وصاحبه عبد العزيز لا يثبتون ذلك رواية.. والتحقيق أنها رواية شاذة مخالفة لجادة مذهبه”.. ثم أخذ ابن القيم يحقق في هذه الروايات جميعها مرجحاً طريقة الخلال وقائلاً: “وطريقة الخلال وقدماء الأصحاب امتناع التأويل في الكل، وهذه الرواية ? يقصد رواية التأويل ? إما شاذة أو أنه رجع عنها كما هو صريح عنه في أكثر الروايات، وإما أنها إلزام منه ومعارضة لا مذهب”، أي: إلزام لخصومه بما يعتقدونه في نظير ما احتجوا به عليه، ومعلوم أن المعارضة لا تستلزم اعتقاد المعارض صحة ما عارض به.
وهكذا يظهر لنا أن الرواية الثابتة عن أحمد، هي: منع التأويل، وأن ما عداها، إما أنها شاذة وإما أنه رجع عنها وإما أنها إلزام منه ومعارضة، وإما أنها مكذوبة عليه على نحو ما نص عليه أيضاً ابن تيمية في مجموع الفتاوى 5/ 389.
وكلام ابن القيم هنا يعضد ضعف رواية ابن كثير التي ساقها البيهقي وذكرها له الأستاذ سعيد حوى في إجاباته، كما يعضد ضعفها: ما سبق أن نقلناه عن ابن باز في التنبيهات.. فإذا ضممنا إلى هذا، ما سبق بيانه من نصوص صحيحة للإمام أحمد في إمرار الصفات وعدم تأويلها، تأكد لنا عدم صدق أو صحة ما نسب إليه من روايات ادعوها عليه واتهموه من خلالها بالقول بالتأويل بينا هي محض كذب وغلط كما أشار ابن القيم وشيخه.. فأين هذا كله مما اختُلق عليه ? رحمه الله ? وراج عنه قديماً، بل ولا زال يروج عنه هذه الأيام على يد أساتذةٍ يفترض فيهم التدقيق والتحقيق النزيه، وكان أولى بهم أن يبحثوا عن الحق بدلا من أن يبغونها عوجا بدفاعهم عن الباطل وأهله، ووقوعهم في الضلال والإضلال؟؟!!.. والله وحده هو الهادي إلى سواء السبيل.
إطلالة على منهج البنا وجماعة الإخوان في قضية توحيد الصفات (الحلقة8) والأخيرة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
ففيما يخص الحكم على كلٍّ من مذهب الخلف ومذهب السلف، يقول الإمام البنا: “ونحن نعتقد أن رأي السلف من السكوت وتفويض علم هذه المعاني إلى الله تبارك وتعالي أسلم وأولي بالاتباع حسماً لمادة التأويل والتعطيل” مجموعة الرسائل ص 330.
وذلك دون ذكره لكلمة (أعلم وأحكم)، مما يعني أن مقصوده بهما الخلف، وإلا لذكرها، خاصة وأن هذا الشعار متناول علي هذا النحو وكان عليه في هذا الصدد أن يبين أن رأي السلف أسلم وأعلم وأحكم، علي الأقل ليرد علي القائلين بغير ذلك، ولكن أنَّي وهو الذي على نحو ما رأينا يريد قدر جهده أن يقارب بينهما.. وفي رد هذه المقولة ورد من تشبث بها يقول ابن تيمية في نقض المنطق ص 128: “ولا شك أن مثل هذا الشعار يؤدي إلى تفضيل الخلف علي السلف في العلم والبيان والتحقيق والعرفان، ويصف السلف بالنقص في ذلك والتقصير فيه أو الخطأ والجهل، ويؤدي إلى الزعم أيضاً بأن أهل القرون المفضولة في الشريعة أعلم وأفضل من أهل القرون الفاضلة”، وذلك ظاهر البطلان بل والتناقض مع ما جاء في فضل الصحابة في كتاب الله وسنة رسوله من أمثال قول الله تعالي: (والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم)، وقوله عليه السلام: (خير القرون الذي بعثت فيه ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وغير ذلك مما يظهر معه أنهم أفضل مستنداً وأن أدلتهم السمعية والعقلية والعيانية كلها متوافقة، وذلك بالطبع متناوِلٌ لكل من اتبعهم.
ووجه الخطأ فيمن قال أن طريقة السلف أسلم وطريقة الخلف أحكم وأعلم، هو: أنهم كما في الحموية ص6، 7 “أوتوا من حيث ظنوا أن طريقة السلف، هي: مجرد الإيمان بألفاظ القرآن والحديث من غير فقه لذلك ? فجعلوهم ? بمنزلة الأميين الذين قال الله فيهم: (ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني).. وأن طريقة الخلف، هي: استخراج معاني النصوص المصروفة عن حقائقها بأنواع المجازات وغرائب اللغات، فهذا الظن الفاسد أوجب تلك المقالات التي مضمونها نبذ الإسلام وراء الظهر، وقد كذَبوا علي طريقة السلف وضلوا في تصويب طريقة الخلف، فجمعوا بين الجهل بطريقة السلف في الكذب عليهم، وبين الجهل والضلال بتصويب طريقة الخلف، فصار هذا الباطل مركباً من فساد العقل والكفر بالسمع، فإن النفاة إنما اعتمدوا فيه علي أمور عقلية ظنوها بينات وهي شبهات، والسمع حرفوا فيه الكلام عن مواضعه، فلما انبنى أمرهم علي هاتين المقدمتين الكاذبتين، كانت النتيجة استجهال السابقين الأولين واستبلاههم واعتقاد أنهم كانوا قوماً أميين بمنزلة الصالحين من العامة، لم يتبحروا في حقائق العلم بالله ولم يتفطنوا لدقائق العلم الإلهي، وأن الخلف الفضلاء حازوا قصب السبق في هذا كله”، وهذا للأسف ما وقع فيه الشيخ البنا.
وهؤلاء إنما يُرَدُّ عليهم من وجوه:
1-ظهور جهالة قول الخلف وضلاله عند تدبره، بل وجهالة غير الواقف علي نهاية أقدام أئمتهم بما انتهي إليه أمرهم في تراجعهم عن قولهم إلى مذهب السلف، ويقرأ في ذلك كتابنا (سيراً على خطا الأشعري.. أئمة الخلف يتراجعون إلى ما تراجع إليه).
2-أن هؤلاء المتكلمين المخالفين للسلف إذا حُقق عليهم الأمر، لم يوجد عندهم من حقيقة العلم بالله وخالص المعرفة بالله خبر، ولا وقعوا من ذلك علي عين ولا أثر.
3-يستحيل أن يكون أولئك الحياري المنهوكون أعلم بالله وأسمائه وصفاته، وأحكم من باب ذاته وآياته من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان من ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل وأعلام الهدي ومصابيح الدجي الذين بهم قام الكتاب وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب وبه نطقوا، الذين وهبهم الله من العلم والحكم ما برزوا به علي سائر أتباع الأنبياء، وأحاطوا من حقائق المعارف وبواطن الحقائق بما لو جمعت حكمة غيرهم إليها لاستحيا من يطلب المقابلة.. ثم كيف يكون خير قرون الأمة أنقص في العلم والحكمة ? لاسيما العلم بالله وأحكام أسمائه وآياته ? من هؤلاء الأصاغر بالنسبة إليهم؟!، أم كيف يكون أفراخ المتفلسفة وأتباع الهند واليونان وورثة المجوس والمشركين وضلال اليهود والنصارى والصائبين وأشكالهم وأشباههم أعلم بالله من ورثة الأنبياء وأهل القرآن والإيمان؟!.. وقد فصل ابن عثيمين كلام ابن تيمية السالف الذكر، وبرهن علي بيان صحة مذهب السلف وبطلان القول بتفضيل مذهب الخلف في العلم والحكمة علي مذهب السلف، فقال في فتح البرية ص 57: “إن مذهب السلف هو المذهب الصحيح.. من وجهين:
أحدهما: أن مذهب السلف دل عليه الكتاب والسنة، فان من تتبع طريقتهم بعلم وعدل، وجدها مطابقة لما في الكتاب والسنة جملة وتفصيلاً.. ولا ريب أن أقرب الناس إلى فهم آياته وتصديقها والعمل بها، هم السلف، لأنها جاءت بلغتهم وفي عصرهم، فلا جرم أن يكونوا أعلم الناس بها فقهاً وأقومهم عملاً.
الثاني: أن يقال: إن الحق في هذا الباب، إما أن يكون فيما قاله السلف أو فيما قاله الخلف، والثاني باطل، لأنه يلزم عليه أن يكون الله ورسوله والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار قد تكلموا بالباطل ولم يتكلموا مرة واحدة بالحق الذي يجب اعتقاده لا تصريحاً ولا ظاهراً، فيكون وجود الكتاب والسنة ضرراً محضاً في أصل الدين، ويكون ترك الناس بلا كتاب ولا سنة خيراً لهم وأقوم.. وهذا ظاهر البطلان”.. ويواصل ابن عثيمين هنا توضيح عبارة ابن تيمية فيبين أن “منشأ هذا القول أمران:
أحدهما: اعتقاد قائله.. أن الله تعالي ليس له في نفس الأمر صفة حقيقة دلت عليها هذه النصوص.
الثاني: اعتقاده أن طريقة السلف هي الإيمان بمجرد ألفاظ نصوص الصفات من غير إثبات معني لها، فيبقي الأمر دائراً بين أن نؤمن بألفاظ جوفاء لا معني لها، وهذه طريقة السلف علي زعمه، وبين أن نثبت للنصوص معانٍ تخالف ظاهرها الدال علي إثبات الصفات لله، وهذه هي طريقة الخلف.. ولا ريب أن إثبات معاني النصوص أبلغ في العلم والحكمة من إثبات ألفاظ جوفاء ليس لها معني، ومن ثم فَضَّل هذا.. طريقة الخلف في العلم والحكمة علي طريقة السلف.. ومعلوم أنه لا سلامة إلا بالعلم والحكمة، العلم بأسباب السلامة والحكمة في سلوك تلك الأسباب”.
لقد تراجع علماء الخلف، وعلي رأسهم أبو الحسن الأشعري زعيم مذهب الأشاعرة والذي يزعم البعض أن طريقته أعلم وأحكم، عن مذهبه في الصفات، وذلك بعد أن مرَّ بثلاث مراحل في العقيدة: مرحلة الاعتزال، ومرحلة وسط بين الاعتزال المحض والسنة المحضة، والثالثة هي مرحلة اعتناق مذهب أهل السنة والحديث، مقتدياً في الأخيرة بالإمام أحمد بن حنبل علي نحو ما قرر في كتابه: (الإبانة عن أصول الديانة)، وهو من آخر كتبه أو آخرها، بل أثبت العلماء أن هذا الأخير هو رأيه الوحيد، وقد اختُلق عليه غيره، ولم يكن له في المسألة رأيان أصلاً، وقد ذكر الأشعري رأيه الوحيد هذا في عامة كتبه كالموجز والمقالات ورسالة أهل الثغر وغيرها، وأتباع الأشعري أنفسهم يحكون له هذا الرأي دون غيره.. وعلي هذا فتمام تقليد الأشعري هو اتباع ما كان عليه أخيراً والتزام مذهب أهل السنة والحديث، لأنه الصحيح الواجب الأتباع.. ومدح الأئمة له ليس مدحاً لمذهب الأشاعرة وإنما لما استقر عليه أخيراً.. ويا ليت مدعي الانتساب إليه مع مخالفتهم لما جاء في كتابه الإبانة، يقرءون كتابه هذا، ففيه الرد علي مذهب الأشاعرة نفسه ? الذي تعده الكثرة الأعلم والأحكم ? بما يدحض براهينهم ويُبَكتَ حججهم.
هذا، ولقد تحول أيضاً وراءه أئمة الأشعرية وعلي رأسهم الإمام الجويني.. كما صرح أبو حامد الغزالي بتحريم الخوض في علم الكلام.. وأما الرازي ? وهو المعبر عن المذهب الأشعري ? فقد نبه في أواخر عمره إلى ضرورة اتباع منهج السلف، وأعلن أنه أسلم المناهج.. وبكل أسف يترك البنا تراجعه هذا، ويذكر كلاماً له في تأويل الصفات نقلاً عن كتابه: (تأسيس التقديس) المؤيد لمذهب النفاة والذي تراجع عنه بالكلية والذي يُعني الرازي فيه بإقامة البراهين علي استحالة اتصاف الباري بما يستلزم ? من وجهة نظره ? كونه جسماً أو في حيز أو مختصاً بجهة، ويورد كثيراً من الآيات والأحاديث الواردة في تلك الصفات ويأخذ في تأويلها بما يتفق مع نزعته في التنزيه، تلك النزعة التي تََظهر واضحة جلية حتى في خطبة هذا الكتاب، حيث يقول فيها: “فاستواؤه قهره واستيلاؤه، ونزوله بره وعطاؤه، ومجيئه حكمه وقضاؤه، ووجهه وجوده أو جوده وحياؤه.. وعينه حفظه، وعونه اجتباؤه، وضحكه عفوه أو إذنه وارتضاؤه، ويده إنعامه وإكرامه واصطفاؤه”.. ولا يكتفي البنا بكل ذلك حتى يقرب بين هذا الخلط وبين فكر السلف الصالح، ويعد الخلاف بينهما هين.. والسؤال: ألا يُعَدُّ ذلك تجنياً علي سلف الأمة وأعلام الهدي؟!، ولقد هدي الله سبحانه الرازي إلي الحق ونسأله عز جاهه أن يهدي المدافعين عن البنا ? بالحق والباطل.. اللهم آمين.
أمَّتاه.. على الفتن اصبري، وبحبل الله اعتصمي،
وبما كان عليه النبي والصحب ومن تبعهم بإحسان تمسكي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فكم من الأخطاء ارتكبت في الآونة الأخيرة على يد بعض جماعات الإسلام السياسي في حق الإنسانية بهدف السعي لإعادة الخلافة، وكم من الدماء سفكت وكم من القيم انتهكت وكم من الأخلاق ديست وكم من الحماقات اقترفت وكم من الأموال أهدرت لتحقيق ذات الهدف.
ويستوجب ما سبق ذكره، لأن نقرر أن اتباع مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) باسم مصلحة الدعوة لتمرير أو تبرير فعل ما يغضب الله، ضرب من الاحتيال، وأمر لا يعرفه الإسلام بل يمجه وينكره بشدة، ففي صحيح الترغيب (1702) من طريق حذيفة يقول : (اتقوا اللَّه، وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تأخذوه بمعصية الله فإن الله لا يُنال ما عنده إلا بطاعته)، ولفظه من طريق ابن مسعود في الصحيحة (2866): (فإن الله لا يُدرَك ما عنده إلا بطاعته).
ومن هذا المنطلق، ومن منطلق رفع الحرج عن الأمة فيما لا قدرة لها عليه، كانت أمور التكليف كلها مبتناة على الاستطاعة، حتى الصلاة التي هي عمود الدين، ذلك أن من لم يستطع أن يُصلِّها واقفاً فليصلها قاعداً، ومن لم يستطع فمومياً، ومن لم يستطع أن يتوضأ فليتيمم ومن لم يستطيع فليصل وهو فاقد الطهورين.. كذا هي الزكاة لا تجب إلا على من يمتلك النصاب، ولغير المستطيع على الصيام والحج مندوحة في تركهما.. وهكذا ترى كل ما أوجبه علينا ربنا بما في ذلك إقامة الخلافة الراشدة التي يتحتم أن تكون على منهاج النبوة وليس على منهاج أحد من الناس وإن عظم شأنه، لما هو منصوص عليه في قوله عن آخر الزمان فيما رواه أحمد وغيره وصححه الألباني وحسنه الأرناؤوط: (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
وقد استنبط كتَّاب السيرة من عدم تخلي النبي عن الدعوة مقابل ما عُرض عليه في مكة: “أن الشريعة الإسلامية تعبدتنا بالوسائل كما تعبدتنا بالغايات، فليس لك أن تسلك إلى الغاية التي شرعها الله لك، إلا الطريق المعينة التي جعلها الله وسيلة إليها، وفي حدود الوسائل المشروعة فقط، فقد كان من المتصور في باب الحكمة والسياسة الشرعية أن يرضى رسول الله مع كفار قريش بالزعامة أو المُلك، على أن يُجمِع في نفسه اتخاذ المُلك والزعامة وسيلة إلى تحقيق دعوة الإسلام فيما بعد ? بالضبط على نحو ما يفكر فيه شبابنا المتسرع لتحقيق الخلافة المنشودة? خصوصاً وأن للسلطان والمُلك ? وقد عُرضا عليه عرضاً وأتياه على طبق من ذهب ? وازعاً قوياً في النفوس، لكنه لم يرض سلوك مثل هذه السياسة والوسيلة إلى دعوته، لأن ذلك ينافي مبادئ الدعوة نفسها، ولو جاز أن يكون مثل هذا الأسلوب نوعاً من أنواع الحكمة والسياسة الرشيدة، لانمحى الفرق بين الصادق الصريح في صدقه والكاذب الذي يخادع في كذبه، ولتلاقى الصادقون في دعوتهم مع غيرهم على طريق واحدة عريضة.. الأمر الذي يؤكد أن فلسفة هذا الدين تقوم على عماد الشرف والصدق في كل من الوسيلة والغاية، فكما أن الغاية لا يقَّومها إلا الصدق والشرف وكلمة الحق، فكذلك الوسيلة لا ينبغي أن يخُطها إلا مبدأ الصدق والشرف وكلمة الحق”.
نقول هذا، لأن خلافة يسعى شبابنا في التوِّ إلى أقامتها بكل سبيل، يُهجر لأجلها أبواب الدعوة المفتحة أمامهم في أصقاع الأرض، ويُتخلى في سبيل إقامتها عن قيم الرحمة والعدل والصدق والأمانة في نقل صحيح الدين، ويُرتكب في طلبها كل ما هو محرم، ونُزهق في سبيلها أنفساً مؤمنة وجنوداً أوفياء لدينهم ولأوطانهم، وتُدمر بسببها بلداناً ودولاً بأكملها، وتُفكك لتحقيقها جيوشاً هي في الأول والآخر محسوبة على الإسلام، ويُعمد إبان السعي لإقامتها إلى إهلاك الحرث والنسل، ويُعرَّض بسببها أولادنا ومن هو منا حديث عهد بإسلام لكل ألوان الفتن ما ظهر منها وما بطن، ويُستعان لأجل إقامتها بمن نهانا ربنا عن أن نأمنهم على ديننا من اليهود والشيعة ونصارى الغرب.. أقول: إن خلافة يحدث من جرائها كل هذا وتقوم على الكذب والاحتيال والخداع، هي بكل تأكيد ليست على منهاج النبوة، وأمر تحقيقها على أيدينا وإن بدت لنا غاية نبيلة، أمر مشكوك فيه ويستوجب منا التخلي أولاً عن كل ما هو مخالف للشرع، والتحلي بعد ذاك وفي المقابل بكل ما هو محفِّز على جلب النفع ونشر الخير وشيوع الرحمة والعدل والقيم النبيلة لصالح البشرية وفيما بين أفرادها، والإيقان بأن هذا الأمر، ليس الشرط فيه أن يجري على أيدينا، وإلا صُدمنا بما لم يرد الله لنا تحقيقه، وبما لم يشأ لنا أن يقوم على أكتافنا لتقصير أو قصور ربما فطنا له فيما بعد، وما أكثر ما نقصر فيه وما أبشعه وما أشنعه وما أعظمه!، وأكثِر وأبشِع وأشنِع وأعظِم به!!.
وها هو ذا يعدُه ربه بإنفاذ ما وعد أو توعد به، وها هو ذا القرآن يوجهه ويوجهنا لعدم شرط تحقق ووقوع ذلك في حياته وحياتنا، ولما هو مطلوب منه ومنا تحديداً في مثل هذا الحال، فيقول: (أفأنت تُسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين. فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون. أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون. فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم. وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون.. الزخرف/ 40: 44)، ويقول: (وإن ما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإنما عليك البلاغ.. الرعد/ 40).. كذا دون ما أدنى حرج للنبي ومن معه من الصحب الكرام.
إن خلافة أو أستاذية للعالم تقوم ? كما هو الحاصل الآن ? على أشلاء موحدين، وعلى أنقاض دول الإسلام، وعلى ركامٍ من الفتن يكون ضحاياها بالآلاف إن لم يكن بالملايين من السذج والذين لا يهتدون سبيلاً.. هي من دون شك ضرب من العبث بالأمة وبدينها، وهي أستاذية لا تمثل إلا أصحابها ويأباها بكل قوة ديننا الحنيف، القائم على الرحمة والشفقة حتى بأعداء الإسلام الذي شَرع لنا أن ندعوهم بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ومن ثم لا يُمَكن الله لها ولا يتمها لأصحابها ولو أطبقت السماء على الأرض، لأن الله الذي لا يحب الفساد ولا يرضى لعباده الكفر، لا يحب كذلك المفسدين ولا يرضى لعباده الظلم، وقديماً قرر أهل السياسة الشرعية من علماء السنة والحديث، أن الله يُمكِّن للدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا يمكن للدولة الظالمة ولو كانت مسلمة، فكيف بخلافة تشمل أرجاء المعمورة؟؟!!.
إن باب الفتن الذي نعرض أنفسنا وغيرنا له باب خطير، الكفر فيه أقرب للإيمان، والبعد من خلاله عن الالتزام بدين الله أقرب وأيسر الطرق لاجتناب الولوج فيه.. وهو باب ينطق من خلاله الرويبضة، فيترخصون في الدين ويحلون الحرام على نحو ما جرى من إحلال بعضهم الزنا أول مرة بزعم اسمية الجملة في الآية التي نصت على إقامة حده.. وهو صنوان باب الشُّبَه الذي قلما يعلق شيء منه بالقلب فينجو منه صاحبه.
ونستطيع على إثر ما جرى ولا يزال، من أحداث عنف وقتل وتخريب وتدمير وتحريق وإفساد وقعت في الآونة الأخيرة وأصابت مجتمعات المسلمين في مقتل، أن نقول: إن ثمة خللاً لا بد من إصلاحه واعوجاجاً لا بد من تقويمه، ولا يكفي حيال كل ذلك أن يعترض آخرون، حتى من نفس الفصيل؛ كانوا في يوم يشاركون من وقعت منه هذه الموبقات المنهج والفكر، فالأمر أكبر من هذا بكثير، وأعظم من أن يكون مجرد اعتراض على موقف أو تصرف.
وحقُّ وواجبُ هذه المجموعات من الشباب والقادة علينا، وحقنا وواجبنا عليهم، أن نتناصح ونتذاكر بما يَعرف كل منا ويوقن أنه الحق، وأن نقول من ناحيتنا: إن الأمر على هذا النحو لا يستقيم ولا يكفي، ما لم يصحبه مراجعات في المرجعية والمنهج، ومعرفة ما إذا كانت هذه الأفكار والتوجهات المبتناة على السمع والطاعة المطلقة على صواب أم على خطأ، وأيضاً معرفة أن أمور الاتفاق والاختلاف مثلها كمثل الولاء والبراء لا تكون إلا لله ووفق ما شرع الله، وأنها المقدمة الصحيحة للعمل لدين الله على بصيرة حتى ينال من الله القبول ويقع من ثَمَّ محل رضاه سبحانه.
ولكي نصدق في مراجعاتنا، ونقف على معرفة صواب ما نحن فيه من الخطأ، فإن ثمة ضوابط وظواهر وعلامات فطن إليها علماؤنا السابقون، واستطاعوا من خلالها أن يتعرفوا على البدعة والمبتدعين، ليسهل التمييز بينهما وبين السنة وأهلها ممن يستحقون التمكين، ومن أبرز من أشار إلى هذه العلامات: الإمام ابن القيم في أواخر كتابه (مختصر الصواعق) ص 627، فقد قال فيما قال: “إن أهل السنة يتركون أقوال الناس ? يعني: من غير النبي وصحابته ? لها، وأهل البدع يتركونها لأقوال الناس، ومنها: أن أهل السنة يعرضون أقوال الناس عليها، فما وافقها قبلوه وما خالفها طرحوه، وأهل البدع يعرضونها على آراء الرجال فما وافق آراءها منها قبلوه وما خالفها تركوه وتأولوه، ومنها: أن أهل السنة يَدعُون عند التنازع إلى التحاكم إليها دون آراء الرجال وعقولها، وأهل البدع يدعون إلى التحاكم إلى آراء الرجال ومعقولاتها، ومنها: أن أهل السنة إذا صحت لهم السنة يبادرون إلى العمل بها من غير نظر إلى من وافقها أو خالفها، بل يقبلونها ويعاملونها بما كان يعاملها به الصحابة حين يسمعونها من رسول الله فينزلون أنفسهم منزلة من سمعها منه، ومنها: أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول، ومنها: أن أهل السنة إنما ينصرون الحديث الصحيح والآثار السلفية وأهل البدع ينصرون مقالاتهم ومذاهبهم، ومنها: أن أهل السنة إذا ذَكروا السنة وجردوا الدعوة إليها نفرتْ من ذلك قلوب أهل البدع، وأهل البدع إذا ذَكرتَ لهم شيوخهم ومقالاتهم استبشروا بها، ومنها: أن أهل السنة يعرفون الحق ويرحمون الخلق فلهم نصيب وافر من العلم والرحمة، وأهل البدع يكذِّبون الحق ويكفِّرون الخلق فلا علم عندهم ولا رحمة، وإذا قامت عليهم حجة أهل السنة عدلوا إلى حبسهم وعقوبتهم إذا أمكنهم ذلك، على غرار ما جرى لفرعون فإنه لما قامت عليه حجة موسى قال: (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين.. الشعراء/ 29)، ومنها: أن أهل السنة إنما يوالون ويعادون على سنة نبيهم وأهل البدعة يوالون ويعادون على أقوال ابتدعوها، ومنها: ? وهذا من الأهمية بمكان ? أن أهل السنة لم يؤصلوا أصولاً حكموها وحاكموا خصومهم إليها، وحكموا على من خالفها بالفسق والتكفير بل عندهم الأصول: كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة”.. إلى آخر ما ذكره رحمه الله مما يعد مقياساً دقيقاً نستطيع أن نُميز به صحة الأعمال وفاعليها، عن رديئها وفساد معتنقيها.
وإنما خُص الصحابة هنا ? بعد الله ورسوله ? بالذكر، لأخذ أمور الدين منهم دون سواهم، لكونهم المرجع، ولأنهم الأقدر على فهم صحيح الدين واستنباط أحكامه، والمرضي عنهم في قوله تعالى: (رضي الله عنهم ورضوا عنه.. التوبة/ 100، المجادلة/ 22)، والمشهود لهم بالخيرية والسبق في قوله : (خير القرون، الذي بعثت فيه.. ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)، ولكونهم الذين أمنت عليهم الفتنة ولم يفسدوا دينهم بدنياهم ولا بدنيا غيرهم، ولم تتغير الحنيفية السمحة على أيديهم.. ومن ثم كانت التوصية باتِّباعهم وبالتمسك بأهدابهم.. يقول عبد الله بن عباس: (عليك بالاستقامة، واتبع الأمر الأول ولا تبتدع)، وفي أثر لحذيفة: (خذوا طريق من قبلكم، فوالله لئن سبقتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً وإن تركتموه يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً)، وفي آخر لعليٌّ بن أبي طالب: (إياكم والاستنان بالرجال، فإن كنتم مستنين لا محالة فعليكم بالأموات)، ومن أقوال ابن مسعود في هذا: (لا تقلدوا دينكم الرجال، فإن أبيتم فبالأموات لا بالأحياء)، (من كان مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة)، (إنكم أصبحتم على الفطرة، وإنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالهَدي الأول)، (من كان متأسياً فليتأس بأصحاب رسول الله فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علوماً وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوهم في آثارهم)، وفي رواية مماثلة للحسن البصري: (فتشبهوا بأخلاقهم وطرائقهم، فإنهم ورب الكعبة على الهدى المستقيم).. ويقول نعيم بن حماد: (إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد، وإن كنت وحدك.. فإنها الجماعة حينئذ)، ويقول الأوزاعي: (اصبر نفسك علي السنة وقف حيث وقف القوم، وقل بما قالوا وكف عما كفوا عنه، واسلك سبيل سلفك الصالح، فإنه يسعك ما وسعهم)، ويقول: (عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس، وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوه لك بالقول)، ويقول ابن عمر: (أيها الناس: إنكم ستحدثون ويحدث لكم، فإذا رأيتم محدثة فعليكم بالأمر الأول).
ما يعني أن الجماعة المحقة المرشحة للاستخلاف، لا بديل لديها من السير علي منهاج النبوة ولا شيء سواه، وأن يكون فهمها لقضايا العقيدة والإسلام بشموله على ضوء الكتاب والسنة والإجماع، ومنهجها في نشر الدعوة هو منهج السلف الصالح والرعيل الأول، لأن هذا المنهج هو بحق: الصحيح القادر علي إعادة الخلافة في الأرض التي يظن البعض أنها من بنات أفكاره.. وحسبنا منه الآن قول النبي عليه السلام فيما يعد تلخيصاً أميناً للمشهد: (نحن لا نعطي هذا الأمر من طلبه وحرص عليه)، وقوله لمن أطاع أميره في معصية أو شبهة: (لو دخلوها ? أي النار التي طلب أميرهم أن يلجوها ? ما خرجوا منها، إنما الطاعة في المعروف).
ويجرنا ما سبق إلى الكلام عن الحديث عمن ركبوا رءوسهم وأبوا أن يأخذوا دينهم من منابعه الأصلية والأصيلة، فراحوا يتخذونه ممن نهى سلف الأمة عن الأخذ عنهم ممن لم تُؤمن عليهم الفتنه، ولم يكفِهم هذا حتى طفقوا يوالون عليه ويعادون عليه، فبدا واضحاً أنهم لا يريدون إخضاع العالم كله لوحي معصوم متمثلٍ في الكتاب والسنة والفهم الصحيح، وإنما يريدون إخضاعه لفكر بشري يشوبه الخطأ والصواب.
وممن نبه لهذا وبيَّن خطورته: شيخ الإسلام ابن تيمية، وكان مما قاله في درء تعارض العقل والنقل 1/ 272: “ليس لأحد أن يُنَصِّب للأمة شخصاً يدعو إلى طريقته، ويوالي عليها ويعادي غير النبي وما اجتمعت عليه الأمة، بل هذا من فعل أهل البدع الذين ينصبون لهم شخصاً أو كلاماً يفرقون به بين الأمة، يوالون علي ذلك الكلام أو تلك النسبة ويعادون”.. وقال في مجموع الفتاوى 20/ 8، 9: “لا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله ولا لقول إلا لكتاب الله، ومن نصَّب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً)، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل اتِّباع الأئمة والمشايخ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم”.. إلى أن قال:
“لا يخلو أمر الداعي من أمرين، أن يكون مجتهداً أو مقلداً، فالمجتهد ينظر في تصانيف المتقدمين من القرون الثلاثة ثم يرجح ما ينبغي ترجيحه.. والمقلد يقلد السلف إذ القرون المتقدمة أفضل مما بعدها، فإذا تبين هذا فنقول كما أمرنا ربنا: (فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق)، ونأمر بما أمرنا الله به ونَنهى عما نهانا عنه في نص كتابه وعلى لسان رسوله كما قال تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا).. فمبنى أحكام هذا الدين ثلاثة أقسام: الكتاب والسنة والإجماع”.
ومن كلامه في المجموع أيضاً 3/ 347: “فمن جعل شخصاً من الأشخاص ? غير رسول الله ? من أحبه ووافقه كان ? برأيه ? من أهل السنة والجماعة، ومن خالفه كان من أهل البدعة والفرقة كما يوجد ذلك في الطوائف من أتباع أئمة في الكلام في الدين وغير ذلك، كان من أهل البدع والضلال والتفرق”.. وقال في المجموع 11/ 512: “ليس لأحد أن ينتسب إلي شيخ يوالى على متابعته ويعادي على ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان ومن عُرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم ولا يخص أحداً بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه، فيقدم من قدم الله ورسوله عليه ويفضل من فضله الله ورسوله”.. وقال في موضع آخر 18/ 320: “وحب الغلاة لشيوخهم وأئمتهم مثل من يوالى شيخاً أو إماماً وينفِّر عن نظيره وهما متقاربان أو متساويان في الرتبة، فهذا من جنس أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض، وحال الرافضة الذين يوالون بعض الصحابة ويعادون بعضهم، وحال أهل العصبية من المنتسبين إلى فقه وزهد الذين يوالون الشيوخ والأئمة دون البعض، وإنما المؤمن من يوالي جميع أهل الإيمان”أ.هـ.. ومما قاله تلميذه ابن القيم في زاد المعاد 2/ 428:” التعصب للمذاهب والطرائق والمشايخ وتفضيل بعضها على بعض بالهوى والعصبية وكونه منتسباً إليه؛ فيدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي عليه ويزن الناس به، كل هذا من دعوى الجاهلية”.
تلك هي ضوابط أهل الحق، وما أحوج الجميع لأن يضعها في الاعتبار، وبخاصة أولئك الذين يكفرون خصومهم ظناً منهم أنهم يمثلون الإسلام الحق بينا الأمر على خلاف ذلك تماماً، والحق أن الكلام في ذلك كثير ولكن حسبنا منها ما ذكرنا ليتبين كمُّ الخطأ الذي يقع فيه من يوالون على أفكار البشر ويعادون عليها مع ما بها من أخطاء شنيعة، غاب أكثرها عن أكثرنا، وما ذكرناه منها في باب طلب الخلافة، لا يساوي بالنسبة لها مثقال ذرة.. والله نسأل أن يبصرنا بعيوبنا وأن يستخلفنا لدينه ولا يستبدلنا.. اللهم آمين.. وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
بطلان بيعات (الإخوان المسلمين).. وبيان أنها غير ملزمة ولا هي على صحيح الدين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين.. وبعد:
فلا أحد يعقل عن الله ورسوله، يشك في أن الله ورسوله قد وعدا بأن المستقبل للإسلام، وأنه تعالى (أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)، وأن ما جاء به النبي الخاتم سيبلغ ما بلغ الخافقين وذلك قوله : (إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها)، كما وعدا بالتمكين لأهل الإيمان (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض.. الآية)، وبعودة الخلافة الراشدة، وأن ذلك يكون بعد مرور الأمة بفترات ومراحل عدة، تمثلت بعد فترة النبوة في: خلافة على نهجها، ثم في ملكٍ عضوضٍ، ثم في حكمٍ جبريٍّ، ثم عودةً للخلافة التي قيدها الرسول بكونها على (منهاج النبوة).
وفي إجمال كل ذلك يقول فيما رواه أحمد من طريق حذيفة وصححه الألباني: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً جبرية، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) ثم سكت.. ويقول فيما رواه مسلم: (يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ? وفي رواية: يكون في آخر أمتي خليفة يَحثي المال حثياً ? ولا يَعدُّه)، وعن تلك الأخيرة وأنها في مهدي أهل السنة المنتظر، جاء عنه قوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، فانحصر خلاف أهل السنة في زماننا مع (جماعة الإخوان)، فيما قبل خلافة المهدي التي ينكرها البنا منشئ هذه الجماعة قائلاً في (حديث الثلاثاء): “فمن حسن الحظ لم نر في السنة الصحيحة ما يثبت دعوى المهدي, وإنما أحاديثه تدور بين الضعف والوضع”، والقرضاوي شيخها ومنظرها الذي ادعى في الجزء الأخير من مذكراته أنه لا أصل لها في القرآن والسنة، على الرغم من تواترها تواتراً معنوياً كما خلص إلى ذلك د. إسماعيل المقدم في كتابه (المهدي حقيقة لا خرافة).. ولا أحد يشك أن ما قبل مرحلة (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، وقعت تماماً كما حدَّث النبي ، وذلك من علامات نبوته.
وأما عن تفصيل ذلك، فيتمثل فيما أخرجه البغوي في (شرح السنة) عن سفينة ? مولى رسول الله ? قال: سمعت النبي يقول: (الخلافة ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً) وفي رواية: (خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، ثم قال سفينة لعلي بن الجعد أحد رواة الحديث: (أمسك، خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشرة، وعثمان اثنتي عشر، وعليٌّ ستة)، رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والترمذي وقال: حديث حسن، وإنما سميت هذه الفترة بـ (خلافة النبوة)، لأن الخلفاء صدَّقوا هذا الاسم بأعمالهم، وتمسكوا بسنة نبيهم من بعده، والتزموا الشرع في أحكامهم، كما قاله حميد بن زنجويه فيما نقله عنه البغوي في شرح السنة.. قال أحمد بن حنبل في كتابه إلى مسدد ? كما في (السنة) لعبد الله بن أحمد ?: “(لا عين نظرت إلى ما بعد النبي من أبي بكر الصديق، ولا عين نظرت بعد أبي بكر من عمر، ولا عين نظرت بعد عمر من عثمان، ولا عين نظرت بعد عثمان من علي، هم والله الخلفاء الراشدون المهديون)، وفي رواية له: (قال سعيد بن جهمان: فقلت لسفينة: إن بني مروان يزعمون أنهم خلفاء، قال سفينة: كذبوا).. هذا فيما يخص ثانية مراحل الحكم في الأمة، وقد تمت على النحو الذي أخبر به النبي .
وجاءت ثالثة هذه المراحل المخبر عنها في الحديث، متمثلة في الملك العضوض، “وهذا بالفعل ما كان في أيام مُلك ابن أمية ? باستثناء حكم عمر بن عبد العزيز، الراشد ? ثم تلاه ملك بني العباس، ولقد كان ملكاً عاضاً كما سماه الرسول وإن سماه الناس خلافة، كما بينه سفينة ”، وقد استمر هذا ? على ما ذهب إليه بعض المحققين وعلى ما هو المتضح للمتتبع لتاريخ الخلفاء ? حتى زوال الدولة العثمانية، وأن الدور الرابع (الملك الجبري)، وهو الذي بدأ يأفل بقدر الله ثم بانتفاضات الشعوب فيما يعرف بثورات الربيع العربي ? مع ما بها ? في ظاهرة فريدة من نوعها، وأن الدور الخامس: (خلافة على منهاج النبوة) وهو قادم بإذن الله.. والذي يبدو من خلال تبني جماعة الإخوان لفكرة الخلافة وعودتها: أن هذا الأمر لا يمكن بحال أن يكون فيهم أو يتحقق لهم، لأسباب:
أولها: ما انتاب منهجهم من أعمال تتنافى تماماً مع منهج النبوة، فمن شركيات ظهرت جلية في كتابات وتصريحات قادتهم، وحسبك منها: ما كان يدين به البنا من نزعة صوفية مغالاً فيها، وما كتبه التلمساني في (شهيد المحراب عمر بن الخطاب).. ومن ولاءات كانت على غير منهج الإسلام، وصل بعضها لأن تكون لليهود والشيعة من دون المسلمين.. ومن خلل في توحيد الصفات متمثلاً في تعطيلها وتأويلها وتحريفها على خلاف ما كان عليه النبي وصحابته وتابعيهم بإحسان.. ومن عمل للوصول إلى غاية الخلافة بمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة)، وهو ما كانت سيرة الرسول شاهدة على رفضه البتة.. ومن تكفير للمجتمعات المسلمة أوصلهم في أكثر الأحايين لاستحلال دماء جيوشها وشرطتها، وفي بعضها لاستحلال دماء مخالفيهم في الفكر والرأي بعد رميهم بالكفر، على غرار ما جرى في رابعة ومسجد بلال بالمقطم وما كان أمام قصر الاتحادية، وشهدت له وبه محاكم مصر.
ثانيها: يؤكد ما سبق ذكره: ادعاءات فرقة الإخوان هذه ? على ما بها ? بأنها جماعة المسلمين، كذا دون ما تمكين ولا إمام فعلي، فقد جاء في (مجموعة الرسائل) للبنا ص 181: “وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا كثرة، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم”، ويؤكد البنا هذا المفهوم عندما قسم المسلمين في (الرسائل الثلاث) إلى أربعة أقسام: “مؤمن، متردد، نفعي، متحامل”، وانطلاقاً من هذا تكون جماعة الإخوان بزعمهم هي ملتقى المؤمنين وجماعة المسلمين، وفي ذلك يقول سعيد حوى في (دروس في العمل الإسلامي) ص 19: “ولا زالت دعوة الإخوان وحدها، هي الجسم الذي على أساسه يمكن أن يتم التجمع الإسلامي في العالم”، ويقول في (آفاق التعاليم) ص 13: “لئن كان البنا بمجموع ما حباه الله هو المرشح الوحيد؛ لأن يطرح نظريات العمل الإسلامي، فالدعوة التي أقامها تركيب ذو نِسب معينة، فمتى اختلفت هذه النسب حدث الفساد”، ويقول عن جماعته: إنها “الجماعة التي ظهرت بها الآن صيغة الحق الوحيدة المتعارف عليها خلال التاريخ، والمتمثلة بأهل السنة والجماعة”.. وقد أدى كل هذا بالطبع لأن تُصبِغ الجماعة هذا التصور بصبغة الدين وتتعسف في إسقاط الأدلة عليه، فيقرر حوى (في آفاق التعاليم) ص 15 ومعه كتيبة الإخوان، بأنهم المعنيون بقوله “: في الحديث المتفق عليه: (أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)”، ويردف مؤكداً هذا المعنى فيقول: “إن الأصل الذي لا يجوز أن يغيب عن المسلم، هو أنه لا بد للمسلمين من جماعة وإمام، وأن الواجب الكبير على المسلم، أن يكون ملتزماً بجماعة المسلمين وإمامهم، وهذا هو المفتاح الأول لفهم قضية الإخوان”، وكانت نتيجة ذلك بالضرورة: الوقوع في هوة التكفير وأن الخارج على جماعة المسلمين التي هي جماعة الإخوان، خارج عن الإسلام حلال الدم، لحديث: (من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، يقول حوى في كتابه (من أجل خطوة إلى الأمام) ص40 بعد أن ساق الحديث، ساحباً إياه على من خالف جماعته وإمامها: “وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة، لأن الطاعة لا تجوز إلا لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختياراً”، وقد سبق أن ذكرنا في مقال سابق أن مثل هذه الادعاءات، أكبر دليل على بدعية من يقول بها.
وهنا ثمة أسئلة تطرح نفسها، أهمها: ما مدى صحة هذا الكلام؟، وما يكون حال مجتمعاتنا في هذه الآونة التي ضاعت فيها الخلافة ? إن صح التعبير ? على يد أتاتورك العلماني؟، وماذا عن موقف جماعة الإخوان حيال أولياء الأمور من الحكام المنتخبين من عامة المسلمين، وبخاصة من وضعوا في دساتيرهم أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع)؟، وما هو حكم الشرع في كل هذا وعلى ضوء ما تمخضت عنه أفكار جماعة الإخوان التكفيرية؟ وما حكمه في بيعاتهم على مستوى أكثر دول العالم؟، وهل يدخل ذلك فيما ساغ من الاجتماع على الطاعة، ولأجل تحقيق مقاصد الإسلام وواجباته التي لا تتم إلا من خلال العمل الجماعي، وعملاً بقاعدة (أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)؟.. ونوجز الجواب في أمور:
1-“أن وضع الإخوان أنفسهم فوق مستوى النقص بوصفهم جماعة المسلمين، ادعاء لا يستقيم أمره لأسباب علمية وأخرى عملية، فأما العلمية فمن أفواههم وأقوالهم السابقة ندينهم، فضلاً عن أن العلماء يستدُّلون على أهل السنة بحبهم أصحاب الحديث، فقالوا: (إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل: يحيى بن قطان وعبد الرحمن بن مهدي وابن حنبل وابن راهويه، فاعلم أنه على السنة، ومن خالف فاعلم أنه مبتدع)، وذلك أن أصحاب الحديث لم ينحرفوا عن البيضاء النقية، وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، بينا جماعة الإخوان لا تقيم للسنة وزناً، وتضرب بأقوال علماء المسلمين على مر العصور عرض الحائط، وفي تأكيد ذلك يقول حوى في (المدخل) ص 27: (أما ما ذهب إليه بعضهم من أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث، فليس فيه نص، وإنما هو فهم لبعض المحَدِّثين)” ا.هـ بتصرف من كلام د. سليم الهلالي 159 تحت عنوان: (العقيدة أولاً لو كانوا يعلمون) وينظر باقي كلامه فإنه من الأهمية بمكان، لتعرضه لبعض ما ضلت فيه جماعة الإخوان فيما يتعلق بأمور الاعتقاد ومظاهر الانحراف عن منهج جماعة المسلمين وأهل السنة.
2-أن أمر ضياع الخلافة تحدَّث عنه النبي ولم يتركه للأهواء، وبين واجب المسلم حيال ضياعها، وذلك في حديث حذيفة المتفق عليه، وفيه: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر، قال: {نعم}، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: {نعم وفيه دخن}، قلت: وما دخنه، قال: {قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر}، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر، قال: {نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها}، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: {هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا}، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال: {تلزم جماعة المسلمين وإمامهم}، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: {فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك}).
3-أن أواخر ما في الحديث، لا تجيز بحال أن تَشق فِرقة ? مهما أوتيت من علم أو تقوى ? صف عامة المسلمين وتدعي أنها جماعتهم، أو تجعل من نفسها دولة داخل كل دولة وبخاصة لو كانت هذه الدولة دار إسلام، إذ في ذلك من الفتنة ما الله به عليم، وما يجري في أرض الواقع ? بما في ذلك فترة تولية د. مرسي لكونها قامت على سلسلة من التناقضات والمخالفات الشرعية ? شاهد عيان على صدق الرسول الأعظم ، وخلل ما تقوم به فرقة الإخوان.
4-تعارض ما تقوم به فرقة الإخوان لما جاء عنه فيما رواه الشيخان: (ستكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟، قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)، وفي شرحه للحديث يقول ابن حجر في الفتح 6/ 574: “قوله: (فوا) فعل أمر بالوفاء، والمعنى: أنه إذا بويع الخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة، قال النووي سواء عقدوا للثاني عالِمين بعقد الأول أم لا، سواء كانوا في بلد واحد أم أكثر، هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور.. وقال القرطبي: في هذا الحديث: حُكم بيعة الأول وأنه يجب الوفاء بها، وسكت عن بيعة الثاني وقد نُص عليه في حديث مسلم: (فاضربوا عنق الآخر)”، ويقول ابن كثير في تفسيره لآية (إني جاعل في الأرض خليفة.. البقرة/ 30): “فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر، فلا يجوز، لقوله عليه السلام كما في حديث مسلم: (مَن جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم، فاقتلوه كائناً من كان)، وهذا قول الجمهور، وقد حكا الإجماع على ذلك غير واحد، منهم إمام الحرمين”إ.هـ.. ونحن بدورنا لو طبقنا هذه الأحاديث وما أجمع عليه علماء الأمة، في ضوء ما خطته جماعة الإخوان لنفسها وللأمة، فليس أمامنا إلا واحدٌ من خيارين:
=أن تفي جماعة الإخوان ببيعة إمامهم المرشد، وتقتل جماهير الشعب المصري مثلاً فيما يربو عن التسعين مليوناً، لكونه خارجاً عن جماعة المسلمين (الإخوان)، ولبيعته رئيساً آخر غير مرشدهم، على الرغم من كونه منتخباً رئيساً للبلاد وحائزاً على أغلبية شعب مسلم.
=أو تُدق عنق المرشد في ميدان عام، وتًحارِبُ جماهير الشعب جماعته التي تقدّر على أقصى تقدير بنصف مليون، باعتبارهم بغاة يشقون عصا الطاعة ويصنعون من أنفسهم دولة داخل الدولة، وبخاصة إذا بويع له بعد تنصيب رئيس البلاد.. وإنما أحدث هذه الإشكالية الغير عقلانية ولا شرعية: الخلل الفكري في بيعات الإخوان التي لا حكم لها في الإسلام سوى: (البطلان)، إن كانوا يعملون بصحيح هذا الدين.
5-أن ما خلُصنا إليه هنا، يتفق مع ما قرره علماء الأمة، من أن أمر العمل الجماعي وما ينتج عنه من تأمير واحدِ ينظم الأمر ويحسم الخلاف إن وجد، ويكون له حق السمع والطاعة في المعروف، وذلك فيما يعرف بـ (البيعة الخاصة) أو (بيعات العمل)، لا ينبغي أن يتخطى حدود مجالات الدعوة إلى الالتزام والتحاكم بما أنزل الله وإقامة الخلافة ووحدة الصف، وما شابه مما يدخل فيما يجب على المسلم القيام به ويقع تحت بند التعاون على البر والتقوى، فالشرط في ذلك بعد التزامه هو وجماعته أولاً بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة: ألا يدعي لنفسه الإمامة العظمى، وألا يطغى بدوره ليصل إلى حد الافتئات على اختصاصات الحاكم الفعلي للبلاد صاحب (البيعة العامة) حال تقصيره، تحقيقاً للمصلحة واندفاعاً للمفسدة، وهذا ما كان يرمي إليه كلام ابن تيمية حين ذكر في مجموع الفتاوى 28/ 390 ما نصه: “يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين, بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها, فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي : (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)، وقال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمَّروا عليهم أحدهم)، فأوجب تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع”، فهو هنا يتناول نوعي البيعة، مستدلاً عليهما بالنقل والعقل وقياس الأولى، وفيه ما يُرَد به على من حرم التحزب المنضبط لخدمة قضايا الإسلام كذا على إطلاقه، إذ قد تتوقف عليه تحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وقد يمثل أحسن الوجوه في إتمام الأمور.. يقول شيخ الإسلام في مجموع فتاواه 34/ 175 وفيما يمثل قاعدة ذهبية في حسم الأمر: “الأصل في الواجبات ? يعني: من نحو إقامة الحدود وإنفاذ شرع الله وعقد ألوية الجهاد ونحو ذلك من فروض الكفايات المخاطب بها الأمة ? أن تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير، لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم تقم إلا بعدد ومن غير سلطان، أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ? يعني: المتوقف أمرها على الاستطاعة وتقدير الأمور وانضباطها ? فإذا كان في ذلك من فساد من ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها، لم يدفع فساد بأفسد منه”إ.هـ.. فأين هذا من الفساد عينه لدى فرقة الإخوان ومن على شاكلتها، وما تمخض عنه من تكفير وتقتيل وتذبيح وتحريق وتدمير.
وبناء على ما سبق، فإن ما يقال من شُبهة شغور الزمان وخلوه عن السلطان ذي النجدة والكفاية والدراية الذي يسعى لوحدة الأمة وإعلاء راية الجهاد والتمكين للدين، وأن ذلك موجب لتنصيب جماعة ما أميراً لتحقيق هذه المقاصد: هو أمر مبالغ فيه، ولا يعدو أن تكون وقائعه ? في نحو ما جرى بـ (غزوة مؤتة) قديماً، و(أفغانستان) و(البوسنة) حديثاً ? وقائع عين، ومخالف لواقع عامة المسلمين، ومن ثم فالتوسع في هذا وتحميله لجماعات المسلمين المتناحرة والتي عجزت في الأساس وإلى الآن عن أن تجمع شتات أمرها على كلمة التوحيد والالتزام بنصوص الوحي، تعسف وتلبيس.. كما أن الاتكاء في تمريره على فتاوى أهل العلم قديماً وحديثاً ? على نحو ما جاء في كتاب (تنبيه الغافلين) وغيره ? هو وضع لفتاواهم في غير موضعها، بل هو ضرب من الهذيان، يدل على هذيانه:
ما جاء من صريح ذلك في عدم جواز تعدد البيعات، من نحو فتوى الشيخ صالح الفوزان، يقول في جواب وبيان ذلك: “البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعددة مبتدَعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة، أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعددة” إ.هـ من المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/367 .. كما يدل على هذيانه: حديث حذيفة في سؤاله عن الخير والشر.. ويدل على هذيانه أيضاً: أحاديث السمع والطاعة للإمام المسلم المُمكّن والصبر عليه وما أكثرها، ونذكر منها حديث مسلم: (ألا من وُلِّي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره الذي يأتي من معصية الله، ولا ينزع يداً من طاعة)، وحديث الشيخين: (أدوا إليهم الذي لهم، فإن الله سائلهم عن الذي لكم)، وما روياه من حديث ابن عباس وفيه: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهليه)، إذ بهذا يُجمع بين النصوص كما يجمع بين أقوال أئمة العلم فلا يتضارب بعضها مع بعض، ثم هو قبلُ وبعدُ: قصور منا نحن الدعاة في الدعوة لصحيح الدين والمعتقد، وفي عموم ما يُرضِي الله عنّا، وفي أثرٍ لقتادة نقله الذهبي في العلو ص 96: (قالت بنو إسرائيل: يا رب أنت في السماء، ونحن في الأرض، فكيف لنا أن نعرف رضاك من غضبك؟!، قال: إذا رضيت عنكم استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم)، ولقد أثبتت التجارب أنه أجدى من الخروج على السلطان المسلم الذي لا يحكم بما أنزل الله تأولاً أو مكرها أو جاهلاً، وتكفيره: دعوته إلى تطبيق الشرع بكل طريق مشروع، وإعانته على ذلك بشكل أو بآخر، وإحسان الظن به وإخلاص الدعاء له.. وجميع كتب الاعتقاد على إقرار ذلك والتأكيد عليه، ونذكر على سبيل المثال قولة أحمد في أصول السنة ص 64: “والسمع والطاعة: للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر.. ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين، وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق”، وتعليقاً على قول ابن أبي العز (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا: فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير للسيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل)، يقول الألباني: “وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ويصححوا عقيدتهم ويربُّوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح تحقيقاً لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)”.
وجواب من يحتج علينا من (فرقة الإخوان) بما جرى لهم بمصر: أنهم كانوا ولا يزالون يطلبون حقاً ليس لهم، ولا هم له بأهل ? وذلك بدعوتهم للبيعة العامة والإمامة العظمى، وادعائهم أنهم جماعة المسلمين وما يستتبعه من تكفيرهم من ليس منهم ? بل ويحتجُّون في طلبه بما هو دليل عليهم لا لهم، فضلاً عن أن صاحبهم بمصر، قد حنث في قسمه وخان فيما ائتُمن عليه فأفقد شرعيته بنفسه، وثار عليه شعبه.
6-فإذا ما أضفنا إلى ذلك: أن بيعات جماعة الإخوان لم تكن يوماً ما على الإسلام، ولا على صحيح الدين والعمل به، لازددنا يقيناً ببطلان هذه البيعات، ولك كي تتأكد من صدق ذلك، أن تتأمل صيغها التي فيها ? كما في كتاب (قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان وشُعَبِها) ص 7 ?: (أُعاهد الله العلي العظيم، على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين، والجهاد في سبيلها، والقيام بشرائط عضويتها، والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله العظيم على ذلك، وأبايع عليه، والله على ما أقول وكيل)، وقد تختلف الصيغة من بلد لآخر في كلمة أو ما شابه، لكن لا تخرج عن هذا المضمون، على أن ما سبق هو نص بيعة حركة حماس الذي يمثل الجناح العسكري الجهادي لفرقة الإخوان، وبالطبع هو عينه نص ما خفي من باقي أذرعها العسكرية، وفي كتابه (التنظيم الخاص) ص 138عن توثيقها وأخذها بمأخذ الجد، يقول محمود الصباغ: “إن أي خيانة أو إفشاء سر، بحسن قصد أو سوء قصد، يعرِّض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة”.
فها أنت ترى ما عليه القوم من ضلال، تمثل في صيغ لم تُقل حتى لرسول الله المعصوم، ولم تقم على الولاء على الإسلام ولا الجهاد في سبيله ولا العمل بصحيحه.. كما تمَثل في شروط ليست في كتاب ولا في سنة، بل هي كما في الحديث المتفق عليه، في واقعة مشابهة: (ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله, كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل, وإن كان مائة شرط, كتاب الله أحق وشرط الله أوثق).. وأن أقل ما يقال عنها: إنها بدعية، وينسحب على أصحابها ما ذكره ابن القيم في مختصر الصواعق ص 626 ضمن العلامات التي يُميَّز بها أهل السنة عن أهل البدع، من “أن أهل السنة إنما يوالون ويعادون على سنة نبيهم وأهل البدعة يوالون ويعادون على أقوال ابتدعوها.. ومنها: أن أهل السنة لم يؤصلوا أصولاً حكموها وحاكموا خصومهم إليها وحكموا على خالفها بالفسق والتكفير، بل عندهم الأصول: كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة”.. ومن قبلُ، شيخه ابن تيمية الذي طالما ردد في غير ما موضع، من أنه “لا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله r، ولا لقول إلا لكتاب الله، ومن نصَّب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل، فهو (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً)، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل اتِّباع الأئمة والمشايخ، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم”إ.هـ من مجموع الفتاوى 20/ 8، 9.. ومرة أخرى لنا في ذلك مقال يحدد ملامح البدعة، ويثبت ابتداع جماعة الإخوان فليراجع.
7-وأضفنا إليه أن الخلافة وبيعتها، الأصل فيهما ألا يكونا إلا في قريش، ازداد يقيننا أكثر ببطلان بيعات فرقة الإخوان، ذلك أن الأدلة واضحة في خلافة قريش وألا ينازعها في هذا الأمر أحد كائناً من كان، وأئمة العلم على ذلك، ففيما رواه أحمد وصححه الألباني يقول : (الأئمة من قريش)، وعليه يعلق الماوردي في الأحكام السلطانية ص3 وما بعدها بقوله: وبه “احتج ? أبو بكر الصديق ? يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة، لما بايعوا سعد بن عبادة، فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا: (منا أمير ومنكم أمير)، تسليماً لروايته وتصديقاً لخبره.. ويقول ? فيما صححه الألباني ? (قدِّموا قريشاً ولا تَقََدَّموها)، وليس مع النص المسلم به شبهةٌ لمنازع فيه، ولا قولٌ مخالفٌ له”إ.هـ.. يقول الإمام أحمد في كتاب السنة: “والخلافة في قريش ما بقي اثنان، ليس لأحد أن ينازعهم فيها، ولا يَخرج عليهم، ولا نُقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة”، ويصدقه ما رواه البخاري: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)، (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد، إلا كبه الله على وجهه، ما أقاموا الدين)، وما رواه مسلم: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)، يعني: في الإسلام والجاهلية، كما في رواية: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم)، وقد علق النووي في شرح مسلم بعد ذكره جملة من الأحاديث في ذلك، فقال ? وبنحوه ابن حجر في باب (الأمراء في قريش) 13/ 126 وما بعدها ?: “هذه الأحاديث وأشباهها، دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلافٍ من غيرهم فهو محجوج عليه بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي عياض: (اشتراط كونه قرشياً: هو مذهب العلماء كافة)، قال: (وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها قول يخالف ما ذكرنا، وكذلك مَن بعدهم في جميع الأمصار)، قال: (ولا اعتداد بقول النَّظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش)”، ويردف النووي ت 676 قائلاً: “وبيّن النبي أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا، ما بقي في الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله ، فمن زمنه إلى الآن: الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها، وتبقى كذلك ما بقي اثنان كما قاله”إ.هـ.. ولئن أساغ البعض لنفسه إهمال هذه النصوص لهوى في نفسه، فإنه أولى للمتجرد أن يُعملها، وبخاصة أن معه إلى جانب هذه النصوص: اتفاق الصحابة وإجماع الأمة.. وما علينا هنا درءً للفتنة، إلا اتِّباع هؤلاء العلماء العاملين من ورثة الأنبياء، دون اتِّباع ذوي الرأي والهوى واستجلاب البلاء، فكلهم كما قال عنهم رسول الهدى: رويبضة، جنبا الله مكرهم وشرهم.. والله من وراء القصد وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم الدين.. وبعد: فقد أثبتت الأيام وأكدت مجريات الأحداث، مدى تقارب الجماعات الجهادية التي تُجرم وتستحل الدماء الزكية ? وآخرها في يناير الماضي: سقوط ما يربو عن الـ (130) بمصر ما بين قتيل وجريح، ومقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً ? بجماعة الإخوان المسلمين، ومدى ارتباط بعضهما ببعض، حتى أصبح التدليل على خلاف ذلك ضرباً من العبث ومضيعة الوقت، وحسبك في ذلك ما جاء بهذا الخصوص في تقرير (جون جنكيز) سفير بريطانيا السابق بالسعودية، وافتخار د. القرضاوي بأن أبا بكر البغدادي كان عضواً سابقاً بالجماعة.. ولا غرو فالجامع المشترك بين جميعهم هو غياب صحيح الدين والعقيدة، وشيوع الفكر البنائي والقطبي الماثل في تكفير المجتمعات الإسلامية، والعمل من ثمّ على تقويضها ومحاربة جندها وشرطتها باعتبارهم المدافعين عنها والذّابّين عن حياضها، بل ومحاربة أهلها وشعوبها لكونهم الراضين بأحكامها والساكتين عن منكراتها.. هكذا سولت شياطين الجن لشياطين الإنس فاستحلت على إثر ذلك دماء الموحدين، فمن مدارس ابتدائية تكتشف أمامها قنابل بدائية الصنع، ومن مجمعات قضائية تفجر فيها أحياناً، ومن مقرات أمنية يُهلكون في محيطاتها الحرث والنسل، ومن كمائن لأفراد الحراسة يُتربص بها لحين الفتك بمن فيها، ومن شرطة يُدبَّر في الخفاء للنيل منها ليل نهار، ومن رجال مرور يكونون ضحايا اعتداءاتهم المفرطة في التكرار، ومن حافلات وعربات قطار ومترو تقلّ مئات وآلاف يتم إشعالها بمواد الوقود الحارقة، ومن أبراج كهرباء جعلوا ليل المستفيدين منها جراء تدميرها قِطعاً مظلِمة، ومن مظاهرات يرومون من ورائها إراقة دماء لتصديرها للغرب بغرض المتاجرة، ومن جنود موحدين وأوفياء لأوطانهم ولمجتمعاتهم، يحاط بهم هنا وهناك ويتم قتلهم بالجملة وبالعشرات، ونذكر على سبيل المثال: (مقتل 17 جندي وإصابة 7 فيما عرف بمذبحة رفح الأولى في 17 رمضان الموافق 6/ 8/ 2012، مقتل 25 وإصابة 2 برفح الثانية في 18/ 8/ 2013، مقتل 9في 11/ 9، مقتل 16 وإصابة أكثر من 134 في 24/ 12 من نفس العام، مقتل 4 في أول ليالي رمضان الموافق 28 / 6/ 2014 برفح الثالثة، مقتل 23 بالفرافرة في رمضان أيضاً الموافق 20/ 7/ 2014، مقتل28 وإصابة 26بكمين كرم القواديس في 24/ 10/ 2014، مقتل 46 وإصابة 90 حسب المصادر المموِّلة والداعمة لهم في 29/ 1/ 2015).. وهكذا والقوائم طويلة، وإذا قيل لهم مع كل هذا: إنه تعالى (لا يحب الفساد) و(لا يصلح عمل المفسدين) لا يبالون، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا: إنما نحن مصلحون) وقد (جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولو عرضنا هذه الأوضاع على مقاييس الشرع، لوجدنا أن دين المسلمين في واد وما يفعله أولئك الأفاكون المفسدون في واد آخر، ولظهر لنا لأول وهلة أن البون بين ما أمر به الله ورسوله وأجمعت عليه الأمة وبين ما يفعلونه، جِد شاسع وبعيد، ولا أدل على ذلك من توفيق الله لكثير ممن كانت خاتمة حياتهم على أيديهم، من النطق بكلمة الحسنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فهذا مع قول النبي : (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة)، و(حرم الله عليه النار)، إيذان بأن أولئك يعبثون بأرواح أهل الإيمان من الموحدين.
وحتى تستشعر فداحة الخطب في إراقة الدم المعصومة، والتي لم يحدث أن أله أصحابها عليّاً مثلاً أو غيره، كما يفعلون هم بتأليههم البنا وسائرَ قادتهم بطاعتهم العمياء في المعاصي، كما لم يأت أحدُ من قُتلوا على أيديهم، بـ (ناقض من نواقض الإيمان) يستوجب الفتك به، أقول: حتى تستشعر فداحة هذا الخطب، لك أن تتأمل وعيد الله الشديد في قوله: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً.. النساء/ 93)، وقول نبي الهدى كما في البخاري (6862): (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وقوله فيه (391): (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله ? أمانه وضمانه ? وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته)، وقوله كما في صحيح الترمذي للألباني: (لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)، وقوله فيه: (لزوال الدنيا، أهون عند الله من قتل رجل مسلم)، وقوله كما في صحيح أبي داود للألباني: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو مؤمن قَتل مؤمناً متعمداً)، وقوله في خطبة الوداع كما في الحديث المتفق عليه: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟، اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلَّغ أوعى من سامع)، وقوله كما في السلسلة الصحيحة (2697): (يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبِّباً قاتله بيده الأخرى، تشجب أوداجه دماً حتى يأتي العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني!، فيقول الله للقاتل: تعسْت، ويُذهب به إلى النار)، وكذا هو الحال مع المعاهَدين والمستأمنين من غير المسلمين كما أفاده قوله في البخاري (3166): (من قتل معاهَداً لم يرِح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً).. ولك أن تتأمل مع كل هذه النصوص، ما كان من أمر الرسول الأكرم حين أقبل أسامة بن زيد الحب بن الحب على قتل مشرك نطق بكلمة التوحيد مجرد نطق، واستنكار الرسول له بشدة قائلاً مراراً كما في الحديث المتفق عليه: (أقتلته بعد أن قالها؟)، ومراجعة أسامة بعدُ وهو يقول للنبي: (يا رسول الله لقد قالها متعوذاً) أي: خوفاً من السيف، والنبي يكرر في نبرة حادة ولهجة شديدة، مؤكداً حرمة دمه وهو الذي قضى حياته كلها مشركاً: (هلا شققت على قلبه؟!)، وقول أسامة: (فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)، وقول شارحيه فيما استنبطوه من الحديث: أن فيه “أعظم دليل على حرمة دماء المسلمين وعِظَم جرم من يتعرض لها، ودليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول: أن الأحكام يحكم فيها بالظواهر، والله تعالى يتولى السرائر”.. لتتأكد أنه لا عذر على الإطلاق في سفك الدماء من قِبَل أولئك الذين يسيئون إلى الإسلام أكثر من أعدائه، ويتلذذون ويكبّرون عند قتل كل مسلم كفروه، ويمرقون من الدين مروق السهم من الرمية.
وما سبق يجعلنا نقول: إنه عندما يكشف رسول الإنسانية عن أن الجهاد في سبيل الله يحرُم أن يكون تحت راية عُِمِّية، على نحو تلك التي يحمل لواءها خوارج العصر، بالمخالفة لقوله فيما رواه مسلم في باب (وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند الفتن): (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهليه، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل، فقِتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يَتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه).. وعندما نعرف أن المقصود بالعمية كما أفاده النووي: “الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور، أو التقاتل للعصبية كما قاله إسحاق بن راهويه”.. وعندما نصل إلى أن هذه المعاني تنسحب على الفِرق التكفيرية المتناحرة فيما بينها والمتكالبة على كراسي الحكم، والمتمثلة في داعش وجماعة الإخوان وكل من تحالف معها أو خرج من تحت عباءتها بدءً من حماس التي ترمي مخالفيها من أسطح ونوافذ العمارات في غزة ولا تبالي، وانتهاء بأنصار بيت المقدس التي بايعت داعش في 10/ 11/ 2014، كونها جميعاً فرقاً مبتدعةً وبعيدة عن صحيح الدين والاعتقاد على ما أوضحناه بإفاضة في مقالات سابقة، وكونها تقوم على الغضبة للجماعة والانتصار للعصبية المنتنة لرجل أو رجال أفضوا إلى ما قدموا، وتقوم كذلك ?غير الجهل بأصول الدين وصحيح الاعتقاد، وتحقير صلاتنا إلى صلاتهم ? على ترك أهل الأوثان ومحتلي الأرض ومغتصبي العرض من أعداء الإسلام، بل وعلى العمل لحساباتهم وبتمويلاتهم، ووفق مخططاتٍ وفخاخٍ وُضعت للوقيعة بينهم وبين أبناء جلدتهم، رغبة في تفكيك جيوش المسلمين وتفتيت وإضعاف دِولهم، بل ولإفنائهم هم في النهاية دون أن يدروا، وتقوم أيضاً على تكفير وتقتيل أهل الإيمان ممن يُصَلون ويصومون ويشهدون شهادة الحق ويختمون بها حياتهم، كما جرى في حادثة استشهاد من احترقت طائرتهم شمال سيناء في 26/ 1/ 2014 بفعل قذائف أطلقت عليهم، وسمعناهم ينطقون بالشهادتين، وكما جرى مع أولئك الذين قتلوا غيلة وهم يفطرون بعد صيامٍ وصلاةٍ لمغرب يوم من رمضان العام الماضي، وغيرهم كثير.. وعندما نعلم أن جهاد من ذكرنا صادر عن جَهَلة بالعلوم الشرعية وحديثي عهد بالإسلام، وعلى حساب الحكمة في نشر الدعوة ورفع راية الإسلام السمح على النحو الذي رسمه لنا رسولنا وفصَّل القولَ فيه علماؤنا، وجاء لَهْثاً وراء مُلكٍ أو كرسي أو خِلافةٍ ليست على نهج النبوة وأخبر نبي الهدى أنها تكون في قريش دونهم، فضلاً عن كونه جهاداً غير منضبط بضوابط الشرع، وقائماً على شق الصف ومفارقة جماعة المسلمين ونزع يد الطاعة من أولياء أمورهم، وقائماً كذلك على التحريش بجند المسلمين وإكفارهم واستحلال دمائهم، كل ذلك بالمخالفة لما أجمعت عليه الأمة.. وعندما نضيف إلى كل ما سبق، قوله فيما أخرجه النسائي (3933) وأحمد (16005) وصححه الألباني: (يَجِيءُ المقتول بِقَاتِلِه يَومَ الْقِيَامة فَيَقولُ: سَل هَذَا فِيم قَتَلَنِي؟، فَيَقول: قَتَلتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلان)، قَالَ جُندَبٌ: (فَاتَّقِهَا)، قال السندي في شرح سنن النسائي: “قَوْله ( فَاتَّقِهَا)، أَي: فَاتَّقِ هذه السيئة القبِيحة المُؤَدّيَة إِلَى مِثل هذا الجواب الفَاضح”.. تَيَقنَّا أن نبي الرحمة إنما يُشرِّع لنحو ما يجري في زماننا لنحذره، ولئلا نقع نحن معاشر أهل السنة والجماعة فيما يخالف الشرع.
وإنما قلنا أن جهاد من ذكرنا ليس منضبطاً بالشرع، لكونه ? بالإضافة إلى ما ذكرنا ? لم ينتظم خلف إمام ممكن على ما نص عليه قوله كما في البخاري: (إنما الإمام جُنّة، يُقاتَل من ورائه ويُتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدَل كان له بذلك أجر، وإن قال بغيره فإن عليه مثله)، ولكون علماء الأمة أجمعوا على ذلك كما ترجم له ابن تيمية في قوله في الواسطية: “ويرون ? يعني: أهل السنة فيما أجمعوا عليه ? إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبراراً كانوا أم فجاراً”، وابن قدامة في قوله في المغني13/ 16: “وأمْرُ الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده، ويَلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك”، ومن المحدثين ابن عثيمين في قوله في الشرح الممتع8/ 25: “لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر، لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس”، كما أنهم جعلوا من الجهاد وسيلة لنشر دعوة الحق وليس غاية في حد ذاته، ونظروا ? باعتبار الجهاد فريضة ? إلى مقاصده ومآلاته ونتائجه، وخلصوا ? انطلاقاً من قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.. الأنفال/ 49) ? إلى أنه “فُرِض لمنع الفتنة ومحق الشرك، فإذا ما أدى إلى الفتنة ولم يحقق مقاصده المشروعة، فهو ممنوع شرعاً وعقلاً”، وإلى أن شأنه في ذلك شأن باقي ما فرض الله على عباده، “فالحج مثلاً فرض، ولكنه يسقط إذا لم يأمنِ الحاج على نفسه وماله من قطّاع الطريق، فإذا خرج الحاج في هذه الحالة قتله اللصوص وأخذوا ماله، فلم يحقق المصلحة من الحج، ووقعت مفسدة قتْلِه وأخْذِ ماله!، والصوم أيضاً فرض، لكنه يسقط في حالة المرض المزمن الذي يزداد بالصوم، لأن المفسدة هنا أعظم من مصلحة الصوم، ولأنه إذا صام في هذه الحالة، فقد يذهب الصوم بحياته وينقطع عمله بالكلية بما فيه الصوم وغيره”، كذا ص 50 من كتاب (تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء) من سلسلة مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر، وفيه نقلاً عن الشاطبي في الموافقات 2/ 268 في قياس المصالح والمفاسد، ما نصه: “لمَّا ثبت أن الأحكام شُرعت لمصالح العباد، وكانت الأعمال معتبرة بذلك لأنه مقصود الشارع، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقاً والمصلحة مخالفة، فالعمل غير صحيح وغير مشروع، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لنفسها وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها”، وعلى ذلك إذا لم يحقق القتال المصالح المرجوة منه وحقق المفاسد، أو رجحت كفة مفاسد القتال على مصالحه: كان القتال ممنوعاً محظوراً، وعلى ذلك تواترت أقوال العلماء، ونذكر منها: قول ابن تيمية في مجموع الفتاوى28/ 29، 230: “إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات وتزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منهما، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فيُنظر في المعارِض له، فإن كان الذي يفُوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون مُحَرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته”، ويقول في الفتاوى الكبرى5/ 48، وبنحوه مجموع الفتاوى20/ 48 وما بعدها: “الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإنها ترجيح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين وتفويت أدناهما، وتُدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناها، قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما.. البقرة/ )، فتبين أن السيئة تُحتمل في معرضَين: دفْع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تُحصل إلا بها، والحسنة تترك في موضعين: إذا كانت مفوِّتة لما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة، هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية، أما سقوط الواجب لمصلحة في الدنيا وإباحة المحرم لحاجة في الدنيا، كسقوط الصيام لأجل السفر، وسقوط محذورات الإحرام وأركان الصلاة لأجل المرض، فهذا باب آخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج”أ.هـ، وإنما نتكلم هنا عن مصالح تتعلق بالجهاد الأهم والأولى وهو تعلم الهدى ودين الحق الذي أولاه ابن القيم ما يستحقه من الأهمية وذلك في كتابه (زاد المعاد)، كما تتعلق بما يليها من أضرب الجهاد التالية، من: دعوة الناس إلى هذا العلم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن مجاهدة الشيطان برد الشبهات، ومن مجاهدة المنافقين بالحجة والبيان، كما تتعلق بمصلحة حفظ الأنفس وحماية البيضة وإعطاء الصورة الحقيقية والمثلى للإسلام، مقابل مفاسد: الجهل حتى بأحكام الجهاد، وتكفير الناس والمجتمعات الإسلامية وتنفيرهم من الإسلام وتشويه صورته بالتقتيل والتذبيح والإسباء من غير ما ضابط ولا تقدير لمصلحة أو مفسدة، وتكالب دول الغرب وإنفاذ مخططاتهم التي يأتي على رأسها الإطاحة بكل ما هو إسلامي، وإيجاد الفرص وتحينها للقضاء على الشباب الذي دُفع إلى مقصلة سبق وأن أعدها له دون أن يدري أعداء الإنسانية ممن لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ناهيك عن المجازر التي تقيمها الجماعات التكفيرية وعلى رأسها جماعة الإخوان بفصائلها وذيولها ضد جيوش المسلمين وداخل ديار الإسلام، وعن تعطيل مصالحهم وتخريب ممتلكاتهم وإفساد حياتهم.. والله نسأل أن يحقن دماءنا ويحفظ ديارنا ويجمع كلمتنا، وأن يرد ضالنا إلى دينه مرداً جميلاً، وأن يهدِ شبابنا لما يحب ويرضى ولما فيه خيري الدنيا والآخرة.. اللهم آمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن نهج نهجه إلى يوم الدين.. وبعد: فقد أثبتت الأيام وأكدت مجريات الأحداث، مدى تقارب الجماعات الجهادية التي تُجرم وتستحل الدماء الزكية ? وآخرها في يناير الماضي: سقوط ما يربو عن الـ (130) بمصر ما بين قتيل وجريح، ومقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة حرقاً ? بجماعة الإخوان المسلمين، ومدى ارتباط بعضهما ببعض، حتى أصبح التدليل على خلاف ذلك ضرباً من العبث ومضيعة الوقت، وحسبك في ذلك ما جاء بهذا الخصوص في تقرير (جون جنكيز) سفير بريطانيا السابق بالسعودية، وافتخار د. القرضاوي بأن أبا بكر البغدادي كان عضواً سابقاً بالجماعة.. ولا غرو فالجامع المشترك بين جميعهم هو غياب صحيح الدين والعقيدة، وشيوع الفكر البنائي والقطبي الماثل في تكفير المجتمعات الإسلامية، والعمل من ثمّ على تقويضها ومحاربة جندها وشرطتها باعتبارهم المدافعين عنها والذّابّين عن حياضها، بل ومحاربة أهلها وشعوبها لكونهم الراضين بأحكامها والساكتين عن منكراتها.. هكذا سولت شياطين الجن لشياطين الإنس فاستحلت على إثر ذلك دماء الموحدين، فمن مدارس ابتدائية تكتشف أمامها قنابل بدائية الصنع، ومن مجمعات قضائية تفجر فيها أحياناً، ومن مقرات أمنية يُهلكون في محيطاتها الحرث والنسل، ومن كمائن لأفراد الحراسة يُتربص بها لحين الفتك بمن فيها، ومن شرطة يُدبَّر في الخفاء للنيل منها ليل نهار، ومن رجال مرور يكونون ضحايا اعتداءاتهم المفرطة في التكرار، ومن حافلات وعربات قطار ومترو تقلّ مئات وآلاف يتم إشعالها بمواد الوقود الحارقة، ومن أبراج كهرباء جعلوا ليل المستفيدين منها جراء تدميرها قِطعاً مظلِمة، ومن مظاهرات يرومون من ورائها إراقة دماء لتصديرها للغرب بغرض المتاجرة، ومن جنود موحدين وأوفياء لأوطانهم ولمجتمعاتهم، يحاط بهم هنا وهناك ويتم قتلهم بالجملة وبالعشرات، ونذكر على سبيل المثال: (مقتل 17 جندي وإصابة 7 فيما عرف بمذبحة رفح الأولى في 17 رمضان الموافق 6/ 8/ 2012، مقتل 25 وإصابة 2 برفح الثانية في 18/ 8/ 2013، مقتل 9في 11/ 9، مقتل 16 وإصابة أكثر من 134 في 24/ 12 من نفس العام، مقتل 4 في أول ليالي رمضان الموافق 28 / 6/ 2014 برفح الثالثة، مقتل 23 بالفرافرة في رمضان أيضاً الموافق 20/ 7/ 2014، مقتل28 وإصابة 26بكمين كرم القواديس في 24/ 10/ 2014، مقتل 46 وإصابة 90 حسب المصادر المموِّلة والداعمة لهم في 29/ 1/ 2015).. وهكذا والقوائم طويلة، وإذا قيل لهم مع كل هذا: إنه تعالى (لا يحب الفساد) و(لا يصلح عمل المفسدين) لا يبالون، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا: إنما نحن مصلحون) وقد (جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً)، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ولو عرضنا هذه الأوضاع على مقاييس الشرع، لوجدنا أن دين المسلمين في واد وما يفعله أولئك الأفاكون المفسدون في واد آخر، ولظهر لنا لأول وهلة أن البون بين ما أمر به الله ورسوله وأجمعت عليه الأمة وبين ما يفعلونه، جِد شاسع وبعيد، ولا أدل على ذلك من توفيق الله لكثير ممن كانت خاتمة حياتهم على أيديهم، من النطق بكلمة الحسنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، فهذا مع قول النبي : (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله دخل الجنة)، و(حرم الله عليه النار)، إيذان بأن أولئك يعبثون بأرواح أهل الإيمان من الموحدين.
وحتى تستشعر فداحة الخطب في إراقة الدم المعصومة، والتي لم يحدث أن أله أصحابها عليّاً مثلاً أو غيره، كما يفعلون هم بتأليههم البنا وسائرَ قادتهم بطاعتهم العمياء في المعاصي، كما لم يأت أحدُ من قُتلوا على أيديهم، بـ (ناقض من نواقض الإيمان) يستوجب الفتك به، أقول: حتى تستشعر فداحة هذا الخطب، لك أن تتأمل وعيد الله الشديد في قوله: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً.. النساء/ 93)، وقول نبي الهدى كما في البخاري (6862): (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)، وقوله فيه (391): (من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا، فذلك المسلم الذي له ذمة الله ? أمانه وضمانه ? وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته)، وقوله كما في صحيح الترمذي للألباني: (لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)، وقوله فيه: (لزوال الدنيا، أهون عند الله من قتل رجل مسلم)، وقوله كما في صحيح أبي داود للألباني: (كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركاً، أو مؤمن قَتل مؤمناً متعمداً)، وقوله في خطبة الوداع كما في الحديث المتفق عليه: (إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، إلى يوم تلقون ربكم، ألا هل بلغت؟، اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد منكم الغائب، فرب مبلَّغ أوعى من سامع)، وقوله كما في السلسلة الصحيحة (2697): (يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبِّباً قاتله بيده الأخرى، تشجب أوداجه دماً حتى يأتي العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني!، فيقول الله للقاتل: تعسْت، ويُذهب به إلى النار)، وكذا هو الحال مع المعاهَدين والمستأمنين من غير المسلمين كما أفاده قوله في البخاري (3166): (من قتل معاهَداً لم يرِح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً).. ولك أن تتأمل مع كل هذه النصوص، ما كان من أمر الرسول الأكرم حين أقبل أسامة بن زيد الحب بن الحب على قتل مشرك نطق بكلمة التوحيد مجرد نطق، واستنكار الرسول له بشدة قائلاً مراراً كما في الحديث المتفق عليه: (أقتلته بعد أن قالها؟)، ومراجعة أسامة بعدُ وهو يقول للنبي: (يا رسول الله لقد قالها متعوذاً) أي: خوفاً من السيف، والنبي يكرر في نبرة حادة ولهجة شديدة، مؤكداً حرمة دمه وهو الذي قضى حياته كلها مشركاً: (هلا شققت على قلبه؟!)، وقول أسامة: (فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)، وقول شارحيه فيما استنبطوه من الحديث: أن فيه “أعظم دليل على حرمة دماء المسلمين وعِظَم جرم من يتعرض لها، ودليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول: أن الأحكام يحكم فيها بالظواهر، والله تعالى يتولى السرائر”.. لتتأكد أنه لا عذر على الإطلاق في سفك الدماء من قِبَل أولئك الذين يسيئون إلى الإسلام أكثر من أعدائه، ويتلذذون ويكبّرون عند قتل كل مسلم كفروه، ويمرقون من الدين مروق السهم من الرمية.
وما سبق يجعلنا نقول: إنه عندما يكشف رسول الإنسانية عن أن الجهاد في سبيل الله يحرُم أن يكون تحت راية عُِمِّية، على نحو تلك التي يحمل لواءها خوارج العصر، بالمخالفة لقوله فيما رواه مسلم في باب (وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند الفتن): (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهليه، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل، فقِتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يَتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه).. وعندما نعرف أن المقصود بالعمية كما أفاده النووي: “الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور، أو التقاتل للعصبية كما قاله إسحاق بن راهويه”.. وعندما نصل إلى أن هذه المعاني تنسحب على الفِرق التكفيرية المتناحرة فيما بينها والمتكالبة على كراسي الحكم، والمتمثلة في داعش وجماعة الإخوان وكل من تحالف معها أو خرج من تحت عباءتها بدءً من حماس التي ترمي مخالفيها من أسطح ونوافذ العمارات في غزة ولا تبالي، وانتهاء بأنصار بيت المقدس التي بايعت داعش في 10/ 11/ 2014، كونها جميعاً فرقاً مبتدعةً وبعيدة عن صحيح الدين والاعتقاد على ما أوضحناه بإفاضة في مقالات سابقة، وكونها تقوم على الغضبة للجماعة والانتصار للعصبية المنتنة لرجل أو رجال أفضوا إلى ما قدموا، وتقوم كذلك ?غير الجهل بأصول الدين وصحيح الاعتقاد، وتحقير صلاتنا إلى صلاتهم ? على ترك أهل الأوثان ومحتلي الأرض ومغتصبي العرض من أعداء الإسلام، بل وعلى العمل لحساباتهم وبتمويلاتهم، ووفق مخططاتٍ وفخاخٍ وُضعت للوقيعة بينهم وبين أبناء جلدتهم، رغبة في تفكيك جيوش المسلمين وتفتيت وإضعاف دِولهم، بل ولإفنائهم هم في النهاية دون أن يدروا، وتقوم أيضاً على تكفير وتقتيل أهل الإيمان ممن يُصَلون ويصومون ويشهدون شهادة الحق ويختمون بها حياتهم، كما جرى في حادثة استشهاد من احترقت طائرتهم شمال سيناء في 26/ 1/ 2014 بفعل قذائف أطلقت عليهم، وسمعناهم ينطقون بالشهادتين، وكما جرى مع أولئك الذين قتلوا غيلة وهم يفطرون بعد صيامٍ وصلاةٍ لمغرب يوم من رمضان العام الماضي، وغيرهم كثير.. وعندما نعلم أن جهاد من ذكرنا صادر عن جَهَلة بالعلوم الشرعية وحديثي عهد بالإسلام، وعلى حساب الحكمة في نشر الدعوة ورفع راية الإسلام السمح على النحو الذي رسمه لنا رسولنا وفصَّل القولَ فيه علماؤنا، وجاء لَهْثاً وراء مُلكٍ أو كرسي أو خِلافةٍ ليست على نهج النبوة وأخبر نبي الهدى أنها تكون في قريش دونهم، فضلاً عن كونه جهاداً غير منضبط بضوابط الشرع، وقائماً على شق الصف ومفارقة جماعة المسلمين ونزع يد الطاعة من أولياء أمورهم، وقائماً كذلك على التحريش بجند المسلمين وإكفارهم واستحلال دمائهم، كل ذلك بالمخالفة لما أجمعت عليه الأمة.. وعندما نضيف إلى كل ما سبق، قوله فيما أخرجه النسائي (3933) وأحمد (16005) وصححه الألباني: (يَجِيءُ المقتول بِقَاتِلِه يَومَ الْقِيَامة فَيَقولُ: سَل هَذَا فِيم قَتَلَنِي؟، فَيَقول: قَتَلتُهُ عَلَى مُلْكِ فُلان)، قَالَ جُندَبٌ: (فَاتَّقِهَا)، قال السندي في شرح سنن النسائي: “قَوْله ( فَاتَّقِهَا)، أَي: فَاتَّقِ هذه السيئة القبِيحة المُؤَدّيَة إِلَى مِثل هذا الجواب الفَاضح”.. تَيَقنَّا أن نبي الرحمة إنما يُشرِّع لنحو ما يجري في زماننا لنحذره، ولئلا نقع نحن معاشر أهل السنة والجماعة فيما يخالف الشرع.
وإنما قلنا أن جهاد من ذكرنا ليس منضبطاً بالشرع، لكونه ? بالإضافة إلى ما ذكرنا ? لم ينتظم خلف إمام ممكن على ما نص عليه قوله كما في البخاري: (إنما الإمام جُنّة، يُقاتَل من ورائه ويُتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدَل كان له بذلك أجر، وإن قال بغيره فإن عليه مثله)، ولكون علماء الأمة أجمعوا على ذلك كما ترجم له ابن تيمية في قوله في الواسطية: “ويرون ? يعني: أهل السنة فيما أجمعوا عليه ? إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبراراً كانوا أم فجاراً”، وابن قدامة في قوله في المغني13/ 16: “وأمْرُ الجهاد موكولٌ إلى الإمام واجتهاده، ويَلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك”، ومن المحدثين ابن عثيمين في قوله في الشرح الممتع8/ 25: “لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر، لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور، وليس أفراد الناس”، كما أنهم جعلوا من الجهاد وسيلة لنشر دعوة الحق وليس غاية في حد ذاته، ونظروا ? باعتبار الجهاد فريضة ? إلى مقاصده ومآلاته ونتائجه، وخلصوا ? انطلاقاً من قوله تعالى: (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله.. الأنفال/ 49) ? إلى أنه “فُرِض لمنع الفتنة ومحق الشرك، فإذا ما أدى إلى الفتنة ولم يحقق مقاصده المشروعة، فهو ممنوع شرعاً وعقلاً”، وإلى أن شأنه في ذلك شأن باقي ما فرض الله على عباده، “فالحج مثلاً فرض، ولكنه يسقط إذا لم يأمنِ الحاج على نفسه وماله من قطّاع الطريق، فإذا خرج الحاج في هذه الحالة قتله اللصوص وأخذوا ماله، فلم يحقق المصلحة من الحج، ووقعت مفسدة قتْلِه وأخْذِ ماله!، والصوم أيضاً فرض، لكنه يسقط في حالة المرض المزمن الذي يزداد بالصوم، لأن المفسدة هنا أعظم من مصلحة الصوم، ولأنه إذا صام في هذه الحالة، فقد يذهب الصوم بحياته وينقطع عمله بالكلية بما فيه الصوم وغيره”، كذا ص 50 من كتاب (تسليط الأضواء على ما وقع في الجهاد من أخطاء) من سلسلة مراجعات الجماعة الإسلامية بمصر، وفيه نقلاً عن الشاطبي في الموافقات 2/ 268 في قياس المصالح والمفاسد، ما نصه: “لمَّا ثبت أن الأحكام شُرعت لمصالح العباد، وكانت الأعمال معتبرة بذلك لأنه مقصود الشارع، فإذا كان الأمر في ظاهره وباطنه على أصل المشروعية فلا إشكال، وإن كان الظاهر موافقاً والمصلحة مخالفة، فالعمل غير صحيح وغير مشروع، لأن الأعمال الشرعية ليست مقصودة لنفسها وإنما قُصد بها أمور أخرى هي معانيها، وهي المصالح التي شرعت لأجلها”، وعلى ذلك إذا لم يحقق القتال المصالح المرجوة منه وحقق المفاسد، أو رجحت كفة مفاسد القتال على مصالحه: كان القتال ممنوعاً محظوراً، وعلى ذلك تواترت أقوال العلماء، ونذكر منها: قول ابن تيمية في مجموع الفتاوى28/ 29، 230: “إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات وتزاحمت، فإنه يجب ترجيح الراجح منهما، فإن الأمر والنهي وإن كان متضمناً لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة، فيُنظر في المعارِض له، فإن كان الذي يفُوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون مُحَرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته”، ويقول في الفتاوى الكبرى5/ 48، وبنحوه مجموع الفتاوى20/ 48 وما بعدها: “الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وإنها ترجيح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين وتفويت أدناهما، وتُدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناها، قال تعالى: (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما.. البقرة/ )، فتبين أن السيئة تُحتمل في معرضَين: دفْع ما هو أسوأ منها إذا لم تدفع إلا بها، وتحصيل ما هو أنفع من تركها إذا لم تُحصل إلا بها، والحسنة تترك في موضعين: إذا كانت مفوِّتة لما هو أحسن منها، أو مستلزمة لسيئة تزيد مضرتها على منفعة الحسنة، هذا فيما يتعلق بالموازنات الدينية، أما سقوط الواجب لمصلحة في الدنيا وإباحة المحرم لحاجة في الدنيا، كسقوط الصيام لأجل السفر، وسقوط محذورات الإحرام وأركان الصلاة لأجل المرض، فهذا باب آخر يدخل في سعة الدين ورفع الحرج”أ.هـ، وإنما نتكلم هنا عن مصالح تتعلق بالجهاد الأهم والأولى وهو تعلم الهدى ودين الحق الذي أولاه ابن القيم ما يستحقه من الأهمية وذلك في كتابه (زاد المعاد)، كما تتعلق بما يليها من أضرب الجهاد التالية، من: دعوة الناس إلى هذا العلم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومن مجاهدة الشيطان برد الشبهات، ومن مجاهدة المنافقين بالحجة والبيان، كما تتعلق بمصلحة حفظ الأنفس وحماية البيضة وإعطاء الصورة الحقيقية والمثلى للإسلام، مقابل مفاسد: الجهل حتى بأحكام الجهاد، وتكفير الناس والمجتمعات الإسلامية وتنفيرهم من الإسلام وتشويه صورته بالتقتيل والتذبيح والإسباء من غير ما ضابط ولا تقدير لمصلحة أو مفسدة، وتكالب دول الغرب وإنفاذ مخططاتهم التي يأتي على رأسها الإطاحة بكل ما هو إسلامي، وإيجاد الفرص وتحينها للقضاء على الشباب الذي دُفع إلى مقصلة سبق وأن أعدها له دون أن يدري أعداء الإنسانية ممن لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، ناهيك عن المجازر التي تقيمها الجماعات التكفيرية وعلى رأسها جماعة الإخوان بفصائلها وذيولها ضد جيوش المسلمين وداخل ديار الإسلام، وعن تعطيل مصالحهم وتخريب ممتلكاتهم وإفساد حياتهم.. والله نسأل أن يحقن دماءنا ويحفظ ديارنا ويجمع كلمتنا، وأن يرد ضالنا إلى دينه مرداً جميلاً، وأن يهدِ شبابنا لما يحب ويرضى ولما فيه خيري الدنيا والآخرة.. اللهم آمين
الرجوع إلى الحق.. الفضيلة الغائية في الزمن الرديء
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه على يوم الدين.. وبعد:
فإنما قصدتُ بـ (الزمن الرديء): رداءةَ ما وصلنا إليه في زماننا من مخالفات شرعية، ندركها دون ما حتى نية لتركها أو تداركها، وفظاعة ما يجلبه شبابُ وجماعاتُ ما يعرف بالإسلام السياسي، وما يوقعونه باسم الإسلام بأنفسهم وبأمة المعصوم r ? وقد تركها وتركهم على الواضحة ? من أخطار جسيمة صاروا إزاءها أشبه بمن يلقي بنفسه وقومه إلى التهلكة.. فأدلة الرّادّين على من حادوا في غابر أزماننا عن الطريق ممن جنحوا لفكر الإرجاء أو التكفير أو التشيع أو الاعتزال، ماثلة للعيان ومكتظة بها أسفار سلفنا وخلفنا، ومع ذلك نرى من يستعيد هذه الطوام، ومن يتهاون فيها، ومن يتحالف على حساب دينه مع أصحابها، ومن يُعين بشكل أو بآخر على ذيوعها، كذا دون ما أدنى استيعاب لسابق تجربة ولا أدنى تحذير من مغبتها.. والنصوص في نبذ الشرك وما يؤدي إليه من إحباط العمل، هي في الكتاب والسنة لا تحتاج إلى بيان، وترى مع ذلك من يتغافل عن خطره بل ويؤصل لخفيِّه وجليه وظاهره وباطنه وصغيره وكبيره دون أن يبالي، وقُلْ مثل ذلك فيما شاب توحيد الصفات من تعطيل وتحريف وتجسيم وتشبيه وتكييف وتأويل.. وأدلة النهي عن الفساد والإفساد ناطقة بها آي مصاحفنا، ونازل بسببها ألوان العذاب على الأمم قبلنا، ومع ذلك تجد من يتعامى عن تلكم الآيات، ولأدنى ملابسة ينقضها ويلوي أعناقها ويُعرِّض نفسه للجزاء الذي أعده الله لمرتكبيها.. وبدُو البغضاء من أفواه من يناصبونا العداء وتربصه بنا ووُدُّه عنادنا وطمعه في أوطاننا واستمرارية قتاله لنا، بل وظهور النصوص الموجبة لإعلان براءتنا منه، وأن ذلك مفض إلى النفاق ومرَض القلوب، أوضح من الشمس في رابعة النهار، وينطق به واقعنا ومن قبلُ كتاب ربنا في نحو قوله: (ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن يُنزَّل عليكم من خير من ربكم.. البقرة/ 105)، وقوله: (ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا.. البقرة/ 217)، وقوله: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم.. البقرة/ 120)، وقوله: (يا أيها آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.. آل عمران/ 118)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين.. آل عمران/ 149)، وقوله: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً.. النساء/ 138، 139)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً.. النساء/ 154)، أي: حجة عليكم في إحلال العقوبة بكم، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.. المائدة/ 51، 52)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق)، إلى قوله: (تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل. إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون.. الممتحنة/ 1، 2)، وقوله: (يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم.. الممتحنة/ 13).. ومع كل ذلك ترى من يرتمي في أحضانه ويثق فيه، ويتخذه ولياً من دون المؤمنين وعلى حساب ولائه لدينه ومجتمعه وأهله وبني وطنه وإن صاموا وصلوا وحققوا الشهادتين.. وهكذا، وحال جماعة الإخوان في كل ما ذكرنا ? لاسيما بعد أن مكّن الله لهم ? لا يخفى على أحد.
ولك أن تقرأ وترى بطريق الفيديو ? في مجال الإفساد بمصر المحروسة وعلى سبيل المثال لا الحصر ? ما نشر في 23/ 2/ 2015 بالأسماء والاعترافات: “القبض على 9 متهمين من جماعة الإخوان اعترفوا: بإشعال النيران في مكتب بريد عين شمس، ووضع عبوات ناسفة محلية الصنع داخل محطة سكك حديد وأمام المحكمة الجزئية بالمراغة، ومقتل نجل المستشار المورلى بالمنصورة، ووضع عبوة ناسفة محلية بالقرب من قسم شرطة ثان سوهاج، ومحاولة اقتحام وإطلاق الأعيرة النارية على مركز شرطة سنورس والتعدي على مواطنين أثناء المسيرات، وإطلاق الأعيرة النارية على سيارة تأمين محافظ الفيوم، وإطلاق الأعيرة النارية على سيارتي نقل محملتين بزيوت البترول الخام على طريق مصر أسيوط الغربي، وإطلاق الأعيرة النارية على ثلاث سيارات محملة بأسطوانات البوتاجاز وإصابة قائد إحداها بطلق ناري على ذات الطريق، وإحراق قطار (إيتاي البارود ? الخطاطبة) وإطلاق أعيرة نارية، وحريق عمد بمحل صالون حلاقة، وشروع في قتل عامل بمخبز بقرية الخطاطبة المحطة وإحداث إصابة به برش خرطوش”.
ولك أخي القارئ أن تتأمل ما هو أدهى وأمَر، لكونه الأساس في إعطاء المبرر لِكَمِّ الفساد والإفساد التي وقع من هذه الجماعة مما لم يسبق له نظير في تاريخ البشرية المعاصر، وأن تتعجب من حالة المظلومية التي يجيد الإخوان صناعتها ولمدد طويلة قد تمتد لعشرات السنين ولقطاعات كبيرة جداً من الشباب، لتعرف أن الإخوان هم وراء كل ما جرى في فض اعتصام رابعة والنهضة في 14/ 8/ 2013 وما أعقبه من أحداث على مستوى الجمهورية، ذلك أن فيديوهات بلغت 14 ألف مقطع، أثبتت تورط قيادي اعتصامي رابعة والنهضة في استخدام السلاح، وأن المعتصمين هم من بادروا باتخاذ التحصينات وإطلاق النار في وجه الشرطة وقوات الفض وقتلوا منهم 206 من إجمالي من تسببوا في قتلهم ? لكونهم البادئين، والعارفين بموعد الفض، والمختبئين في المتظاهرين أثناء الرد على مصادر نيرانهم، وغير المستجيبين لنداءات الفض المحلية والدولية ? وعددهم في مصر وسائر محافظاتها 963 من تاريخ الفض وحتى 14/ 11/ 2013، هي حصيلة الـ 206 شرطي وجندي + 726 مدنيين + 30 جثة مجهولة الهوية، شملت: مذبحة كرداسة، وما أسفر عن اقتحام وحرق وتفجير وإتلاف 23 مقراً للشرطة، و52 كنيسة ومنشأة كنسية، والعديد من مديريات الأمن والمنشآت العامة وإدارات المرور، وأن “هذه الإحصائية ? حسب مصلحة الطب الشرعي وكشوف أعلنتها بالأسماء والعناوين ? تهدف للرد على الأرقام المغلوطة بأن أعداد الوفيات تتجاوز الآلاف.. وتتحدى أي شخص أن يزيد اسماً واحداً لتلك الكشوف”.. أقول: لك أن تتأمل ما ذكرنا لتعرف كم المخالفات التي وقع فيها الإسلاميون ? أياً كان عدد القتلى والمصابين ? لما جاء عن النبي في تجنب الفتن والتورع عن سفك الدماء إبَّانها، ونذكر منها، قوله r لأبي ذر ? وهو في صحيح الجامع 7819 ?: كيف أنتَ إذا أصاب الناس موت أي: كثير، قلت: الله ورسوله أعلم، قال: (عليك بالصبر)، أو قال: (تصبر).. وفيه: قلت: يا رسول الله أفلا آخذ سيفي وأضعه على عاتقي، قال: (شاركت القوم إذن)، قلت: فما تأمرني؟؛ قال: (تلزم بيتك)، قلت: فان دخل عليَّ بيتي؟، قال: (فان خشيتَ أن يبهرك شعاع السيف، فألق ثوبك على وجهك يبوء بإثمك وإثمه).. وقوله r في وصية لابن عمرو ? والحديث في الصحيحة 205 ? (الزم بيتك واملك عليك لسانك، وخذ بما تعرف ودع ما تنكر، وعليك بأمر خاصة نفسك، ودع عنك أمر العامة).. وقوله فيما رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه من طريق سعد ابن أبي وقاص: (إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي والماشي فيها خير من الساعي، قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط إليَّ يده ليقتلني؟؛ قال: (كن كابن آدم الأول)، ثم تلا: (لئن بسطت إليَّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك.. المائدة/ 28)، إلخ.
ولك في مجال الإخلال بعقيدة الولاء والبراء والرد على شبهات قد تثار فيما سبق ذكره، أن تطالع ? في واحدة من أبشع جرائم العصر أيضاً على سبيل المثال ? ما نشر في 19/ 8/ 2013 تحت عنوان: (أوباما يطالب بوضع خطة للتدخل العسكري في مصر)، وإلى هنا يبدو الخبر عادياً باعتبار أمريكا دولة معادية، لكنك تعجب عندما تقف على تفاصيله التي تقول: “طالبَ الكونجرس الأمريكي من الرئيس أوباما استرداد مبلغ 8 مليار دولار استلمَهم المهندس (خيرت الشاطر) دعماً لجماعة الإخوان المسلمين مقابل تسليم 40 % ? وتقدر حسب مستشار الرئيس الفلسطيني (محمود الهباش) في حوا خاص مع صوت الأزهر في 13/ 3/ 2015 بـ 1600 كم ? من مساحة سيناء، لتهجير أهالي غزة إلى الأراضي المصرية والتوسعة على اليهود، والوصول من خلال ذلك إلى حل نهائي مريح للقضية الفلسطينية من وجهة نظر إسرائيل، وهو ما سبق أن رفضه مبارك إبان حكمه”, ولما أصبح (الشاطر) وأعوانه خارج السلطة أصبح أوباما في حرج أمام الكونجرس، فكان من الطبيعي أن يجيء الخبر بعدُ كرد فعل، بما نصه: “أوباما يطالب السيسي بتسليم 40% من أراضي سيناء، وفق وثيقة بيع تمت بينه وبين محمد مرسي، دفعت فيها أمريكا لحكومة مرسي 8 مليار دولار”.. فهذا بالمخالفة لما جاء في المادة 132من الدستور الذي وُضع في عهد د. مرسي، والتي تَنص على أن “رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورئيس السلطة التنفيذية.. يحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، ويراعي الحدود بين السلطات.. وبضميمة افتئات د.مرسي وتغوله على السلطة القضائية بتحصين قراراته من الطعن عليها، وتعديه سلطاته بالمخالفة للمادة السالفة الذكر.. وبضميمة ما كاد د.مرسي ومعه مكتب الإرشاد أن يوقع فيه البلاد من مواجهة مسلحة غير مأمونة العواقب مع معارضيه داخل البلاد بمسلميها ومسيحييها، تؤذن بحرب أهلية تقضي على الحرث والنسل، ومن معركة بالخارج مع إثيوبيا بسبب إشكالية (سد النهضة) من شأنها هي الأخرى أن تأتي على الأخضر واليابس.. وبضميمة استحواذه وجماعته على مقاليد البلاد بالمخالفة للدستور ولمبدأ المشاركة لا المغالبة الذي وعدوا به، واعتزامه تنفيذ خطة بوش الصغير ووزيرة خارجيته (كوندليزا رايس) في تفكيك الجيش المصري وإفشاء أسراره وإحداث الفوضى الخلاقة وإنفاذ مشروع الشرق الأوسط الجديد، لصالح أمريكا وإسرائيل ونظير إيصال الإخوان لسدة الحكم في مصر، أقول: إن هذا كله ? وغيره كثير مما يضيق به المقام ? يؤكد أن للسياسة رجالاتها وأن تولية د. مرسي أو غيره من قادة الإخوان منذ البداية، فضلاً عن مُطالبة الإخوان بعودة مرسي للحكم مرة أخرى، هو ضرب من العبث والبله والهذيان.. ومع أن شر البلية ما يضحك، لكن يبقى السؤال:
في أي دين تلتمس هذه الأعمال السالفة الذكر؟، وهل يجوز أن يعقد رئيس دولة محترمة صفقاتٍ، يتم بموجبها بيع أراضي وأملاك تلك الدولة التي اؤتمن عليها، فيكون كالمستعمر البريطاني الذي باع ما لا يملك لمن لا يستحق؟، وهل يجوز أن تُحتل أراضي المسلمين بأيدي وبتدبير المسلمين وباسم الإسلام، لتعطى للعدو الغاصب ولأشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود؟!.. الذي نعرفه أن العقد الذي بموجبه يصح ويصبح رئيس مصر رئيساً شرعياً لها ولشعبها، يبدأ بهذا القسم الذي فيه وبالحرف الواحد: (أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون.. وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه)، وأن مجرد التفكير في الإخلال بهذا العقد والحنث بهذا القسم عقوبته الخيانة العظمى، ومن قبل ذلك فسخ هذا العقد وإحالة هذا الرئيس للقضاء ليفصل في أمره وينال جزاؤه الذي قد يصل ? وبموجب القانون والدستور الذي أقسم بالأيمان المغلظة على احترامهما ? لعقوبة الإعدام، وأنه من البجاحة والسذاجة والحمق أن يطالب أهله وعشيرته بعودته أو بشرعيته التي تحلل منها وارتكب جنايات كبرى بنقضها.. والذي نعرفه كذلك فيما أجمعت عليه الأمة واستقر عليه أمر الشريعة: أن اغتصاب شبر من أرض المسلمين تحت أي مبرر، يفرض عليهم السعي لتحريره، لاتفاق أهل العلم على “أن شبراً ديس من أرض المسلمين بالمشرق، وجب على أهل المغرب أن يسعوا لاسترداده”، وأن ثمة توصيات في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية في 22من ذي الحجة 1389هـ الموافق 28من فبراير 1970م، تقضي بـ “أن الأرض المقدسة والقدس الشريف والمسجد الأقصى ملك للمسلمين كلهم، يتحتم على المسلمين في كل مكان أن يبادروا إلى تحمل واجباتهم في الجهاد والعمل على إرسال المجاهدين إلى ساحات القتال”، وبـ “أن الجهاد بالأموال والأنفس أضحى فرض عين.. ومن يتخلف عن تحمل أعبائه فقد سلك سبيلاً غير سبيل المؤمنين”.
ويحق لنا أن نؤكد الآن، على أن ما دَبّره الإخوان بشأن الإفساد الذي حصل بالفعل وعم بلاد المسلمين في مصر وليبيا وغيرهما وذكرنا منه أقل القليل، وما دبّروه بالأرض المسلمة فيما يخص الشأن الفلسطيني بالذات مما كاد أن يحصل لولا أن الله سلّم، إنما مرجعه إلى:
1-(كمال الطاعة) التي جعلها الشيخ البنا واحدة من بنود بيعته، وألزم بها في المكره والعسر جماعته وأتباعه، وتم بموجبها جعل زمام الأمور كلها في أيدي مجموعة من البشر تمثلت في مرشد أو مراقب عام وتنظيمِ دوليِّ، تُقَدّسُ أشخاصُهم ويُفرض أمرهم، وتُوضع الثقة التامة في علمهم وسياساتهم، ولو أدى ذلك إلى مخالفة الشرع الحنيف، وهذا واضح بجلاء في بيعاتهم التي سبق أن ذكرنا نصها وبينا عَوَرها في مقال: (بطلان بيعات جماعة الإخوان).. كما أنه واضح بجلاء فيما فعله البنا من تقسيم عموم الناس حيال دعوته ومنهجه وأصوله ومبادئه، حيث ذكر في (دعوتنا) ص 14ما نصه: “والناس عندما تبلغهم دعوة الإخوان، يكونون أحد أربعة أصناف: مؤمن ? متردد ? نفعي ? متحامل”، وهو ما أكده مرة أخرى حين أشار في رسالة التعاليم ص 369 إلى الميزان الذي يتعامل به الإخواني مع الآخرين، قائلاً: “والناس عند الأخ الصادق ستة أصناف: مسلم مجاهد، أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، أو ذمي معاهَد، أو محايد، أو محارب.. ولكلٍّ حكمه في ميزان الإسلام، وفي حدود هذه الأقسام توزن الأشخاص، والهيئات، ويكون (الولاء أو العداء)”، فخلع العصمة على دعوته وجعلها صنوان دعوة الإسلام، والميزان الذي على أساسه يعرف المسلم من الكافر والمجاهد من المحارب، ليتسنى له بعدُ أن يرسخ لمبدأ وعقيدة (الولاء أو العداء) على جماعته وعلى النحو الذي صرح به كما رأينا، وقد بينا خطأ ذلك أيضاً في مقالنا: (ادعاءات جماعة الإخوان امتلاكها الحق المطلق.. دليل انحرافها عن منهج الكتاب والسنة)، وأوضحنا أن هذا شأن من قال تعالى في حقهم: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)، وليتسنى له كذلك أن يصنَّف الناس على أساس دعوته، فمن آمن بها فهو المؤمن، وإلا فهو الجهل والجاهلية والخروج عن جماعة المسلمين والعداء والمفارقة للدين وللجماعة على ما سبق أن أوضحنا وأفاده قوله في رسالة التعاليم ص 17 عن (مرحلة التعريف): “وأريدُ بالطاعة: امتثال الأمر وإنفاذه توّاً في العسر واليسر والمنشط والمكره”، وقوله في (طور التكوين): “ونظام الدعوة ? في هذا الطور ? صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحيتين دائماً (أمر وطاعة) من غير تردد ولا مراجعة، ولا شكٍّ ولا حرج.. والدعوة فيه (خاصة)، لا يتصل بها إلا من استعد استعداداً حقيقياً لتحمل أعباء جهاد طويل المدى، كثير التبعات، وأول بوادر هذا الاستعداد: (كمال الطاعة)”، وقوله في (طور التنفيذ): “والدعوة في هذا الطور جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذا الطور إلا (كمال الطاعة كذلك)”.. وهذا ما تعانيه المجتمعات المسلمة الآن، وتجني حصاده، وهو ما بسببه تمرد فضيلة الشيخ محمد الغزالي على جماعة الإخوان وانشق عنها، وكان أن قال في كتابه (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث) وبالحرف: “إن الذين يحسبون أنفسهم جماعة المسلمين، يرون مخالفة قائدهم ضرباً من مخالفة الله ورسوله، وطريقاً ممهدة إلى النار وبئس القرار”، واستطرد ? رحمه الله ? يقول: “إلا أنني عزَّ عليَّ أن يلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، وأن تتجدد سياسة الخوارج مرة أخرى، فيُلعن أهل الإيمان ويُترك أهل الطغيان، وبم؟، باسم أن القائد وبطانته هم وحدهم أولو الأمر، وأن لهم حق السمع والطاعة، وأن الخارج عليهم يصدق فيه قول رسول الله r: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس بفارق الجماعة شبراً فيموت، إلا مات ميتة جاهلية)، وقوله: (من خلع يداً من طاعة، لقي الله لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، وهذه الأحاديث وأمثالها وردت في منع الفتوق الجسيمة التي يحدثها الشاغبون على الدولة، الخارجون على الحكام”، يقول: “بيدَ أن تعليم هذا الجنون، كان أسلوبَ تربيةٍ وتجميعٍ عند بعض الناس، أن يقال: إن الولاء للقيادة يُكفِّر السيئات وأن الخروج على الجماعة يَمحق الفضائل، أي إسلام هذا؟!، ومَن مِن علماء الأولين والآخرين أفتى بهذا اللغو؟، وكيف تلبسون الدِّين هذا الزي المنكر؟!، وهيهات! فقد تغلغل هذا الضلال في نفوس الناشئة حتى سأل بعضهم: هل يَظن المسلم نفسه مسلماً بعدما خرج من صفوف الجماعة؟، ولنفرض أن رئيس الجماعة هو أمير المؤمنين وأن له حقوق الحليفة الأعظم، فهل هذا يؤتيه على أتباعه حق الطاعة العمياء؟!، لقد كان الراسخون في العلم يَدعون إلى الله ويتجردون للدعوة، فكان الناس يرون طاعتهم من طاعة الله لأنهم تلقوا دروس معرفته عنهم، ثم جاء الراسخون في الجهل يطلبون حقوق القيادة، ويتحدثون عن قانون السمع والطاعة، ولست أعنِّف دعِيّا من هؤلاء على مزاعمه ومطالبه، فالأمر كما قيل: (بعض الناس طغاة لأننا نركع لهم)”.. لقد رفض الشيخ الغزالي الركوع لطغيان الجماعة، فعاش عزيزاً أبياً، وأكرم الله مرقده الأخير بأن جعل مثواه في البقيع بمدينة رسول الله r، بجوار أشرف الخلق وأكرمهم على المولى سبحانه، وهذا كلام رجل كان منهم في الصفوف الأولى ثم تبرأ من أفعالهم براءة المسلم من أفعال الكفار إ.هـ من تعليق مجلة الأزهر ص 644 من عددها الصادر في ربيع الأول/ 1436 الموافق يناير/ 2015.
وحقاً قال، فإن طلب الطاعة للبشر أيّاً ما كانت منزلتهم ودرجاتهم عند الله وقربهم منه، وإطلاقها واكتمالها على النحو السالف الذكر والذي تدعو إليه جماعة الإخوان ومن سار على دربهم، افتئات على الله ورسوله r حيث الطاعة المطلقة هي لهما دون ما سوهما، وما عداهما مما يكون لحكام المسلمين وولاة أمورهم، فمقيدة بألا تكون في المعصية، “ولعل هذا هو السرّ في حذف الفعل عند الأمر بطاعتهم وذكره مع طاعة الرسول ? في قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.. النساء/ 59) ? فإن الرسول لا يأمر إلا بطاعة الله، ومن يطعه فقد أطاع الله، وأما أولوا الأمر فشرط الأمر بطاعتهم، ألا تكون في معصية”، كذا ذكره السعدي في تفسيره الآية، وفي تفسيرها يقول الطبري إمام المفسرين، في حسم الخلاف في تعريف ولي الأمر، أهم الولاة أم العلماء والفقهاء؟: “وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قول من قال: (هم الأمراء والولاة)، لصحة الأخبار عن رسول الله r بالأمر بطاعة الأئمة والولاة فيما كان طاعة، وللمسلمين مصلحة”.. إلى أن قال: “فإذا كان معلوماً أنه لا طاعة واجبة لأحد غير الله أو رسوله أو إمام عادل، وكان الله قد أمر بقوله: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) بطاعة ذي أمرنا، كان معلوماً أن الذين أمر تعالى بطاعتهم من ذوي أمرنا، هم: الأئمة من ولاة المسلمون دون غيرهم من الناس.. وإذا كان ذلك كذلك، كان معلوماً صحة ما اخترنا من التأويل دون غيره”.. وهذا الذي رجحه ابن جرير، هو اختيار البيهقي في الجامع لشعب الإيمان 13/ 41 وقد احتج له بحجة أخرى، فقال: “والحديث الذي ورد في نزول هذه الآية، دليل على أنها في الأمراء”، ويعني به ما أخرجه البخاري ومسلم بشأن مَن بعثه النبي على رأس سرية من أصحابه، وأمرهم أن يطيعوه فأغضبوه، فقال: أليس أمركم النبي أن تطيعوني؟، قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً، فجمعوا، فقال: أوقدوا نارا،ً فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهمُّوا وجعل بعضهم يُمسك بعضاً ويقولون: فررنا إلى النبي من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ ذلك النبي فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف).. فإذ ما ضممنا إلى كل هذا، ما سنذكره من أن علماء الإخوان، هم ممن أطلق عليهم سلف الأمة مصطلح: (الأصاغر) وحذروا من أخذ العلم عنهم.. وأضفنا إليه وجوب طاعة الإمام المتغلب بإجماع الأمة، على افتراض كون الحاكم الفعلي لمسلمي مصر كذلك، وأن هذا ما تقضي به عقيدة أهل السنة والجماعة الذين:
1) استدلوا على ذلك بفعل ابن عمر حين امتنع عن مبايعة أيٍّ من ابن الزبير أو عبد الملك حتى غلب الأخير واستقام أمره فبايعه، وبانعقاد إجماع الفقهاء الذي عبَّر عنه ابن تيمية في منهاج السنة 1/ 528 بقوله: “فمتى صار قادراً على سياستهم إما بطاعتهم أو بقهره، فهو ذو سلطان مطاع إذ أمر بطاعة الله”، وابن حجر في الفتح 31/ 7 بقوله: “قد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء”.
2) وأوجبوا له بذل الطاعة، ونصحه، والقيام بنصرته، وأن يُعرف له عظيم حقه، وإيقاظه عند غفلته وإرشاده عن هفوته، وتحذيره من عدوه، وإعلامه بسيرة عماله، وإعانته على تحمل أعباء أمته، وردّ القلوب النافرة عنه إليه، والذبّ عنه بالقول والفعل على ما في ذلك من تفصيل ورد ذكرها في كتاب (معاملة الحكام) د. عبد السلام بن العبد الكريم ص74: 77.. أتضح بما لا يدع مجالاً للشك أن الإخوان المسلمين هم فرقة من فرق الخوارج، ينطبق عليهم أحكامها وتجري عليها شرعاً ما جري من فعل الصحابة بهم، كونهم جبلوا على ما جبلت عليه طوائف الخوارج في إخراج مخالفيهم من الملة، لاسيما من صرّح منهم بتكفير الحاكم الحالي من نحو ما وقع من وجدي غنيم وعبد المقصود وسلامة عبد القوي وأمثالهم من أئمة السوء والضلال، ما لم يثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيهم، ذلك أن العقيدة الصحيحة التي أجمع عليها أهل السنة، فيها: “ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ولا نقول لا يضر مع الإيمان ذنب لمن عمله.. ولا يخرج العبد من الإيمان إلا بجحود ما أدخله فيه.. والمؤمنون كلهم أولياء الرحمن، وأكرمهم عند الله أطوعهم وأتبعهم للقرآن.. ونرى الصلاة خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم.. ولا نشهد عليهم بكفر ولا بشرك ولا بنفاق ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله، ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد r إلا من وجب عليه السيف، ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة، ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة”إ.هـ من متن الطحاوية.. تلك هي عقيدة المسلم الحق، ولا يصح إيمانه إلا بها، لتضافر الأدلة عليها، وعليه أن يتجرد تماماً في رجوعه إليها، ويتبرأ من كل ما يخالفها، إذ شأن أهل السنة أن لا يعدلوا عن النص الصحيح وعما أجمع عليه علماء الأمة، ولا يعارضوه بمعقول ولا بقول فلان ولا فلان.. نسأل الله الهداية للجميع.
انتكاسة متديني الزمان.. في حكر وقصر وإخضاع الإسلام لفهم البنا وجماعة الإخوان//
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه على يوم الدين.. وبعد:
فقد سبق الحديث عن أكبر المصائب التي حلت بأمة الإسلام في زماننا، وأُولى الدركات المفضية إلى هلاكها، وأنها (الطاعة الكاملة) والعمياء التي أوجبها الإخوان لمرشديهم وأمرائهم من غير أن يكونوا ممكنين ولا أصحاب ولايات عامة، ولم يكتفوا بذلك حتى جعلوها في مصاف طاعة الله ورسوله ومن أوجب الإسلام طاعتهم من ولاة أمور المسلمين، وطوعوا باسمها ومن خلالها الإسلام والشباب السذج لأهوائهم فكان التخريب والتدمير والتقتيل باسم الإسلام الذي هو منهم ومن فِعالهم براء.. وتأتي ضمن تلك الطوام أيضاً وعلى رأسها:
2-(الفهم) للإسلام وتفريغه من مضمونه المتمثل في: التمسك بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة وأئمتها المتبِعين، ليقتصر معناه ويُلتمس ? من وجهة نظر جماعة الإخوان ? في أفكار البنا وهو حصافي شاذلي أشعري غير مؤهَّل ولا محصِّل لأدوات العلم الشرعي ولا لسبل الاجتهاد وطرق الاستنباط، مميَّعٍ في عقيدته، يرى تجميع الناس على غير أساس من كتاب أو سنة أو صحيح معتقد، ومن ثم فلا غرابة أن تجد بين صفوف جماعته البر والفاجر والسني والبدعي وصحيح العقيدة وفاسدها، لا تُؤمن معه الفتنة، ويرى ? فيما أصَّله بالبند العاشر من أصوله العشرين وفي رسالة (العقائد) ص 61، 74، 76 ? أن نصوص الصفات من المتشابه الذي يجب تفويضها وأن ذلك هو الأسلم وأن السلف متفقون مع الخلف في أصل التأويل، فجمع بذلك أسوأ ما لدى المعطلة والمفوضة والمؤولة، كما لا يرى باساً من شد الرحال إلى المقابر ولا في التوسل بمن فيها كذا في (مذكرات الدعوة والداعية) ص 33 ورسالة التعاليم ص 11، لا يؤمن بمهدي أهل السنة الذي تواترت الأخبار على ثبوته، وعن تحالفاته وجماعته مع أعداء الإسلام حدث ولا حرج، غير معلنٍ براءته لا من اليهود الذي قرر كما في (أحداث صنعت التاريخ) 1/ 409، 410 أن خصومته معهم “ليست دينية، لأن القرآن حضّ على مصافاتهم ومصادقتهم”، وتلك على حد ما ذكر الشيخ ابن باز رحمه الله “مقالة خبيثة”، ولا من الشيعة وأضرابهم من أهل الزيغ والضلال، وكم سعى للتقارب فيما بينهم وبين أهل السنة، والغريب أن يقع منه ومن جماعته ذلك في الوقت الذي يعادون كأشد ما تكون المعاداة مخالفيهم من أهل السنة، وهو إلى ذلك خارجي يرى نفسه إماماً للمسلمين وأنه على الحق المبين، ويصر ومنظرو جماعته على جعل بيعته عامة بمثابة البيعة للإمام الممكن، ويطوعون لأجل ذلك الأحاديث، يحرفونها عن مواضعها ويجتزئونها من سياقاها، يوالي وجماعته ويعادون على ذلك وعلى عموم منهجه، ويرى أن الخروج على جماعته خروج على جماعة المسلمين وقلما يسلم من لم يبايعه أو جماعته من أذاهم، له رسالة عن الجهاد فيها يقرر فرضيته وحِكمة مشروعيته ويعدد فضائله وفضائل الشهادة، ويختمها بقوله: “أيها الإخوان: إن الأمة التي تُحْسن صناعة الموت وتعرف كيف تموت الموتة الشريفة، يَهبُ الله لها الحياة العزيزة في الدنيا والنعيم الخالد في الآخرة، وما الوهن الذي أذلنا إلا حب الدنيا وكراهية الموت، فأعِدُّوا أنفسكم لعمل عظيم، احرصوا على الموت توهب لكم الحياة، واعلموا أن الموت لابد منه وأنه لا يكون إلا مرة واحدة، فإن جعلتموها في سبيل الله كان ذلك ربحَ الدنيا وثواب الآخرة.. فاعملوا للموتة الكريمة تظفروا بالسعادة الكاملة، رزقنا الله وإياكم كرامة الاستشهاد في سبيله”، ورسالة أخرى إلى الشباب يوسع فيها من دائرة طموحه وتطلعاته ويوجههم فيها ? بعد إيجاد الفرد المسلم والبيت المسلم والحكومة المسلمة ? إلى ضرورة أن “تعود راية الله خفاقة عالية على تلك البقاع التي سعدت بالإسلام حيناً من الدهر.. وأن يعود البحر الأبيض والبحر الأحمر بحيرتين إسلاميتين كما كانتا من قبل.. وأن نُعلن دعوتنا على العالم وأن نُبلغها الناس جميعاً، وأن نُعم بها آفاق الأرض وأن نُخضع لها كل جبار”، يطلب كل ذلك بنفسه ولجماعته مع مخالفة ذلك لما ورد في صريح السنة ولما عنون له النووي في رياض الصالحين في: (باب النهي عن سؤال الإمارة)، و(باب النهي عن تولية الإمارة لمن سألها أو حرص عليها فعرَّض بها)، ومن قبل في (باب وجوب طاعة ولاة الأمور في غير معصية)، ودون ما أخذ بالأسباب ولا أن يكون هو ولا أحد من جماعته ممكناً، ودون ما استيعاب لماضيه الصادم دائماً بأنظمة الحكم المحسوبة على الإسلام، والذي أفضى بالطبع وعن طريق جهازه السري إلى العديد من الاغتيالات: (القاضي أحمد الخازندار 22/ 3/ 1948واللواء سليم زكي حكمدار العاصمة 4/ 12/ 1948 بعد عدة محاولات لاغتياله ومحمود فهمي النقراشي رئيس الحكومة 28/ 12/ 1948.. إلخ)، والحرائق والتفجيرات: (شركة الإعلانات الشرفية 12/ 11/ 1948، وشيكوريل وسينمات مملوكة لليهود وبعض المساكن في حارة اليهود بالقاهرة وحادثة فندق الملك جورج وستة من أقسام الشرطة بالقاهرة في 26/ 11، 12/ 1946 ومحلات جانتينو في 7/ 1948 ومحاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب في 12/ 1/ 1949.. إلخ)، وأودي في النهاية بحياته وبحياة الخلصاء من جماعته، بل ودون ما دعوة قبل ذلك إلى وحدة الأمة على صحيح الدين والاعتقاد، ولا تنويه إلى أن الجهاد الحقيقي يجب أن يكون تحت راية وبإذن الإمام الحاكم، ولا آخذٌ في الاعتبار أن ما يقوله هو افتئات على حكام المسلمين المنوط بهم فعل ذلك وإن ظلموا وفجروا، وأن مهمتنا تنحصر في دعوتهم إلى صلاح الدنيا بالدين ما أمكن، كونهم القادرين على تسيير الجيوش وتحرير ما اغتُصب من أراضي المسلمين على نحو ما جرى لليهود في حرب 73 وما يجري الآن ضد الشيعة الحوثيين في اليمن، وأن هذا ما نطقت به الأحاديث وانعقد عليه إجماع الأمة، ونذكر من ذلك قوله كما في صحيح البخاري: (إنما الإمام جُنة، يقاتَل من ورائِه ويُتقى به، فإن أمر بتقوى الله وعدل كان له بذلك أجر، وإن قال بغيره فإن عليه مثله)، قال النووي في شرح ذلك12/ 182: “(الإمام جنة)، أي كالستر، لأنه يمنع العدو من أذى المسلمين، ويمنع الناس بعضهم من بعض، ويحمي بيضة الإسلام، ويتقيه الناس ويخافون سطوته”، ويقول ابن قدامة في المغني13/ 16: “وأمر الجهاد موكول إلى الإمام واجتهاده، ويَلزم الرعية طاعته فيما يراه من ذلك”، ويقول ابن تيمية بشرح الواسطية في معتقد أهل السنة: “ويرون إقامة الحج والجهاد والجُمع والأعياد مع الأمراء، أبراراً كانوا أم فجاراً”، يقول ابن عثيمين في شرحه لها ص 480: “خلافاً للخوارج الذين يرون أن لا طاعة للإمام والأمير إن كان عاصياً، لأن من قاعدتهم: أن الكبيرة تُخرج من الملة، وخلافاً للرافضة الذين يقولون: إنه لا إمام إلا الإمام المعصوم، ولا حج ولا جهاد مع أي أمير كان، لأن الإمام لم يأت بعدُ”، ويقول في الشرح الممتع8/ 25: “لا يجوز غزو الجيش إلا بإذن الإمام مهما كان الأمر، لأن المخاطب بالغزو والجهاد هم ولاة الأمور وليس أفراد الناس”.
والخطير في الأمر أن كل هذه المغالطات يَتعبد البنا إلى الله بها، وتقع من خلايا جماعته إلى الآن على حساب الفهم الصحيح للإسلام وأعني به: فهوم من شهد لهم الشارع الحكيم بالخيرية من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، وقد وضع البنا هذا التصور للفهم أيضاً ضمن بنود بيعته بل أولها، ليُخضع أتباعه لفهمه هو للإسلام من خلال تعاليمه وأصوله العشرين وإن شابها خلل ? على نحو ما نرى ? أو جانبها صواب، وكان من نتائج ذلك: تكريس هذه الجماعة للضلالات الموروثة عن الفرق المبتدعة باحتواء ممثليها في هذا العصر واستمداد التربية والتوجيه منهم.. والزج بالشباب في فتن الدماء والدمار كما جرى ولا يزال بالعديد من بلاد المسلمين، وتفريخها للفرق الضالة المكفرة بدءً من حماس ونهاية بـ (أنصار ? أقصد: أعداء ? بيت المقدس)، وما ذلك إلا لغلبة الجهل في المتعصبين لأفكار هذه الجماعة ومن اهتدى بهديها وقلة الحكمة في قياداتها، وتأثير من هب و دَب في مواقفها دون ما نظر في عواقب الأمور.. ناهيك عن التخبط الناشئ في الفتاوى عن قلة الفقه مما يعرف بـ (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين)، والعزوف عن طلب العلم الشرعي والذي لا يبعد أن يكون مقصوداً من قِبل هذه التنظيمات حرصاً على استمرار غفلة الشباب عن أخطاء القادة، والناشئ كذلك عن التعصب الشديد لشعارات الجماعة وتنظيمها والمنتسبين إليها لكونهم رضَعوا هذا التعصب من كتابات الجماعة في سن المهد في المراحل الأولى من الانتساب.. وناهيك أيضاً عن النظر إلى دعاة السلفية العلمية بعين الازدراء ووصمهم بأنهم دعاة فرقة بين المسلمين، كونهم أعلم الناس بما في الجماعة من ضلال، وعن استخدام الكذب والخداع بكل أنواعه في سبيل الدعوة إلى الجماعة من منطلق الغاية تبرر الوسيلة والذي وصل لحد التفكير في حرق المصاحف ودهسها بالأحذية وإطلاق الرصاص عليها وعشوائياً في 28/ 11/ 2014 باعترافهم، لتصوير قوات الفض أنها من تفعل ذلك وتسويقه إعلامياً.. وننوه إلى خطأ هذا المنهج وفقدانه أبسط معايير الصحة، ونقول بداية:
إن فقهاء الشريعة عندما فهموا أصول الشريعة وفروعها، واستفرغوا الوسع في فهمها واستنباط الأحكام من أدلتها، وأتوا بكل ما لديهم من جهد وبآخِر ما في جعبتهم من اجتهاد، أعلنوا أنهم في النهاية بشر وأبوا أن يفرضوا آراءهم وأفهامهم على أمة الإسلام مع سعة فضلهم وغزارة علمهم وكثرة أتباعهم وعظم نشاطهم وفرط همتهم وقوة عزيمتهم وعمق تصوراتهم ورحابة صدورهم، بل وأعلن كل منهم أن آراءه ? مهما بلغ شأوها وشمولها لقضايا عصورهم ? عير ملزمة، وأنه يجب على الاتباع أن يأخذوا مما أخذوا ويرجعوا إلى ما رجعوا، وأتوا من النصوص بما يدل على ذلك ويبرئ ساحتهم وأنهم مع الدليل وأنه متى صح الحديث فهو مذهبهم، فأرجعوا بذلك الأمر إلى نصابه ومنابعه الأصيلة، وكان مما صرح به الإمام أبو حنيفة، قوله: “لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذنا”، وقوله: “حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي”، زاد في رواية: “فإنَّا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غداً”، وقوله: “إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله وخبر الرسول فاتركوا قولي”.. ومما جاء عن الإمام مالك، قوله: “إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه”، وقوله: “ليس أحد بعد النبي إلا ويؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي ”.. وكان من كلام الإمام الشافعي، قوله: “أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله لم يحل له أن يدعها لقول أحد”، وقوله: “كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي”، وقوله: “كل ما قلت فكان عن النبي خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي أولى، فلا تقلدوني”.. وكان مما قاله إمام السنة أحمد بن حنبل لبعض تلامذته: “لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا”، وقوله: “رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة، كله رأي وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار”، وقوله عندما سئل عن الوليد بن أبان الكرابيسي وكان مخالفاً للسنة: “إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله وأصحابه وأقبلوا على هذه الكتب”.. ولك أن تتأمل ألفاظهم: (لا يحل)، (حرام)، (اتركوا قولي)، (أنا بشر أخطأ)، (ليس أحد إلا ويؤخذ من قوله ويترك إلا النبي)، (راجعٌ عنه في حياتي وبعد موتي)، (لا تقلدني ولا تقلد فلاناً وفلانا وخذ من حيث أخذوا)، (إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها).. إلخ، لترى كيف يصورون ما بنا من أمراض فتكت فعلاً بمجتمعاتنا، وترى قبل ذلك كيف يكون التواضع والإخلاص والتجرد لمعرفة الحق وعدم التعصب للرأي، وكيف تُبرَّأ الذمم وتقام الحجج ويصح الدين شرعاً ومعتقداً.
وقد ظل الأمر كذلك على مدى القرون المتطاولة، حتى ابتلينا في زماننا بمن يجعل من آرائه ديناً يُتعبد به، ومن العمل بها أمراً ملزِماً لأتباعه يطوعون الدين له ولا يقبلون سواه، ويجعل فهم ما اخترعه من أصول من عندياته بنداً من أركان بيعته لمن ارتضاه مرشداً وإماماً منظماً للعمل لدين الله، وليس ثمة فكاكٌ من الرضا به والتسليم له، لكونه برأي نفسه وبرأي السذج من أتباعه: الممثل الأوحد لهذا الدين والمجزوم بكونه المبعوث على رأس القرن، المجدد للأمة أمر دينها، ومن ثم كان الخارج عليه خارج عن الإسلام، انظر إلى قول البنا في مقدمة رسالته (التعاليم): “هذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها”، وقوله في إلزامه أتباعه بدعوته ? وقد خلع على نفسه ثوب العصمة وأوجب لنفسه ما أوجبه الله على عباده من خبر يصدق وأمر ينفذ ?: “إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات الموجزة، وهي ليست دروساً تُحفظ ولكنها تعليمات تنفذ”، وانظر مدي تضارب ما قاله آنفاً مع قوله بعد في الأصل 6: “وكل أحد يؤخذ من كلامه ويترك إلا المعصوم ، وكلُّ ما جاء عن السلف موافقاً الكتاب والسنة قبلناه، وإلا فكتاب الله وسنة رسوله أولى بالاتباع”، وتأمل كيف قبل أن يرد كلام السلف إذا عارض بزعمه ما في الكتاب والسنة في حين لم يَقبل أن يُرد كلامه هو.. وما قول بعض أتباعه في كتاب (المدخل) ص 185: “إن ميزة دعوة الأستاذ البنا عن غيرها، أنها أوجدت الصيغة التي يمكن أن يلتقي عليها المسلمون جميعاً”، وقول آخر: “أنا أخونجي حتى النخاع”، بل وما استحقار الإخوان لناصحيهم ترك أخطائهم، ودخول الأولين معهم في جدل عقيم لا طائل من ورائه، وما مناوئتهم للمتجردين من أصحاب الدعوات السلفية في تحرير المسائل العلمية والعملية وإن بدا صوابها، وما تقسيمهم وتصنيفهم الناس على أساس دعوتهم، والولاء والبراء على منهجهم على ما سبق بيانه، إلا دليل صدق على هذا الغرور والإصرار على قَصْر فهم الإسلام على مرشدي الإخوان ومنظريهم مهما بلغ خطأ هذا الفهم.. كما لا دلالة لما سبق سوى أن الراضين بمنهج البنا والمدافعين عنه والمطرين له والمثنين عليه بنحو ما سبق ذكره ومن نحو قول بعضهم هو مالك بن نبي: “وإذا كان قد أتيح لذلك الزعيم أن يُؤثِّر تأثيراً عميقاً في سامعيه، فما ذلك إلاَّ لأنَّه لم يكن يُفسِّر القرآن، بل كان يوحيه في الضمائر التي يزلزل كيانها، فالقرآن لم يكن على شفتيه وثيقةً باردةً أو قانوناً محرّراً بل كان يتفجَّر كلاماً حيّاً وضوءاً أخاذاً يتنزّل من السماء فيُضيء ويهدي”، وقوله: “فلكي يتغير الفرد لم يستخدم ذلك الزعيم (يعني: حسن البنا) سوى الآية القرآنية، ولكنَّه كان يستخدمها في نفس الظروف النفسية التي كان يستخدمها النبي وصحابته من بعده”، وقول غيره في مقدمة كتابه (آفاق التعاليم): “إن الانطلاقة على غير فكر الأستاذ البنا في عصرنا، قاصرة أو مستحيلة أو عمياء”، وقول آخر في كتابه (بعض ما علمني الإخوان) ص 3 ? متعامياً عن قصد ما وقع منه ومن أقرانه وشيخه من عدم تمييز حتى ما بين توحيد وشرك ولا بين سنة وبدعة ?: “لئن كان الإمام المجاهد ابن تيمية وتلامذته.. قد جاهدوا بالسيف ولئن كانت لهم مدرستهم التي لا تنكر، إلا أنني أقرر وأنا كامل الإيمان والصدق أن مدرسة الإمام الشهيد حسن البنا كانت أعمق أثراً وأبعد فاعلية في نفوس شباب المسلمين”، وقول آخر: “فما هو إلا النور المرسل من السماء ليكشف عن أهل الخلود ظلماتهم، ثم يظل في السماء دائماً وأبداً ولن يختلط بتراب الأرض إلا كما تقع أشعة الشمس على أعلى القصور وأدناها”، ناهيك عن قول بعضهم: “إن للإخوان صرحاً كل ما فيه حسن، لا تسلنِ من بناه إنه البنا حسن”، وقول آخر: “إذا ذكرتم حسن البنا فاذكروا رجلا عاش مُعجزاً في كل شيء حتى أتعب خصومه وصرعهم جميعاً، وبقي حياً مع الزمن خالداً مع التاريخ معجزاً فوق قمة المعجزات”، وآخر: “لقد كنت أُقَبِل يديه وأشعر حين تقبيلها أنني أعبد الله”، وآخر: “رحم الله حسن البنا فقد كان فلتةً من فلتات الطبيعة قلما يجود الزمان بمثله، وهو لم يمت بل حيٌ عند ربه يرزق” كذا بالجزم، وآخر في وصف مقتله: “وكفَّ القلبُ المعلق بالعرش عن النبض في هذه الدنيا لينبض في مقعد صدق عند مليك مقتدر” وأمثال ذلك كثير مما امتلأت به كتب القوم وحملت من المبالغات والمخالفات ما حملت، أقول: إنه لا دلالة لهذا سوى صدوره عن (أصاغر) لمّا يدركوا بعدُ ما صدر عن غيرهم من علماء أهل السنة المعاصرين من سرد هنات البنا ومنظري جماعته، ولمّا تتسع مداركهم لأن يأخذوا بعدُ، ويستوعبوا ما صدر عن صحابة النبي وتابعيهم من علم نافع يصب في حل مشاكل مجتمعاتنا وخدمة قضايانا، وهذا ما خشي منه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود وعبّر عنه بقوله فيما حكاه عنه الآجري في الشريعة وغيره: “لا يزال الناس صالحين متماسكين ما أتاهم العلم من أصحاب محمد ومن أكابرهم ? يعني: أهل السنة وأصحاب الحديث في كل عصر ومصر ? فإذا أتاهم من أصاغرهم ? يعني: من أهل البدع والجهلاء بسيطاً كان جهلهم أم مركباً ? هلكوا”، بل لا دلالة له سوى صدوره عن حمقى ينسحب عليهم قول الخليل بن أحمد الفراهيدي: “الرجال أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري فذلك العالم فاسألوه؛ ورجل يدري ولا يدري أنه يدري، فذلك الناسي فذكروه، ورجل لا يدري ويدري أنه لا يدري، فذلك الجاهل فعلموه؛ ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري، فذلك الأحمق فاجتنبوه”.. وبمقارنة مقولة ابن مسعود والفراهيدي بالمُطرِين على البنا والخالعين عليه ثوب القداسة، يبقى السؤال: ماذا أبقى هؤلاء لرسول الله القائل: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، إنما أنا عبد الله ورسوله)؟، وما وَقْعُ هذه الهالة من التبجيل والتعظيم على من يسمع ذلك لأول مرة ممن لم يعرف عن قائله ولا حتى عن البنا ولا عن مقولة ابن مسعود شيئاً؟، لا شك أن تمسكه بكلام البنا ومنظري جماعته سيكون أعظم من تمسكه بكلام الرسول الأكرم ومن سار على هديه من علماء عصرنا وإن كانوا أكثر معايشة وفهماً لمشاكلنا ومستجدات واقعنا، لكن هكذا يتصورون وهكذا يُسوِّقون الأمر لأتباعهم، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
على أن كلاماً مثل الذي ذكرناه لأئمة الفقه السابقين في الوقوف على مقاييس الحق والتصريح بعدم العصمة وافتراض صدور الخطأ وعدم إلزام الغير بآرائهم، قاله عديدون من خلفاء المسلمين وشيوخ الإسلام، وما أكثرهم على مدار تاريخنا الطويل والعريض!، فهذا أول وثاني الراشدين من بعد الرسول أثر عنهما بعد قولهما (أطيعوني ما أطعت الله فيكم): (فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)، (وإن وجدتم فيَّ اعوجاجاً فقوموني)، فيفترض أبو بكر في نفسه المعصية ويفترض عمر الاعوجاج وهما من هما، وهذا عليٌّ الخليفة الرابع يأتيه الحارث بن حوط الليثي فيقول له بعد وقعة الجمل الشهيرة ومقتل الزبير وطلحة رضي الله عن الجميع: (أتظن يا أمير المؤمنين أن طلحة والزبير كانا على ضلال وهما من العشرة المبشرين بالجنة؟!)، فقال رضي الله عنه قولته الخالدة على مر الزمان: “يا حارث.. إنه لملبوس عليك، الحق لا يعرف بالرجال، وإنما يعرف الرجال بالحق.. فاعرف الحق تعرف أهله”، وذا عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة ت 168 يقول عن نفسه بسبب قول حُكي عنه، كان قد أخطأ وروجع فيه: “إذن أرجع وأنا من الأصاغر، ولأن أكون ذنباً في الحق أحب إلي من أن أكون رأساً في الباطل” كذا في البداية والنهاية 13/ 538، ومن قبله حماد بن أبي سليمان كان في المرجئة إماماً ثم رجع فقال له معمر ? كما في السير 5/ 233 ?: (كنتَ رأسا وكنتَ إماماً في أصحابك، فخالفتهم فصرت تابعا؟)، فما كان منه إلا أن قال: “لأن أكون تابعاً في الحق خير من أن أكون رأساً في الباطل”، ومن بعده الشافعي كان من أقواله المأثورة: “رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب”، وذاك هو الإمام ابن القيم حينما نقد الإمام الهروي وكذا شيخه ابن تيمية في بعض المسائل، يقول قولته الشهيرة: “شيخ الإسلام حبيب إلينا ولكن حبنا للحق أشد”، وليس الإمام البنا ولا غيره ممن خلفه أو تبعه مهما أوتوا من العلم والإخلاص وسعة الأفق والإحاطة بواقع المسلمين، أحسن حالاً ولا أعظم خشية ولا أكثر اجتهاداً ولا أنضج فكراً ولا أغزر علماً ولا أحكم عقلاً ممن ذكرنا، حتى تفرض جماعة الإخوان على الأمة ثقافتها وأفكار شيخها ورجالها وكأنها وحي يوحى، فتوالي وتعادي عليها وعليهم، وتسعى لتصنع من كل هذه الأفكار في النهاية خلافة يريدون بسطها على الخلق كلهم وعلى العالم أجمع، بينا هي بعيدة كل البعد عن نهج النبوة وبينا هي في النهاية نتاج بشر يخطئون أكثر مما يصيبون.
وفي مقابل من ذكرنا من أهل الصلاح، حفظ تاريخ المسلمين كلاماً لبلغاء من أصحاب الأهواء كان لهم باع طويل في الزعامة والتأثير على سامعيهم، قد أوسعهم تلاميذهم ومريدوهم مدحاً، من نحو الجهم بن صفوان وواصل بن عطاء، حيث كان الأولُ رأسُ المعطلة، ذا أدب ونظر وجدال ومراء، وكان الثاني رأسُ المعتزلة، ذا موهبة وفطانة وفصاحة واقتدار وحسن تصرف في القول، ولو كان الأمر أمر بلاغة وتأثير على الغير لبقيت آثارهما ولأغنتهم مواهبهم التي حباهم الله إياها، ولما طاردتهم لعنات من أشغبوا عليهم دينهم من الناس، ولكن ظل الإسلام كشأنه مع الصلحاء وسيظل يُطلب من منابعه الأصيلة، وظل الأكابر من أهل السنة ? من خلال ما دونوه من صحيح الدين والاعتقاد ? وسيظلون يحثون الناس على الأخذ من تلك المنابع، ويحذرونهم من كل ما يخالف الكتاب والسنة والإجماع، ويوصونهم بحسن الفهم عن الله وعن رسوله، دون ما إيجاد وسطاء تحرف الكلم عن مواضعه وتطوع الدين لأهواء من ذكر أحمد حين سئل عن الكرابيسي المخالف للسنة.
إن سوء الفهم عن الله وعن رسوله بسبب ما ذكرنا، كان عاملاً مباشراً في ذيوع البدع والضلال بأشكالها وأنواعها، وسيظل كذلك عاملاً مباشراً في إحيائها مهما تناءت الأزمان وتباعدت الأقطار، فبالفهم السيئ للإسلام والتماسه في أفهام الأصاغر قُتل الإمام علي بن أبي طالب، على يد عبد الرحمن بن ملجم أحد الخوارج والذي سبق أن كان متشيعاً يقاتل في صفين مع جند علي رضي الله عنه، وظن قاتله أنه بفعلته تلك يتقرب إلى ربه بأعظم ما يتقرب به إنسان في حياته إلى خالقه، وقد أنشد عمران بن حطان في مدحه ? عليهما من الله ما يستحقانه ? يقول: (يا ضربة مِن تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا. إني لأذكره حينا فأحسبه * أوفى البرية عند الله ميزانا).. وبسوء الفهم أو التماسه في أفكار الأصاغر والحمقى، يكفِّر أتباعُ البنا مجتمعات المسلمين ويسعون فيها فساداً، ويُهلكون وأتباعهم وخلاياهم بعد إخفاقهم عقب ثورات الربيع العربي: الحرث والنسل في مصر وليبيا وتونس وغيرها من بلاد المسلمين، وعدونا يمرح ويرتع ويلعب في فلسطين ويعبث بمقدساتنا واستطاع بذكائه ودهائه وبغبائنا وعنادنا أن ينقل الحرب من أفغانستان إلى عقر ديارنا ودواخل أوطاننا العربية والإسلامية، وبسوئه والتماسه في أفكار الأصاغر يفتي القرضاوي رئيس اتحاد علماء المسلمين في الذكرى الرابعة لثورة 23 يناير المصرية بأن الخروج ضد الجيش والشرطة فرض عين، فيُحيي فكر الخوارج ويُحدِث من الفتن ما الله به عليم.. وهكذا.
وبالفهم السيئ أمسك الخوارج قديماً بمسلمين ما رأوا النجاة من قتلهم، إلا عندما قالوا لهم: (نحن قوم من المشركين نريد أن تعلمونا مما علمكم الله)، مستشهداً بالآية: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله)، فقال الخوارج: (أنتم آمنون)، فقيل لهم: (لا! حتى تُسمعونا كلام الله) تذكيراً لهم ببقية الآية، فقال الخوارج بعد أن نظر بعضهم إلى بعض: (قد صدقوا)، ثم مشوا معهم في حراسة مشددة بكل دلال حيث يريدون، ولو قالوا منذ البداية: (نحن مسلمون) لهلكوا ولقتلوا عن آخرهم.. كما أمسكوا قبلُ بابن الصحابي الجليل خباب بن الأرت ويدعى عبد الله وقد ولاه عليّاً على بعض تلك البلاد، فقالوا له بعد أن عرفوا صحة ما عليه من اعتقاد في الخلفاء الراشدين: (إنك تتبع الهوى وتوالي الرجال على أسمائها لا على أفعالها، والله لنقتلنك قتلة ما قتلناها أحداً)، فأخذوه وأوثقوه ثم أقبلوا به وبامرأته وهي حبلى، حتى نزلوا تحت نخل، فسقطت منه رطَبة فأخذها أحدهم فتركها في فيه، فقال آخر: (أخذتها بغير حلها وبغير ثمن)، فألقاها، ثم مر بهم خنزير لأهل الذمة فضربه أحدهم بسيفه، فقالوا: (هذا فساد في الأرض)، فلقي صاحب الخنزير فأرضاه، فلما رأى ذلك منهم ابن خباب قال: (لئن كنتم صادقين فيما أرى، فما عليَّ منكم بأس، إني مسلم ما أحدثت في الإسلام حدثاً، ولقد أمنتموني وقلتم: لا رَوْع عليك)، فأضجعوه فذبحوه، فسال دمه في الماء، وأقبلوا إلى المرأة فقالت: (أنا امرأة، ألا تتقون الله!!)، فبقروا بطنها وقتلوا ثلاث نسوة من طيء، فظل بهم عليٌّ حتى اقتص منهم.. وبسوء الفهم أو التماسه في أفكار الأصاغر والحمقى، توسع الإخوان وعلى رأسهم البنا وقطب وتبعهم الدواعش وأمثالهم في تكفير المجتمعات الإسلامية والبحث عن خصوم ? الجيش أحيانا والشرطة أحيانا والقضاة أحياناً وأهل الذمة أحياناً ومن أطلقوا عليهم علمانيين أحياناً وليبراليين أحياناً ومن فوّضوا بمصر السيسي أو انتخبوا بتونس السبسي أحياناً وحزب النور السلفي أحياناً وجميع أنصار الدعوة السلفية أحياناً وكل معارضيهم أحياناً حتى عم ذلك في النهاية المجتمع بأسره من غيرهم، على ما هذى به وجدي غنيم مؤخراً وتحديداً في 3/ 2015 ? يجاهدونهم بأموالهم وأنفسهم ويفعلون بهم نفس ما فعل أسلافهم، للا شيء سوى أنهم وقفوا ضد جبروتهم وطغيانهم وفاشيتهم وفسادهم وسفكهم الدماء وتسلطهم على الناس باسم الإسلام وكأنهم الأوصياء على هذا الدين، وسوى فشلهم ورعونتهم وزوال دولتهم وضياع حلمهم بإنفاذ ما وعد به البنا إبان قوله عن مراتب العمل حيث وعدهم بـ “إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية، وبتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة المفقودة والوحدة المنشودة، وأستاذية العالم”، واعتقادهم أنهم المنوط بهم هذا، والآن، بصرف النظر عما إذا كانوا أهلاً له أم لا، أو أن هذا الأمر فيهم أم في غيرهم، وبغض النظر عن الوسائل المفضية إليه ما إذا كانت مشروعة أم لا، وعن الأسس التي تقوم عليها غايات: الوحدة والخلافة وتحرير الأوطان التي لا ندري ممن؟، وعن الضوابط والأحكام الواردة في القيام بذلك ما إذا كانت مرعية أم لا، وهكذا.. حتى أضحينا صورة سيئة للإسلام، وأصبحنا نُعيَّر بذلك ويُسلط علينا من يشوه تراثنا وينكر ثوابتنا ويشكك في مصادرنا ومراجعنا بزعم الرد على من ذكرنا، وصرنا في النهاية فتنة للناس جميعاً.
وبالفهم السيئ للإسلام طفق الشيعة قديماً ولا يزالون يكفرون الصحابة وعلى رأسهم خليفتا رسول الله أبو بكر وعمر، ويتقربون إلى الله بلعنهم ولعنهما بخاصة وابنتيهما من زوجات الرسول ، ويعتقدون في أئمتهم العصمة وعلم الغيب وتدبير الكون وأن منزلتهم فوق منزلة الرسل، ويشككون في قرآننا وأنه محرف وأن صحيحه غاب بغيبة الإمام (عج)، ويختلفون معنا في المصدر الثاني للتشريع وكتبهم مليئة بالأحاديث المكذوبة، ويطعنون في زوجات وعرض رسول الله ، ويكفرون كل من خالفهم من أهل السنة في ذلك أو في أيٍّ منه، ويستحلون مما حرم الله: الشرك باسم التقرب بعليٍّ والحسين والزهراء إلى الله زلفى، وترك ما صح عن النبي باسم الأخذ مباشرة عن أهل البيت، والكذب باسم التقية، والزنا باسم المتعة، والنياحة باسم الثأر للحسين، والسرقة باسم الخمس، إلخ.. وبسوئه أو التماسه في أفكار الأصاغر والحمقى رأينا من مخلصي جماعة الإخوان من يقول كما في كتاب (وقفات مع الدعاة فقط) ص 53: “إذا فعل الإخوان وأيدوا الثورة الخمينية أو الشيعة، فهم على حق”، ومن يقول من منظريهم: “إن الفرق بيننا وبينهم كالفرق بين مذاهب أهل السنة الفقهية (الحنفية والشافعية والحنبلية والمالكية)”، بل رأينا إمامهم البنا يسعى بشغف للتقريب معهم ويوثق صلاته بكثير من رجالاتهم كـ (آية الله الكاشاني ونواب صفوي وكاشف الغطاء) وغيرهم، على ما جاء في بيان إخوان الأردن عقب ثورة الخوميني، كما رأينا منهم من يتحالف معهم ضد أهل السنة كأشاوسة حركة (حماس)، ومن يوجب مناصرتهم وتأييدهم على ما جاء في بيان إسماعيل الشطي أحد رموزهم وهو يرد على السلفيين الذين يخالفونهم الرأي وذلك في عدد (455) من مجلة المجتمع اللسان الناطق لإخوان الكويت، ورأينا كذلك فيما بعد من ابتليت به مصر حاكماً مندوباً عنهم وهو د. مرسي، يسمح ? إثر اتفاق تم بمقر حزب التحالف الناصري ? باستجلاب أكثر من 10مليون سائح شيعي لمصر سنوياً تحت ما أسماه الأمين العام للمجلس الأعلى لآل البيت بـ (المشروع النهضوي للعتبات المقدسة)، وبتشييد 5 حسينيات في القاهرة و10 مراقد في أسوان وتحويل 6 آلاف مرقد لحسينيات، وبتدشين أكبر دار نشر شيعية بشارع مجلس الأمة بحي السيدة زينب بالقاهرة لطباعة وتوزيع ضلالاتهم، وذلك بعد أن سمح لنفسه أن يصافح تلك الأيدي الآثمة التي تلطخت بدماء مئات الآلاف من المسلمين السوريين واللبنانبين والأحوازيين والعراقيين، وأن يبسط لهم يده بالمحبة والولاء والسلام والوئام، الأمر الذي أثار حفيظة سلفيي مصر المحروسة فكانت مليونيتهم التي جعلوها ساعتها بعنوان: (هم العدو فاحذرهم) في مسجد عمرو بن العاص، ولا ندري ماذا لو استمر هذا البلاء ولم يَمُنّ الله على مصرنا بمن يتصدى لهم وللحوثيين الآن باليمن على حدود البلد الحرام وقد وعدوا باحتلالها واستردادها من أيدي آل سعود؟!.
تلكم هي الجماعة التي تعتقد وإلى الآن أنها على الحق، والتي كان مؤسسها يسعى حثيثاً لأن تكون له الإمامة العظمى وبيعة المسلمين العامة وألا ينازعه فيهما غيره، والتي كان أحد منظريها بالماضي يقول في كتابه (المدخل إلى جماعة الإخوان) ص 26: “إن الإنسان إذا عرف هذه الجماعات ? يقصد سائر جماعات أهل السنة من دونهم ? وعرف الإخوان وطبق على الجميع الذي ذكرناه هنا، فإنه سيصل إلى أن حركة الإخوان هي الجماعة التي ينبغي على المسلم أن يضع يده في يدها”، ويقول في جولاته ص 79: “إن حسن البنا بين خلق الله في هذا العصر، استطاع أن يوجد القاسم المشترك الوحيد الذي يمكن أن يلتقي عليه المسلمون، وتقوم به جماعة جامعة”.. وهؤلاء هم السذج من أتباعها يتصدرهم في ساحة الوغى وفي أعمال التفجير وصناعة القنابل لتدمير منشآت ومصالح المسلمين: أطباء وطلاب في كليات الهندسة والتكنولوجيا والعلوم.. إلخ، جميعهم غلبت عليهم عاطفة التدين ولم يقفوا بعد على فقه الجهاد ولا تأهلوا لمعرفة الأحكام الشرعية ولا تسلحوا بصحيح الدين والاعتقاد، يظنون أنهم بحصولهم على أعلى المجاميع ووصولهم إلى كليات القمة، أنهم المتبحرون في فقه الواقع وواجب الوقت، وهم بكل تأكيد من عناهم الغزالي في الإحياء 7/ 1369 بقوله وهو يتكلم عن العلوم العقلية ? بعد أن تناول بالحديث العلوم الشرعية ?: “والعلوم العقلية تنقسم إلى دنيوية وأخروية، فالدنيوية كعلم الطب والحساب والهندسة والنجوم وسائر الحرف والصناعات، والأخروية كعلم أحوال القلوب وآفات الأعمال والعلم بالله وصفاته وأفعاله، وهما علمان متنافيان، أعني: أن من صرف عنايته إلى أحدهما حتى تعمق فيه، قصُرت بصيرته عن الآخر على الأكثر، ولذلك ضرب عليٌّ للدنيا والآخرة ثلاثة أمثلة فقال: (هما ككفتي الميزان)، و(كالمشرق والمغرب)، و(كالضرتين إذا أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى)، ولذلك ترى الأكياس في أمور الدنيا وفي علم الطب والحساب والهندسة والفلسفة ? يقول الغزالي ? جهالاً في أمور الآخرة، والأكياس في دقائق علوم الآخرة، جهالاً في أكثر علوم الدنيا، لأن قوة العقل لا تفي بالأمرين جميعاً في الغالب، فيكون أحدهما مانعاً من الكمال في الثاني”إ.هـ وهذا هو التوصيف الدقيق لو كانوا يعلمون، ولا عجب أن تعرف في مخالفته وغيابه أن جل قادة الإخوان خريجي طب وهندسة وعلوم، وأن تسمع عن: (ضبط قنبلة شديدة الانفجار بمنزل طبيب إخواني في المنيا) (وقف أستاذ جامعي بكلية العلوم قسم النبات بالمنصورة عن العمل وإحالته للتحقيق لمشاركته بمظاهرات طلاب الإخوان) (تورط عميد كلية طب الأزهر الإخواني، في أحداث اقتحام مبنى إدارة الجامعة، وأمر نيابة ثان مدينة نصر بضبطه وإحضاره بتهمة التحريض على التظاهر وأعمال الشغب، بما يؤدى إلى تعطيل الدراسة وعرقلة العملية التعليمية) (ضبط طالب إخوانى بكلية الهندسة يزور كارنيهات جامعة الإسكندرية ليدخل أعضاء الجماعة الحرم بغرض تمكين أعضاء التنظيم من الدخول والمشاركة في تظاهرات وأعمال شغب ولتعطيل العملية التعليمية) (ضبط معيدة بعلوم الأزهر تحمل داخل سيارتها وبرفقة زوجها قنابل ومتفجرات وشماريخ أثناء دخولها الجامعة) (إحالة طبيب للتحقيق زوّر 5 تقارير لاشتباكات “وايت نايتس”)، يعني: لإثبات أن سبب الوفاة: اختناق بالغاز وليس ناتجاً عن تدافع، ليورط الشرطة المصرية زوراً وبهتاناً تمهيداً ? بالطبع ? لمحاكمات دولية جنائية أجادوا صنعها، على الرغم من أن الإخوان هم من خططوا لكل ذلك كما أثبتت التحقيقات.. والأخبار في ذلك أكثر من أن تحصى، ولطالما ناشدنا هؤلاء وبخاصة الأطباء أن يتفرغوا لمهامهم وأن يسَعوا بأخلاقهم الناس جميعاً وألا يُدخلوا أنفسهم في مكائد حزب الإخوان، ولكن لا حياة لمن تنادي.
ونختم بالقول بأن أية دعوة إصلاحية على وجه الأرض لا ترتكز دعائمها على العقيدة الصحيحة ولا تستمِد أصولها من منهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والسلوك والفهم والتصور، هي دعوة لا أساس لها ولا قرار، ذلك أن منهج أهل السنة هو المعيار الذي توزن به العقائد وتقاس على أساسه الأفكار والمناهج، ومهما ادعى أصحاب الدعوات أنهم على صواب فهم أدعياء، لأنهم لم يلتزموا منهج الأنبياء ولا أتباعهم، فالخير كل الخير في الاتباع والشر كل الشر في الابتداع، يقول الشاطبي في الاعتصام ص 33: “إن الشريعة جاءت كاملة لا تحتمل الزيادة ولا النقصان؛ لأن الله تعالى قال فيها: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)، وثبت أن النبي لم يمت حتى أتى ببيان جميع ما يُحتاج إليه في أمر الدين والدنيا، وهذا لا مخالف عليه من أهل السنة”، يقول: “فإذا كان كذلك، فالمبتدع إنما محصول قوله بلسان حاله أو مقاله: (إن الشريعة لم تتم، وأنه بقي منها أشياء يجب أو يستحب استدراكها)؛ لأنه لو كان معتقدا لكمالها وتمامها من كل وجه، لم يبتدع ولا استدرك عليها، وقائل هذا ضال عن الصراط المستقيم، قال ابن الماجشون: سمعت مالكا يقول: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة، فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله يقول: (اليوم أكملت لكم دينكم)، فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم ديناً”إ.هـ ما يعني: أن الانتماء إلى جماعة ما ليس مقصوداً شرعياً بحد ذاته، وإنما هو سبيل للعمل لصحيح الإسلام وبه، وبالتالي فان اختلف منهج هذه الجماعة عن الإسلام، فان الانتماء إليها يصبح مبعث حرمة، وما يقال من إفتاء البعض بوجوب الانضواء تحت العمل الجماعي، إنما يحمل على هذا وعلى عدم التعصب للجماعة أو للباطل الذي تسير عليه أو ترقيعه، ذلك أن طريق النجاة إنما يكمن في: إلقاء زمام القلب في يد الشرع، بحيث لا يصبح للقلب مع الأمر والنهي إرادة وإنما هو التسليم كل التسليم، فإن في التقديم بين يدي الله ورسوله الجناية والخسارة.. هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين..
عدم تجرد (الإخوان والدواعش) للآية والحديث والإجماع ولمعتقد أهل السنة والجماعة، في مسألة (إمامة المتغلب)..
دليل حرصهم على السلطة ومن ثمّ عدم أحقيتهم لها/
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه إلى يوم الدين.. وبعد:
فإنما دعاني للحديث عن (إمامة المتغلب): شغب الإخوان على أحكام ومعتقد أهل السنة في هذه المسألة، تمهيداً لتحقيق حلم الخلافة التي لا يمكن بموجب الشرع أن تؤول إليهم نظراً لحرصهم على الإمارة وتكالبهم على السلطة كما قررناه في عدة مقالات سابقة، على أن الحديث عن تغلب الإمام الموجب للسمع والطاعة وفق ما جاء في الكتاب والسنة والإجماع، لابد أن ينصبَّ حول أمرين مهمين: أولهما أن الإمامة عن طريق الغلبة هي واحدة من طرق استحقاق الإمامة (الشرعية) في معتقد أهل السنة والجماعة، إذ هي أو الاستخلاف أو البيعة بطريق التراضي أياً ما كانت الوسيلة المحققة لذلك والموصلة إليه، تمثل طرق ولايات المسلمين وتنصيب الحاكم الذي لا يجوز لمسلم أن يبيت ولا يراه إماماً أو يموت وليس في عنقه بيعة له، يقول الإمام النووي في روضة الطالبين 7/ 267: “إذا مات الإمام فتصدى للإمامة مَن جمع شرائطها من غير استخلاف ولا بيعة، وقهر الناس بشوكته وجنوده، انعقدت خلافته لينتظم شمل المسلمين، فإن لم يكن جامعاً للشرائط بأن كان فاسقاً أو جاهلاً، فوجهان: أصحهما انعقادها، لما ذكرناه وإن كان عاصياً بفعله”إ.هـ، وبنحو ذلك جاء في (شرح مقاصد الطالبين)2/ 272 للتفتازاني لكن بلفظ: “انعقدت له، وكذا لو كان فاسقاً أو جاهلاً على الأظهر”.. ثانيهما: أن لا فرق في ذلك بين الإمامة الصغرى والإمامة الكبرى كون كليهما محققاً للمقاصد السابق ذكرها من أمر تنظيم شمل المسلمين وحقن دمائهم وتسكين دهمائهم وعقد رايات الجهاد لمحاربة عدوهم وحماية بيضتهم، يقول ابن حجر في الفتح 13/ 134 إبان شرحه لحديث أبي هريرة: (إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعم المرضعة وبئست الفاطمة): “قوله: (على الإمارة)، يدخل فيها الإمارة العظمى وهي الخلافة، والصغرى وهي الولاية على بعض البلاد”إ.هـ
و(شرعية إمامة المتغلب) هو معتقد أهل السنة والجماعة قاطبة، فقد ذهب فقهاء المذاهب وأصحاب الحديث وكتب الاعتقاد إلى أن الإمامة تصح أن تُعقد لمن غلب الناس واستولى عليها، بل إن هناك من العلماء من نقل الإجماع على وجوب انعقاد الإمامة له، ولعل من حكا ذلك لم يعتبر خلاف الخوارج والمعتزلة ? الذين يرون عدم صحة انعقادها ? خارقاً للإجماع، واعتبر فقط إجماع أهل السنة.. وفي شان ذلك يقول الإمام الشافعي كما في آداب الشافعي لابن أبي حاتم ومناقب الشافعي للبيهقي 1/ 449: “كل من غلب على الخلافة بالسيف حتى يسمى خليفة ويجمع الناس عليه، فهو خليفة”، وقال أبو حامد الإسفرائيني الشافعي في (كتاب الجنايات من الينابيع) نقلاً عن (شرح إحقاق الحق) للمرعشي 2/ 317: “وتنعقد الإمامة.. بالقهر والاستيلاء، ولو كان فاسقاً أو جاهلاً أو عجمياً”.. ويقول الإمام أحمد في أصول السنة ص 64? وكما في الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 23 وطبقات الحنابلة لابن أبي يعلى 1/ 241 وشرح السنة للبربهاري ص 12، 13?: “والسمع والطاعة للأئمة.. ومن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسُمِّى أمير المؤمنين، فلا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولا يراه إماماً براً كان أو فاجراً”، وفي رواية أبي الحارث عنه بنفس المصدر: “تكون الجمعة مع من غلب”، واحتجّ بأن ابن عمر صلّى بأهل المدينة في زمن الحرّة وقد اجتمع الناس على عبد الملك بن مروان، وقال: (نحن مع من غلب) وكان قد امتنع عن مبايعة ابن الزبير رغم ما عرف عنه من تقواه وورعه، وفي رواية عبدروس العطار ? كما في شرح أصول السنة للالكائي 1/ 152، 153 ?: “والسمع والطاعة للأئمة.. ولمن غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر، لا يُترك.. ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله r، فإن مات الخارج عليه، مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق”.. وفي لُمعة الاعتقاد لإمام الحنابلة في عصره ابن قدامة المقدسي صاحب المغني ت 620 ما نصه: “ومن السنة السمع والطاعة لأئمة المسلمين وأمراء المؤمنين، بَرهم وفاجرهم، ما لم يأمروا بمعصية الله.. ومن ولي الخلافة واجتمع الناس عليه ورضوا به، أو غلبهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين، وجبت طاعته وحرُمت مخالفته والخروج عليه وشق عصا المسلمين”، وفي المغني له 8/ 526: “ولو خرج رجل على الإمام فقهره، وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته وبايعوه، صار إماماً يحرم قتاله والخروج عليه، فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعاً وكرهاً، فصار إماماً يحرم الخروج عليه، وذلك لما في الخروج عليه من شق عصا المسلمين وإراقة دمائهم وذهاب أموالهم”، وعبارته في الكافي 4/ 146 نصها: “من ثبتت إمامتُه، حرُم الخروجُ عليه وقتاله، سواء ثبتت بإجماع المسلمين عليه، كإمامة أبي بكر الصديق أو بعهد الإمام الذي قَبْله إليه، كعهد أبي بكر إلى عمر أو بقهره الناسَ حتى أذعنوا له، ودعَوْه إماماً، كعبد الملك بن مروان”.. ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة1/ 528: “والقدرة على سياسة الناس: إما بطاعتهم له، وإما بقهره لهم، فمتى صار قادراً على سياستهم إما بطاعتهم أو بقهره، فهو ذو سلطان مطاع إذا أمر بطاعة الله”.. وكذا نُسب هذا القول إلى مذهب مالك كما نُقل عن تلميذه يحيى بن يحيى في الاعتصام للشاطبي 2/ 363، وقال أبو محمد عبد الله بن أبي زيد القيرواني المعروف بـ (مالك الصغير) ت 386 في رسالته (مقدمة ابن أبي زيد القيرواني): “والسمع والطاعة لأئمة المسلمين وكل من ولي أمر المسلمين عن رضى أو عن غلبة واشتدت وطأته من بر أو فاجر، فلا يُخرج عليه، جار أو عدل”.. وقال السعد التفتازاني الحنفي ت 792 في شرحه لمقاصد الطالبين 2/ 272عند تعداده لطرق انعقاد الإمامة: “والثالث: القهر والاستيلاء، فإذا مات الإمام وتصدّى للإمامة من يستجمع شرائطها من غير بيعة واستخلاف، وقهر الناس بشوكته، انعقدت الخلافة له”، ولابن عابدين إمام الحنفية في عصره ت 1836 في حاشيته (رد المحتار على الدر المختار) 4/ 263 ما نصه: “يصير إماماً: بالتغلب، ونفاذ الحكم والقهر بدون مبايعة أو استخلاف”.
وفي معتقد علي بن المديني ت 234 أحد كبار شيوخ البخاري: “والغزو مع الأمراء ماض إلى يوم القيامة البر والفاجر، لا يُترك.. ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين وقد اجتمع عليه الناس فأقروا له بالخلافة.. برضا كانت أو بغلبة، فهو شاق عليه العصا، وخالف الآثار عن رسول الله r، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة” إ.هـ من شرح اعتقاد أهل السنة 1/ 158.. وللبخاري في صحيحه 7203 ? وبنحوه 7205 ? من طريق عبد الله بن دينار قال: شهدت ابن عمر حيث اجتمع الناس على عبد الملك، قال: “كَتَبَ: إِني أقِرُّ بِالسمعِ، والطاعةِ لعبدِ الله عبد الملِك أَميرِ المؤمِنِين علَى سنةِ اللهِ وسنةِ رسوله ما استطَعْتُ، وإِن بَنِيَّ قَد أَقَرُّوا بِمثلِ ذلك”.. وللنووي في شرح أثر ابن عمر بمسلم 12/ 234، قوله: “فيه دليل لوجوب طاعة المتولين للإمامة بالقهر من غير إجماع ولا عهد”، وله في شرح مسلم أيضاً 2/ 445: “وأما من قهر الناس لشوكته وقوة بأسه وأعوانه، واستولى عليهم وانتصَب إماماً، فإن أحكامه تنفذ وتجب طاعته وتحرُم مخالفته في غير معصية، عبداً كان أو حراً أو فاسقاً بشرط أن يكون مسلماً”.. وفي معتقد أبي زرعة ت 264 وأبي حاتم ت 277 وجماعة السلف فيما حكاه عبد الرحمن بن أبي حاتم، قال: “سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك، فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً، فكان من مذاهبهم: (ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم، ونكل أسرارهم إلى الله عز وجل، ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة، ونتبع السنة والجماعة ونتجنب الشذوذ والخلاف والفرقة)”إ.هـ من شرح أصول السنة للالكائي 1/ 166.. ومما نظمه العلامة السفاريني ت 1188 في معتقده: (ونصبه بالنص والإجماع * وقهره فحُلْ عن الخداع)، مشيراً إلى طرق ولايات المسلمين وأنها منحصرة في: إما النص عليه من خليفة قبله كما فعل أبو بكر حين استخلف عمر، وإما بالإجماع يعني إجماع أهل الحل والعقد على بيعته كما فُعل بأبي بكر، وكما أجمع أصحاب الشورى الستة الذين وضعهم عمر على مبايعة عثمان رضي الله عن الجميع، ويتحقق كذلك بما لو مات الإمام ولم يَنَص على أحد فإنه يجتمع أهل الحل والعقد فيختاروا واحداً ويبايعونه وهذا لا يشترط له مبايعة كل فرد من الأمة، كما يتحقق بالتراضي بأي وسيلة كانت على ما سبق بيانه، وأما الطريق الثالث فهو القهر، وهذا “يعني: لو خرج رجل {مسلم} واستولى على الحكم، وجب على الناس أن يدينوا له حتى إن كان قهراً بلا رضاً منهم، لأنه استولى على السلطة، ووجه ذلك ? والكلام هنا للشيخ ابن عثيمين في شرحه على السفارينية ص 499 ? أنه لو نوزع هذا الذي وصل إلى سدَّة الحكم، لحصُل بذلك شر كثير.. وإذا قلنا إن الخلافة تثبت بواحد من هذه الطرق الثلاث، فيعني ? والكلام لا يزال للشيخ ابن عثيمين ? أنه لا يجوز الخروج على من كان إماماً بواحد منها أبداً، وقوله: (فحُل عن الخداع): يعني: لا تُخادع ولا تخُن، فإنه إذا ثبتت الإمامة بواحدة من هذه الطرق فالإمامة ثابتة”إ.هـ
وفي حكاية الإجماع على (شرعية) ووجوب طاعة إمامة المتغلب، يقول ابن بطال ت 449 في شرحه لصحح البخاري1/ 116: “وأهل السنة مجمعون على أن المتغلب يقوم مقام الإمام العدل في إقامة الحدود وجهاد العدو وإقامة الجمعات والأعياد”، وقال بنفس المصدر 19/ 7: “والفقهاء مجمعون على أن الإمام المتغلب طاعته لازمه ما أقام الجمعات والجهاد، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، ألا ترى قوله r: (سترون بعدي أثرة وأموراً تنكرونها)، فوصف أنهم سيكون عليهم أمراء يأخذون منهم الحقوق ويستأثرون بها ويؤثرون بها من لا تجب له الأثرة ولا يعدلون فيها، وأمرهم بالصبر عليهم والتزام طاعتهم على ما فيهم من الجور”، ولفظ ابن حجر في فتح الباري 13/ 9: “قد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه، وأن طاعته خير من الخروج عليه، لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء”.. كما ساقه من قبلُ ونصُّ عليه صراحة: إمام المذهب أبو الحسن الأشعري ت 324 في (رسالته إلى أهل الثغر) ص 296، قائلاً في الإجماع الخامس والأربعين: “وأجمعوا على السمع والطاعة لأئمة المسلمين، وعلى أن كل من ولي شيئاً من أمورهم عن رضاً أو غلبة وامتدت طاعته من بر وفاجر، لا يلزم الخروج عليهم بالسيف جَارَ أو عَدَل، وعلى أن يغزوا معهم العدو ويحج معهم البيت، وتُدفع إليهم الصدقات إذا طلبوها، ويصلى خلفهم الجمع والأعياد”، وفيما يبدو فقد جاء سوقه إجماع أهل السنة والجماعة هنا رداً على ما جنحت إليه فرق المعتزلة والخوارج، فهم من قالوا بالخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وقد تبعتهما في زماننا جماعة الإخوان وجماعات التكفير، ذلك أن من أصول المعتزلة الخمسة: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) ومن أقوالهم وأفعالهم يظهر أنهم إنما أرادوا بذلك الخروج على الأئمة وقتالهم، فكان رد الأشعري على النحو الذي ذكرنا، كما كان النص منه على كلامهم والرد عليهم في مقالات الإسلاميين ص 278، 295، 451.. ونذكر من أقوال المعاصرين في وجوب طاعة الإمام المتغلب بالإجماع، قول د. وهبة الزحيلي في (الفقه الإسلامي وأدلته) 8/ 290 ط. دار الفكر: “ذهب الفقهاء الأربعة وغيرهم أن الإمامة تنعقد بالتغلب والقهر، إذ يصير المتغلب إماماً دون مبايعة واستخلاف من الإمام السابق”.
فأهل السنة والجماعة أوجبوا السمع والطاعة لولاة الأمور ولم يفرقوا بين من جاء منهم بطريق المغالبة ومن جاء بغيره، كما أنهم لم يشترطوا للحاكم المتغلب سوى القهر والقدرة على سياسة الناس وكونه معلوماً لديهم وموافقة أهل الشوكة الذي يمثله في أيامنا (المؤسسات العسكرية والأمنية والمخابراتية) كونها الأدرى بما يحيق بالبلاد من أخطار والأقدر على فهم سياسات أعداء الإسلام، بينا الإخوان ? أملاً في أن تدول إليهم الدولة مرة أخرى، مع مخالفة حرصهم على ذلك وتكالبهم وانكبابهم على السلطة لنصوص السنة الصريحة كما في قوله r لابن سمرة: (لا تسأل الإمارة، فإنك إن.. أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها)، وقوله في المتفق عليه أيضاً: (إنا والله لا نُوَلي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه) ? يتعسفون ويشترطون شروطاً عجيبة، فتارة يشترطون خلو المنصب بالموت على ما توهموه من بعض عبارات أهل العلم على الرغم من أن هذا الشرط لا أثر ولا وزن له في مناط الحكم، وتارة يشترطون لذلك عدم وجود بديل منتخب، وتارة ثالثة يشترطون إجماع أهل الحل والعقد الذين لا وجود له ولا لهم أصلاً فضلاً عن أنه يمثل طريقاً غير طريق المغالبة كما أوضحنا، ورابعةً ألا يكون ذلك عن طريق الإكراه واغتصاب السلطة، وخامسة اجتماع الشروط المعتبرة لإمامة غير المتغلب لجعلها للمتغلب، وسادسة يشترطون السلمية والزعم بأن ما وقع مع صاحبهم بمصر لم يراع فيه تطور الفقه السياسي.. إلخ.. وهم في كل هذا لا يزالون يرفعون شعار: (… رئيسي)، ويتجاهلون تماماً الوضع الحالي المُعاش.
وفي بيان الصواب فيما سبق والوجه فيه، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة1/ 115: “النبي r أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين الذين لهم سلطان يقدرون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً”، وفيه 1/ 527: “بل الإمامة عندهم ? يعني: أهل السنة ? تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها، ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماً، ولهذا قال أئمة السلف: من صار له قدرة وسلطان يفعل بهما مقصود الوِلاية، فهو من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ما لم يأمروا بمعصية الله، فالإمامة مُلك وسلطان”، يقول بعدها: “فكون الرجل أميراً وقاضياً ووالياً وغير ذلك: من الأمور التي مبناها على القدرة والسلطان، متى حصل ما يحصل به من القدرة والسلطان حصلت وإلا فلا؛ إذ المقصود بها عمل أعمال لا تحصل إلا بقدرة، فمتى حصلت القدرة التي بها يمكن تلك الأعمال كانت حاصلة وإلا فلا”.. ومن كلامه في منهاج السنة أيضاً 3/ 391: “فإن الحكم إذا ولاه ذو الشوكة، لا يمكن عزله إلا بفتنة، ومتى كان السعي في عزله مفسدة أعظم من مفسدة بقائه، لم يجز الإتيان بأعظم الفسادين لدفع أدناهما.. ولهذا كان المشهور من مذهب أهل السنة أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة، لأن الفساد في القتال والفتنة أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا تدفع أعظم المفسدتين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد تُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته”، وقال بنفس المصدر 1/ 556: “والإمام والخليفة: ذو السلطان الموجود الذي له القدرة على عمل مقصود الوِلاية، كما أن إمام الصلاة هو الذي يصلي بالناس وهم يأتمون به، ليس إمام الصلاة من يستحق أن يكون إماماً وهو لا يصلي بأحد، لكن هذا ينبغي أن يكون إماماً.. والفرق بين الإمام وبين من ينبغي أن يكون هو الإمام، لا يخفى إلا على الطغام”، قال: “وهو r قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”، قال: “وأمر r بالصبر على ما يكره من الأمير، لم يخص بذلك سلطاناً معيناً ولا أميراً معيناً ولا جماعة معينة”.
فظهر من هذه النُّقول ? وهي قليل من كثير ? تعريف أهل السنة والجماعة لـ (الأئمة المتغلبين)، وأنهم من لهم سلطة وشوكة في بلد ما، فمن كان مسلماً حراً مكلفاً ذا دراية بالسياسة ومعرفة الأحوال وذا خبرة ببواطن الأمور ومحافظاً على ما جاء بصيغة العقد الاجتماعي الذي أقسم وتعهد به لشعبه، وجب على من تحت وِلايته أن يطيعه في المعروف.. وأما اعتقاد (الإخوان) أن الإمام الذي يطاع هو فقط من جاء بطريق الصندوق والانتخاب السلمي وأن غيره مما أطلقوا عليه حكم (العسكر) و(الانقلابيين) الذين ? شهادة لله ثم للتاريخ ? ما عهدنا عليهم خيانة الوطن ولا إفشاء سره للعدو ولا الحرص على السلطة خلافاً لغيرهم، وكذا ما اشترطوه من شروط ليست في كتاب ولا سنة ولا إجماع، فهذا يضمر تحته هوىً متبعاً وشغفاً بالسلطة يحول دون إتمامها وصحة انعقادها لهم إلى الأبد، كما أنه يشتمل على شق عصا الطاعة والفتنة المفضية على نحو ما نرى إلى سفك الدماء والتخريب والعثو في الأرض فساداً والتي خشي منها سلف الأمة وأوضحوا خلالها أنه ليس من دين الله لا من قريب ولا من بعيد.. ونُذَكِّر في إصرار جماعة الإخوان على الخروج على الحاكم المتغلب، ومخالفة ما يفعلونه لمعتقد أهل السنة لما يحدثه من فتن عظيمة، بقولة أحمد: “والسمع والطاعة: للأئمة.. ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين، وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق”، وقولة شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة2/ 241: “وقَلَّ من خرج على إمام ذي سلطان، إلا كان ما تولد على فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير”، ولعل في الواقع ما يشهد بهذا.
وجميع كتب الاعتقاد على إقرار كل ذلك والتأكيد عليه والسير فيه مسيرة من بويع له أو استُخلف، وعلى عدِّ من خالف ذلك من الخوارج والبغاة، ففي كتاب (الشريعة) ص 40 وتحت عنوان (باب في السمع والطاعة لمن ولي أمر المسلمين والصبر عليهم وإن جاروا وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة)، يسوق الآجري ت 360 في ذلك جملة من الأحاديث، وقبلها مباشرة يتكلم عن الخوارج ويختم كلامه فيهم بقوله: “قد ذكرتُ من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذهب الخوارج ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحَيْف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه، وسأل الله كشف الظلم عنهم وعن المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح وحج معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى معهم الجمعة والعيدين، فإن أمروا بطاعة فأمكنه أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروا بمعصية لم يطعهم، وإذا دارت الفتنة بينهم لزم بيته وكف لسانه ويده ولم يهو ما هم فيهم ولم يُعن على فتنة، فمن كان هذا وصفه: كان على الطريق المستقيم إن شاء الله”إ.هـ.. وكذلك فعل اللالكائي (ت418) في شرحه لـ (أصول اعتقاد أهل السنة) 2/ 1043 غير أنه عكس فبدأ بالحديث عن طاعة الأئمة وثنّى بـ (ما روي عن النبي r في الخوارج)، وكان قد ذكر بنفس المصدر 1/ 164 حكاية عن معتقد الإمام البخاري ت 258فيما لقي وتوافر عليه أكثر من ألف رجل من أهل العلم بالحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر: “وأن لا ننازع الأمر أهله، ولا نرى السيف على أمة محمد r، قال الفضيل: (لو كانت لي دعوة مستجابة، لم أجعلها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد)”.. ومن قول الإمام الطحاوي ت 321 في عقيدته التي تلقتها الأمة بالقبول ص 323 : “ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة”، وتعليقاً على ذلك يقول بعض شارحي الطحاوية ص 322 في معنى وعلة قوله (ولا ندعو عليهم) ? على نحو ما يجري كثيراً الآن دون ما مبالاة ?: “إن هذا، خروج معنوي مثل الخروج عليهم بالسلاح، وكونه دعا عليهم لأنه لا يرى ولايتهم، فالواجب الدعاء لهم بالهدى والصلاح لا الدعاء عليهم، فهذا أصل من أصول أهل السنة والجماعة، فإذا رأيت أحداً يدعو على ولاة الأمور فاعلم أنه ضال في عقيدته وليس على منهج السلف، وبعض الناس قد يتخذ هذا من باب الغيرة والغضب لله عز وجل، لكنها غيرة وغضب في غير محلهما لأنهم إذا زالوا حصلت المفاسد، قال الإمام أحمد: (لو أني أعلم أن لي دعوة مستجابة لصرفتها للسلطان)، والإمام أحمد صبر على المحنة ولم يثبت عنه أنه دعا عليهم أو تكلم فيهم، بل صبر وكانت العاقبة له ? وقد حكى عنه ابن كثير في البداية والنهاية 10/ 337 قوله مخاطباً الحاكم العباسي: (وإني لأرى طاعة أمير المؤمنين: في السر والعلانية، وفى العسر واليسر، ومنشطي ومكرهي، وأوثره عليَّ وإني لأدعو له بالتسديد والتوفيق في الليل والنهار) ? هذا مذهب أهل السنة والجماعة، فالذين يدعون على ولاة أمور المسلمين ليسوا على مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك الذين لا يدعون لهم، وهذا علامة أن عندهم انحرافاً عن عقيدة أهل السنة والجماعة.. ذلك أن صلاحهم صلاح للمسلمين، وهدايتهم هداية للمسلمين، ونفعهم يتعدى لغيرهم، فأنت إن دعوت لهم دعوت للمسلمين”.. ومما قاله أبو الحسن الأشعري ت 324 وهو يحكي جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة في مقالات الإسلاميين ص 295: “ويرون العيد والجمعة خلف كل بر وفاجر.. ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف، وأن لا يقاتلوا في الفتنة”.. ومما ذكره البربهاري ت 329 في كتابه (شرح السنة) ص 13: “والخلافة في قريش إلى أن ينزل عيسى ابن مريم عليه السلام، ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين فهو خارجي، قد شق عصا المسلمين وخالف الآثار، وميتته ميتة جاهلية”، قال: “ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه وإن جار، وذلك لقوله r كما في البخاري ومسلم: (اصبر، وإن كان عبداً حبشياً)، وقوله للأنصار: (اصبروا حتى تَلْقَوني على الحوض)، وليس في السنة قتال السلطان، فإن فيه فساد الدنيا والدين”، قال: “ويحل قتال الخوارج إذا عرضوا للمسلمين في أموالهم وأنفسهم”.. ومما قرره الحافظ أبو بكر الإسماعيلي ت 371 في كتابه (اعتقاد أئمة أهل الحديث) ص 75 قوله: “ويرون الصلاة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً، فإن الله فرض الجمعة وأمر بإتيانها فرضاً مطلقاً مع علمه تعالى بأن القائمين يكون منهم الفاجر والفاسق، ولم يستثن وقتاً دون وقت، ولا أمراً بالنداء للجمعة دون أمر”.. ومما جاء في (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) ص 100لأبي عثمان إسماعيل الصابوني ت 449: “ويرى أصحاب الحديث الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم براً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جَوَرَة فَجَرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحَيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل”.. كما ذكر ابن تيمية في الواسطية ص 479 عن منهج أهل السنة أنهم “يرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبراراً كانوا أو فجاراً.. ويأمرون بالصبر على البلاء والشكر عند الرخاء والرضا بمرِّ القضاء.. وينهون عن الفخر والخيلاء والبغي والاستطالة بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالي الأخلاق، وكل ما يقولونه ويفعلونه من هذا وغيره، فإنما هم متبِعون للكتاب والسنة”.. ومن قبله بوب أبو القاسم إسماعيل الأصبهاني ت 535 في كتاب (الحجة في بيان المحجة) 2/ 418، 435، 438 لـ (منع الخروج على أولي الأمر)، و(النهي عن سب الأمراء والولاة وعصيانهم)، و(توقير الأمراء) وذكر من الأحاديث قوله r: (عليك بالطاعة في منشطك ومكرهك ويسرك وعسرك وأثرة عليك) يعني: وإن لم يصلك حقك منهم، ومن الآثار قول عبادة بن الصامت لجنادة: (عليك بالسمع والطاعة في يسرك وعسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك، ولا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمرك بمعصية الله بواحاً).
وكان ابن أبي العز ت 792 قد ساق في شرح ما سبق أن ذكرناه للطحاوي، قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.. النساء/ 59)، وحديث البخاري (2957) ومسلم (1835): (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني).. كما ساق حديث أبي ذر، الذي يقول فيه: (إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع، وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف) كذا بمسلم (1837) وهي عند البخاري (693) بلفظ: (ولو لحبشي كأن رأسه زبيبة).. وفي الصحيحين أيضاً ? البخاري (7144) ومسلم (1839) ? يقول r: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة).. ومما استدل به ابن أبي العز قوله r لحذيفة كما في الصحيحين بعد أن ذكر فرق الزيغ والضلال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وقوله في الصحيحين من حديث ابن عباس: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته ميتة جاهلية)، وهي كما في صحيح سنن أبي داود (4758)، بلفظ: (فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه).. إلى آخر ما ذكره من أدلة، أعقبها ? رحمه الله ? بقوله ص 324، 325:
“فقد دل الكتاب والسنة على وجوب طاعة أولي الأمر ما لم يأمروا بمعصية.. وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا، فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير السيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله تعالى ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، والجزاء من جنس العمل، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل”، وقد سبق أن ذكرنا في المفاسد عبارة أحمد إمام السنة وشيخ الإسلام ابن تيمية وابن المديني شيخ البخاري، فماذا لو كنا نحن الذين يقع منا الجور والمفاسد والمنازعة والتخريب والتقتيل وإحداث الشغب والفتن والقلاقل؟، وماذا لو كان من يقع منه ذلك، يفعله بغير حق وباسم الإسلام وعن غير رضاً لما قدَّره الله تعالى صاحب الملك الذي يؤتيه من يشاء وينزعه عمن يشاء؟، وماذا لو وقع من فصيل؛ ما رُوئي في أمر إلا وهو يقدم فيه بين يدي الله ورسوله، فلا آية عنده ولا حديث ولا إجماع، وآخر ذلك ? وليس آخراً ? ما كان من عبد الفتاح مورو نائب ريس حزب النهضة التونسي أثناء لقائه مع الإبراشي ببرنامجه (العاشرة مساء) من سعيِ جماعة الإخوان بتونس لرفع عبارة: (أن تكون الشريعة هي المصدر الرئيسي) من الدستور التونسي مبرراً ذلك وضارباً المثل بـ (الربا) الذي لا يمكن برأيه التعامل دولياً بغيره، وأين كل ذلك من قول الله تعالى: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.. النور/ 63)؟!، بل ماذا لو كان هذا المنازع يقول بقول الخوارج في اعتبار نفسه جماعة المسلمين على ما ألمح إليه البنا في قوله بـ (مجموعة الرسائل) ص 181: “وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا كثرة، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم”، وصرح به مِن بعده بعض منظري جماعته وهو سعيد حوى في كتابه (دروس في العمل الإسلامي) ص 19، حيث يقول: “ولا زالت دعوة الإخوان وحدها، هي الجسم الذي على أساسه يمكن أن يتم التجمع الإسلامي في العالم”، ويقول في (آفاق التعاليم) ص 13: “لئن كان البنا بمجموع ما حباه الله هو المرشح الوحيد؛ لأن يطرح نظريات العمل الإسلامي، فالدعوة التي أقامها تركيب ذو نِسب معينة، فمتى اختلفت هذه النسب حدث الفساد”، ويقول عن جماعته: إنها “الجماعة التي ظهرت بها الآن صيغة الحق الوحيدة المتعارف عليها خلال التاريخ، والمتمثلة بأهل السنة والجماعة”.. وقد أدى كل هذا بالطبع لأن تُصبِغ الجماعة هذا التصور بصبغة الدين وتتعسف في إسقاط الأدلة عليه، فيقرر حوى (في آفاق التعاليم) ص 15 ومعه كتيبة الإخوان، بأنهم المعنيون بقوله “r: في الحديث المتفق عليه: (أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)”، ويردف مؤكداً هذا المعنى فيقول: “إن الأصل الذي لا يجوز أن يغيب عن المسلم، هو أنه لا بد للمسلمين من جماعة وإمام، وأن الواجب الكبير على المسلم، أن يكون ملتزماً بجماعة المسلمين وإمامهم، وهذا هو المفتاح الأول لفهم قضية الإخوان”، وكانت نتيجة ذلك بالضرورة: الوقوع في هوة تكفير الغير وأن الخارج على جماعة المسلمين التي هي جماعة الإخوان، خارج عن الإسلام حلال الدم، لحديث: (من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، يقول حوى في كتابه (من أجل خطوة إلى الأمام) ص40 بعد أن ساق الحديث، ساحباً إياه على من خالف جماعته وإمامها: “وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة، لأن الطاعة لا تجوز إلا لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختياراً”، وقد سبق أن ذكرنا في مقال سابق أن مثل هذه الادعاءات، أكبر دليل على بدعية من يتبناها ويقول بها.. وينظر للمزيد في عدم صحة انعقاد مبايعة الإخوان للإمامة مقال (بطلان بيعات الإخوان وبيان أنها غير ملزمة ولا هي على صحيح الدين).
وإنما نسوق هنا كلام أئمة العلم في مسألة (إمامة المتغلب)، جرياً على دعاوى الخصم بأن ما جرى بمصر كان انقلاباً على ما تروجه قنوات الفتنة وما أطلقوا عليه (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) ومن تأثر بهما وقال بقولهما من المتعصبة والدهماء، وإلا فالأمر في الحقيقة لم يكن كذلك، وإنما جاء نتيجة تظاهرات شعبية خرجت بالملايين، رآها العالم كله وكنا نراها تذهب أحيانا إلى مقر وزارة الدفاع تطالب بإسقاط حكم المرشد وإقالة د. مرسي بعد إخفاق برنامج المائة يوم وتفاقم الأزمات الحياتية وإحكام قبضة جماعته على مفاصل الدولة بالمخالفة للدستور، وإزاء سعيٍ حثيث من قِبَله لتفكيك الجيش المصري وتسريب أسراره لدول عميلة، وارتكاب أعمال تعرض الأمن الوطني المصري للأخطار وتعرضه هو لتهمة الخيانة العظمى وتؤكد أنه ناقض لما أقسم عليه وناكث للعقد الذي أبرمه مع شعبه باحترام الدستور والقانون والحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، وأنه ما كان للحكم بأهل حتى يُنهى عن منازعته أو يجعل الثائرين عليه في حكم الخوارج.. وجاء أيضاً نتيجة حشود كانت تخرج بالملايين لذات الغرض في جل ميادين مصر، ومثلها كانت متحمسة لفكرة تمرد لإجباره على التخلي عن منصبه وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة بعد أن جمعت لذلك ما يقدر بـ 22 مليون عريضة.. كما جاء عقب إعطاء مهلة يومين وقبلها أسبوع من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة للقوى السياسية للتوافق وحل الأزمة، زامنها ضغوط من المؤسسة العسكرية تطالب الرئيس الحالي بتلبية هذه النداءات وتهدده بالتدخل العسكري إذا لم ينزل على إرادة الشعب، وقد تبع كل ذلك تصويت على الرئاسة حصل الرئيس الحالي بموجبه على 104 , 780 , 23 صوت بشهادة منظمات أجنبية حقوقية ورغم الحملات المضادة ودعوات المقاطعة، في نسبة مشاركة تقدر بـ 47 %، فيما حصل د. مرسي في انتخابات (الإعادة) في 2012 على 131 , 230 , 13 صوت، في نسبة مشاركة تقدر بأقل من 52 % منها نسبة لا يستهان بها لم تصوت قناعة به ولكن رفضاً لمنافسه الذي لا يزال حتى الآن يشكك في نزاهة هذه الانتخابات.. الأمر الذي يكذب بشدة ما روجته جماعة الإخوان ولا زالت لصالحها ولصالح مرشحها.
ولا يملك أي منصف تجاه هذه الصورة المتكاملة للمشهد المصري، وتجاه جرائم الإخوان في 14، 15/ 5/ 2015 فقط على سبيل المثال ? وفيها: (80 إخوانياً أحرقوا المبنى الإداري لنيابة مدينة السادات بالمنوفية)، (6 ملثمين اغتالوا أمين شرطة كرداسة أحمد عبد الله أثناء عودته إلى منزله)، (انفجار محدث صوت بالقرب من مركز شرطة الدلنجات بالبحيرة)، (تفكيك 7 عبوات ناسفة قبل انفجارها أسفل برجي كهرباء بالفيوم)، (وفاة الطالب أنس المهدي بجامعة القاهرة متأثراً بإصابته باشتباكات الإخوان والأمن الإداري)، (إبطال مفعول قنبلة صوتية قرب الصالة المغطاة في مركز طيبة شمال الأقصر)، (سماع دوي إطلاق رصاص قرب محور 26 يوليو بالجيزة)، (دوي انفجار بجسر السويس)، (مصرع 2 وإصابة آخر بانفجار اسطوانة أكسجين أثناء قيام العمال بإجراء الصيانة الدورية داخل محطة كهرباء الكريمات بدائرة مركز أطفيح)، (ضبط الإخواني شريك قاتل ميادة أشرف.. يرشد عن مخزن أسلحة وذخيرة بعين شمس)، (العثور على قنبلة بمحيط مسجد الرست بوادي النطرون بالبحيرة)، (بالفيديو: اندلاع حريق هائل في مدرسة بجوار قصر الأمير طوسون في روض الفرج)، مصدر مسئول بوزارة الكهرباء والطاقة المتجددة: 700 ألف جنيه خسائر استهداف 4 أبراج كهرباء)، (انتشار مكثف لقوات الشرطة بمدينة الفيوم إثر وقوع انفجارين)، (كسر ماسورة مياه رئيسية تغرق شوارع المعادي)، (وزارة الكهرباء تعلن العثور على قنابل بـ 3 خطوط بالشرقية)، حزب النور: الإخوان تتاجر بوفاة فريد إسماعيل)، (بالصور: جنازة عسكرية لأمين شرطة بالوراق بعد اغتياله وصديقه على يد مسلحين)، (جنازة عسكرية لشهيد سيناء في الدقهلية.. وهتافات ضد الإخوان والإرهاب)، (مجهولون يفجرون برج كهرباء في مركز القوصية بأسيوط)، (حريق هائل بأحد المحلات في العمرانية)، (انفجار عبوة بدائية الصنع وإبطال 3 أخرى أسفل برج كهرباء بقرية العصلوجي مركز الزقازيق بالشرقية)، (اندلاع حريق في مدرسة الصنايع بديرب نجم وفزع الطلاب بلجان الامتحانات)، (قطع التيار عن مدينة نجع حمادي بسبب تفجير برجي كهرباء)، (الإخوان استهدفوا برجي كهرباء نجع حمادي بـ 8 عبوات ناسفة)، (مصدر أمني: الإرهابيون يفجرون برجي كهرباء في قرية أبو عموري بقنا)، (إرهابيون يفجرون برجي ضغط عالي بقنابل في البحيرة ما أدى لتحطيم البرجين وسقوطهما، وإحباط تفجير قنبلتين أخريين)، (مجهولون يقطعون طريق طنطا ? كفر الشيخ ويشعلون النيران في إطارات السيارات)، (بالصور: حريق يلتهم 10 أفدنة قرب كارتة الإسماعيلية)، (انفجار عبوة ناسفة بجوار نقطة شرطة الحامولي بالفيوم).. وهي مجرد نماذج لأحداث في 48 ساعة فقط، ناهيك عما وقع قبل ويقع بعد ودوماً، وعما تفعله أجنحة الإخوان العسكرية وعلى رأسها حماس وبيت المقدس بسيناء ? أقول لا يملك أي منصف تجاه كل ما ذكرنا من ظلم إلا أن يصف الإخوان بـ: “1-الخروج عن طاعة الحاكم العادل {الذي ارتضاه وائتمنه وشهد له د. مرسي في 3/ 5/ 2013 بقوله: لديه عقلية هندسية متميزة بالإضافة إلى تكوينه العسكري المتميز} والتي أوجبها الله على المسلمين لأولياء أمورهم، 2-وأن خروجهم من جماعة قوية، لها شوكة وقوة بحيث يحتاج الحاكم في ردهم إلى الطاعة، إلى إعداد رجال ومال وقتال، 3-وأن لهم تأويل سائغ يدعوهم للخروج على حكم الإمام، 4-ولهم رئيس مطاع يمثل مصدر قوتهم، لأنه لا قوة لجماعة لا قيادة لها”إ.هـ.. وأساءل هنا والآن ضمائر كل قيادات العمل الإسلامي على مستوى الكرة الأرضية، وكل الجماعات والمنظمات والاتحادات والجماعات الإسلامية، واتحاد علماء المسلمين، وتحالف دعم الشرعية، ألا تنطبق هذه السمات ? التي ذكرها الشيخ سيد سابق في كتابه (فقه السنة) 3/ 71 بحق البغاة ? على (الإخوان) الذين إزاء وضع صورة عكسية لمنازعة الأمر أهله، لا يزالون يسَوِّقون الأمر على أنه كذلك ويرون قتال الولاة والخروج عليهم بما يحسبونه ظلماً؟، بل ولا يزالون يُعملون التدمير والتخريب والإفساد في المنشآت العامة والخاصة، ويُعملون التفجير والتقتيل في قضاة وقادة وضباط وجنود المجتمع المصري بخاصة والعربي عامة؟.. كما لا يملك أي منصف تجاه ما ذكرنا أن يعطي للإخوان الحق في مصادرة ما يشهد به الشرع والعقل والواقع، ولا مصادرة قناعات سواد المسلمين الأعظم في عدم أحقية ما يفعله الإخوان من فساد طال مداه وبلغ حداً لم يعد يطاق بسبب أفهام مغلوطة، ولا مصادرة حِكمة الله وإرادته في قانوني الاستبدال والاستخلاف.. أسأل الله أن يهدينا جميعاً لما اختلف فيه من الحق بإذنه إلى صراطه المستقيم إنه ولي ذلك والقادر عليه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بمناسبة الذكرى الخامسة لثورة يناير..
لله ثم للتاريخ: الإخوان هم من قتلوا ثوار يناير وغيرهم، وهم من بغوا وبدءوا باعتداءات رابعة.. فعلام الفتن والثارات والمظلوميات؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه إلى يوم الدين.. وبعد:
ففي الرد على (نداء الكنانة) الصادر عن علماء وتنظيم الإخوان بتركيا، أصدر علماء الأزهر في 8/ 2015 بياناً بعنوان (مصر المحروسة) يردُّ فيه على ما تضمنه هذا النداء، وكان ضمن ما جاء في البيان: “لقد وصفوا القيادات المصرية والرموز الوطنية بأنهم مجرمون قتلة انقلبوا على إرادة الأمة وخطفوا رئيسها المنتخب، وقتلوا الآلاف بغير حق، واعتقلوا عشرات الآلاف بلا مسوغ، وحكمت على بعضهم بالإعدام… إلخ هذه المفتريات”، وأردف البيان: “والحقيقة التي تتهرب منها هذه الجماعة دائمًا ? ولا تريد أن تواجهها ? هي أن حكام مصر لم ينقلبوا على نظام الحكم كما يرجف المرجفون، بل الشعب هو الذي ثار وخرج بجميع فئاته، وشاهده العالم يوم 30/ 6 ليطالب بعزل حُكمٍ فَشَل في إدارة مصر، وفي الحفاظ على مقدراتها، وعجز عن حماية جنودها وحدودها، وفشل رئيسها في أن يكون رئيسًا لكل المصريين، ومكَّن لفئة قليلة من النفوذ إلى كل مؤسسات الدولة مما هدَّد بتفتت كيانات الدولة، واندلاع حرب أهلية بين المصريين”.. وجاء أيضاً في بيان الأزهر: “ومن أكاذيبهم أن حكام مصر قتلوا الناس بغير حق، واعتقلوا عشرات الآلاف بلا مسوغ… إلخ إدعاءاتهم.. والواقع أن حكام مصر الحاليين لم يقتلوا أحدًا، وإنما القتلة هم الذين غرروا بالمتظاهرين والمعتصمين من أتباعهم وأفتوهم وحللوا لهم الخروج المسلح على الجيش والشرطة والشعب من أجل حكم الناس رغم أنوفهم، ودفعوا بأبناء الفقراء والبسطاء إلى التهلكة والموت، بينما كثير من كبرائهم يتمتعون برغد العيش في ظل حماية حكومات حاقدة على مصر وشعبها”.. وجاء فيه: “أن مُصدِّري هذا البيان لا يزالون يتوهمون أن الرئيس المعزول هو الرئيس الشرعي، ولسنا ندري كيف تجاهل هؤلاء الذين يصفون أنفسهم بالعلم والعقل، إرادة عشرات الملايين التي خرجت في 30 يونيو وليس لها من مطلب غير تغيير نظام الحكم ورحيل الحاكم، فكيف يتصور عاقلٌ تجاهلَ إرادة الملايين وقهرهم على استبقاء حكم مرفوض من جماهير الشعب الثائر، سقطت شرعيته وتزعزعت أركانه واستنفد كل أغراضه؟!”.
وفي معرض رده على بيان الإخوان الذي حرضوا فيه هذا العام 2016 على التصعيد في ذكرى ثورة 25 يناير داعين أنصارهم باستخدام كافة الوسائل المتاحة، كشف مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لـ (دار الإفتاء المصرية) أن هذه الدعوة جريمة متكاملة الأركان تُسقِط عن وجه الجماعة قناع السلمية التي توارت خلفه خلال السنوات الماضية، وتُثبت أن عنف الجماعة وصدامها مع المجتمع جزء لا يتجزأ من عقيدتها، التي تؤمن بها، وأوضح المرصد أن الجماعة ساقت الآيات والأحاديث التي تدعم موقفها على خلاف الواقع، وتناست أن استخدام الفتاوى الدينية وتسخيرها في تعميق الخلاف والشقاق بين المسلمين وأبناء الوطن الواحد وإلصاق التهم بالناس من غير وجه حق والقدح في دينهم لمجرد خلاف سياسي، أمر ممقوت ومحرم شرعاً، وشدد المرصد على أن مثل هذه الدعوات تحض على العنف والإرهاب المحرم تحريمًا قاطعًا، محذرًا المصريين عامة والشباب خاصة من التورط في اقتتال واحتراب لا شرعية دينية له ولا مصلحة فيها إلا لأعداء الوطن في الداخل والخارج، ويجب على جميع المصريين الحفاظ على مؤسسات الدولة المصرية ضد أي اعتداء يقع عليها بأية وسيلة كانت؛ لأن هذا الفعل جريمة يعاقب عليها الشرع والقانون.
تلك هي كلمة الأزهر الذي يكن العالم كله له كل تقدير واحترام والذي يجب أن يُحترم ويُستمع له لاسيما في مثل هذه القضايا المصيرية، لكن مما تجدر الإشارة إليه: أن وقائع ثورة يناير التي يتظلم منها الإخوان وما أعقبها من أحداث وتحقيقات، أثبتت بما لا يدع مجالاً لشك أن الإخوان هم من قتلوا متظاهري ثورة يناير إما مباشرة أو عن طريقهم للضغط على المجلس العسكري كي يُخلي لهم الساحة، وأستأنسُ هنا باعتراف الإخواني (أسامة ياسين) وزير الشباب الذي أوضح فيه خلال التحقيقات التي أجريت معه بسجن طرة تحت إشراف المستشار مصطفى خاطر المحامي العام الأول لنيابات شرق القاهرة في 8/ 2013 واستمرت 8 ساعات، “أن اتهامه في موقعة الجمل اتهام لا يستطيع أن يبرئ نفسه منه، وأن الحزب الوطني هو الذي خطط لارتكاب الواقعة والإخوان كانوا هم المنفذون لها، في مقابل: إفراج المجلس العسكري عن بعض قياداتهم بالمعتقلات، وتعهده بإجراء انتخابات برلمانية تكون للإخوان الأغلبية فيها من أجل القضاء علي ثورة 25 يناير”.. كما أستأنسُ بما أدلى به رئيس المجلس العسكري آنذاك المشير (طنطاوي) أثناء محاكمة مبارك عن قتل متظاهري ثورة يناير فيما عرف بـ (قضية القرن)، حيث ذكر في شهادته بأن العناصر الإخوانية والمنتمين لهم من الفصائل، هم من كانوا يقومون بالقنص من فوق أسطح المنازل، قال: “واللى بيحصل دلوقتى ? يقصد أحداث رابعة وما بعدها ? يوضح من الذي كان يقوم بالتخريب وإحداث الاضطرابات والمظاهرات، والهجوم على عناصر الجيش برابعة باستخدام السلاح، والفرق في ذلك الوقت كان فيه ناس كتير من الشعب ماكانوش فاهمين، وممكن يكونوا منضمين”.. وبما أدلى به في نفس القضية: الفريق (سامي عنان) رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، حيث قال: “انسحاب الشرطة كان نتيجة الضغط النفسي عليها”، وهذا دليل على أن الشرطة لم يكن لها تواجد أصلاً وأنها ? في حمايتها للمتظاهرين على أي الأحوال ? لم تكن تحمل سلاحاً نارياً، بل هي من سُرقت أسلحتها لتُضرب هي وغيرها بها، يقول عنان: “ورئيس الجمهورية لا يعطى أوامر للضرب واستخدام العنف، ولم يَصدُر أيُّ قرار ناتج عن الرئيس مبارك باستخدام العنف والضرب مع المتظاهرين”.. وبما صرح به اللواء حمدي بدين قائد الشرطة العسكرية الأسبق، حيث قال: “لم يتم ملاحظة أحدٍ من الضباط يمسك أسلحة ويطلق أعيرة نارية ضد المتظاهرين، لكنه شاهد بعض الناس تجلس فوق أسطح المنازل بعضهم ينتمي إلى الإخوان”، وأضاف: “أنه هو وضباطه لم يشاهدوا أي شيء تابع للقناصة التابعة للداخلية فوق أسطح المنازل بمحمد محمود”.. وبما كشفه الشاهد العقيد أيمن فهيم قائد الحرس الجمهوري بفترة حكم مبارك، حيث قال في شهادته بالحرف الواحد: “من رؤيتي: أن ما حدث مؤامرة استخدمت فيها أمريكا الإخوان، وهم مصريون في البطاقة فقط وكل ميولهم تخدم جماعتهم فقط، وأهدافهم تلاقت مع هدف الولايات المتحدة وكانوا مجرد أداة”، ورداً على سؤال حول الإصابات التي حدثت في ميدان التحرير، أجاب: “الإصابات كانت مثل ما حدث في أوكرانيا وإحنا درسنا أزمة (مصدق) في إيران، وتبين أن ضربات الشرطة كانت طلقات فشنك في نفس الوقت الذي كان هناك مسلح متخفٍ، وده أسلوب متبع من سنة 53، لإفشال النظام وإحداث أزمة في وزارة الداخلية وحرق الأقسام”.. وبما كشف عنه عصام البطاوي محامي مدير أمن القاهرة الأسبق بنفس القضية في 9/ 6/ 2014: من أن “الإخوان هم من تبين أنهم الطرف الثالث الذي كنا نبحث عنه، لقيامهم بقتل المتظاهرين ورجال الشرطة في آن واحد، وهو ما كشفته ثورة 30 يونيو التي كشفت مدى جرائم الإخوان بدءً من الاستيلاء على ثورة يناير.. لقد كشفت الأحداث أنهم متهمون في قضايا اقتحام السجون والتخابر مع جهات أجنبية.. وقتل المتظاهرين أمام مكتب الإرشاد وتعذيب بعضهم أمام قصر الاتحادية، من خلال نفس الأسلحة التي استخدمت في ثورة 25 يناير”.. ولا ننسى أن القضاء برأ مبارك من تهمة قتل المتظاهرين، ولا دلالة لذلك سوى أن المتهم في ذلك: هم جماعة الإخوان وفق شهادات من ذكرنا، وبخاصة أن ثمة “وقائع قتل وإحراز أسلحة بمحاضر تم تحريرها في أكثر من قسم بالقاهرة وبورسعيد، تأسيساً ? يقول البطاوي ? على أن جماعة الإخوان قامت بارتكاب عدة جرائم وإلصاقها لقوات الشرطة”، وما ذكرناه في إثبات ذلك قليل من كثير يضيق به المقام.
وأختم بما تم تسجيله على سي دي للواء حسن الرويني قائد المنطقة المركزية الذي نزل ميدان التحرير في اليوم التالي لموقعة الجمل والتقى بالمتظاهرين ودار حوار بينهم جرى إذاعته على مواقع الإنترنت، السى دى تتهم بشكل مباشر الإخوان وعدداً من قياداتها منهم محمد البلتاجي بأنهم وراء موقعة الجمل، فالرويني قال: إنه تحدث مع محمد البلتاجي وقال له: “نزلوا اللي فوق الأسطح، لو مانَزِّلتش إللي فوق السطح أنا سوف أبعث بالقوات تجيبهم وتنزلهم علشان إحنا القوات المسلحة”، وقد اتهمت هيئة الدفاع عن المتهمين من واقع السى دى المقدمة، أن المحرض والمدبر والذي لعب دوراً رئيسيا في أحداث موقعة الجمل هم جماعة الإخوان الذين يُعتبرون الطرف الخفي في كل ما حدث في مصر من أول موقعة الجمل، علماً بأن تدبير موقعة الجمل جرى في شقة تطل على ميدان طلعت حرب جمعت بين كل من قيادي بجماعة الإخوان وعضوين من الجمعية الوطنية للتغيير وهما من قاما بالتخطيط لأحداث الفوضى وموقعة الجمل، ووفقا للسي دي فإن الإخوان هم من جهزوا البلطجية وقاموا بتحميلهم في السيارات من أماكن بعيدة ووصلوا واشتبكوا في الميدان، وأن عدداً كبيراً منهم اعتلى ظهر العمارات الكبرى المطلة على ميدان التحرير وقاموا بإلقاء المولوتوف والحجارة على المتظاهرين والرصاص الحي حتى سقط قتلى على الأرض، خاصة أنهم لا يريدون الاستقرار بل الفوضى وفقا للمخطط الصهيوني الأمريكي وبتمويل وسائل الإعلام التي تخضع له.. كما قامت هيئة الدفاع عن مبارك ومساعديه بتقديم فيديو آخر داخل السى دى يظهر فيه سيارات محشودة بالبلطجية وأنهم تابعون للجمعية الوطنية للتغير (البرادعي) وأيضا لجماعة الإخوان، وعندما يقتحمون الميدان يتم الإمساك بهم والفتك بهم من قبل المتظاهرين، ويظهر بعد ذلك البعض منهم يعتلى قمم عمارات داخل الميدان يلقون المولوتوف والحجارة على المتظاهرين وبعض القناصة الذين يطلقون النيران.. ومشهد آخر داخل سي دي يَظهر فيه اللواء حسن الرويني وهو يدخل ميدان التحرير من مدخل عبد المنعم رياض ومعه عدد قليل من قوات الأمن وفى نفس التوقيت رفض التصوير مع وسائل الإعلام الأجنبية وقال الرويني لأحد مشايخ السلفيين وبعض شباب الإخوان معهم: “(إن رسول الله قال: اتق شر من أحسنت إليه، وقالوا كيف يا رسول الله؟، قال: بمزيد من الإحسان)، أنتم عاوزين إيه، عايزين تتكلموا اطلعوا هاتوا العيال إلى انتم حطينهم فوق الأسطح وعمالين يرموا على الناس مولوتوف وقنابل مسيلة، كل حاجة متصورة عندى، وعندى سى دى بيها، والطائرة إلى فوق دي مصورة كل حاجة، واللي فوق شوية إرهابيين، فرد الشباب الإخواني قائلاً: احنا مش إرهابيين، قال الرويني: خلاص اطلعوا فوق هاتوهم وأنا هحميكوم واقبض عليهم لو ما كانوش منكم، فلم يتحرك أحد منهم، علشان تعرفوا إن إلى فوق أسطح العمارات هم الإخوان والإرهابيين” وكانوا من حماس.
والحق أن لدى جماعة الإخوان خبرة منقطعة النظير في (صناعة المظلوميات)، وهي تمثل بالنسبة لهم أهم الإستراتيجيات التي تعتمد عليها الجماعة منذ تأسيسها عام 1928، لجذب المزيد من المؤيدين لها، وإثارة تعاطف الناس تجاهها، ولهم في ذلك سلف فقد سبق أن أجاز الشيخ البنا لجماعته المتاجَرة بالأرواح والدماء من أجل المصلحة السياسية، وتستخدم جماعة الإخوان هذا السلاح الآن وبشراسة في خطوة لإعلان الحرب على مصر، وتعد مظلوميتا (الحرائر)، و(ضحايا رابعة) الأبرز بعد عزل مرسي في 3/ 7/ 2013 من أجل الحصول على تعاطف شعبي ودولي يساعد الجماعة على إعادة رئيسها إلى سدة الحكم مرة أخرى.
وتعني صناعة المظلومية وفقا لمفهوم الإخوان وحسب بعض المحققين الصحفيين: دفع أعضاء الجماعة إلى التهلكة ومن ثم التجارة بدمائهم وأرواحهم، لتحقيق مصالح سياسية ناجمة عن التعاطف المصاحب لصنع المظلومية، أي جعل الجماعة تظهر وكأنها مظلومة، وقد كان حسن البنا أول من دفع ثمن تلك الإستراتيجية عندما تسبب الإخوان في قتله بعد اغتيالهم للنقراشي باشا؛ ليتاجروا بدمائه بعد ذلك ويحولونه من مجرد شخص عادي إلى رسول ونبي ورمز للجماعة وأعضاءها، بل وسبيل أيضا لحشد المزيد من الأنصار والمؤيدين، وهذا ما تم بالفعل، وقيل عن حسن البنا ولا يزال: (الإمام) (الشهيد)، و(الرجل القرآني)، و(رسول آخر الزمان)، وغيرها من الألقاب التي أسهمت في شهرته وشهرة جماعته، ووصولها إلى عدد كبير من دول العالم.. ويعتبر اعتصامي الإخوان في ميداني (رابعة والنهضة) هما أبرز الدلائل على إستراتيجية صناعة المظلومية الإخوانية، فعلى الرغم من علم الجماعة باقتراب فض الاعتصامين، وعلى الرغم من التحذيرات التي وجهت لأنصار الإخوان في الميدانين قبل الفض، رفضت قيادات جماعة الإخوان السماح لأبنائهم بفض اعتصامهم والنجاة بأنفسهم، بل اختار القيادات الخروج من الميدان، وترك أعضاء الجماعة؛ ليُسجنوا تارة؛ وليُقتلوا تارة أخرى، من أجل المتاجرة بدمائهم وحرياتهم، بل وصل الحال إلى قتل الجماعة لبعض عناصرها أثناء الفض، لصناعة مظلومية ضد النظام المصري الجديد ما بعد عزل مرسي، وبالفعل سقط عدد كبير من أنصار جماعة الإخوان وأصيب آخرون أثناء فض الاعتصام، وتاجرت الجماعة بأرواحهم بشكل يسيء لحرمة الموتى، حيث قامت الجماعة بنشر صور ضحاياها وهم أموات، لحث الشباب الداعم لمرسي على إعلان الحرب على الدولة المصرية، وإشعال فتيل الحرب الأهلية.. على الجانب الآخر قامت الجماعة برفع أكثر من دعوى قضائية ضد النظام المصري الحالي بسبب هذين الاعتصامين، متناسية دعاوى الخروج من الاعتصامين التي أطلقتها قوات الفض يوم الفض دون أن يتحرك أحد بسبب أوامر الإخوان.. وقد ذكر د. محمد حبيب? نائب المرشد العام السابق لجماعة الإخوان ? في حوار مع جريدة البوابة: أنه حاول مرارا وتكرارا تقديم النصيحة لمحمد بديع مرشد الإخوان كي يفض اعتصامه ويحفظ دماء أبنائها إلا أنه رفض هذا خوفا من اللوم الكبير الذي سيُلقى على عاتقه من فروع الجماعة بمختلف أنحاء العالم بعد فشل إخوان مصر في الحفاظ على حكمها تارة، وتارة أخرى كي يصنع من دماء المعتصمين مظلومية جديدة يستطيع خلالها جذب المزيد من المتعاطفين محليا ودوليا، بجانب رفع دعاوى قضائية عديدة ضد مصر.
وفي نفس السياق قامت جماعة الإخوان في سبيل استغلالها لأبنائها من الطلاب بإشعال الوضع في الجامعات المصرية، والدفع بالطلاب نحو التصادم المباشر مع قوات الأمن كي يسقط منهم ضحايا تستطيع الجماعة من خلالهم صنع مظلومية لها داخل الجامعات، مما يسهِّل عليها تحريض الطلبة نحو العنف، ونجحت الجماعة في هذا الأمر وبالأخص في جامعة الأزهر التي يشعلها طلاب الإخوان بين الحين والآخر، واعتدوا فيها على بعض الأساتذة، بجانب تعديهم على المنشآت وتسببهم في تدمير بعضها باسم الدفاع عن الإخوان والرئيس المعزول محمد مرسي.. وكان آخر هذا النوع من صناعة المظلومية، هو (إسلام عطيتو) طالب كلية الهندسة التي روجت الجماعة أنه شاب معتدل وخُطف من الجامعة على يد وزارة الداخلية، لإشعال الفوضى في الجامعات بالكذب وفقا لمخططها لنشر الفوضى في مصر.. ومن الجامعات التي أشعلتها الإخوان إلى أحد أهم عناصر صناعة المظلومية، وهي من أطلقت عليهم الجماعة: (الحرائر) وتقصد بهذا اللفظ فتيات ونساء الإخوان، فقد استغلتهن الجماعة أسوء استغلال، حيث دفعت الجماعة بهن في مقدمة التظاهرات، وتم إعطاؤهن أوامر بالاعتداء على رجال الأمن من أجل إجبارهم على الاعتداء عليهن أو القبض عليهن فقط من أجل المتاجرة بشرفهن وأعراضهن.. وتعتبر مظلومية الحرائر من أكثر المظلوميات انتشارا، حيث إنه وبسبب تلك المظلومية تم اقتحام أقسام شرطة وإشعالها، واستهداف عدد من رجال الشرطة بالقتل، بتحريض من الإخوان وبأكذوبة متعلقة باغتصاب الحرائر أو تعذيبهن في السجون.. وقد نجحت (البوابة نيوز) في الكشف عن أكذوبة تلك المظلومية من خلال حوار صحفي أجرته مع (فاطمة يوسف) الإخوانية المنشقة التي كانت في الجماعة وأكدت على قناة الشرق الإخوانية مع (هيثم أبو خليل) تعرضها للاغتصاب داخل أحد الأقسام، إلا أنها اعترفت لـ (البوابة) بعدم صدق ما روت، وعدم تعرضها للاغتصاب داخل أي قسم أو سجن، بل أنها قالت ذلك بعد تهديد لها مما يعرف باسم (التحالف الوطني لدعم الشرعية)، لتنتهي بهذا الاعتراف مظلومية الحرائر الإخوانية.. وقد سبق (فاطمة يوسف) الكثير من نساء الإخوان، ولعل أبرزهن على مر التاريخ (زينب الغزالي) التي كانت تدَّعي اغتصابها في سجون الرئيس الراحل عبد الناصر، وتعرضها لألوان من العذاب لا يستطيع أن يتحملها بشر، ثم جاءت بعدها عزة الجرف (أم أيمن) التي ادعت اغتصابها هي الأخرى في قصر الاتحادية بعد عزل مرسي دون أن تذكر سبب وجودها في قصر الاتحادية في هذا التوقيت وبالتحديد الساعة 12 بعد منتصف الليل.. ومن المظلوميات الكاذبة والمفبركة التي استغلتها الجماعة أيضا: الأطفال الموتى، حيث تداولت اللجان الإلكترونية للإخوان عدد كبير من صور الأطفال الذين قتلوا بطريقة بشعة، إلا أنه فُضِح أمر الجماعة بعد إثبات أن هؤلاء الأطفال ليسوا أطفالا مصريين، بل أطفال من سوريا قتلوا أثناء المعارك الدائرة هناك بين الجماعات التكفيرية والجيش الحر، والجيش النظامي المؤيد للرئيس السوري بشار الأسد.. كما تاجرت الجماعة أيضا بأرواح عدد من أبنائها الذين ماتوا في السجون نتيجة بعض الأمراض الخطيرة التي كانت فيهم قبل دخولهم السجن، ولعل أبرز هؤلاء: (عصام دربالة) القيادي بالجماعة الإسلامية و(د. فريد إسماعيل) القيادي الإخواني الذي مات في سجن العقرب متأثرا بمرضه بفيروس سي في الكبد، وقد قامت الجماعة بنشر صورته وهو ميت، داعية أنصارها بالقصاص لروحه وفقا لبيان (محمد منتصر) المتحدث باسم الجماعة والذي حرض بطريقة مباشرة للعنف والعمل المسلح، في نفس السياق قامت الجماعة برفع دعوى قضائية ضد مصر أمام الأمم المتحدة تتهم النظام المصري باغتيال القيادي بها (فريد إسماعيل)، رغم تأكيد أسرته على وفاته نتيجة مرضه الكبدي، وتكرر نفس الأمر تقريبا مع (د. طارق الغندور) أستاذ الأمراض الجلدية الذي توفى في السجن أيضا نتيجة مرضه وليس نتيجة تعرضه لأي لون من ألوان التعذيب.
وتتعدد الطرق التي تصنع بها الجماعة مظلومياتها من أجل الوصول إلى أهدافها ولو على جثث أعضاءها، مكررين ما حدث مع (حسن البنا) المرشد الأول للجماعة، وبعده (سيد قطب) مؤسس الفكر التكفيري في مصر الذي أصبح بعد إعدامه: الإمام الأول للإخوان ورائد المدرسة القطبية في الجماعة، وذلك بعد أن استغلته الجماعة في صناعة مظلومية خاصة بها من خلال جثته، وعن هذه الإستراتيجية الإخوانية، قال (تامر عزت) الباحث في شئون الحركات والجماعات الإسلامية: “ليس أهم عند الجماعة الآن من لبس ثوب المظلومية، فالشعب المصري عاطفي، وهم يعلمون ذلك، لذلك يلعبون على وتر العاطفة، والحل باختصار هو تفويت الدولة لظهور تلك المظلوميات”، وأضاف في تصريحاته الخاصة لـ (البوابة): “صناعة المظلومية هو نفس السيناريو الذي حدث مع الرئيس جمال عبد الناصر، فهو لم يتبَن الخيار الصدامي كأول خيار، لكنهم كانوا يستفزونه ليصل إلى الصدام بعد رفض إعطاء سيد قطب وزارة المعارف التي كان يحلم بها، ولذلك أؤكد أن الإخوان تعتمد في أساس هذه الإستراتيجية على مبدأ أصيل ألا وهو: (إن ظهرت الدماء طاشت العقول)”.. وأظن أن في هذا بلاغ للناس ولينذروا به، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
التجرد.. ودرسٌ لـ (جماعة الإخوان) وسواها، في:
التزام السنة ومقولة ابن عباس: (أقول لكم قال رسول الله، وتقولون قال أبو بكر وعمر)
الحمد لله رب العالمين، وصلاة وسلاماً على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن سلك طريقه إلى يوم الدين.. وبعد:
ففي لغة العرب تعني كلمة التجرد: (تعرية الشيء عما ليس به، ومنع التلبيس والتحريف، والجِدُّ في الشيء وتركه على أصله)، يقال: “جرد الكتاب والمصحف: عراه من الضبط والزيادات والفواتح، ومنه قول ابن مسعود ? وقد قرأ عنده رجل فقال (أستعيذ بالله من الشيطان الرجيم) ?: (جردوا القرآن ولا تَلبِسوا به شيئاً ليس منه)، قال ابن عيينة: (معناه لا تحرفوه ولا تُقرنوا به شيئاً من الأحاديث التي يرويها أهل الكتاب، ليكون وحده منفرداً)، كأنه حثهم على ألا يتعلم أحد منهم شيئاً من كُتب الله غير القرآن، وكل شيء قَشَرته عن شيء: فقد جرَدْتَه عنه، وفي الحديث: (القلوب أربعة: قلب أجرد فيه مثل السراج يُزهر)، أي ليس فيه غل ولا غش، فهو على أصل الفطرة، فنُور الإيمان فيه يزهر”إ.هـ بتصرف من لسان العرب.. والإنسان إنما استخلفه ربه في هذه الأرض ليتجرد لعمارة الكون بمراد الله المتمثل في كلامه وكلام أنبيائه وما اتفقت عليه كلمة أتباعهم، بيد أن جماعة الإخوان جعلته استخلافاً بمراد الشيخ البنا الذي أدخل في الدين ما ليس منه وجرد قلوب أتباعه لتصوره وفهمه هو للإسلام على ما سبق ذكره في قضية الفهم، وعلى ما أفاده قوله في مقدمة رسالته (التعاليم): “هذه رسالتي إلى الإخوان المجاهدين من الإخوان المسلمين، الذين آمنوا بسمو دعوتهم وقدسية فكرتهم، وعزموا صادقين على أن يعيشوا بها أو يموتوا في سبيلها”، وقوله بعدها في إلزام أتباعه بدعوته ? وقد خلع على نفسه ثوب العصمة وأوجب لنفسه ما أوجبه الله على عباده من تصديق خبره وتنفيذ أمره ?: “إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات الموجزة، وهي ليست دروساً تُحفظ ولكنها تعليمات تنفذ”، ولم يكتف الشيخ البنا بذلك حتى صنف الناس على أساس دعوته ? على ما جاء في كلامه عن (التجرد) الذي جعله في رسالة التعاليم ص 20 واحداً من أركان بيعته ? فقال: “والناس عند الأخ الصادق واحد من ستة أصناف: مسلم مجاهد أو مسلم قاعد أو مسلم آثم أو ذمي أو معاهَد أو محايد أو محارب، ولكل حكمه في ميزان الإسلام ? يعني: على ما سبق أن تصوره هو ? وفي حدود هذه الأقسام: توزن الأشخاص والهيئات ويكون الولاء أو العداء”، وهو لو خلَّص فكرته عن الإسلام والجهاد وجعلهما على مراد رسوله وفهم أصحابه وأتباعه، وصدَق في قوله عن (الفهم) من أن “القرآن والسنة مرجع كل مسلم في تعرف أحكام الإسلام، وأن القرآن يفهم طبقاً لقواعد اللغة من غير تكلف ولا تعسف، ويُرجع في فهم السنة إلى رجال الحديث الثقات”، لقُبل ذلك منه، ولكنه ناقض نفسه ومال بالإسلام إلى ما تصوره هو، وجنح بالجهاد فجعله ضد خصومه في أنظمة الحكم التي عاصرها، وضد المجتمعات الجاهلية التي تصورها في ديار الإسلام، وكذا فعل ويفعل أتباعه ومن شايعوه من جماعات الجهاد التكفيرية، فانحرف وأتباعه وأشياعه عن المفهوم الصحيح للإسلام وللجهاد، وأضحى الولاء والعداء ? كما نرى وكما صرح هو ? على أساس هذا الفهم الخاطئ لكلٍّ من الإسلام والجهاد، وبالمخالفة لما جاء في تضاعيف السنة المطهرة وتفاصيل سيرة النبي العطرة من التجرد للآية والحديث والإجماع.
ولعل في قصة العنوان، ما يرد على هذا ويوضح ويرسخ المعنى الصحيح للتجرد، وملخصها أن ابن عباس أخبر عما كان من شأن النبي r في حجه، وما تمناه لنفسه وأمر به أصحابه، فعن ابن عباس ? كما في صحيح البخاري (1572) ? أنه سئل عن مُتعة الحج، فقال: أهَلّ المهاجرون والأنصار وأزواج النبي r في حجة الوداع وأهللنا، فلما قدمنا مكة قال رسول الله: (اجعلوا إهلالكم بالحج عمرة) ? يعني: ليتسنى لهم أن يتحللوا منها قبل الحج فيكون ذلك أيسر ? (إلا من قلّد الهدي) ? أي: ساقه وجعل في عنقه جلدة ليعرف بها أنها هدي ? فطفِنا بالبيت وبالصفا والمروة وأتينا النساء ولبثنا الثياب، وقال: (من قلد الهدي فإنه لا يحل له ? التحلل ? حتى يبلغ الهدي محله)، ثم أمرنا عشية التروية أن نُهِلّ بالحج، فإذا فرغنا من المناسك جئنا فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة، وقد تم حجُّنا وعلينا الهدي، كما قال الله تعالى: (فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم) يعني: إلى أمصاركم، فجمعوا في عام واحد وسفرة واحدة بين نسكي الحج والعمرة، فإن الله أنزله في كتابه وسنّة نبيه وأباحه للناس عدا أهل مكة، قال تعالى: (ذلك لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام).. إلى آخر الحديث.. وفيه بيان للفرق بين حج التمتع وحج القِران، وحث بالقول من النبي لأصحابه وأمته على اختيار التمتع لما فيه من التيسير، بل وفيه تمنٍ بالفعل لذلك كما أوضحه قوله في رواية مسلم: (ولولا هديٌ لحللت كما تحلون، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي)، وكان أهل الجاهلية كما في البخاري 1564 (يرون أن العمرة في أشهر الحج: من أفجر الفجور في الأرض)، وكان أحمد يرى أن الأفضل ما اختاره الله لنبيه واستمر عليه وهو القِران وأنه إنما تمنى التمتع تطييباً لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته، ومن قبل كان عثمان ? تبعاً لأبي بكر وعمر والكل مجتهد ومأجور ? ينهى كما في البخاري (1563) عن التمتع والقِران لا لحرمتهما ولكن لكون الإفراد أفضل، كونه أعظم أجراً لما فيه من مزيد اجتهاد في الطاعة وإعمال سفرين للنسكين الحج والعمرة، وإنما قلنا ذلك لأنه لا يخفى على الخلفاء الثلاثة أن التمتع والقِران جائزان، وأنهم إنما أرادوا العمل بالأفضل لما ذكرنا وعلى ما أفاده ابن حجر في الفتح 3/ 502، 497.. فلما استفحل الخلاف على يد الشيعة وولاة بني أمية، ونقل عروة بن الزبير نهْيَ الشيخين قائلاً: (نهى أبو بكر وعمر عن التمتع)، جعل علماء الصحابة كابن عباس وابن عمر وغيرهما ينكرون ذلك ويأمرون الناس بالتمتع اتباعاً لقول وأمر رسول الله r لأصحابه في حجة الوداع، فكان ابن عباس يقول: (ما يقول عريَّة؟!)، قالوا: (يقول: نهى أبو بكر وعمر عن التمتع)، فكانت مقولة ابن عباس الشهيرة، برواياتها المختلفة: يقول: (أراهم سيهلكون، أقول قال النبي r ويقول: نهى أبو بكر وعمر)، وفي رواية: (يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء أقول لكم: قال رسول الله r وتقولون قال أبو بكر وعمر)، وفي غيرها: (والله ما أراكم منتهين حتى يعذبكم الله، أحدثكم عن رسول الله r وتحدثونا عن أبي بكر وعمر)، وفي أخرى: (ما أراكم إلا سيخسف الله بكم الأرض، أقول لكم قال رسول الله r وتقولون قال أبو بكر وعمر)، مع ما هو معلوم ما لأبي بكر وعمر من الفضل والسبق .. على أن ما أنكره ابن عباس من عروة، أنكر مثله عليٌّ على عثمان، ففي البخاري من طريق مروان بن الحكم (1563): (فلما رأى عليٌّ عثمان ينهى عن الجمع بينهما مع ورود الجمع عنه r مقارناً، أهلَّ عليٌّ بهما: لبيك بعمرة وحجة، وقال: (ما كنت لأدع سنة النبي لقول أحد)، وفي رواية للنسائي ساقها ابن حجر في الفتح 3/ 497، قال له علي: (ألم تسمع رسول الله تمتع ? يعني: مقارناً ?؟!، قال: بلى)، وله من وجه آخر: (سمعتَ رسول الله يلبي بهما جميعاً؟!)، زاد مسلم عن عثمان قال: (أجل، ولكن كنا خائفين)، أي من أن يكون أجر من أفرد أعظم من أجر من جمع بينهما.. وأنكر ابنُ عمر مثله مع آخرين .. ومهما يكن من أمر، فإن في ذلك من الدروس و”الفوائد: إشاعة العالم ما عنده من العلم وإظهاره، ومناظرة ولاة الأمور وغيرهم في تحقيقه، لمن قوي على ذلك لقصد مناصحة المسلمين، والبيان بالفعل مع القول”، إذ به صار المنهي عنه مجمعاً عليه إ.هـ من الفتح 3/ 497.. كما فيه ? وهذا محل الشاهد وبيت القصيد كونه عين التجرد ?: أن ليس لأحد أن يعارض قول رسول الله r بقول أحد من الناس مهما عظم شأنه، وبمفهوم الموافقة فإنه لا يحق لجماعة الإخوان أن يدَعونه أو الآية لقول المؤسس والمرشد والمراقب وكل من هب ودب ممن يصدِّرونه للفتوى، يتلاعب بها لأسباب سياسية ودون ما مستند من كتاب أو سنة، وبخاصة فيما يتعلق ? من المقاصد ? بأمور العقيدة والدماء وما أكثر مخالفة جماعة الإخوان لهما .. وليعذرني القارئ أن أستشهد هنا بنماذج حديثة من سجلات جماعة الإخوان الحافل بالمخالفات، تتعلق هذه المرة بالأعراض، وتوضح مدى تضحيتهم بثوابت الدين من أجل السياسة والتكالب على السلطة، ومدى فداحة ما تقع فيه في زماننا نتيجة عدم التجرد للآية والحديث وخضوعهما للأهواء وتصفية الحسابات، يتلخص أولها في: أن بنتاً تُدعى (فاطمة يوسف) قد هداها الله وتبرأت من فعال جماعة الإخوان غير اللائقة، خرجت في حوار على التلفاز المصري في 23/ 4/ 2015 تبرئ ساحة ضباط الشرطة من اتهامها إياهم بالاغتصاب، وكشفت عن أن ما قالته لا يعدو أن يكون مجرد تمثيلية دبرتها بليل جماعة الإخوان باتفاق مع بعض القنوات المغرضة والتابعة لها بقصد الكيد لخصومهم والنيل منهم، وكانت هذه الابنة يعدُّونها صاحبة ذكاء وينتدبونها في المظاهرات وفي حشد الناس إليها، فلما رأت أن ما تدعيه بتخطيط الإخوان سيودي بحياة من تسميهم من ضباط مصر، وأنها ستكون سبباً في قتلهم بعد ما ألصقته بهم من تهم الاغتصاب والتعليق من الأرجل بالساعات الطويلة و.. و.. إلخ، راجعت نفسها وتابت إلى الله من كل ذلك، فإذا بهم يكذِّبونها ويعتبرونها (عاراً) على الجماعة ويلصقون بها أبشع التهم أن كشفت هذا المخطط اللعين والكذب المفضوح.. فانظر ? رعاك الله ? إلى عجائب الدهر يصدقونها ويثنون عليها عندما كانت تكذب وتنفذ أوامرهم الحاضة على جملةٍ من المعاصي يستحي القلم من كتابتها ويعف اللسان عن ذكرها، ويكيلون لها الشتائم والسباب عندما تُثبت براءتها من تلك المعاصي وبراءة من سبق أن اتهمتهم بها، يقبلونها مغتصبَة ومحرِّضة على القتل ويتبرءون منها عفيفة كاشفة للكذب صادعة بالحق حاقنة للدماء، ولا تسأل عن التجرد الذي دعا إليه مؤسس الجماعة فإنهم في جهاد يجوز لأجله الكذب، والحرب خدعة.. والشيء بالشيء يذكر، فقد كنت في جدل مع أحدهم كان يتهم الشرطة المصرية ? بناء على خبر نشر بجريدة مشبوهة وعلى لسان صحفي معلوم النفاق يكذب ولا يتجمل، يدعى أ. م ويعمل لحساب قناة هي أشد وأكثر شُبهة يخفي من خلالها ومن خلال ما يكتب حقده الدفين على مصر كنانة الله في أرضه ? كان يتهم الشرطة بالاعتداء الجنسي على 54 من النساء، لحد لصق التهم لبعضهن بالحمل منهم سفاحاً وكأننا أمام جنود صربيا.. ولمَ نذهب بعيداً وأمامي الآن الكثير من بيانات قادة وعلماء الإخوان وبيانات تحالف دعم الشرعية ومنظمات حقوق الأخوان لا تخلو من لمز بهذا الذي ذكرنا رغم أنهم هم من أفتوا بإخراج النساء في المظاهرات وعرضوهن للأذى وللسجون.. ناهيك عن بيان (نداء الكنانة) الذي وقَّع عليه قرابة الـ 150 إماماً من أئمة الخوارج المعاصرين، فيه هو الآخر ما يشير إلى هتك الأعراض المصونة والتلميح بالزنا حيناً والتصريح به أحياناً 5 مرات.. وقد غاب عن الجميع، أن في ذلك ? حتى ولو على أسوأ الفروض ? إيقاع لأنفسهم وبأنفسهم في جملة من أبشع الجرائم، ذلك أنه وإن تسنى لهم أن يشوهوا صورة خصومهم، فإنهم بكل تأكيد لم يروا بأعينهم شيئاً من ذلك الزنا المزعوم، ومن ثمَّ أوجبوا جميعاً على أنفسهم حد القذف.. فضلاً عن أن فيما تجرؤوا عليه: رمي بالزنا لنساء هن في النهاية مسلمات حرم الإسلام الولوغ في أعراضهن مهما كانت الأسباب أو الدوافع السياسية.. كما أن فيه إشاعةَ الفاحشة التي أخبر الله عن مذيعها بقوله: (إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب عظيم في الدنيا والآخرة.. النور/ 19).. ناهيك عما يحدثه جرم القذف بالزنا من أثر سيئ على المقذوفين، ومن فضيحة على مستوى العالم جراء ما ينشر من تويترات ومن تعليقات بالعشرات عليها.. وفيه كذلك ارتكاب لواحدة من السبع الموبقات التي أمر النبي باجتنابها في قوله كما في الصحيحين: (اجتنبوا السبع الموبقات)، وذكر منها: (وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات).. بل وحَكَم الشارع على الرامي بها باستحقاق العذاب الأليم يوم يقوم الناس لرب العالمين، وباللعن والطرد من رحمة الله في الدنيا والآخرة وذلك قوله تعالى: (إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم. يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون. يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين.. النور/ 23: 25).. وأوجب في جزاء مقترفيها ثمانين جلدة بعد أن حكم عليهم بالفسق المُذهب للعدالة والمانع لقبول الشهادة، وذلك قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون.. النور/ 5)، وعند الشافعي وغيره يتكرر الحد بعدد من تم قذفهم من الرجال والنساء.. كما أن فيه كذلك اتهام صريح لأنفس الرامين ولجماعاتهم بأنهم من أفسق خلق الله بنص الآية الكريمة: (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وألئك هم الفاسقون.. النور/ 4).. بل فيه من فظيع الجزاء ما يشير إلى عدم قبول توبتهم كونه لا يجبر سوى باستسماح من اتهمته الجماعة بالزنا، كونه ذنباً قد تعلق بحقوق العباد على ما أفاده النووي في (رياض الصالحين) باب التوبة، قائلاً: “وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي، فشروطها أربعة: هذه الثلاثة وأن يَبرأ من صاحبها، فإن كانت.. حد قذف ونحوه مكنه منه أو طلب عفوه”.
وهنا يُسائلُ المرء نفسه: أي دين هذا ? يا ترى ? الذي تدين به جماعة الإخوان ومن ردد مقولتها أو سار على نهجها أو رضي بفعالها؟!، وهل هذا ما تعنيه جماعة الإخوان ومؤسسها بمصطلح (التجرد)؟!، وأي قيمة لشيوخ ما يعرف بـ (تحالف دعم الشرعية) أو (جبهة علماء ضد الانقلاب) أو (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) إذا لم تحذر تلك الجبهة أو ذلكم التحالف أو الاتحاد من مثل هذه الموبقات ويُحَذِّر منها؟!.. لكن لا غرو فقد اتخذت الجماعة بـ (بجبهاتها وتحالفاتها واتحاداتها) من الكذب على الله باسم الإسلام، ومِن قَبله أخذت من مبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) عقيدة ثابتة تحرف من خلالهما الكلم عن مواضعه وتحرِّم عن طريقهما ما أحل الله وتحلُّ ما حرم الله، وصدق الله القائل في أمثالهم: (انظر كيف يفترون على الله الكذب وكفى به إثماً مبيناً.. النساء/ 50)، (فمن أظلم ممن افترى على الله الكذب ليضل الناس بغير علم.. الأنعام/ 144)، (وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون.. التوبة/ 107)، (إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون.. يونس/ 69)، (ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أولئك يعرضون على ربهم ويقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين.. هود/ 18)، (وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى.. النحل/ 62)، (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بالله.. النحل/ 105)، (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون.. النحل/ 116)، (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة.. الزمر/ 60)، هذا هو جزاء الكذب الذي يهدي إلى الفجور ثم إلى النار، كما يصوره القرآن والسنة لو كانوا يعلمون، ووالله ثم والله ثم والله بعقد الهاء، لو كان أمر من ذكرنا من أدعياء العلم بيدي، لأقمت على كل واحد منهم على حِدَه، حد القذف بعدد من قذفهم من الرجال والنساء دون أن تأخذني في الله لومة لائم كما فعل رسول الله مع من وقع في هذا الذنب من الصحابة الأجلاء بأبي هو وأمي .. ولا أقل ? مع عدم تطبيق الحدود وهذا أضعف الإيمان ? من العودة إلى الله وإلى صحيح الدين والاعتقاد، والتبرؤ ونبذ هذه الجماعة التي ترتكب من المخالفات والحماقات ما الله به عليم، ولا أقل كذلك من تحذير الناس وبخاصة الشباب منها.
وأخيراً، لا أجد في نفسي غضاضة ? ونحن نختم كلامنا عن الحديث عن التجرد للحق ولما جاء به رحمة الله للعالمين r ولما كان عليه سلفنا الصالح ? أن أحكي في نظير ما سبق من تصرفات آحاد الصحابة ومن تبعهم ما يرسخ معنى التجرد في نفوسنا، فإن الشيء بالشيء يذكر.. ونسرد من ذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله r : لا تمنعوا النساء من الخروج إلى المساجد بالليل، فقال ابنٌ لعبد الله بن عمر: (لا ندعهن يخرجن فيتّخذْنه دَغَلاً)، قال: فزجره ابن عمر وقال: (أقول قال رسول الله وتقول لا ندعهن؟!)، قال النووي في شرحه: “فيه تعزير المعترض على السنة والمعارض لها برأيه، وفيه تعزير الوالد لولده وإن كان كبيراً”.. وما أخرجه ابن بطة بسنده عن الأعرج قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول لرجل: أتسمعني أحدث عن رسول الله r أنه قال: (لا تبيعوا الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم إلا مثلاً بمثل، ولا تبيعوا منها عاجلاً بآجل)، ثم أنت تفتي بما تفتي ? يعني بما يخالف ذلك؟! ? والله لا يؤويني وإياك ما عشت إلا المسجد، وكذا ما ساقه بسنده عن عبد الله بن مغفل أنه قال: نهى رسول الله عن الحذف، وقال: (إنها لا تصطاد صيداً ولا تنكأ عدواً، ولكنها تفقأ العين وتكسر السن)، فقال رجل لعبد الله: وما بأسٌ بهذا؟!، فقال: (إني أحدثك عن رسول الله وتقول هذا؟!، والله لا أكلمك أبداً)، ثم علق ابن بطة في الإبانة 1/ 258 على هذه الآثار بقوله: “فاعتبروا يا أولي الأبصار، فشتان بين هؤلاء العقلاء السادة الأبرار الأخيار الذين مُلئت قلوبهم بالغيرة على إيمانهم والشح على أديانهم، وبين زمان أصبحنا فيه وناس نحن منهم وبين ظهرانيهم، وهذا عبد الله بن مغفل صاحب رسول الله يقطع رحِمه لله ويهجر حميمه حين عارضه في حديث رسول الله، بل ويحلف أيضاً على قطيعته وهجرانه وهو يعلم ما في صلة الأقربين وقطيعة الأهلين.. فيا ليت شعري، كيف حالنا عند الله ونحن نلقى أهل الزيغ في صباحنا والمساء يستهزئون بآيات الله ويعاندون سنة رسول الله حائدين عنها وملحدين فيها”، يقول ? رحمه الله ? هذا عن أهل زمانه فماذا لو رأى ما بنا؟! نسأل الله السلامة من الزيغ والزلل.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
(الثقة) في الإسلام.. بين المفروض منها والمرفوض
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم رسل الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فلقد كان الشيخ البنا في منتهى الحكمة والفطنة عندما وضع بند (الثقة) ضمن أركان بيعته، وذلك حتى يضمن ولاء وطاعة أتباعه له ولمن دونه من قادة جماعته ولاءً وطاعة مطلقين.. بينا كان على عكس ذلك تماماً عندما وضع نفسه فيما ذكرنا مكان رسول الله كذا من غير ما إشارة إلى تميز حتى بعصمة ولا تمكين، وأيضاً عندما جعل أتباعه وقادة جنده في مصاف صحابة رسول الله وقادتهم، وتلك عادته في جل ما يكتب.. وأنا أذكر هنا نص كلامه علك أخي القارئ تلمس ذلك على نحو ما لمستُه، يقول بالحرف الواحد في رسالة التعاليم: “وأريد بالثقة: اطمئنان الجندي إلى القائد في كفاءته وإخلاصه، اطمئناناً عميقاً يُنتِجُ الحب والتقدير والاحترام والطاعة، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً.. النساء/ 65)”، يقول بعد استشهاده بالآية التي وضعها وسواها في غير موضعها مقرناً نفسه وقواده التابعين له بالرسول الأعظم وقواده: “والقائد جزء من الدعوة، ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود، تكون قوة نظام الجماعة وإحكام خططها ونجاحها في الوصول إلى غايتها وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب، (فأولى لهم. طاعة وقول معروف.. محمد/ 20، 21)”، ويردف: “وللقيادة في دعوة الإخوان حق: الوالد بالرابطة القلبية، والأستاذ بالإفادة العلمية، والشيخ بالتربية الروحية، والقائد بحكم السياسة العامة للدعوة، ودعوتنا تجمع بين هذه المعاني جميعاً، والثقة بالقيادة هي كل شيء في نجاح الدعوات، ولهذا يجب أن يسأل الأخ الصادق نفسه هذه الأسئلة ليتعرف على مدى ثقته بقيادته”، وفي جعل ارتباط التابع الصادق لقادة الجماعة ممن وضع المرشد العام ثقته فيهم والتسليم المطلق له، من جنس تسليم الصحابي وارتباطه بقواد النبي المعصوم كذا من غير تمكين، يقول البنا معدداً ما ينبغي للصادق السؤال عنه: ” أ) هل تعرَّف إلى قائده من قبل، ودرس ظروف حياته؟، ب) هل اطمئن إلى كفايته وإخلاصه؟، جـ) هل هو مستعد لاعتبار الأوامر التي تصدر إليه من القيادة ? في غير معصية طبعاً ? قاطعة لا مجال فيها للجدل ولا للتردد ولا للانتقاص ولا للتحوير؟، مع إبداء النصيحة والتنبيه إلى الصواب؟، د) هل هو مستعد لأن يفرض في نفسه الخطأ وفي القيادة الصواب إذا تعارض ما أمر به مع ما تعلم من المسائل الاجتهادية التي لم يرد فيها نص شرعي؟، هـ) هل هو مستعد لوضع ظروفه الحيوية تحت تصرُّف الدعوة؟، وهل تملك القيادة في نظره حق الترجيح بين مصلحته الخاصة ومصلحة الدعوة العامة؟”، ثم يقول البنا كالملقن بالإجابة بوجوب اطمئنان الصادق ووضع ثقته التامة لمن اختير له مسبقاً من قِبل القيادة رافعاً القيود التي وضعها آنفاً ومكتفياً بأنه الذي يفكر له وما عليه إلا التنفيذ: “وبالإجابة على هذه الأسئلة وأشباهها، يستطيع الأخ أن يطمئن على مدى صلته بالقائد وثقته به، والقلوب بيد الله يصرفها كيف يشاء: (لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم.. الأنفال/ 63)”إ.هـ.. وعلى هذا الكلام الذي أطلقه البنا عدة مؤاخذات:
أولها: أن وضع ثقة (التابع الصادق) في (القائد الإخواني) بهذا الإطار الذي وضعه البنا وفي ظل جماعة عندها من الخلل العقدي والأخطاء الشرعية والإخلال بأمور الولاء والبراء: ما تنوء الجبال بحمله وما الله به عليم، وتؤمن مع كل هذا بأنها هي المقياس لمعرفة الحق من الباطل والهدى من الضلال، وأنها جماعة المسلمين الأم والخارج عليها خالع لربقة الإسلام، على ما سبق أن نقلناه قبلُ عن البنا وحوى، وعلى ما ينطق به تاريخ الجماعة ويشهد بأنه الذي أوردها الموارد، فمن حوادث قتل للخصوم الموحدين منذ نشأة الجماعة وحتى الساعة، إلى حوادث تفجير في دول الإسلام لا تقع تحت حصر، إلى كوارث تفخيخ وتحريق وتدمير وإبادة وإفساد وتخريب على مدار تاريخها العريض.. أقول: إن وضع الثقة بهذا الإطار الذي وضعه البنا ويشهد له تاريخ الجماعة: كارثي بكل ما تعنيه الكلمة، ولا يعني سوى إلغاء العقل تماماً من قِبل الفرد التابع لها على نحو ما هو حاصل في واقعنا المعايش، كما لا يعني سوى الوقوع فيما حذر منه النبي فيما أخرجه البخاري ومسلم بشأن مَن بعثه عليه السلام على رأس سرية من أصحابه، وأمرهم أن يطيعوه فأغضبوه، فقال: أليس أمركم النبي أن تطيعوني؟، قالوا: بلى، قال: فاجمعوا لي حطباً، فجمعوا، فقال: أوقدوا ناراً، فأوقدوها، فقال: ادخلوها، فهمُّوا وجعل بعضهم يُمسك بعضاً ويقولون: فررنا إلى النبي من النار، فما زالوا حتى خمدت النار، فسكن غضبه، فبلغ ذلك النبي فقال: (لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في المعروف).. فما أشبه الليلة بالبارحة!، غير أن مَن بالبارحة أعملوا عقولهم وتحروا وبحثوا عما وعمن ينقذهم من التهلكة جراء طاعة قائدهم العمياء، بينا من وقعوا فريسة لفكر البنا لم يفعلوا ذلك بعد أن أفقدهم الشيخ الثقة في جميع من بالأرض.
ثانيها: أن ما نقلناه هنا عن (الثقة) لدى البنا لاسيما فيما خالف الشرع، هو نتاج طبيعي للتربية الصوفية التي تلقاها ? غفر الله لنا وله ? منذ بداية التزامه ثم انشغاله بالدعوة، وهي تربية خاطئة تحتها ملايين الخطوط، ويا ليته اقتصر فيها على نفسه، إذن لما ورط وغرّر ولا يزال الآلاف من جموع الشباب على مستوى البسيطة.. وإنما عنينا بالتربية الصوفية: تلك أشار إليها البنا بقوله في نص كلامه الفائت: “وللقيادة في دعوة الإخوان حق.. الشيخ بالتربية الروحية”.. والتي طالما تغنى بها واستمتع بأورادها حتى نهاية حياته كما اعترف هو بذلك في (مذكرة الدعوة والداعية) وشهد له بذلك أبو الحسن الندوي في كتابه التفسير السياسي للإسلام ص 138 .. والتي لا تأبه بالكتاب والسنة والإجماع باعتبار أن ذلك يمثل علم الظاهر أو (الشريعة) لدى علماء الرسوم كما يسمونهم، ولعل هذا هو سبب كراهة الإخوان للتوجهات السلفية وإعراضهم عند التحاكم أو التخاصم عن نصوص الوحي.. كما تقضي تلك التربية بأن يكون المريد بين شيخه كالميت بين يدي مغسله، فالصوفية يعتقدون فيما يعتقدون “أن شيخهم لا يفعل إلا حقاً ولا يقول إلا صدقاً، والفقه للعموم وهذه طريقة الخصوص، فيتبعونه في كل ما يُؤْثر عنه من قول أو فعل على أنه الطريق المقرب إلى الله الموصل إلى رضاه” وتلك هي عبارة الشيخ شلتوت عن أهل البدعة، وقد نتج عن هذا الاعتقاد البدعي والتربية الخاطئة: أن وضع شيوخُ الصوفية لمريديهم نظاماً يحكم العلاقة بين الشيخ ومريديه أسموه بـ (آداب المريد مع شيخه) بعد أن قطعوا بأنَّ من لا شيخ له فشيخه الشيطان، ومن آداب المريد لديهم: “عدم الاعتراض على الشيخ ولو كان ظاهره أنه حرام، وألا يزور ولياً ولا صالحاً إلا بإذنه، ولا يحضر مجلس غيره، ولا يسمع من سواه، ولا يجيب أحداً دعاه.. وألا يتزوج ولا يفعل فعلاً من الأمور المهمة إلا بإذنه” وهو ما يكاد ينطق به حال الإخوان وهم يقدسون قادتهم ومشايخهم على ما بهم من جهل وضلال وغياب لفقه الواقع وإن نُسبوا إلى الأزهر وحملوا من الرسائل ما حملوا.. ومن جنايات البدع الصوفية على المريد ليضمن ولاءه له مدى الحياة: (أنهم يحرمون عليه الانتقال من طريقة لأخرى)، وتلك طامة أخرى أدت بالإخوان إلى أن يخلعوا على جماعتهم صبغة الزعم بأنها جماعة المسلمين التي لا يجوز الحيد عنها أو الخروج عليها، وقديماً قرر لهم الشيخ السكري الكبير “أنه يجب على المريد أن يذكر دائماً: أن ليس له حق الاعتراض عليه وإن أمره بمعصية كإفطار رمضان والإهمال في الصلاة”، وقد رأينا ذلك كله وأكثر منه ماثلاً في أتباع الجماعة، وشاهدناه عياناً في (اعتصام رابعة) على يد بديع وعبد المقصور والبَر، وقد صُخّت آذاننا بمن جعل منهم وأمثالهم من الاعتصامات والمسيرات ساعتها ضرباً من الجهاد في سبيل الله، ومبرراً لإفطار رمضان وترك اعتكاف العشر الأواخر منه وترك التراويح والعمرة وما خفي كان أعظم، وتسجيلاتهم بالصوت والصورة ليست عن أحد ببعيدة، وكل هذا بسبب ماذا؟، بسبب تشبثهم بما لا يجوز لهم شرعاً الحرص عليه: من التمسك بكرسي الحكم واعتراضهم على قضاء الله في نزعه ? تعالى وحده ? الملك منهم، وإتيانه ? تعالى وحده ? لغيرهم.. بل ورأينا من قادتهم من يقول: (أنا إخونجي حتى النخاع)، ومن يقول وهو على رأس وزارة الأوقاف يوم أن دالت لهم الدولة معتزاً بإخوانيته: (هذا شرف لا أستحقه)، ومن يقول: (إن الجماعة لو رشحت كلب ميت هينجح، أو سأنتخبه)، ومن يقول وهو خارج من العناية المركزة: (أسأل الله أن يتوفاني وأنا من الإخوان، لأنهم أطهر ناس في مصر) وذلك بدل أن يحسن الظن بمن يحاربهم ويتهمهم ضمناً بالأنجاس وبدل أن يسأل الله أن يتوفاه على كلمة التوحيد.. وهكذا، وذلك كله بالطبع نتاج طبيعي لإنفاذ (ركن الثقة) الذي وضعه البنا في غير موضعه الشرعي، وتلك هي بعض آثاره بعد وفاته، ناهيك عن آثارها أيام حياته.
ثالثها: أن هذا الذي ذكرنا، بضميمة ما بيناه قبلُ: من تلميحاتهم وتصريحاتهم أحياناً بأن جماعة الإخوان تمثل جماعة المسلمين التي الخارج عليها خارج عن الإسلام.. ومن اعتبار الجماعة مجتمعات المسلمين مجتمعات جاهلية، يجب ? على حد قول البنا في بند العمل الذي وضعه البنا أيضاً ضمن بنود بيعته ? السعي من خلالها إلى “إصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق.. وإعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية بتحرير أوطانها وإحياء مجدها وتقريب ثقافتها وجمع كلمتها، حتى يؤدي ذلك كله إلى إعادة الخلافة.. وأستاذية العالم”، وقوله في مقدمة رسالة التعاليم: “إلى هؤلاء الإخوان فقط أوجه هذه الكلمات الموجزة، وهي ليست دروساً تُحفظ ولكنها تعليمات تنفذ”، كذا بما يعني صراحة إعلان الحرب على كل أنظمة الحكم وكل من لا يدين بما هم عليه.. ستخرِّج للأمة الإسلامية ? بكل تأكيد ? أجيالاً وسيخرج من تحت عباءتها جماعات تحمل فكر ومنهج الخوارج بامتياز.. ذلك إن الجماعة الحقة هي التي تصلح منهجها أولاً، وتنأى بنفسها عن تقديس شيوخها وعن الإفراط في وضع (مبدأ الثقة) فيها إلى هذا الحد، بأن تقيده بضوابط وقواعد الشرع.. كما أن الأئمة بحق هم من يربطون أبناءهم ويجعلون ولاءهم الأول والأخير للقائد الأعظم صلى الله عليه وسلم لا بأشخاص يخطئون أكثر مما يصيبون، وهكذا فعل أئمة الهدى ولا يزالون، ثقة منهم أنه عليه السلام المرجع في أمور الخلاف كونه الوحي الموحى، والمعصومَ المعظَّمَ أمرُه، والمتبوع بحق، والموثوق فيه بصدق، ونذكر من أقوالهم ومما علِموه وعلّموه لأتباعهم ? وهم من هم قدراً وفهماً وإحاطة بفقه الواقع وأمور السياسة الشرعية ? : ما صرح به الإمام أبو حنيفة، في قوله: “لا يحل لأحد أن يأخذ بقولنا ما لم يعلم من أين أخذنا”، وقوله: “حرام على من لم يعرف دليلي أن يفتي بكلامي”، زاد في رواية: “فإنَّا بشر نقول القول اليوم ونرجع عنه غداً”، وقوله: “إذا قلت قولاً يخالف كتاب الله وخبر الرسول فاتركوا قولي”.. وما جاء عن الإمام مالك، من قوله: “إنما أنا بشر أخطئ وأصيب، فانظروا في رأيي، فكل ما وافق الكتاب والسنة فخذوه، وكل ما لم يوافق الكتاب والسنة فاتركوه”، وقوله: “ليس أحد بعد النبي إلا ويؤخذ من قوله ويترك، إلا النبي صلى الله عليه وسلم” .. وكان من كلام الإمام الشافعي، قوله: “أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله لم يحل له أن يدعها لقول أحد”، وقوله: “كل مسألة صح فيها الخبر عن رسول الله عند أهل النقل بخلاف ما قلت، فأنا راجع عنها في حياتي وبعد موتي”، وقوله: “كل ما قلت فكان عن النبي خلاف قولي مما يصح، فحديث النبي أولى، فلا تقلدوني”.. وكان مما قاله إمام السنة أحمد بن حنبل لبعض تلامذته: “لا تقلدني ولا تقلد مالكاً ولا الشافعي ولا الثوري، وخذ من حيث أخذوا”، وقوله: “رأي الأوزاعي ورأي مالك ورأي أبي حنيفة، كله رأي وهو عندي سواء، وإنما الحجة في الآثار”، وقوله عندما سئل عن الوليد بن أبان الكرابيسي وكان مخالفاً للسنة: “إنما جاء بلاؤهم من هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله وأصحابه وأقبلوا على هذه الكتب” .. إلى آخر ما ذكرناه بهذا الصدد في مقالنا (انتكاسة متديني الزمان) فليراجع.
رابعها: ثم كيف ومتى ولم ولماذا وأنى؟ تتأتى الثقة للجماعة ولمؤسسها على النحو السالف الذكر، وتاريخها الحافل بالجرائم يشهد ? بعد التقصير في الدعوة إلى صحيح الدين والاعتقاد بالحكمة والموعظة الحسنة ? باغتيال أحمد ماهر رئيس وزراء مصر في 2/ 1945، ونسف سينما ميامي في 5/ 1946، وعمليات نسف سينما مترو وكوزموس ومتروبول في 6 / 5/ 1947، اغتيال أحمد الخازندار في 3/ 1948، ما شهدته مناطق شبرا وروض الفرج وشارع السندوبي ووكر الجيزة فيما عرفت بـ (جرائم الأوكار) في 4/ 4/ 1948، تدمير حارة اليهود بالموسكي في 20/ 7/ 1948، ومحلات عدس وبنزيون في 8/ 1948، وحارة اليهود للمرة الثانية خلال عام في 9/ 1948.. ونسف شركة الإعلانات الشرقية في 11/ 1948، واغتيال محمود فهمي النقراشي في 22/ 12/ 1948، ومحاولة اغتيال إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء، واغتيال حامد جودة رئيس مجلس النواب في 5/ 5/ 1949، ومحاولة اغتيال جمال عبد الناصر في المنشية بالإسكندرية 26/ 6/ 1954، ومحاولة اغتيال عبد الناصر مرة ثانية في 1965، ومحاولة نسف القناطر.
وبتجاوز الجرائم التي ارتكبها المنشقون عن الإخوان الذين استغلوا ذلك في إظهار أنفسهم بمظهر الرافضين للعنف في محاولة لتحسين الصورة والاصطياد في المياه العكرة، نذكر من جرائمهم أثناء وعقب ثورة يناير بمصر وحدها: اقتحام السجون يوم 28/ 1/ 2011 وقد تبعه حرق الأقسام في جميع أنحاء الجمهورية بغرض إحداث انفلات أمني، واشتراكهم في موقعة الجمل باعتراف أسامة ياسين وصفوت حجازي، ومشاركتهم في مجزرة بورسعيد وإلقاء البعض من فوق المباني وذلك أحد أساليب حماس في القتل، وفي مجزرة رفح بعد تولى محمد مرسى الرئاسة وقد قامت بها حماس بعلم محمد مرسى والإخوان حتى يتخلصوا من المجلس العسكري.. كما نذكر من جرائمهم: مقتل الحسيني أبو ضيف أمام الاتحادية لفضحه مرسي في قضية تستر على رشوة ولكشفه جرائمهم في القتل والتعذيب، واعتلاء سيارات الشرطة التي كانت متواجدة بالجامعة الأمريكية ودهسهم المتظاهرين بها بعد أن تخفوا في زي عساكر وعرفوا كود هذه السيارات، ومقتل جيكا وكريستي ومحمد الجندي ومحمد الشافعي وغيرهم على يد ميليشياتهم، ومقتل 50 شخص في بورسعيد على يد قناصة حماس بعد النطق في الحكم في مجزرة بورسعيد.. كما نذكر من أحداث سنة 2013 وحدها: مقتل 9 شباب أمام مكتب الإرشاد يوم 30/ 6 على يد قناصتهم، ومجزرة (بين السريات) التي راح ضحيتها 15 شخص من أهالي المنطقة الذين اتهموا الإخوان بقتلهم يوم 3/ 7 ، ومقتل 7 أشخاص من أهالي (المنيل) بعد هجوم الإخوان عليهم يوم 6/ 7 ، ومقتل 9 أشخاص في منطقة الجيزة منهم طفلة تسمى إسراء لطفي يوم 23 / 7 ، وسقوط أربع قتلى من الأهالي في منطقة (الكيت كات) بعد اشتباكات مع الإخوان يوم 3/ 7 ، ومقتل عمرو محمد نتيجة اعتداء الإخوان على الميدان يوم 22/ 7 ، ومقتل المجند محمد جابر أمام الحرس الجمهوري يوم 9/ 7 في أثناء محاولة اقتحام المقر، ومقتل الملازم أول محمد أحمد المسيري فسم شرطة مدينة نصر في أحداث الحرس الجمهوري يوم 9/ 7 ، ومقتل النقيب شريف السباعي في 29/ 7 في أحداث النصب التذكاري، ومقتل المجند إبراهيم سيلمان يوم 24/ 7 عن طريق قنبلة أمام قسم ثاني المنصورة، ومقتل متظاهر يوم 29/ 7 نتيجة انفجار قنبلة في بورسعيد، ومقتل شخصين برصاصهم أثناء تشيع جنازة في بورسعيد يوم 28/ 7 ، ووجود 11 جثة مقتولة وعليها آثار تعذيب بجوار اعتصامهم برابعة والنهضة على إثر أكثر من 100 بلاغ تعذيب من مواطني رابعة، واستئجار الأطفال والنساء والعمال للمشاركة، وقطع أيدي مجموعة من الأفراد أثناء اعتصامهم به، ومقتل 5 من أهالي منطقة البحر الأعظم على يدهم في 17/ 7 ، ومقتل الملازم أول إسماعيل احمد عيد في اعتصام النهضة رمياً بالرصاص يوم 16/ 7 ، ومقتل شخصيين على الطريق الزراعي الذي قطعوه يوم 24/ 7 وهما محمد يحيى زكريا محمدي ومصطفى عبد النبي عبد الفتاح، وحرق 45 كنيسة في مصر، ومقتل 6 مسيحيين أثناء حرق تلك الكنائس، ومقتل 43 فرد شرطة يوم فض اعتصام رابعة كدليل على السلمية، ومقتل 16 فرد شرطة في قسم كرداسة والتمثيل بجثثهم يوم 14 / 8 ، وإلقاء سيارة نقل جنود بجنودها من فوق كبرى أكتوبر يوم فض اعتصام رابعة يوم 14/ 8 ، وحرق محافظة الجيزة ووزارة المالية، واقتحام وحرق كل أقسام الشرطة في المنيا وسرقة محتوياتها، وتحطيم وحرق متحف ملوي وسرقة محتوياته، وحرق قسم شرطة الصف والتبين والوراق، وحرق 5 مجمعات محاكم في المنيا، وحرق مبنى المقاولين العرب، ومقتل 170 جندي وضابط من الشرطة والجيش في سيناء منذ عزل مرسى، وسقوط شريف فتوح القماش على أيديهم أمام منزله في المنصورة يوم 30/ 8 ، وسقوط إيهاب السيد على يدهم في الإسكندرية يوم 6/ 9 ، ومحاولة اغتيال وزير الداخلية التي قتل فيها 3 أفراد غير المصابين، والهجوم على سفينة صينية في قناة السويس في محاولة لإيقاف الملاحة في القناة، ووفاة خالد محسن أمام في الإسكندرية برصاصهم يوم 16/8 ، ومصطفى جلال عمران الذي ادعى الإخوان أنه واحد منهم إلا أن أهله تقدموا ببلاغ يتهمونهم بقتله يوم 27/ 7 وكان ذلك بالإسكندرية أيضاً، ومقتل شريف راضى على يدهم في بورسعيد يوم 28/ 7 ، ومقتل المجند محمود زين الدين على يدهم في بورسعيد أيضاً أثناء تناوله العشاء يوم 31/ 8 ، ووفاة شريف إبراهيم سرحان طفل من الإسماعيلية على يدهم يوم 14/ 8 ، ومقتل 10 من أهالي منطقة بولاق والسبتيه عندما أطلقت مسيرة الإخوان عليهم النار من أعلى كوبري 15 مايو، ومقتل اخو لقاء سويدان بنيران الإخوان وكان واقفاً في بلكونة بيته يصور المسيرة المسلحة فتم اغتياله من قبلهم، ومقتل هاني عمر محمد مجند شرطة أمام قسم الأزبكية أثناء محاولتهم اقتحام القسم وحرقه، ومقتل المواطن المسيحي مجدي لمعي بعد أن خطفه الإخوان وذبحوه، ومقتل القس مينا عبود شارويين في شمال سيناء يوم 6/ 7 ، وحرق 50 منزل لمواطنين مسيحيين في محاولة لخلق فتنة طائفية، وحرق عربات الشرطة والجيش 100 سيارة، وسرقة سيارات التلفزيون واستغلالها ثم حرقها، وحرق محافظة الفيوم، وسحل ضباط الشرطة في أسوان ومقتل اثنين منهم يوم 14/ 8 ، والهجوم على قسم النزهة ومقتل شرطي ومواطن، ومقتل شرطيين نتيجة هجومهم على كمين على الدائري يوم 15/ 8 ، ومحاولة اقتحام وزارة الأوقاف، ودعوة الدول الخارجية للاحتلال مصر حتى يعود مرسى للحكم، ومحاولتهم اقتحام سجن المنصورة، ومقتل مواطن على يدهم في قرية الرياض بمحافظة الدقهلية يوم 17/ 8 ، ومحاولة حرق قسم الطالبية وسرقة سيارات ودرجات بخارية منه، ومحاولة اغتيال رئيس شبكة المراسلين الأجانب في القاهرة، ومحاولة اغتيال محمود بدر رئيس حركة تمرد، وقيامهم بتحويل ميدان رابعة إلى ثكنة عسكرية عن طريق بناء حواجز خرسانية في الشارع، وتخريب الميدان والشوارع المحيطة به بالحفر بتكلفة 85 مليون لإصلاحه، وقتل الجنود والضباط يوم فض الاعتصام والتسبب في قتل الكثير من المتظاهرين جراء الاختباء بهم ورد الجنود على مصادر النيران، وقتل اللواء إبراهيم فرج في اقتحام منطقة كرداسة، والهجوم على حديقة الأورمان وقطع أشجار نادرة عمرها أكثر من ألف عام، وقيامهم بصفقة بيع سيناء، والسماح للإرهابيين باحتلال سيناء والإفراج عن مجموعة كبيرة منهم، وتفجيرات خط الغاز أيام المجلس العسكري وإيقافها تماماً بمجيء مرسى، ومقتل خمس أشخاص من أهالي الإسماعيلية على يدهم يوم 14/ 8 ، وسرقة 3 آلاف قطعة سلاح من مراكز شرطة المنيا عند اقتحامها وقتل 15 فرد شرطة يوم 41/ 8 ، وتكسير مقدمة مكتبة الإسكندرية ومحاولة اقتحامها من قبل ميليشياتهم، وقتل الفتاة أسماء سلمان في بني مزار في المنيا يوم 14/ 8 ، وقتل نادرين جرجس حنا في إسكندرية على إثر تصويرهم وهم يحملون السلاح في المظاهرات يوم 30/ 6 ، وقتل نهى محمد أثناء تعليقها استمارة تمرد على سيارتها ومرورها على مظاهرة لهم بالإسكندرية بعد أن كسروا السيارة وأخرجوها وعروها من ملابسها وطعنوها 116 طعنة في جسمها، والهجوم على كمين في الإسماعيلية يوم 15/ 9 أدى إلى مقتل جندي، والهجوم على أنابيب الغاز في الإسماعيلية، ومقتل ضابط ومساعد شرطة اثر الهجوم عليهم في الشرقية يوم 17/ 9 ، ومقتل مجند في مدينة الشروق على يدهم يوم 17/ 8 ، ناهيك عما يجري ولا يزال في سيناء من أحداث قتل وتفجير على يد حماس وأنصار بيت المقدس إلخ.
ومما يجب مراعاته: أن ما ذكر هنا مبعثه (الثقة) المرفوضة شرعاً ووضعها في غير موضعها، كما أنه يشتمل على جملة المخالفات الشرعية التالية: عدم التحرز من تكفير المسلم إبقاء للأصل وهو إسلامه/ أن فاعل هذه الجرائم والراضي عنها والمتابع والمخطط لها لاسيما ما تعلق منها بسفك الدماء، لو استحلها مع العمد فهو في شرع الله كافر مرتد وإلا فهو عاص فاسق/ أن اللجوء إلى الكذب وتحريه بنفي ما نسب إليهم مما تم الاعتراف به وسجل القضاء تفاصيله وحيثيات أحكامه، وإلصاقه للغير، لا ينفعهم في الدنيا ولن يغنيهم من الله يوم القيامة شيئاً، والواجب التوبة منه واستسماح أصحاب الحقوق حيث الموعد الله/ أن المفرِّق لوحدة المسلمين خارج عن الملة بالأخبار النبوية الثابتة الصحيحة ويحق لولى الأمر ومن يفوضه مقاومته ومعاقبته بأشد العقوبات/ أن قطع الطرق وإرهاب وإرعاب المسالمين جريمة حرابة لها عقوباتها الدنيوية المقدرة في الآية 33 من سورة المائدة/ أن الخروج على الحاكم المتغلب ? في عقيدة أهل السنة والجماعة وإجماعهم ? وحمل الأسلحة على المجتمع ولو بتأويل، جريمة بغي يُبذل فيه الإصلاح، فإن أبت الفئة الباغية فلولي الأمر ومؤسساته ذات العلاقة مقاتلتها حتى تفئ إلى الصلح/ أن التذرع بأن بعض ما جرى من قبيل تغيير المنكر، افتراء لكونه افتئات على الحاكم والمطلوب هو دعوة الحاكم والمحكوم بالحكمة والموعظة الحسنة لتركه/ أن العدوان على الأمن العام للمجتمع لا يدخل في إبداء رأى أو التظاهر وإنما هي أعمال إجرامية يجب بموجب الشرع وجميع الأعراف وقوانين الدول التصدي بكل حزم وحسم بما يعرف بدفع الصيال وحق الدفاع الشرعي المعتبر به والمنصوص عليه شرعاً/ كما أن فيه ترك واجب الوقت وهو تجنب الفتن أو التسبب فيها أو القتال أثناءها.
خامسها: جسامة ما أخطأ فيه البنا في وضع البنا نفسه مكان الرسول المعصوم: وإلا فبأي حق يخلع البنا على نفسه وعلى أوامره لأتباعه ثوب العصمة، ويضع نفسه بمنزلة النبي وهو يستشهد ? إبان كلامه عن الثقة ? بقول الله تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجً مما قضيت ويسلموا تسليماً.. النساء/ 65)؟، ويتهم من ليس في جماعته بالنفاق على ما هو مشار إليه باستشهاده بآية محمد.. إن من شأن البشر ومن طبعه ? والبنا واحد منهم ? أن يخطئ، كون هذا مما جبلوا عليه مصداقاً لقوله عليه السلام: (كل ابن آدم خطاء)، وإن مما تعلمه المسلمون من دينهم أن الذي يميز نبيهم عن غيره ممن وَرِثوا العلم عنه من أئمة السنة والجماعة من لدن الصحابة إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، أنه عليه السلام من اصطفاه ربه بما يوحيه إليه، فهل يريد البنا أن يخطِر أتباعه أنه يوحى إليه هو الآخر حتى يتسنى لأتباعه أن يحكِّموه فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضى ويسلموا له تسليماً؟، وماذا يُنتظر من واحد يفكر بهذه العقلية عندما يصدر المرشد أو قائد جنده أمراً أو يلمِّح بقتل من يعوق دعوته مثلاً على ما بها، أو يشير بتخريب البلاد وحرق ممتلكاتها في حال حصول ما لم يرقه أو عدم تنفيذ ما أشار به، سوى ما جرى بالفعل ولا يزال من تنفيذ فوري لهذه الجرائم، وتحميلها في النهاية على الإسلام الذي هو برئ من كل ذلك؟! أي بله وأي تخريف هذا الذي يفكر فيه مؤسس الجماعة وقادتها وسوقتها؟.. وهل لنا أو لأحد من العقلاء أن يلوم بعد ذلك أولئك القادة الذين راحوا في (إشارة رابعة) يقطعون الطريق ويرددون مقولة النبي بعد الحديبية: (اليوم نغزوهم ولا يغزونا)، ومقولته يوم أحد: (قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار)، وكل ذنبهم أنهم قلدوا البنا وفعلوا فعله في أن وضعوا أنفسهم مكان الرسول المعصوم؟ وهل استحلالهم دماء المسلمين بهذه الآيات المُساء استعمالاتها، هو من الإسلام في قليل أو كثير؟.. إنه دين البنا الجديد الذي جعل المسلم الصادق ترساً في آلة يتحكم هو فيها كيف يشاء، والذي ما سمعنا عنه في أسلافنا الأولين، ولله في خلقه شئون.
سادسها: الإساءة لمصطلح (الثقة): وإن مما يبين معه ما ينبغي أن يكون عليه حال المسلم ? من تصديقٍ لما أخبر به الله ومن تنفيذٍ لما طلب، ومن أن تعظيمه سبحانه مستلزم لتعظيم أحكامه ونصوص شرعه الواردة في الكتاب والسنة، وأن هذا بحق هو ما يعنيه مصطلح (الثقة) التي تدور مادتها حول معاني الطمأنينة والركون والائتمان والتعهد والتعويل ?: قول الله تعالى (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً.. الأحزاب/ 36)، وفي تفسيرها يقول الحافظ ابن كثير: “فهذه الآية عامة في جميع الأمور، وذلك إذا حكم الله ورسوله بشيء فليس لأحد مخالفته، ولا لأحد اختيار هاهنا ولا رأي ولا قول كما قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجً مما قضيت ويسلموا تسليماً.. النساء/ 65)”إ.هـ، وعليه فمن شأن من عظم الله تعالى أن يطرح هواه ويتجرد لاتباع الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وقد وصف الله المؤمنين بأن شأنهم مع رسول الله أن يجردوا كل معاني السمع والطاعة والتسليم والانقياد المطلقة لحكم الله ورسوله، على ما أفاده قول الله تعالى: (إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون.. النور/ 51)، فالآية قد حصرت الفلاح فيهم، وهو ما يسعى إليه المؤمن الموحد؛ لأن الفلاح هو الفوز بالمطلوب والنجاة من المكروه، ولا يكون إلا بما ذكرنا، كما أنه لا يتأتى إلا بالرضا التام والخضوع الكامل للنصوص الشرعية كما نطقت بذلك آية النساء، يقول شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 13/ 88 ما نصه: “من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان: أنه لا يُقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده، فإنه قد ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق، وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم”، وقال في منهاج السنة 7/ 37: “وأهل البدع سلكوا طريقاً أخرى ابتدعوها اعتمدوا عليه، ولا يذكرون الحديث بل ولا القرآن في أصولهم إلا للاعتضاد لا للاعتماد” وهذا ينافى بالطبع الوثوق فيهما، وفي معني ما قاله يقول تلميذه ابن القيم في الوابل الصيب ص 16: “إن أول مراتب تعظيم الحق عز وجل تعظيم أمره ونهيه، وذلك لأن المؤمن يعرف ربه برسالته التي أرسل بها رسولَ الله إلى كافة الناس، ومقتضاها الانقياد لأمره ونهيه، وإنما يكون ذلك بتعظيم أمر الله واتباعه وتعظيم نهيه واجتنابه، فيكون تعظيم المؤمن لأمر الله ونهيه دالاً على تعظيمه لصاحب الأمر والنهي، ويكون بحسب هذا التعظيم من الأبرار المشهود لهم بالإيمان والتصديق وصحة العقيدة والبراءة من النفاق الأكبر”، وما قاله رحمه الله بحق الله في تعظيم أمره ونهيه يقال مثله بحق رسوله وذلك بموجب قوله تعالى: (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً.. النساء/ 80)، وإنما يتأتى ذلك بالطبع باتباع نصوص الكتاب والسنة، وإجماع الأمة كونه لا يخرج عن هديهما.
سابعها: الوقوع في شرك الطاعة: فمن أشد المصائب التي ابتليت بها جماعة الإخوان مصيبة التقليد الأعمى وعبادة الرجال، ولطالما حذر السلف الصالح من (شرك الطاعة) المتمثل هنا في طاعة البنا وتقليده فيما خالف الدليل، وفي شأن ذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى 1/ 98: “وكثير من المتفقهة وأجناد الملوك وأتباع القضاة والعامة المتبعة لهؤلاء، يشركون شرك الطاعة؛ وقد قال عليه السلام لعدي بن حاتم لما قرأ: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله.. التوبة/ 31)، فقال: يا رسول الله ما عبدوهم، فقال: (ما عبدوهم ولكن أحلوا لهم الحرام فأطاعوهم وحرموا عليهم الحلال فأطاعوهم)، فتجد أحد المنحرفين يجعل الواجب ما أوجبه متبوعه والحرام ما حرمه والحلال ما حلله، والدين ما شرعه إما ديناً، وإما دنيا، وإما دنيا وديناً، ثم يخوف من امتنع من هذا الشرك، وهو لا يخاف أنه أشرك به شيئا في طاعته بغير سلطان من الله، وبهذا يخرج من أوجب الله طاعته من رسول وأمير وعالم ووالد وشيخ وغير ذلك”.
ثامنها: الوقوع في خطيئة (الحب مع الله): ذلك أن الحب الذي يجمع البنا بأتباعه ? على هذا النحو السالف الذكر ? هو من هذا النوع لدى أهل التحقيق، والفارق بينه وبين (الحب في الله) جد دقيق، ذلك أن الحب مع الله مؤذن بالوقوع في الشرك الخفي ومخالفة الكتاب والسنة.. إذ هو الذي أوضحنا معالمه لدى الصوفية.. وحذر ربنا منه في نحو قوله: (وإذا قيل لهم إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون.. المائدة/ 104)، وقوله: (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا.. الأحزاب/ الآيات 66: 68) يقول الشوكاني في تفسيره: “وفي هذا زجر عن التقليد شديد، وكم في الكتاب العزيز من التنبيه على هذا والتحذير منه والتنفير عنه، ولكن لمن يفهم كلام الله ويقتدي به وينصف من نفسه، لا لمن هو من جنس الأنعام في سوء الفهم ومزيد البلادة وشدة التعصب”إ.هـ.. وهو أيضاً الذي رده النبي عندما استشكل أمره على عدي بن حاتم إثر قوله (ما عبدوهم) على ما فصلنا.. كما أنه الذي جاء ذكره في قوله: (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء.. الأعراف/ 3)، وقوله: (ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله).. بينا الثاني وهو الحب في الله والمشار إليه بقوله: (والذين آمنوا أشد حباً لله.. البقرة/ 165)، هو من كمال التوحيد ومن الموالاة عليها، كون أصحابه محَّضوا الطاعة لله تعالى و”أخلصوا محبتهم له.. وأحبوا من يستحق المحبة على الحقيقة.. ومن جعل الحق قصده ووازن بينه وبين غيره، تبين له الحق قطعاً واتبعه إن كان منصفاً” إ. هـ من كلام السعدي ص 68، 69.
تاسعها: اتهام الإسلام بالنقص: ولا وجه لمن يسئ الظن بنصوص الوحي وبفهم السابقين لها، فيزعم أن البنا أو أيّاً من قادة العمل الإسلامي أتى بما لم يأت به الأوائل، وأن مستجدات الزمان تقتضي أو تستوجب المرونة أو العدول أو التعديل في بعض الأحكام الشرعية على نحو ما، فقد قال سبحانه: (ما فرطنا في الكتاب من شيء.. الأنعام/ 38)، وفي تفسيرها يقول القرطبي: “أي: ما تركنا شيئاً من أمر الدين إلا وقد دلنا عليه في القرآن؛ إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يُتلقى بيانها من الرسول r أو من الإجماع أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب”، وقال ابن الجوزي في تلبيس إبليس ص 119: “ومحال أن يقع في سياسة الإله خلل يُحتاج معه إلى سياسة الخلق”، إلى أن قال: “فمدعي السياسة مدعي الخلل في الشريعة”، كذا بما يعني أن الله قد بين لنا في القرآن كل شيء يحتاج إليه العباد أتم تبيين، سواء كان في أصول الدين وفروعه، أو أحكام الدنيا والآخرة، ولقد أثبتت التجارب والأحداث على مر الزمان أنه ما من فتنة وقعت إلا وكان السبب المباشر في وقوعها هجر هذا الأصل وإهمال النصوص الشرعية المعصومة، والمصير إلى العقل القاصر، وتحكيم أهواء البشر في نصوص الكتاب والسنة، فما زاغ أهل الكلام قديماً إلا لما سلكوا هذه الطرق الخاطئة ثم تبعهم في هذه الأزمان أقوام كان جل حديثهم في تمجيد العقل وتعظيمه، حتى أعطوه السلطة المطلقة في الحكم على الوحي المنزل، تكذيباً وتأويلاً ورداً وتحريفاً، ومن هنا كانت خشية النبي على أمته من زيغ القلوب وفساد العقول وانحراف الفطر وتنكب الطريق وتبدل الدين فجاء التحذير في قوله: (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وقوله: (لقد تركتم على مثل البيضاء ليلها كنهارها سواء)، كما كانت وصيته لها بالاعتصام بحبل الله في نحو قوله: (تركت فيكم ما اعتصمتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله وسنتي) وقوله: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبداً حبشياً، فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ).
عاشرها: مخالفة ما كان عليه الأوائل: من التمسك بالسنة والتعلق بصاحبها دون سواه وتحري صحيح المعتقد وعدم التفريط في ثوابت الدين، والحق أن الكلام في إثبات ذلك لا ينتهي.. نسأل الله أن يردنا وجميع المسلمين إلى دينه مرداً جميلاً، وأن يهدنا لما اختلف فيه من الحق بإذنه، كما نسأله العفو والعافية والمعافاة في الدين والدينا والآخرة.. اللهم آمين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
بطلان بيعات (الإخوان المسلمين).. وبيان أنها غير ملزمة ولا هي على صحيح الدين/
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين.. وبعد:
فلا أحد يعقل عن الله ورسوله، يشك في أن الله ورسوله قد وعدا بأن المستقبل للإسلام، وأنه تعالى (أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)، وأن ما جاء به النبي الخاتم سيبلغ ما بلغ الخافقين على ما أفاده قوله عليه السلام: (إن الله زوا لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها)، كما وعدا بالتمكين لأهل الإيمان (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض.. الآية)، وبعودة الخلافة الراشدة، وأن ذلك يكون في نهاية الزمان وبعد مرور الأمة بمراحل عدة وفترات اختبار تمثلت بعد فترة النبوة في: خلافة على نهجها، ثم في ملكٍ عضوضٍ، ثم في حكمٍ جبريٍّ، ثم عودةً للخلافة التي قيدها الرسول بكونها على (منهاج النبوة).
وفي إجمال كل ذلك يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد من طريق حذيفة وصححه الألباني: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً عاضّاً، فتكون ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً جبرية، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) ثم سكت.. ويقول فيما رواه مسلم: (يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ? وفي رواية: يكون في آخر أمتي خليفة يَحثي المال حثياً ? ولا يَعدُّه)، وعن تلك الأخيرة وأنها في مهدي أهل السنة المنتظر، جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، وقد أنكر البنا منشئ جماعة الإخوان (خلافة المهدي) قائلاً في (حديث الثلاثاء): “فمن حسن الحظ لم نر في السنة الصحيحة ما يثبت دعوى المهدي, وإنما أحاديثه تدور بين الضعف والوضع”، كما أنكرها القرضاوي شيخها ومنظرها الذي ادعى في الجزء الأخير من مذكراته أنه لا أصل لها في القرآن والسنة، كل ذلك ليتسنى لهما أن يجعلاها بآخر الزمان في جماعتهما على الرغم من تواتر أحاديثها تواتراً معنوياً كما خلص إلى ذلك د. إسماعيل المقدم في كتابه (المهدي حقيقة لا خرافة)، فانحصر خلاف أهل السنة في زماننا مع (جماعة الإخوان)، فيما قبل (خلافة المهدي).. ولا أحد يشك في أن ما قبل مرحلة (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، وقعت تماماً كما حدَّث النبي عليه السلام وذلك من علامات نبوته.
وأما عن تفصيل ذلك، فيتمثل فيما أخرجه البغوي في (شرح السنة) عن سفينة ? مولى رسول الله ? قال: سمعت النبي يقول: (الخلافة ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً) وفي رواية: (خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، ثم قال سفينة لعلي بن الجعد أحد رواة الحديث: (أمسك، خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشرة، وعثمان اثنتي عشر، وعليٌّ ستة)، رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والترمذي وقال: حديث حسن، وإنما سميت هذه الفترة ? التي وعد النبي بعودتها مرتين ? بـ (خلافة النبوة)، لأن الخلفاء صدَّقوا هذا الاسم بأعمالهم، وتمسكوا بسنة نبيهم من بعده، والتزموا الشرع في أحكامهم، كما قاله حميد بن زنجويه فيما نقله عنه البغوي في شرح السنة، الأمر الذي يؤكد عدم تحققها بحال في جماعة الإخوان لعدم تمسكها بالسنة وعدم التزامها الشرع بشهادة علماء الأمة الثقات.. قال أحمد بن حنبل في كتابه إلى مسدد ? كما في (السنة) لعبد الله بن أحمد ?: “(لا عين نظرت إلى ما بعد النبي من أبي بكر الصديق، ولا عين نظرت بعد أبي بكر من عمر، ولا عين نظرت بعد عمر من عثمان، ولا عين نظرت بعد عثمان من علي، هم والله الخلفاء الراشدون المهديون)، وفي رواية له: (قال سعيد بن جهمان: فقلت لسفينة: إن بني مروان يزعمون أنهم خلفاء، قال سفينة: كذبوا).. هذا فيما يخص ثانية مراحل الحكم في الأمة، وقد تمت على النحو الذي أخبر به النبي بأبي هو وأمي.
وجاءت ثالثة هذه المراحل المخبر عنها في الحديث، متمثلة في الملك العضوض، “وهذا بالفعل ما كان في أيام مُلك ابن أمية ? باستثناء حكم عمر بن عبد العزيز، الراشد ? ثم تلاه ملك بني العباس، ولقد كانا ملكاً عاضاً كما سماه الرسول وكما بينه سفينة رضي الله عنه وإن سماه الناس خلافة”، وقد استمر هذا ? على ما ذهب إليه بعض المحققين وعلى ما هو المتضح للمتتبع لتاريخ الخلفاء ? حتى زوال الدولة العثمانية، وأن الدور الرابع (الملك الجبري)، وهو الذي بدأ يأفل بقدر الله ثم بانتفاضات الشعوب فيما يعرف بثورات الربيع العربي ? مع ما بها ? في ظاهرة فريدة من نوعها تساقطت على إثرها جل الجمهوريات الدكتاتورية، وأن الدور الخامس: (خلافة على منهاج النبوة) وهو قادم بإذن الله على الوجه الذي سبق أن بينه رسول الله.. والذي يبدو من خلال تبني جماعة الإخوان لفكرة الخلافة وعودتها: أن هذا الأمر لا يمكن بحال أن يكون فيهم أو يتحقق لهم، لأسباب:
أولها: ما انتاب منهجهم من أعمال تتنافى تماماً مع منهج النبوة، فمن شركيات ظهرت جلية في كتابات وتصريحات قادتهم، وحسبك منها: ما كان يدين به البنا من نزعة صوفية مغالاً فيها، وما كتبه التلمساني في (شهيد المحراب عمر بن الخطاب).. ومن ولاءات كانت على غير منهج الإسلام، وصل بعضها لأن تكون لليهود والشيعة من دون المسلمين.. ومن خلل في توحيد الصفات تمثل في تعطيلها وتأويلها وتحريفها على خلاف ما كان عليه النبي وصحابته وتابعيهم بإحسان.. ومن عمل للوصول إلى غاية الخلافة بمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) الذي تحللت الجماعة من خلاله من كل القيم والمبادئ الإسلامية، وهو ما كانت سيرة الرسول شاهدة على رفضه البتة.. ومن تكفير للمجتمعات المسلمة أوصلهم في أكثر الأحايين لاستحلال دماء جيوشها وشرطتها، وفي بعضها لاستحلال دماء مخالفيهم في الفكر والرأي بعد رميهم بالكفر، على غرار ما جرى في رابعة ومسجد بلال بالمقطم وما كان أمام قصر الاتحادية، وشهدت له وبه ولا زالت محاكم مصر.
ثانيها: يؤكد ما سبق ذكره: ادعاءات فرقة الإخوان ? على ما بها ? بأنها جماعة المسلمين، كذا دون ما تمكين ولا إمام فعلي، فقد جاء في (مجموعة الرسائل) للبنا ص 181: “وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا كثرة، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم”، ويؤكد البنا هذا المفهوم عندما قسم المسلمين في (الرسائل الثلاث) إلى أربعة أقسام: “مؤمن، متردد، نفعي، متحامل”، وانطلاقاً من هذا تكون جماعة الإخوان بزعمهم هي ملتقى المؤمنين وجماعة المسلمين، وفي ذلك يقول سعيد حوى في (دروس في العمل الإسلامي) ص 19: “ولا زالت دعوة الإخوان وحدها، هي الجسم الذي على أساسه يمكن أن يتم التجمع الإسلامي في العالم”، ويقول في (آفاق التعاليم) ص 13: “لئن كان البنا بمجموع ما حباه الله هو المرشح الوحيد؛ لأن يطرح نظريات العمل الإسلامي، فالدعوة التي أقامها تركيب ذو نِسب معينة، فمتى اختلفت هذه النسب حدث الفساد”، ويقول عن جماعته: إنها “الجماعة التي ظهرت بها الآن صيغة الحق الوحيدة المتعارف عليها خلال التاريخ، والمتمثلة بأهل السنة والجماعة”.. وقد أدى كل هذا بالطبع لأن تُصبِغ الجماعة هذا التصور بصبغة الدين وتتعسف في إسقاط الأدلة عليه، فيقرر حوى (في آفاق التعاليم) ص 15 ومعه كتيبة الإخوان، بأنهم المعنيون بقوله “صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)”، ويردف مؤكداً هذا المعنى فيقول: “إن الأصل الذي لا يجوز أن يغيب عن المسلم، هو أنه لا بد للمسلمين من جماعة وإمام، وأن الواجب الكبير على المسلم، أن يكون ملتزماً بجماعة المسلمين وإمامهم، وهذا هو المفتاح الأول لفهم قضية الإخوان”، وكانت نتيجة ذلك بالضرورة: الوقوع في هوة تكفير الغير وأن الخارج على جماعة المسلمين التي هي جماعة الإخوان، خارج عن الإسلام حلال الدم، لحديث: (من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، يقول حوى في كتابه (من أجل خطوة إلى الأمام) ص40 بعد أن ساق الحديث، ساحباً إياه على من خالف جماعته وإمامها: “وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة، لأن الطاعة لا تجوز إلا لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختياراً”، وقد سبق أن ذكرنا في مقال سابق أن مثل هذه الادعاءات، أكبر دليل على بدعية من يقول بها.
وهنا ثمة أسئلة تطرح نفسها، أهمها: ما مدى صحة هذا الكلام؟، وما يكون حال مجتمعاتنا في هذه الآونة التي ضاعت فيها الخلافة ? إن صح التعبير ? على يد أتاتورك العلماني؟، وماذا عن موقف جماعة الإخوان حيال أولياء الأمور من الحكام المنتخبين أو المتغلبين من عامة المسلمين، وبخاصة من وضعوا في دساتيرهم أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع)؟، وما هو حكم الشرع في كل هذا وعلى ضوء ما تمخضت عنه أفكار جماعة الإخوان التكفيرية؟ وما حكمه في بيعاتهم على مستوى أكثر دول العالم؟، وهل يدخل ذلك فيما ساغ من الاجتماع على الطاعة، ولأجل تحقيق مقاصد الإسلام وواجباته التي لا تتم إلا من خلال العمل الجماعي، وعملاً بقاعدة (أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)؟.. ونوجز الجواب في أمور:
الأول: “أن وضع الإخوان أنفسهم فوق مستوى النقص بوصفهم جماعة المسلمين، ادعاء لا يستقيم أمره لأسباب علمية وأخرى عملية، فأما العلمية فمن أفواههم وأقوالهم السابقة ندينهم، فضلاً عن أن العلماء يستدُّلون على أهل السنة بحبهم أصحاب الحديث، فقالوا: (إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل: يحيى بن قطان وعبد الرحمن بن مهدي وابن حنبل وابن راهويه، فاعلم أنه على السنة، ومن خالف فاعلم أنه مبتدع)، وذلك أن أصحاب الحديث لم ينحرفوا عن البيضاء النقية، وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، بينا جماعة الإخوان لا تقيم للسنة وزناً، وتضرب بأقوال علماء المسلمين على مر العصور عرض الحائط، وفي تأكيد ذلك يقول حوى في (المدخل) ص 27: (أما ما ذهب إليه بعضهم من أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث، فليس فيه نص، وإنما هو فهم لبعض المحَدِّثين)” ا.هـ بتصرف من كلام د. سليم الهلالي 159 تحت عنوان: (العقيدة أولاً لو كانوا يعلمون) وينظر باقي كلامه فإنه من الأهمية بمكان، لتعرضه لبعض ما ضلت فيه جماعة الإخوان فيما يتعلق بأمور الاعتقاد ومظاهر الانحراف عن منهج جماعة المسلمين وأهل السنة.
الثاني: أن أمر ضياع الخلافة تحدَّث عنه النبي ولم يتركه للأهواء، وبين واجب المسلم حيال ضياعها، وذلك في حديث حذيفة المتفق عليه، وفيه: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر، قال: {نعم}، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: {نعم وفيه دخن}، قلت: وما دخنه، قال: {قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر}، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر، قال: {نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها}، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: {هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا}، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال: {تلزم جماعة المسلمين وإمامهم}، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: {فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك}).. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة 1/ 556 وهو يتحدث عما يقتضيه حديث حذيفة من وجوب طاعة الإمام ذو السلطان الموجود بالفعل والذي له القدرة على عمل مقصود الوِلاية، وإن كان فيه ما فيه: “وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”.
الثالث: أن أواخر ما في الحديث بتعليق ابن تيمية الفائت، لا تجيز بحال أن تَشق فِرقة ? مهما أوتيت من علم أو تقوى ? صف عامة المسلمين وتدعي أنها جماعتهم، أو تجعل من نفسها دولة داخل كل دولة وبخاصة لو كانت هذه الدولة دار إسلام، إذ في ذلك من الفتنة ما الله به عليم، وما يجري في أرض الواقع ? بما في ذلك فترة تولية د. مرسي لكونها قامت على سلسلة من التناقضات والمخالفات الشرعية ? شاهد عيان على صدق الرسول الأعظم وخلل ما تقوم به فرقة الإخوان.
الرابع: تعارض ما تقوم به فرقة الإخوان لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: (ستكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟، قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)، وفي شرحه للحديث يقول ابن حجر في الفتح 6/ 574: “قوله: (فوا) فعل أمر بالوفاء، والمعنى: أنه إذا بويع الخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة، قال النووي سواء عقدوا للثاني عالِمين بعقد الأول أم لا، سواء كانوا في بلد واحد أم أكثر، هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور.. وقال القرطبي: في هذا الحديث: حُكم بيعة الأول وأنه يجب الوفاء بها، وسكت عن بيعة الثاني وقد نُص عليه في حديث مسلم: (فاضربوا عنق الآخر)”، وفي رواية له من طريق عرفجة: (من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان)، وفي أخرى: (فاقتلوه)، وفي أخرى عن طريق أبي سعيد: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما)، ويقول ابن كثير في تفسيره لآية (إني جاعل في الأرض خليفة.. البقرة/ 30): “فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر، فلا يجوز، لقوله عليه السلام كما في حديث مسلم: (مَن جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم، فاقتلوه كائناً من كان)، وهذا قول الجمهور، وقد حكا الإجماع على ذلك غير واحد، منهم إمام الحرمين”إ.هـ.. ونحن بدورنا لو طبقنا هذه الأحاديث وما أجمع عليه علماء الأمة، في ضوء ما خطته جماعة الإخوان لنفسها وللأمة، فليس أمامنا إلا واحدٌ من خيارين:
= أن تفي جماعة الإخوان ببيعة إمامهم المرشد، وتقتل جماهير الشعب المصري مثلاً، وهم فيما يربو عن التسعين مليوناً، لكونه خارجاً عن جماعة المسلمين (الإخوان)، ولبيعته رئيساً آخر غير مرشدهم، على الرغم من كونه منتخباً رئيساً للبلاد وحائزاً على أغلبية شعب مسلم.
= أو تُدق عنق المرشد في ميدان عام، وتًحارِبُ جماهير الشعب جماعته التي تقدّر على أقصى تقدير بنصف مليون، باعتبارهم بغاة يشقون عصا الطاعة ويصنعون من أنفسهم دولة داخل الدولة، وبخاصة إذا بويع له بعد تنصيب رئيس البلاد، وعلى هذا فقس في سائر بلاد المسلمين.. وإنما أحدث هذه الإشكالية الغير عقلانية ولا شرعية: الخلل الفكري في بيعات الإخوان التي لا حكم لها في الإسلام سوى: (البطلان)، إن كانوا يعملون بصحيح هذا الدين.
الخامس: أن ما خلُصنا إليه هنا، يتفق مع ما قرره علماء الأمة، من أن أمر العمل الجماعي وما ينتج عنه من تأمير واحدِ ينظم الأمر ويحسم الخلاف إن وجد، ويكون له حق السمع والطاعة في المعروف، وذلك فيما يعرف بـ (البيعة الخاصة) أو (بيعات العمل)، لا ينبغي أن يتخطى حدود مجالات الدعوة إلى الالتزام والتحاكم بما أنزل الله وإقامة الخلافة ووحدة الصف، وما شابه مما يدخل فيما يجب على المسلم القيام به ويقع تحت بند التعاون على البر والتقوى، فالشرط في ذلك بعد التزامه هو وجماعته أولاً بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة: ألا يدعي لنفسه الإمامة العظمى، وألا يطغى بدوره ليصل إلى حد الافتئات على اختصاصات الحاكم الفعلي للبلاد صاحب (البيعة العامة) حال تقصيره، تحقيقاً للمصلحة واندفاعاً للمفسدة، وهذا ما كان يرمي إليه كلام ابن تيمية حين ذكر في مجموع الفتاوى 28/ 390 ما نصه: “يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين, بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها, فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)، وقال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمَّروا عليهم أحدهم)، فأوجب عليه السلام تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع”، فهو هنا يتناول نوعي البيعة، مستدلاً عليهما بالنقل والعقل وقياس الأولى، وفيه ما يُرَد به على من حرم التحزب المنضبط لخدمة الدعوة وقضايا الإسلام كذا على إطلاقه، إذ قد تتوقف عليه تحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وقد يمثل أحسن الوجوه في إتمام الأمور.. يقول شيخ الإسلام في مجموع فتاواه 34/ 175 وفيما يمثل قاعدة ذهبية في حسم الأمر: “الأصل في الواجبات ? يعني: من نحو إقامة الحدود وإنفاذ شرع الله وعقد ألوية الجهاد ونحو ذلك من فروض الكفايات المخاطب بها الأمة ? أن تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير، لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم تقم إلا بعدد ومن غير سلطان، أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ? يعني: المتوقف أمره على الاستطاعة وتقدير الأمور وانضباطها ? فإذا كان في ذلك من فساد من ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها، لم يدفع فساد بأفسد منه”إ.هـ.. فأين هذا من الفساد عينه الذي تشيعه الآن فرقة الإخوان ومن على شاكلتها، وما تمخض عنه من تكفير وتقتيل وتذبيح وتحريق وتدمير.
وبناء على ما سبق، فإن ما يقال من شُبهة شغور الزمان وخلوه عن السلطان ذي النجدة والكفاية والدراية الذي يسعى لوحدة الأمة وإعلاء راية الجهاد بضوابطه والتمكين للدين، وأن ذلك موجب لتنصيب جماعة ما أميراً لتحقيق هذه المقاصد: هو أمر مبالغ فيه، ولا يعدو أن تكون وقائعه ? في نحو ما جرى بـ (غزوة مؤتة) قديماً، و(أفغانستان) و(البوسنة) حديثاً ? وقائع عين، ومخالف لواقع عامة المسلمين، ومن ثم فالتوسع في هذا وتحميله لجماعات المسلمين المتناحرة والتي عجزت في الأساس وإلى الآن عن أن تجمع شتات أمرها على كلمة التوحيد والالتزام بنصوص الوحي، تعسف وتلبيس.. كما أن الاتكاء في تمريره على فتاوى أهل العلم قديماً وحديثاً ? على نحو ما جاء في كتاب (تنبيه الغافلين) وغيره ? هو وضع لفتاواهم في غير موضعها، بل هو ضرب من الهذيان، يدل على هذيانه:
ما جاء من صريح ذلك في عدم جواز تعدد البيعات، من نحو فتوى الشيخ صالح الفوزان، يقول في جواب وبيان ذلك: “البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعددة مبتدَعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة، أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعددة” إ.هـ من المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/367 .. كما يدل على هذيانه: حديث حذيفة في سؤاله عن الخير والشر.. ويدل على هذيانه أيضاً: أحاديث السمع والطاعة للإمام المسلم المُمكّن والصبر عليه وما أكثرها، ونذكر منها حديث مسلم: (ألا من وُلِّي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره الذي يأتي من معصية الله، ولا ينزع يداً من طاعة)، وحديثه (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)، وحديث الشيخين: (أدوا إليهم الذي لهم، فإن الله سائلهم عن الذي لكم)، وفي رواية: (أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)، وفي أخرى: (أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم) وحقهم: طاعتهم في غير معصية، وما روياه من حديث ابن عباس وفيه: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهليه)، وفي رواية لمسلم عنه: (من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية)، إذ بهذا يُجمع بين النصوص كما يجمع بين أقوال أئمة العلم فلا يتضارب بعضها مع بعض، ثم هو قبلُ وبعدُ: قصور منا نحن الدعاة في الدعوة لصحيح الدين والمعتقد، وفي عموم ما يُرضِي الله عنّا، وفي أثرٍ لقتادة نقله الذهبي في العلو ص 96: (قالت بنو إسرائيل: يا رب أنت في السماء، ونحن في الأرض، فكيف لنا أن نعرف رضاك من غضبك؟!، قال: إذا رضيت عنكم استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم)، وفي الجواب الكافي لابن القيم فيما نقله عن مالك بن دينار قال: قرأت في الحكمة يقول الله عز وجل: (أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا إليَّ أعطِّفهم عليكم)، وفي مراسيل الحسن: (إذا أراد الله بقوم خيراً جعل أمرهم إلى حلمائهم، وفيئهم عند سمحائهم، وإذا أراد بقوم شراً جعل أمرهم إلى سفهائهم وفيئهم عند بخلائهم)”، ولقد أثبتت الأدلة عدم جواز طلب الإمارة وإلا وُكل إليها ولم يُعن عليها، وأن المسلم مطالب بأن يسعى لأن يُحكم بما أنزل الله لا أن يَحكم هو، كما أثبتت التجارب أنه أجدى من الخروج على السلطان المسلم الذي لا يحكم بما أنزل الله تأولاً أو مكرها أو جاهلاً، وتكفيره: دعوته إلى تطبيق الشرع بكل طريق مشروع، وإعانته على ذلك بشكل أو بآخر، وإحسان الظن به وإخلاص الدعاء له.. وجميع كتب الاعتقاد على إقرار ذلك والتأكيد عليه، ونذكر على سبيل المثال قولة أحمد في أصول السنة ص 64: “والسمع والطاعة: للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر.. ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين، وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق”، وتعليقاً على قول ابن أبي العز (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا: فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير للسيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل)، يقول الألباني: “وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ويصححوا عقيدتهم ويربُّوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح تحقيقاً لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)”.
وجواب من يحتج علينا من (فرقة الإخوان) بما جرى لهم بمصر: أنهم كانوا ولا يزالون يطلبون حقاً ليس لهم، ولا هم له بأهل ? وذلك بدعوتهم للبيعة العامة والإمامة العظمى، وادعائهم أنهم جماعة المسلمين وما يستتبعه من سمع وطاعة عمياء بل وفي المعاصي أحيانا كثيرة، ومن تكفيرهم من ليس منهم ? بل ويحتجُّون في طلبه بما هو دليل عليهم لا لهم، فضلاً عن أن صاحبهم بمصر، قد حنث في قسمه وخان فيما ائتُمن عليه وأفشى أسرار وطنه لأعداء الوطن فأفقد شرعيته بنفسه، وثار عليه شعبه بعد أن منحه ثقته.
السادس: فإذا ما أضفنا إلى ذلك: أن بيعات جماعة الإخوان لم تكن يوماً ما على الإسلام، ولا على صحيح الدين والعمل به، لازددنا يقيناً ببطلان هذه البيعات، ولك كي تتأكد من صدق ذلك، أن تتأمل صيغها التي فيها ? كما في كتاب (قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان وشُعَبِها) ص 7 ? : (أُعاهد الله العلي العظيم، على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين، والجهاد في سبيلها، والقيام بشرائط عضويتها، والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله العظيم على ذلك، وأبايع عليه، والله على ما أقول وكيل)، وقد تختلف الصيغة من بلد لآخر في كلمة أو ما شابه، لكن لا تخرج عن هذا المضمون، على أن ما سبق هو نص بيعة حركة حماس الذي يمثل الجناح العسكري الجهادي لفرقة الإخوان، وبالطبع هو عينه نص بيعة ما خفي من باقي أذرعها العسكرية، وفي كتابه (التنظيم الخاص) ص 138عن توثيقها وأخذها بمأخذ الجد، يقول محمود الصباغ: “إن أي خيانة أو إفشاء سر، بحسن قصد أو سوء قصد، يعرِّض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة”.
فها أنت ترى ما عليه القوم من ضلال، تمثل في صيغ لم تُقل حتى لرسول الله المعصوم، ولم تقم على الولاء على الإسلام ولا الجهاد في سبيله ولا العمل بصحيحه.. كما تمَثل فيما استلزمته البيعة من (سمع وطاعة) غير منضبطين ولا مقيدين بعدم ارتكاب الموبقات التي شملت بالفعل فيما شملت: التقتيل والتدمير والتحريق في مجتمعات المسلمين، وبسببهما فُصل الشيخ محمد الغزالي من مكتب الإرشاد وعضوية الجماعة، كونه سعى في تصحيح مسارهما وقال عنهما في كتابه (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث) بما مفاده: “لا سمع ولا طاعة إلا لله وللرسول ولمن ولاه الله على المسلمين”.. وتمثَّل كذلك في شروط ليست في كتاب ولا في سنة، بل هي كما في الحديث المتفق عليه، في واقعة مشابهة: (ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله, كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل, وإن كان مائة شرط, كتاب الله أحق وشرط الله أوثق).. وأن أقل ما يقال عنها: إنها بدعية، وينسحب على أصحابها ما ذكره ابن القيم في مختصر الصواعق ص 626 ضمن العلامات التي يُميَّز بها أهل السنة عن أهل البدع، من “أن أهل السنة إنما يوالون ويعادون على سنة نبيهم وأهل البدعة يوالون ويعادون على أقوال ابتدعوها.. ومنها: أن أهل السنة لم يؤصلوا أصولاً حكموها وحاكموا خصومهم إليها وحكموا على من خالفها بالفسق والتكفير، بل عندهم الأصول: كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة”.. ومن قبلُ، شيخه ابن تيمية الذي طالما ردد في غير ما موضع، من أنه “لا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله، ولا لقول إلا لكتاب الله، ومن نصَّب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل، فهو (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً)، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل اتِّباع الأئمة والمشايخ، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم”إ.هـ من مجموع الفتاوى 20/ 8، 9.. ومرة أخرى لنا في ذلك مقال يحدد ملامح البدعة، ويثبت ابتداع جماعة الإخوان فليراجع.
السابع: وأضفنا إليه أن الخلافة وبيعتها، الأصل فيهما ألا يكونا إلا في قريش، ازداد يقيننا أكثر ببطلان بيعات فرقة الإخوان، ذلك أن الأدلة واضحة في خلافة قريش وألا ينازعها في هذا الأمر أحد كائناً من كان، وأئمة العلم على ذلك، ففيما رواه أحمد وصححه الألباني يقول عليه السلام: (الأئمة من قريش)، وعليه يعلق الماوردي في الأحكام السلطانية ص 3 وما بعدها بقوله: وبه “احتج ? أبو بكر الصديق ? يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة، لما بايعوا سعد بن عبادة، فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا: (منا أمير ومنكم أمير)، تسليماً لروايته وتصديقاً لخبره.. ويقول صلوات ربي وسلامه عليه ? فيما صححه الألباني ? (قدِّموا قريشاً ولا تَقََدَّموها)، وليس مع النص المسلم به شبهةٌ لمنازع فيه، ولا قولٌ مخالفٌ له”إ.هـ.. ويقول الإمام أحمد في كتاب السنة: “والخلافة في قريش ما بقي اثنان، ليس لأحد أن ينازعهم فيها، ولا يَخرج عليهم، ولا نُقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة”، ويصدقه ما رواه البخاري: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)، (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد، إلا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين)، وما رواه مسلم: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)، يعني: في الإسلام والجاهلية، كما في رواية: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم)، وقد علق النووي في شرح مسلم بعد ذكره جملة من الأحاديث في ذلك، فقال ? وبنحوه ابن حجر في باب (الأمراء في قريش) 13/ 126 وما بعدها ?: “هذه الأحاديث وأشباهها، دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلافٍ من غيرهم فهو محجوج عليه بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي عياض: (اشتراط كونه قرشياً: هو مذهب العلماء كافة)، قال: (وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها قول يخالف ما ذكرنا، وكذلك مَن بعدهم في جميع الأمصار)، قال: (ولا اعتداد بقول النَّظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش)”، ويردف النووي ت 676 قائلاً: “وبيّن النبي أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا، ما بقي في الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم فمن زمنه إلى الآن: الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها، وتبقى كذلك ما بقي اثنان كما قاله”إ.هـ.. ولئن أساغ البعض لنفسه إهمال هذه النصوص لهوى في نفسه، فإنه أولى للمتجرد أن يُعملها، وبخاصة أن معه إلى جانب هذه النصوص: اتفاق الصحابة وإجماع الأمة.. وما علينا هنا درءً للفتنة، إلا اتِّباع هؤلاء العلماء العاملين من ورثة الأنبياء، دون اتِّباع ذوي الرأي والهوى واستجلاب البلاء، فكلهم كما قال عنهم رسول الهدى: رويبضة، جنبنا الله مكرهم وشرهم.. يرجى النشر لتعميم الفائدة وتبرئة الذمم، والله من وراء القصد وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل…
بطلان بيعات (الإخوان المسلمين).. وبيان أنها غير ملزمة ولا هي على صحيح الدين/
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد خلق الله أجمعين وعلى آله وصحبه والتابعين.. وبعد:
فلا أحد يعقل عن الله ورسوله، يشك في أن الله ورسوله قد وعدا بأن المستقبل للإسلام، وأنه تعالى (أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون)، وأن ما جاء به النبي الخاتم سيبلغ ما بلغ الخافقين على ما أفاده قوله عليه السلام: (إن الله زوا لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن مُلك أمتي سيبلغ ما زُوي لي منها)، كما وعدا بالتمكين لأهل الإيمان (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض.. الآية)، وبعودة الخلافة الراشدة، وأن ذلك يكون في نهاية الزمان وبعد مرور الأمة بمراحل عدة وفترات اختبار تمثلت بعد فترة النبوة في: خلافة على نهجها، ثم في ملكٍ عضوضٍ، ثم في حكمٍ جبريٍّ، ثم عودةً للخلافة التي قيدها الرسول بكونها على (منهاج النبوة).
وفي إجمال كل ذلك يقول صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد من طريق حذيفة وصححه الألباني: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً عاضّاً، فتكون ما شاء الله لها أن تكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً جبرية، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) ثم سكت.. ويقول فيما رواه مسلم: (يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ? وفي رواية: يكون في آخر أمتي خليفة يَحثي المال حثياً ? ولا يَعدُّه)، وعن تلك الأخيرة وأنها في مهدي أهل السنة المنتظر، جاء عنه صلى الله عليه وسلم قوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً)، وقد أنكر البنا منشئ جماعة الإخوان (خلافة المهدي) قائلاً في (حديث الثلاثاء): “فمن حسن الحظ لم نر في السنة الصحيحة ما يثبت دعوى المهدي, وإنما أحاديثه تدور بين الضعف والوضع”، كما أنكرها القرضاوي شيخها ومنظرها الذي ادعى في الجزء الأخير من مذكراته أنه لا أصل لها في القرآن والسنة، كل ذلك ليتسنى لهما أن يجعلاها بآخر الزمان في جماعتهما على الرغم من تواتر أحاديثها تواتراً معنوياً كما خلص إلى ذلك د. إسماعيل المقدم في كتابه (المهدي حقيقة لا خرافة)، فانحصر خلاف أهل السنة في زماننا مع (جماعة الإخوان)، فيما قبل (خلافة المهدي).. ولا أحد يشك في أن ما قبل مرحلة (ثم تكون خلافة على منهاج النبوة)، وقعت تماماً كما حدَّث النبي عليه السلام وذلك من علامات نبوته.
وأما عن تفصيل ذلك، فيتمثل فيما أخرجه البغوي في (شرح السنة) عن سفينة ? مولى رسول الله ? قال: سمعت النبي يقول: (الخلافة ثلاثون سنة ثم تكون ملكاً) وفي رواية: (خلافة النبوة ثلاثون سنة، ثم يؤتي الله ملكه من يشاء)، ثم قال سفينة لعلي بن الجعد أحد رواة الحديث: (أمسك، خلافة أبي بكر سنتين، وخلافة عمر عشرة، وعثمان اثنتي عشر، وعليٌّ ستة)، رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والترمذي وقال: حديث حسن، وإنما سميت هذه الفترة ? التي وعد النبي بعودتها مرتين ? بـ (خلافة النبوة)، لأن الخلفاء صدَّقوا هذا الاسم بأعمالهم، وتمسكوا بسنة نبيهم من بعده، والتزموا الشرع في أحكامهم، كما قاله حميد بن زنجويه فيما نقله عنه البغوي في شرح السنة، الأمر الذي يؤكد عدم تحققها بحال في جماعة الإخوان لعدم تمسكها بالسنة وعدم التزامها الشرع بشهادة علماء الأمة الثقات.. قال أحمد بن حنبل في كتابه إلى مسدد ? كما في (السنة) لعبد الله بن أحمد ?: “(لا عين نظرت إلى ما بعد النبي من أبي بكر الصديق، ولا عين نظرت بعد أبي بكر من عمر، ولا عين نظرت بعد عمر من عثمان، ولا عين نظرت بعد عثمان من علي، هم والله الخلفاء الراشدون المهديون)، وفي رواية له: (قال سعيد بن جهمان: فقلت لسفينة: إن بني مروان يزعمون أنهم خلفاء، قال سفينة: كذبوا).. هذا فيما يخص ثانية مراحل الحكم في الأمة، وقد تمت على النحو الذي أخبر به النبي بأبي هو وأمي.
وجاءت ثالثة هذه المراحل المخبر عنها في الحديث، متمثلة في الملك العضوض، “وهذا بالفعل ما كان في أيام مُلك ابن أمية ? باستثناء حكم عمر بن عبد العزيز، الراشد ? ثم تلاه ملك بني العباس، ولقد كانا ملكاً عاضاً كما سماه الرسول وكما بينه سفينة رضي الله عنه وإن سماه الناس خلافة”، وقد استمر هذا ? على ما ذهب إليه بعض المحققين وعلى ما هو المتضح للمتتبع لتاريخ الخلفاء ? حتى زوال الدولة العثمانية، وأن الدور الرابع (الملك الجبري)، وهو الذي بدأ يأفل بقدر الله ثم بانتفاضات الشعوب فيما يعرف بثورات الربيع العربي ? مع ما بها ? في ظاهرة فريدة من نوعها تساقطت على إثرها جل الجمهوريات الدكتاتورية، وأن الدور الخامس: (خلافة على منهاج النبوة) وهو قادم بإذن الله على الوجه الذي سبق أن بينه رسول الله.. والذي يبدو من خلال تبني جماعة الإخوان لفكرة الخلافة وعودتها: أن هذا الأمر لا يمكن بحال أن يكون فيهم أو يتحقق لهم، لأسباب:
أولها: ما انتاب منهجهم من أعمال تتنافى تماماً مع منهج النبوة، فمن شركيات ظهرت جلية في كتابات وتصريحات قادتهم، وحسبك منها: ما كان يدين به البنا من نزعة صوفية مغالاً فيها، وما كتبه التلمساني في (شهيد المحراب عمر بن الخطاب).. ومن ولاءات كانت على غير منهج الإسلام، وصل بعضها لأن تكون لليهود والشيعة من دون المسلمين.. ومن خلل في توحيد الصفات تمثل في تعطيلها وتأويلها وتحريفها على خلاف ما كان عليه النبي وصحابته وتابعيهم بإحسان.. ومن عمل للوصول إلى غاية الخلافة بمبدأ (الغاية تبرر الوسيلة) الذي تحللت الجماعة من خلاله من كل القيم والمبادئ الإسلامية، وهو ما كانت سيرة الرسول شاهدة على رفضه البتة.. ومن تكفير للمجتمعات المسلمة أوصلهم في أكثر الأحايين لاستحلال دماء جيوشها وشرطتها، وفي بعضها لاستحلال دماء مخالفيهم في الفكر والرأي بعد رميهم بالكفر، على غرار ما جرى في رابعة ومسجد بلال بالمقطم وما كان أمام قصر الاتحادية، وشهدت له وبه ولا زالت محاكم مصر.
ثانيها: يؤكد ما سبق ذكره: ادعاءات فرقة الإخوان ? على ما بها ? بأنها جماعة المسلمين، كذا دون ما تمكين ولا إمام فعلي، فقد جاء في (مجموعة الرسائل) للبنا ص 181: “وإن أبيتم إلا التذبذب والاضطراب، والتردد بين الدعوات الحائرة والمناهج الفاشلة، فإن كتيبة الله ستسير غير عابئة بقلة ولا كثرة، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم”، ويؤكد البنا هذا المفهوم عندما قسم المسلمين في (الرسائل الثلاث) إلى أربعة أقسام: “مؤمن، متردد، نفعي، متحامل”، وانطلاقاً من هذا تكون جماعة الإخوان بزعمهم هي ملتقى المؤمنين وجماعة المسلمين، وفي ذلك يقول سعيد حوى في (دروس في العمل الإسلامي) ص 19: “ولا زالت دعوة الإخوان وحدها، هي الجسم الذي على أساسه يمكن أن يتم التجمع الإسلامي في العالم”، ويقول في (آفاق التعاليم) ص 13: “لئن كان البنا بمجموع ما حباه الله هو المرشح الوحيد؛ لأن يطرح نظريات العمل الإسلامي، فالدعوة التي أقامها تركيب ذو نِسب معينة، فمتى اختلفت هذه النسب حدث الفساد”، ويقول عن جماعته: إنها “الجماعة التي ظهرت بها الآن صيغة الحق الوحيدة المتعارف عليها خلال التاريخ، والمتمثلة بأهل السنة والجماعة”.. وقد أدى كل هذا بالطبع لأن تُصبِغ الجماعة هذا التصور بصبغة الدين وتتعسف في إسقاط الأدلة عليه، فيقرر حوى (في آفاق التعاليم) ص 15 ومعه كتيبة الإخوان، بأنهم المعنيون بقوله “صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: (أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)”، ويردف مؤكداً هذا المعنى فيقول: “إن الأصل الذي لا يجوز أن يغيب عن المسلم، هو أنه لا بد للمسلمين من جماعة وإمام، وأن الواجب الكبير على المسلم، أن يكون ملتزماً بجماعة المسلمين وإمامهم، وهذا هو المفتاح الأول لفهم قضية الإخوان”، وكانت نتيجة ذلك بالضرورة: الوقوع في هوة تكفير الغير وأن الخارج على جماعة المسلمين التي هي جماعة الإخوان، خارج عن الإسلام حلال الدم، لحديث: (من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، يقول حوى في كتابه (من أجل خطوة إلى الأمام) ص40 بعد أن ساق الحديث، ساحباً إياه على من خالف جماعته وإمامها: “وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة، لأن الطاعة لا تجوز إلا لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختياراً”، وقد سبق أن ذكرنا في مقال سابق أن مثل هذه الادعاءات، أكبر دليل على بدعية من يقول بها.
وهنا ثمة أسئلة تطرح نفسها، أهمها: ما مدى صحة هذا الكلام؟، وما يكون حال مجتمعاتنا في هذه الآونة التي ضاعت فيها الخلافة ? إن صح التعبير ? على يد أتاتورك العلماني؟، وماذا عن موقف جماعة الإخوان حيال أولياء الأمور من الحكام المنتخبين أو المتغلبين من عامة المسلمين، وبخاصة من وضعوا في دساتيرهم أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع)؟، وما هو حكم الشرع في كل هذا وعلى ضوء ما تمخضت عنه أفكار جماعة الإخوان التكفيرية؟ وما حكمه في بيعاتهم على مستوى أكثر دول العالم؟، وهل يدخل ذلك فيما ساغ من الاجتماع على الطاعة، ولأجل تحقيق مقاصد الإسلام وواجباته التي لا تتم إلا من خلال العمل الجماعي، وعملاً بقاعدة (أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)؟.. ونوجز الجواب في أمور:
الأول: “أن وضع الإخوان أنفسهم فوق مستوى النقص بوصفهم جماعة المسلمين، ادعاء لا يستقيم أمره لأسباب علمية وأخرى عملية، فأما العلمية فمن أفواههم وأقوالهم السابقة ندينهم، فضلاً عن أن العلماء يستدُّلون على أهل السنة بحبهم أصحاب الحديث، فقالوا: (إذا رأيت الرجل يحب أهل الحديث مثل: يحيى بن قطان وعبد الرحمن بن مهدي وابن حنبل وابن راهويه، فاعلم أنه على السنة، ومن خالف فاعلم أنه مبتدع)، وذلك أن أصحاب الحديث لم ينحرفوا عن البيضاء النقية، وهم الفرقة الناجية والطائفة المنصورة، بينا جماعة الإخوان لا تقيم للسنة وزناً، وتضرب بأقوال علماء المسلمين على مر العصور عرض الحائط، وفي تأكيد ذلك يقول حوى في (المدخل) ص 27: (أما ما ذهب إليه بعضهم من أن الطائفة المنصورة هم أهل الحديث، فليس فيه نص، وإنما هو فهم لبعض المحَدِّثين)” ا.هـ بتصرف من كلام د. سليم الهلالي 159 تحت عنوان: (العقيدة أولاً لو كانوا يعلمون) وينظر باقي كلامه فإنه من الأهمية بمكان، لتعرضه لبعض ما ضلت فيه جماعة الإخوان فيما يتعلق بأمور الاعتقاد ومظاهر الانحراف عن منهج جماعة المسلمين وأهل السنة.
الثاني: أن أمر ضياع الخلافة تحدَّث عنه النبي ولم يتركه للأهواء، وبين واجب المسلم حيال ضياعها، وذلك في حديث حذيفة المتفق عليه، وفيه: (كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر، قال: {نعم}، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: {نعم وفيه دخن}، قلت: وما دخنه، قال: {قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر}، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر، قال: {نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها}، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: {هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا}، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال: {تلزم جماعة المسلمين وإمامهم}، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: {فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك}).. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة 1/ 556 وهو يتحدث عما يقتضيه حديث حذيفة من وجوب طاعة الإمام ذو السلطان الموجود بالفعل والذي له القدرة على عمل مقصود الوِلاية، وإن كان فيه ما فيه: “وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”.
الثالث: أن أواخر ما في الحديث بتعليق ابن تيمية الفائت، لا تجيز بحال أن تَشق فِرقة ? مهما أوتيت من علم أو تقوى ? صف عامة المسلمين وتدعي أنها جماعتهم، أو تجعل من نفسها دولة داخل كل دولة وبخاصة لو كانت هذه الدولة دار إسلام، إذ في ذلك من الفتنة ما الله به عليم، وما يجري في أرض الواقع ? بما في ذلك فترة تولية د. مرسي لكونها قامت على سلسلة من التناقضات والمخالفات الشرعية ? شاهد عيان على صدق الرسول الأعظم وخلل ما تقوم به فرقة الإخوان.
الرابع: تعارض ما تقوم به فرقة الإخوان لما جاء عنه صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: (ستكون خلفاء فيكثرون، قالوا: فما تأمرنا؟، قال: فُوا ببيعة الأول فالأول، وأعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)، وفي شرحه للحديث يقول ابن حجر في الفتح 6/ 574: “قوله: (فوا) فعل أمر بالوفاء، والمعنى: أنه إذا بويع الخليفة بعد خليفة، فبيعة الأول صحيحة يجب الوفاء بها وبيعة الثاني باطلة، قال النووي سواء عقدوا للثاني عالِمين بعقد الأول أم لا، سواء كانوا في بلد واحد أم أكثر، هذا هو الصواب الذي عليه الجمهور.. وقال القرطبي: في هذا الحديث: حُكم بيعة الأول وأنه يجب الوفاء بها، وسكت عن بيعة الثاني وقد نُص عليه في حديث مسلم: (فاضربوا عنق الآخر)”، وفي رواية له من طريق عرفجة: (من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان)، وفي أخرى: (فاقتلوه)، وفي أخرى عن طريق أبي سعيد: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما)، ويقول ابن كثير في تفسيره لآية (إني جاعل في الأرض خليفة.. البقرة/ 30): “فأما نصب إمامين في الأرض أو أكثر، فلا يجوز، لقوله عليه السلام كما في حديث مسلم: (مَن جاءكم وأمركم جميع يريد أن يفرق بينكم، فاقتلوه كائناً من كان)، وهذا قول الجمهور، وقد حكا الإجماع على ذلك غير واحد، منهم إمام الحرمين”إ.هـ.. ونحن بدورنا لو طبقنا هذه الأحاديث وما أجمع عليه علماء الأمة، في ضوء ما خطته جماعة الإخوان لنفسها وللأمة، فليس أمامنا إلا واحدٌ من خيارين:
= أن تفي جماعة الإخوان ببيعة إمامهم المرشد، وتقتل جماهير الشعب المصري مثلاً، وهم فيما يربو عن التسعين مليوناً، لكونه خارجاً عن جماعة المسلمين (الإخوان)، ولبيعته رئيساً آخر غير مرشدهم، على الرغم من كونه منتخباً رئيساً للبلاد وحائزاً على أغلبية شعب مسلم.
= أو تُدق عنق المرشد في ميدان عام، وتًحارِبُ جماهير الشعب جماعته التي تقدّر على أقصى تقدير بنصف مليون، باعتبارهم بغاة يشقون عصا الطاعة ويصنعون من أنفسهم دولة داخل الدولة، وبخاصة إذا بويع له بعد تنصيب رئيس البلاد، وعلى هذا فقس في سائر بلاد المسلمين.. وإنما أحدث هذه الإشكالية الغير عقلانية ولا شرعية: الخلل الفكري في بيعات الإخوان التي لا حكم لها في الإسلام سوى: (البطلان)، إن كانوا يعملون بصحيح هذا الدين.
الخامس: أن ما خلُصنا إليه هنا، يتفق مع ما قرره علماء الأمة، من أن أمر العمل الجماعي وما ينتج عنه من تأمير واحدِ ينظم الأمر ويحسم الخلاف إن وجد، ويكون له حق السمع والطاعة في المعروف، وذلك فيما يعرف بـ (البيعة الخاصة) أو (بيعات العمل)، لا ينبغي أن يتخطى حدود مجالات الدعوة إلى الالتزام والتحاكم بما أنزل الله وإقامة الخلافة ووحدة الصف، وما شابه مما يدخل فيما يجب على المسلم القيام به ويقع تحت بند التعاون على البر والتقوى، فالشرط في ذلك بعد التزامه هو وجماعته أولاً بنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة: ألا يدعي لنفسه الإمامة العظمى، وألا يطغى بدوره ليصل إلى حد الافتئات على اختصاصات الحاكم الفعلي للبلاد صاحب (البيعة العامة) حال تقصيره، تحقيقاً للمصلحة واندفاعاً للمفسدة، وهذا ما كان يرمي إليه كلام ابن تيمية حين ذكر في مجموع الفتاوى 28/ 390 ما نصه: “يجب أن يُعرف أن ولاية أمر الناس من أعظم واجبات الدين, بل لا قيام للدين ولا للدنيا إلا بها, فإن بني آدم لا تتم مصلحتهم إلا بالاجتماع لحاجة بعضهم إلى بعض، ولابد لهم عند الاجتماع من رأس، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)، وقال: (لا يحل لثلاثة يكونون بفلاة من الأرض إلا أمَّروا عليهم أحدهم)، فأوجب عليه السلام تأمير الواحد في الاجتماع القليل العارض في السفر، تنبيها بذلك على سائر أنواع الاجتماع”، فهو هنا يتناول نوعي البيعة، مستدلاً عليهما بالنقل والعقل وقياس الأولى، وفيه ما يُرَد به على من حرم التحزب المنضبط لخدمة الدعوة وقضايا الإسلام كذا على إطلاقه، إذ قد تتوقف عليه تحقيق المصلحة ودفع المفسدة، وقد يمثل أحسن الوجوه في إتمام الأمور.. يقول شيخ الإسلام في مجموع فتاواه 34/ 175 وفيما يمثل قاعدة ذهبية في حسم الأمر: “الأصل في الواجبات ? يعني: من نحو إقامة الحدود وإنفاذ شرع الله وعقد ألوية الجهاد ونحو ذلك من فروض الكفايات المخاطب بها الأمة ? أن تقام على أحسن الوجوه، فمتى أمكن إقامتها من أمير، لم يحتج إلى اثنين، ومتى لم تقم إلا بعدد ومن غير سلطان، أقيمت إذا لم يكن في إقامتها فساد يزيد على إضاعتها، فإنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ? يعني: المتوقف أمره على الاستطاعة وتقدير الأمور وانضباطها ? فإذا كان في ذلك من فساد من ولاة الأمر أو الرعية ما يزيد على إضاعتها، لم يدفع فساد بأفسد منه”إ.هـ.. فأين هذا من الفساد عينه الذي تشيعه الآن فرقة الإخوان ومن على شاكلتها، وما تمخض عنه من تكفير وتقتيل وتذبيح وتحريق وتدمير.
وبناء على ما سبق، فإن ما يقال من شُبهة شغور الزمان وخلوه عن السلطان ذي النجدة والكفاية والدراية الذي يسعى لوحدة الأمة وإعلاء راية الجهاد بضوابطه والتمكين للدين، وأن ذلك موجب لتنصيب جماعة ما أميراً لتحقيق هذه المقاصد: هو أمر مبالغ فيه، ولا يعدو أن تكون وقائعه ? في نحو ما جرى بـ (غزوة مؤتة) قديماً، و(أفغانستان) و(البوسنة) حديثاً ? وقائع عين، ومخالف لواقع عامة المسلمين، ومن ثم فالتوسع في هذا وتحميله لجماعات المسلمين المتناحرة والتي عجزت في الأساس وإلى الآن عن أن تجمع شتات أمرها على كلمة التوحيد والالتزام بنصوص الوحي، تعسف وتلبيس.. كما أن الاتكاء في تمريره على فتاوى أهل العلم قديماً وحديثاً ? على نحو ما جاء في كتاب (تنبيه الغافلين) وغيره ? هو وضع لفتاواهم في غير موضعها، بل هو ضرب من الهذيان، يدل على هذيانه:
ما جاء من صريح ذلك في عدم جواز تعدد البيعات، من نحو فتوى الشيخ صالح الفوزان، يقول في جواب وبيان ذلك: “البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعددة مبتدَعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة، أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعددة” إ.هـ من المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/367 .. كما يدل على هذيانه: حديث حذيفة في سؤاله عن الخير والشر.. ويدل على هذيانه أيضاً: أحاديث السمع والطاعة للإمام المسلم المُمكّن والصبر عليه وما أكثرها، ونذكر منها حديث مسلم: (ألا من وُلِّي عليه وال، فرآه يأتي شيئا من معصية الله، فليكره الذي يأتي من معصية الله، ولا ينزع يداً من طاعة)، وحديثه (اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم)، وحديث الشيخين: (أدوا إليهم الذي لهم، فإن الله سائلهم عن الذي لكم)، وفي رواية: (أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)، وفي أخرى: (أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم) وحقهم: طاعتهم في غير معصية، وما روياه من حديث ابن عباس وفيه: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهليه)، وفي رواية لمسلم عنه: (من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية)، إذ بهذا يُجمع بين النصوص كما يجمع بين أقوال أئمة العلم فلا يتضارب بعضها مع بعض، ثم هو قبلُ وبعدُ: قصور منا نحن الدعاة في الدعوة لصحيح الدين والمعتقد، وفي عموم ما يُرضِي الله عنّا، وفي أثرٍ لقتادة نقله الذهبي في العلو ص 96: (قالت بنو إسرائيل: يا رب أنت في السماء، ونحن في الأرض، فكيف لنا أن نعرف رضاك من غضبك؟!، قال: إذا رضيت عنكم استعملت عليكم خياركم، وإذا غضبت استعملت عليكم شراركم)، وفي الجواب الكافي لابن القيم فيما نقله عن مالك بن دينار قال: قرأت في الحكمة يقول الله عز وجل: (أنا الله مالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فمن أطاعني جعلتهم عليه رحمة، ومن عصاني جعلتهم عليه نقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، ولكن توبوا إليَّ أعطِّفهم عليكم)، وفي مراسيل الحسن: (إذا أراد الله بقوم خيراً جعل أمرهم إلى حلمائهم، وفيئهم عند سمحائهم، وإذا أراد بقوم شراً جعل أمرهم إلى سفهائهم وفيئهم عند بخلائهم)”، ولقد أثبتت الأدلة عدم جواز طلب الإمارة وإلا وُكل إليها ولم يُعن عليها، وأن المسلم مطالب بأن يسعى لأن يُحكم بما أنزل الله لا أن يَحكم هو، كما أثبتت التجارب أنه أجدى من الخروج على السلطان المسلم الذي لا يحكم بما أنزل الله تأولاً أو مكرها أو جاهلاً، وتكفيره: دعوته إلى تطبيق الشرع بكل طريق مشروع، وإعانته على ذلك بشكل أو بآخر، وإحسان الظن به وإخلاص الدعاء له.. وجميع كتب الاعتقاد على إقرار ذلك والتأكيد عليه، ونذكر على سبيل المثال قولة أحمد في أصول السنة ص 64: “والسمع والطاعة: للأئمة وأمير المؤمنين البر والفاجر.. ومن خرج على إمام من أئمة المسلمين، وقد كان الناس اجتمعوا عليه وأقروا له بالخلافة بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين، وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق”، وتعليقاً على قول ابن أبي العز (وأما لزوم طاعتهم وإن جاروا: فلأنه يترتب على الخروج من طاعتهم من المفاسد أضعاف ما يحصل من جورهم، بل في الصبر على جورهم تكفير للسيئات ومضاعفة الأجور، فإن الله ما سلطهم علينا إلا لفساد أعمالنا، فعلينا الاجتهاد في الاستغفار والتوبة وإصلاح العمل)، يقول الألباني: “وفي هذا بيان لطريق الخلاص من ظلم الحكام الذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، وهو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ويصححوا عقيدتهم ويربُّوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح تحقيقاً لقوله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)”.
وجواب من يحتج علينا من (فرقة الإخوان) بما جرى لهم بمصر: أنهم كانوا ولا يزالون يطلبون حقاً ليس لهم، ولا هم له بأهل ? وذلك بدعوتهم للبيعة العامة والإمامة العظمى، وادعائهم أنهم جماعة المسلمين وما يستتبعه من سمع وطاعة عمياء بل وفي المعاصي أحيانا كثيرة، ومن تكفيرهم من ليس منهم ? بل ويحتجُّون في طلبه بما هو دليل عليهم لا لهم، فضلاً عن أن صاحبهم بمصر، قد حنث في قسمه وخان فيما ائتُمن عليه وأفشى أسرار وطنه لأعداء الوطن فأفقد شرعيته بنفسه، وثار عليه شعبه بعد أن منحه ثقته.
السادس: فإذا ما أضفنا إلى ذلك: أن بيعات جماعة الإخوان لم تكن يوماً ما على الإسلام، ولا على صحيح الدين والعمل به، لازددنا يقيناً ببطلان هذه البيعات، ولك كي تتأكد من صدق ذلك، أن تتأمل صيغها التي فيها ? كما في كتاب (قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان وشُعَبِها) ص 7 ? : (أُعاهد الله العلي العظيم، على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين، والجهاد في سبيلها، والقيام بشرائط عضويتها، والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله العظيم على ذلك، وأبايع عليه، والله على ما أقول وكيل)، وقد تختلف الصيغة من بلد لآخر في كلمة أو ما شابه، لكن لا تخرج عن هذا المضمون، على أن ما سبق هو نص بيعة حركة حماس الذي يمثل الجناح العسكري الجهادي لفرقة الإخوان، وبالطبع هو عينه نص بيعة ما خفي من باقي أذرعها العسكرية، وفي كتابه (التنظيم الخاص) ص 138عن توثيقها وأخذها بمأخذ الجد، يقول محمود الصباغ: “إن أي خيانة أو إفشاء سر، بحسن قصد أو سوء قصد، يعرِّض صاحبه للإعدام وإخلاء سبيل الجماعة منه، مهما كانت منزلته، ومهما تحصن بالوسائل واعتصم بالأسباب التي يراها كفيلة له بالحياة”.
فها أنت ترى ما عليه القوم من ضلال، تمثل في صيغ لم تُقل حتى لرسول الله المعصوم، ولم تقم على الولاء على الإسلام ولا الجهاد في سبيله ولا العمل بصحيحه.. كما تمَثل فيما استلزمته البيعة من (سمع وطاعة) غير منضبطين ولا مقيدين بعدم ارتكاب الموبقات التي شملت بالفعل فيما شملت: التقتيل والتدمير والتحريق في مجتمعات المسلمين، وبسببهما فُصل الشيخ محمد الغزالي من مكتب الإرشاد وعضوية الجماعة، كونه سعى في تصحيح مسارهما وقال عنهما في كتابه (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث) بما مفاده: “لا سمع ولا طاعة إلا لله وللرسول ولمن ولاه الله على المسلمين”.. وتمثَّل كذلك في شروط ليست في كتاب ولا في سنة، بل هي كما في الحديث المتفق عليه، في واقعة مشابهة: (ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله, كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل, وإن كان مائة شرط, كتاب الله أحق وشرط الله أوثق).. وأن أقل ما يقال عنها: إنها بدعية، وينسحب على أصحابها ما ذكره ابن القيم في مختصر الصواعق ص 626 ضمن العلامات التي يُميَّز بها أهل السنة عن أهل البدع، من “أن أهل السنة إنما يوالون ويعادون على سنة نبيهم وأهل البدعة يوالون ويعادون على أقوال ابتدعوها.. ومنها: أن أهل السنة لم يؤصلوا أصولاً حكموها وحاكموا خصومهم إليها وحكموا على من خالفها بالفسق والتكفير، بل عندهم الأصول: كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة”.. ومن قبلُ، شيخه ابن تيمية الذي طالما ردد في غير ما موضع، من أنه “لا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله، ولا لقول إلا لكتاب الله، ومن نصَّب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل، فهو (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً)، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل اتِّباع الأئمة والمشايخ، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم”إ.هـ من مجموع الفتاوى 20/ 8، 9.. ومرة أخرى لنا في ذلك مقال يحدد ملامح البدعة، ويثبت ابتداع جماعة الإخوان فليراجع.
السابع: وأضفنا إليه أن الخلافة وبيعتها، الأصل فيهما ألا يكونا إلا في قريش، ازداد يقيننا أكثر ببطلان بيعات فرقة الإخوان، ذلك أن الأدلة واضحة في خلافة قريش وألا ينازعها في هذا الأمر أحد كائناً من كان، وأئمة العلم على ذلك، ففيما رواه أحمد وصححه الألباني يقول عليه السلام: (الأئمة من قريش)، وعليه يعلق الماوردي في الأحكام السلطانية ص 3 وما بعدها بقوله: وبه “احتج ? أبو بكر الصديق ? يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة، لما بايعوا سعد بن عبادة، فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا: (منا أمير ومنكم أمير)، تسليماً لروايته وتصديقاً لخبره.. ويقول صلوات ربي وسلامه عليه ? فيما صححه الألباني ? (قدِّموا قريشاً ولا تَقََدَّموها)، وليس مع النص المسلم به شبهةٌ لمنازع فيه، ولا قولٌ مخالفٌ له”إ.هـ.. ويقول الإمام أحمد في كتاب السنة: “والخلافة في قريش ما بقي اثنان، ليس لأحد أن ينازعهم فيها، ولا يَخرج عليهم، ولا نُقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة”، ويصدقه ما رواه البخاري: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)، (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد، إلا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين)، وما رواه مسلم: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)، يعني: في الإسلام والجاهلية، كما في رواية: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم)، وقد علق النووي في شرح مسلم بعد ذكره جملة من الأحاديث في ذلك، فقال ? وبنحوه ابن حجر في باب (الأمراء في قريش) 13/ 126 وما بعدها ?: “هذه الأحاديث وأشباهها، دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلافٍ من غيرهم فهو محجوج عليه بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي عياض: (اشتراط كونه قرشياً: هو مذهب العلماء كافة)، قال: (وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها قول يخالف ما ذكرنا، وكذلك مَن بعدهم في جميع الأمصار)، قال: (ولا اعتداد بقول النَّظام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش)”، ويردف النووي ت 676 قائلاً: “وبيّن النبي أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا، ما بقي في الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم فمن زمنه إلى الآن: الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها، وتبقى كذلك ما بقي اثنان كما قاله”إ.هـ.. ولئن أساغ البعض لنفسه إهمال هذه النصوص لهوى في نفسه، فإنه أولى للمتجرد أن يُعملها، وبخاصة أن معه إلى جانب هذه النصوص: اتفاق الصحابة وإجماع الأمة.. وما علينا هنا درءً للفتنة، إلا اتِّباع هؤلاء العلماء العاملين من ورثة الأنبياء، دون اتِّباع ذوي الرأي والهوى واستجلاب البلاء، فكلهم كما قال عنهم رسول الهدى: رويبضة، جنبنا الله مكرهم وشرهم.. يرجى النشر لتعميم الفائدة وتبرئة الذمم، والله من وراء القصد وهو الموفق والهادي إلى سواء السبيل…
مصطلحات: (جماعة المسلمين ? الدولة الإسلامية ? الخلافة).. حقائق وشبهات وردود.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فقد سبق أن كشفنا ? في مقالي (إمامة المتغلب) و(بطلان بيعات جماعة الإخوان) ? عن شبهتين عظيمتين من شبهات إبليس لجماعة الإخوان، وفنَّدنا كذبتين كبيرتين من كذباتهم، أولاهما: كذبهم الذي أطبق الخافقين بأن ما جرى في مصر من عزل شعبها مندوبهم د. مرسي كان انقلاباً عسكرياً، ولم يكن نتيجة حنث من د. مرسي في يمين الولاء لوطنه وشعبه، ولا خيانة منه لهما.. ولا كان بسبب فشله الذريع في إدارة البلاد وإخفاق برنامج المائة يوم وتفاقم الأزمات الحياتية.. ولا كان نتيجة إحكام قبضة جماعته على مفاصل الدولة بالمخالفة للدستور الذي كفل للشعب حق تداول السلطة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز.. ولا نتيجة سعيٍ حثيث من قِبَله لتفكيك الجيش المصري وتسريب أسرارٍ له “تتسم بدرجة من السرية العالية، وتتضمن تقارير فائقة الأهمية عن القوات المسلحة وأعدادها وتسليحها وأماكن تمركزها وخططها لحماية أمن البلاد، وهي الوثائق التي كان يفترض برئيس الجمهورية أن يكون هو المطلع الوحيد على محتوياتها داخل مؤسسة الرئاسة، وذلك نظير مبلغ مليون دولار” حسب ما جاء في قرار النيابة في قضية التخابر مع دويلة قطر العميلة التي سعى وجماعته لتأجيرها قناة السويس مقابل 100 مليار دولار والانتفاع بها لمدة 99 عاماً.. ولا كان إزاء وعد بإعطاء حلايب وشلاتين للسودان و 1600 كم من سيناء لصالح إسرائيل وتعهده شخصياً بالحفاظ على أمنها، وذلك قول (بيني جانتز) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي: “إن التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل أصبح أفضل بكثير في عهد جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما شكل مفاجأة لم يتوقعها أحد، والرئيس مرسي فاجأني بموقفه الإيجابي من إسرائيل”.. ولا كان بسبب ارتكابه أعمال تُعرّض الأمن الوطني المصري لأخطار ما وقعت فيه دول الجوار وتعرضه هو شخصياً لتهمة الخيانة العظمى وتؤكد أنه ناقض لما أقسم عليه وناكث للعقد الذي أبرمه مع شعبه باحترام الدستور والقانون والحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه.. ولا كان نتيجة اعترافات من قِبل جماعته تؤكد أنه ما كان للحكم بأهل، حتى يُنهى عن منازعته أو يُجعل الثائرين عليه في حكم الخوارج، ويكفي ما صرح به وزير العدل الإخواني أحمد مكي في قوله: “لا أتمنى عودة جماعة الإخوان للحكم مرة أخرى لأنهم ليسوا على دراية بشئون الحكم.. وإحنا حجة للكفرة لأننا فاشلون”.. ولا كان لأجل مواد دستورية وضعها، تُحصِّنُ قراراته وتجعله فوق الدولة والدستور والقانون.. ولا كان جراء عدم إنفاذ وعدٍ منه بنزوله على رأي الشعب في حال مطالبته بعزله، وقد خرج بالملايين في تظاهرات شعبية رآها العالم كله بميدان التحرير، تستغيث من بطش الإخوان وتطالبه بذلك.. ولا نتيجة حشود كانت تخرج بالملايين لذات الغرض في جل ميادين مصر، ومثلها كانت متحمسة لفكرة تمرد لإجباره ? بعيداً عن إراقة الدماء ? على التخلي عن منصبه، بعد أن جمعت لذلك ما يقدر بـ 22 مليون عريضة، ولو أنه فعل لدرء فتناً عظيمة ولحقن دماء غزيرة ولنا في (عثمان بن عفان) و(الحسن بن علي) المثل.. ولا كان عقب إعطاء مهلة يومين وقبلها أسبوع من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة ? باعتبارها المؤسسة العسكرية المنوط بها الحفاظ على أمن البلاد ? تطالبه بالتوافق مع جميع القوى السياسية لحل الأزمة وتلبية نداءات الشعب ولكن دون جدوى.. ولا كان بسبب رفضه المطلق بعمل انتخابات مبكرة يكون هو طرفاً فيها لمعرفة ما إذا كان غالبية الشعب ترغب ? بعد كل ما ذكرنا ? في عودته أم لا؟.. وأنه قد تبع كل ذلك تولي أعلى جهة قضائية وهو رئيس المحكمة الدستورية لمدة عام، ووضع دستور جديد، ثم إجراء انتخابات حرة نزيهة حصل الرئيس الحالي (عبد الفتاح السيسي) بموجبها على 104 , 780 , 23 صوت بشهادة عشرات المنظمات الأجنبية والحقوقية ورغم الحملات المضادة ودعوات المقاطعة من قِبَل الإخوان وأشياعهم، في نسبة مشاركة تقدر بـ 47 %، فيما حصل د. مرسي في انتخابات (الإعادة) في 2012 على 131 , 230 , 13 صوت، في نسبة مشاركة تقدر بأقل من 52 % منها نسبة لا يستهان بها لم تصوت قناعة به ولكن رفضاً لمنافسه (أحمد شفيق) الذي لا يزال حتى الآن يشكك في نزاهة هذه الانتخابات.. الأمر الذي يكذب بشدة ما روجته جماعة الإخوان ولا زالت من أن ما جرى كان انقلاباً، وبخاصة مع اعتراف شعوب ورؤساء العالم و(حكماء أفريقيا) على جهة الخصوص بأنه بالفعل لم يكن انقلاباً، وأن ما تروجه قنوات وعلماء الفتنة وأبواق ما أطلقوا عليه (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) ومن تأثر بهم ممن لا زالوا مغيبين عن الواقع وعن صحيح المعتقد، كذب وافتراء.. وأنه على افتراض كان انقلاباً؛ فعقيدة المسلمين وإجماع أهل السنة والجماعة على شرعية ومشروعية إمامة المتغلب صاحب الشوكة والسلطان كما نص على ذلك شيخ الإسلام وسائر أئمة الهدى على مدار القرون المتطاولة، ومن ثم فالطعن في كلامهم ومعتقدهم: طعن في (إجماع الأمة) أحد مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن والسنة.
ثانيهما: ادعاؤهم بأنهم المعنيون بما وعد به الله ورسوله من تمكين، والحق أنهم ما كانوا لذلك بأهل: كون الوعد حاصل لأهل السنة وعلى منهاج النبوة، وبينهم وبينهما ? بشهادة أهل العلم الثقات من المعاصرين ? بُعد المشرقين.. وكونهم الحريصين على الإمارة المستميتين في طلبها المتشبثين بتلابيبها وهم من نهينا شرعاً عن توليتهم، للحديث المتفق عليه: (إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرِص عليه)، وكونهم من تحدث عنهم النبي بقوله: (من حمل السلاح فليس منا) وأنهم من (يقتلون أهل الإيمان ويدَعون أهل الأوثان) ومن ثم فهم ممن عناهم النبي بقوله: (الخوارج كلاب أهل النار).. الأمر الذي يجعلنا ? وبكل أسف ? نؤكد على أنه إن كان من أناس لهم حظ وافر من حديث: (سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين)، فهم جماعة الإخوان ومن شايعهم، فكم من صادق في حديثه وحبه لدينه ووطنه وشعبه كذبوه وهم مَن عُرف عنهم الكذب حتى أصبح صناعتهم، وكم من رجل شهد العالم كله بأمانته وحسن أخلاقه كان من وجهة نظرهم خائن عميل، وهم في واقع الأمر الخائنون والمفشون لأسرار أوطانهم وغير المؤتمنين على مقدرات شعوبهم بل والمدمرون لها، والشواهد الكثيرة على ذلك كالشمس لا تحتاج إلى دليل، وحسبك أن تنظر إلى لدادة خصومتهم لمن يناصبونه وقنواتهم العداء بغير حق، وحالهم مع رئيس مصر الحالي وتضييقهم الخناق على شعبها بافتعال الأزمات، مجرد نموذج لذلك.
وقد كان من نتيجة هاتين الشبهتين العظيمتين اللتين انطلتا ولا زالت على كثير من الشباب المغرر به وأنصاف المتدينين: إعلانُ الحرب على أنظمة الحكم المسلمة، والكيد والتهديد لمن يكشف أكاذيبهم وشبهاتهم، وسفكُ الدماء وإعمَالُ القتلِ في جنود موحدين كنا ندخرهم لمواجهة أعداء الإسلام بالخارج من شيعة ويهود أعلن الإخوان ولاءهم المطلق لهم، وتخريبٌ طال كل شيء وقضي على الأخضر واليابس في كثير من بلدان المسلمين إنفاذاً لخطط أعداء الإسلام عن طريق الحرب بالوكالة، وتضيقٌ على الدعوة في أنحاء المعمورة، وتجريفٌ للأزهر الشريف قلعة العلم والدين الوسطي وتجفيفٌ لمنابعه جراء مشاركة فعَّاله من بعض مشايخه وطلابه في تدميرٍ طال جامعة الأزهر ذاتها، وسلسلة اغتيالات كان منها وليس آخرها اغتيال النائب العام المصري (هشام بركات) بإشارة من مرسي وبتدريب من حماس وبتكليف من المتحدث الرسمي لوزير الصحة أيام مرسي الطبيب (يحيى السيد إبراهيم موسى) وباعتراف من (حدثاء أسنان) ممن ربوهم من أبناء الأزهر.. كما كان من نتيجتهما: تعطيل النصوص الحاثة على عدم السعي لطلب الإمارة، والطعن في إجماع ومعتقد أهل السنة في إمامة المتغلب، وإنكار الأحاديث الواردة بشأن الخلافة وأنها في قريش وبحق مهدي أهل السنة، وأنها تكون على منهاج النبوة ولمن كانوا من أهل السنة والجماعة لا من أهل البدعة والضلالة.
وثمة شبهة ثالثة من هذه الشبهات الإبليسية التي سيطرت على فكر ومنهج جماعة الإخوان، أمرنا في ردها بمجاهدة الشيطان أولاً قبل مجاهدة أعداء الإسلام كما ذكر ابن القيم في (زاد المعاد) عن أنواع ومراتب الجهاد.. ألا وهي: “اعتقادهم بأنهم (جماعة المسلمين) المفضي إلى تكفير من سواهم”، فنقول وبالله التوفيق: إن من أهم ما شجع جماعة الإخوان على إشاعة الشبهات وترويج الأكاذيب باسم مصلحة الدعوة:
اعتبار أنفسهم (جماعة المسلمين) الذين يجب السمع لهم والطاعة، مهما ارتكبوا من خطايا وروجوا من أكاذيب وأعلنوا عن معتقدهم الخارجي التكفيري.. ولكم حثت نصوص الوحي على التمسك بـ (جماعة المسلمين وإمامهم) المحقَين، ونهت عن مفارقتهما أو التحزب ضدهما أو الخروج عليهما وذلك بالنهي عن منازعة الأمر أهله وبالإذعان لما جاء في قوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)، وقوله: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، ولما جاء في الصحيحين من حديث حذيفة الذي يقول فيه ? رضي الله عنه ?: “كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنّا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟، فقلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟، قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟، قال: (قوم يهتدون بغير هديي يُعرف منهم ويُنكر)، قلت: (وهل بعد هذا الخير من شر؟، قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليه قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركتُ ذلك؟، قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم)، قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟، قال: (فاعتزل تلك الفرق ولو أن تعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)”.. فهذا الحديث ونظيره ما رواه الحاكم والذهبي عنه وصححاه: (قلت: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره أجَرَه وحطّ وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي قيام الساعة)، ورواية مسلم في جوابه عليه السلام عن شر ما سأل عنه حذيفة: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جُثمان إنس قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركتُ ذلك، قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار التي حثت المسلمين على التزام الجماعة وما أكثرها، أقول: إن هذه الأحاديث والآثار هو ما قصد إليه شيخ الإسلام بقوله في (منهاج السنة) 1/ 556: “وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جُثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”، وما عناه الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار (كتاب الحدود باب الصبر على جور الأئمة) بقوله: “قوله: (في جُثمان إنس) أي: لهم قلوب كقلوب الشياطين، وأجسام كأجسام الإنس، قوله: (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن فعلوا في العسْف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، وقوله: (وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلُها)”.. فكلامُهما: صريح فيما يقتضيه وجوب طاعة الإمام المسلم ذي السلطان الموجود بالفعل والذي له القدرة على تحقيق مقصود الوِلاية وحفظ بيضة المسلمين وأوطانهم وثغورهم ومقدراتهم، وإن كان فيه ما فيه وبغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.. والأحاديث التي استشهدا بها: ناطقة ببطلان البيعات العامة من غير ذوي الشوكة والسلطان، وقاضية باعتزال فرق الضلالة لاسيما المكفرة منها والتي أخبر النبي عنها بأنها ممتدة (كلما خَرج قرن قُطع)، ويأتي على رأسها بالطبع في زماننا (داعش) و(جماعة الإخوان) وذراعها العسكري (حماس) وكتائبها ولجانها النوعية وما شابه، وهذا أهم ما يجب أن ينصبّ حوله كلام أهل العلم المخلصين ? بل ومما يتعين على من رزق الشهرة والأتباع من نحو محمد حسان ويعقوب والحويني ونظرائهم في بلدان العالم الإسلامي والعربي باعتبارهم منارات الهدى ومَن فُرض عليهم: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) ? كونه يتناول حال المسلمين في زماننا ويحل من ثم إشكالياتهم ويزيل ما بهم من فتن وشُبَه ومؤامرات تكاد تعصف بالجميع وتقضي على الأخضر واليابس فيما تبقى من عالمَيْنا العربي والإسلامي.. ذلك أن مصطلح (جماعة المسلمين) يتنازعه في واقعنا المعاصر طائفتان:
إحداهما محقة وينطبق عليها المفهوم الشرعي لمصطلح (جماعة المسلمين): وهي التي أمر النبي باللحاق بها “وحاصلها: أنهم الذين اجتمعوا على أمير على مقتضى الشرع؛ فيجب لزوم هذه الجماعة ويحرم الخروج عليها وعلى أميرها.. أو من كانوا على مذهب أهل السنة من الاتِّباع وترك الابتداع، وهو مذهب الحق الواجب اتباعه والسير على منهاجه، وهذا معنى تفسير الجماعة: بالصحابة، أو أهل العلم والحديث، أو الإجماع، أو السواد الأعظم، فهي كلها ترجع إلى معنى واحد: ما كان عليه رسول الله وأصحابه، فيجب الاتباع حينئذ ولو كان المتمسك بهذا قليلاً”، هذا ما خلص إليه د. عبد الرحمن بن صالح المحمود في كتابه (موقف ابن تيمية من الأشاعرة) ص 31، وهو أطروحة لرسالة دكتوراه حصل عليها من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود، ويدخل في تفسير المعني الثاني ? إضافة لما سبق ? مسمى (العامة)، أي: (عامة أهل العلم وجمهور الأمة ومعظمها) ممن هم على فطرة الإسلام وقد عناهم أبو المعالي ابن الإمام الجويني بقوله حين ندم على ما كان منه من تأويل: (اشهدوا أني رجعتُ عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف، وأني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور) وهم من يطلق عليهم في زماننا (حزب الكنبة).. على أن حصْر الجماعة شرعاً في هذين المعنيين اللذين أشار إليهما د.المحمود، ذهب إليه أيضاً د. صلاح الصاوي في كتابه (جماعة المسلمين) ص 21.. وقد سبقهما إلى هذا الحصر القاضي أبو بكر بن العربي، حيث قال في: (عارضة الأحوزي شرح جامع الترمذي) 9/ 10: “قوله: (عليكم بالجماعة) يحتمل معنيين، الأول يعني: أن الأمة إذا أجمعت على قول فلا يجوز لمن بعدهم أن يُحدث قولاً آخر، الثاني: إذا اجتمعوا على إمام فلا تحل منازعته ولا خلعه”.
والمقصود: أن تلك الجماعة هي الموعودة بالنصر والتمكين، وتسميتها بالطائفة المنصورة مأخوذ من أحاديث عدة، منها: ما أخرجه مسلم من حديث: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)، وما أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن حبان من رواية: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)، وبيانه في رواية لمسلم: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً .. كلهم من قريش) و”لا يشترط أن يكونوا متتابعين.. وقد وجد منهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.. ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله وكنيته كنيته” إ.هـ بتصرف من تفسير ابن كثير لآية النور 55.. وتسميتها بالفرقة الناجية، مأخوذ من وصف النبي لها بهذا، وذلك فيما أخرجه الترمذي في السنن من قوله صلى الله عليه وسلم عنها: (ما أنا عليه وأصحابي).
ثانيهما مُبطِلة ومُدّعاة ولا ينسحب عليها المدلول الشرعي لمصطلح جماعة المسلمين وإن ادعت لنفسها ذلك: وتلك يمثلها تحديداً في زماننا جماعة (الإخوان المسلمين) ومن سلك طريقها وسار على نهجها في التكفير ورفع السلاح على المسلمين ممن عُرفوا بجماعات العنف أو الإسلام السياسي.. ففي ادعائها ذلك لنفسها يقرر سعيد حوى (في آفاق التعاليم) ص 15 ومعه كتيبة الإخوان، بأنهم المعنيون بقوله “صلى الله عليه وسلم: في الحديث المتفق عليه: (أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)”، وقد أردف حوى مؤكداً هذا المعنى قائلاً: “إن الأصل الذي لا يجوز أن يغيب عن المسلم، هو أنه لا بد للمسلمين من جماعة وإمام، وأن الواجب الكبير على المسلم، أن يكون ملتزماً بـ (جماعة المسلمين وإمامهم)، وهذا هو المفتاح الأول لفهم قضية الإخوان”، وقال في كتابه (المدخل) ص 16: “إننا في هذا المدخل استقرأنا النصوص لنصل إلى مواصفات (جماعة المسلمين) وبرهنا على أنها موجودة في دعوة الأستاذ البنا”، وص 294: “إن الجماعة بعد سيرها الطويل وتحملها الكثير، أصبحت تاريخياً هي وحدها صاحبة الحق في الإمامة، قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)”.. وكانت نتيجة ذلك بالضرورة: وجود إمام غير ممكن يدَّعي لنفسه حق السمع والطاعة على جماعة غير ممكنة، مفتئتاً ومغتصباً هذا الحق من جماعة المسلمين المحقة وإمامها، ومنازعاً الأمر أهله في جميع بلدان المسلمين، ومعطياً لنفسه حق إعلان الجهاد تحت رايته العُميَّة ضد أنظمة تلك البلدان التي نازعها الأمر، ومعطياً لنفسه الحق كذلك في الطاعة العمياء له ولمن أنابه عنه من مراقبين على مستوى دول العالم، ولو في التحريق والتخريب والتدمير والتقتيل والإفساد إلى غير ذلك من المعاصي التي يستلزمها ذلك التنازع بطبيعة الحال، واستحقاق الولاء والبراء على الجماعة ومنهجها وجعلهما المعيار في معرفة الحق والباطل والوقوع من ثم في هوة تكفير الغير وأن الخارج على جماعة المسلمين التي هي جماعة الإخوان، خارج عن الإسلام حلال الدم، لحديث: (من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، الأمر الذي يدني من تصنيفها في منظور الشرع الحنيف ليجعلها ? شاءت أم أبت ? ضمن الفرق النارية وفي عداد فرق البدع والضلال وتحديداً (الخوارج)، كونهم يستحلون الدماء الموحدة و(يقتلون أهل الإيمان ويدَعون أهل الأوثان) مع صريح قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها) إلى قوله: (وأعد له عذاباً عظيماً.. النساء/ 93)، وقوله عليه السلام كما في صحيح الترمذي للألباني: (لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)، وقوله كما في السلسلة الصحيحة (2697): (يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبِّباً قاتله بيده الأخرى، تشجب أوداجه دماً حتى يأتي العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني!، فيقول الله للقاتل: تعسْت، ويُذهب به إلى النار)، ويستحقون من ثم أن يكونوا من (الخوارج كلاب أهل النار) الذين أخبر عنهم الصادق والمصدوق صلى الله عليه وسلم.. وكونهم المعنيين بقوله عليه السلام كما في صحيح مسلم باب (وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند الفتن): (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ? أي: المحقة والتي إمامها: الممكن صاحب الشوكة والسلطان ? فمات، مات ميتة جاهليه، ومن قاتل تحت راية عُميَّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل، فقِتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يَتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه)، والمقصود بالعُمَيّة كما أفاده النووي: “الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور، أو التقاتل للعصبية كما قاله إسحاق بن راهويه” ويدخل فيما قاله بالطبع: العصبية للجماعة التي والاها على غير الحق.. وفي تأكيد هذا الواقع المؤلم الذي يمثله بحق جماعة الإخوان، يقول حوى في كتابه (من أجل خطوة إلى الأمام) ص40 بعد أن ساق الحديث السالف الذكر، ساحباً إياه على من خالف جماعته وإمامها: “وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة، لأن الطاعة لا تجوز إلا لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختياراً”.
وقد سبق أن ذكرنا في مقال سابق أن مثل هذه الادعاءات، أكبر دليل على بدعية من يقول بها، وذكرنا كذلك مقولة فضيلة الشيخ محمد الغزالي إثر تمرده على جماعة الإخوان وانشقاقه عنها بسبب هذا الخبل، حيث قال في كتابه (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث): “إن الذين يحسبون أنفسهم (جماعة المسلمين)، يرون مخالفة قائدهم ضرباً من مخالفة الله ورسوله، وطريقاً ممهدة إلى النار وبئس القرار”، واستطرد ? رحمه الله ? يقول: “إلا أنني عزَّ عليَّ أن يلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، وأن تتجدد سياسة (الخوارج) مرة أخرى، فيُلعَنُ أهل الإيمان ويُترَكُ أهل الطغيان، وبمَ؟، باسم: أن القائد وبطانته ? وهو يعني هنا: جماعة الإخوان ومرشدها ? هم وحدهم أولو الأمر، وأن لهم حق السمع والطاعة، وأن الخارج عليهم يصدق فيه قول رسول الله: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس بفارق الجماعة شبراً فيموت، إلا مات ميتة جاهلية)، وقوله: (من خلع يداً من طاعة، لقي الله لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، وهذه الأحاديث وأمثالها وردت في منع الفتوق الجسيمة التي يحدثها الشاغبون على الدولة، الخارجون على الحكام”، يقول: “بيدَ أن تعليم هذا الجنون، كان أسلوبَ تربيةٍ وتجميعٍ عند بعض الناس، أن يقال: إن الولاء للقيادة يُكفِّر السيئات وأن الخروج على الجماعة يَمحق الفضائل، أي إسلام هذا؟!، ومَن مِن علماء الأولين والآخرين أفتى بهذا اللغو؟، وكيف تلبسون الدِّين هذا الزي المنكر؟!، وهيهات! فقد تغلغل هذا الضلال في نفوس الناشئة حتى سأل بعضهم: هل يَظن المسلم نفسه مسلماً بعدما خرج من صفوف الجماعة؟، ولنفرض أن رئيس الجماعة هو أمير المؤمنين وأن له حقوق الخليفة الأعظم، فهل هذا يؤتيه على أتباعه حق الطاعة العمياء؟!، لقد كان الراسخون في العلم يَدْعون إلى الله ويتجردون للدعوة، فكان الناس يرون طاعتهم من طاعة الله لأنهم تلقوا دروس معرفته عنهم، ثم جاء الراسخون في الجهل يطلبون حقوق القيادة، ويتحدثون عن قانون السمع والطاعة، ولست أعنِّف دعِيّا من هؤلاء على مزاعمه ومطالبه، فالأمر كما قيل: (بعض الناس طغاة لأننا نركع لهم)”.. “هذا كلام رجل كان منهم في الصفوف الأولى ثم تبرأ من أفعالهم براءة المسلم من أفعال الكفار” إ.هـ من تعليق مجلة الأزهر ص 644 من عددها الصادر في ربيع الأول/ 1436 الموافق يناير/ 2015.. وكل هذا يكشف مدى الخلل الذي لازم فكر جماعة الإخوان طيلة أكثر من ثمانية عقود، ويؤكد على عدة أمور:
أولها: أنه لا يجوز لأحد من جماعة الإخوان بعد ما سبق، أن يحتج علينا بما وقع لصاحبهم بمصر وقد مكن الله له ولجماعته، فقد انكشف وتأكد أن هذا التمكين إنما تولد من منطلق فكري خاطئ وهو الظن بأنهم (جماعة المسلمين)، وهذا ? على ما اتضح ? فكر خارجي تكفيري يحول ? أيضاً ومن غير ما سبق ذكره ? دون إتمام الأمر له ولجماعته وذلك أبد الدهر وفي سائر بلدان المسلمين، وينسحب ذلك بالطبع على كل من كان محسوباً على المسلمين وناصبهم العداء وحمل عليهم السلاح وادعى أنه مع ذلك (خليفة المسلمين) أو من يمثل (جماعة المسلمين) كـ (داعش) وغيرها.. ومعلوم بالضرورة أن جماعة الإخوان هم من خرجوا بالسيف والسلاح على الرئيس الأسبق (مبارك) وهم من حرّقوا أقسام الشرطة وأعملوا القتل بمن فيها، وعليه فادعاءات الإخوان أنهم أهل التمكين ومن يمثلون (جماعة المسلمين) ادعاء باطل، إذ كيف يتسنى لهم أن يحكموا (جماعة غير المسلمين) من وجهة نظرهم؟! وكيف يتسنى لغير المسلمين من غير جماعتهم أن يولّوهم حكمَهم ويرتضوا بهم؟!، تناقض عجيب نتج عنه تقسيم جماعة الإخوان المصريين وغيرهم في سائر بلاد المسلمين إلى: مسالمين وهم أفراد الجماعة، ومحاربين وهم عامة الشعب.. وأسفر عنه في ذات الوقت دعوة أصحاب الفطر السليمة لأن يتنادوا وينادوا بفك هذا اللغز، ليس بإسقاط من انتدبته الجماعة لمهام الرئاسة وإنما بإسقاط المنهج متمثلاً في المطالبة بإسقاط المرشد وجماعته، لوضوح أنهم من كانوا يحكمونهم بالفعل وأنهم لا يوالونهم ولا يحبون لهم الخير في حقيقة الأمر، بل ومن يسعون بكل سبيل لإيقاف عجلة حياتهم والإيقاع وإلحاق الضرر بهم وجلب الأذى لهم طالما أن غيرهم هو من يحكم، فهم كما قيل: (إما أن يحكموننا وإما أن يقتلوننا)، وادعاءاتهم في الماضي بجلب الخير ورفعهم شعار (النهضة) و(الإسلام هو الحل) إنما كانت مجرد أكاذيب ولا تعدو أن تكون للضحك على الناس والمتاجرة بشريعة الله، وآية ذلك عدم تطبيق أحكامها إبان حكمهم بل وخروج مليونية في 9/ 11/ 2012 تطالبهم بتطبيقها.
فهذا، بالإضافة لما اعتادته جماعة الإخوان من كذب وتضليل ? تكشَّف للعالم كله فيما بعد ? لإظهار أن ما جرى بمصر كان انقلاباً عسكرياً، ولم يكن احتجاجاً شعبياً لم يجد الجيش بداً عن مساندته وإلا وقعت المقتلة التي توعدوا بها شعب مصر في مجلس الحرب الذي عقدته جماعة الإخوان في رابعة بمباركة مشايخهم مشايخ الخوارج وأئمة الضلال.. وبالإضافة لما واكب ذلك قبلُ: من إعطاء فرصة أسبوع ثم 48 ساعة لتقييم الأمر وفرصة أخرى تعطى لمرسي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وفرصة ثالثة للتصالح كل ذلك دون جدوى، وبعدُ: من إعداد الإخوان عدتهم لإعلان الحرب على الدولة إبان اعتصامي رابعة والنهضة ووضع المتاريس واستخدام السلاح مع علمهم بقول نبي الرحمة: (من حمل علينا السلاح فليس منا).. كل هذا خروج على ما أقرته شريعة الإسلام ومعتقد أهل السنة والجماعة، ويوجب عليهم الكف عما هم فيه من سفه وضلال ومطالبة بعودة نظامهم القديم، بل ويفرض عليهم النزول على ما أجمع عليه سلف الأمة من مشروعية وشرعية إمامة التغلب على افتراض صحة ادعاءاتهم بذلك، ولاسيما مع حصول هذا المتغلب على رضا الأغلبية، وذلك لوضع حد لما عليه حال المسلمين الآن ودرءً للفتنة.
ثانيها: افتراء ما أجمع عليه من أسموا أنفسهم بـ (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي يرأسه الشيخ القرضاوي، من بيانات حُشيت من أولها إلى آخرها بالأكاذيب والأضاليل، وانخرامه لما هو معلوم بالضرورة من أن أمة الرسول لا تجتمع على ضلالة، وذلك قوله عليه السلام: كما في صحيح الجامع 1848: (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة)، وفي رواية الحاكم وصححها الألباني في نهاية السول برقم 70 وصحيح الترمذي (2167): (لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة أبداً)، وهي في رواية لابن ماجة بزيادة: (فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)، وفي غيرها للترمذي: (ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار)، وفي أخرى لأبي داود: (وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق)، وفي مسند أحمد: (وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمتي إلا على هدى)، وفي أخرى: (ولا تستباح بيضة المسلمين)، وهي وإن كان في بعضها ضعف إلا أن معناها صحيح، قال الغزالي في المستصفى1/ 111: “تضافرت الرواية عن رسول الله مع اتفاق المعنى في عصمة هذه الأمة من الخطأ”.
ثالثها: أن ما جاء في بعض بيانات من ذكرنا من (الاتحاد العالمي)، قد اتضح الآن أنه حجة عليهم لا لهم، وبخاصة بعد معرفة منهج سلف الأمة في عدم صحة ادعاءاتهم بأنهم جماعة المسلمين، وبعد معرفتهم منهج السلف أيضاً بشأن إمامة المتغلب ? على التنزل ? ووقوفهم على إجماع أئمة المسلمين ومعتقدهم على شرعيته ومشروعيته على ما بيناه في مقال (التجرد)، ولنا أن نردد نفس ما جاء في بياناتهم ونقول استنادا على أدلة الكتاب والسنة والإجماع: “ندعو جميع المصريين ? بمن فيهم الجيش العظيم ? إلى الاعتراف بشرعية من أجمع أهل السنة طوال القرون الماضية على شرعيته من الأئمة المتغلبين وعدم تكفيرهم، والحفاظ على درء الفتنة، ونطالب المصريين جميعاً بالحفاظ على أمن مصر والمواطن، ونندد بالعنف والقتل والاعتداء، ونتابع عن كثب وبقلق بالغ تطورات الأحداث في مصر وما يتزامن معها من زيادة التوتر والاحتكاك بين الخارجين من جماعة الإخوان وبين رجال الأمن، حيث سقط قتلى وجرحى كلهم من أبناء الشعب المصري العزيز.. أو تخريب منشآت هي من مرافقه ومنجزاته.. أو التعدي على حرمات الناس والتعرض لحياتهم وحقوقهم المكفولة بالشرع والقانون.. وأمام هذا الوضع الخطر: فإننا نحن ? جميع العلماء المخلصين العاملين ? نؤكد على حرمة الخروج والانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب (عبد الفتاح السيسي) وعدم تكفيره كما يفعل وجدي غنيم وعبد المقصود الآن ومن على شاكلتهما من أئمة الخوارج، وبطلان الفتاوى والمؤامرات التي يحيكها (التنظيم الدولي لجماعة الإخوان) لعزله، لأنها بُُنيت على باطل وتناقض الأدلة الشرعية والدستورية التي ذكرت في هذه الفتوى، وما بُني على باطل فهو باطل.. كما ندعو في الوقت نفسه الاتحاد العالمي: بالدعوة إلى نبذ العنف ومنع الاعتداء، ونناشد الجميع أن يتقوا الله في الأنفس المعصومة وبخاصة جنود مصر وشرطتها الأوفياء، التي تقوم جماعة الإخوان ? بلجانها النوعية ومسميات تنظيماتها المتعددة ? بإزهاقها كل يوم، فهي أنفس حرمها الله وجعل حرمتها كحرمة البلد الحرام والشهر الحرام والبيت الحرام، والله الله في إراقة الدماء، فقد قال الله تعالى: (أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)، وقال: (ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنمُ خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، والأحاديث الكثيرة دالة على أن حرمة دماء المؤمن التي يستحلها الإخوان الآن أكبر من الكعبة المشرفة، وأنه (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماَ حراماً)، ولذلك نطالب الجميع بمنع المفسدين والمندسين من جماعة الإخوان ومن يشترونهم ويستغلونهم في أية تجمعات لإحداث فوضى في البلاد، وهذه مسئولية الجيش والأمن والشرطة بصورة خاصة كما أنها مسئولية كل مسلم وكل مواطن بشكل عام.. ونندد بما تقوم به قناة الجزيرة من دور مشبوه لا يخدم في النهاية إلا مصالح الدول المعادية للإسلام والمسلمين، وندعو الشعب المصري العظيم أن يقدر الدور الذي يقوم به الرئيس السيسي في خدمة قضايا مصر والدول العربية والأمة الإسلامية، وأن يثمن الدور الذي يقوم به سيادته في محاربة المعتدين من شيعة اليمن ولبنان والمارقين الخوارج في ليبيا وعلى حدود مصر ومن داخلها، كما ندعو الشعب وبخاصة الثوار الذين اتحدوا على أهداف ثورة يناير المجيدة، إلى الالتفاف حول هذه الأهداف وحماية ثورتهم التي عجز الإخوان عن اختطافها، وفاء لدماء الشهداء وتضحيات الشرفاء من أبناء مصر الذين ضحوا من اجل الحرية والكرامة والعدالة والاستقرار، لاسيما من كانت نهايتهم على أيدي جماعة الإخوان، ونطالب ? نحن العلماء المخلصين العاملين ? بحماية شرعية الإمام الحالي المنتخب وحماية مصر العظيمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما نطالب كل أحرار العالم والمدافعين عن قيم الحرية والحياة الدستورية بمنع الإخوان من التدبير في العلن أو في الخفاء للإضرار بمصالح البلاد والعباد، ونُثمِّن مواقف الدول التي وقفت بالدعم والتأييد ضد جبروت جماعة الإخوان ولاسيما في هذه المرحلة الحرجة، ونتمنى من جميع الدول المحبة للسلام أن تتعامل مع الوضع في مصر الآن بمنطق الشفافية والوفاء والصدق بعيداً عن الازدواجية والانتقاء، كما نحذر دول المنطقة وشعوبها من خطورة ما تقوم به جماعة الإخوان من انتهاك للشرعية الدستورية في جميع بلدان العالم والانقلاب عليها من قِبل الجماعة، فإن الخروج المسلح عليها يشكل سابقة خطرة يمكن أن تهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم أجمع.. ونهيب بجميع شعب مصر أن يحافظ على مكتسبات بلاده وبأن يقدر ما يبذل من جهد وعرق وأن يصبر فإنما النصر صبر ساعة، كما نهيب به أن يمنع المندسين لإحداث الفتن أيا ما كانوا، فالله الله في إراقة الدماء والاعتداء على الأموال فهذه الأشياء من المحرمات الخطيرة، ولا نشك في أن الله ناصر دينه وجنده ضد أعداء الإسلام في اليمن ولبنان وشمال مصر وجنوبها وشرقها وغربها.. فالمؤامرة من أعداء الإسلام ومدعيه بالداخل والخارج خطيرة، والطابور الخامس يعمل على تقويض مصرنا ليل نهار والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.
رابعها: وحتى لا يُظن أنا نفتري على الإخوان احترافهم الكذب، نكشف عن بعض المواقف الموثقة من أكاذيبهم ونذكر منها على سبيل المثال: ما جرى في 8/ 2015، فتحت عنوان: (القيادي الإخواني د. حمزة زوبع المتحدث الإعلامي لحزب الحرية والعدالة المنحل على إحدى القنوات الإخوانية، يكشف تقرُّب الإخوان إلى الله بالكذب)، شن نشطاء سلفيون هجوماً عنيفاً ضد جماعة الإخوان على خلفية التصريحات التي أدلى بها زوبع وكشف فيها أن الجماعة كانت تعلم أن اعتصام رابعة لن يعيد مرسى إلى السلطة، لكنهم طلبوا من أنصارهم التصعيد بهدف الوصول إلى نقطة التفاوض بحسب تعبيره.. وقال (سامح عبد الحميد)، القيادي السلفي عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك): “إن ما قاله حمزة زوبع يؤكد تضليل الإخوان لأنصارهم وهذا جزاء من يُسلِّم عقله للإخوان، لافتاً إلى أن الإخوان يكذبون؛ بل يتقربون إلى الله بالكذب وهذا من ضلالهم، والإخوان لا عهد لهم ولا وعد، يتملصون من كل شيء ويتراجعون عن كل شيء إذا كان في ذلك مصلحتهم، ويُعطون الوعود بسخاء ولا يُنفذونها، ويُوهمونك بأنها حرب على الإسلام وأن السلفيين خونة وعملاء، وفى الوقت نفسه يتزاحمون على خيمة الدعوة السلفية ليكسبوهم في الانتخابات”.. وفى السياق ذاته قال (عبد الفتاح سعيد) القيادي السلفي، عبر حسابه على (فيسبوك) تعليقاً على نفس الخبر: “أظن كده حمزة زوبع جاب من الآخر، وأظن بعد كده كل واحد محترم يسكت ومايدافعش عن الإخوان، الراجل يقول: (كنا عارفين إن اعتصام رابعة مش هايرجّع مرسى)، طيب لماذا كنا عاملين اعتصام وتقولوا: مرسي راجع غداَ أو بعد غد؟، (كنا نريد أن نزيد من مساحة التفاوض السياسي)”، وتابع يقول: “والله العظيم أنتم خونة ومجرمين، ربنا ينتقم منكم، على فكرة كل ما يحدث الآن أيضا لزيادة مساحة التفاوض السياسي”.. كما شن (راضي شرارة) القيادي السلفي وأحد حلفاء الإخوان هجوماً على الجماعة، وقال: إن كلام زوبع “كلام سياسي يتعلق بالتفاوض لكنه يحمل في داخله أكثر من مفهوم سيئ، مثل: أنه يُفهم من هذا الكلام أن هناك عملية خداع كبيرة قام بها هؤلاء للمعتصمين، لأنهم كانوا كل يوم يقولون لهم إن مرسى خارج والاعتصام لن ينفض”، وأضاف: “إن هذا الكلام يدل على أن الإخوان باعوا قضية مرسى ومن زمن بعيد، فلماذا المتاجرة به حتى الآن؟!”، قال: “حين تدرك أن آخر هدفك هو تفاوض سياسي، فلم التفريط في كل هذا وقد كان مسموحا لك بالتفاوض السياسي من قبل ومن بعد، وقد تدخل كثير من العقلاء من مصر وخارجها؟.. وإذا كان الأمر تفاوض سياسي فلمَ تحويل القضية إلى كفر وإيمان وتحويل الصراع إلى حرب على الإسلام؟!”.. كما انتقد (زين العابدين كامل)، عضو الجمعية العمومية للدعوة السلفية، ما صرح به زوبع بشأن اعتصام رابعة، وكيفية متاجرة الإخوان بالمحبين والمتعاطفين من أنصار الجماعة، وأضاف كامل في بيان على الموقع الرسمي للدعوة السلفية: “ماذا ستقولون لله يوم القيامة، ضحيتم بأرواح الأبرياء وتسببتم في قتلهم، وأقسمتم بالله على عودة د. مرسى ثم تعترفون الآن بأنكم كنتم على يقين بأن اعتصامات رابعة لم تكن لتؤدي في نهاية الأمر إلى عودته، إذن فلماذا خدعتم الشباب المتحمس وغررتم به؟”، وتابع: إن “من مقاصد الشريعة: (حفظ النفس)، وقد أوجد الله في الكون ما يحفظ النفس ويضمن لها الحياة مِن ماء وغذاء وإيواء وكساء ونحو ذلك، ثم أباح لها المحظورات عند الضرورة”إ.هـ.. وأنا أضيف هنا عتاباً لأولئك السلفيين وأقول: كيف تسنى لكم منذ البداية أن تنخرطوا في عداد أهل البدع والضلال؟!، ألم يفتوكم مشايخكم سلفا وخلفاً بحرمة مجالستهم والحديث معهم والانخراط في صفوفهم؟!، وإذ قد علمتم ما كان منهم في رابعة والنهضة من حمل السلاح وسفك للدماء فكيف تسنى لكم مشاركتهم منذ تلك اللحظة؟!، أليس الإخوان هم مَن وراء كل الدماء التي سالت هنالك وهم مَن لا يزالون يكذبون على الناس ويتاجرون بها ويزايدون بأعداد من قتلوا؟!، فليس أمامكم إذن إلا الندم والنصح والبيان والإفصاح، وإلا فالموعد الله.
وتحت عنوان: (إخوانية منشقة: الإخوان أحرقوا مسجد رابعة العدوية لكسب تعاطف الشارع)، صرحت ناشطة إخوانية قريبة من مطبخ الأحداث تدعى (فاطمة يوسف) في إحدى الصحف المصرية: بأن اعتصام (رابعة) شمل غرفة للتعذيب، وأن (الإخوان) هم من حملوا السلاح في (الحرس الجمهوري)، وقدمت اعتذاراً للدولة وللداخلية وللشعب المصري عما قامت به من ادعاء وتضليل ضد الشرطة، معلنة رغبتها في العودة إلى حضن الوطن بعيداً عن التنظيم الذي احترف الكذب، وكشفت عن تهديدات القتل التي تتعرض لها كل يوم من قبل أعضاء التنظيم الذين وصفوا انشقاقها عنه بـ (العار)، وأوضحت فاطمة أن “الرسول الكريم لم يستخدم في غزواته وحروبه ضد الكفار الكذب والسب والشتم للوصول لهدفه كما تفعل الجماعة الآن، بل كان يستخدم العقل والتفكير، فلو كانت الجماعة على حق لما استخدمت ذلك الأسلوب المخالف للعقيدة، وعندما كنت صغيرة في المدرسة كنا نتعلم حب الوطن وفداءه، ولسنا وسائل لتخريبه”، تقول حفظها الله: إن قصتها بدأت بعد خروجها من قسم المرج، وأنها تحدثتْ مع الإعلامي الإخواني (محمد عبد الله) الموجود في لندن منذ فض اعتصام رابعة، وقال لها: “لازم نشتغل على الوقت الطويل اللي إنتي قعدتيه في القسم وتقولي إن الضابط فلان ورجال الأمن قاموا باغتصابي في القسم، ويجب أن يحدث اعتصام في المطرية.. وإنتي أكتر واحدة تقدر تُسبكي الواقعة ومش بتخافي من التهديدات”، تقول: “فقلتُ: نجرب، ولم أفكر في التراجع إلا بعد إحساسي بتدمير مستقبل الضابط بسببي، خاصة بعد قرار النائب العام بضبطه وإحضاره، وبعد إلحاح منه، قلت له: (مش قادرة حرام عليكم، أنا خلاص اتخنقت)، فرد علىَّ بقوله: (اصبري بس ولما نرجع هنفهمك)، لكنى لم أستطع الصمود، وذهبت إلى والدي وقلت له: إن موضوع اغتصابي في قسم المرج غير صحيح.. وتراجعت واعتذرت عبر وسائل الإعلام”، وعن سؤالها عن كيف تم التخطيط لاتهام الداخلية باغتصابك؟، قالت فاطمة: “أعتذر لوزارة الداخلية، لأني فعلاً أخطأتُ في حقهم، واتبلِّيت عليهم، ولهم حق في القبض علىَّ، فلم أكن ملاكاً بل كنت أقوم بأشياء خاطئة.. وكوني أهتف أو غيري بشعار (يسقط حكم العسكر) ده كان أكبر غلط، لأننا لسنا في حكم عسكر، فالرئيس خلع البدلة العسكرية وأصبح مدنياً، والجيش يضم ابن عمى وابن خالتي وأقاربي فلماذا أسقطه؟!، ده من غير الجيش البلد مش هتنفع”، وجواباً عن رد فعل الإخوان بعد اعتذارها للداخلية وكشفها لفضائحهم؟، قالت فاطمة: “الجماعة اتهمتني بالكفر وأنى لم أكن عضواً بها، وأنه لم يتم حبسي من الأساس رغم أن وزارة الداخلية لديها توثيق بموعد الحبس وكذلك خروجي، واتهموني بالخيانة، وأنى تابعة للمخابرات العامة، واتصل بي عدد كبير من القيادات الإخوانية، وقالوا لي: (منك لله حسبي الله ونعم الوكيل، إحنا اللي كبَّرناكي وإحنا اللي هنغرَّقك)، وكل جيراني الإخوان يعتبرونني كافرة، فأي حد ينتقد الجماعة يتم تخوينه وتكفيره، وحدث ذلك من قبل مع (محمد حبيب ومختار نوح وكمال الهلباوي وثروت الخرباوي وعبد الجليل الشرنوبي)، وعندما انسحب هؤلاء من التنظيم اتهموهم بالكفر والخيانة وأنهم باعوا الجماعة وحصلوا على أموال، وكذلك يقولون عنى، لكنى لست بخائنة أو كافرة لمجرد أن قلت الحقيقة وكشفت أسرارهم، فهناك شروط لتكفير المسلم، وليس من حق أحد أيّاً كان أن يكفر الآخر، وأنا أصوم الاثنين والخميس، وأقوم بأداء الصلاة في أوقاتها وقريباً سأختم القرآن الكريم، وأصلى القيام والفجر حاضراً، وفى المقابل أعتقد أن (وجدي غنيم) لا يصلى فرض الصلاة حاضراً، أما لفظ (خائنة): فلا ينطبق علىَّ، إنما عليهم، فهم يخونون البلاد ويتعاملون مع إسرائيل واليهود، وهذا ينطبق على قيادات الجماعة بالكامل”.. وفي حواها مع صحيفة أخرى قالت فاطمة: “بدأت تجربتي داخل جماعة الإخوان منذ اعتصامَي رابعة والنهضة، وكان عمري وقتها ١٥ عاماً ونصف العام عندما بدأتُ أشارك مع والدي في التظاهرات المؤيدة للجماعة، وفى تلك الفترة طالبني والدي بأن أكون مثل شباب الإخوان، ألبس مثلهم، أفكر مثلهم، أنضم إليهم، فارتديت النقاب وأصبحت أعشق الجماعة وفكرها، وخاصة بعد اقترابي من شباب الجماعة الذين يَظهرون لك وكأنهم ملائكة من السماء بعثهم الله على الأرض إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً عندما تختلط بهم وتعرفهم جيداً”.. وفي سؤال عن نشاطها وحجم الأموال التي تأتيهم من قطر وتركيا وتصرف للخوارج التكفيريين على تقتيل المسلمين وتخريب ديارهم؟، قالت: “أسستُ 3 حركات إخوانية لقيادات التظاهرات في الشارع وهي (كفاح شعب)، (حق الشهيد راجع)، و(ثائرون من أجل مصر)، وحصلت مقابل ذلك على مبالغ مالية من (تحالف دعم الشرعية).. وأي عضو بالإخوان يُلقى القبض عليه يحصل على ١٥ ألف جنيه شهرياً للصرف على أسرته لو كانت قضيته كبرى مثل قضية (عرب شركس) وقضية (رابعة والنهضة)، أما القضايا العادية فهي فارغة بالنسبة للإخوان، ولا يعطون عليها أي تمويل، وللعلم فإن الجماعة لا تصرف ولا تعطى أموالاً إلا لأعضائها، أما المتعاطفون في حال القبض عليهم فالجماعة لا تزورهم حتى في السجن ولا تعطيهم ولو وجبة”، كما صرحت فاطمة بأن “المولوتوف كان سلاحنا القديم، أما الآن فهناك رصاص حي وخرطوش، للتعامل مع قوات الشرطة، وإرهاب الجماعة وتطرفها وصل إلى وضع مكافأة على كل (رأس) من الضباط والجنود الذين يصابون أو يقتلون في تظاهراتنا، وأن هناك برنامج صوتي شهير يستخدمه الإخوان في تزوير صوت الرئيس في التسريبات وهو مشهور جدا ولكنني لا أستطيع أن أتحدث عنه، وأن كل القرارات التي تأتينا تطالبنا بالعنف وتدعونا إلى القصاص وتقول اعتدوا عليهم مثل ما اعتدوا عليكم”.. والحوارات طويلة ونكتفي منها بما ذكرنا وبأن نعلم أن النظام (القطري) أنفق على مدار ثمانية أشهر فقط أموالا تقدر بنحو 720 مليون دولار، على أكثر من 7 محطات فضائية، و3 صحف مطبوعة، وإذاعتين، وعشرات المواقع الإلكترونية، فضلا عن صفحات التواصل الاجتماعي على فيس بوك وتويتر، وأنها ? حسب (باتريك بول) الخبير في الأمن القومي والباحث في شئون مكافحة الإرهاب، أمضت صفقة أقرها (أوباما) تقدر بـ 60 مليار دولار لدعم الإرهاب وبهدف إثارة الفوضى داخل مصر وتشويه نظام الرئيس السيسي أمام الرأي العام العربي والدولي، وتأجيج الرأي العام المصري ضد حكومته ودفعهِ إلى الاعتراض على قراراتها وسياساتها المختلفة، فضلا عن تشويه كل النماذج والمشروعات التنموية الناجحة التي تسعى الحكومة لتنفيذها في الوقت الراهن.. ليتضح لنا حجم أموال المسلمين التي تذهب لحرب المسلمين، وحجم المؤامرة والكذب والخيانة والخداع التي تحاك لشعب مصر، وحجم المتاجرة بدين الله عز وجل من قِبل هذه الجماعة المارقة التي تدّعي لنفسها أنها (جماعة المسلمين)، والإسلام وعقلاء المسلمين منها براء.. ولا تعليق.
خامسها: أنه لا ينبغي أن يكون ما نكشفه هنا في وجهة النظر الشرعية عن جماعة المسلمين، أن يكون بمعزل عن قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.. التوبة/ 119)، وإنما أعني بهم هنا بطبيعة الحال: جماعة المسلمين المحقة، ذلك أن من يكذب على الله لا يؤتمن على دين ولا دنيا، ولا أدري كيف يستحل الكذبَ على الله وعلى الناس مسلم يعي قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عنيد) وقول الصادق المصدوق في الحديث المتفق عليه بأبي هو وأمي: (.. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)، وقوله: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهم كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)، وقوله كما في الحديث المرسل، عند جوابه لمن سأل، أيكون المسلم جباناً قال: لا، أيكون المسلم بخيلاً؟، قال: لا، أيكون المسلم كذاباً؟، قال: لا.. ذلك أن الصدق على عمومه ? لاسيما ما كان منه مع الله ? هي بضاعة الداعية وبغيرها يفقد مصداقيته لدى من يدعوهم، فهو منجاة.. وهو قبل ذلك سمت الصالحين المخلصين حتى في أحلك الظروف والأوقات، ولقد حكي أن الحجاج بن يوسف خطب يوماً، فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين: (الصلاة!، فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك)، فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون، فقال الحجاج: (إن أقر بالجنون خلصته من سجنه)، فقال الرجل: (لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليّ، وأُثبتُ لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها)، فلما رأى الحجاج صدقه خلى سبيله.. وهل يخفى عل
مصطلحات: (جماعة المسلمين ? الدولة الإسلامية ? الخلافة).. حقائق وشبهات وردود.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ورحمة الله للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فقد سبق أن كشفنا ? في مقالي (إمامة المتغلب) و(بطلان بيعات جماعة الإخوان) ? عن شبهتين عظيمتين من شبهات إبليس لجماعة الإخوان، وفنَّدنا كذبتين كبيرتين من كذباتهم، أولاهما: كذبهم الذي أطبق الخافقين بأن ما جرى في مصر من عزل شعبها مندوبهم د. مرسي كان انقلاباً عسكرياً، ولم يكن نتيجة حنث من د. مرسي في يمين الولاء لوطنه وشعبه، ولا خيانة منه لهما.. ولا كان بسبب فشله الذريع في إدارة البلاد وإخفاق برنامج المائة يوم وتفاقم الأزمات الحياتية.. ولا كان نتيجة إحكام قبضة جماعته على مفاصل الدولة بالمخالفة للدستور الذي كفل للشعب حق تداول السلطة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين دون تمييز.. ولا نتيجة سعيٍ حثيث من قِبَله لتفكيك الجيش المصري وتسريب أسرارٍ له “تتسم بدرجة من السرية العالية، وتتضمن تقارير فائقة الأهمية عن القوات المسلحة وأعدادها وتسليحها وأماكن تمركزها وخططها لحماية أمن البلاد، وهي الوثائق التي كان يفترض برئيس الجمهورية أن يكون هو المطلع الوحيد على محتوياتها داخل مؤسسة الرئاسة، وذلك نظير مبلغ مليون دولار” حسب ما جاء في قرار النيابة في قضية التخابر مع دويلة قطر العميلة التي سعى وجماعته لتأجيرها قناة السويس مقابل 100 مليار دولار والانتفاع بها لمدة 99 عاماً.. ولا كان إزاء وعد بإعطاء حلايب وشلاتين للسودان و 1600 كم من سيناء لصالح إسرائيل وتعهده شخصياً بالحفاظ على أمنها، وذلك قول (بيني جانتز) رئيس أركان الجيش الإسرائيلي في تصريحات لإذاعة الجيش الإسرائيلي: “إن التعاون الأمني بين مصر وإسرائيل أصبح أفضل بكثير في عهد جماعة الإخوان المسلمين، وهو ما شكل مفاجأة لم يتوقعها أحد، والرئيس مرسي فاجأني بموقفه الإيجابي من إسرائيل”.. ولا كان بسبب ارتكابه أعمال تُعرّض الأمن الوطني المصري لأخطار ما وقعت فيه دول الجوار وتعرضه هو شخصياً لتهمة الخيانة العظمى وتؤكد أنه ناقض لما أقسم عليه وناكث للعقد الذي أبرمه مع شعبه باحترام الدستور والقانون والحفاظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه.. ولا كان نتيجة اعترافات من قِبل جماعته تؤكد أنه ما كان للحكم بأهل، حتى يُنهى عن منازعته أو يُجعل الثائرين عليه في حكم الخوارج، ويكفي ما صرح به وزير العدل الإخواني أحمد مكي في قوله: “لا أتمنى عودة جماعة الإخوان للحكم مرة أخرى لأنهم ليسوا على دراية بشئون الحكم.. وإحنا حجة للكفرة لأننا فاشلون”.. ولا كان لأجل مواد دستورية وضعها، تُحصِّنُ قراراته وتجعله فوق الدولة والدستور والقانون.. ولا كان جراء عدم إنفاذ وعدٍ منه بنزوله على رأي الشعب في حال مطالبته بعزله، وقد خرج بالملايين في تظاهرات شعبية رآها العالم كله بميدان التحرير، تستغيث من بطش الإخوان وتطالبه بذلك.. ولا نتيجة حشود كانت تخرج بالملايين لذات الغرض في جل ميادين مصر، ومثلها كانت متحمسة لفكرة تمرد لإجباره ? بعيداً عن إراقة الدماء ? على التخلي عن منصبه، بعد أن جمعت لذلك ما يقدر بـ 22 مليون عريضة، ولو أنه فعل لدرء فتناً عظيمة ولحقن دماء غزيرة ولنا في (عثمان بن عفان) و(الحسن بن علي) المثل.. ولا كان عقب إعطاء مهلة يومين وقبلها أسبوع من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة ? باعتبارها المؤسسة العسكرية المنوط بها الحفاظ على أمن البلاد ? تطالبه بالتوافق مع جميع القوى السياسية لحل الأزمة وتلبية نداءات الشعب ولكن دون جدوى.. ولا كان بسبب رفضه المطلق بعمل انتخابات مبكرة يكون هو طرفاً فيها لمعرفة ما إذا كان غالبية الشعب ترغب ? بعد كل ما ذكرنا ? في عودته أم لا؟.. وأنه قد تبع كل ذلك تولي أعلى جهة قضائية وهو رئيس المحكمة الدستورية لمدة عام، ووضع دستور جديد، ثم إجراء انتخابات حرة نزيهة حصل الرئيس الحالي (عبد الفتاح السيسي) بموجبها على 104 , 780 , 23 صوت بشهادة عشرات المنظمات الأجنبية والحقوقية ورغم الحملات المضادة ودعوات المقاطعة من قِبَل الإخوان وأشياعهم، في نسبة مشاركة تقدر بـ 47 %، فيما حصل د. مرسي في انتخابات (الإعادة) في 2012 على 131 , 230 , 13 صوت، في نسبة مشاركة تقدر بأقل من 52 % منها نسبة لا يستهان بها لم تصوت قناعة به ولكن رفضاً لمنافسه (أحمد شفيق) الذي لا يزال حتى الآن يشكك في نزاهة هذه الانتخابات.. الأمر الذي يكذب بشدة ما روجته جماعة الإخوان ولا زالت من أن ما جرى كان انقلاباً، وبخاصة مع اعتراف شعوب ورؤساء العالم و(حكماء أفريقيا) على جهة الخصوص بأنه بالفعل لم يكن انقلاباً، وأن ما تروجه قنوات وعلماء الفتنة وأبواق ما أطلقوا عليه (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) ومن تأثر بهم ممن لا زالوا مغيبين عن الواقع وعن صحيح المعتقد، كذب وافتراء.. وأنه على افتراض كان انقلاباً؛ فعقيدة المسلمين وإجماع أهل السنة والجماعة على شرعية ومشروعية إمامة المتغلب صاحب الشوكة والسلطان كما نص على ذلك شيخ الإسلام وسائر أئمة الهدى على مدار القرون المتطاولة، ومن ثم فالطعن في كلامهم ومعتقدهم: طعن في (إجماع الأمة) أحد مصادر التشريع الإسلامي بعد القرآن والسنة.
ثانيهما: ادعاؤهم بأنهم المعنيون بما وعد به الله ورسوله من تمكين، والحق أنهم ما كانوا لذلك بأهل: كون الوعد حاصل لأهل السنة وعلى منهاج النبوة، وبينهم وبينهما ? بشهادة أهل العلم الثقات من المعاصرين ? بُعد المشرقين.. وكونهم الحريصين على الإمارة المستميتين في طلبها المتشبثين بتلابيبها وهم من نهينا شرعاً عن توليتهم، للحديث المتفق عليه: (إنا والله لا نولي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرِص عليه)، وكونهم من تحدث عنهم النبي بقوله: (من حمل السلاح فليس منا) وأنهم من (يقتلون أهل الإيمان ويدَعون أهل الأوثان) ومن ثم فهم ممن عناهم النبي بقوله: (الخوارج كلاب أهل النار).. الأمر الذي يجعلنا ? وبكل أسف ? نؤكد على أنه إن كان من أناس لهم حظ وافر من حديث: (سيأتي على الناس سنوات خدّاعات يصدّق فيها الكاذب ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ويخون فيها الأمين)، فهم جماعة الإخوان ومن شايعهم، فكم من صادق في حديثه وحبه لدينه ووطنه وشعبه كذبوه وهم مَن عُرف عنهم الكذب حتى أصبح صناعتهم، وكم من رجل شهد العالم كله بأمانته وحسن أخلاقه كان من وجهة نظرهم خائن عميل، وهم في واقع الأمر الخائنون والمفشون لأسرار أوطانهم وغير المؤتمنين على مقدرات شعوبهم بل والمدمرون لها، والشواهد الكثيرة على ذلك كالشمس لا تحتاج إلى دليل، وحسبك أن تنظر إلى لدادة خصومتهم لمن يناصبونه وقنواتهم العداء بغير حق، وحالهم مع رئيس مصر الحالي وتضييقهم الخناق على شعبها بافتعال الأزمات، مجرد نموذج لذلك.
وقد كان من نتيجة هاتين الشبهتين العظيمتين اللتين انطلتا ولا زالت على كثير من الشباب المغرر به وأنصاف المتدينين: إعلانُ الحرب على أنظمة الحكم المسلمة، والكيد والتهديد لمن يكشف أكاذيبهم وشبهاتهم، وسفكُ الدماء وإعمَالُ القتلِ في جنود موحدين كنا ندخرهم لمواجهة أعداء الإسلام بالخارج من شيعة ويهود أعلن الإخوان ولاءهم المطلق لهم، وتخريبٌ طال كل شيء وقضي على الأخضر واليابس في كثير من بلدان المسلمين إنفاذاً لخطط أعداء الإسلام عن طريق الحرب بالوكالة، وتضيقٌ على الدعوة في أنحاء المعمورة، وتجريفٌ للأزهر الشريف قلعة العلم والدين الوسطي وتجفيفٌ لمنابعه جراء مشاركة فعَّاله من بعض مشايخه وطلابه في تدميرٍ طال جامعة الأزهر ذاتها، وسلسلة اغتيالات كان منها وليس آخرها اغتيال النائب العام المصري (هشام بركات) بإشارة من مرسي وبتدريب من حماس وبتكليف من المتحدث الرسمي لوزير الصحة أيام مرسي الطبيب (يحيى السيد إبراهيم موسى) وباعتراف من (حدثاء أسنان) ممن ربوهم من أبناء الأزهر.. كما كان من نتيجتهما: تعطيل النصوص الحاثة على عدم السعي لطلب الإمارة، والطعن في إجماع ومعتقد أهل السنة في إمامة المتغلب، وإنكار الأحاديث الواردة بشأن الخلافة وأنها في قريش وبحق مهدي أهل السنة، وأنها تكون على منهاج النبوة ولمن كانوا من أهل السنة والجماعة لا من أهل البدعة والضلالة.
وثمة شبهة ثالثة من هذه الشبهات الإبليسية التي سيطرت على فكر ومنهج جماعة الإخوان، أمرنا في ردها بمجاهدة الشيطان أولاً قبل مجاهدة أعداء الإسلام كما ذكر ابن القيم في (زاد المعاد) عن أنواع ومراتب الجهاد.. ألا وهي: “اعتقادهم بأنهم (جماعة المسلمين) المفضي إلى تكفير من سواهم”، فنقول وبالله التوفيق: إن من أهم ما شجع جماعة الإخوان على إشاعة الشبهات وترويج الأكاذيب باسم مصلحة الدعوة:
اعتبار أنفسهم (جماعة المسلمين) الذين يجب السمع لهم والطاعة، مهما ارتكبوا من خطايا وروجوا من أكاذيب وأعلنوا عن معتقدهم الخارجي التكفيري.. ولكم حثت نصوص الوحي على التمسك بـ (جماعة المسلمين وإمامهم) المحقَين، ونهت عن مفارقتهما أو التحزب ضدهما أو الخروج عليهما وذلك بالنهي عن منازعة الأمر أهله وبالإذعان لما جاء في قوله تعالى: (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء)، وقوله: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه)، ولما جاء في الصحيحين من حديث حذيفة الذي يقول فيه ? رضي الله عنه ?: “كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنّا كنا في جاهلية وشر فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟، فقلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟، قال: (نعم، وفيه دخن)، قلت: وما دخنه؟، قال: (قوم يهتدون بغير هديي يُعرف منهم ويُنكر)، قلت: (وهل بعد هذا الخير من شر؟، قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليه قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركتُ ذلك؟، قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامَهم)، قلت: فإن لم يكن لهم إمام ولا جماعة؟، قال: (فاعتزل تلك الفرق ولو أن تعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)”.. فهذا الحديث ونظيره ما رواه الحاكم والذهبي عنه وصححاه: (قلت: ثم ماذا؟ قال: يخرج الدجال ومعه نهر ونار، فمن وقع في ناره أجَرَه وحطّ وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحط أجره، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم إنما هي قيام الساعة)، ورواية مسلم في جوابه عليه السلام عن شر ما سأل عنه حذيفة: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جُثمان إنس قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركتُ ذلك، قال: تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)، إلى غير ذلك من الأحاديث والآثار التي حثت المسلمين على التزام الجماعة وما أكثرها، أقول: إن هذه الأحاديث والآثار هو ما قصد إليه شيخ الإسلام بقوله في (منهاج السنة) 1/ 556: “وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جُثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”، وما عناه الإمام الشوكاني في كتابه نيل الأوطار (كتاب الحدود باب الصبر على جور الأئمة) بقوله: “قوله: (في جُثمان إنس) أي: لهم قلوب كقلوب الشياطين، وأجسام كأجسام الإنس، قوله: (وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع)، فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن فعلوا في العسْف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم، فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم)، وقوله: (وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلُها)”.. فكلامُهما: صريح فيما يقتضيه وجوب طاعة الإمام المسلم ذي السلطان الموجود بالفعل والذي له القدرة على تحقيق مقصود الوِلاية وحفظ بيضة المسلمين وأوطانهم وثغورهم ومقدراتهم، وإن كان فيه ما فيه وبغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.. والأحاديث التي استشهدا بها: ناطقة ببطلان البيعات العامة من غير ذوي الشوكة والسلطان، وقاضية باعتزال فرق الضلالة لاسيما المكفرة منها والتي أخبر النبي عنها بأنها ممتدة (كلما خَرج قرن قُطع)، ويأتي على رأسها بالطبع في زماننا (داعش) و(جماعة الإخوان) وذراعها العسكري (حماس) وكتائبها ولجانها النوعية وما شابه، وهذا أهم ما يجب أن ينصبّ حوله كلام أهل العلم المخلصين ? بل ومما يتعين على من رزق الشهرة والأتباع من نحو محمد حسان ويعقوب والحويني ونظرائهم في بلدان العالم الإسلامي والعربي باعتبارهم منارات الهدى ومَن فُرض عليهم: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) ? كونه يتناول حال المسلمين في زماننا ويحل من ثم إشكالياتهم ويزيل ما بهم من فتن وشُبَه ومؤامرات تكاد تعصف بالجميع وتقضي على الأخضر واليابس فيما تبقى من عالمَيْنا العربي والإسلامي.. ذلك أن مصطلح (جماعة المسلمين) يتنازعه في واقعنا المعاصر طائفتان:
إحداهما محقة وينطبق عليها المفهوم الشرعي لمصطلح (جماعة المسلمين): وهي التي أمر النبي باللحاق بها “وحاصلها: أنهم الذين اجتمعوا على أمير على مقتضى الشرع؛ فيجب لزوم هذه الجماعة ويحرم الخروج عليها وعلى أميرها.. أو من كانوا على مذهب أهل السنة من الاتِّباع وترك الابتداع، وهو مذهب الحق الواجب اتباعه والسير على منهاجه، وهذا معنى تفسير الجماعة: بالصحابة، أو أهل العلم والحديث، أو الإجماع، أو السواد الأعظم، فهي كلها ترجع إلى معنى واحد: ما كان عليه رسول الله وأصحابه، فيجب الاتباع حينئذ ولو كان المتمسك بهذا قليلاً”، هذا ما خلص إليه د. عبد الرحمن بن صالح المحمود في كتابه (موقف ابن تيمية من الأشاعرة) ص 31، وهو أطروحة لرسالة دكتوراه حصل عليها من كلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود، ويدخل في تفسير المعني الثاني ? إضافة لما سبق ? مسمى (العامة)، أي: (عامة أهل العلم وجمهور الأمة ومعظمها) ممن هم على فطرة الإسلام وقد عناهم أبو المعالي ابن الإمام الجويني بقوله حين ندم على ما كان منه من تأويل: (اشهدوا أني رجعتُ عن كل مقالة قلتها أخالف فيها ما قال السلف، وأني أموت على ما تموت عليه عجائز نيسابور) وهم من يطلق عليهم في زماننا (حزب الكنبة).. على أن حصْر الجماعة شرعاً في هذين المعنيين اللذين أشار إليهما د.المحمود، ذهب إليه أيضاً د. صلاح الصاوي في كتابه (جماعة المسلمين) ص 21.. وقد سبقهما إلى هذا الحصر القاضي أبو بكر بن العربي، حيث قال في: (عارضة الأحوزي شرح جامع الترمذي) 9/ 10: “قوله: (عليكم بالجماعة) يحتمل معنيين، الأول يعني: أن الأمة إذا أجمعت على قول فلا يجوز لمن بعدهم أن يُحدث قولاً آخر، الثاني: إذا اجتمعوا على إمام فلا تحل منازعته ولا خلعه”.
والمقصود: أن تلك الجماعة هي الموعودة بالنصر والتمكين، وتسميتها بالطائفة المنصورة مأخوذ من أحاديث عدة، منها: ما أخرجه مسلم من حديث: (لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله، لا يضرُّهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس)، وما أخرجه ابن ماجة وأحمد وابن حبان من رواية: (لا تزال طائفة من أمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة)، وبيانه في رواية لمسلم: (لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً .. كلهم من قريش) و”لا يشترط أن يكونوا متتابعين.. وقد وجد منهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي.. ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله وكنيته كنيته” إ.هـ بتصرف من تفسير ابن كثير لآية النور 55.. وتسميتها بالفرقة الناجية، مأخوذ من وصف النبي لها بهذا، وذلك فيما أخرجه الترمذي في السنن من قوله صلى الله عليه وسلم عنها: (ما أنا عليه وأصحابي).
ثانيهما مُبطِلة ومُدّعاة ولا ينسحب عليها المدلول الشرعي لمصطلح جماعة المسلمين وإن ادعت لنفسها ذلك: وتلك يمثلها تحديداً في زماننا جماعة (الإخوان المسلمين) ومن سلك طريقها وسار على نهجها في التكفير ورفع السلاح على المسلمين ممن عُرفوا بجماعات العنف أو الإسلام السياسي.. ففي ادعائها ذلك لنفسها يقرر سعيد حوى (في آفاق التعاليم) ص 15 ومعه كتيبة الإخوان، بأنهم المعنيون بقوله “صلى الله عليه وسلم: في الحديث المتفق عليه: (أن تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)”، وقد أردف حوى مؤكداً هذا المعنى قائلاً: “إن الأصل الذي لا يجوز أن يغيب عن المسلم، هو أنه لا بد للمسلمين من جماعة وإمام، وأن الواجب الكبير على المسلم، أن يكون ملتزماً بـ (جماعة المسلمين وإمامهم)، وهذا هو المفتاح الأول لفهم قضية الإخوان”، وقال في كتابه (المدخل) ص 16: “إننا في هذا المدخل استقرأنا النصوص لنصل إلى مواصفات (جماعة المسلمين) وبرهنا على أنها موجودة في دعوة الأستاذ البنا”، وص 294: “إن الجماعة بعد سيرها الطويل وتحملها الكثير، أصبحت تاريخياً هي وحدها صاحبة الحق في الإمامة، قال تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون)”.. وكانت نتيجة ذلك بالضرورة: وجود إمام غير ممكن يدَّعي لنفسه حق السمع والطاعة على جماعة غير ممكنة، مفتئتاً ومغتصباً هذا الحق من جماعة المسلمين المحقة وإمامها، ومنازعاً الأمر أهله في جميع بلدان المسلمين، ومعطياً لنفسه حق إعلان الجهاد تحت رايته العُميَّة ضد أنظمة تلك البلدان التي نازعها الأمر، ومعطياً لنفسه الحق كذلك في الطاعة العمياء له ولمن أنابه عنه من مراقبين على مستوى دول العالم، ولو في التحريق والتخريب والتدمير والتقتيل والإفساد إلى غير ذلك من المعاصي التي يستلزمها ذلك التنازع بطبيعة الحال، واستحقاق الولاء والبراء على الجماعة ومنهجها وجعلهما المعيار في معرفة الحق والباطل والوقوع من ثم في هوة تكفير الغير وأن الخارج على جماعة المسلمين التي هي جماعة الإخوان، خارج عن الإسلام حلال الدم، لحديث: (من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)، الأمر الذي يدني من تصنيفها في منظور الشرع الحنيف ليجعلها ? شاءت أم أبت ? ضمن الفرق النارية وفي عداد فرق البدع والضلال وتحديداً (الخوارج)، كونهم يستحلون الدماء الموحدة و(يقتلون أهل الإيمان ويدَعون أهل الأوثان) مع صريح قوله تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها) إلى قوله: (وأعد له عذاباً عظيماً.. النساء/ 93)، وقوله عليه السلام كما في صحيح الترمذي للألباني: (لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار)، وقوله كما في السلسلة الصحيحة (2697): (يأتي المقتول متعلقاً رأسه بإحدى يديه، متلبِّباً قاتله بيده الأخرى، تشجب أوداجه دماً حتى يأتي العرش، فيقول المقتول لرب العالمين: هذا قتلني!، فيقول الله للقاتل: تعسْت، ويُذهب به إلى النار)، ويستحقون من ثم أن يكونوا من (الخوارج كلاب أهل النار) الذين أخبر عنهم الصادق والمصدوق صلى الله عليه وسلم.. وكونهم المعنيين بقوله عليه السلام كما في صحيح مسلم باب (وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند الفتن): (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة ? أي: المحقة والتي إمامها: الممكن صاحب الشوكة والسلطان ? فمات، مات ميتة جاهليه، ومن قاتل تحت راية عُميَّة يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل، فقِتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يَتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه)، والمقصود بالعُمَيّة كما أفاده النووي: “الأمر الأعمى لا يستبين وجهه، كذا قاله أحمد بن حنبل والجمهور، أو التقاتل للعصبية كما قاله إسحاق بن راهويه” ويدخل فيما قاله بالطبع: العصبية للجماعة التي والاها على غير الحق.. وفي تأكيد هذا الواقع المؤلم الذي يمثله بحق جماعة الإخوان، يقول حوى في كتابه (من أجل خطوة إلى الأمام) ص40 بعد أن ساق الحديث السالف الذكر، ساحباً إياه على من خالف جماعته وإمامها: “وعلى كل مسلم ألا ينتسب لتنظيم أو جهة ليست من الجماعة، لأن الطاعة لا تجوز إلا لولي الأمر من المسلمين، وتحرم على غيرهم اختياراً”.
وقد سبق أن ذكرنا في مقال سابق أن مثل هذه الادعاءات، أكبر دليل على بدعية من يقول بها، وذكرنا كذلك مقولة فضيلة الشيخ محمد الغزالي إثر تمرده على جماعة الإخوان وانشقاقه عنها بسبب هذا الخبل، حيث قال في كتابه (من معالم الحق في كفاحنا الإسلامي الحديث): “إن الذين يحسبون أنفسهم (جماعة المسلمين)، يرون مخالفة قائدهم ضرباً من مخالفة الله ورسوله، وطريقاً ممهدة إلى النار وبئس القرار”، واستطرد ? رحمه الله ? يقول: “إلا أنني عزَّ عليَّ أن يلعب بالإسلام وأبنائه بهذه الطريقة السمجة، وأن تتجدد سياسة (الخوارج) مرة أخرى، فيُلعَنُ أهل الإيمان ويُترَكُ أهل الطغيان، وبمَ؟، باسم: أن القائد وبطانته ? وهو يعني هنا: جماعة الإخوان ومرشدها ? هم وحدهم أولو الأمر، وأن لهم حق السمع والطاعة، وأن الخارج عليهم يصدق فيه قول رسول الله: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر، فإنه ليس بفارق الجماعة شبراً فيموت، إلا مات ميتة جاهلية)، وقوله: (من خلع يداً من طاعة، لقي الله لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية)، وهذه الأحاديث وأمثالها وردت في منع الفتوق الجسيمة التي يحدثها الشاغبون على الدولة، الخارجون على الحكام”، يقول: “بيدَ أن تعليم هذا الجنون، كان أسلوبَ تربيةٍ وتجميعٍ عند بعض الناس، أن يقال: إن الولاء للقيادة يُكفِّر السيئات وأن الخروج على الجماعة يَمحق الفضائل، أي إسلام هذا؟!، ومَن مِن علماء الأولين والآخرين أفتى بهذا اللغو؟، وكيف تلبسون الدِّين هذا الزي المنكر؟!، وهيهات! فقد تغلغل هذا الضلال في نفوس الناشئة حتى سأل بعضهم: هل يَظن المسلم نفسه مسلماً بعدما خرج من صفوف الجماعة؟، ولنفرض أن رئيس الجماعة هو أمير المؤمنين وأن له حقوق الخليفة الأعظم، فهل هذا يؤتيه على أتباعه حق الطاعة العمياء؟!، لقد كان الراسخون في العلم يَدْعون إلى الله ويتجردون للدعوة، فكان الناس يرون طاعتهم من طاعة الله لأنهم تلقوا دروس معرفته عنهم، ثم جاء الراسخون في الجهل يطلبون حقوق القيادة، ويتحدثون عن قانون السمع والطاعة، ولست أعنِّف دعِيّا من هؤلاء على مزاعمه ومطالبه، فالأمر كما قيل: (بعض الناس طغاة لأننا نركع لهم)”.. “هذا كلام رجل كان منهم في الصفوف الأولى ثم تبرأ من أفعالهم براءة المسلم من أفعال الكفار” إ.هـ من تعليق مجلة الأزهر ص 644 من عددها الصادر في ربيع الأول/ 1436 الموافق يناير/ 2015.. وكل هذا يكشف مدى الخلل الذي لازم فكر جماعة الإخوان طيلة أكثر من ثمانية عقود، ويؤكد على عدة أمور:
أولها: أنه لا يجوز لأحد من جماعة الإخوان بعد ما سبق، أن يحتج علينا بما وقع لصاحبهم بمصر وقد مكن الله له ولجماعته، فقد انكشف وتأكد أن هذا التمكين إنما تولد من منطلق فكري خاطئ وهو الظن بأنهم (جماعة المسلمين)، وهذا ? على ما اتضح ? فكر خارجي تكفيري يحول ? أيضاً ومن غير ما سبق ذكره ? دون إتمام الأمر له ولجماعته وذلك أبد الدهر وفي سائر بلدان المسلمين، وينسحب ذلك بالطبع على كل من كان محسوباً على المسلمين وناصبهم العداء وحمل عليهم السلاح وادعى أنه مع ذلك (خليفة المسلمين) أو من يمثل (جماعة المسلمين) كـ (داعش) وغيرها.. ومعلوم بالضرورة أن جماعة الإخوان هم من خرجوا بالسيف والسلاح على الرئيس الأسبق (مبارك) وهم من حرّقوا أقسام الشرطة وأعملوا القتل بمن فيها، وعليه فادعاءات الإخوان أنهم أهل التمكين ومن يمثلون (جماعة المسلمين) ادعاء باطل، إذ كيف يتسنى لهم أن يحكموا (جماعة غير المسلمين) من وجهة نظرهم؟! وكيف يتسنى لغير المسلمين من غير جماعتهم أن يولّوهم حكمَهم ويرتضوا بهم؟!، تناقض عجيب نتج عنه تقسيم جماعة الإخوان المصريين وغيرهم في سائر بلاد المسلمين إلى: مسالمين وهم أفراد الجماعة، ومحاربين وهم عامة الشعب.. وأسفر عنه في ذات الوقت دعوة أصحاب الفطر السليمة لأن يتنادوا وينادوا بفك هذا اللغز، ليس بإسقاط من انتدبته الجماعة لمهام الرئاسة وإنما بإسقاط المنهج متمثلاً في المطالبة بإسقاط المرشد وجماعته، لوضوح أنهم من كانوا يحكمونهم بالفعل وأنهم لا يوالونهم ولا يحبون لهم الخير في حقيقة الأمر، بل ومن يسعون بكل سبيل لإيقاف عجلة حياتهم والإيقاع وإلحاق الضرر بهم وجلب الأذى لهم طالما أن غيرهم هو من يحكم، فهم كما قيل: (إما أن يحكموننا وإما أن يقتلوننا)، وادعاءاتهم في الماضي بجلب الخير ورفعهم شعار (النهضة) و(الإسلام هو الحل) إنما كانت مجرد أكاذيب ولا تعدو أن تكون للضحك على الناس والمتاجرة بشريعة الله، وآية ذلك عدم تطبيق أحكامها إبان حكمهم بل وخروج مليونية في 9/ 11/ 2012 تطالبهم بتطبيقها.
فهذا، بالإضافة لما اعتادته جماعة الإخوان من كذب وتضليل ? تكشَّف للعالم كله فيما بعد ? لإظهار أن ما جرى بمصر كان انقلاباً عسكرياً، ولم يكن احتجاجاً شعبياً لم يجد الجيش بداً عن مساندته وإلا وقعت المقتلة التي توعدوا بها شعب مصر في مجلس الحرب الذي عقدته جماعة الإخوان في رابعة بمباركة مشايخهم مشايخ الخوارج وأئمة الضلال.. وبالإضافة لما واكب ذلك قبلُ: من إعطاء فرصة أسبوع ثم 48 ساعة لتقييم الأمر وفرصة أخرى تعطى لمرسي إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وفرصة ثالثة للتصالح كل ذلك دون جدوى، وبعدُ: من إعداد الإخوان عدتهم لإعلان الحرب على الدولة إبان اعتصامي رابعة والنهضة ووضع المتاريس واستخدام السلاح مع علمهم بقول نبي الرحمة: (من حمل علينا السلاح فليس منا).. كل هذا خروج على ما أقرته شريعة الإسلام ومعتقد أهل السنة والجماعة، ويوجب عليهم الكف عما هم فيه من سفه وضلال ومطالبة بعودة نظامهم القديم، بل ويفرض عليهم النزول على ما أجمع عليه سلف الأمة من مشروعية وشرعية إمامة التغلب على افتراض صحة ادعاءاتهم بذلك، ولاسيما مع حصول هذا المتغلب على رضا الأغلبية، وذلك لوضع حد لما عليه حال المسلمين الآن ودرءً للفتنة.
ثانيها: افتراء ما أجمع عليه من أسموا أنفسهم بـ (الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين) الذي يرأسه الشيخ القرضاوي، من بيانات حُشيت من أولها إلى آخرها بالأكاذيب والأضاليل، وانخرامه لما هو معلوم بالضرورة من أن أمة الرسول لا تجتمع على ضلالة، وذلك قوله عليه السلام: كما في صحيح الجامع 1848: (إن الله لا يجمع أمتي على ضلالة، ويد الله على الجماعة)، وفي رواية الحاكم وصححها الألباني في نهاية السول برقم 70 وصحيح الترمذي (2167): (لا تجتمع هذه الأمة على ضلالة أبداً)، وهي في رواية لابن ماجة بزيادة: (فإذا رأيتم اختلافاً فعليكم بالسواد الأعظم)، وفي غيرها للترمذي: (ويد الله مع الجماعة ومن شذ شذ إلى النار)، وفي أخرى لأبي داود: (وألا يظهر أهل الباطل على أهل الحق)، وفي مسند أحمد: (وعليكم بالجماعة فإن الله لا يجمع أمتي إلا على هدى)، وفي أخرى: (ولا تستباح بيضة المسلمين)، وهي وإن كان في بعضها ضعف إلا أن معناها صحيح، قال الغزالي في المستصفى1/ 111: “تضافرت الرواية عن رسول الله مع اتفاق المعنى في عصمة هذه الأمة من الخطأ”.
ثالثها: أن ما جاء في بعض بيانات من ذكرنا من (الاتحاد العالمي)، قد اتضح الآن أنه حجة عليهم لا لهم، وبخاصة بعد معرفة منهج سلف الأمة في عدم صحة ادعاءاتهم بأنهم جماعة المسلمين، وبعد معرفتهم منهج السلف أيضاً بشأن إمامة المتغلب ? على التنزل ? ووقوفهم على إجماع أئمة المسلمين ومعتقدهم على شرعيته ومشروعيته على ما بيناه في مقال (التجرد)، ولنا أن نردد نفس ما جاء في بياناتهم ونقول استنادا على أدلة الكتاب والسنة والإجماع: “ندعو جميع المصريين ? بمن فيهم الجيش العظيم ? إلى الاعتراف بشرعية من أجمع أهل السنة طوال القرون الماضية على شرعيته من الأئمة المتغلبين وعدم تكفيرهم، والحفاظ على درء الفتنة، ونطالب المصريين جميعاً بالحفاظ على أمن مصر والمواطن، ونندد بالعنف والقتل والاعتداء، ونتابع عن كثب وبقلق بالغ تطورات الأحداث في مصر وما يتزامن معها من زيادة التوتر والاحتكاك بين الخارجين من جماعة الإخوان وبين رجال الأمن، حيث سقط قتلى وجرحى كلهم من أبناء الشعب المصري العزيز.. أو تخريب منشآت هي من مرافقه ومنجزاته.. أو التعدي على حرمات الناس والتعرض لحياتهم وحقوقهم المكفولة بالشرع والقانون.. وأمام هذا الوضع الخطر: فإننا نحن ? جميع العلماء المخلصين العاملين ? نؤكد على حرمة الخروج والانقلاب على الرئيس الشرعي المنتخب (عبد الفتاح السيسي) وعدم تكفيره كما يفعل وجدي غنيم وعبد المقصود الآن ومن على شاكلتهما من أئمة الخوارج، وبطلان الفتاوى والمؤامرات التي يحيكها (التنظيم الدولي لجماعة الإخوان) لعزله، لأنها بُُنيت على باطل وتناقض الأدلة الشرعية والدستورية التي ذكرت في هذه الفتوى، وما بُني على باطل فهو باطل.. كما ندعو في الوقت نفسه الاتحاد العالمي: بالدعوة إلى نبذ العنف ومنع الاعتداء، ونناشد الجميع أن يتقوا الله في الأنفس المعصومة وبخاصة جنود مصر وشرطتها الأوفياء، التي تقوم جماعة الإخوان ? بلجانها النوعية ومسميات تنظيماتها المتعددة ? بإزهاقها كل يوم، فهي أنفس حرمها الله وجعل حرمتها كحرمة البلد الحرام والشهر الحرام والبيت الحرام، والله الله في إراقة الدماء، فقد قال الله تعالى: (أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً)، وقال: (ومن يقتل مؤمنا متعمداً فجزاؤه جهنمُ خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، والأحاديث الكثيرة دالة على أن حرمة دماء المؤمن التي يستحلها الإخوان الآن أكبر من الكعبة المشرفة، وأنه (لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماَ حراماً)، ولذلك نطالب الجميع بمنع المفسدين والمندسين من جماعة الإخوان ومن يشترونهم ويستغلونهم في أية تجمعات لإحداث فوضى في البلاد، وهذه مسئولية الجيش والأمن والشرطة بصورة خاصة كما أنها مسئولية كل مسلم وكل مواطن بشكل عام.. ونندد بما تقوم به قناة الجزيرة من دور مشبوه لا يخدم في النهاية إلا مصالح الدول المعادية للإسلام والمسلمين، وندعو الشعب المصري العظيم أن يقدر الدور الذي يقوم به الرئيس السيسي في خدمة قضايا مصر والدول العربية والأمة الإسلامية، وأن يثمن الدور الذي يقوم به سيادته في محاربة المعتدين من شيعة اليمن ولبنان والمارقين الخوارج في ليبيا وعلى حدود مصر ومن داخلها، كما ندعو الشعب وبخاصة الثوار الذين اتحدوا على أهداف ثورة يناير المجيدة، إلى الالتفاف حول هذه الأهداف وحماية ثورتهم التي عجز الإخوان عن اختطافها، وفاء لدماء الشهداء وتضحيات الشرفاء من أبناء مصر الذين ضحوا من اجل الحرية والكرامة والعدالة والاستقرار، لاسيما من كانت نهايتهم على أيدي جماعة الإخوان، ونطالب ? نحن العلماء المخلصين العاملين ? بحماية شرعية الإمام الحالي المنتخب وحماية مصر العظيمة من الفتن ما ظهر منها وما بطن، كما نطالب كل أحرار العالم والمدافعين عن قيم الحرية والحياة الدستورية بمنع الإخوان من التدبير في العلن أو في الخفاء للإضرار بمصالح البلاد والعباد، ونُثمِّن مواقف الدول التي وقفت بالدعم والتأييد ضد جبروت جماعة الإخوان ولاسيما في هذه المرحلة الحرجة، ونتمنى من جميع الدول المحبة للسلام أن تتعامل مع الوضع في مصر الآن بمنطق الشفافية والوفاء والصدق بعيداً عن الازدواجية والانتقاء، كما نحذر دول المنطقة وشعوبها من خطورة ما تقوم به جماعة الإخوان من انتهاك للشرعية الدستورية في جميع بلدان العالم والانقلاب عليها من قِبل الجماعة، فإن الخروج المسلح عليها يشكل سابقة خطرة يمكن أن تهدد أمن واستقرار المنطقة والعالم أجمع.. ونهيب بجميع شعب مصر أن يحافظ على مكتسبات بلاده وبأن يقدر ما يبذل من جهد وعرق وأن يصبر فإنما النصر صبر ساعة، كما نهيب به أن يمنع المندسين لإحداث الفتن أيا ما كانوا، فالله الله في إراقة الدماء والاعتداء على الأموال فهذه الأشياء من المحرمات الخطيرة، ولا نشك في أن الله ناصر دينه وجنده ضد أعداء الإسلام في اليمن ولبنان وشمال مصر وجنوبها وشرقها وغربها.. فالمؤامرة من أعداء الإسلام ومدعيه بالداخل والخارج خطيرة، والطابور الخامس يعمل على تقويض مصرنا ليل نهار والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون”.
رابعها: وحتى لا يُظن أنا نفتري على الإخوان احترافهم الكذب، نكشف عن بعض المواقف الموثقة من أكاذيبهم ونذكر منها على سبيل المثال: ما جرى في 8/ 2015، فتحت عنوان: (القيادي الإخواني د. حمزة زوبع المتحدث الإعلامي لحزب الحرية والعدالة المنحل على إحدى القنوات الإخوانية، يكشف تقرُّب الإخوان إلى الله بالكذب)، شن نشطاء سلفيون هجوماً عنيفاً ضد جماعة الإخوان على خلفية التصريحات التي أدلى بها زوبع وكشف فيها أن الجماعة كانت تعلم أن اعتصام رابعة لن يعيد مرسى إلى السلطة، لكنهم طلبوا من أنصارهم التصعيد بهدف الوصول إلى نقطة التفاوض بحسب تعبيره.. وقال (سامح عبد الحميد)، القيادي السلفي عبر حسابه على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك): “إن ما قاله حمزة زوبع يؤكد تضليل الإخوان لأنصارهم وهذا جزاء من يُسلِّم عقله للإخوان، لافتاً إلى أن الإخوان يكذبون؛ بل يتقربون إلى الله بالكذب وهذا من ضلالهم، والإخوان لا عهد لهم ولا وعد، يتملصون من كل شيء ويتراجعون عن كل شيء إذا كان في ذلك مصلحتهم، ويُعطون الوعود بسخاء ولا يُنفذونها، ويُوهمونك بأنها حرب على الإسلام وأن السلفيين خونة وعملاء، وفى الوقت نفسه يتزاحمون على خيمة الدعوة السلفية ليكسبوهم في الانتخابات”.. وفى السياق ذاته قال (عبد الفتاح سعيد) القيادي السلفي، عبر حسابه على (فيسبوك) تعليقاً على نفس الخبر: “أظن كده حمزة زوبع جاب من الآخر، وأظن بعد كده كل واحد محترم يسكت ومايدافعش عن الإخوان، الراجل يقول: (كنا عارفين إن اعتصام رابعة مش هايرجّع مرسى)، طيب لماذا كنا عاملين اعتصام وتقولوا: مرسي راجع غداَ أو بعد غد؟، (كنا نريد أن نزيد من مساحة التفاوض السياسي)”، وتابع يقول: “والله العظيم أنتم خونة ومجرمين، ربنا ينتقم منكم، على فكرة كل ما يحدث الآن أيضا لزيادة مساحة التفاوض السياسي”.. كما شن (راضي شرارة) القيادي السلفي وأحد حلفاء الإخوان هجوماً على الجماعة، وقال: إن كلام زوبع “كلام سياسي يتعلق بالتفاوض لكنه يحمل في داخله أكثر من مفهوم سيئ، مثل: أنه يُفهم من هذا الكلام أن هناك عملية خداع كبيرة قام بها هؤلاء للمعتصمين، لأنهم كانوا كل يوم يقولون لهم إن مرسى خارج والاعتصام لن ينفض”، وأضاف: “إن هذا الكلام يدل على أن الإخوان باعوا قضية مرسى ومن زمن بعيد، فلماذا المتاجرة به حتى الآن؟!”، قال: “حين تدرك أن آخر هدفك هو تفاوض سياسي، فلم التفريط في كل هذا وقد كان مسموحا لك بالتفاوض السياسي من قبل ومن بعد، وقد تدخل كثير من العقلاء من مصر وخارجها؟.. وإذا كان الأمر تفاوض سياسي فلمَ تحويل القضية إلى كفر وإيمان وتحويل الصراع إلى حرب على الإسلام؟!”.. كما انتقد (زين العابدين كامل)، عضو الجمعية العمومية للدعوة السلفية، ما صرح به زوبع بشأن اعتصام رابعة، وكيفية متاجرة الإخوان بالمحبين والمتعاطفين من أنصار الجماعة، وأضاف كامل في بيان على الموقع الرسمي للدعوة السلفية: “ماذا ستقولون لله يوم القيامة، ضحيتم بأرواح الأبرياء وتسببتم في قتلهم، وأقسمتم بالله على عودة د. مرسى ثم تعترفون الآن بأنكم كنتم على يقين بأن اعتصامات رابعة لم تكن لتؤدي في نهاية الأمر إلى عودته، إذن فلماذا خدعتم الشباب المتحمس وغررتم به؟”، وتابع: إن “من مقاصد الشريعة: (حفظ النفس)، وقد أوجد الله في الكون ما يحفظ النفس ويضمن لها الحياة مِن ماء وغذاء وإيواء وكساء ونحو ذلك، ثم أباح لها المحظورات عند الضرورة”إ.هـ.. وأنا أضيف هنا عتاباً لأولئك السلفيين وأقول: كيف تسنى لكم منذ البداية أن تنخرطوا في عداد أهل البدع والضلال؟!، ألم يفتوكم مشايخكم سلفا وخلفاً بحرمة مجالستهم والحديث معهم والانخراط في صفوفهم؟!، وإذ قد علمتم ما كان منهم في رابعة والنهضة من حمل السلاح وسفك للدماء فكيف تسنى لكم مشاركتهم منذ تلك اللحظة؟!، أليس الإخوان هم مَن وراء كل الدماء التي سالت هنالك وهم مَن لا يزالون يكذبون على الناس ويتاجرون بها ويزايدون بأعداد من قتلوا؟!، فليس أمامكم إذن إلا الندم والنصح والبيان والإفصاح، وإلا فالموعد الله.
وتحت عنوان: (إخوانية منشقة: الإخوان أحرقوا مسجد رابعة العدوية لكسب تعاطف الشارع)، صرحت ناشطة إخوانية قريبة من مطبخ الأحداث تدعى (فاطمة يوسف) في إحدى الصحف المصرية: بأن اعتصام (رابعة) شمل غرفة للتعذيب، وأن (الإخوان) هم من حملوا السلاح في (الحرس الجمهوري)، وقدمت اعتذاراً للدولة وللداخلية وللشعب المصري عما قامت به من ادعاء وتضليل ضد الشرطة، معلنة رغبتها في العودة إلى حضن الوطن بعيداً عن التنظيم الذي احترف الكذب، وكشفت عن تهديدات القتل التي تتعرض لها كل يوم من قبل أعضاء التنظيم الذين وصفوا انشقاقها عنه بـ (العار)، وأوضحت فاطمة أن “الرسول الكريم لم يستخدم في غزواته وحروبه ضد الكفار الكذب والسب والشتم للوصول لهدفه كما تفعل الجماعة الآن، بل كان يستخدم العقل والتفكير، فلو كانت الجماعة على حق لما استخدمت ذلك الأسلوب المخالف للعقيدة، وعندما كنت صغيرة في المدرسة كنا نتعلم حب الوطن وفداءه، ولسنا وسائل لتخريبه”، تقول حفظها الله: إن قصتها بدأت بعد خروجها من قسم المرج، وأنها تحدثتْ مع الإعلامي الإخواني (محمد عبد الله) الموجود في لندن منذ فض اعتصام رابعة، وقال لها: “لازم نشتغل على الوقت الطويل اللي إنتي قعدتيه في القسم وتقولي إن الضابط فلان ورجال الأمن قاموا باغتصابي في القسم، ويجب أن يحدث اعتصام في المطرية.. وإنتي أكتر واحدة تقدر تُسبكي الواقعة ومش بتخافي من التهديدات”، تقول: “فقلتُ: نجرب، ولم أفكر في التراجع إلا بعد إحساسي بتدمير مستقبل الضابط بسببي، خاصة بعد قرار النائب العام بضبطه وإحضاره، وبعد إلحاح منه، قلت له: (مش قادرة حرام عليكم، أنا خلاص اتخنقت)، فرد علىَّ بقوله: (اصبري بس ولما نرجع هنفهمك)، لكنى لم أستطع الصمود، وذهبت إلى والدي وقلت له: إن موضوع اغتصابي في قسم المرج غير صحيح.. وتراجعت واعتذرت عبر وسائل الإعلام”، وعن سؤالها عن كيف تم التخطيط لاتهام الداخلية باغتصابك؟، قالت فاطمة: “أعتذر لوزارة الداخلية، لأني فعلاً أخطأتُ في حقهم، واتبلِّيت عليهم، ولهم حق في القبض علىَّ، فلم أكن ملاكاً بل كنت أقوم بأشياء خاطئة.. وكوني أهتف أو غيري بشعار (يسقط حكم العسكر) ده كان أكبر غلط، لأننا لسنا في حكم عسكر، فالرئيس خلع البدلة العسكرية وأصبح مدنياً، والجيش يضم ابن عمى وابن خالتي وأقاربي فلماذا أسقطه؟!، ده من غير الجيش البلد مش هتنفع”، وجواباً عن رد فعل الإخوان بعد اعتذارها للداخلية وكشفها لفضائحهم؟، قالت فاطمة: “الجماعة اتهمتني بالكفر وأنى لم أكن عضواً بها، وأنه لم يتم حبسي من الأساس رغم أن وزارة الداخلية لديها توثيق بموعد الحبس وكذلك خروجي، واتهموني بالخيانة، وأنى تابعة للمخابرات العامة، واتصل بي عدد كبير من القيادات الإخوانية، وقالوا لي: (منك لله حسبي الله ونعم الوكيل، إحنا اللي كبَّرناكي وإحنا اللي هنغرَّقك)، وكل جيراني الإخوان يعتبرونني كافرة، فأي حد ينتقد الجماعة يتم تخوينه وتكفيره، وحدث ذلك من قبل مع (محمد حبيب ومختار نوح وكمال الهلباوي وثروت الخرباوي وعبد الجليل الشرنوبي)، وعندما انسحب هؤلاء من التنظيم اتهموهم بالكفر والخيانة وأنهم باعوا الجماعة وحصلوا على أموال، وكذلك يقولون عنى، لكنى لست بخائنة أو كافرة لمجرد أن قلت الحقيقة وكشفت أسرارهم، فهناك شروط لتكفير المسلم، وليس من حق أحد أيّاً كان أن يكفر الآخر، وأنا أصوم الاثنين والخميس، وأقوم بأداء الصلاة في أوقاتها وقريباً سأختم القرآن الكريم، وأصلى القيام والفجر حاضراً، وفى المقابل أعتقد أن (وجدي غنيم) لا يصلى فرض الصلاة حاضراً، أما لفظ (خائنة): فلا ينطبق علىَّ، إنما عليهم، فهم يخونون البلاد ويتعاملون مع إسرائيل واليهود، وهذا ينطبق على قيادات الجماعة بالكامل”.. وفي حواها مع صحيفة أخرى قالت فاطمة: “بدأت تجربتي داخل جماعة الإخوان منذ اعتصامَي رابعة والنهضة، وكان عمري وقتها ١٥ عاماً ونصف العام عندما بدأتُ أشارك مع والدي في التظاهرات المؤيدة للجماعة، وفى تلك الفترة طالبني والدي بأن أكون مثل شباب الإخوان، ألبس مثلهم، أفكر مثلهم، أنضم إليهم، فارتديت النقاب وأصبحت أعشق الجماعة وفكرها، وخاصة بعد اقترابي من شباب الجماعة الذين يَظهرون لك وكأنهم ملائكة من السماء بعثهم الله على الأرض إلا أن الحقيقة مختلفة تماماً عندما تختلط بهم وتعرفهم جيداً”.. وفي سؤال عن نشاطها وحجم الأموال التي تأتيهم من قطر وتركيا وتصرف للخوارج التكفيريين على تقتيل المسلمين وتخريب ديارهم؟، قالت: “أسستُ 3 حركات إخوانية لقيادات التظاهرات في الشارع وهي (كفاح شعب)، (حق الشهيد راجع)، و(ثائرون من أجل مصر)، وحصلت مقابل ذلك على مبالغ مالية من (تحالف دعم الشرعية).. وأي عضو بالإخوان يُلقى القبض عليه يحصل على ١٥ ألف جنيه شهرياً للصرف على أسرته لو كانت قضيته كبرى مثل قضية (عرب شركس) وقضية (رابعة والنهضة)، أما القضايا العادية فهي فارغة بالنسبة للإخوان، ولا يعطون عليها أي تمويل، وللعلم فإن الجماعة لا تصرف ولا تعطى أموالاً إلا لأعضائها، أما المتعاطفون في حال القبض عليهم فالجماعة لا تزورهم حتى في السجن ولا تعطيهم ولو وجبة”، كما صرحت فاطمة بأن “المولوتوف كان سلاحنا القديم، أما الآن فهناك رصاص حي وخرطوش، للتعامل مع قوات الشرطة، وإرهاب الجماعة وتطرفها وصل إلى وضع مكافأة على كل (رأس) من الضباط والجنود الذين يصابون أو يقتلون في تظاهراتنا، وأن هناك برنامج صوتي شهير يستخدمه الإخوان في تزوير صوت الرئيس في التسريبات وهو مشهور جدا ولكنني لا أستطيع أن أتحدث عنه، وأن كل القرارات التي تأتينا تطالبنا بالعنف وتدعونا إلى القصاص وتقول اعتدوا عليهم مثل ما اعتدوا عليكم”.. والحوارات طويلة ونكتفي منها بما ذكرنا وبأن نعلم أن النظام (القطري) أنفق على مدار ثمانية أشهر فقط أموالا تقدر بنحو 720 مليون دولار، على أكثر من 7 محطات فضائية، و3 صحف مطبوعة، وإذاعتين، وعشرات المواقع الإلكترونية، فضلا عن صفحات التواصل الاجتماعي على فيس بوك وتويتر، وأنها ? حسب (باتريك بول) الخبير في الأمن القومي والباحث في شئون مكافحة الإرهاب، أمضت صفقة أقرها (أوباما) تقدر بـ 60 مليار دولار لدعم الإرهاب وبهدف إثارة الفوضى داخل مصر وتشويه نظام الرئيس السيسي أمام الرأي العام العربي والدولي، وتأجيج الرأي العام المصري ضد حكومته ودفعهِ إلى الاعتراض على قراراتها وسياساتها المختلفة، فضلا عن تشويه كل النماذج والمشروعات التنموية الناجحة التي تسعى الحكومة لتنفيذها في الوقت الراهن.. ليتضح لنا حجم أموال المسلمين التي تذهب لحرب المسلمين، وحجم المؤامرة والكذب والخيانة والخداع التي تحاك لشعب مصر، وحجم المتاجرة بدين الله عز وجل من قِبل هذه الجماعة المارقة التي تدّعي لنفسها أنها (جماعة المسلمين)، والإسلام وعقلاء المسلمين منها براء.. ولا تعليق.
خامسها: أنه لا ينبغي أن يكون ما نكشفه هنا في وجهة النظر الشرعية عن جماعة المسلمين، أن يكون بمعزل عن قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين.. التوبة/ 119)، وإنما أعني بهم هنا بطبيعة الحال: جماعة المسلمين المحقة، ذلك أن من يكذب على الله لا يؤتمن على دين ولا دنيا، ولا أدري كيف يستحل الكذبَ على الله وعلى الناس مسلم يعي قول الله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عنيد) وقول الصادق المصدوق في الحديث المتفق عليه بأبي هو وأمي: (.. وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا)، وقوله: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهم كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر)، وقوله كما في الحديث المرسل، عند جوابه لمن سأل، أيكون المسلم جباناً قال: لا، أيكون المسلم بخيلاً؟، قال: لا، أيكون المسلم كذاباً؟، قال: لا.. ذلك أن الصدق على عمومه ? لاسيما ما كان منه مع الله ? هي بضاعة الداعية وبغيرها يفقد مصداقيته لدى من يدعوهم، فهو منجاة.. وهو قبل ذلك سمت الصالحين المخلصين حتى في أحلك الظروف والأوقات، ولقد حكي أن الحجاج بن يوسف خطب يوماً، فأطال الخطبة، فقال أحد الحاضرين: (الصلاة!، فإن الوقت لا ينتظرك، والرب لا يعذرك)، فأمر بحبسه، فأتاه قومه وزعموا أن الرجل مجنون، فقال الحجاج: (إن أقر بالجنون خلصته من سجنه)، فقال الرجل: (لا يسوغ لي أن أجحد نعمة الله التي أنعم بها عليّ، وأُثبتُ لنفسي صفة الجنون التي نزهني الله عنها)، فلما رأى الحجاج صدقه خلى سبيله.. وهل يخفى عل
عاجل إلى شبابنا الصادق المتجرد: (واجب الوقت.. وغداً.. وبعد غد.. وإلى الممات: مجاهدة النفس والشيطان)
يقول الإمام مالك: (إن أقواماً ابتغوُا العبادة وأضاعوا العِلم، فخرجوا على أمة محمد بأسيافهم، ولو ابتغوُا العِلم لحجزهم عن ذلك)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.. وبعد:
فما من شك أن الكثير وبخاصة من الشباب، واقع الآن ? فكراً وتخطيطاً وتنظيماً وإعلاماً وتوجيهاً ? تحت تأثير (جماعة الإخوان) المنتشرة في أنحاء العالم، حتى إنك لترى من لا يفكر إلا بتفكير الإخوان، ومن لا يسمع إلا لقنوات وإعلام وأبواق وأئمة الإخوان، ومن لا يردد إلا كلام الإخوان، وإن لم يكن واحداً منهم، والإخوان في المقابل يطعنون في مخالفيهم ساسةً وإعلاميين وعلماء ويوحون إلى أوليائهم: هذا كذا وكذا، وفلان فيه كذا وعنده كذا ويعمل في كذا، حتى يصدونك عن سماع غيرهم، وأصل صنيع الإخوان وقاعدتهم في ذلك: ما ورد في المثل المصري (كُتْر الزَّنّ على الدّماغ أشد من السحر).. وهذا بالطبع على عكس ما أمر به رسولنا وما كان عليه سلفنا، ففي الآية: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، وفي الحديث: (لا يكن أحدكم إمعة.. ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تحسنوا إن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)، وفي آخر: (رب أحدكم ألحن بحجته من أخيه فأقضي له بما أسمع فأقتطع له قطعة من النار)، وفي الأثر عن معاذ بن جبل فيما رواه عنه أبو داود في سننه: (اقبلوا الحق من كل من جاء به وإن كان كافراً أو قال فاجراً، واحذروا زيغة الحكيم)، قالوا: كيف نعلم أن مع الكافر حقاً؟، قال: (إن على الحق نوراً)، وفي خبرٍ للشافعي: (رأيي صواب قد يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ ? يعني: فيما أرى ? قد يحتمل الصواب).. ثم إن منهج الإخوان فيما ذكرنا مستقىً مما هو معلوم في عالم الجن، فإن (إبليس لما استلب من الجن عقولهم، شلَّها عن التفكير فصاروا لا يفكرون إلا في جلب الشر على بني آدم)، وما ذاك إلا لحقد أبيهم على أبينا وإفهامهم أنه من تسبب في خروجه من الجنة لا أنه أبي تنفيذ أمر الله، كما أن ترسيخ الإخوان لقاعدة: (أنت تسمع وتطيع ونحن نفكر لك) في نفوس أتباعهم، أشبه بفعل فرعون وقوله لملأه: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.. غافر/ 29)، وقولِه عن كليم الله موسى: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد.. غافر/ 26)، كذا بما يعني أنه وملأه ماضون في سياسة صمِّ الآذان عن سماع الغير، لحد أن وصل بهم الأمر لأن يقولوا لنبيهم المرسل لهدايتهم: (مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين.. الأعراف/ 132)، فأضحى ما لدى موسى بنظر الفرعون وملأه فسادُ وسحر، وهو وهم أسُّ الفساد ومن كان السحر بضاعتهم، وهكذا هو حال الإخوان مع مخالفيهم من جماعة المسلمين، وما أشبه الليلة بالبارحة!.
ولقد كان من نتيجة ذلك: تغييب عقل الأمة والسير بها على خلاف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، حتى طال ذلك ثلة ممن ادعوا السلفية وغاب عنهم محاربة البدع والتحذير من المبتدعة، كما كان من نتيجته: إلباس الحق بالباطل وإزهاق الأنفس المعصومة وتشويه صورة الإسلام بما مؤداه الصد عن سبيل الله، كما كان من نتيجته هذا الكيد والدمار الذي لحق الإنسانية والذي الإسلام منه براء، وإلا فأين يقع ما جرى إبان ثورات الربيع العربي، وتخطيط الغرب في جعل سلاح الثورات والفوضى الخلاقة بمباركة (إخوان الشر) يرتد إلى صدر الأمة ويُنَفّذ من خلاله ما يعرف في زماننا بحروب الجيل الرابع، ومن قبلِ ذلك ما تمخضت عنه فكرة (التنظيم الخاص أو السري) على مدى العقود الثمانية الماضية من تاريخ الجماعة من قتل وخراب ودمار؟!، أقول: أين يقع كل هذا من فعل السلف؛ وأيام أن كان الناس على فطرتهم من قبلِ أن تنشأ جماعة الإخوان التكفيرية الخارجية، ومن بعد أن فشل هذا الغرب الحاقد في القضاء على الإسلام وإيقاف مده؟، وهل يشبه حال الإخوان في هذا؛ إلا حال (الحشاشين) و(الباطنية) ومن كان على شاكلتهم من حركات التمرد على الدولة الإسلامية طوال تاريخها العريض؟.. وما أرجوه من خلال هذا المقال هو: أن نراجع أنفسنا وننقدها نقداً ذاتياً يعود بنا وبالمسلمين جميعاً إلى فطرتهم وما أوصاهم به نبيهم بقوله: (إنه من يعش بعدي.. الحديث)، فنرى الحسن حسناً والقبيح قبيحاً والحق حقاً والباطل باطلاً والحلال حلالاً والحرام حراماً والصحيح صحيحاً والخطأ خطأً، وأنا ضامن ألا ولن يكون ساعتها ما حذر منه نبي الرحمة في قوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وقوله في خطبة وداعه: (إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم ولكن رضي بالتحريش فيما بينكم).. ولنعاود البدء بتصحيح المسار فنقول:
1-إنه بعد أن عرفنا فيما مضى أن الغاية الأسمى الذي يسعى إليها شبابنا من إقامة خلافة، قد حسمها الرسول في قوله: (الأئمة ? أئمة الخلافة ? من قريش)، وأنها كما في حديث مسلم في (اثني عشر رجلاً) آخرهم (المهدي).. وبعد أن لمسنا ما أخبر به عليه السلام من حكم جبري أراد سبحانه أن ينتهي إلى غير رجعة، وذلك من خلال ثورات قدَّرها ربنا أزلاً في سابق علمه أطاحت بحكام كانوا مضرب المثل في الدكتاتورية، وأن ذلك جرى في وقت متزامن وفي ظاهرة غريبة ما كان لأحد أن يتوقعها، فكانت من علامات نبوته بأبي هو وأمي: فمن حكم جبري ? ممن تربعوا على قوائم الدكتاتوريين على مستوى العالم ? وقع من (علي عبد الله صالح) المُنَحَى، امتد 34 عاما تمخض عن خراب ودمار وفساد وثروة له ولأقاربه بلغت 64 مليار دولار، لآخر كان من (معمر القذافي) المقتول، امتد 42 عاماً وتمخض عن فساد وثروة قدرت بـ 220 مليار دولار، لآخر كان من (حسني مبارك) المخلوع، امتد قرابة 30 عاماً وتمخض عن ثروة له ولأسرته تقدر بـ 40 مليار دولار على أقل تقدير، لآخر حصل من (زين العابدين بن علي) المطرود، استمر لأكثر من 20 عاماً وتمخض عن ثروة له ولأقاربه تقدر بـ 32 مليار دولار، لآخر سيقع لا محالة ممن دمر وطنه وأهلك شعبه (بشار الأسد)، تمخض عن أصول له ولأسرته تقدر بـ 122 مليار دولار، كل ذلك في وقت كانت دولهم تعاني مع القهر: الفقر والجهل والمرض.. وبعد أن عرفنا أن ما سيلي ذلك من خلافة لن تكون إلا على (منهاج النبوة) وفي (مهدي أهل السنة) الذي أراد البنا والقرضاوي ? ومِن وراءهما أردوغان ? إنكار أحاديثه، ليتسنى لهما أن يجعلاها من دونه في جماعتهما.. ووقفنا على ما أوجبه نبينا على أمة الإسلام إبان زوال الحكم الجبري ولحين ظهور خلافة المهدي من لزوم (جماعة المسلمين) المحقِّة ومبايعة أئمتهم من أصحاب الشوكة، وطاعتهم والصبر عليهم وإن جاروا، وذكرنا في ذلك قول ابن تيمية في منهاج السنة 1/ 556 ? وهو يتحدث عما يقتضيه حديث حذيفة من وجوب طاعة الإمام ذو السلطان الموجود بالفعل والذي له القدرة على عمل مقصود الوِلاية، وإن ظلم أو جار ?: “وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”، ووقفنا كذلك على كلام ابن القيم وغيره من عدم الانشغال بالحكام وأن نؤدي حق الله الذي لهم وندَع ما وراء ذلك امتثالاً لقول نبينا فيما رواه الشيخان: (أدوا إليهم الذي لهم، فإن الله سائلهم عن الذي لكم)، وقوله: (أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)، وقوله: (أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم)، وأن الدعاء لهم ودعوتهم ورعاياهم إلى الاهتداء بهديه عليه السلام والاستنان بسنته هما أساس الصلاح والإصلاح، وعرفنا أن منهج أهل السنة ينحصر في: مبايعتهم وطاعتهم في غير معصية والجهاد تحت رايتهم، بينا منهج الإخوان يقوم على تكفيرهم وتكفير من لم يكفرهم من عامة المسلمين بالمخالفة لما أخبر عنه النبي بقوله: (فالزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وبمحاولة منازعة الأمر أهله واستحلال دم جنودنا والسير في أمة الإسلام مسيرة الخوارج، وأن الأحاديث ناطقة ببطلان البيعات العامة من غير ذوي الشوكة والسلطان، وقاضية باعتزال فرق الضلالة لاسيما المكفرة منها و(الداعية على أبواب جهنم من أجابوه فيها قذفوه فيها)؟، والتي (كلما خَرج قرن منها قُطع)، ويأتي على رأسها بالطبع في زماننا (جماعة الإخوان) ومن يدور في فلكها من أمثال: ذراعها العسكري (حماس) وكتائبها ولجانها النوعية و(تنظيم الدولة الإسلامية داعش) و(بوكوحرام) و(طالبان) و(القاعدة) و(حركة شباب الصومال)؛ إلخ.. فكان كل ما ذكرنا بمثابة التخلية عن كل تصور باطل غير قائم على أساس شرعي أو معتقد صحيح.
2-أقول: بعد أن وقفنا على كل ذلك، كان من الضروري أن نتطلع إلى ما رسمه لنا ديننا الحنيف: لنستشرف من خلال النصوص والآثار أيضاً ما هو مطلوب منا في زماننا، ولنتعرف على مراد الله في ضوء وقائع ومستجدات عصرنا بما يحقق عبوديتنا له تعالى وبما يحفظ علينا وبنا: مقاصد ديننا من صونٍ (لهذا الدين وللأنفس والأعراض والأموال والعقول)، وبما يجعلنا أهلاً لإظهار دينه على الدين كله، ولأن ننال بذلك شرف الانتساب والدعوة لصحيح الإسلام والاعتقاد بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فنكون سبباً لإسعاد أنفسنا والبشرية من حولنا.. وبما يحقق لنا ? نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ? الخلافة بمفهومها العام الشامل الذي تعني: “نيابة الإنسان عن الله في التصرف في الأرض بإعمارها عن طريق إنفاذ أحكامه وتصديق أخباره” بحيث لا يستبدل بنا في أداء هذه المهام قوماً آخرين، إذ الخلافة في لغة العرب تطلق على: كلِّ من خلف غيره، فهي في الأصل والأساس مهمة الأمة الإسلامية ومصلحيها، وما الخليفة العام أو القائد الرباني ? إن وجد ? إلا نائباً عنها في سياسة الدنيا بالدين، وهذا ما اصطلح عليه علماء اللغة والشرع وما تضافر على ذكره آي القرآن في نحو: آية البقرة/ 30، والأعراف/ 69، 74، والأنعام/ 165، ويونس/ 14، 73، والنمل/ 62، وفاطر/ 39.. وإنما يتحقق لنا ذلك في زماننا: بمجاهدة النفس والشيطان.
وقد يظن الكثير من الشباب أن الأمر بهذا، سهل.. وأقول: بل هو جد خطير وصعب لو كانوا يعلمون، وإنه ? وأيم الله ? لتفنى الأعمار وما يوفي المرء منا هذين النوعين من الجهاد حقهما، وإنها في المقابل لتفنى في سبيل شبهة واحدة من شبهات الشيطان، يموت المرء عليها وما كلف نفسه أن يسعى في ردِّها، فيلقى حتفه ويُلقي بنفسه وبغيره من المسلمين إلى التهلكة، فيكون مصيره ما أخبر عنه مولانا في قوله: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماَ) وهو يظن أنه يحسن صنعاً، وما يجري الآن على الساحة مما لا يخفى على أحد أعظم شاهد على هذا.. وحسبنا في تصوير خطورة مرتبة واحدة من مراتب مجاهدة النفس: ما صدّرنا به عنوان هذا المقال من قول إمام دار الهجرة: (إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العِلم، فخرجوا على أمة محمد بأسيافهم، ولو ابتغوُا العِلم لحجزهم عن ذلك)، وقوله: (لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا الذي أصلح أولها) وهو الإقبال على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، لندرك أن ما تموج به الأمة الآن إنما هو بسبب الغفلة عنه واللهث وراء ما شرعه (حسن البنا) وأمثاله، مما لم يأذن به الله ولا شرعه لنا ديننا ولا جعله أصلاً في إيماننا، بل وما كفانا الإسلام مئونته وتفاصيل خبره على نحو ما أوضحنا آنفاً.
وعن أهمية هذين النوعين من الجهاد يقول ابن القيم في زاد المعاد 2/ 38: “لما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعاً على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي عليه السلام: (المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، كان (جهاد النفس) مقدماً على (جهاد العدو) في الخارج وأصلاً له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولاً، لِتَفعلَ ما أُمرتْ به وتتركَ ما نُهيتْ عنه ويحاربها في الله، لم يُمكنْه جهاد عدوه في الخارج، إذ كيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج”، فانظر كيف يصور ابن القيم جهاد النفس ويبين مدى خطورتها وتسلطها على العبد وتثبيطها إياه عن نصرة دين الله تعالى، وأن جهادها هو الأصل لتحقيق تلك النصرة وبغير مجاهدتها لن تتحقق، والسؤال الملح الآن؛ كيف لنا أن نجاهدها طالما أن الأمر كذلك؟، يجيب رحمه الله فيقول بأن ذلك يأتي على “أربع مراتب: أحدها: أن يجاهدها على تعلُّم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمه شقيتْ في الدارين، الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد عِلمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرُّها لم ينفعها، الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله، الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالِم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلِّمَه، فمن عَلِم وعلّم وعمل فذاك يُدعى عظيماً في ملكوت السماء”أ.هـ.
وأنا أراهن وأنا أذكر لابن القيم هذا الكلام الذي يوزن بميزان الذهب، أراهن على أن ثلاثة أرباع أو قل أربعة أخماس من يحاربوننا الآن في ربوع العالم ممن لم يسلم أحد من أذاهم، إن كان قد عمِل بأول هذه المراتب من مجاهدة النفس، أتحداهم على اختلاف مشاربهم أن يذكروا لنا ما هي شروط (لا إله إلا الله)، وماذا يعني الولاء والعداء عليها، وهل يجوز قتل من يتلفظ بها وإن خفي عنا أمر نِيِّته؟، أو أن يذكروا لنا (الحكمة من مشروعية الجهاد في الإسلام)؟، أتحداهم وهم من خرجوا بزعمهم للجهاد في سبيل الله إن كان بعضهم لا يُكفِّر بعضاً بل ويكفر طوب الأرض ومن في الأرض جميعاً، وإن كان بعضهم لا يُكفِّر أباه وأمه؛ لا أقول: إن كان استأذنهما في الذهاب إلى القتال أم لا؛ كما علّمنا ذلك نبي الرحمة بأبي هو وأمي؟.. أرأيتم ماذا كان يقصد الإمام مالك من مقولته التي عنْوَنَّا بها هذا المقال؟، وإذا كان الجواب بـ (نعم)، فما يكون الحال ونحن لم نستفرغ الوسع في توفية أول مرتبة من مراتب مجاهدة النفس، ولم نستتبعها بثاني هذه المراتب وثالثها ورابعها؟!، وما يكون الحال بمجاهدة الشيطان في رد شهواته وشبهاته ? التي أطبقت على عقولنا فأضحينا لا نؤمن إلا بها ولا نذب إلا عنها على الرغم من أنها الباطل عينه ? حتى نقفز فوق كل ذلك بمجاهدة ليس الكفار، وإنما المسلمين في عقر ديارهم المسلمة؟؛ أرأيتم جهلاً يفوق ذلك الجهل وسفهاً يفوق هذا السفه؟، ولا أدل على باطل هذا الجهل والسفه من أن يبعث القادة بحدثاء أسنان ويقعدون هم عن شرف الجهاد وطلب الشهادة، أو يفرُّون عند الزحف إلى تركيا وقطر حيث العيش الوثير فيرتكبون واحدة من السبع الموبقات ويكونون كمن قال الله فيهم: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، وقال: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً)؟.. إنه خير لنا أن نستفرغ الوسع في هداية واحد من الكفار كفراً أصلياً لو أحسنا الظن بأنفسنا وعِلمِنا، من أن نقتله فيموت على الكفر حيث لا فائدة تعود علينا إن قتلناه على كفره وكنا سبباً في دخوله النار ونحن من ابتعثنا ربنا لننقذه وغيره منها، ففي الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها) وفي رواية: (خير لك من حمر النعم) وفي أخرى: (خير لك مما طلعت عليه الشمس)، ولَكم كان الرسول حريصاً على هداية الكفار حتى قال له ربه: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم ?إن لم يؤمنوا بهذا الحديث? أسفاً)، وحاله مع ابن اليهودي لا يخفى على أحد، ومحصلته كما أخرج البخاري من حديث أنس قال: “كان غلامٌ يهودي ? من عامة أهل المدينة ? يخدم النبي فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم)، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبي وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).. ولن نتكلم هنا سوى عن مرتبة (تعلم الهدى ودين الحق) التي عظم فيها تقصيرنا وبلاؤنا.
فتعلُّمُ العلم لله تعالى: خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة والبحث عنه جهاد يقول عنه أبو الدرداء رضي الله عنه: (من رأى الغدوَّ والرَّواح إلى العلم ليس بجهاد، فقد نقص في عقله ورأيه)، وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تُقتُص آثارهم ويُقتدى بفعالهم ويُنتهى إلى رأيهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامِّه وسباع البر وأنعامه، وترغب الملائكة في خُلتهم وبأجنحتها تمسحهم، يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/ 108: (لو لم يكن في العلم إلا القرب من رب العالمين والالتحاق بعالم الملائكة وصحبة الملأ الأعلى، لكفى به فضلاً وشرفاً، فكيف وعِزُّ الدنيا والآخرة منوط به ومشروط بحصوله؟).. ولأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلَم ومعالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة، فإن العبد يبلغ به منازل الأخيار وأعلى الدرجات في الدنيا والآخرة، وكان التفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، وبه توصل الأرحام ويُعلم حقوق الخالق والمخلوقين ويعرف الحلال من الحرام، وكان هو إمام العمل والعمل تابعه، يُلهمه السعداء ويُحرمه الأشقياء.. والعلم فضلاً عن هذا: “عبادة في الدين عظيمة، سابقة لغيرها ومصححة لما سواها، الظافر بها فائز والمفرِّط فيها نادم، امتدح الله أهلها وفضَلهم لأجلها، تهدي العبد إلى ربه وتنير له دُروب حياته، كمال الإنسان ونجاته متوقف عليها، وما عُبد الرب بمثلها، فبها يُعرف سبحانه ويُعبد ويُذكر ويُمجد، تؤنس صاحبَها في الخلوة وتذكِّره عند الغفلة، طلبها طاعة وبذلها قُربة، زينة لأهلها وأمانٌ لأصحابها، تنير القلوب والبصائر وتُقوِّي الأذهان والضمائر، أهلها للأرض كالنجوم للسماء بهم يُقتدى، وهم زينة للبرية وجمالها وحصن للأمة ودِرعها، ولولاهم لطُمست معالم الدين، بعبادة العلم: صلاح الأمة ورفعتها واستقامة النفوس وزكاتها وهداية البشرية وسعادتها وتحصين الأجيال وسلامتها، الحاجة إليها فوق كل الحاجات، وبدونها خراب العالم وفساده، قال الإمام أحمد: (الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين والعلم يُحتاج إليه في كل وقت)، ذلك أن رسالة الإسلام كلها علم وعمل، فالعلم شِطرُها قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. التوبة/ 33)، أي: بالعلم النافع والعمل الصالح، ولا شيء أطيب للعبد وأصلح لقلبه من محبة الله ورسوله، ولا سبيل إليهما إلا بالعلم، وقد عدد الله نعمه على رسوله وجعل العلم من أجلِّها قدراً فقال: (وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم.. النساء/ 113)، ولم يأمره بالاستزادة من شيء إلا من العلم فقال: (وقل رب زدني علماً.. طه/ 114)، قال الزهري: (ما عُبد الله بمثل العلم)، لذا كان نيله خير وفلاح فـ (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، وهو ميزان تفاوت الأعمال ودرجاتها، وبه صلاح العمل وزكاته، ولن تصفو للمرء عقيدته ويُحققَ الإخلاص لربه إلا بالعلم، وذلك قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك)، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل وبذلك بوّب البخاري في صحيحه، فالعلم يدل على الله وعلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها، (فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) كما في حديث مسلم، وما دام العلم قائماً فالناس في هدى، ومن عبدَ الله بغير هدى كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وما فشا الشرك والبدعة والضلال وسفك الدماء والخوض في الأعراض ودمار البلاد وهلاك العباد ? على نحو ما رأينا ونرى الآن ? إلا لقلة العلم، وبالعلم والإيمان يحيا العباد وتنقشع من أمامهم ظلمات الجهالة والضلالة وذلك قول رب العزة: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. الأنعام/ 122)”إ.هـ ملخصاً من خطبةٍ لإمام الحرم المدني عبد المحسن القاسم.
ولأن (العلم الخشية)، فإن من المهم مع معرفة فضله: أن يطلب بإخلاص وتجرد، بأن يُبتعد به عن العاطفة والرأي والهوى فهي آفته، وأن يصحبه إقبال عليه بالكلية والتزام تام بالآية والحديث، إذ الأمر فيه كما قال الإمام الذهبي: (العـِلم: قال الله قال رسوله * قال الصحـابة ليس بالتمويه/ ما العلم نصبُك للخلاف سفاهة * بين الرسول وبين رأى فقيه).. وكما قال ابن القيم في النونية: (العِـلم: قال الله قال رسولـه * قال الصحابة هم أولو العرفان/ ما العلم نصبك للخلاف سفاهة * بين الرسول وبين رأي فلان).. وقديماً قالوا: (أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم ونصف متفقه ونصف متطبب ونصف نحوي، فهذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان).. ولا بأس أن يطلب على يد الغير شريطة ما ذكرنا في هذه السلسلة وإلا فهو (علم الأصاغر) الذي منه حذر علماء السلف، وفي الأثر: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)، ولكَم جرَّ التفريط في انتقاء أئمة العلم من الفتن والحسرة والندامة ما الله به عليم، ولكَم زلّت بأهل العلم الأقدام كونهم ? وقد بلغوا من العلم الذروة ? لم يُتبِعوه بمجاهدة الشيطان في رد شبهاته، فساروا وأتباعهم في ركب إخوان الشياطين، على الرغم من تحذير الأوائل من ذلك وبيان أنه نوع من الجهاد لا يقل أهمية عن سابقه، ونذكر من ذلك لابن القيم قوله في زاد المعاد بنفس السياق: “وبينهما ? عدو النفس والعدو الخارجي ? عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذله ويرجُف به، ولا يزال يخيَّل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد هذين العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو: الشيطان، قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً)، والأمر باتخاذه عدواً: تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته، كأنه عدو لا يفتر ولا يقصُر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس”، وعن مرتبتي جهاده يقول رحمه الله: “أحدهما: جهاده عن دفع ما يُلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان، الثانية: جهاده عن دفع ما يُلقى إليه من الإرادات والشهوات”، فانظر كيف يسوى في مدافعة الشيطان بين النزوات والشبهات، وكيف أن كلاهما ملق بصاحبه إلى التهلكة وألا فرق بينهما من أنهما مدخلا الشيطان ومحل وسوسته، وفي (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) ص 431 ما نصه: “فتنة الشبهات: من ضعف البصيرة وقلة العلم، ولاسيما إذا اقترن بذلك: فساد القصد وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى والمصيبة الكبرى.. وهذه الفتنة مآلها إلى النفاق، وهي فتنة المنافقين وأهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا بسبب فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل والهدى بالضلال.. ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول وتحكيمه في دِقِّ الدين وجُله، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيُتلقَى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام.. فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات، وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها ما فاته منه، وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي: من عمى البصيرة وفساد الإرادة”.
على ابن القيم حين يتكلم عن جهاد العدو الخارجي، إنما كان يقصد بالطبع جهاد الكفار ومن تحدث عنهم النبي بقوله: (أهل الأوثان) لا (أهل الإسلام) كما يفعل الآن الخوارج شر الخليقة، كما أنه يقصد به ما كان منه بضوابطه: كأن يكون ? على ما سبق أن فصلنا ? تحت إمام ممكن، وراية ليست بالعمية ولا داعية إلى عصبية أو جماعة، وبإذن من الوالدين، وما كان يدور بخلده أن يأتي على الناس زمان تكون الغلبة لأناس يحرفون فيه الكلم عن مواضعه، ويسيرون بالأمة مسيرة الخوارج كما نرى في دواعش ودواحس عصرنا، فانظر كيف أضحى الجهاد وبالاً على أمة الإسلام وفي سبيل الشيطان، بدل أن يكون لإظهار الدين وفي سبيل الرحمن؟!، وكيف صار الجهاد طعائن في ظهور المسلمين بدل أن يكون لحماية بيضتهم؟!، ولَكمْ كان الواحد منا يتمنى أن تسعى هذه الجموع التي تدّعي لنفسها شرف الجهاد، وأن تنخرط بكل سبيل تحت راية أئمة أهل السنة الممكنين أمثال الملك (سلمان بن عبد العزيز) والرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي)، ليكون جهادهم ? على ما هو الأصل فيه ? ضد أولئك الذين يحيطون بنا من كل جانب من الروافض والخوارج ممن يريدون أن يستأصلوا شأفتنا نحن معاشر أهل السنة والجماعة، وينشروا الخراب والدمار في ديارنا سواء في المملكة السعودية أو في قلعة الأزهر أو في غيرهما من بلاد الإسلام.. فالخوارج والروافض هم صنائع اليهود وأمريكا ونصارى الغرب وأدواتهم، والواقع يشهد بهذا، أم هل نسينا ما يجري الآن من التكفيريين على أرض سيناء وتونس وليبيا من قتل الموحدين، وما كشف عنه (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي السابق في مذكراته، من أنّ بلاده سنة 2003 دفعت للمرجع الشيعي بالعراق (علي السيستاني) 200 مليون دولار لإصدار فتوى تُحرِّم على الشيعة قتال الأمريكان، للمساعدة في سقوط العراق في أيدي الاحتلال الذي قادته أمريكا التي مكنته وأشياعه فيما بعد من (صدام حسين) فذبحوه وقتلوه شر قتله، وهو بعد محسوب على أئمة السنة وقلامة ظفره برقاب جميع سابِّي الصحابة من أئمة الضلال في العراق وإيران ولبنان واليمن؟، أم هل نسينا ولم نعد نذكر مذابح (الأحواز) الجماعية وشنقهم أهل السنة على أعمدة الإنارة، ولا الأحاديث الواردة بحق (يهود أصبهان) الذين سيخرجون آخر الزمان مع الدجال؟.. لقد كشفت تقارير عديدة عن أن الغرب بزعامة أمريكا، رأى في إيصال التيار السياسي سدة الحكم بغيته وتحقيق أهدافه من خلال التحريش فيما بين السنة والشيعة والسنة والسنة، وقد نجح في ذلك بامتياز، على نحو ما نجح بنفس الدرجة في تدمير الأمة الإسلامية ومقدراتها عن طريق الحرب بالوكالة عن هذا الغرب الحاقد وعن إسرائيل، ولتنعم الأخيرة بالأمن والأمان وتعيث في مسرى ومعراج نبينا بالفساد.. أرأيتم شباب الإسلام: كيف أن أعداء الله يستخدموننا ويخططون لنا ونحن نساق كالنعاج لإنفاذ مخططاتهم وليأكل بعضنا بعضاً وليتحقق لهم ما سبق ذكره، وأيضاً لنكون نحن حجر عثرة في نشر الإسلام في بلادهم بعد أن شوهنا بأنفسنا صورته وصرنا همجاً رعاعاً يضرب بعضنا رقاب بعض، وهذا ما يجب على العريفي والقرني والعُودة وكل العلماء المحسوبين على أهل السنة في جميع بلدان المسلمين، أن يدركوه حق الإدراك وقبل فوات الأوان، ليصوبوا خطأ ما أوقعوا الأمة فيه وصيروها إليه.
3-وهنا قد يسأل سائل من أبنائنا المغرر والمؤتى بهم إلى ساحات الوغى، أو ممن هو عازم على اللحاق بهم: ماذا لو اختلط عليَّ الأمر فيما يعِدوننا به الآن من إقامة خلافة إسلامية، أو فيما خامرني فيه شك وهم يزينونه لنا ويسوِّقونه على أن وراءه الجنة والحور العين وما هي إلا غمضة عين عن طريق حزام ناسف أو سيارة مفخخة أو قنبلة تسقط من هنا أو هنالك فتدمر المكان بما ومن فيه؟، والجواب: العودة على الفور لوطنك واللحاق بأهلك وعشيرتك، وترْكُ القتال في الفتن وعند الشبهات، والتفرغ من ثم للتعلم والدعوة والعبادة، فقد تحققت المفاسد من دون شك وانمحت المصالح، واتضح لكل ذي عينين: أن ما يعِدون به مجرد وهمٍ وباطل، ولا يمكن لأعداء الإسلام ولا للنظام الدولي أن يسمح به، فضلاً عن أنه يسير وفق خطة محكمة أعدتها منذ عشرات السنين أجهزة مخابراتهم، وتريد من خلالها قتل شبابنا المتحمس في بلاده وفي عقر داره بعد حصاره فيها وبعد أن عجزوا عن الإطاحة به خارجها، ومن لم يقرأ أو يسمع عن تقاريرهم في هذا لا يستحق الحياة.. كما اتضح: أن من ينظمون هذه الحروب هم من خرجوا على حكامهم من أهل السنة، ومن ثم فالجهاد معهم ? سواء كانوا إخواناً أو قاعدة أو بيت مقدس أو دواعش..إلخ ? هو من دون شك تحت راية عُميّة وإن كتب عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وخلف أئمة تكفيريين وغير ممكنين، وهو بعدُ جهاد ضد (أهل الإسلام)، وللصراع على السلطة ومن أجل الملك.. وسلف الأمة كما أوضحنا: على حرمة القتال والحال كذلك، وعلى حرمة سفك الدماء وعدم الخروج على حكامنا، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم وعدم منازعته الأمر وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وعلى أن الخلافة في قريش، وفي شرح النصوص الصحيحة الصريحة في ذلك وحكاية إجماع أهل السنة والجماعة، نسوق مما تيسر:
قول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ت 241 في أصول السنة ص 69 وقد نقله عنه اللالكائي في شرح السنة 1/ 152 وما بعدها: “والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر، لا يُترك.. ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه، مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق.. وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله”.. وبنحوه في معتقد شيخ البخاري (علي بن المديني) ت 234، ونصه: “ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة، ويحل قتال الخوارج واللصوص إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله” إ.هـ من شرح اعتقاد أهل السنة 1/ 158.. وفي معتقد الإمام البخاري ت 258 ? فيما لقي وتوافر عليه أكثر من ألف رجل من أهل العلم بالحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر، وقد نقله عنه اللالكائي في شرح السنة 1/ 164 ? ما نصه: “وأن لا ننازع الأمر أهله، ولا نرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الفضيل: (لو كانت لي دعوة مستجابة، لم أجعلها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد)”.. وفي حكاية معتقد أبي زرعة ت 264 وأبي حاتم ت 277 وجماعة السلف، يقول عبد الرحمن ابن أبي حاتم: “سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك؟، فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً، فكان من مذاهبهم: (ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم، ونكل أسرارهم إلى الله عز وجل، ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة، ونتبع السنة والجماعة ونتجنب الشذوذ والخلاف والفرقة، وأن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين، لا يبطله شيء)”إ.هـ من شرح أصول السنة للالكائي 1/ 166.. وفي اعتقاد سهل بن عبد الله التستري وهو في أصول السنة 1/ 171: “ولا يُخرج على هذه الأمة بالسيف.. ولا تُترك الجماعة خلف كل والٍ، جارَ أو عدلَ” .. ومن كلام الإمام الطحاوي ت 321 في عقيدته التي تلقتها الأمة بالقبول ص 323 : “ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة”.. ويقول أبو الحسن الأشعري إمام المذهب ت 324 في (مقالات الإسلاميين) ص 295 حاكياً جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة: “ويرون العيد والجمعة خلف كل بر وفاجر.. ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف، وأن لا يقاتلوا في الفتنة”، ويقول ص 451 نقلاً عنهم: “إن الإمام قد يكون عادلاً ويكون غير عادل، وليس لنا إزالته وإن كان فاسقاً، وأنكروا الخروج على السلطان ولم يروه”، وكان مما قاله أيضاً في كتابه (الإبانة) ص 53: “ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وفاجر، كما رُوي أن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج، ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بإنكار الخروج عليهم بالسيف، وندين بترك القتال في الفتنة”.. ومما قاله البربهاري ت 329 في شرح السنة ص 41 عن أحد الأهواء الأربعة التي تشعبت منها الاثنان والسبعون فرقة النارية: “ومن قال: الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا له بالصلاح: فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره”.. ومما جاء في (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) ص 100 لأبي عثمان إسماعيل الصابوني ت 449: “ويرى أصحاب الحديث: الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم، براً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جَوَرَة فَجَرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحَيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل”، فأين أنت يا حسَّان من هذا الكلام؟.. وفي كتاب (الشريعة) ص 40 وتحت عنوان (باب في السمع والطاعة لمن وَلِي أمر المسلمين، والصبر عليهم وإن جاروا، وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة)، يسوق الآجري ت 360 في ذلك جملة من الأحاديث، وقبلها مباشرة يتكلم عن الخوارج ويختم كلامه فيهم بقوله: “قد ذكرتُ من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذهب الخوارج ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحَيْف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه، وسأل الله كشف الظلم عنهم وعن المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح، وحَجَّ معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى معهم الجمعة والعيدين، فإن أمروا بطاعة فأمكنه، أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروا بمعصية لم يطعهم، فمن كان هذا وصفه: كان على الطريق المستقيم إن شاء الله”إ.هـ.. وكذلك فعل اللالكائي (ت418) في شرحه لـ (أصول اعتقاد أهل السنة) 2/ 1043.. ومما قاله شيخ الإسلام ت 728 في منهاج السنة 3/ 391 من غير ما سبق أن ذكرناه هنا: “المشهور من مذهب أهل السنة: أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة، لأن الفساد في القتال والفتنة، أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا تُدفع أعظم المفسدتين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد تُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته”.. فها أنت ترى فيما ذكرنا وفيما سبق ذكره في مقالنا عن (إمامة المتغلب)، أن كلام أئمة السلف جميعاً على ترك القتال في الفتنة، وعلى لزوم جماعة المسلمين وإمامهم والجهاد خلفه والدعاء له وعدم الخروج عليه، وعلى قتال من خرج عليه باعتباره خارجي.. فهل يَعقِل أولادنا هذا؟.. نأمل، والله وحده الهادي إلى سواء السبيل.
عاجل إلى شبابنا الصادق المتجرد: (واجب الوقت.. وغداً.. وبعد غد.. وإلى الممات: مجاهدة النفس والشيطان)
يقول الإمام مالك: (إن أقواماً ابتغوُا العبادة وأضاعوا العِلم، فخرجوا على أمة محمد بأسيافهم، ولو ابتغوُا العِلم لحجزهم عن ذلك)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.. وبعد:
فما من شك أن الكثير وبخاصة من الشباب، واقع الآن ? فكراً وتخطيطاً وتنظيماً وإعلاماً وتوجيهاً ? تحت تأثير (جماعة الإخوان) المنتشرة في أنحاء العالم، حتى إنك لترى من لا يفكر إلا بتفكير الإخوان، ومن لا يسمع إلا لقنوات وإعلام وأبواق وأئمة الإخوان، ومن لا يردد إلا كلام الإخوان، وإن لم يكن واحداً منهم، والإخوان في المقابل يطعنون في مخالفيهم ساسةً وإعلاميين وعلماء ويوحون إلى أوليائهم: هذا كذا وكذا، وفلان فيه كذا وعنده كذا ويعمل في كذا، حتى يصدونك عن سماع غيرهم، وأصل صنيع الإخوان وقاعدتهم في ذلك: ما ورد في المثل المصري (كُتْر الزَّنّ على الدّماغ أشد من السحر).. وهذا بالطبع على عكس ما أمر به رسولنا وما كان عليه سلفنا، ففي الآية: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا)، وفي الحديث: (لا يكن أحدكم إمعة.. ولكن وطِّنوا أنفسكم إن أحسنوا أن تحسنوا إن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم)، وفي آخر: (رب أحدكم ألحن بحجته من أخيه فأقضي له بما أسمع فأقتطع له قطعة من النار)، وفي الأثر عن معاذ بن جبل فيما رواه عنه أبو داود في سننه: (اقبلوا الحق من كل من جاء به وإن كان كافراً أو قال فاجراً، واحذروا زيغة الحكيم)، قالوا: كيف نعلم أن مع الكافر حقاً؟، قال: (إن على الحق نوراً)، وفي خبرٍ للشافعي: (رأيي صواب قد يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ ? يعني: فيما أرى ? قد يحتمل الصواب).. ثم إن منهج الإخوان فيما ذكرنا مستقىً مما هو معلوم في عالم الجن، فإن (إبليس لما استلب من الجن عقولهم، شلَّها عن التفكير فصاروا لا يفكرون إلا في جلب الشر على بني آدم)، وما ذاك إلا لحقد أبيهم على أبينا وإفهامهم أنه من تسبب في خروجه من الجنة لا أنه أبي تنفيذ أمر الله، كما أن ترسيخ الإخوان لقاعدة: (أنت تسمع وتطيع ونحن نفكر لك) في نفوس أتباعهم، أشبه بفعل فرعون وقوله لملأه: (ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد.. غافر/ 29)، وقولِه عن كليم الله موسى: (إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد.. غافر/ 26)، كذا بما يعني أنه وملأه ماضون في سياسة صمِّ الآذان عن سماع الغير، لحد أن وصل بهم الأمر لأن يقولوا لنبيهم المرسل لهدايتهم: (مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين.. الأعراف/ 132)، فأضحى ما لدى موسى بنظر الفرعون وملأه فسادُ وسحر، وهو وهم أسُّ الفساد ومن كان السحر بضاعتهم، وهكذا هو حال الإخوان مع مخالفيهم من جماعة المسلمين، وما أشبه الليلة بالبارحة!.
ولقد كان من نتيجة ذلك: تغييب عقل الأمة والسير بها على خلاف الفطرة التي فطر الله الناس عليها، حتى طال ذلك ثلة ممن ادعوا السلفية وغاب عنهم محاربة البدع والتحذير من المبتدعة، كما كان من نتيجته: إلباس الحق بالباطل وإزهاق الأنفس المعصومة وتشويه صورة الإسلام بما مؤداه الصد عن سبيل الله، كما كان من نتيجته هذا الكيد والدمار الذي لحق الإنسانية والذي الإسلام منه براء، وإلا فأين يقع ما جرى إبان ثورات الربيع العربي، وتخطيط الغرب في جعل سلاح الثورات والفوضى الخلاقة بمباركة (إخوان الشر) يرتد إلى صدر الأمة ويُنَفّذ من خلاله ما يعرف في زماننا بحروب الجيل الرابع، ومن قبلِ ذلك ما تمخضت عنه فكرة (التنظيم الخاص أو السري) على مدى العقود الثمانية الماضية من تاريخ الجماعة من قتل وخراب ودمار؟!، أقول: أين يقع كل هذا من فعل السلف؛ وأيام أن كان الناس على فطرتهم من قبلِ أن تنشأ جماعة الإخوان التكفيرية الخارجية، ومن بعد أن فشل هذا الغرب الحاقد في القضاء على الإسلام وإيقاف مده؟، وهل يشبه حال الإخوان في هذا؛ إلا حال (الحشاشين) و(الباطنية) ومن كان على شاكلتهم من حركات التمرد على الدولة الإسلامية طوال تاريخها العريض؟.. وما أرجوه من خلال هذا المقال هو: أن نراجع أنفسنا وننقدها نقداً ذاتياً يعود بنا وبالمسلمين جميعاً إلى فطرتهم وما أوصاهم به نبيهم بقوله: (إنه من يعش بعدي.. الحديث)، فنرى الحسن حسناً والقبيح قبيحاً والحق حقاً والباطل باطلاً والحلال حلالاً والحرام حراماً والصحيح صحيحاً والخطأ خطأً، وأنا ضامن ألا ولن يكون ساعتها ما حذر منه نبي الرحمة في قوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وقوله في خطبة وداعه: (إن الشيطان يئس أن يعبد في أرضكم ولكن رضي بالتحريش فيما بينكم).. ولنعاود البدء بتصحيح المسار فنقول:
1-إنه بعد أن عرفنا فيما مضى أن الغاية الأسمى الذي يسعى إليها شبابنا من إقامة خلافة، قد حسمها الرسول في قوله: (الأئمة ? أئمة الخلافة ? من قريش)، وأنها كما في حديث مسلم في (اثني عشر رجلاً) آخرهم (المهدي).. وبعد أن لمسنا ما أخبر به عليه السلام من حكم جبري أراد سبحانه أن ينتهي إلى غير رجعة، وذلك من خلال ثورات قدَّرها ربنا أزلاً في سابق علمه أطاحت بحكام كانوا مضرب المثل في الدكتاتورية، وأن ذلك جرى في وقت متزامن وفي ظاهرة غريبة ما كان لأحد أن يتوقعها، فكانت من علامات نبوته بأبي هو وأمي: فمن حكم جبري ? ممن تربعوا على قوائم الدكتاتوريين على مستوى العالم ? وقع من (علي عبد الله صالح) المُنَحَى، امتد 34 عاما تمخض عن خراب ودمار وفساد وثروة له ولأقاربه بلغت 64 مليار دولار، لآخر كان من (معمر القذافي) المقتول، امتد 42 عاماً وتمخض عن فساد وثروة قدرت بـ 220 مليار دولار، لآخر كان من (حسني مبارك) المخلوع، امتد قرابة 30 عاماً وتمخض عن ثروة له ولأسرته تقدر بـ 40 مليار دولار على أقل تقدير، لآخر حصل من (زين العابدين بن علي) المطرود، استمر لأكثر من 20 عاماً وتمخض عن ثروة له ولأقاربه تقدر بـ 32 مليار دولار، لآخر سيقع لا محالة ممن دمر وطنه وأهلك شعبه (بشار الأسد)، تمخض عن أصول له ولأسرته تقدر بـ 122 مليار دولار، كل ذلك في وقت كانت دولهم تعاني مع القهر: الفقر والجهل والمرض.. وبعد أن عرفنا أن ما سيلي ذلك من خلافة لن تكون إلا على (منهاج النبوة) وفي (مهدي أهل السنة) الذي أراد البنا والقرضاوي ? ومِن وراءهما أردوغان ? إنكار أحاديثه، ليتسنى لهما أن يجعلاها من دونه في جماعتهما.. ووقفنا على ما أوجبه نبينا على أمة الإسلام إبان زوال الحكم الجبري ولحين ظهور خلافة المهدي من لزوم (جماعة المسلمين) المحقِّة ومبايعة أئمتهم من أصحاب الشوكة، وطاعتهم والصبر عليهم وإن جاروا، وذكرنا في ذلك قول ابن تيمية في منهاج السنة 1/ 556 ? وهو يتحدث عما يقتضيه حديث حذيفة من وجوب طاعة الإمام ذو السلطان الموجود بالفعل والذي له القدرة على عمل مقصود الوِلاية، وإن ظلم أو جار ?: “وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”، ووقفنا كذلك على كلام ابن القيم وغيره من عدم الانشغال بالحكام وأن نؤدي حق الله الذي لهم وندَع ما وراء ذلك امتثالاً لقول نبينا فيما رواه الشيخان: (أدوا إليهم الذي لهم، فإن الله سائلهم عن الذي لكم)، وقوله: (أعطوهم حقهم، فإن الله سائلهم عما استرعاهم)، وقوله: (أدوا إليهم حقهم وسلوا الله حقكم)، وأن الدعاء لهم ودعوتهم ورعاياهم إلى الاهتداء بهديه عليه السلام والاستنان بسنته هما أساس الصلاح والإصلاح، وعرفنا أن منهج أهل السنة ينحصر في: مبايعتهم وطاعتهم في غير معصية والجهاد تحت رايتهم، بينا منهج الإخوان يقوم على تكفيرهم وتكفير من لم يكفرهم من عامة المسلمين بالمخالفة لما أخبر عنه النبي بقوله: (فالزم جماعة المسلمين وإمامهم)، وبمحاولة منازعة الأمر أهله واستحلال دم جنودنا والسير في أمة الإسلام مسيرة الخوارج، وأن الأحاديث ناطقة ببطلان البيعات العامة من غير ذوي الشوكة والسلطان، وقاضية باعتزال فرق الضلالة لاسيما المكفرة منها و(الداعية على أبواب جهنم من أجابوه فيها قذفوه فيها)؟، والتي (كلما خَرج قرن منها قُطع)، ويأتي على رأسها بالطبع في زماننا (جماعة الإخوان) ومن يدور في فلكها من أمثال: ذراعها العسكري (حماس) وكتائبها ولجانها النوعية و(تنظيم الدولة الإسلامية داعش) و(بوكوحرام) و(طالبان) و(القاعدة) و(حركة شباب الصومال)؛ إلخ.. فكان كل ما ذكرنا بمثابة التخلية عن كل تصور باطل غير قائم على أساس شرعي أو معتقد صحيح.
2-أقول: بعد أن وقفنا على كل ذلك، كان من الضروري أن نتطلع إلى ما رسمه لنا ديننا الحنيف: لنستشرف من خلال النصوص والآثار أيضاً ما هو مطلوب منا في زماننا، ولنتعرف على مراد الله في ضوء وقائع ومستجدات عصرنا بما يحقق عبوديتنا له تعالى وبما يحفظ علينا وبنا: مقاصد ديننا من صونٍ (لهذا الدين وللأنفس والأعراض والأموال والعقول)، وبما يجعلنا أهلاً لإظهار دينه على الدين كله، ولأن ننال بذلك شرف الانتساب والدعوة لصحيح الإسلام والاعتقاد بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، فنكون سبباً لإسعاد أنفسنا والبشرية من حولنا.. وبما يحقق لنا ? نحن أمة محمد صلى الله عليه وسلم ? الخلافة بمفهومها العام الشامل الذي تعني: “نيابة الإنسان عن الله في التصرف في الأرض بإعمارها عن طريق إنفاذ أحكامه وتصديق أخباره” بحيث لا يستبدل بنا في أداء هذه المهام قوماً آخرين، إذ الخلافة في لغة العرب تطلق على: كلِّ من خلف غيره، فهي في الأصل والأساس مهمة الأمة الإسلامية ومصلحيها، وما الخليفة العام أو القائد الرباني ? إن وجد ? إلا نائباً عنها في سياسة الدنيا بالدين، وهذا ما اصطلح عليه علماء اللغة والشرع وما تضافر على ذكره آي القرآن في نحو: آية البقرة/ 30، والأعراف/ 69، 74، والأنعام/ 165، ويونس/ 14، 73، والنمل/ 62، وفاطر/ 39.. وإنما يتحقق لنا ذلك في زماننا: بمجاهدة النفس والشيطان.
وقد يظن الكثير من الشباب أن الأمر بهذا، سهل.. وأقول: بل هو جد خطير وصعب لو كانوا يعلمون، وإنه ? وأيم الله ? لتفنى الأعمار وما يوفي المرء منا هذين النوعين من الجهاد حقهما، وإنها في المقابل لتفنى في سبيل شبهة واحدة من شبهات الشيطان، يموت المرء عليها وما كلف نفسه أن يسعى في ردِّها، فيلقى حتفه ويُلقي بنفسه وبغيره من المسلمين إلى التهلكة، فيكون مصيره ما أخبر عنه مولانا في قوله: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماَ) وهو يظن أنه يحسن صنعاً، وما يجري الآن على الساحة مما لا يخفى على أحد أعظم شاهد على هذا.. وحسبنا في تصوير خطورة مرتبة واحدة من مراتب مجاهدة النفس: ما صدّرنا به عنوان هذا المقال من قول إمام دار الهجرة: (إن أقواماً ابتغوا العبادة وأضاعوا العِلم، فخرجوا على أمة محمد بأسيافهم، ولو ابتغوُا العِلم لحجزهم عن ذلك)، وقوله: (لن يُصلح آخر هذه الأمة إلا الذي أصلح أولها) وهو الإقبال على الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، لندرك أن ما تموج به الأمة الآن إنما هو بسبب الغفلة عنه واللهث وراء ما شرعه (حسن البنا) وأمثاله، مما لم يأذن به الله ولا شرعه لنا ديننا ولا جعله أصلاً في إيماننا، بل وما كفانا الإسلام مئونته وتفاصيل خبره على نحو ما أوضحنا آنفاً.
وعن أهمية هذين النوعين من الجهاد يقول ابن القيم في زاد المعاد 2/ 38: “لما كان جهاد أعداء الله في الخارج فرعاً على جهاد العبد نفسه في ذات الله كما قال النبي عليه السلام: (المجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه)، كان (جهاد النفس) مقدماً على (جهاد العدو) في الخارج وأصلاً له، فإنه ما لم يجاهد نفسه أولاً، لِتَفعلَ ما أُمرتْ به وتتركَ ما نُهيتْ عنه ويحاربها في الله، لم يُمكنْه جهاد عدوه في الخارج، إذ كيف يمكنه جهاد عدوه والانتصاف منه، وعدوه الذي بين جنبيه قاهر له متسلط عليه، لم يجاهده ولم يحاربه في الله، بل لا يمكنه الخروج إلى عدوه حتى يجاهد نفسه على الخروج”، فانظر كيف يصور ابن القيم جهاد النفس ويبين مدى خطورتها وتسلطها على العبد وتثبيطها إياه عن نصرة دين الله تعالى، وأن جهادها هو الأصل لتحقيق تلك النصرة وبغير مجاهدتها لن تتحقق، والسؤال الملح الآن؛ كيف لنا أن نجاهدها طالما أن الأمر كذلك؟، يجيب رحمه الله فيقول بأن ذلك يأتي على “أربع مراتب: أحدها: أن يجاهدها على تعلُّم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به، ومتى فاتها عِلمه شقيتْ في الدارين، الثانية: أن يجاهدها على العمل به بعد عِلمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرُّها لم ينفعها، الثالثة: أن يجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه، وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه ولا ينجيه من عذاب الله، الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله، فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالِم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق ويعمل به ويعلِّمَه، فمن عَلِم وعلّم وعمل فذاك يُدعى عظيماً في ملكوت السماء”أ.هـ.
وأنا أراهن وأنا أذكر لابن القيم هذا الكلام الذي يوزن بميزان الذهب، أراهن على أن ثلاثة أرباع أو قل أربعة أخماس من يحاربوننا الآن في ربوع العالم ممن لم يسلم أحد من أذاهم، إن كان قد عمِل بأول هذه المراتب من مجاهدة النفس، أتحداهم على اختلاف مشاربهم أن يذكروا لنا ما هي شروط (لا إله إلا الله)، وماذا يعني الولاء والعداء عليها، وهل يجوز قتل من يتلفظ بها وإن خفي عنا أمر نِيِّته؟، أو أن يذكروا لنا (الحكمة من مشروعية الجهاد في الإسلام)؟، أتحداهم وهم من خرجوا بزعمهم للجهاد في سبيل الله إن كان بعضهم لا يُكفِّر بعضاً بل ويكفر طوب الأرض ومن في الأرض جميعاً، وإن كان بعضهم لا يُكفِّر أباه وأمه؛ لا أقول: إن كان استأذنهما في الذهاب إلى القتال أم لا؛ كما علّمنا ذلك نبي الرحمة بأبي هو وأمي؟.. أرأيتم ماذا كان يقصد الإمام مالك من مقولته التي عنْوَنَّا بها هذا المقال؟، وإذا كان الجواب بـ (نعم)، فما يكون الحال ونحن لم نستفرغ الوسع في توفية أول مرتبة من مراتب مجاهدة النفس، ولم نستتبعها بثاني هذه المراتب وثالثها ورابعها؟!، وما يكون الحال بمجاهدة الشيطان في رد شهواته وشبهاته ? التي أطبقت على عقولنا فأضحينا لا نؤمن إلا بها ولا نذب إلا عنها على الرغم من أنها الباطل عينه ? حتى نقفز فوق كل ذلك بمجاهدة ليس الكفار، وإنما المسلمين في عقر ديارهم المسلمة؟؛ أرأيتم جهلاً يفوق ذلك الجهل وسفهاً يفوق هذا السفه؟، ولا أدل على باطل هذا الجهل والسفه من أن يبعث القادة بحدثاء أسنان ويقعدون هم عن شرف الجهاد وطلب الشهادة، أو يفرُّون عند الزحف إلى تركيا وقطر حيث العيش الوثير فيرتكبون واحدة من السبع الموبقات ويكونون كمن قال الله فيهم: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون)، وقال: (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون. إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً)؟.. إنه خير لنا أن نستفرغ الوسع في هداية واحد من الكفار كفراً أصلياً لو أحسنا الظن بأنفسنا وعِلمِنا، من أن نقتله فيموت على الكفر حيث لا فائدة تعود علينا إن قتلناه على كفره وكنا سبباً في دخوله النار ونحن من ابتعثنا ربنا لننقذه وغيره منها، ففي الحديث: (لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من الدنيا وما فيها) وفي رواية: (خير لك من حمر النعم) وفي أخرى: (خير لك مما طلعت عليه الشمس)، ولَكم كان الرسول حريصاً على هداية الكفار حتى قال له ربه: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم ?إن لم يؤمنوا بهذا الحديث? أسفاً)، وحاله مع ابن اليهودي لا يخفى على أحد، ومحصلته كما أخرج البخاري من حديث أنس قال: “كان غلامٌ يهودي ? من عامة أهل المدينة ? يخدم النبي فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: (أسلم)، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبي وهو يقول: (الحمد لله الذي أنقذه بي من النار).. ولن نتكلم هنا سوى عن مرتبة (تعلم الهدى ودين الحق) التي عظم فيها تقصيرنا وبلاؤنا.
فتعلُّمُ العلم لله تعالى: خشية وطلبه عبادة ومذاكرته تسبيح وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة وبذله لأهله قربة والبحث عنه جهاد يقول عنه أبو الدرداء رضي الله عنه: (من رأى الغدوَّ والرَّواح إلى العلم ليس بجهاد، فقد نقص في عقله ورأيه)، وهو الأنيس في الوحشة والصاحب في الغربة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة تُقتُص آثارهم ويُقتدى بفعالهم ويُنتهى إلى رأيهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامِّه وسباع البر وأنعامه، وترغب الملائكة في خُلتهم وبأجنحتها تمسحهم، يقول ابن القيم في مفتاح دار السعادة 1/ 108: (لو لم يكن في العلم إلا القرب من رب العالمين والالتحاق بعالم الملائكة وصحبة الملأ الأعلى، لكفى به فضلاً وشرفاً، فكيف وعِزُّ الدنيا والآخرة منوط به ومشروط بحصوله؟).. ولأن العلم حياة القلوب من الجهل ومصابيح الأبصار من الظلَم ومعالم الحلال والحرام ومنار سبل أهل الجنة، فإن العبد يبلغ به منازل الأخيار وأعلى الدرجات في الدنيا والآخرة، وكان التفكر فيه يعدل الصيام، ومدارسته تعدل القيام، وبه توصل الأرحام ويُعلم حقوق الخالق والمخلوقين ويعرف الحلال من الحرام، وكان هو إمام العمل والعمل تابعه، يُلهمه السعداء ويُحرمه الأشقياء.. والعلم فضلاً عن هذا: “عبادة في الدين عظيمة، سابقة لغيرها ومصححة لما سواها، الظافر بها فائز والمفرِّط فيها نادم، امتدح الله أهلها وفضَلهم لأجلها، تهدي العبد إلى ربه وتنير له دُروب حياته، كمال الإنسان ونجاته متوقف عليها، وما عُبد الرب بمثلها، فبها يُعرف سبحانه ويُعبد ويُذكر ويُمجد، تؤنس صاحبَها في الخلوة وتذكِّره عند الغفلة، طلبها طاعة وبذلها قُربة، زينة لأهلها وأمانٌ لأصحابها، تنير القلوب والبصائر وتُقوِّي الأذهان والضمائر، أهلها للأرض كالنجوم للسماء بهم يُقتدى، وهم زينة للبرية وجمالها وحصن للأمة ودِرعها، ولولاهم لطُمست معالم الدين، بعبادة العلم: صلاح الأمة ورفعتها واستقامة النفوس وزكاتها وهداية البشرية وسعادتها وتحصين الأجيال وسلامتها، الحاجة إليها فوق كل الحاجات، وبدونها خراب العالم وفساده، قال الإمام أحمد: (الناس أحوج إلى العلم منهم إلى الطعام والشراب، لأن الطعام والشراب يُحتاج إليه في اليوم مرة أو مرتين والعلم يُحتاج إليه في كل وقت)، ذلك أن رسالة الإسلام كلها علم وعمل، فالعلم شِطرُها قال تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.. التوبة/ 33)، أي: بالعلم النافع والعمل الصالح، ولا شيء أطيب للعبد وأصلح لقلبه من محبة الله ورسوله، ولا سبيل إليهما إلا بالعلم، وقد عدد الله نعمه على رسوله وجعل العلم من أجلِّها قدراً فقال: (وأنزل عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم.. النساء/ 113)، ولم يأمره بالاستزادة من شيء إلا من العلم فقال: (وقل رب زدني علماً.. طه/ 114)، قال الزهري: (ما عُبد الله بمثل العلم)، لذا كان نيله خير وفلاح فـ (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)، وهو ميزان تفاوت الأعمال ودرجاتها، وبه صلاح العمل وزكاته، ولن تصفو للمرء عقيدته ويُحققَ الإخلاص لربه إلا بالعلم، وذلك قوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك)، فبدأ بالعلم قبل القول والعمل وبذلك بوّب البخاري في صحيحه، فالعلم يدل على الله وعلى الجنة من أقرب الطرق وأسهلها، (فمن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) كما في حديث مسلم، وما دام العلم قائماً فالناس في هدى، ومن عبدَ الله بغير هدى كان ما يفسد أكثر مما يصلح، وما فشا الشرك والبدعة والضلال وسفك الدماء والخوض في الأعراض ودمار البلاد وهلاك العباد ? على نحو ما رأينا ونرى الآن ? إلا لقلة العلم، وبالعلم والإيمان يحيا العباد وتنقشع من أمامهم ظلمات الجهالة والضلالة وذلك قول رب العزة: (أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها.. الأنعام/ 122)”إ.هـ ملخصاً من خطبةٍ لإمام الحرم المدني عبد المحسن القاسم.
ولأن (العلم الخشية)، فإن من المهم مع معرفة فضله: أن يطلب بإخلاص وتجرد، بأن يُبتعد به عن العاطفة والرأي والهوى فهي آفته، وأن يصحبه إقبال عليه بالكلية والتزام تام بالآية والحديث، إذ الأمر فيه كما قال الإمام الذهبي: (العـِلم: قال الله قال رسوله * قال الصحـابة ليس بالتمويه/ ما العلم نصبُك للخلاف سفاهة * بين الرسول وبين رأى فقيه).. وكما قال ابن القيم في النونية: (العِـلم: قال الله قال رسولـه * قال الصحابة هم أولو العرفان/ ما العلم نصبك للخلاف سفاهة * بين الرسول وبين رأي فلان).. وقديماً قالوا: (أكثر ما يفسد الدنيا: نصف متكلم ونصف متفقه ونصف متطبب ونصف نحوي، فهذا يفسد الأديان وهذا يفسد البلدان وهذا يفسد الأبدان وهذا يفسد اللسان).. ولا بأس أن يطلب على يد الغير شريطة ما ذكرنا في هذه السلسلة وإلا فهو (علم الأصاغر) الذي منه حذر علماء السلف، وفي الأثر: (إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم)، ولكَم جرَّ التفريط في انتقاء أئمة العلم من الفتن والحسرة والندامة ما الله به عليم، ولكَم زلّت بأهل العلم الأقدام كونهم ? وقد بلغوا من العلم الذروة ? لم يُتبِعوه بمجاهدة الشيطان في رد شبهاته، فساروا وأتباعهم في ركب إخوان الشياطين، على الرغم من تحذير الأوائل من ذلك وبيان أنه نوع من الجهاد لا يقل أهمية عن سابقه، ونذكر من ذلك لابن القيم قوله في زاد المعاد بنفس السياق: “وبينهما ? عدو النفس والعدو الخارجي ? عدو ثالث لا يمكنه جهادهما إلا بجهاده، وهو واقف بينهما يثبط العبد عن جهادهما ويخذله ويرجُف به، ولا يزال يخيَّل له ما في جهادهما من المشاق وترك الحظوظ وفوت اللذات والمشتهيات، ولا يمكنه أن يجاهد هذين العدوين إلا بجهاده، فكان جهاده هو الأصل لجهادهما، وهو: الشيطان، قال تعالى: (إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً)، والأمر باتخاذه عدواً: تنبيه على استفراغ الوسع في محاربته ومجاهدته، كأنه عدو لا يفتر ولا يقصُر عن محاربة العبد على عدد الأنفاس”، وعن مرتبتي جهاده يقول رحمه الله: “أحدهما: جهاده عن دفع ما يُلقى إلى العبد من الشبهات والشكوك القادحة في الإيمان، الثانية: جهاده عن دفع ما يُلقى إليه من الإرادات والشهوات”، فانظر كيف يسوى في مدافعة الشيطان بين النزوات والشبهات، وكيف أن كلاهما ملق بصاحبه إلى التهلكة وألا فرق بينهما من أنهما مدخلا الشيطان ومحل وسوسته، وفي (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) ص 431 ما نصه: “فتنة الشبهات: من ضعف البصيرة وقلة العلم، ولاسيما إذا اقترن بذلك: فساد القصد وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى والمصيبة الكبرى.. وهذه الفتنة مآلها إلى النفاق، وهي فتنة المنافقين وأهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا بسبب فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل والهدى بالضلال.. ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول وتحكيمه في دِقِّ الدين وجُله، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه، فيُتلقَى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام.. فهذا الذي ينجيه من فتنة الشبهات، وإن فاته ذلك أصابه من فتنتها ما فاته منه، وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد وهوى متبع، فهي: من عمى البصيرة وفساد الإرادة”.
على ابن القيم حين يتكلم عن جهاد العدو الخارجي، إنما كان يقصد بالطبع جهاد الكفار ومن تحدث عنهم النبي بقوله: (أهل الأوثان) لا (أهل الإسلام) كما يفعل الآن الخوارج شر الخليقة، كما أنه يقصد به ما كان منه بضوابطه: كأن يكون ? على ما سبق أن فصلنا ? تحت إمام ممكن، وراية ليست بالعمية ولا داعية إلى عصبية أو جماعة، وبإذن من الوالدين، وما كان يدور بخلده أن يأتي على الناس زمان تكون الغلبة لأناس يحرفون فيه الكلم عن مواضعه، ويسيرون بالأمة مسيرة الخوارج كما نرى في دواعش ودواحس عصرنا، فانظر كيف أضحى الجهاد وبالاً على أمة الإسلام وفي سبيل الشيطان، بدل أن يكون لإظهار الدين وفي سبيل الرحمن؟!، وكيف صار الجهاد طعائن في ظهور المسلمين بدل أن يكون لحماية بيضتهم؟!، ولَكمْ كان الواحد منا يتمنى أن تسعى هذه الجموع التي تدّعي لنفسها شرف الجهاد، وأن تنخرط بكل سبيل تحت راية أئمة أهل السنة الممكنين أمثال الملك (سلمان بن عبد العزيز) والرئيس المصري (عبد الفتاح السيسي)، ليكون جهادهم ? على ما هو الأصل فيه ? ضد أولئك الذين يحيطون بنا من كل جانب من الروافض والخوارج ممن يريدون أن يستأصلوا شأفتنا نحن معاشر أهل السنة والجماعة، وينشروا الخراب والدمار في ديارنا سواء في المملكة السعودية أو في قلعة الأزهر أو في غيرهما من بلاد الإسلام.. فالخوارج والروافض هم صنائع اليهود وأمريكا ونصارى الغرب وأدواتهم، والواقع يشهد بهذا، أم هل نسينا ما يجري الآن من التكفيريين على أرض سيناء وتونس وليبيا من قتل الموحدين، وما كشف عنه (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي السابق في مذكراته، من أنّ بلاده سنة 2003 دفعت للمرجع الشيعي بالعراق (علي السيستاني) 200 مليون دولار لإصدار فتوى تُحرِّم على الشيعة قتال الأمريكان، للمساعدة في سقوط العراق في أيدي الاحتلال الذي قادته أمريكا التي مكنته وأشياعه فيما بعد من (صدام حسين) فذبحوه وقتلوه شر قتله، وهو بعد محسوب على أئمة السنة وقلامة ظفره برقاب جميع سابِّي الصحابة من أئمة الضلال في العراق وإيران ولبنان واليمن؟، أم هل نسينا ولم نعد نذكر مذابح (الأحواز) الجماعية وشنقهم أهل السنة على أعمدة الإنارة، ولا الأحاديث الواردة بحق (يهود أصبهان) الذين سيخرجون آخر الزمان مع الدجال؟.. لقد كشفت تقارير عديدة عن أن الغرب بزعامة أمريكا، رأى في إيصال التيار السياسي سدة الحكم بغيته وتحقيق أهدافه من خلال التحريش فيما بين السنة والشيعة والسنة والسنة، وقد نجح في ذلك بامتياز، على نحو ما نجح بنفس الدرجة في تدمير الأمة الإسلامية ومقدراتها عن طريق الحرب بالوكالة عن هذا الغرب الحاقد وعن إسرائيل، ولتنعم الأخيرة بالأمن والأمان وتعيث في مسرى ومعراج نبينا بالفساد.. أرأيتم شباب الإسلام: كيف أن أعداء الله يستخدموننا ويخططون لنا ونحن نساق كالنعاج لإنفاذ مخططاتهم وليأكل بعضنا بعضاً وليتحقق لهم ما سبق ذكره، وأيضاً لنكون نحن حجر عثرة في نشر الإسلام في بلادهم بعد أن شوهنا بأنفسنا صورته وصرنا همجاً رعاعاً يضرب بعضنا رقاب بعض، وهذا ما يجب على العريفي والقرني والعُودة وكل العلماء المحسوبين على أهل السنة في جميع بلدان المسلمين، أن يدركوه حق الإدراك وقبل فوات الأوان، ليصوبوا خطأ ما أوقعوا الأمة فيه وصيروها إليه.
3-وهنا قد يسأل سائل من أبنائنا المغرر والمؤتى بهم إلى ساحات الوغى، أو ممن هو عازم على اللحاق بهم: ماذا لو اختلط عليَّ الأمر فيما يعِدوننا به الآن من إقامة خلافة إسلامية، أو فيما خامرني فيه شك وهم يزينونه لنا ويسوِّقونه على أن وراءه الجنة والحور العين وما هي إلا غمضة عين عن طريق حزام ناسف أو سيارة مفخخة أو قنبلة تسقط من هنا أو هنالك فتدمر المكان بما ومن فيه؟، والجواب: العودة على الفور لوطنك واللحاق بأهلك وعشيرتك، وترْكُ القتال في الفتن وعند الشبهات، والتفرغ من ثم للتعلم والدعوة والعبادة، فقد تحققت المفاسد من دون شك وانمحت المصالح، واتضح لكل ذي عينين: أن ما يعِدون به مجرد وهمٍ وباطل، ولا يمكن لأعداء الإسلام ولا للنظام الدولي أن يسمح به، فضلاً عن أنه يسير وفق خطة محكمة أعدتها منذ عشرات السنين أجهزة مخابراتهم، وتريد من خلالها قتل شبابنا المتحمس في بلاده وفي عقر داره بعد حصاره فيها وبعد أن عجزوا عن الإطاحة به خارجها، ومن لم يقرأ أو يسمع عن تقاريرهم في هذا لا يستحق الحياة.. كما اتضح: أن من ينظمون هذه الحروب هم من خرجوا على حكامهم من أهل السنة، ومن ثم فالجهاد معهم ? سواء كانوا إخواناً أو قاعدة أو بيت مقدس أو دواعش..إلخ ? هو من دون شك تحت راية عُميّة وإن كتب عليها (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وخلف أئمة تكفيريين وغير ممكنين، وهو بعدُ جهاد ضد (أهل الإسلام)، وللصراع على السلطة ومن أجل الملك.. وسلف الأمة كما أوضحنا: على حرمة القتال والحال كذلك، وعلى حرمة سفك الدماء وعدم الخروج على حكامنا، ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم وعدم منازعته الأمر وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، وعلى أن الخلافة في قريش، وفي شرح النصوص الصحيحة الصريحة في ذلك وحكاية إجماع أهل السنة والجماعة، نسوق مما تيسر:
قول إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ت 241 في أصول السنة ص 69 وقد نقله عنه اللالكائي في شرح السنة 1/ 152 وما بعدها: “والغزو ماض مع الأمراء إلى يوم القيامة البر والفاجر، لا يُترك.. ومن خرج على إمام المسلمين وقد كان الناس اجتمعوا عليه بأي وجه كان بالرضا أو بالغلبة، فقد شق هذا الخارج عصا المسلمين وخالف الآثار عن رسول الله، فإن مات الخارج عليه، مات ميتة جاهلية، ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن فعل ذلك فهو مبتدع على غير السنة والطريق.. وقتال اللصوص والخوارج جائز إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله”.. وبنحوه في معتقد شيخ البخاري (علي بن المديني) ت 234، ونصه: “ولا يحل قتال السلطان ولا الخروج عليه لأحد من الناس، فمن عمل ذلك فهو مبتدع على غير السنة، ويحل قتال الخوارج واللصوص إذا عرضوا للرجل في نفسه وماله” إ.هـ من شرح اعتقاد أهل السنة 1/ 158.. وفي معتقد الإمام البخاري ت 258 ? فيما لقي وتوافر عليه أكثر من ألف رجل من أهل العلم بالحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر، وقد نقله عنه اللالكائي في شرح السنة 1/ 164 ? ما نصه: “وأن لا ننازع الأمر أهله، ولا نرى السيف على أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الفضيل: (لو كانت لي دعوة مستجابة، لم أجعلها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد)”.. وفي حكاية معتقد أبي زرعة ت 264 وأبي حاتم ت 277 وجماعة السلف، يقول عبد الرحمن ابن أبي حاتم: “سألت أبي وأبا زرعة عن مذاهب أهل السنة في أصول الدين وما أدركنا عليه العلماء في جميع الأمصار، وما يعتقدان من ذلك؟، فقالا: أدركنا العلماء في جميع الأمصار حجازاً وعراقاً وشاماً ويمناً، فكان من مذاهبهم: (ولا نكفر أهل القبلة بذنوبهم، ونكل أسرارهم إلى الله عز وجل، ونقيم فرض الجهاد والحج مع أئمة المسلمين في كل دهر وزمان، ولا نرى الخروج على الأئمة ولا القتال في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا ولا ننزع يداً من طاعة، ونتبع السنة والجماعة ونتجنب الشذوذ والخلاف والفرقة، وأن الجهاد ماضٍ إلى قيام الساعة مع أولي الأمر من أئمة المسلمين، لا يبطله شيء)”إ.هـ من شرح أصول السنة للالكائي 1/ 166.. وفي اعتقاد سهل بن عبد الله التستري وهو في أصول السنة 1/ 171: “ولا يُخرج على هذه الأمة بالسيف.. ولا تُترك الجماعة خلف كل والٍ، جارَ أو عدلَ” .. ومن كلام الإمام الطحاوي ت 321 في عقيدته التي تلقتها الأمة بالقبول ص 323 : “ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة”.. ويقول أبو الحسن الأشعري إمام المذهب ت 324 في (مقالات الإسلاميين) ص 295 حاكياً جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة: “ويرون العيد والجمعة خلف كل بر وفاجر.. ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف، وأن لا يقاتلوا في الفتنة”، ويقول ص 451 نقلاً عنهم: “إن الإمام قد يكون عادلاً ويكون غير عادل، وليس لنا إزالته وإن كان فاسقاً، وأنكروا الخروج على السلطان ولم يروه”، وكان مما قاله أيضاً في كتابه (الإبانة) ص 53: “ومن ديننا أن نصلي الجمعة والأعياد وسائر الصلوات والجماعات خلف كل بر وفاجر، كما رُوي أن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج، ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بإنكار الخروج عليهم بالسيف، وندين بترك القتال في الفتنة”.. ومما قاله البربهاري ت 329 في شرح السنة ص 41 عن أحد الأهواء الأربعة التي تشعبت منها الاثنان والسبعون فرقة النارية: “ومن قال: الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا له بالصلاح: فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره”.. ومما جاء في (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) ص 100 لأبي عثمان إسماعيل الصابوني ت 449: “ويرى أصحاب الحديث: الجمعة والعيدين وغيرهما من الصلوات خلف كل إمام مسلم، براً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفرة معهم وإن كانوا جَوَرَة فَجَرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجور والحَيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل”، فأين أنت يا حسَّان من هذا الكلام؟.. وفي كتاب (الشريعة) ص 40 وتحت عنوان (باب في السمع والطاعة لمن وَلِي أمر المسلمين، والصبر عليهم وإن جاروا، وترك الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة)، يسوق الآجري ت 360 في ذلك جملة من الأحاديث، وقبلها مباشرة يتكلم عن الخوارج ويختم كلامه فيهم بقوله: “قد ذكرتُ من التحذير من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذهب الخوارج ولم ير رأيهم، وصبر على جور الأئمة وحَيْف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه، وسأل الله كشف الظلم عنهم وعن المسلمين، ودعا للولاة بالصلاح، وحَجَّ معهم وجاهد معهم كل عدو للمسلمين، وصلى معهم الجمعة والعيدين، فإن أمروا بطاعة فأمكنه، أطاعهم، وإن لم يمكنه اعتذر إليهم، وإن أمروا بمعصية لم يطعهم، فمن كان هذا وصفه: كان على الطريق المستقيم إن شاء الله”إ.هـ.. وكذلك فعل اللالكائي (ت418) في شرحه لـ (أصول اعتقاد أهل السنة) 2/ 1043.. ومما قاله شيخ الإسلام ت 728 في منهاج السنة 3/ 391 من غير ما سبق أن ذكرناه هنا: “المشهور من مذهب أهل السنة: أنهم لا يرون الخروج على الأئمة وقتالهم بالسيف وإن كان فيهم ظلم، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة المستفيضة، لأن الفساد في القتال والفتنة، أعظم من الفساد الحاصل بظلمهم بدون قتال ولا فتنة، فلا تُدفع أعظم المفسدتين بالتزام أدناهما، ولعله لا يكاد تُعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته”.. فها أنت ترى فيما ذكرنا وفيما سبق ذكره في مقالنا عن (إمامة المتغلب)، أن كلام أئمة السلف جميعاً على ترك القتال في الفتنة، وعلى لزوم جماعة المسلمين وإمامهم والجهاد خلفه والدعاء له وعدم الخروج عليه، وعلى قتال من خرج عليه باعتباره خارجي.. فهل يَعقِل أولادنا هذا؟.. نأمل، والله وحده الهادي إلى سواء السبيل.
يا اخوانا اعملوا معروف.. هذه الصحيفة ترد على أكبر فرقة ضل المسلمون بسببها وهي (جماعة الإخوان)، وتقرع الحجة بالحجة، فهل نطمع أن تتفرغ الصحيفة لهذه المهمة ولا تدعو إلى التبشير الذي غطى كل الإعلانات للأسف، وذلك حتى لا تفقد الصحيفة مصداقيتها لدى القارئ الكريم، وبخاصة أن الدعوة إلى التوحيد وإلى صحيح الإسلام لا يتفق مع ما هو على العكس من ذلك؟ ثم إن المال ليس كل شيء في الدنيا فما عند الله خير وأبقى ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها.. وشكراً لكم
يا اخوانا اعملوا معروف.. هذه الصحيفة ترد على أكبر فرقة ضل المسلمون بسببها وهي (جماعة الإخوان)، وتقرع الحجة بالحجة، فهل نطمع أن تتفرغ الصحيفة لهذه المهمة ولا تدعو إلى التبشير الذي غطى كل الإعلانات للأسف، وذلك حتى لا تفقد الصحيفة مصداقيتها لدى القارئ الكريم، وبخاصة أن الدعوة إلى التوحيد وإلى صحيح الإسلام لا يتفق مع ما هو على العكس من ذلك؟ ثم إن المال ليس كل شيء في الدنيا فما عند الله خير وأبقى ولأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من الدنيا وما فيها.. وشكراً لكم
أيدلوجية جماعة الإخوان ما لها وما عليه
في حديثٍ لأبي هريرة صححه الحاكم ووافقه الذهبي، يقول صلى الله عليه وسلم: (سيأتي على الناس سنوات خَدَّاعات، يُصدق فيها الكاذب ويُكذب فيها الصادق، ويُؤتمن فيها الخائن ويُخوَّن فيها الأمين، ويَنطق فيها الرُّويْبضة.. قيل: وما الرويبضة؟، قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة)
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم البعث والدين.. وبعد:
فقد ذكرنا قبلُ أن الأيدلوجية أو المنهج الذي اختَطّته (جماعة الإخوان) لنفسها للعمل لدين الله، يكتنفه الخطأ من كل جانب، ويشوبه عيوب قاتلة لأمة الإسلام ذاتها التي مجتمعاتها كما هي لديهم (جاهلية)، ويعتوره مخالفات منهجية لنصوص الوحي وأحكام الشرع الحنيف وما استقر عليه إجماع الأمة، وذكرنا من ذلك:
قيامها على بيعات عامة الأصل فيها ألا تعطى إلا لممكنين.. تُعقد من الباطن في كل دولة من دول المسلمين لمن ينازع فيها الأمر أهله ويطلق عليه (مراقب عام)، بما يعني جعلها لأكثر من واحد في كل دور الإسلام، بالمخالفة لحديث: (من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان).. ويُقْسَمُ فيها بالولاء التام للجماعة لا لمنهج الإسلام الحق ولا لولي الأمر الشرعي، وبما نصه: (أُعاهد الله العلي العظيم، على التمسك بدعوة الإخوان المسلمين، والجهاد في سبيلها، والقيام بشرائط عضويتها، والثقة التامة بقيادتها، والسمع والطاعة في المنشط والمكره، وأقسم بالله العظيم على ذلك، وأبايع عليه، والله على ما أقول وكيل).. بحيث تشكل كيانات تكون الطاعة المطلقة فيها لأناس ليسوا بأصحاب شوكة أو سلطان، وهو ما بحقه يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة 1/ 115: “النبي أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يَقدرُون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً”.. بهدف أن يتكوَّن من هذه الكيانات: خلافة وهمية ليست كما أخبر النبي في (مهدي أهل السنة)، ولا هي على (منهاج النبوة) كما جاء في الحديث، ولا هي حاصلة لقريش على ما صرحت بذلك نصوص الشرع وإجماع الأمة من نحو ما جاء في شرح النووي لمسلم حيث قال بعد أن ساق الأحاديث في ذلك ? وبنحوه فعل ابن حجر في باب (الأمراء في قريش) 13/ 126?: “هذه الأحاديث وأشباهها، دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك مَن بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلافٍ من غيرهم، فهو محجوج عليه بإجماع الصحابة والتابعين فمَن بعدهم وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي عياض: (اشتراط كونه قرشياً: هو مذهب العلماء كافة)، قال: (وقد عدّها العلماء في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها قول يخالف ما ذكرنا، وكذلك مَن بعدهم في جميع الأمصار)، قال: (ولا اعتداد بقول النَّظّام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع، أنه يجوز كونه من غير قريش)”.. وبما محصله في النهاية جعل (الإخوان المسلمين) في مصاف الخوارج، كونهم ? وقد اعتبروا أنفسهم جماعة المسلمين لهم على الأمة حق السمع والطاعة وأخذوا البيعات لأنفسهم على ذلك ونازعوا الأمر أهله ? قد عدَّوا غيرهم بطبيعة الحال خارجين عن جماعة المسلمين.. وبما محصله أيضاً من ثمَّ جعل رايتها الجهادية (عُمِّية)، يبطل بل يحرم الجهاد تحتها لحديث: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهليه، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل، فقِتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يَتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه).. ونذكر من جهاد الإخوان المعاصر تحت رايتهم العُمِّية تلك، بعد أن أزال الله ملكهم في مصر، وبعد أن جعلوا أهلها شيعاً يخاصم الولد لأجلهم أباه، والزوجة زوجها، والأخ أخاه:
1-غزوات خلية (أجناد مصر): وهي مجموعة جرائم وقعت وتم التحقيق فيها في 4/ 2016، يتزعم الخلية طالب بكلية التجارة بالفرقة الرابعة جامعة عين شمس 23 سنة، يُدعى: (إسلام شعبان شحاتة).. وهو: واحد من 22 متهماً قاموا بتنفيذ العديد من العمليات التي استهدفت قوات الأمن في محافظتي القاهرة والجيزة، منها: استهداف دار القضاء العالي التي راح ضحيتها اثنين من المدنيين.. وتفجير عبوة ناسفة أمام قسم شرطة الطالبية التي راح ضحيتها الرائد (ضياء فتوح) أثناء محاولة إبطال مفعولها.. ومحاولة استهداف تمركز أمني أمام سينما رادوبيس بعبوة تم إبطالها، وتمركز آخر قرب جامعة عين شمس أمام محطة أتوبيس بعبوة انفجرت ولم يصب فيها أحد، وثالث أمام سيتي مول ناحية المريوطية وكان فيه 3 ضباط وعربية أمن مركزي ومدرعة تم القبض على منفذَيها، ورابع أمام مستشفى الهرم بعبوة تم كشفها وإبطالها، وخامس ناحية أمام مجلس الشعب ومجلس الوزراء في أول شارع القصر العيني، أمسك قهوجي بمنفذها.
2-الجهاد في سبيل اغتيال النائب العام للشعب المصري متلبساً بصيام نهار رمضان: وهي جريمة شنعاء متكاملة الأركان وقعت في 29/ 6/ 2015، وأسفرت عن اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، وقد اعترف الأربعة الذين قاموا بالتنفيذ ? وكانوا ضمن 14 عنصراً اتفقوا على ارتكاب الحادث وتم إجهاض مخططاتهم في تنفيذ بعض العمليات الكبرى الأخرى التي تم الإعداد الفعلي لتنفيذها، وأبرزها: محاولة اغتيال شخصيات هامة وعامة والتعدي على بعض السفارات، بمباركة من قيادات التنظيم الدولي للإخوان وقيادات حركة حماس وبعض المهرَّبين في صحراء السودان الجنوبية ? والأربعة هم:
أ-(محمود الأحمدي عبد الرحمن) طالب بكلية لغات وترجمة جامعة الأزهر الفرقة الثالثة، اعترف بأنه شارك بعد 30/ 6 في كل الفعاليات الثورية داخل الحرم الجامعي وخارجه، ثم اشترك في العمل النوعي والمسيرات الإخوانية لقطع الطرق وإلقاء الشماريخ على القوات الأمنية وتفجير أبراج الكهرباء.. كما اعترف بتنفيذ عملية اغتيال المستشار بركات مستخدما الريموت كنترول لتفجير السيارة الملغومة التي استهدفته، وبأنه كان يقف على بعد 30 مترا فقط من موقع الانفجار، وبأنه تلقى تكليفاً عن طريق برنامج (لاين) من الإخواني الهارب بتركيا الذي كان يعمل متحدثاً باسم وزارة الصحة إبان حكم د. مرسي، د.يحيى موسى، الذي كلف الأحمدي بالذهاب إلى غزة لتلقى دورة تدريبية في معسكرات حماس، وأنه توجه إلى غزة عن طريق مهربين من الأنفاق واستمر في الدورة شهراً ونصف، وهناك التقى بأبي عمر وهو ضابط مخابرات تابع لحركة حماس، وتلقى دورة تدريبية في التكتيكات العسكرية وحرب العصابات وصناعة المتفجرات من المواد ثنائية الاستخدام، وتركيب الدوائر الكهربائية وتفخيخ السيارات، ولم يتمكن من العودة إلى مصر إلا بعد 3 أشهر بسبب وجود صعوبة في التسلل عبر الأنفاق، ثم كلفه د.يحيى بإعداد عبوة متفجرة زنة 60 كيلو جراماً لتفجير موكب النائب العام.. واعترف بأنه تسلم المواد وقام بنقلها إلى مزرعة بمركز ههيا بالشرقية، وقام بخلطها وإعدادها ووضعها داخل حقائب ثم نقلها إلى شقة بالشيخ زايد التي وضع فيها المواد المتفجرة داخل البرميل، ثم حدد يحيى له 28/ 6 موعداً لتنفيذ العملية، وبعد فجر ذلك اليوم، أحضر أبو القاسم منصور سيارة ماركة (سبرانزا)، وقاما بإنزال البرميل في حقيبة السيارة، وتوجه أبو القاسم بها إلى مسكن النائب العام بمنطقة مصر الجديدة.. كما اعترف المحمدي بأنه ظل منتظرا حتى مرور الموكب، إلا أنه لم يمر، وأبلغتهم مجموعات الرصد بأن الموكب غيّر خط سيره، وتركوا السيارة في موضعها وغادروا، قال: “تلقينا تكليفا من د.يحيى بأن نقوم بالتنفيذ في اليوم التالي، وبالفعل توجهنا إلى موقع الحادث، وعندما أبلغتنا مجموعات الرصد بتحرك الموكب نحونا واقترب الموكب من السيارة المفخخة، قمتُ بالضغط على الريموت وانفجرت في الحال، واندفعتُ من الموجة الانفجارية وكذلك اندفع معي أبو القاسم قليلاً، وأصيب إصابات طفيفة بيده، لكنه تمكن من تصوير الانفجار”، وأكد المحمدي أنه تواصل على برنامج (لاين) مع د.يحيى أثناء هروبه في السيارة وقال له: “لقد تم التنفيذ”.. واعترف أيضاً بأنه بعدها بأسبوع تلقى اتصالاً هاتفياً من أبي عمر ضابط المخابرات التابع لحماس، وقال له: “مبروك لقد نجحتم ومازال أمامكم المشوار طويلاً”.
ب-و(أحمد جمال أحمد محمود) بمعهد تحليل جامعة الأزهر، مقيم بمركز ديرب نجم محافظة الشرقية، اعترف بأنه تم تسكينه في أسرة إخوانية، وشارك في العمل النوعي، وكوَّن مجموعات قامت برصد الكمائن والقوات الشرطية داخل وخارج الجامعة، كما شارك في معسكرات (الوفاء والأمل) وتحركات رئيس الجامعة، واعترف بأنه تلقى تكليفاً من يحيى موسى برصد موكب النائب العام، وقال: إنه أرسل له خريطة (جوجل إيرث) بمكان ومحيط مسكن النائب العام، وبعدها قام ومجموعة برصد المداخل والمخارج والمناطق المحيطة والخدمات بالمنطقة لمدة 15 يوما، وأبلغهم بذلك، وبأن الموكب يتكون من 3 سيارات ودراجة نارية.
جـ-و(محمد أحمد سيد إبراهيم)، طالب بكلية اللغات والترجمة جامعة الأزهر مقيم بمركز أبو كبير الشرقية، اعترف بأنه شارك في العمل النوعي وفي عمليات قطع الطرق وتفجير أبراج الكهرباء وحرق سيارات الشرطة.. واعترف بأنه تلقى تكليفاً من يحيى موسى، بأن يتوجه إلى غزة لتلقى تدريبات عسكرية في حرب العصابات وتقنيات تصنيع العبوات المتفجرة، وقال: “إنه خلال هذه الفترة، كان يتلقى الدورة التدريبية بمعسكر حماس، وإن ضابط المخابرات الحمساوي أبا عمر أبلغه بأن زملاءه نجحوا في المهمة وتمكنوا من اغتيال النائب العام، وقال له: “شفت العملية سهلة إزاي، وهي فقط تحتاج شوية تدريب”.
د-و(أبو القاسم أحمد علي منصور)، طالب بكلية الدعوة جامعة الأزهر، مقيم بمركز كوم أمبو محافظة أسوان، اعترف بأنه شارك في أحداث الحرس الجمهوري وأحداث المنصة، ثم شارك في مجموعات الحراك الثوري داخل جامعة الأزهر ونظموا إضراب الطلاب عن الامتحانات لشل العملية التعليمية داخل الجامعة.. واعترف بأنه تلقى تكليفا من يحيى موسى بشراء سيارات لتنفيذ بعض العمليات بها، وبالفعل قام بشراء عدد من السيارات وبينها سيارة (سبرانزا)، اشتراها من سوق السيارات ببطاقة لسيدة أخذها من مكتب بريد كانت فقدتها فيه.. وقال إنه التقى بالمحمدي في شقة الشيخ زايد، وقاما في فجر يوم 28 يونيو وفقا للموعد المحدد، بإنزال البرميل إلى السيارة وقاد السيارة إلى الموقع المحدد من مجموعات الرصد، وطلب من المحمدي أن يأتي خلفه بالمواصلات.. وأضاف: “عندما وصلنا إلى المكان تركنا السيارة، وقام أحد الأفراد بمجموعات الرصد بقيادتها وإيقافها في ملف يتجه منه الموكب، وعندما حضر المحمدي طلبتُ منه تفعيل العبوة”.. كما اعترف أبو القاسم بأنه “بعد الانفجار جرينا وسط الأهالي وهربنا في سيارة (هيونداى هاتشباك) انتظرَتنا في آخر الشارع”.
3-جهاد سد بلاعات ومصارف الإسكندرية: وهذه أُعلن عنها في 11/ 2015، حيث تم ضبط 17 إخوانياً من (اللجان النوعية) التابعين لجماعة الإخوان المسلمين، شاركوا إثر إصدار تكليفات من قيادات التنظيم بالمحافظة في ارتكاب بعض العمليات العدائية، أبرزها سد المصارف ومواسير الصرف الصحي بإلقاء خلطة أسمنتية بداخلها لعدم تصريف المياه، وحرق وإتلاف محولات الكهرباء وصناديق القمامة لإحداث أزمات بالمحافظة وإيجاد حالة من السخط الجماهيري ضد النظام القائم، كما قام بعضهم بتفجير عبوة ناسفة بمنطقة مناورة القطارات بمحطة مصر دائرة قسم شرطة العطارين بالإسكندرية، ثم إبطال مفعول أخرى بذات المنطقة، وكذلك تفجير عبوة خلف المستشفى الإيطالي بمنطقة لومبروزو دائرة باب شرق.. وفي اعترافه يقول إبراهيم محروس حامد، أحد المُتهمين في القضية، إنه “عضو في التنظيم الإخواني منذ أن كان في الصف الثاني الإعدادي، وبعد 30 يونيو انضم لمجموعة (الإرباك) وكان هدفنا إرباك النظام وتبيين أنه فاشل”.. وأضاف: “كنا بنسد المجاري وبنحرق الزبالة، كنا بنشيل أغطية البلاعات ونحط شيكارة أو شيكارتين أسمنت مع زلط”.. وفي نفس السياق تم مداهمة أوكار إعداد وتخزين العبوات التفجيرية وعثر على 3 عبوات متفجرة جاهزة للتفجير، و3 تحت التجهيز، و2 سلاح ناري عبارة عن فرد خرطوش و12 طلقة من ذات العيار، وطبنجة صوت وخزينة خاصة بها، وكمية كبيرة من المواد الكيميائية والتي تستخدم في تصنيع العبوات المتفجرة.. ونشرت وزارة الداخلية وقتها مقطعَ فيديو يتضمن اعترافات الخلية مصحوباً بترجمةٍ أسفل الشاشة باللغة الإنجليزية.
4-اعترافات مجاهدي خلية استهداف معبد الكرنك: وقد نُشرت إزاء هذه الجريمة النكراء في 11/ 2015، تحقيقات نيابة أمن الدولة العليا، واعترافات المتهمين في خلية تنظيم داعش التي كانت تستهدف معبد الكرنك بمحافظة الأقصر، ثم أحالتها النيابة العامة للقضاء العسكري، وكشفت المستندات وأوراق التحقيقات تلقيهم تكليفات من قيادات التنظيم.. وجاء في اعتراف المتهم الثاني (شعبان رجب رمضان رزق) 34 سنة دبلوم صنايع ويعمل مزارعاً، بأن مسئول التنظيم المتهم الأول الهارب: (طارق عبد الستار)، كان موظف كهرباء واستقال، وقال شعبان: “أنا عضو في تنظيم جماعة جهادية.. تقوم على فكر تكفير الحاكم وبضرورة الخروج عليه لعدم تطبيقه شرع الله المتمثل في تطبيق الحدود الشرعية وإقامة نظام خلافة إسلامية، مع وجوب الجهاد ضد قوات الجيش والشرطة، علشان هما دول اللي بيحموا الحاكم الكافر، وأنا عايز أقول إن الجماعة اللي أنا عضو فيها دى نفذت عمليتين ضد الشرطة، وهما: إلقاء عبوة مفرقعة يدوية على قسم شرطة الغمراوي، ووضع عبوة مفرقعة على طريق بني سويف الإبراهيمية علشان تنفجر في دورية سير تبع الشرطة عبارة عن بوكس ولورى أثناء سيرهما، وتقتل وتصيب أكبر عدد من الضباط وأفراد الشرطة، لكن العبوتين دول منفجروش علشان فتيل الاشتعال الخاص بالعبوة الأولى انطفأ، والعبوة الثانية كان موصل بها تليفون محمول علشان تنفجر وإحنا بعيد، لكن بطارية التليفون بتاع القنبلة فصلت شحن وعلشان كده منفجرتش، وعايز أقول: إن طارق هو المسئول على المجموعة اللي نفذت عملية تفجير معبد الكرنك بالأقصر، واللي نفذها علي جمال وحسين بركات والاثنين دول من المجموعات الجهادية اللي أنا عضو فيها، وكان معاهم اثنين أجانب أحدهما سوداني والثاني من تونس.. بدأتُ أتبع منهج الطرق السلفية مع طارق وبعد 25 يناير أنا انتخبت محمد مرسى كرئيس للجمهورية تنفيذا لدعوة طارق علشان هو قالي إن هو ده طريق الدولة الإسلامية والخلافة، لكن بعد اللي حصل في 30 يونيو لقيت طارق بيقولي إن إحنا ننزل القاهرة علشان نشارك في اعتصام رابعة ضمن مجموعة كبيرة كانت نازلة معانا لكن أنا منزلتش، وبعد فض الاعتصام بدأ يدعوني أنا وناس تانية علشان نعمل مجموعة جهادية نجاهد في سبيل الله من خلال تكفير الحاكم وجهاده علشان هو مطبقش شرع الله وبيحكم بغير ما أنزل الله ومطبقش الحدود الشرعية ومش بيحكم بنظام الخلافة الإسلامية ? يقصد: الرئيس السيسي وليس مرسي الذي فعل نفس الشيء ? يقول: ومن فترة واحنا مجتمعين في بيت طارق لقيناه جايب معاه واحد اسمه حسين سمير وعرِفنا إنه من الفيوم، وساعتها بدأ حسين يعلّم المجموعة كلها طريقة تصنيع القنابل والعبوات الناسفة.. وفى مرة جه طارق وطلب مننا نحط مسامير وصواميل داخل العبوات علشان تزود عدد الناس اللي هتموت أو هتتصاب من الانفجار.. وكلفنا أنا وباقي المجموعة إننا ننفذ عملية تفجير قسم شرطة الغمراوي.. وبعد الموضوع ده بحوالي شهر قال لنا إننا هنفذ عملية تفجير تانية في دورية سير بتعدي على طريق الإبراهيمية.. وأنا شايف إن الالتزام الديني من خلال جماعة أحسن علشان ده هيخلينا منظَّمين في موضوع الجهاد ونقدر من خلاله نجاهد”.
=وأستحلفُ كل مسلم، بالله؛ أهذا هو جهاد محمد صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيهم؟؛ أم ما كان الإخوان يرفعون لأجله وإلى الآن شعار (وأعدوا) ويرددون لتحقيقه مقولتهم الشهيرة (والجهاد في سبيل الله أسمى أمانينا)؟؛ أم أنه يا ترى الامتداد الطبيعي لجهاد سابقيهم من البنا ومن تلاه في اغتيالهم رئيس وزراء مصر المسلم (أحمد ماهر) في 2/ 45، والقاضي المسلم (أحمد الخازندار) في 3/ 48، ورئيس الحكومة المسلم (محمود فهمي النقراشي) في 12/ 48، وتفجيرهم (محلات عدس وبنزايون) في 8/ 48، و(شركة الإعلانات الشرقية) 11/ 48.. إلخ، والقائمة طويلة؟.. وليس لأحد أن يقول أن الاعترافات السالفة الذكر تمت تحت تعذيب.. وكذا وكذا، لأن صفعة واحدة تقع على وجه أحد هؤلاء أو أمثالهم من الجماعة، كفيلة بأن تُحرك (أوباما) بصولجانه، وأن تقض مضاجع (أمريكا وألمانيا) بجلالة قدرهما، بل ودول الغرب بأكمله، وبأن يتحرك لها جميع المنظمات الدولية ومنظمات (حقوق الإخوان)، أقصد (الإنسان) المحلية والعالمية، وبخاصة أن الكلَّ يتربص بمصر وشعبها ويعدُّونهما غصة في حلوقهم، كونهما وقفا وصمدا ضد مخططاتهم، وقد وجدوا في جماعة الإخوان التي تمثل (لوبي) في دولهم، ضالتهم.. والجميع يتلكك ويأبى إلا أن تكون سجون الإخوان بمصر، على فداحة وفظاعة جرائمهم بحقها وبحق شعبها وجندها: (فنادق 5 نجوم).. ولا تعليق.
على أن اعترافات مثل هذه، قيلت على لسان عشرات من خلايا مشابهة، شاركت في عشرات من عمليات كلها كانت ولا زالت تستهدف تفجير وتخريب منشآت واقتصاد كنانة الله في أرضه، على نحو ما تستهدف بالأساس وبحجة عدم تطبيق الشريعة: حاكمها ورجال جيشها وشرطتها.. وكذا يُخطط لجميع الدول العربية والإسلامية إذا ما أتيحت الفرصة وإن أظهروا لحكامها خلاف ذلك، لسبب بسيط هو: وجود نفس المنهج والمنطلق الفكري الذي تربوا عليه ولما ينفكوا عنه.. وقد سبق أن سقنا في رد كل ذلك وفي تشخيص حال هؤلاء وأولئك، قول ابن تيمية في (منهاج السنة) 1/ 556: “وهو عليه السلام قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته.. وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع: هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”، وسيأتي ذكر المزيد في رده.
وفي غير ميادين الجهاد بالمنظور الإخواني، نقرأ في حرب الشائعات وتكسير العظام التي تشنها جماعة الإخوان على مصر الكنانة في عام 2016 فقط، عناوين: “الأمن الوطني يكشف مخطط الإخوان لتكوين تحالف: (السلمية الرادعة) لمواجهة الدولة بعد ثورة 30 يونيو ..التحريات: استهدفوا إثارة الفوضى الأمنية والإرهاب وإفشال الحكومة وإضعاف النظام السياسي” * “ضبط خلية إرهابية تتواصل مع (بيت المقدس) تستهدف ضرب الاقتصاد المصري بجمع الدولارات” * “ننشر صور سقوط خلية إرهابية ترتدي زى حماس بحوزتهم أسلحة بالبحيرة” * “الإخوان يفشلون في تعكير صفو احتفالات المواطنين بتحرير سيناء، ويلجئون لإصدار بيانات تحريضية، ويزعمون وجود مظاهرات حاشدة ضد الدولة.. وأبو الفتوح يصف تحرير أرض الفيروز بالجزئي، ويتطاول على السعودية ويصفها بـ (الصهاينة العرب)” * “أيمن نور رئيس قناة الشرق الإخوانية التي تُبث من تركيا، يحرِّض روما ضد مصر، مستغلاً في ذلك مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني، ويقول في أحد المواقع الموالية للإخوان: (ثِقَل إيطاليا في الاتحاد الأوروبي، والتي تشغل أكثر من 70 مقعداً من مقاعده، تُمكّنُها من ممارسة ضغوط كبيرة لإحداث نتائج ملموسة تتعلق بمقتل ريجيني).. كما حرض نور الاتحاد الأوروبي ضد مصر وطالبه أن يتحرك ضد الحكومة المصرية، وناشد مَن أسماهم بالمعارضة للاصطفاف من أجل إسقاط النظام القائم، ومن أجل التظاهر في 27/ 4/ 2016″، يعني: في مناسبة تحرير سيناء من أيدي الصهاينة ليعكروا على المصريين ? كما هي العادة ? فرحتهم بانتصاراتهم على اليهود * “خبراء يحذِّرون من الفتنة الطائفية في ليبيا التي يحركها الإخوان والغرب، لتوريط الجيش المصري في صراع طويل لإنهاكه تمهيداً لتقسيم المنطقة” * “كوادر الإخوان بأوروبا تتواصل مع إعلام إيطاليا وأجهزة الأمن والاستخبارات بها وتقدم صورًا ومعلومات مغلوطة عن مقتل ريجيني.. الجماعة تدير ملف تشويه علاقات القاهرة مع الاتحاد الأوروبي من لندن، وتواصلت مع الأمن الإيطالي لتوريط مصر” * “التسجيل الذي تم تصويره مطلع الأسبوع الجاري مع والدة (خالد سعيد): جماعة الإخوان الإرهابية هي المسئولة عنه، وقامت بترجمته إلى عدة لغات كما تم رفعه على موقع يوتيوب، بالإضافة إلى نشرِه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال لجانها الإليكترونية في إطار حملة ممنهجة، لاستغلال قضية ريجيني في تشويه صورة مصر أمام الرأي العام العالمي والإدعاء بأن الشرطة المصرية هي من قتلته وأنها تمارس قهراً وتعذيباً ضد الأجانب الوافدين إليها، والربط بين مقتل الطالب الإيطالي ريجيني وحادثة خالد سعيد الذي تورطت الشرطة في قتله قبل ثورة 25/ 1/ 2010 إبان حكم مبارك” * “شباب الجماعة يتواصلون مع مراكز حقوقية ومنظمات دولية وتُسلمُها كشوفاً وصوراً وفيديوهات بوقائع تدّعى أن الشرطة المصرية مارست عنفاً غير مبرر ضد مواطنين أبرياء، بهدف قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي الذي يُعد الشريك الاقتصادي الأكبر لمصر، بالإضافة إلى ضرب السياحة” * “تقرير للخارجية الأمريكية يتهم الأمن بقمع الحريات واستخدام القوة المفرطة.. والداخلية ترد: التقرير اعتمد على شائعات الإخوان ولا يوجد تعذيب بالسجون ولا اختفاء قصري، وتؤكد: لن نتستر على أحد وننسق مع المجلس القومي لحقوق الإنسان، وأن قانون الطوارئ الذي تمت الإشارة إليه تم إلغاؤه ولا يوجد محبوس أو مسجون دون سند قانوني، وأشار المصدر إلى أن التقرير تجاهل ما قدمته وزارة الداخلية خلال الشهور الماضية للمسجونين المعاقين والأمهات والغارمات وغير ذلك من الندوات الثقافية والخدمات الطبية والعلاجية وإجراء العمليات الجراحية والمساهمة في محو الأمية للمسجونين” * “الإخوان تُحول الجامعات الأمريكية لمنابر تحريضية ضد مصر.. الجماعة تستغل (هارفارد) و(كاليفورنيا) و(جورج تاون) لتحقيق أغراضها.. ومصادر: التنظيم يخترق الجامعات عن طريق مراكز الأبحاث” * “عاصم عبد الماجد ? بعد أن ورط جماعته ?: الإخوان تحالفوا مع الأمريكان والشيعة بدلا من مجاهدة المحتل، وتركوا اليمن للحوثي، بل رأينا تحالفاتهم مع مبارك ضدنا في القرن الماضي حين قال الأستاذ عمر التلمساني: (أعطونا الشرعية نقضى لكم على التطرف)، وكانت بعدها مبايعتهم لمبارك رئيساً ووصْمُهم الجماعة الإسلامية بالإرهاب” * “بالفيديو.. مستشار رئيس الوزراء التركي عمر قورقماز للإخوان: أفشلتم الديمقراطية ببلادكم فلا تفشلوها في بلادنا” وشهد شاهدان من أهلها * “قيام التنظيم الإخواني بدفع مبالغ طائلة لبعض المسئولين في جهاز الاستخبارات والحكومة البريطانية، كإحدى الطرق في مسلسل ضرب السياحة والاقتصاد المصري” * “أصدرت جماعة الإخوان ? التي فرطت في الوطن بأكمله وجُنْدِه قتْلاً وحرقاً وتدميراً ? بياناً شديد اللهجة استنكرت فيه اتفاقية إعادة ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، مشيرة في خبث إلى أنَّ الاتفاقية تنص على تنازل مصر عن جزيرتين للسعودية.. والترويج لأكذوبة البيع: يستهدف زيارة الملك السعودي” * “تأكيد الجبير اعتبار السعودية الإخوان إرهابية، يدحض شائعات التنظيم بتشكيل محور سني يتضمن الجماعة” * “د.كمال حبيب، الخبير في شئون الحركات الإسلامية يصرح: ما كان يتم تصديره من إشاعات حول علاقة السعودية بالإخوان، حاولتِ الجماعة توظيفه في صالحهم، لضرب العلاقات المصرية السعودية” * “الإخوان تستغل علاقتها بحزب المؤتمر السوداني وتحرض الخرطوم على التصعيد الدولي للتفاوض حول حلايب وشلاتين.. وقيادات الجماعة تتزعم الدعوات لإحراج مصر.. ومواقعها تضلل الرأي العام حول تاريخ المثلث” * “خالد الزعفراني: هناك اعترافات إخوانية قديمة تؤكد دعم الإخوان للسودان للحصول على حلايب وشلاتين، موضحاً أن الجماعة تقدم مصلحة تنظيمها الدولي على مصلحة الوطن، وهو ما جعلها تنحاز للسودان على حساب مصر” * “مع اقتراب زيارة كيري.. بيان للإخوان يحرض واشنطن على وقف دعمها لمصر” * “الإعلامي ممتاز القط: جماعة الإخوان ليست متطرفة من الناحية الدينية فقط، ولكنها تقود مؤامرة من الخارج ضد مصر من خلال شراء الدولارات وبيعها في السوق السوداء” * “انكشاف المؤامرة.. خاطف الطائرة المصرية سيف الدين مصطفى يرتدى تي شيرت بـشعار رابعة” * “كتب كامل علي: فشل مؤامرات الإخوان لتعجيز مصر.. التنظيم بث شائعات عن: أن قناة السويس مجرد تفريعة.. وأنه مشروع إخواني 100% .. وعن انقلاب الرياض ضد القاهرة بعد وفاة الملك عبد الله.. وسحب الثقة من الحكومة.. ورفض الإمارات مشروع قناة السويس بزعم أنها ستؤثر عليهم سلباً، وعندما رحبت الإمارات بحفر قناة السويس شككوا في إمكانية جمع أموال المشروع، وبعد إنجازه نشروا شائعات من عينة فقدان 250 عاملاً إثر انهيار جزئي بالقناة وإلغاء فوائد شهادات الاستثمار.. والأيام تثبت أنهم يكذبون كما يتنفسون، وأنهم يروجون الأكاذيب مع شروق كل شمس، ويخلقون كذبة جديدة مع غروبها” * “خالد على وجميلة إسماعيل يدعوان رئيس فرنسا لوقف تسليح القاهرة.. بهي الدين حسن واصلَ التحريض بلقائه (بان كي مون) ومساعدي الرئيس الفرنسي (هولاند)، ويدعو أن تقوم هيئة دولية بزيارة لمصر لتقصى حقيقة وضعية حقوق الإنسان وأنه ليس هناك أكثر جدارة من الأمم المتحدة للقيام بهذه المهمة.. وجمال عيد يتجاهل شهداء الإرهاب ويعتبر مواجهة الإرهابيين في سيناء عنيفة.. وأيمن نور يخصص قناته لنشر الشائعات من تركيا” * “متحدث الداخلية اللواء أبو بكر عبد الكريم: السقا وبدر ينسقان مع الإخوان.. ولم نقتحم نقابة الصحفيين” * “د.سعيد اللاوندي الخبير في الشئون الدولية: الشائعات التي ركزت عليها جماعة الإخوان خلال الفترة الماضية: تضمنت محاولة إفساد العلاقة بين مصر ودول الخليج، واعتمدت على تسريبات مفبركة بثتها عبر قنواتها الإعلامية في الخارج، ولكن دول الخليج كانت على وعى بتلك المؤامرات وردت عليها بمزيد من سبل الدعم والتعاون والزيارات المتبادلة، وأوضح الخبير أن التنظيم استغل معظم المشروعات التي أعلن عنها الرئيس السيسي، مثل: مشروع العاصمة الإدارية الجديد والمشروعات الاقتصادية إلى جانب مشروع قناة السويس، لبث شائعات حول فشل هذه المشروعات، وعدم تنفيذها ولكن الشعب المصري الذي كشف كذب الإخوان خلال حكمهم لم يصدقهم، بل دعم القيادة السياسية وسيظل يدعمها لتنفيذ كافة المشروعات التنموية” * “فضت هيئة محكمة جنايات القاهرة أحراز قضية (فض اعتصام رابعة العدوية)،المتهم فيها محمد بديع مرشد جماعة الإخوان، و738 متهمًا من أنصار الجماعة، وهي عبارة عن جوال بلاستيكي بداخله 6 أسلحة آلية، وجوال أخر داخله بندقية خرطوش، و7 خزن أسلحة فارغة، و15 طلقة آلية، و130 نبلة، 31 بلية خرطوش، وحرز آخر عبارة عن شيكارة بلاستيكية تحوى أيضا 6 بنادق آلية، وآخر به 21 فرد خرطوش محلى الصنع، وفارغ طلقة من ذات العيار.. وكانت النيابة أسندت إلى المتهمين عدة اتهامات، منها القتل العمد مع سبق الإصرار للمواطنين وقوات الشرطة المكلفة بفض تجمهرهم، والشروع في القتل العمد” * “أعلنت حركة المقاومة الشعبية المرتبطة بجماعة الإخوان، مسئوليتها عن حادث حلوان الذي راح ضحيته ٨ من رجال الشرطة” * “صاحب محل بالرويعى: الحريق بفعل فاعل وأشخاص ألقوا بودرة سريعة الاشتعال على المحالات لتزيد النار اشتعالاً” * وأخيراً وليس آخراً: “لواء أركان حرب متقاعد/ حسام سويلم: جرائم الجماعة ضد الشعب المصري فاقت ما ارتكبته إسرائيل” وأدعو كل منصف لقراءة هذا المقال ليرى حجم وهول الكارثة.. والخلاصة: أنه ما من مصيبة أو بلية أو كارثة تحل على مصر وأهلها منذ نشأت الجماعة إلا وهي وراءها، وما من باب من أبواب الشر يعجز عنه إبليس وجنده في الإضرار بمصر إلا سلكه (الإخوان)، كذا دون أن يرقبوا في وطنهم ولا شعبهم ولا أهليهم إلا ولا ذمة!.. ولله في خلقه شئون.
على أن كل هذه الحروب والاستهدافات وسيل الأكاذيب والإشاعات واستعداءات الخارج مع ظهور مخالفة كل ذلك للشرع، إنما هو ناتج عن جهل مركب وأفكار مغلوطة لدى جماعة الإخوان وكل من خرج من عباءتها، أساسها: 1- اعتبار (الإخوان) أنفسهم ? دون سائر أهل السنة وفي كل دول العالم ? الأحق بالإمامتين الصغرى (حكم كل دولة بمفردها) والكبرى (السيادة على العالم باسم الخلافة).. 2- منابذة ومنازعة من ليسوا منهم ولم يؤمن بفكرتهم من حكام المسلمين، وتكفيرهم بحجة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية أو أنهم طواغيت ولا يمثلون جماعة المسلمين.. 3- مقاتلة والسعي لتفكيك الجيوش والشرطة كونها تحمي أنظمتهم ومن الطوائف الممتنعة، وتكفير آحادهم أحياناً أو الحكم عليهم بالردة كونهم جند الطاغوت.. 4- السعي من وراء كل ذلك لإقامة خلافة يزعمون كذباً ? كونها على غير منهاج النبوة وما هم بقرشيين ? أنها ستكون فيهم.. 5- التضحية بالأوطان والشعوب المسلمة في حال تعارضت مصالحها مع ما ينادون به.. 6- النظر إلى الدعوة على أنها ليست هدفاً في حد ذاته وإنما مجرد وسيلة لتربية وتهيئة كوادر للعمل الجهادي إذا ما أتيحت الفرصة.. تلك هي مجمل وأساس وأصل الأفكار التي تحملها جماعة الإخوان وكل جماعات العنف أو الإسلام السياسي.. وهذه أفكار في الحقيقة وَجَد أعداء الإسلام فيها وفيمن يحملها ? عملياً ? ضالتهم، سعياً منهم هم الآخرين على الانقضاض على العالمَين العربي والإسلامي بأساليب حديثة تحفظ على الأعداء جيوشهم وتروِّج لمصانع أسلحتهم وتدفع باقتصادهم إلى الأمام، وفي المقدمة من هذه الأساليب الدفع بنظراء هؤلاء من الشيعة لمثل هذا، كونهم يحملون فكرة الإمامية التي تماثل فكرة الإخوان عن الخلافة.. كما أنها أفكار تستوجب ? شرعاً ? مناقشتها كونها غير مسلَّمٍ بها ويجب الرجوع عنها.
أولاً: أما عن دعوى أحقيتهم بالإمامتين الصغرى والكبرى.. فقد سبق أن ذكرنا أن ذلك ناشئ عن اعتبار أنفسهم جماعة المسلمين المستحقين للبيعات العامة والسمع والطاعة المطلقة، ومن ثم وجب الجهاد تحت رايتهم.. وهي أمور تم الرد عليها مجملاً في مقدمة هذا المقال، وتفصيلاً في مقالات: (بطلان بيعات جماعة الإخوان) و(واجب الوقت) و(اعتبار الجماعة نفسها امتلاك الحق المطلق دليل على بدعيتها) فلتراجع، فإنها من الأهمية بمكان.
ثانياً: أما عن منابذتهم من ليسوا منهم أو من لم يؤمن بفكرتهم من حكام المسلمين: فإن فيه مخالفة صريحة للنهي عن منازعة الأمر أهله من أهل الخبرة والحنكة والسياسة، على ما جاء في حديث عبادة بن الصامت المتفق عليه، وفيه قوله: (بايعنا رسول الله على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان، وعلى أن نقول الحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم)، ومعنى بواحاً كما في رياض الصالحين للنووي: “ظاهراً لا يحتمل تأويلاً”، قال ابن حجر في الفتح 13/10: “قال الخطابي: (معنى قوله بواحاً، يريد: ظاهراً بادياً من قولهم باح بالشيء يبوح به بواحاً إذا أذاعه وأظهره).. قوله: (عندكم من الله فيه برهان)، أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، قال النووي: (المراد بالكفر هنا: المعصية، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم، إلا أن تروا منهم منكراً محققاً تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم)”إ.هـ، وقال ابن عثيمين في شرحه رياض الصالحين 2/ 421: 423: “قوله: (ألا ننازع الأمر أهله)، أي: لا نحاول أن نجعل لنا سلطة ننازعهم فيها، ونجعل لنا من سلطتهم نصيباً لأن السلطة لهم، فلا ننازعهم”، فأين نحن من هذا كله؟، ويُكمل رحمه الله: “وقوله: (إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان)، ففي هذه الحالة ننازعهم، لكن هذا يكون بشروط، الأول: (أن تروا) أي: أنتم بأنفسكم لا بمجرد السماع، لأننا ربما نسمع عن ولاة الأمور أشياء، فإذا تحققنا لم نجدها صحيحة، فلا بد أن نرى نحن بأنفسنا مباشرة، سواء كانت هذه الرؤية رؤية علم أو رؤية بصر، المهم أن نعلم.. الثاني: (كفراً) أي: لا فسوقاً، فإننا لو رأينا فيهم أكبر الفسوق فليس لنا أن ننازعهم الأمر إلا أن نرى كفراً.. الثالث: (بواحاً) أي: صريحاً ليس فيه تأويل، فإن كان فيه تأويل ونحن نراه كفراً ولكن هم لا يرونه كفراً، سواء كانوا لا يرونه باجتهاد منهم أو بتقليد من يرونه مجتهداً، فإنا لا ننازعهم ولو كان كفراً، ولهذا كان الإمام أحمد يقول: (إن من قال القرآن مخلوق، فهو كافر)، والمأمون كان يقول: (القرآن مخلوق، ويدعو الناس إليه ويَحبس عليه)، ومع ذلك كان يدعوه بأمير المؤمنين؛ لأنه يرى بأن القول بخلق القرآن بالنسبة له ليس بواحاً وليس صريحاً، فلا بد أن يكون هذا الكفر صريحاً لا يحتمل التأويل، فإن كان يحتمل التأويل فإنه لا يحل لنا أن ننازع الأمر أهله.. الرابع: (عندنا فيه من الله برهان) أي: دليل قاطع بأنه كفر، لا مجرد أن نرى أنه كفر، ولا مجرد أن يكون الدليل محتملاً لكونه كفراً أو غير كفر، بل لابد أن يكون الدليل صريحاً قاطعاً بأنه كفر.. فإذا تمت هذه الشروط الأربعة فحينئذ ننازعه، لأنه لا عذر.
على أن هذه المنازعة الناشئة عن التكفير لها أيضاً ضوابط، إذ لا يعني ثبوت كفر الحاكم: التعجل إلى الخروج عليه، بل إن الأمر في هذا يتوقف على المصلحة الشرعية في ذلك من عدمها.. إضافة إلى أنه لا يجوز لآحاد الناس إصدار الأحكام في هذا الأمر الخطير الذي قد يجر على الأمة من البلايا ما لا يحصى، بل يُسند ذلك إلى العلماء وأهل الحِل والعَقد في هذه الأمة، والواقع خير شاهد على خطورة التساهل في هذا الباب”إ.هـ، والقول بأن هذا هو ما جرى بمصر أيام مرسي، يَرِدُ عليه أن من سَمَّاهم (خيرت الشاطر) بـ (أهل الحِل والعقد)، انساقوا وراء عواطفهم وخلف أهل البدع، وارتضوا لأنفسهم بأن يَخرجوا من دائرة أهل السنة ليسيروا وبالأمة مسيرة الخوارج، وقد أعلمناهم بهذا لكن لا حياة لمن تنادي، ثم إن د.مرسي نفسه الذي طبَّلوا له وزمَّروا قال عنه د.عبد الله بدر: (إنه لم يطبق لا شريعة ولا مريعة)، وعندما سئل مرسي عن تطبيق الشريعة قال: (إنها مطبقة أوردي، وأن الحدود مجرد أحكام فقهية)، كما خرجت بعَهده مليونية تطالبه بتطبيق الشريعة ولم يستجب، فعلام كل هذه النعرات وأعمال القتل والتفجيرات؟، لكنه التعصب الأعمى والجهل المركب وإنا لله وإنا إليه راجعون.
ويأتي على رأس ضوابط تكفير الحاكم أيضاً، مراعاة أحكام التكفير الشرعية: أي اعتبار التكفير حكماً شرعياً وأن القول فيه خالص حق الله لا حق فيه لأحد من عباده، ومن أحكامه الشرعية: أنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد، أن يصير كافراً الكفر المطلق الناقل من الملة، حتى يقوم به أصل الكفر، بناقض من نواقض الإسلام الاعتقادية أو القولية أو العملية، من نحو “عدم الإيمان بالله ورسوله سواء كان معه تكذيب أو شك وريب، أو إعراض عن هذا كله حسداً أو كبراً أو اتباعاً لبعض الأهواء الصارفة عن اتباع الرسالة” كذا بمجموع الفتاوى 12/ 335، ومن نحو الإتيان بما يناقض التوحيد: كأن يسجد لصنم أو يهين المصحف.. أما الحكم بغير ما أنزل الله بحق الحاكم فقد يكون كفراً أصغر أو كفراً دون كفر أو كفر عمل، إذا كان معتقداً أن حكم الله ورسوله هو الحق ولم يحكم به، وهو المشار إليه بقول ابن عباس: (كفر دون كفر)، وإنما يتأتى الكفر البواح الظاهر المحقَّق غير المحتمل التأويل: إذا استخف بحكم الله أو استحقره أو اعتقد أن غيره أفضل، وهي كما ترى أمور قلبية لا يتسنى لأحد أن يطلع عليها أو يجزم بها، ولسنا مكلفين بذلك ولنا الظاهر، وعقيدة أهل السنة في هذا كما في الطحاوية: “ونرى الصلاة خلف بر وفاجر من أهل القبلة، وعلى من مات منهم.. ولا نشهد عليهم بكفر ولا شرك ولا نفاق، ما لم يظهر منهم شيء من ذلك، ونذر سرائرهم إلى الله تعالى.. ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة”.. ومن أحكامه: ألا يصدر الحكم بالتكفير من آحاد الناس أو جماعتهم، وإنما مرد ذلك إلى العلماء الراسخين في العلم الشرعي والمشهود لهم بالخيرية والفضل من غير مَن ذكرنا.. ومن أحكامه: ألا يصدر إلا بعد قيام الحجة الرسالية التي لابد فيها من تحقق شروط وانتفاء موانع وذلك باب يطول شرحه.. كما أن خلع الحاكم وحده عند كفره والقدرة عليه لا يكفي حتى تُؤمن الفتنة فلا يقع القتل ويكثر الهرج ويموج الناس كما يجري في سوريا الآن.. وإلا بوجود البديل المسلم الصالح وليس الخارجي أمثال د.مرسي أو الشيعي أمثال بشار وحسن روحاني وحسن نصر الله وعلى خامينئ ومقتدى الصدر.. فأين كل هذا مما يقع ولا يزال من أئمة الخوارج المتزين بزي أهل السنة، ومما أحدثوه من فتن في سوريا وليبيا والعراق لبنان واليمن ومصر وغيرها من ديار المسلمين.
ثالثاً: أما عن مقاتلة أو السعي لتفكيك جيوش وشرطة الأنظمة الحاكمة، بتكفير مجموعهم أو الحكم عليهم بالردة أحياناً كونهم جند الطاغوت أو من تحمي أنظمته، أو قتالهم على أنهم طوائف الممتنعة لو أحسنا الظن بها.. فذلك افتراء ما بعده افتراء، وهل يحتاج منا العدو والكافر الأصلي سوى هذا وقد قدمناه له على طبق من ذهب؟، وسبق لنا أن ذكرنا أن دخول الاستعمار الغربمركي الحديث دولة العراق الشقيق واحتلالها لها، إنما جاء نتيجة تفكيك كهذا، قام به المرجع الشيعي بالعراق (علي السيستاني) مقابل 200 مليون دولار دُفعت له سنة 2003 لإصدار فتوى تُحرِّم على الشيعة قتال الأمريكان حسب ما كشفت عنه مذكرات (دونالد رامسفيلد) وزير الدفاع الأمريكي السابق، فكان أن سقطت العراق في أيدي الاحتلال الذي قادته أمريكا التي تسعى حالياً ? حسب مجلة (التايم) الأمريكية في 5/ 2015 ? لاستكمال مخططها في تقسيمه إلى ثلاث دول: الأولى في الشمال (كوردستان)، والثانية لـ (الطائفة السنية) بمحاذاة سوريا، أما الثالثة فهي لـ (الشيعة) ومكانها في جنوبي العراق وتضم مساحات واسعة منه.. وهي ? ومن ورائها الغرب ? تريد لمصر وليبيا والسعودية حسب تصريحاتهم: مثل ما أرادته للعراق، إعمالاً لما وافق عليه الكونجرس الأمريكي عام 1983في جلسته السرية من مشروع (برنارد لويس)، والقاضي بالتفاهم مع بريطانيا لإعادة تقسيم المقسم بمنطقة الهلال الخصيب وتفكيك البنية الداخلية لكل الدول العربية والإسلامية على أسس دينية ومذهبية، لتتحول بعدها إلى مجموعة من الدويلات تتناحر فيما بينها حتى تصل إلى التدمير الشامل، دون تدخل عسكرى من الدول الكبرى فيما يعرف بحروب الجيل الرابع، والإخوان للأسف هم من يسعون بأنفسهم جاهدين لإنفاذ هذا المخطط اللعين، وما تهليلهم وسجودهم شكراً لله عند اقتراب البوارج الأمريكية أثناء تظاهرات رابعة ? علموا بهذا المخطط أو لم يعلموا ? وما اتخاذهم من بلاد الغرب ملاذات آمنة لهم، إلا دليل على ذلك، ثم نعيب على الشعب المصري أن سعى لاقتلاع جذورهم، حيث لا يرضى بذلك مجنون فضلاً عن أن يرضى به عاقل؟!.. وهل يعني تضافر الإخوان على ما ذكرنا، سوى أن هذا هو: الجهاد الذي أراده لهم البنا بقوله في أحد أركان بيعته: “ولا تحيا الدعوة إلا بالجهاد، وبقدر سمو الدعوة وسعة أفقها تكون عظمة الجهاد في سبيلها وضخامة الثمن الذي يُتطلب لتأييدها، وبهذا تَعرِف معنى هتافك الدائم (الجهاد سبيلنا)”، والذي أراده قبلُ بقوله في بند العمل: “ومراتب العمل المطلوبة من الأخ الصدق.. تحرير الوطن بتخليصه من كل سلطان أجنبي ? غير إسلامي ? سياسي أو اقتصادي أو روحي”؟!.
وبعد أن بدا ضعف حُجج ما يدين به من يتخذون من جند وشرطة المسلمين أعداءً لهم، سهل علينا أن نقول: إن قول سافكي دماء جند المسلمين، بتكفيرهم تمهيداً لاستحلال دمهم، جرمٌ عظيم حسبهم منه: قول الله تعالى (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، واستنكار النبي الشديد على أسامة وقد قتل مشركاً نطق بالشهادتين متعوذاً، وقوله له: (أقتلته بعد أن قالها؟!، فما زال يكررها عليّ حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم)، وفي رواية: (فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟)، فجعل لا يزيد على أن يقول: (كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة؟).. واستنكاره الشديد على المقداد بن الأسود حين قال: أرأيتَ يا رسول الله إن لقيتُ رجلاً من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يديَّ بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة فقال: أسلمتُ لله، أأقتله بعد أن قالها؟، فقال: (لا تقتلْه، فإنك إن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ? يعني: مسلم ? وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال) يعني: تصير كافراً باستحلالك لدمه.. وهذا كافر كفراً أصلياً فما يكون الحال والقاتل من الإخوان أو الجماعة الإسلامية على يقين بأن من سيقتله مؤمن موحد بالله.. يا لفداحة الخطب!.. وفي عقيدة الإسلام كما في الطحاوية: “ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد إلا من وجب عليه السيف” يعني من نحو: من أخبر عنه النبي بقوله: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة).. أما القول بأن الجند أشبه بالطوائف الممتنعة الذين أفتى ابن تيمية بقتالهم: فجوابه كما في (نقض الفريضة الغائبة) لفضيلة شيخ الأزهر جاد الحق: “كيف نقارن بين جيش له في كل معسكر مسجد وإمام يقيم بهم شعائر الإسلام، ويصومون رمضان ويتلون القرآن، ويقدمون أنفسهم فداءً لاسترداد الأرض وتطهير العرض، هاتفين في كل موطن وموقع: الله أكبر، وبين التتار الذين وصفهم ابن تيمية بقوله: (قد شاهدنا عسكرهم، فرأينا جمهورهم لا يصلون ولم نر في عسكرهم مؤذناً ولا إماماً، وقد أخذوا من أموال المسلمين وذراريهم وخرَّبوا من ديارهم ما لا يعلمه إلا الله.. إلخ”إ.هـ .. على أن هؤلاء الجند في النهاية هم أبناؤنا وإخوتنا، فهل رأيتم عاقلاً في الدنيا يكفِّر أو يقاتل أولاده وإخوته، أم يجتهد عليهم بالدعوة والالتزام بصحيح الدين ولا يكون عوناً للشيطان عليهم؟!.
رابعاً: أما سعي الإخوان من وراء كل ذلك لإقامة خلافة يزعمون كذباً ? كونهم على غير منهاج النبوة وما هم بقرشيين ? أنها ستكون فيهم، فقد تكلمنا عنه بما فيه الكفاية.
خامساً: وأما التضحية بالأوطان والشعوب المسلمة في حال تعارضت مصالحها مع ما ينادون به، فهذا من ضيق العطن ولا يقول به إلا فاقد لما فَطَر الله الناس بل وسائر المخلوقات عليه من حب الأوطان، وحسبك فعل النبي وقوله عن وطنه الذي غادره مضطراً: (والله لولا أن قومَكِ أخرجوني منك ما خرجتُ)، وقوله وقد أخبره (ورقة بن نوفل) أن قومه مخرجوه لا محالة: (أو مخرجيَّ هم؟!).. وحسبك أن تعلم أن من موجبات القتال وحِكمة مشروعيته: الطرد من الديار بغير حق، وما أكثر الآيات في ذلك!.
سادساً: أما نظرتهم الضيقة إلى الدعوة وأنها لمجرد التهيئة للعمل الجهادي، فجوابه: هذه البلاد التي فتحت عن طريق الدعوة دون ما غزو أو فتح وما أكثرها، وجوابه كذلك: أن الجهاد ما شرع إلا للدعوة وإزالة من يقف أمامها حجر عثرة من الكفار، أقول الكفار؛ إذ هو شرعاً ? كما في كتاب (أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية) ص 116 د. علي بن نفيع العلياني ?: “قتال الكفار لإعلاء كلمة الله والمعاونة على ذلك، كما فسره رسول الله فيما رواه عنه أحمد عن عمرو بن عبسة قال: قال رجل يا رسول الله ما الإسلام؟، قال: (أن يَسلم قلبُك لله وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك).. إلى أن سأله: وما الجهاد؟، فقال بأبي هو وأمي: (أن تقاتل الكفار إذا لقيتَهم).. وبمثل هذا التفسير للجهاد الوارد عن رسول الله، فسره علماء الإسلام وأئمة المسلمين، فقال ابن حجر في الفتح 6/ 5: (هو: بذل الجهد في قتال الكفار)، وقال القسطلاني في إرشاد الساري 5/ 31: (هو: قتال الكفار لنصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله)، وقال الكاساني في بدائع الصنائع 7/ 97: (وفي عُرْف الشرع: يستعمل في بذل الجهد والطاقة بالقتل في سبيل الله بالنفس والمال واللسان أو غير ذلك)، وقال صاحب الدر المختار في حاشيته على رد المختار 4/ 121: (هو: الدعوة إلى الدين الحق، وقتال من لم يقبله)”إ.هـ.. فهل هذا ما يرمي إليه الإخوان وعلى رأسهم مؤسسو ومرشدو جماعتهم ومنظريها ومن تبعهم ممن دأبوا على (قتل أهل الإيمان وترك أهل الأوثان)؟؛ اللهم إنا نُشهدك أن ما دأبوا عليه من القتل وترك صحيح الدين، هو ما يُجْرمونه في حق أنفسهم ودينهم وهذه الأمة، ونحن نبرأ إلى الله من كل ذلك.. نسأل الله لنا ولهم الهداية، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
تحذير من التجربة الإخوانية التونسية.. في ثوبها الجديد وليكن لنا فيما جرى بمصر عبرة (والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فلطالما حذرنا من المنهج الذي اختطته لنفسها جماعة الإخوان، ورسمه لها مؤسسها (البنا) وناضج فكرتها القائمة على تكفير الغير (سيد قطب)، وذكرنا أن الأيدلوجية التي ارتضتها هذه الجماعة مهما تغير جلدها ومهما تزيت بغير زيها، يكتنفه الخطأ من كل جانب، ويشوبه عيوب قاتلة لأمة الإسلام ذاتها التي مجتمعاتها كما هي لديهم (جاهلية)، ويعتوره مخالفات منهجية لنصوص الوحي وأحكام الشرع الحنيف وما استقر عليه إجماع الأمة، وذكرنا من ذلك:
قيامها على بيعات عامة الأصل فيها ألا تعطى إلا لممكنين.. تُعقد من الباطن في كل دولة من دول المسلمين لمن ينازع فيها الأمر أهله ويطلق عليه (مراقب عام)، بما يعني جعلها لأكثر من واحد في كل دور الإسلام، بالمخالفة لحديث: (من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان).. ويُقْسَمُ فيها بالولاء التام للجماعة لا لمنهج الإسلام الحق ولا لولي الأمر الشرعي.. بحيث تشكل كيانات تكون الطاعة المطلقة فيها لأناس ليسوا بأصحاب شوكة أو سلطان، وهو ما بحقه يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة 1/ 115: “النبي أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يَقدرُون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً”.. بهدف أن يتكوَّن من هذه الكيانات: خلافة وهمية ليست كما أخبر النبي في (مهدي أهل السنة)، ولا هي على (منهاج النبوة) كما جاء في الحديث، ولا هي حاصلة لقريش على ما صرحت بذلك نصوص الشرع وإجماع الأمة من نحو ما جاء في شرح النووي لمسلم حيث قال بعد أن ساق الأحاديث في ذلك ? وبنحوه فعل ابن حجر في باب (الأمراء في قريش) 13/ 126?: “هذه الأحاديث وأشباهها، دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك مَن بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلافٍ من غيرهم، فهو محجوج عليه بإجماع الصحابة والتابعين فمَن بعدهم وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي عياض: (اشتراط كونه قرشياً: هو مذهب العلماء كافة)، قال: (وقد عدّها العلماء في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها قول يخالف ما ذكرنا، وكذلك مَن بعدهم في جميع الأمصار)، قال: (ولا اعتداد بقول النَّظّام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع، أنه يجوز كونه من غير قريش)”.. وبما محصله في النهاية جعل (الإخوان المسلمين) في مصاف الخوارج، كونهم ? وقد اعتبروا أنفسهم جماعة المسلمين لهم على الأمة حق السمع والطاعة وأخذوا البيعات لأنفسهم على ذلك ونازعوا الأمر أهله ? قد عدَّوا غيرهم بطبيعة الحال خارجين عن جماعة المسلمين.. وبما محصله أيضاً من ثمَّ جعل رايتها الجهادية (عُمِّية)، يبطل بل يحرم الجهاد تحتها لحديث: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهليه، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل، فقِتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يَتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه).
على أن الحروب والاستهدافات وسيل الأكاذيب والإشاعات واستعداءات الخارج التي فعّلتها جماعة الإخوان في مصر على سبيل المثال، مع ظهور مخالفتها للشرع، إنما هو ناتج عن أفكار مغلوطة في منهج جماعة الإخوان ذاته وكل من خرج من عباءتها، أساسها: 1- اعتبار (الإخوان) أنفسهم ? دون سائر أهل السنة وفي كل دول العالم ? الأحق بالإمامتين الصغرى (حكم كل دولة بمفردها) والكبرى (السيادة على العالم باسم الخلافة).. 2- منابذة ومنازعة من ليسوا منهم ولم يؤمن بفكرتهم من حكام المسلمين، وتكفيرهم بحجة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية أو أنهم طواغيت ولا يمثلون جماعة المسلمين.. 3- مقاتلة والسعي لتفكيك الجيوش والشرطة كونها تحمي أنظمتهم أو من الطوائف الممتنعة، وتكفير آحادهم أحياناً أو الحكم عليهم بالردة كونهم جند الطاغوت.. 4- السعي من وراء كل ذلك لإقامة خلافة يزعمون كذباً ? كونها على غير منهاج النبوة وما هم بقرشيين ? أنها ستكون فيهم.. 5- التضحية بالأوطان والشعوب المسلمة في حال تعارضت مصالحها مع ما ينادون به.. 6- النظر إلى الدعوة على أنها ليست هدفاً في حد ذاته وإنما مجرد وسيلة لتربية وتهيئة كوادر للعمل الجهادي إذا ما أتيحت الفرصة.. تلك هي مجمل وأساس وأصل الأفكار التي تحملها جماعة الإخوان وكل جماعات العنف أو الإسلام السياسي.. وهذه أفكار في الحقيقة وَجَد أعداء الإسلام فيها وفيمن يحملها ? عملياً ? ضالتهم، سعياً منهم هم الآخرين على الانقضاض على العالمَين العربي والإسلامي بأساليب حديثة تحفظ على الأعداء جيوشهم وتروِّج لمصانع أسلحتهم وتدفع باقتصادهم إلى الأمام، وفي المقدمة من هذه الأساليب الدفع بنظراء هؤلاء من الشيعة لمثل هذا، كونهم يحملون فكرة الإمامية التي تماثل فكرة الإخوان عن الخلافة.. كما أنها أفكار تستوجب ? شرعاً ? مناقشتها كونها غير مسلَّمٍ بها ويجب الرجوع عنها كلية.. وقد رددنا عليها تفصيلاً في مقال لنا بعنوان: (الإخوان خنجر مسموم في ظهر وصدر الأمة.. مصر نموذجاً) (أيدلوجية جماعة الإخوان ما لها وما عليها) فليراجع فإنه من الأهمية بمكان.. واللهم هل بلغنا اللهم فاشهد.. نسأل الله الهداية للجميع وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
تحذير من التجربة الإخوانية التونسية.. في ثوبها الجديد وليكن لنا فيما جرى بمصر عبرة (والمؤمن لا يلدغ من جحر مرتين)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فلطالما حذرنا من المنهج الذي اختطته لنفسها جماعة الإخوان، ورسمه لها مؤسسها (البنا) وناضج فكرتها القائمة على تكفير الغير (سيد قطب)، وذكرنا أن الأيدلوجية التي ارتضتها هذه الجماعة مهما تغير جلدها ومهما تزيت بغير زيها، يكتنفه الخطأ من كل جانب، ويشوبه عيوب قاتلة لأمة الإسلام ذاتها التي مجتمعاتها كما هي لديهم (جاهلية)، ويعتوره مخالفات منهجية لنصوص الوحي وأحكام الشرع الحنيف وما استقر عليه إجماع الأمة، وذكرنا من ذلك:
قيامها على بيعات عامة الأصل فيها ألا تعطى إلا لممكنين.. تُعقد من الباطن في كل دولة من دول المسلمين لمن ينازع فيها الأمر أهله ويطلق عليه (مراقب عام)، بما يعني جعلها لأكثر من واحد في كل دور الإسلام، بالمخالفة لحديث: (من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان).. ويُقْسَمُ فيها بالولاء التام للجماعة لا لمنهج الإسلام الحق ولا لولي الأمر الشرعي.. بحيث تشكل كيانات تكون الطاعة المطلقة فيها لأناس ليسوا بأصحاب شوكة أو سلطان، وهو ما بحقه يقول شيخ الإسلام في منهاج السنة 1/ 115: “النبي أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يَقدرُون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً”.. بهدف أن يتكوَّن من هذه الكيانات: خلافة وهمية ليست كما أخبر النبي في (مهدي أهل السنة)، ولا هي على (منهاج النبوة) كما جاء في الحديث، ولا هي حاصلة لقريش على ما صرحت بذلك نصوص الشرع وإجماع الأمة من نحو ما جاء في شرح النووي لمسلم حيث قال بعد أن ساق الأحاديث في ذلك ? وبنحوه فعل ابن حجر في باب (الأمراء في قريش) 13/ 126?: “هذه الأحاديث وأشباهها، دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك مَن بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلافٍ من غيرهم، فهو محجوج عليه بإجماع الصحابة والتابعين فمَن بعدهم وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي عياض: (اشتراط كونه قرشياً: هو مذهب العلماء كافة)، قال: (وقد عدّها العلماء في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها قول يخالف ما ذكرنا، وكذلك مَن بعدهم في جميع الأمصار)، قال: (ولا اعتداد بقول النَّظّام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع، أنه يجوز كونه من غير قريش)”.. وبما محصله في النهاية جعل (الإخوان المسلمين) في مصاف الخوارج، كونهم ? وقد اعتبروا أنفسهم جماعة المسلمين لهم على الأمة حق السمع والطاعة وأخذوا البيعات لأنفسهم على ذلك ونازعوا الأمر أهله ? قد عدَّوا غيرهم بطبيعة الحال خارجين عن جماعة المسلمين.. وبما محصله أيضاً من ثمَّ جعل رايتها الجهادية (عُمِّية)، يبطل بل يحرم الجهاد تحتها لحديث: (من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات ميتة جاهليه، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبة أو يدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة، فقُتل، فقِتلةٌ جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برَّها وفاجرها، ولا يَتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه).
على أن الحروب والاستهدافات وسيل الأكاذيب والإشاعات واستعداءات الخارج التي فعّلتها جماعة الإخوان في مصر على سبيل المثال، مع ظهور مخالفتها للشرع، إنما هو ناتج عن أفكار مغلوطة في منهج جماعة الإخوان ذاته وكل من خرج من عباءتها، أساسها: 1- اعتبار (الإخوان) أنفسهم ? دون سائر أهل السنة وفي كل دول العالم ? الأحق بالإمامتين الصغرى (حكم كل دولة بمفردها) والكبرى (السيادة على العالم باسم الخلافة).. 2- منابذة ومنازعة من ليسوا منهم ولم يؤمن بفكرتهم من حكام المسلمين، وتكفيرهم بحجة عدم تطبيق الشريعة الإسلامية أو أنهم طواغيت ولا يمثلون جماعة المسلمين.. 3- مقاتلة والسعي لتفكيك الجيوش والشرطة كونها تحمي أنظمتهم أو من الطوائف الممتنعة، وتكفير آحادهم أحياناً أو الحكم عليهم بالردة كونهم جند الطاغوت.. 4- السعي من وراء كل ذلك لإقامة خلافة يزعمون كذباً ? كونها على غير منهاج النبوة وما هم بقرشيين ? أنها ستكون فيهم.. 5- التضحية بالأوطان والشعوب المسلمة في حال تعارضت مصالحها مع ما ينادون به.. 6- النظر إلى الدعوة على أنها ليست هدفاً في حد ذاته وإنما مجرد وسيلة لتربية وتهيئة كوادر للعمل الجهادي إذا ما أتيحت الفرصة.. تلك هي مجمل وأساس وأصل الأفكار التي تحملها جماعة الإخوان وكل جماعات العنف أو الإسلام السياسي.. وهذه أفكار في الحقيقة وَجَد أعداء الإسلام فيها وفيمن يحملها ? عملياً ? ضالتهم، سعياً منهم هم الآخرين على الانقضاض على العالمَين العربي والإسلامي بأساليب حديثة تحفظ على الأعداء جيوشهم وتروِّج لمصانع أسلحتهم وتدفع باقتصادهم إلى الأمام، وفي المقدمة من هذه الأساليب الدفع بنظراء هؤلاء من الشيعة لمثل هذا، كونهم يحملون فكرة الإمامية التي تماثل فكرة الإخوان عن الخلافة.. كما أنها أفكار تستوجب ? شرعاً ? مناقشتها كونها غير مسلَّمٍ بها ويجب الرجوع عنها كلية.. وقد رددنا عليها تفصيلاً في مقال لنا بعنوان: (الإخوان خنجر مسموم في ظهر وصدر الأمة.. مصر نموذجاً) (أيدلوجية جماعة الإخوان ما لها وما عليها) فليراجع فإنه من الأهمية بمكان.. واللهم هل بلغنا اللهم فاشهد.. نسأل الله الهداية للجميع وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
رمضان فرصة سانحة لتغيير ما بأنفسنا، ومراجعتها.. والسير بها تجاه ما يرضي ربها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فليس ثمة أفضل لتربية النفس وتزكيتها وترقيقها وإخضاعها لأمر ربها في صلاح دنياها وأخراها، من هذا الشهر الفضيل، وحَسَنٌ أن نستغله في تغيير ما بأنفسنا الأمارة وما بواقعنا المليء بالأوجاع والمكتظ بالمآسي.. ولنستبشر خيراً، فلقد مرت بأمة الإسلام أزماتٌ تفوق ما نحن فيه بمراحل، وفِتَنٌ كقطع الليل المظلم، فما لانت لها قناة ولا انطفأ في صدرها أمل ولا كُسرت لها إرادة.. بيد أن أئمة أهل السنة العاملين إزاء أوضاعها اتبعوا طريقة سديدة ما رأيت أحداً في زماننا قام بها خير قيام، وكان قوام هذه الطريقة: جمع الأمة ? عبر مجامع أو قنوات مؤسسية وعلماء موثوق بإخلاصهم وحِنكتهم وصحة معتقدهم ? على عدة بنود، تؤكد أولاً الثوابت من أمور الاعتقاد، ثم تحسم مواد الخلاف فيما بينها، وما على الحاكم أو المُشَرِّع إلا أن يقوم بتقنينها والاهتمام بها وجمع الأمة حولها والمحاسبة عليها، وما على أئمة أهل السنة المتجردين من الحزبية والعصبية إلا أن يقوموا بنشرها ودعوة الناس إليها، فبذا تجتمع الأمة على كلمة سواء وتُمرِّر أزَماتها وتسترد عافيتها.. ولعل هذا هو سر تجدُّدِها، وما تجد بسببه كتب أصول الاعتقاد شاهدةً ومقيمةً الحجة إما لها إن أراد الله بها خيراً وإما عليها إن كانت الأخرى لا قدر الله.. فتسمع عن اعتقاد الأوزاعي والثوري وابن عيينة وابن المديني وأبي ثور والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم وسهل التستري والطبري.. كما تقرأ (أصول السنة) للحميدي ولأحمد بن حنبل وابن أبي زمنين و(العقيدة الطحاوية) للإمام الطحاوي المصري، و(الإبانة عن أصول الديانة) للأشعري، و(شرح أصول السنة) للبربهاري، و(الشريعة) للآجري، و(أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) للالكائي، و(النصيحة) للجويني، و(اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة) للصابوني، و(الاعتقاد) لأبي الحسين بن القاضي أبي يعلى الفراء، و(الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة) للأصبهاني، و(الاقتصاد في الاعتقاد) لعبد الغني المقدسي، و(لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد) لابن قدامة، و(العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام، و(الدرة المُضية في عقد الفرقة المرضية) لمحمد بن أحمد السفاريني، و(التحف في مذاهب السلف) للشوكاني، و(سلم الوصول إلى علم الأصول) وشرحها (معارج القبول) لحافظ حكمي.. وهكذا، وكلها بحمد الله موجودة ومطبوعة.. وثمة نموذج حيٌّ لهذه التجربة متمثل في جمع أمير المؤمنين (القادر بالله) الناس على ما عرف بـ (العقيدة القادرية).
وتعجب عندما ترى هذه الاعتقادات متضمنة أشياء هي محل اتفاق من نحو الالتزام والتمسك بالكتاب والسنة والإجماع، وعندما تراها أحياناً متضمنة أحكاماً فقهية من نحو (المسح على الخفين) ? فيما يشبه في زماننا مسائل: النقاب وختان الإناث ? بقصد التنبيه على أنها أعلامٌ في تمييز أهل السنة عمن ينكرونها من أهل البدع والضلال.. الأمر الذي يعكس مدى حرص الأوائل على زوال كل أسباب الخلاف، سواء ما تعلق منها: بأمور الاعتقاد مما لا يسوغ أن يختلف عليها اثنان، عكس ما هو حاصل الآن من إصرار من البعض على: (جعل التعارض بين العقل والنقل أمراً وارداً)، وعلى (تقديم العقل حينذاك على النقل)، ومن (إخراج العمل في مسمى الإيمان)، ومن (تأويلٍ للصفات أو تفويضها)، إذ تلك أمور المفترض ألا يسع النزاع حولها، وكان الخلاف فيها وسيظل يعرف بـ (خلاف التضاد)، كون الحق فيها واحداً لا يتعدد.. أو ما تعلق منها: بأمور سعوا إلى حسمها لئلا يتخذ منها الرويبضة من المترخصين والدهماء بين الحين والآخر وسيلة لتشتيت الأمة ومادة لتمزيق وحدتها وتضييع وقتها واستنزاف جهدها وطاقتها، وأيضاً لئلا تعطي فرصة للتطرف والقول بأن الدولة ضد الإسلام، وبخاصة أيام الفتن كالتي نعيشها الآن، إذ القاعدة في هذا لدى الجميع أن سلامة الدين والحفاظ على هوية الأمة لا تقل أهمية عن سلامة الوطن.
وحري بنا ? ونحن في شهرِ تربية النفس وتغيير عاداتها وتحويلها إلى عبادات، وشهرِ تطلعِها لتصحيح مسارها والتزود بما ينفعها من العمل الصالح وخير الزاد التقوى ? أن نلجأ في طريق تصويب أخطائنا ثم معالجة قضايا أمتنا، إلى ما كان عليه سلفنا، وذلك: برجوعنا إلى الثوابت ننطلق من خلالها إلى التجرد الكامل للآية والحديث وما أجمعت عليه الأمة، ثم إلى حسم أيةِ مادة لخلاف قضت فيه جمهرة المسلمين بحكم، من نحو ما سبق ومن نحو: (الاختلاط والسحر والتبرج والربا واقتناء الكلاب لغير صيد أو حراسة والتظاهر والانتماء وحب الأوطان)، بقصد الفصل فيها شرعاً، وتفويت الفرصة على من يريد أن يجعل منها قضايا يشغب بها على الأمة.. والسعي قبل ذلك إلى: نقض البيعات والتحزبات التي طالما فرقت الأمة وجعلتها شيعاً أيَّاً كان مؤسسيها أو ما خلَّفتْه من تراث تَأَكَّدَ أن ضرره كان أكثر من نفعه، ولاسيما أن ضمن ما كان يدعو إليه الأوائل ترك هذا، وما اعتراف (الوليد الكرابيسي) على نفسه بعد أن ألَّف من الكتب ما ألَّف، وبعد أن جمع أولاده قبل وفاته قائلاً لهم: “أوصيكم بواحدة إن لزمتموها كنتم بخير.. عليكم بما كان عليه أصحاب الحديث فإني رأيت الحق يدور معهم”، وما قول أحمد وقد سُئل عنه فكلح وجهه: “إنما جاء بلاؤُهم من هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله وأصحابه وأقبلوا على هذه الكتب”، إلا شاهد صدق على ما نقول، ولقد كان الوليد قبل توبته أشبه في زماننا بمن ينظِّر لما أصّل له ولما اشتملت عليه كتبه من تخليط بين الحق والباطل، إذ لا أحد أحق بسماعه وطاعته من الله ورسوله ومن صحبه ومن تبعهم بإحسان، فإنه الحق الذي انعقدت عليه قلوب جماعة المسلمين وستظل كذلك إلى يوم البعث والدين، والذي صدق فيه قول مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا الذي أصلح أولها)، وقول غيره: (لأن أكون ذنباً في الحق، أحب إلي أن أكون رأساً في الباطل).. وإنما يتحقق التغيير ?بواقعنا وفي ضوء ما ذكرنا ? بالآتي:
أولاً: استيعاب جملة الأحاديث التي نبَّأت بما يكون في آخر الزمان من أمور السياسة الشرعية: كونها رسمت ما يجب أن يكون عليه حال الأمة تجاه ما يشغب به البعض حول أمر خلافتها وواجباتها الآنية وبما لا يكاد يدع بعدها مجالاً لمجتهد، من نحو: حديث حذيفة المتفق عليه، وفيه قوله: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر، قال: (نعم)، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: (نعم وفيه دخن)، قلت: وما دخنه، قال: (قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر)، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر، قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).. ومن نحو: حديثه الذي صححه الألباني، وفيه يقول عليه السلام: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً عاضّاً فتكون ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً جبرية فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) ثم سكت.. وحديث مسلم وفيه قوله عليه السلام: (يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ? وفي رواية: يكون في آخر أمتي خليفة يَحثي المال حثياً ? ولا يَعدُّه).. وعن تلك الأخيرة وأنها في مهدي أهل السنة المنتظر، جاء قوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
وتكاد هذه الأحاديث الأربعة تصور واقعنا وشبهاتِه بخير ما يكون التصوير، إذ تفيد الثلاثة الأخيرة منها، أن ثمة خلافة ستقع آخر الزمان بعد حكومات جبرية استمرت عقوداً وشاء الله لها أن تسقط تباعاً، وأنها ستكون على منهاج النبوة وفي مهدي أهل السنة، وفي ذلك رَدٌّ على مَن ادعاها لنفسه تحت مسمى (أستاذية العالم)، دون مهدي أهل السنة، ومن غير أن يجعلها على منهاج النبوة، ولكن هيهات فالأمر نافذٌ على ما أخبر به من لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأمي.
بينا يوجب الحديث الأول منها: لزوم طاعة مَن آتاه الله المُلك من المسلمين وأراده له أزلاً وشاء وقدّر أن يجعله والياً، وحَرَّم علينا الخروج عليه بالقول أو الفعل ما لم يأت كفراً بواحاً، بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.. كما يُحرِّم الحديث تحريماً قاطعاً أن تَشق فِرقة ? مهما أوتيت من علم وتقى ? صف عامة المسلمين وسوادهم الأعظم وتدعي أنها جماعتهم، أو تأخذ لنفسها البيعة العامة فتجعل من نفسها غصَّة في حلق كل دولة، وبخاصة لو كانت هذه الدولة دار إسلام يقام ويؤذن فيها للصلاة.. إذ في ذلك من المآخذ الشرعية ? من غير مخالفة الأحاديث وعقيدة أهل السنة والجماعة ?:
وجود بيعات من غير تمكين، لأناس غير ممكنين ولا أصحاب شوكة ولا سلطان، وهذا ما لا يجوز شرعاً وبحقه يقول شيخ الإسلام في (منهاج السنة)1/ 115: “النبي أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يَقدرُون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً”، وفيه 1/ 527: “بل الإمامة عند أهل السنة تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ? يعني: لكونهم وكما أُثبتت الأحداث والوقائع الأدرى بما يحيق بالبلاد من أخطار والأقدر على فهم سياسات أعداء الإسلام ? ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماً، ولهذا قال أئمة السلف: من صار له قدرة وسلطان يفعل بهما مقصود الوِلاية، فهو من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ما لم يأمروا بمعصية الله، فالإمامةُ مُلك وسلطان”.. وكذا عقدها في كل دولة من دول المسلمين لمن ينازع فيها الأمر أهله، بما يعني جعلها لأكثر من واحد في كل دور الإسلام، وهذا أيضاً لا يجوز، لحديث مسلم: (من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان)، وفي أخرى: (فاقتلوه)، وفي أخرى: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما)، “وهذا ? على حد قول ابن كثير في تفسير (إني جاعل في الأرض خليفة) ? قول الجمهور، وقد حكا الإجماع عليه غير واحد، منهم إمام الحرمين” ابن الجويني، ونص كلامه كما في (الإرشاد إلى قواطع الأدلة في الاعتقاد) ص 169 : “والذي عندي فيه، أن عقد الإمامة لشخصين في صقع واحد متضايق الخطط والمَخَاليف غير جائز، وقد حصل الإجماع عليه”، وهو الموافق لقول الأثبات من المحدَثين، ففي المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/ 367: “البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعددة مبتدَعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة، أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعددة” إ.هـ.. كما أن فيه من المآخذ: الخلط بين الإمامة العظمى والإمامة الصغرى، وارتكاب ما نهى عنه النبي من مفارقة جماعة المسلمين، وعدم الصبر على الإمام، وخشية أن يموت المسلم الذي انشق عنهما ميتة جاهلية، لصريح قوله عليه السلام: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهليه)، وقوله كما في حديث مسلم: (من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية).. كما أن فيه مظِنّة الوقوع في بدعة الخوارج وهم من عناهم النبي بقوله: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) كونهم وقد أخذوا البيعات لأنفسهم واعتبروا أنفسهم جماعة المسلمين، عَدُّوا غيرهم بطبيعة الحال خارجين عن جماعة المسلمين، وما يجري في أرض الواقع شاهد صدق على فساد هذا المنهج وما أحدثه ? ولا يزال ? من فتن لا قِبَل لأمة الإسلام بها.
ولا يَرِدُ على ما ذكرنا: أنَّا ابتلينا بحكام لا يهتدون بهدي النبي ولا يستنون بسنته، لأن جوابه: قول شيخ الإسلام بـ (منهاج السنة) 1/ 556 ?وهو يتحدث عما يقتضيه حديث حذيفة من وجوب طاعة الإمام ذي السلطان الموجود بالفعل والذي هذا حاله، لكن له القدرة على عمل مقصود الوِلاية ولم يأت كفراً بواحاً لنا فيه من الله برهان ?: “وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع: هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”، وجوابه كذلك: أن ذلك ناشئ عن قصورنا نحن في التربية والدعوة إلى ذلك ففي الخبر: (كما تكونوا يُولى عليكم)، وقد ذكر الدكتور جمال الدين محمود الأمين العام للشئون الإسلامية في مقال له بعنوان (قضية تطبيق الشريعة بين المزايدة والمعاندة) نشر بأهرام 10/ 4/ 1984: “أن كل تغير في المجتمع نحو الإسلام بكل قيمه وأخلاقه وتشريعه، يحتاج إلى جهد أكبر وأعظم وأجل من مجرد إصدار قوانين، والتغيير الذي ينبغي أن يحدث: هو في قيم الناس وأخلاقياتهم التي ابتعدت كثيراً عن قيم الإسلام وأخلاقه.. أما المزايدة في قضية القوانين فحسب، بغض النظر عن القيم والأخلاق الإسلامية، فهو تبسيط يصل إلى حد السذاجة في معالجة مشكلات المجتمع”إ.هـ.
ثانياً: حسم سائر ما يتعلق بأمور الإمارة، كونها محط الاهتمام ومصدر الشبهات لدى شبابنا بخاصة: وذلك من نحو: الانشغال عن الدعوة بالحرص على الإمارة والمناصب بالمخالفة لصريح قوله عليه السلام لابن سَمُرة: (لا تسأل الإمارة، فإنك إن.. أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها)، وقوله في المتفق عليه: (إنا والله لا نُوَلي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه).. ومن نحو: جعل الخلافة ? مع كل ما سبق من شبهات حولها ? غاية، وتصويرها وكأنها أصلٌ من أصول الإسلام أو جزءُ من معتقداته، إذ تلك هي عقيدة الروافض والمعتزلة والخوارج، فضلاً عن أن لفظ الحديث: (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام) نصٌّ في أن عدم وجودها من الأساس أمر وارد، بل إن قوله كذلك: (فاعتزل تلك الفرق) نصٌّ في اعتزال الفرق التي تنازع في هذا جماعة المسلمين وإمامهم، وإنما جاءت هذه الشبهة جراء الخلط بين الإمامة العظمى وبين المطالبة بقيام حكومة أيّاً كانت، والتي الأمر فيها لا يعدو أن يكون كما ذكر ابن خلدون في مقدمته: “من المصالح العامة التي يترك أمر تدبيرها إلى الأمة”.. ومن نحو الاحتجاج بالنصوص الواردة في وعد الله المؤمنين بالتمكين، إذ ذلك يَرِدُ عليه: أن المراد بتمكين الاستخلاف: المفهوم العام الشامل الذي يعني: “نيابة الإنسان عن الله في التصرف في الأرض بإعمارها عن طريق إنفاذ أحكامه وتصديق أخباره، بحيث لا يستبدل بنا في أداء هذه المهام قوماً آخرين فنُحْرم فضلها ونأثم على تقصيرنا نحوها”، وهذا ما اصطلح عليه علماء اللغة والشرع وما تضافر على ذكره آي القرآن في نحو: آية البقرة/ 30، والأعراف/ 69، 74، والأنعام/ 165، ويونس/ 14، 73، والنمل/ 62، وفاطر/ 39.. ومن نحو تجاهل النصوص الواردة في شرط (القرشية) في أمر الخلافة بزعم أن هذا الشرط محل خلاف، وهذا أيضاً يَرِدُ عليه: مخالفة غير المشترِط لها، لما ترجح، ومخالفته كذلك لإجماع ولمعتقد أهل السنة، بل ولصريح قوله عليه السلام: (الأئمة من قريش) الذي عليه يعلق الماوردي في الأحكام السلطانية ص 3 وما بعدها بقوله: وبه “احتج أبو بكر يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة، لما بايعوا سعد بن عبادة، فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا: (منا أمير ومنكم أمير)، تسليماً لروايته وتصديقاً لخبره.. وفي الحديث فيما صححه الألباني: (قدِّموا قريشاً ولا تَقََدَّموها)، وليس مع النص المُسَلّم به شبهةٌ لمنازع فيه، ولا قولٌ مخالفٌ له”إ.هـ.. ويقول الإمام أحمد في كتاب السنة: “والخلافة في قريش ما بقي اثنان، ليس لأحد أن ينازعهم فيها، ولا يَخرج عليهم، ولا نُقرُّ لغيرهم بها إلى قيام الساعة”، ويصدقه ما رواه البخاري: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)، (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد، إلا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين)، وما رواه مسلم: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)، يعني: في الإسلام والجاهلية، كما في رواية: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم)، وقد علق النووي في شرح مسلم بعد ذكره جملة من الأحاديث في ذلك، فقال ? وبنحوه ابن حجر في باب (الأمراء في قريش) 13/ 126وما بعدها ?: “هذه الأحاديث وأشباهها، دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك مَن بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلافٍ من غيرهم فهو محجوج عليه بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي عياض: (اشتراط كونه قرشياً: هو مذهب العلماء كافة)، قال: (وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها قول يخالف ما ذكرنا، وكذلك مَن بعدهم في جميع الأمصار)، قال: (ولا اعتداد بقول النَّظّام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش)”، ويردف النووي قائلاً: “وبيّن النبي أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا، ما بقي في الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم.. فمن زمنه إلى الآن: الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها، وتبقى كذلك ما بقي اثنان كما قاله”إ.هـ.. وقد خلص د. الدميجي في كتابه (الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة) ص265 إلى القول بأن “القرشية شرط من الشروط التي وردت النصوص عليه صريحة، وانعقد إجماع الصحابة والتابعين عليه، وأطبق عليه جماهير علماء المسلمين، ولم يخالف في ذلك إلا النزر اليسير من أهل البدع كالخوارج وبعض المعتزلة والأشاعرة”، ثم نقل أقوال الأئمة في اشتراطها، ولم يكتف بذلك حتى فند كل ما خالف إجماعهم، فمَن الذي من أهل السنة يجرأ أو يرضى لنفسه أن يخرج عن إجماعهم أو أن يكون في مصاف المعتزلة وكلاب أهل النار؟!.
ثالثاً: التزام السنة بتقديمها على ما سواها، وتقديم ما أجمعت الأمة على فهمه منها: ففي القرآن في الحث على الأخذ بها: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما.. النساء/ 65)، (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً.. النساء/ 80)، (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.. النور/ 63)، (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً.. النساء/ 115)، وفي السنة: (إنه من يعش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).. وإنما جاءت هذه النصوص وأمثالها لتُخرج تلك الأقوال الشاذة والمرجوحة التي يختارها المُفْتُون في كثير من الأحيان ليعارضوا بها ما صح عن رسول الله بحجة مواكبة العصر ومستجداته وبأن الدين يسر ومرن، ولتُخرج كذلك أولئك الذين عناهم شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 13/ 62 بقوله: “وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم في الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول، بل على رأوه أو ذاقوه، ثم إن وجدوا السنة توافقه وإلا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضاً أو حرفوها تأويلاً، فهذا هو الفرقان بين أهل الإيمان والسنة وأهل النفاق والبدعة وإن كان هؤلاء لهم من الإيمان نصيب وافر من اتباع السنة لكن فيهم من النفاق والبدعة بحسب ما تقدموا فيه بين يدي الله ورسوله وخالفوا الله ورسوله”، وعناهم تلميذه ابن القيم بقوله في إغاثة اللهفان ص 431: “إذا عقد المتلقِي قلبه على ذلك ? تجريد اتباع الرسول وتحكيمه في دِقِّ الدين وجُله، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه ? وأعرض عما سواه ووزنه بما جاء به الرسول ? فإن وافقه قبله، لا لكون ذلك القائل قاله بل لموافقته للرسالة، وإن خالفه ردّه ولو قاله من قاله ? فهذا الذي ينجِّيه من فتنة الشبهات”.. ولتُدخل أولئك الذين عناهم ابن القيم في مختصر الصواعق ص627 بأنهم: “يتركون أقوال الناس لها.. ويَعرضون أقوال الناس عليها فما وافقها قبلوه وما خالفها من أقوال الرجال طرحوه.. ويدْعون عند التنازع إلى التحاكم إليها دون آراء الرجال وعقولها.. وأنه إذا صحت لهم السنة عن رسول الله لم يتوقفوا عن العمل بها واعتقاد موجبها على أن يوافقها موافق، بل يبادرون إلى العمل بها من غير نظر إلى من وافقها أو خالفها.. وقد نص الشافعي على أن الواجب على من بلغته السنة الصحيحة أن يقبلها وأن يعاملها بما كان يعاملها به الصحابة حين يسمعونها من رسول الله، فيُنزل نفسه منزلة من سمعها منه، وقال: (أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله، لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان)”، ومن أبرز سمات أهل السنة أيضاً ? والكلام لا يزال لابن القيم ?: “أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول، فليس لهم لقب يُعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها سوى الحديث والسنة.. وأنهم ينصرون الحديث الصحيح والآثار السلفية وأهل البدع ينصرون مقالاتهم ومذاهبهم”، وهذا هو.
هذا، ولئن أساغ البعض لنفسه إهمال النصوص فيما ذكرنا لهوى في نفسه، فإنه أولى بأن يُعمِلَها: العلماءُ العاملون المتجردون من ورثة الأنبياء في أنحاء المعمورة، وبخاصة من أبناء الأزهر، فهؤلاء ? دون ذوي الرأي والهوى والبدع واستجلاب البلاء والدمار والخراب على أمة الإسلام ? هم أولى بالاتباع لو صحت عقائدهم وخلصت نواياهم، ولاسيما أن معهم إلى جانب هذه النصوص: اتفاق الصحابة وإجماع الأمة.. ومما يجب لفت انتباههم إليه من أمور الاعتقاد التي استقر عليها الأوائل بناء وإضافة لما سبق: (جمع الناس على الإمام والدعاء له علناً والغزو معه)، (وتجنب أهل البدع المخالفين لما سقناه، ومخاصمتهم وعدم مجالستهم)، و(حرمة القتال في الفتنة).. إلخ، ففي (الإبانة عن أصول الديانة) لأبي الحسن الأشعري ص 49 وما بعدها ? على سبيل المثال ? ما ملخصه: “ديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا وبسنة نبينا وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، ونقر بما رواه الثقات عن رسول الله لا نرد من ذلك شيئاً، ونؤمن بعذاب القبر وأن الإيمان قول وعمل، ومن ديننا: أن نصلي الجمعة والأعياد خلف كل بر وفاجر، كما روي أن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج، وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافاً لقول من أنكر ذلك، ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بإنكار الخروج عليهم بالسيف وترك القتال في الفتنة، ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعة ومجانية أهل الأهواء”، وفي (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) للصابوني ما ملخصه: “إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيُه أو شهد له بها رسوله، ومن مذهبهم أن الإيمان قول وعمل، وأن المؤمن وإن أذنب ذنوباً صغار كانت أو كبائر فإنه لا يَكْفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد فإن أمره إلى الله، ويرون الجمعة والعيدين خلف كل إمام مسلم، برَّاً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفار معهم وإن كانوا جوَرة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجَور والحَيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل، ويتجانبون ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يُحبونهم ولا يَصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مَرَّت بالآذان وقَرَّت في القلوب ضَرَّت، وجَرَّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت، وهذه الجُمل أجمعوا عليها كلها، ولم يثبت عن أحد منهم ما يُضادها، واتفقوا مع ذلك على: القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتقرب إلى الله بمجانبتهم ومهاجرتهم”، وبكل هذا نطق جميع أصحاب العقائد ولم يشذ عن ذلك منهم أحد، والله نسأل أن يحيينا على حَيُوا عليه ويميتنا على ماتوا عليه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
رمضان فرصة سانحة لتغيير ما بأنفسنا، ومراجعتها.. والسير بها تجاه ما يرضي ربها
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فليس ثمة أفضل لتربية النفس وتزكيتها وترقيقها وإخضاعها لأمر ربها في صلاح دنياها وأخراها، من هذا الشهر الفضيل، وحَسَنٌ أن نستغله في تغيير ما بأنفسنا الأمارة وما بواقعنا المليء بالأوجاع والمكتظ بالمآسي.. ولنستبشر خيراً، فلقد مرت بأمة الإسلام أزماتٌ تفوق ما نحن فيه بمراحل، وفِتَنٌ كقطع الليل المظلم، فما لانت لها قناة ولا انطفأ في صدرها أمل ولا كُسرت لها إرادة.. بيد أن أئمة أهل السنة العاملين إزاء أوضاعها اتبعوا طريقة سديدة ما رأيت أحداً في زماننا قام بها خير قيام، وكان قوام هذه الطريقة: جمع الأمة ? عبر مجامع أو قنوات مؤسسية وعلماء موثوق بإخلاصهم وحِنكتهم وصحة معتقدهم ? على عدة بنود، تؤكد أولاً الثوابت من أمور الاعتقاد، ثم تحسم مواد الخلاف فيما بينها، وما على الحاكم أو المُشَرِّع إلا أن يقوم بتقنينها والاهتمام بها وجمع الأمة حولها والمحاسبة عليها، وما على أئمة أهل السنة المتجردين من الحزبية والعصبية إلا أن يقوموا بنشرها ودعوة الناس إليها، فبذا تجتمع الأمة على كلمة سواء وتُمرِّر أزَماتها وتسترد عافيتها.. ولعل هذا هو سر تجدُّدِها، وما تجد بسببه كتب أصول الاعتقاد شاهدةً ومقيمةً الحجة إما لها إن أراد الله بها خيراً وإما عليها إن كانت الأخرى لا قدر الله.. فتسمع عن اعتقاد الأوزاعي والثوري وابن عيينة وابن المديني وأبي ثور والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم وسهل التستري والطبري.. كما تقرأ (أصول السنة) للحميدي ولأحمد بن حنبل وابن أبي زمنين و(العقيدة الطحاوية) للإمام الطحاوي المصري، و(الإبانة عن أصول الديانة) للأشعري، و(شرح أصول السنة) للبربهاري، و(الشريعة) للآجري، و(أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) للالكائي، و(النصيحة) للجويني، و(اعتقاد أهل السنة وأصحاب الحديث والأئمة) للصابوني، و(الاعتقاد) لأبي الحسين بن القاضي أبي يعلى الفراء، و(الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة) للأصبهاني، و(الاقتصاد في الاعتقاد) لعبد الغني المقدسي، و(لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد) لابن قدامة، و(العقيدة الواسطية) لشيخ الإسلام، و(الدرة المُضية في عقد الفرقة المرضية) لمحمد بن أحمد السفاريني، و(التحف في مذاهب السلف) للشوكاني، و(سلم الوصول إلى علم الأصول) وشرحها (معارج القبول) لحافظ حكمي.. وهكذا، وكلها بحمد الله موجودة ومطبوعة.. وثمة نموذج حيٌّ لهذه التجربة متمثل في جمع أمير المؤمنين (القادر بالله) الناس على ما عرف بـ (العقيدة القادرية).
وتعجب عندما ترى هذه الاعتقادات متضمنة أشياء هي محل اتفاق من نحو الالتزام والتمسك بالكتاب والسنة والإجماع، وعندما تراها أحياناً متضمنة أحكاماً فقهية من نحو (المسح على الخفين) ? فيما يشبه في زماننا مسائل: النقاب وختان الإناث ? بقصد التنبيه على أنها أعلامٌ في تمييز أهل السنة عمن ينكرونها من أهل البدع والضلال.. الأمر الذي يعكس مدى حرص الأوائل على زوال كل أسباب الخلاف، سواء ما تعلق منها: بأمور الاعتقاد مما لا يسوغ أن يختلف عليها اثنان، عكس ما هو حاصل الآن من إصرار من البعض على: (جعل التعارض بين العقل والنقل أمراً وارداً)، وعلى (تقديم العقل حينذاك على النقل)، ومن (إخراج العمل في مسمى الإيمان)، ومن (تأويلٍ للصفات أو تفويضها)، إذ تلك أمور المفترض ألا يسع النزاع حولها، وكان الخلاف فيها وسيظل يعرف بـ (خلاف التضاد)، كون الحق فيها واحداً لا يتعدد.. أو ما تعلق منها: بأمور سعوا إلى حسمها لئلا يتخذ منها الرويبضة من المترخصين والدهماء بين الحين والآخر وسيلة لتشتيت الأمة ومادة لتمزيق وحدتها وتضييع وقتها واستنزاف جهدها وطاقتها، وأيضاً لئلا تعطي فرصة للتطرف والقول بأن الدولة ضد الإسلام، وبخاصة أيام الفتن كالتي نعيشها الآن، إذ القاعدة في هذا لدى الجميع أن سلامة الدين والحفاظ على هوية الأمة لا تقل أهمية عن سلامة الوطن.
وحري بنا ? ونحن في شهرِ تربية النفس وتغيير عاداتها وتحويلها إلى عبادات، وشهرِ تطلعِها لتصحيح مسارها والتزود بما ينفعها من العمل الصالح وخير الزاد التقوى ? أن نلجأ في طريق تصويب أخطائنا ثم معالجة قضايا أمتنا، إلى ما كان عليه سلفنا، وذلك: برجوعنا إلى الثوابت ننطلق من خلالها إلى التجرد الكامل للآية والحديث وما أجمعت عليه الأمة، ثم إلى حسم أيةِ مادة لخلاف قضت فيه جمهرة المسلمين بحكم، من نحو ما سبق ومن نحو: (الاختلاط والسحر والتبرج والربا واقتناء الكلاب لغير صيد أو حراسة والتظاهر والانتماء وحب الأوطان)، بقصد الفصل فيها شرعاً، وتفويت الفرصة على من يريد أن يجعل منها قضايا يشغب بها على الأمة.. والسعي قبل ذلك إلى: نقض البيعات والتحزبات التي طالما فرقت الأمة وجعلتها شيعاً أيَّاً كان مؤسسيها أو ما خلَّفتْه من تراث تَأَكَّدَ أن ضرره كان أكثر من نفعه، ولاسيما أن ضمن ما كان يدعو إليه الأوائل ترك هذا، وما اعتراف (الوليد الكرابيسي) على نفسه بعد أن ألَّف من الكتب ما ألَّف، وبعد أن جمع أولاده قبل وفاته قائلاً لهم: “أوصيكم بواحدة إن لزمتموها كنتم بخير.. عليكم بما كان عليه أصحاب الحديث فإني رأيت الحق يدور معهم”، وما قول أحمد وقد سُئل عنه فكلح وجهه: “إنما جاء بلاؤُهم من هذه الكتب التي وضعوها، تركوا آثار رسول الله وأصحابه وأقبلوا على هذه الكتب”، إلا شاهد صدق على ما نقول، ولقد كان الوليد قبل توبته أشبه في زماننا بمن ينظِّر لما أصّل له ولما اشتملت عليه كتبه من تخليط بين الحق والباطل، إذ لا أحد أحق بسماعه وطاعته من الله ورسوله ومن صحبه ومن تبعهم بإحسان، فإنه الحق الذي انعقدت عليه قلوب جماعة المسلمين وستظل كذلك إلى يوم البعث والدين، والذي صدق فيه قول مالك: (لا يصلح آخر هذه الأمة إلا الذي أصلح أولها)، وقول غيره: (لأن أكون ذنباً في الحق، أحب إلي أن أكون رأساً في الباطل).. وإنما يتحقق التغيير ?بواقعنا وفي ضوء ما ذكرنا ? بالآتي:
أولاً: استيعاب جملة الأحاديث التي نبَّأت بما يكون في آخر الزمان من أمور السياسة الشرعية: كونها رسمت ما يجب أن يكون عليه حال الأمة تجاه ما يشغب به البعض حول أمر خلافتها وواجباتها الآنية وبما لا يكاد يدع بعدها مجالاً لمجتهد، من نحو: حديث حذيفة المتفق عليه، وفيه قوله: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر، قال: (نعم)، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير، قال: (نعم وفيه دخن)، قلت: وما دخنه، قال: (قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر)، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر، قال: (نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: (هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا)، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك، قال: (تلزم جماعة المسلمين وإمامهم)، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام، قال: (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تَعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك).. ومن نحو: حديثه الذي صححه الألباني، وفيه يقول عليه السلام: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ما شاء الله أن تكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً عاضّاً فتكون ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون ملكاً جبرية فيكون ما شاء الله أن يكون ثم يرفعها الله تعالى، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة) ثم سكت.. وحديث مسلم وفيه قوله عليه السلام: (يكون في آخر الزمان خليفة يُقسِّم المال ? وفي رواية: يكون في آخر أمتي خليفة يَحثي المال حثياً ? ولا يَعدُّه).. وعن تلك الأخيرة وأنها في مهدي أهل السنة المنتظر، جاء قوله: (لو لم يبق من الدنيا إلا يوم، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي، يملأ الأرض قسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً).
وتكاد هذه الأحاديث الأربعة تصور واقعنا وشبهاتِه بخير ما يكون التصوير، إذ تفيد الثلاثة الأخيرة منها، أن ثمة خلافة ستقع آخر الزمان بعد حكومات جبرية استمرت عقوداً وشاء الله لها أن تسقط تباعاً، وأنها ستكون على منهاج النبوة وفي مهدي أهل السنة، وفي ذلك رَدٌّ على مَن ادعاها لنفسه تحت مسمى (أستاذية العالم)، دون مهدي أهل السنة، ومن غير أن يجعلها على منهاج النبوة، ولكن هيهات فالأمر نافذٌ على ما أخبر به من لا ينطق عن الهوى بأبي هو وأمي.
بينا يوجب الحديث الأول منها: لزوم طاعة مَن آتاه الله المُلك من المسلمين وأراده له أزلاً وشاء وقدّر أن يجعله والياً، وحَرَّم علينا الخروج عليه بالقول أو الفعل ما لم يأت كفراً بواحاً، بغض النظر عن أية اعتبارات أخرى.. كما يُحرِّم الحديث تحريماً قاطعاً أن تَشق فِرقة ? مهما أوتيت من علم وتقى ? صف عامة المسلمين وسوادهم الأعظم وتدعي أنها جماعتهم، أو تأخذ لنفسها البيعة العامة فتجعل من نفسها غصَّة في حلق كل دولة، وبخاصة لو كانت هذه الدولة دار إسلام يقام ويؤذن فيها للصلاة.. إذ في ذلك من المآخذ الشرعية ? من غير مخالفة الأحاديث وعقيدة أهل السنة والجماعة ?:
وجود بيعات من غير تمكين، لأناس غير ممكنين ولا أصحاب شوكة ولا سلطان، وهذا ما لا يجوز شرعاً وبحقه يقول شيخ الإسلام في (منهاج السنة)1/ 115: “النبي أمر بطاعة الأئمة الموجودين المعلومين، الذين لهم سلطان يَقدرُون به على سياسة الناس، لا بطاعة معدوم ولا مجهول، ولا من ليس له سلطان ولا قدرة على شيء أصلاً”، وفيه 1/ 527: “بل الإمامة عند أهل السنة تثبت بموافقة أهل الشوكة عليها ? يعني: لكونهم وكما أُثبتت الأحداث والوقائع الأدرى بما يحيق بالبلاد من أخطار والأقدر على فهم سياسات أعداء الإسلام ? ولا يصير الرجل إماماً حتى يوافقه أهل الشوكة عليها الذين يحصل بطاعتهم له مقصود الإمامة، فإن المقصود من الإمامة إنما يحصل بالقدرة والسلطان، فإذا بويع بيعة حصلت بها القدرة والسلطان صار إماماً، ولهذا قال أئمة السلف: من صار له قدرة وسلطان يفعل بهما مقصود الوِلاية، فهو من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ما لم يأمروا بمعصية الله، فالإمامةُ مُلك وسلطان”.. وكذا عقدها في كل دولة من دول المسلمين لمن ينازع فيها الأمر أهله، بما يعني جعلها لأكثر من واحد في كل دور الإسلام، وهذا أيضاً لا يجوز، لحديث مسلم: (من أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان)، وفي أخرى: (فاقتلوه)، وفي أخرى: (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما)، “وهذا ? على حد قول ابن كثير في تفسير (إني جاعل في الأرض خليفة) ? قول الجمهور، وقد حكا الإجماع عليه غير واحد، منهم إمام الحرمين” ابن الجويني، ونص كلامه كما في (الإرشاد إلى قواطع الأدلة في الاعتقاد) ص 169 : “والذي عندي فيه، أن عقد الإمامة لشخصين في صقع واحد متضايق الخطط والمَخَاليف غير جائز، وقد حصل الإجماع عليه”، وهو الموافق لقول الأثبات من المحدَثين، ففي المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان 1/ 367: “البيعة لا تكون إلا لولي أمر المسلمين، وهذه البيعات المتعددة مبتدَعة، وهي من إفرازات الاختلاف، والواجب على المسلمين الذين هم في بلد واحد وفي مملكة واحدة، أن تكون بيعتهم واحدة لإمام واحد، ولا يجوز المبايعات المتعددة” إ.هـ.. كما أن فيه من المآخذ: الخلط بين الإمامة العظمى والإمامة الصغرى، وارتكاب ما نهى عنه النبي من مفارقة جماعة المسلمين، وعدم الصبر على الإمام، وخشية أن يموت المسلم الذي انشق عنهما ميتة جاهلية، لصريح قوله عليه السلام: (من رأى من أميره شيئاً يكرهه، فليصبر عليه، فإنه من فارق الجماعة شبراً فمات، فميتته جاهليه)، وقوله كما في حديث مسلم: (من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبراً فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية).. كما أن فيه مظِنّة الوقوع في بدعة الخوارج وهم من عناهم النبي بقوله: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها) كونهم وقد أخذوا البيعات لأنفسهم واعتبروا أنفسهم جماعة المسلمين، عَدُّوا غيرهم بطبيعة الحال خارجين عن جماعة المسلمين، وما يجري في أرض الواقع شاهد صدق على فساد هذا المنهج وما أحدثه ? ولا يزال ? من فتن لا قِبَل لأمة الإسلام بها.
ولا يَرِدُ على ما ذكرنا: أنَّا ابتلينا بحكام لا يهتدون بهدي النبي ولا يستنون بسنته، لأن جوابه: قول شيخ الإسلام بـ (منهاج السنة) 1/ 556 ?وهو يتحدث عما يقتضيه حديث حذيفة من وجوب طاعة الإمام ذي السلطان الموجود بالفعل والذي هذا حاله، لكن له القدرة على عمل مقصود الوِلاية ولم يأت كفراً بواحاً لنا فيه من الله برهان ?: “وهو صلى الله عليه وسلم قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته، وبقيام رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان الإنس، وأمر مع هذا بالسمع والطاعة للأمير، وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك، فتبين أن الإمام الذي يطاع: هو من كان له سلطان، سواء كان عادلاً أو ظالماً”، وجوابه كذلك: أن ذلك ناشئ عن قصورنا نحن في التربية والدعوة إلى ذلك ففي الخبر: (كما تكونوا يُولى عليكم)، وقد ذكر الدكتور جمال الدين محمود الأمين العام للشئون الإسلامية في مقال له بعنوان (قضية تطبيق الشريعة بين المزايدة والمعاندة) نشر بأهرام 10/ 4/ 1984: “أن كل تغير في المجتمع نحو الإسلام بكل قيمه وأخلاقه وتشريعه، يحتاج إلى جهد أكبر وأعظم وأجل من مجرد إصدار قوانين، والتغيير الذي ينبغي أن يحدث: هو في قيم الناس وأخلاقياتهم التي ابتعدت كثيراً عن قيم الإسلام وأخلاقه.. أما المزايدة في قضية القوانين فحسب، بغض النظر عن القيم والأخلاق الإسلامية، فهو تبسيط يصل إلى حد السذاجة في معالجة مشكلات المجتمع”إ.هـ.
ثانياً: حسم سائر ما يتعلق بأمور الإمارة، كونها محط الاهتمام ومصدر الشبهات لدى شبابنا بخاصة: وذلك من نحو: الانشغال عن الدعوة بالحرص على الإمارة والمناصب بالمخالفة لصريح قوله عليه السلام لابن سَمُرة: (لا تسأل الإمارة، فإنك إن.. أعطيتها عن مسألة وُكلت إليها)، وقوله في المتفق عليه: (إنا والله لا نُوَلي هذا العمل أحداً سأله أو أحداً حرص عليه).. ومن نحو: جعل الخلافة ? مع كل ما سبق من شبهات حولها ? غاية، وتصويرها وكأنها أصلٌ من أصول الإسلام أو جزءُ من معتقداته، إذ تلك هي عقيدة الروافض والمعتزلة والخوارج، فضلاً عن أن لفظ الحديث: (فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام) نصٌّ في أن عدم وجودها من الأساس أمر وارد، بل إن قوله كذلك: (فاعتزل تلك الفرق) نصٌّ في اعتزال الفرق التي تنازع في هذا جماعة المسلمين وإمامهم، وإنما جاءت هذه الشبهة جراء الخلط بين الإمامة العظمى وبين المطالبة بقيام حكومة أيّاً كانت، والتي الأمر فيها لا يعدو أن يكون كما ذكر ابن خلدون في مقدمته: “من المصالح العامة التي يترك أمر تدبيرها إلى الأمة”.. ومن نحو الاحتجاج بالنصوص الواردة في وعد الله المؤمنين بالتمكين، إذ ذلك يَرِدُ عليه: أن المراد بتمكين الاستخلاف: المفهوم العام الشامل الذي يعني: “نيابة الإنسان عن الله في التصرف في الأرض بإعمارها عن طريق إنفاذ أحكامه وتصديق أخباره، بحيث لا يستبدل بنا في أداء هذه المهام قوماً آخرين فنُحْرم فضلها ونأثم على تقصيرنا نحوها”، وهذا ما اصطلح عليه علماء اللغة والشرع وما تضافر على ذكره آي القرآن في نحو: آية البقرة/ 30، والأعراف/ 69، 74، والأنعام/ 165، ويونس/ 14، 73، والنمل/ 62، وفاطر/ 39.. ومن نحو تجاهل النصوص الواردة في شرط (القرشية) في أمر الخلافة بزعم أن هذا الشرط محل خلاف، وهذا أيضاً يَرِدُ عليه: مخالفة غير المشترِط لها، لما ترجح، ومخالفته كذلك لإجماع ولمعتقد أهل السنة، بل ولصريح قوله عليه السلام: (الأئمة من قريش) الذي عليه يعلق الماوردي في الأحكام السلطانية ص 3 وما بعدها بقوله: وبه “احتج أبو بكر يوم السقيفة على الأنصار في دفعهم عن الخلافة، لما بايعوا سعد بن عبادة، فأقلعوا عن التفرد بها ورجعوا عن المشاركة فيها حين قالوا: (منا أمير ومنكم أمير)، تسليماً لروايته وتصديقاً لخبره.. وفي الحديث فيما صححه الألباني: (قدِّموا قريشاً ولا تَقََدَّموها)، وليس مع النص المُسَلّم به شبهةٌ لمنازع فيه، ولا قولٌ مخالفٌ له”إ.هـ.. ويقول الإمام أحمد في كتاب السنة: “والخلافة في قريش ما بقي اثنان، ليس لأحد أن ينازعهم فيها، ولا يَخرج عليهم، ولا نُقرُّ لغيرهم بها إلى قيام الساعة”، ويصدقه ما رواه البخاري: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)، (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد، إلا كبّه الله على وجهه، ما أقاموا الدين)، وما رواه مسلم: (الناس تبع لقريش في الخير والشر)، يعني: في الإسلام والجاهلية، كما في رواية: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم لمسلمهم، وكافرهم لكافرهم)، وقد علق النووي في شرح مسلم بعد ذكره جملة من الأحاديث في ذلك، فقال ? وبنحوه ابن حجر في باب (الأمراء في قريش) 13/ 126وما بعدها ?: “هذه الأحاديث وأشباهها، دليل ظاهر أن الخلافة مختصة بقريش، لا يجوز عقدها لأحد من غيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمن الصحابة فكذلك مَن بعدهم، ومن خالف فيه من أهل البدع أو عرَّض بخلافٍ من غيرهم فهو محجوج عليه بإجماع الصحابة والتابعين فمن بعدهم وبالأحاديث الصحيحة، قال القاضي عياض: (اشتراط كونه قرشياً: هو مذهب العلماء كافة)، قال: (وقد عدها العلماء في مسائل الإجماع، ولم يُنقل عن أحد من السلف فيها قول يخالف ما ذكرنا، وكذلك مَن بعدهم في جميع الأمصار)، قال: (ولا اعتداد بقول النَّظّام ومن وافقه من الخوارج وأهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش)”، ويردف النووي قائلاً: “وبيّن النبي أن هذا الحكم مستمر إلى آخر الدنيا، ما بقي في الناس اثنان، وقد ظهر ما قاله صلى الله عليه وسلم.. فمن زمنه إلى الآن: الخلافة في قريش من غير مزاحمة لهم فيها، وتبقى كذلك ما بقي اثنان كما قاله”إ.هـ.. وقد خلص د. الدميجي في كتابه (الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة) ص265 إلى القول بأن “القرشية شرط من الشروط التي وردت النصوص عليه صريحة، وانعقد إجماع الصحابة والتابعين عليه، وأطبق عليه جماهير علماء المسلمين، ولم يخالف في ذلك إلا النزر اليسير من أهل البدع كالخوارج وبعض المعتزلة والأشاعرة”، ثم نقل أقوال الأئمة في اشتراطها، ولم يكتف بذلك حتى فند كل ما خالف إجماعهم، فمَن الذي من أهل السنة يجرأ أو يرضى لنفسه أن يخرج عن إجماعهم أو أن يكون في مصاف المعتزلة وكلاب أهل النار؟!.
ثالثاً: التزام السنة بتقديمها على ما سواها، وتقديم ما أجمعت الأمة على فهمه منها: ففي القرآن في الحث على الأخذ بها: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما.. النساء/ 65)، (من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً.. النساء/ 80)، (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم.. النور/ 63)، (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً.. النساء/ 115)، وفي السنة: (إنه من يعش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي).. وإنما جاءت هذه النصوص وأمثالها لتُخرج تلك الأقوال الشاذة والمرجوحة التي يختارها المُفْتُون في كثير من الأحيان ليعارضوا بها ما صح عن رسول الله بحجة مواكبة العصر ومستجداته وبأن الدين يسر ومرن، ولتُخرج كذلك أولئك الذين عناهم شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى 13/ 62 بقوله: “وأهل البدع لا يجعلون اعتمادهم في الباطن ونفس الأمر على ما تلقوه عن الرسول، بل على رأوه أو ذاقوه، ثم إن وجدوا السنة توافقه وإلا لم يبالوا بذلك، فإذا وجدوها تخالفه أعرضوا عنها تفويضاً أو حرفوها تأويلاً، فهذا هو الفرقان بين أهل الإيمان والسنة وأهل النفاق والبدعة وإن كان هؤلاء لهم من الإيمان نصيب وافر من اتباع السنة لكن فيهم من النفاق والبدعة بحسب ما تقدموا فيه بين يدي الله ورسوله وخالفوا الله ورسوله”، وعناهم تلميذه ابن القيم بقوله في إغاثة اللهفان ص 431: “إذا عقد المتلقِي قلبه على ذلك ? تجريد اتباع الرسول وتحكيمه في دِقِّ الدين وجُله، ظاهره وباطنه، عقائده وأعماله، حقائقه وشرائعه ? وأعرض عما سواه ووزنه بما جاء به الرسول ? فإن وافقه قبله، لا لكون ذلك القائل قاله بل لموافقته للرسالة، وإن خالفه ردّه ولو قاله من قاله ? فهذا الذي ينجِّيه من فتنة الشبهات”.. ولتُدخل أولئك الذين عناهم ابن القيم في مختصر الصواعق ص627 بأنهم: “يتركون أقوال الناس لها.. ويَعرضون أقوال الناس عليها فما وافقها قبلوه وما خالفها من أقوال الرجال طرحوه.. ويدْعون عند التنازع إلى التحاكم إليها دون آراء الرجال وعقولها.. وأنه إذا صحت لهم السنة عن رسول الله لم يتوقفوا عن العمل بها واعتقاد موجبها على أن يوافقها موافق، بل يبادرون إلى العمل بها من غير نظر إلى من وافقها أو خالفها.. وقد نص الشافعي على أن الواجب على من بلغته السنة الصحيحة أن يقبلها وأن يعاملها بما كان يعاملها به الصحابة حين يسمعونها من رسول الله، فيُنزل نفسه منزلة من سمعها منه، وقال: (أجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله، لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان)”، ومن أبرز سمات أهل السنة أيضاً ? والكلام لا يزال لابن القيم ?: “أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول، فليس لهم لقب يُعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها سوى الحديث والسنة.. وأنهم ينصرون الحديث الصحيح والآثار السلفية وأهل البدع ينصرون مقالاتهم ومذاهبهم”، وهذا هو.
هذا، ولئن أساغ البعض لنفسه إهمال النصوص فيما ذكرنا لهوى في نفسه، فإنه أولى بأن يُعمِلَها: العلماءُ العاملون المتجردون من ورثة الأنبياء في أنحاء المعمورة، وبخاصة من أبناء الأزهر، فهؤلاء ? دون ذوي الرأي والهوى والبدع واستجلاب البلاء والدمار والخراب على أمة الإسلام ? هم أولى بالاتباع لو صحت عقائدهم وخلصت نواياهم، ولاسيما أن معهم إلى جانب هذه النصوص: اتفاق الصحابة وإجماع الأمة.. ومما يجب لفت انتباههم إليه من أمور الاعتقاد التي استقر عليها الأوائل بناء وإضافة لما سبق: (جمع الناس على الإمام والدعاء له علناً والغزو معه)، (وتجنب أهل البدع المخالفين لما سقناه، ومخاصمتهم وعدم مجالستهم)، و(حرمة القتال في الفتنة).. إلخ، ففي (الإبانة عن أصول الديانة) لأبي الحسن الأشعري ص 49 وما بعدها ? على سبيل المثال ? ما ملخصه: “ديانتنا التي ندين بها: التمسك بكتاب الله ربنا وبسنة نبينا وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث، ونحن بذلك معتصمون، ونقر بما رواه الثقات عن رسول الله لا نرد من ذلك شيئاً، ونؤمن بعذاب القبر وأن الإيمان قول وعمل، ومن ديننا: أن نصلي الجمعة والأعياد خلف كل بر وفاجر، كما روي أن عبد الله بن عمر كان يصلي خلف الحجاج، وأن المسح على الخفين سنة في الحضر والسفر خلافاً لقول من أنكر ذلك، ونرى الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح والإقرار بإمامتهم، وتضليل من رأى الخروج عليهم إذا ظهر منهم ترك الاستقامة، وندين بإنكار الخروج عليهم بالسيف وترك القتال في الفتنة، ونرى مفارقة كل داعية إلى بدعة ومجانية أهل الأهواء”، وفي (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) للصابوني ما ملخصه: “إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم بصفاته التي نطق بها وحيُه أو شهد له بها رسوله، ومن مذهبهم أن الإيمان قول وعمل، وأن المؤمن وإن أذنب ذنوباً صغار كانت أو كبائر فإنه لا يَكْفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد فإن أمره إلى الله، ويرون الجمعة والعيدين خلف كل إمام مسلم، برَّاً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفار معهم وإن كانوا جوَرة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجَور والحَيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل، ويتجانبون ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يُحبونهم ولا يَصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مَرَّت بالآذان وقَرَّت في القلوب ضَرَّت، وجَرَّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت، وهذه الجُمل أجمعوا عليها كلها، ولم يثبت عن أحد منهم ما يُضادها، واتفقوا مع ذلك على: القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتقرب إلى الله بمجانبتهم ومهاجرتهم”، وبكل هذا نطق جميع أصحاب العقائد ولم يشذ عن ذلك منهم أحد، والله نسأل أن يحيينا على حَيُوا عليه ويميتنا على ماتوا عليه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
شبابَنا مبتغي العلم على سبيل النجاة: (طوبى للغرباء) (وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة وكل ضلالة في النار) وبخاصةٍ محدثات من حذّر النبي منهم قائلاً: (كلما خرج منهم قرنٌ قُطع.. وعدَّها زيادة على عشر مرات)، كونهم يتَّسمون على مدار تاريخ المسلمين وإلى خروج الدجال؛ بالانشقاق ومفارقة الجماعة واستحلال وسفك الدماء //
الحمد لله والصلاة والسلام على خاتم رسل الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.. وبعد:
فما بال المسلمين في زماننا يعيشون في تيه أشبه بـ (تيه بني إسرائيل) أيام موسى عليه السلام ? وقد تركهم محمد سيد الخلق وحبيب الحق على الواضحة والمحاجة البيضاء ليلها كنهارها ?؟، ما بال عالِمِهم يزيغ عن الطريق المستقيم وعالَمِهم يموج بظُلمٍ كموج البحر وبفتن كقطع الليل المظلم تدع الحليم حيراناً؟.. إنه البعد عن صحيح الاعتقاد والرضوخ له على ما أشرنا إليه في الحلقة الماضية، إنه الخنجر المسموم الذي تحدثنا عنه في الحلقة التي سبقتها، إنه ? على ما أفضنا من قبل ? اتِّباع الهوى والشيطان وترك مجاهدتهما، إنه الخروجُ على جماعة المسلمين الشرعية وادعاءُ فرقةٍ أنها جماعتهم لتستبيح دماء غيرها ولتلهث وراء رئاسة لا تستحقها وخلافة ليست لها، إنه الحرص على الإمارة ومنازعة الأمر أهله الذي ما أكثر ما نهى عنه نبي الرحمة صلوات الله عليه، إنها المظلوميات وسيل الشبهات التي أجاد (الإخوان المسلمون) صنع فصولها وأحكموا الكذب والشائعات في ترويجها، إنها الثقة التي وُضعت في غير محلها والطاعة المطلقة لغير الله ورسوله ومن ولاه الله علينا وأراده أزلاً ولياً لأمرنا، إنه عدم التجرد في اتِّباع الآية والحديث والإجماع، والانتكاسة في إخضاع الدين لفرقة انحرفت عن الثلاثة، إنه الخلل في عقيدتي الولاء والبراء وفي توحيد الله والتعرف عليه بصفاته، وقد أفردنا لكل ذلك الحلقة تلو الحلقة، وعرفنا كيف أن كل هذا الذي يدين به الإخوان يلتقي مع أفكار الخوارج الذين أمر الإسلام بمقارعتهم الحجة بالحجة ? كما فعل ابن عباس لله دره ? والذين أمر النبي بالحذر منهم بل وبمواجهتهم إن هم بدءونا ? نحن جماعة المسلمين وعامتهم ? بقتال.. إنها إذن أمراض الأمة وأدوائها، ولا مناص من تشخيصها ومعالجتها.
أيها الشباب المخلص لدينه المبتغي طريق العلم والهدى والرشاد: اتقوا الله في أنفسكم وفي دينكم، وإياكم وهؤلاء وأساليبهم القائمة على خصال النفاق ومبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فما أظنني إلا في الأيام التي أخبر صلى الله عليه وسلم عنها بقوله لأبي ثعلبة الخشني وقد سأل النبي عن معنى آية (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم.. المائدة/ 105): (ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك نفسك ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياماً؛ الصبر فيهن مثل قبض على الجمر، لِلعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عمله)، وفي زيادةٍ، قيل: يا رسول الله أجر خمسين منهم؟، قال: (بل خمسين منكم)، رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة، وقال الترمذي حسن، ورواه ابن حبان وصححه، ورواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وذكره الشيخ الألباني شاهداً لحـديث عتبة بن غزوان بنحوه.. وأقول:
لقد وضح لكل ذي عينين أن (الإخوان المسلمين) وقعوا ضحايا لأخطاء توارثوها جيلاً بعد جيل، وليس لديهم ? فيما يبدو ? استعداد ولا نية للتنازل عنها، وقعوا وأوقعوا غيرهم أسرى لأفكار تقوم على منازعة الأمر أهله في كل دول الإسلام، وعلى اعتبار مجتمعات المسلمين جاهلية يجب الخروج على حكامها ومحكوميها معاً، وعلى الولاء والعداء على ذلك وعلى جماعتهم، وإنما كان الأمر لديهم كذلك: كونهم وقد أخذوا البيعات لأنفسهم واعتبروا أنفسهم (جماعة المسلمين)، عدُّوا غيرهم بطبيعة الحال خارجين عن جماعة المسلمين، والغريب أن جماعتهم تريد مع ذلك إقامة خلافة على هذا المنهج الخارجي البعيد كل البعد عن (منهاج النبوة)، وحسبك أن ترجع إلى ما جاء في المحاضرة الماضية لتقف على ما جاء بهذا الشأن، وبخاصة في قوله عليه السلام ? عقب سؤال حذيفة عن الشر الذي يعقب الخير الذي فيه دخن ?: (دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها)، وهذا ما يؤيده قول ابن تيمية في منهاج السنة1/ 556 استناداً لنفس الحديث: “وهو عليه السلام قد أخبر أنه بعد ذلك يقوم أئمة لا يهتدون بهديه ولا يستنون بسنته وأمر مع هذا بالسمع والطاعة وإن جلد ظهرك وأخذ مالك”، ما يعني أن خوارج العصر شأن خوارج كل عصر، هم من نهى النبي عن اتباعهم وأمر بالتزام جماعة المسلمين المحقة وأئمتهم، وإلا فبوجوب اعتزال فرقتهم إن لم يكن للمسلمين جماعة ولا إمام.
والسؤال: ما عذرنا إن نحن لم نُبلِّغ الحق وننشره وندعو الناس إليه، وقد عرفناه؟، بل ما عذرنا إن نحن خلصنا إلى الله وقد سكتنا عن كل ذلك أو أيدناه أو مالئناه أو تحالفنا مع أصحابه بعد أن تبين لنا الرشد من الغي؟! وما ذنب أولادنا والأجيال من بعدنا إن نحن أورثناهم هذا الأفكار الخبيثة أو تركناهم فريسة لها؟؛ وماذا ننتظر؛ وتكفير المسلمين الموجب لاستحلال دمائهم أضحى أسلس لمذاق (جماعة الإخوان) من الماء الزلال، وآخر ذلك وليس آخراً ما صرح به داعيتهم المجاهد في سبيل الباطل (وجدي غنيم) وقد سئل هل يجوز التّرحُّم على (أحمد زويل)، فقال ما نصه: “أنا لا أقول إن زويل مشرك، لا بل هو كافر، ولا يجوز الترحم عليه”، كذا هو الأمر لدى إخوان الشياطين، التكفير بالعين دون ما إقامة لحجة ولا معرفة لوجه شرعي ولا تحقق لشروط ولا انتفاء لموانع ولا معرفة لولاء، بل ولك أن تعجب في تبريره ذلك برميه مخالفيه بالإرجاء، وتلك (شنشنة نعرفها من أخزم) وذريعة لتبرير فساد معتقده في تكفير خلق الله وطوب الأرض؟.. وإن تعجب فعجب رفضهم صلاة الغائب على الملك (عبد الله) ملك السعودية السابق ?رحمه الله? في مسجد راغب بمدينة أكتوبر بـ (مصر).. وسبحان من وسعت رحمته الخلائق.
لكن يبقى السؤال: ما رأي علماء السنة ودور الإفتاء على مستوى عالَمنا المعاصر في دعوة (جماعة الإخوان وأخواتها)، القائمة على هذا الفكر التكفيري؟ وما رأي اللجنة العلمية الدائمة بالمملكة يا ترى في تصريح (وجدي غنيم) وما جاء على شاكلته؟ ومال زويل ? وهو بعدُ في عداد المقلدين وليس متبحراً في العلم الشرعي ? أقول: ما لزويل وسبوبة (السياسة والدين) التي يجيد الإخوان المتاجرة واللعب بهما لحسابهم وحساب معتقداتهم الباطلة؟، وما رأي من ذكرنا من جهات الفتوى فيما سبق ذلك من محاولة اغتيال مفتي مصر د. (على جمعة) من قِبَل خلية (حسم) الإخوانية مع تحفظنا على بعض ما يدين (جمعة) الله به؟، وهل تتم التصفيات لجنودنا ولعموم مخالفي جماعة الإخوان في أنحاء المعمورة إلا بناء على مثل هذه الفتاوى التكفيرية القائمة على اعتبار أنفسهم جماعة المسلمين، وأن غيرهم حلال الدم يسوغ قتله بعد الحكم عليه بالكفر باعتباره ليس على الإسلام المُفصَّل على منهجهم، وخارجاً عن جماعة المسلمين التي هي جماعتهم؟ وما رأي صانعي القرار وأصحاب الفضيلة في المملكة السعودية وغيرها في عدم صلاة (جماعة الإخوان) على (الملك عبد الله)، بل وفي استعدائهم أعداء الدين في أمريكا ودول الغرب على شعوبنا، والاستقواء بهم على بلادنا بل وتنفيذ مخططاتهم في تقسيمها وتفكيك جيوشها وتفتيت أواصلها وشعوبها وضرب اقتصادياتها واستنزاف طاقاتها وإشاعة الفوضى والأكاذيب بها، مع وضوح قوله عز من قائل: (بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً. الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعاً.. النساء/ 138، 139)، وقوله: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم.. المائدة/ 51)؟، وما الرأي في موادعتهم الشيعة واليهود وآخر ذلك تحالف تركيا وتطبيع علاقاته مع إسرائيل، غير مكتفين بالاعتراف بدولهم ولا مبالين بخطرهم وما يحدثونه من فساد في المسجد الأقصى وعالمينا العربي والإسلامي، مع قوله عليه السلام عن مارقي كل عصر: (يدَعون أهل الأوثان)؟، وما الرأي في قيامهم ومن يفرِّخونهم وينتدبونهم في قتل أهل الإيمان في جميع بلدان المسلمين مع قوله عليه السلام: (يقتلون أهل الإيمان)، ناهيك عما يُحدثونه من تفجيرات وتفخيخات لممتلكاتهم؟، وما الرأي فيما جاء في هذه السلسلة التي نكتبها والتي كشفت عن كثير من خفايا وخطايا (جماعة الإخوان) وأبانت عن وجهة نظر الشرع فيما يصدر عنها من أقوال وأفعال؟، وما الرأي في اعترافات الشيوخ (حسان والمراكبي وشاكر) في إفشال الإخوان لجهود المصالحة قبل الفض واعترافاتهم برفض الإخوان ليد الجيش التي امتدت لهم لحقن الدماء قبل فض اعتصام (رابعة)؟، وما الرأي فيما جاء في محتوى الفيديو الذي قامت بعرضه (محكمة جنايات القاهرة في 9/ 8/ 2016) وما رصده (فيديو 7 باليوم السابع) وفيما اعترف به (أحمد المغير) حارث (خيرت الشاطر) واعترف به (د. ياسر برهامي) مسئول الدعوة السلفية بمصر، وغيرهما بخصوص أعمال القتل والتعذيب والشغب والترويع والفوضى والتعدي على الممتلكات وعمليات الحرق والنهب التي أفرطت فيها الجماعة أثناء وبعد فض الاعتصام؟، إذ فيما ذكرنا من الحقائق ما يغني عن المفبرك من الأفلام التركية بإخراج كندي والتمثيليات والتلفيقات القطرية المتحرية الكذب؟، ثم لماذا لم تفعِّل المملكة السعودية الإجراءات التي اتَّخذتها باعتبار الجماعة إرهابية، ولم لا تدعم هذه الإجراءات بفتاوى تكشف وجهة النظر الشرعية حتى يرجع أبناؤنا ? بداخل البلاد العربية وخارجها ? عن هذه الأفكار التكفيرية بدل أن نأخذ ذنب التقصير في الدعوة لتركها، وليحيى بعد ذلك من حي عن بينة ويهلك من هلك عن بينة؟.
إن محاولة اغتيال (د. على جمعة) مفتي مصر السابق منذ أسابيع مضت، ما هي إلا نتاج طبيعي لفتوى تكفيره من قِبل (سلامة عبد القوي) وكيل وزارة الأوقاف بعهد الإخوان، وكذا الحال بالنسبة لمحاولات اغتيال الرئيس المصري الحالي أكثر من مرة، هو أيضاً نتاج طبيعي لتكفير سلامة ووجدي غنيم وعبد المقصود ومن كان على شاكلتهم، وهكذا دواليك.. والمسلسل لا ينتهي، فالمصريون الذين خرجوا في 30/ 6/ 2013 وأعدادهم تزيد عن الـ 30 مليون نسمة في ميدان التحرير وحده، هم بنظر عبد المقصود: (كفار وأنجاس ومنافقون) يستحقون الدعاء عليهم من فوق المنابر، كما يستحقون السحق بنظر طارق الزمر، وإعلان الحرب وقطع الرءوس بنظر عاصم عبد الماجد، وإعداد أكثر من عشرة آلف مقاتل إخواني لإبادتهم كما صرح بذلك (محمد الصغير ووحيد بالي)، كما أن أبناء الشعب المصري من الجنود والضباط هم بنظر شيوخ الإخوان (كفار) يستحقون القتل لأنهم جنود فرعون.. ولا عجب فهم من قاموا أيام مؤسس جماعتهم وعقب وفاته، باغتيال القاضي أحمد الخازندار في 22/ 3/ 1948 واللواء سليم زكي حكمدار العاصمة 4/ 12/ 1948 ومحمود النقراشي رئيس الحكومة 28/ 12/ 1948 وحامد جودة رئيس مجلس النواب في 5/ 5/ 1949، وكانت محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في المنشية بالإسكندرية 26/ 6/ 1954، ومحاولة اغتياله مرة ثانية في 1965، ومحاولة نسف القناطر.. إلخ، وهم عينهم من أحرقوا وفجروا (محلات عدس وبنزايون في 8/ 48، وشركة الإعلانات الشرقية في 12/ 11/ 1948، وشيكوريل وبعض المساكن في حارة اليهود بالقاهرة وفندق الملك جورج وستة من أقسام الشرطة بالقاهرة في 11، 12/ 1946 ومحلات جانتينو في 7/ 1948 ومحاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب في 12/ 1/ 1949.. إلخ)، وهم أنفسهم من قاموا بنحو ذلك إبان ثورة يناير عام 2011.. وهكذا تجد معتقد الإخوان قائم على الإضرار بالبلاد المسلمة وتكفير كل من يناصبهم العداء والتوجس من كل من ليس معهم، ومعلوم أن أبرز ما يميز عقيدة الخوارج: (التكفير بالمعصية) و(الخروج على حكام المسلمين) و(استحلال الدماء المعصومة)، والسؤال هنا: ألا يستحق ما ذكرنا بدليل العقل وبموجب ما سنذكر من أدلة الشرع وأخبار السلف، أن يتبرأ من ذلك كل مسلم وأخص بالذكر كل من حالف الإخوان يوماً ما أو صحبهم أو خالطهم أو كان عوناً أو جليساً لهم؟!، وهل ثمة محدثة وبدعة تستوجب التبرؤ أعظم من بدعةٍ ومحدثةٍ تحيق بأمة الإسلام وتقضي بتكفير أبنائها واستحلال دمهم، وهل ثمة واجب شرعي تجاه هذه البدعة والمحدثة يمكن أن يكون بديلاً عن التبرؤ منها ومن أصحابها؟.
إن المروءة والشجاعة والصدق والأمانة، والصدع بالحق والرجوع إليه وعدم التمادي في الباطل، وكل مكارم الأخلاق وحميد الصفات وعظيم الخلال، تقضي ? والحال على ما ذكرنا ? بل تفرض على كل من ظن في نفسه أنه من أهل العلم، أو تبوأ موطئاً في قلوب مدعوِيه، أو تمكن من بوق إعلامي حُرِم منه غيره، أن يفعل أي شيء يكشف عن توبته ونيته، كأن: يتبرأ تماماً من فكر ومنهج خوارج العصر وأفعالهم وفتاويهم القائمة على القتل والسبي والإذلال للمسلمين ولبعضهم البعض، أو يعترف بما كان عليه من خطأ مصاحبتهم، أو يكتفي بما حصل من فتن ربما تسبب فيها هو أو غيره ولا يتمادى في عناده، وأن يقول للمحق أنت محق وللمبطل أنت مبطل، لاسيما وقد اتسع الخرق على الراقع ولا يزال شبابنا في حيرة من أمرهم ولم يعد الأمر يحتمل أكثر مما جرى، بل وبعد أن سقطت بسبب هذه الأفكار الخبيثة دولاً بأكملها وأضحت وساكنيها أشلاء وأثراً بعد عين، وإلا فليخبرونا عن الوجهة الشرعية في سلوك هذه الأعمال الإجرامية إن كان ثمة دليل عليها من كتاب أو سنة أو إجماع.. أما الميوعة في معالجة الأخطاء واتباع أساليب المراوغة وإمساك العصا من المنتصف، كأن تسمع من يقول منهم وهو يعلم أن دعوته كانت تحت راية عمية: (إن قواعد اللعبة قد تغيرت)، ومن يقول: (إن الأمر في مصر مثلاً مجرد صراع بين طالِبَي سلطة، كلٌّ يريد أن يستقطب الجماهير ليجعلها في صفِّه)، وكأن ترى ? ودماء السوريين على سبيل المثال تسيل أنهاراً ? من يتجاهل أو يؤثر الصمت والسكوت، ومن يعرف الحق ويكتمه بعد أن فَتن من فتن وأضلّ من أضل، ومن يمارس اللعب بالكرة ويضحك بملء فيه ويقول قصائد الشعر في حدائق تركيا، إلى آخر ذلك.. فتلك أمور لا تحق حقاً ولا تبطل باطلاً، بل من شأنها أن تعطي للشيطان ? على نحو ما أعطت للباطل ? فرصته الكافية في ذيوع وإلقاء شبهاته، وتلك أمور لا يعرفها الإسلام ولا تصلح معه ولا مسمى لها في شريعته سوى وصف (النفاق وكتمان العلم وطمس الحق).. ألا فلنعلم جميعاً أن الله محاسبنا عن كل مثقال ذرة من قول أو عمل، وعن كل نقطة دم مسلمة أريقت عن طريقنا، وكل فتنة مُضلَّة كنا في يوم ما سبباً فيها، ومحاسبنا كذلك عن كل كتمان لحق وسكوت عن باطل وتأييد لصاحب بدعة، وأخشى ما أخشاه أن يصيبنا ما أخبر تعالى عنه في قوله: (إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون.. البقرة/ 159)، وقوله: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب.. الأنفال/ 25).
إن أمر ديننا إن أردنا أن نعود إليه بحق: ماثل بتفاصيله فيما سطره أصحاب العقائد في كتبهم التي ذكرنا في الحلقة الماضية بعضاً منها، وجميعها بلا استثناء يحذر وينكر بشدة ما ذكرنا من أعمال الخروج والتكفير والتقتيل، بل ويبوِّب له ويَعُدُّ فاعل ذلك من (كلاب أهل النار) الذين أخبر عنهم نبي الرحمة.. وديننا مع ذلك: واضح كالشمس وماثل فيما أخبر عنه ربنا في نحو قوله: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً.. النساء/ 65)، وقوله: (ومن يشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً.. النساء/ 115)، وقوله: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً.. الأحزاب/ 36)، وما أخبر عنه نبينا في نحو قوله: (إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به، كمثل رجل أتى قوماً فقال: يا قوم إني رأيت الجيش بعينيَّ، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء، فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا فانطلقوا على مُهَرهم فنجوا، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبّحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم، فذلك مثَل من أطاعني فاتبع ما جئت به ومثَل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق)، وقوله: (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟!، قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى).. وقوله: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)، وقوله في حديث العرباض: (أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن تأمَّر عليكم عبد حبشي، فإنه من يعش بعدي فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار).. وقوله على لسان بعض من جاءه من الملائكة وهو نائم: (مثله – النبي – كمثل رجل بنا داراً وجعل فيها مأدبة وبعث داعياً.. فالدار الجنة والداعي محمد صلى الله عليه وسلم، فمن أطاع محمداً فقد أطاع الله ومن عصا محمداً فقد عصا الله، ومحمد فرْق بين الناس).. وقول حذيفة: (يا معشر القراء، استقيموا، فإن استقمتم فقد سبقتم سبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً) وهو منتزع من قوله تعالى: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله.. الأنعام/ 153)، ومن قوله عليه السلام وقد خط خطاً مستقيما وقال: (هذا سبيل الله) وخط خطوطاً عن يمينه وشماله، وقال: (وهذه سبل الشيطان) أو (وهذه طرق على رأس كل منها شيطان يدعو إليه)، ثم وضع يده على الخط المستقيم أو الأوسط وتلا الآية.. إلى غير من الأخبار التي تحض على التمسك بالسنة وأهلها وعلى نبذ منهج الخوارج وغيرها من سبل الشيطان، وما وجدنا آية ولا حديثاً ولا إجماعاً يقر ما تفعله جماعة الإخوان في زماننا، وإلا فليأتونا بأثارة من علم إن كانوا صادقين.
وإذا كان هذا هو أمر ديننا قد وضح بجلاء، فإن أمر أمتنا لم يكن ليخفى على رسولنا وقد قال: (يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام، يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية .. الحديث)، وفي بعض رواياته: (يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان).. بل لم يكن حالنا ليخفى على من كان قبلنا ممن أوتي الحكمة واستشرف ببصيرته ما يجري هذه الأيام، ولنا أن نطلع في ذلك على قول (وهب بن منبه) منذ ما يزيد عن ألف ومائتي عام، إذ التاريخ دائما ما يعيد نفسه، يقول رحمه الله: (لقد أدركت صدر الإسلام، فوالله ما كانت الخوارج جماعة قط إلا فرقها الله على شر حالتها، وما أظهر أحد منهم قوله إلا ضرب الله عنقه، ولو مكن الله لهم لفسدت الأرض، وقُطِّعت السبل، ولعاد أمر الإسلام جاهلية، وإذاً لقام جماعة كل منهم يدعو لنفسه بالخلافة، مع كل واحد منهم عشرة آلاف يقاتل بعضهم بعضاً، ويشهد بعضهم على بعض بالكفر، حتى يصبح المؤمن خائفاً على نفسه، وعلى دينه ودمه وأهله وماله، لا يدري مع من يكون!”إ.هـ.. فهل ثمة أدق من هذا التشخيص وأوضح من هذا التحليل الذي في شأنه أيضاً يقول ابن القيم في إعلام الموقعين 3/ 4: “الإنكار على الملوك أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر”، ويقول في الفوائد ص 53: “فالعارف همته تصحيح البناء وإحكامه، والجاهل يرفع في البناء من غير أساس، فلا يلبث بنيانه أن يسقط”، ويقول الحافظ ابن كثير عن خوارج عصره: “لو قوي هؤلاء لأفسدوا الأرض كلها عراقاً وشاماً، ولم يتركوا طفلاً ولا طفلة، ولا رجلاً ولا امرأة، لأن الناس عندهم قد فسدوا لا يصلحهم إلا القتل جملة” وإنا لله وإنا إليه راجعون.
=طرفاً من الأخبار المحذرة من القتال في الفتنة، ومن تكفير المسلمين، والحاثة على الدعاء لأئمتهم وعدم الخروج عليهم، والمخبرة أن الخلافة في قريش دون سواهم:
وعلى الرغم من خطورة محدَثات (التكفير) و(الخروج على حكام المسلمين) و(سفك الدماء المعصومة)، تلك المحدثات التي تمثل أهم بدع الخوارج وتُقلدهم فيها جماعة الإخوان، فلن نتناول ما جاء من نصوص بحق الخوارج إذ الكلام في ذلك مستفيض في كتب الاعتقاد وفي مقال (التجرد ومسألة إمامة المتغلب)، ولن نستقص بدع الإخوان فما أكثر الكلام عن ذلك من الأئمة المحدثين الثقات!.. وإنما نكتفي بما جاء في العنوان لنتعرف على ما ينبغي أن يكون عليه سلوكنا تجاه هذه الجماعة المارقة.. ولا يقولن قائل: كيف تقول بمروقها وهو مستلزم للوقوع فيما تحذر منه، لأن جوابه: أنا لا نكفر أحداً وإنما نحذر ممن يكفر وندعوه إلى التوبة على غرار ما فعل ابن عباس، ثم إن هذا؛ هو لفظ الحديث بشأن أمثالهم.. ولا يقولن: إن ما جاء بهذا الصدد وما ستذكره من آثار يصعب تنفيذه، لأن جوابه: أن الأسهل من ذلك أن يتخلى المرء عن البدع وأهلها، فيندم على ما فاته من ذلك ويقلع في الحال عنه ويعزم في المستقبل ألا يعود إليه، وليس ثمة ما يمنع من فعل هذا، وبخاصة أن تلك ? مع رد المظالم ما أمكن ? هي شروط التوبة النصوح.. وإليك إذن بعض ما جاء في التحذير من أهل البدع والضلال من غير ما سبق ذكره.
يقول سفيان الثوري: “وكل أهل الأهواء، فإنهم يرون السيف على أهل القبلة، وأما أهل السنة فإنهم لا يرون السيف على أحد منهم، وهم يرون الصلاة والجهاد مع الأئمة تامة قائمة، ولا يُكفِّرون أحداً بذنب ولا يشهدون عليه بشرك”، وفي عقيدة الشافعي من رواية أبي ثور عنه: “ولا أكفر أحداً من أهل القبلة بذنب وإن عمل الكبائر وأكِلُهم إلى الله، واعقد قلبي ولساني على أن.. الجهاد ماض مع كل بر وفاجر.. والدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، ولا يخرج عليهم بالسيف”، وله من رواية الحسين بن هشام، قوله: “والخلافة في قريش”.. وللحميدي في أصول السنة: “ولا تكفير بشيء من الذنوب، وإنما الكفر في ترك الأركان الخمس”، ولبشر الحافي في صحيفة له أنه “لم يكفر أحداً من أهل التوحيد بذنب.. والدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، ولا يَخرج عليهم بالسيف، ولا تقاتل في الفتنة وتلزم بيتك.. ومن صفة أهل السنة الأخذ بكتاب الله وأحاديث الرسول وأصحابه وترك الرأي والابتداع”، ولعلي بن المديني: “ومن مات من أهل القبلة موحداً مصلياً صلينا عليه واستغفرنا له، لا نحجب الاستغفار ولا ندع الصلاة عليه لذنب صغير أم كبير، وأمره إلى الله”، ولقتيبة بن سعيد في “قول الأئمة المأخوذ في الإسلام والسنة:.. الصلاة على من مات من أهل القبلة.. ولا نكفر أحداً بذنب وإن عمل الكبائر، وأن لا نخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا، ونتبرأ من كل من يرى السيف في المسلمين كائناً من كان”.
ولأحمد في موضوعات الباب عبارات كثيرة، نذكر منها قوله في رواية الحسن الربعي: “السنة التي توفي عليها رسول الله.. الصبر تحت لواء السلطان على ما كان فيه من عدل أو جور، وألا نخرج على الأمراء بالسيف وإن جاروا، وألا نكفر أحداً من أهل التوحيد وإن عملوا الكبائر”، إلى أن قال: “فهذه السنة، الزموها، أخذها هدى وتركها ضلالة”، وقوله في رواية العطار: من “أصول السنة عندنا:.. أن من مات من أهل القبلة موحداً يُصلَّى عليه ويُستغفر له ولا يُحجب عنه الاستغفار، ولا تُترك الصلاة عليه لذنب أذنبه، صغيراً كان أو كبيراً وأمره إلى الله”.. وقوله في رواية الأندرابي: “صفة المؤمن من أهل السنة والجماعة: من يشهد ألا لا إله إلا الله وأن محمداً عبد ورسوله.. ولم يُكفِّر أحداً من أهل التوحيد بذنب.. والدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، ولا تخرج عليهم بسيفك، ولا تقاتل في الفتنة والزم بيتك”، وذكر أشياء ثم قال: “هذا ما اجتمع عليه العلماء في جميع الآفاق”، وقوله في رواية الزرندي: “أوصيكم ونفسي بتقوى الله ولزوم السنة، فقد علمتم ما حل بمن خالفها وما جاء فيمن اتبعها، بلغنا عن النبي أنه قال: (لَيدخل العبد الجنة، بالسنة يتمسك بها).. وأجمع من أدركنا من أهل العلم أن الرجل يخرج من الإيمان إلى الإسلام، فإن تاب رجع إلى الإيمان، ولا يُخرجه من الإسلام شيء غير الشرك.. وأما المعتزلة الملعونة فقد أجمع من أدركنا من أهل العلم أنهم يُكَفّرون بالذنب.. وأن تُؤمِن بالدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح، ولا تخرج عليهم بالسيف، ولا تقاتل في الفتنة، ولا تتألى على أحد من المسلمين كأن تقول: (فلان في الجنة وفلان في النار)، إلا العشرة الذين شهد لهم النبي بالجنة.. أحِبُّوا أهل السنة على ما كان منهم، أماتنا الله وإياكم على السنة والجماعة ورزقنا وإياكم اتباع العلم ووقفنا وإياكم لما يحبه ويرضاه”، وقوله من رواية الإصطخري: “ولا نشهد على أحد من أهل القبلة أنه في النار لذنب عمله، ولا لكبيرة أتاها إلا أن يكون في ذلك حديث.. ونشهد أن الخلافة في قريش ما بقي اثنان، ليس لأحد من الناس أن ينازعهم فيها، ولا يُخرج عليهم، ولا نقر لغيرهم بها إلى قيام الساعة.. والانقياد إلى من ولاه أمركم، لا تَنزع يداً من طاعته، ولا تَخرج عليهم بسيفك حتى يجعل الله لك فرجاً ومخرجاً، ولا تَخرج على السلطان، وتسمع وتطيع، ولا تنكث بيعة، فمن فعل ذلك فهو مبتدع مُخالف مفارق للجماعة.. والإمساك في الفتنة سنة ماضية واجب لزومها، فإن ابتُليتَ فقدم نفسك دون دينك، ولا تُعن على فتنة بيد ولا لسان ولكن اكفف يدك ولسانك وهواك، والكف عن أهل القبلة ولا نكفر أحداً منهم بذنب ولا تُخرجه من الإسلام بعمل إلا أن يكون في ذلك حديث” ثم قال وهو يتناول فرق الضلالة: “وأما الخوارج: فمرقوا من الدين وفارقوا الملة وشردوا عن الإسلام وشذوا عن الجماعة، فضلوا عن السبيل والهدى، وخرجوا على السلطان، وسلوا السيف على الأمة واستحلوا دماءهم وأموالهم، وعادَوا من خالفهم، وكذا من قال بقولهم وكان على مثل رأيهم، وثبت معهم في بيت ضلالتهم”، يعني: فهؤلاء مثلهم، ضلوا ووجب ? لمروقهم ? منعهم من ولاية المسلمين، ولنا فيما بعدُ عند هذه العبارة وقفة.. يقول ? رحمه الله ? عن صفات الخوارج: “وهم يرون النكاح بغير ولي ولا سلطان.. ولا يرون للسلطان عليهم طاعة، ولا لقريش عليهم خلافة، وأشياء كثيرة يخالفون عليها الإسلام وأهله، وكفى بقوم ضلالة أن يكون هذا رأيهم ومذهبهم ودينهم، وليسوا من الإسلام في شيء”، إلى أن قال: “فمن قال بشيء من هذه الأقاويل أو رآها أو صوبها أو رضيها أو أحبها، فقد خالف السنة وخرج من الجماعة وترك الأثر، وقال بالخلاف ودخل في البدعة وزال عن الطريق”، ثم ذكر في مقولات الخوارج عن أهل السنة: “أنهم يسمون أهل السنة والجماعة مرجئة، وكذبت الخوارج في قولهم، بل هم المرجئة، يزعمون أنهم على إيمان وحق دون الناس، وأن من خالفهم كافر”.
وفي معتقد الإمام البخاري ما نصه: “لقيت أكثر من ألف رجل من أهل العلم: أهل الحجاز ومكة والمدينة والكوفة والبصرة وواسط وبغداد والشام ومصر، لقيتهم كراتٍ قرناً بعد قرن ثم قرناً بعد قرن، أدركتهم وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة، فما رأيت واحداً منهم يختلف في أن الدين قول وعمل.. ولم يكونوا يكفِّرون أحداً من أهل القبلة بالذنب، لقوله: (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء.. النساء/ 116).. وكانوا ينهون عن البدع ويحثون على ما كان عليه النبي وأتباعه لقوله: (وأن هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون.. الأنعام/ 153)، وألا ننازع الأمر أهله، لقوله عليه السلام: (ثلاث لا يَغُلُّ عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله وطاعة ولاة الأمر، ولزوم جماعتهم فإن دعوتهم تحيط مِن ورائهم)، ثم أُكِّد في قوله تعالى: (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.. النساء/ 59)، وألا نرى السيف في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، قال الفضيل: (لو كانت لي دعوة مستجابة لم أجعلها إلا في إمام، لأنه إذا صلح الإمام أمن البلاد والعباد)، قال ابن المبارك: (يا معلم الخير، من يجترئ على هذا غيرك)”إ.هـ.
وكان ضمن ما جاء في معتقد الإمام الذهلي: “السنة عندنا قول وعمل.. وأن نسمع ونطيع لولاة الأمر.. ولا نرى شق العصا، مع النصح لجماعة المسلمين في السر والعلانية.. ولا نكفر أحداً من أهل القبلة بذنب، ولا نشهد عليهم بشرك”، وضمن ما جاء في عقيدة أبي حاتم الرازي ت 277: “اختيارنا: أن الإيمان قول وعمل.. ولا نرى الخروج على الأئمة، ولا نقاتل في الفتنة، ونسمع ونطيع لمن ولاه الله أمرنا”، وضمن ما جاء في عقيدة المُزَني فقيه الديار المصرية في زمانه، وقد سئل عن حقيقة اعتقاده: “الإيمان قول وعمل.. والمؤمنون في الإيمان يتفاضلون وبصالح الأعمال هم متزايدون، ولا يخرجون بالذنوب من الإيمان، ولا يُكَفَّرون بركوب كبيرة ولا عصيان، ولا يُوجب لمحسنهم الجنان إلا من أوجب له النبي صلى الله عليه وسلم ولا يُشهد على مسيئهم بالنار.. والطاعة لأولي الأمر فيما كان عند الله مَرْضيَّاً، واجتناب ما كان مُسخطاً، وترك الخروج عند تعديهم وجَورهم، والتوبة إلى الله كيما يَعطف بهم على رعيتهم”، إلى أن قال: “هذه مقالاتٌ وأفعال اجتمع عليها الماضون الأولون من أئمة الهدى، وبتوفيق الله اعتصم بها التابعون قُدوة ورِضا، وجانبوا التكلف فيما كُفُوا، فسُدِّدوا بعون الله ووفقوا، لم يرغبوا عن الاتباع فيُقَصروا ولم يجاوزوه فيَعتدوا، فنحن بالله واثقون وعليه متوكلون وإليه في اتباع آثارهم راغبون”إ.هـ من كتاب جمهرة عقائد أهل السنة.
وفي اعتقاد سهل بن عبد الله التُّسْتَري في خصال من كان على السنة والجماعة وهو في أصول السنة لللالكائي 1/ 171: “ولا يَخرج على هذه الأمة بالسيف.. ولا يَترك الصلاة على من يموت من أهل القبلة بالذنب، ولا يترك الجماعة خلف كل والٍ، جارَ أو عدلَ” .. ومن كلام الإمام الطحاوي في عقيدته التي تلقتها الأمة بالقبول: “ولا نكفِّر أحداً من أهل القبلة بذنب ما لم يستحله، ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم، ونستغفر لمسيئهم.. ولا نرى السيف على أحد من أمة محمد إلا من وجب عليه السيف، ولا نرى الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا، ولا ندعو عليهم، ولا ننزع يداً من طاعتهم، ونرى طاعتهم من طاعة الله فريضة ما لم يأمروا بمعصية، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة”.. ويقول أبو الحسن الأشعري إمام المذهب في (مقالات الإسلاميين) ص 295 حاكياً جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة: “ويرون العيد والجمعة خلف كل بر وفاجر.. ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف، وأن لا يقاتلوا في الفتنة”، ويقول ص 451 نقلاً عنهم: “إن الإمام قد يكون عادلاً ويكون غير عادل، وليس لنا إزالته وإن كان فاسقاً، وأنكروا الخروج على السلطان ولم يروه”.. ومما قاله البربهاري في شرح السنة عن أحد الأهواء الأربعة التي تشعبت منها الاثنان والسبعون فرقة النارية: “ومن قال: الصلاة خلف كل برٍّ وفاجر، والجهاد مع كل خليفة، ولم ير الخروج على السلطان بالسيف، ودعا له بالصلاح: فقد خرج من قول الخوارج أوله وآخره”.. وفي هذا القدر كفاية.
=طرفاً من الآثار المحذرة من أهل البدع ومحدثاتهم ومخالطتهم والسماع لهم والتحالف أو السير معهم:
وفي عقيدة الإمام أحمد من رواية العطار، قوله: “أصول السنة عندنا: التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله وترك البدع وترك الجلوس مع أصحاب الأهواء، وترك المراء والجدال والخصومات في الدين”.. وقال في رواية للزرندي عنه: “احذروا البدع كلها.. واحذروا الجدال مع أهل الأهواء.. ولا تشاور أحداً من أهل البدع في دينك ولا ترافقه في سفرك”.. وقال الإمام أبو محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم: “أهل الكبائر في مشيئة الله، لا نكفر أهل القبلة بذنوبهم ونكل سرائرهم إلى الله”، قال: “وسمعت أبي وأبا زُرعة يأمران بهجران أهل الزيع والبدع، يغلظان في ذلك أشد التغليظ، وينكران وضع الكتب برأي من غير آثار.. قال أبو محمد: وبه أقول، وقال أبو علي المُقرئ: وبه أقول، وقال شيخنا أبن المظفر: وبه أقول، وقال شيخنا ? اللالكائي ? وبه أقول، وقال الطُّرَيثيثيّ: وبه أقول، وقال شيخنا ? الراوي عن الطريثيثي ? وبه نقول”.. ونذكر مما جاء في عقيدة المُزَني عن حقيقة اعتقاده: “الإمساك عن تكفير أهل القبلة والبراءة منهم فيما أحدثوا ما لم يبتدعوا ضلالة، فمن ابتدع منهم ضلالة كان من أهل القبلة خارجاً، ومن الدين مارقاً، ويُتقرب إلى الله بالبراءة منه، ونهجره ونتجنب عُرَّتَه ? دنسه وقذارته ? فهي أعدى من عُرَّةِ الجَرَب”إ.هـ من جمهرة عقائد أئمة السلف.
ونختم بما ذكره إمام المذهب أبو الحسن الأشعري في (الإبانة عن أصول الديانة)، حيث ذكر ضمن: “جملة ما عليه أهل الحديث والسنة.. أنهم لا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه.. ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار، ويرون اتباع من سلف من أئمة الدين، وألا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله.. ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وألا يخرجوا عليهم بالسيف وألا يقاتلوا في الفتنة.. ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة.. ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة ومفارقة أهل الأهواء، والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه”، إلى أن قال: “فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه”، وبما ذكره الصابوني في (عقيدة السلف وأصحاب الحديث) التي أوصى النبيُّ إمامَ الحرمين أبا المعالي ابن الإمام الجويني في المنام بالتزامها بعد أن شكا إلي النبي تردده في المذاهب، وفيها: “إن أصحاب الحديث المتمسكين بالكتاب والسنة يعرفون ربهم بصفاته، ومن مذهبهم أن الإيمان قول وعمل، وأن المؤمن وإن أذنب ذنوباً صغار كانت أو كبائر فإنه لا يَكْفر بها، وإن خرج من الدنيا غير تائب منها ومات على التوحيد فإن أمره إلى الله، ويرون الجمعة والعيدين خلف كل إمام مسلم، برَّاً كان أو فاجراً، ويرون جهاد الكفار معهم وإن كانوا جوَرة فجرة، ويرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح، ولا يرون الخروج عليهم بالسيف وإن رأوا منهم العدول عن العدل إلى الجَور والحَيف، ويرون قتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى طاعة الإمام العدل، ويتجانبون ويبغضون أهل البدع الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، ولا يُحبونهم ولا يَصحبونهم ولا يسمعون كلامهم ولا يجالسونهم، ويرون صون آذانهم عن سماع أباطيلهم التي إذا مَرَّت بالآذان وقَرَّت في القلوب ضَرَّت، وجَرَّت إليها من الوساوس والخطرات الفاسدة ما جَرَّت، وهذه الجُمل أجمعوا عليها كلها، ولم يثبت عن أحد منهم ما يُضادها، واتفقوا مع ذلك على: القول بقهر أهل البدع وإذلالهم وإخزائهم وإبعادهم وإقصائهم والتقرب إلى الله بمجانبتهم ومهاجرتهم”، كذا بما يعني انتفاء الولاية والإمارة والخلافة عمن يدينون بدينهم في زماننا، وبكل هذا نطق جميع أصحاب العقائد ولم يشذ عن ذلك منهم أحد، والله نسأل أن يحيينا على ما حَيُوا عليه ويميتنا على ماتوا عليه.. وأخيراً فإن ما أرجوه هو أن يتم تداول هذه المحاضرات على شبكات التواصل الاجتماعي وغيرها، وطبعها وترجمتها ما أمكن، حتى تعم الفائدة، إذا الدال على الخير كفاعله.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ن
ن
ي
..
.
..
.