الــدولــــة الـعـمـيـقـة «2»

في المقال السابق تحدثت عن تاريخ الدولة العميقة في تركيا وكيف أنها استطاعت القضاء على الخلافة العثمانية. واليوم أتناول الدولة العميقة في مصر مقتبساً من بحث الكاتب المصري الشهير فهمي هويدي.
يقول الكاتب إن هذا السؤال طرحه الكاتب البريطاني روبرت فيسك في صحيفة «الأندبندنت» حيث سأل «هل ظهرت الدولة العميقة في مصر»..؟ فالرجل كما قال هويدي أن فيسك جاء إلى مصر وقد كان في حيرة عصفت بمصر ولم يجد مفراً من استبعاد المصادفة فيما جرى نسبة لما وقع من أحداث ووجد نفسه مضطراً لطرح التساؤل هل للدولة العميقة دور فيما جرى؟! ويقول هويدي «ربما كان مصطلح الدولة العميقة جديداً على قاموس السياسة في مصر، لأن النظام المستبد الذي ظل قابضاً على السلطة طوال الثلاثين سنة الماضية على الأقل لم يكن بحاجة إلى دولة عميقة تحمي مصالح الأطراف المستفيدة.
ويتابع هويدي أن الدولة العميقة ليست اكتشافاً جديداً فهي موجودة في عدة دول بعضها في أمريكا اللاتينية، ومعروف في تركيا وله رنينه الخاص منذ أكثر من نصف قرن ويقصد به شبكة من العملاء في تنظيم غير رسمي، وذي مصالح واسعة وامتدادات في الداخل والخارج، وتنبع قوته من عناصره الأساسية الموجودة في مختلف المؤسسات ومفاصل الدولة المدنية والعسكرية والسياسية والإعلامية والأمنية، وهذا ما يتيح فرصة توجيه أنشطة الدولة الرسمية والتأثير على القرار السياسي.
يقول الكاتب الكبير هويدي إن للدولة العميقة وجهين، أحدهما معلن وظاهر يتمثل في رجالها الذين يتبوأون مواقع متقدمة في مؤسسات الدولة والجيش والبرلمان والنقابات، إلى جانب مؤسسات الإعلام ونجوم الفن والرياضة، أما الوجه الآخر غير المعلن يتولى تحريك هذه الأطراف المعنية في مؤسسات الدولة لتنفيذ المخططات المرسومة. ويتفق معي الكاتب الكبير في أن المخابرات الأمريكية في عهد الرئيس ترومان هي من غرس بذرة الدولة العميقة في تركيا عام 1952م «تنظيم أحد كما ذكرت في المقال السابق». وهذا لضمان التحكم في قرارات قيادات الجيش وصناع القرار وغيرهم من السياسيين الكبار في مختلف المواقع وأجهزة الدولة، وقد أصبحت بذلك الدولة العميقة بمرور الوقت كياناً موازياً للدولة الرسمية، وقادراً للضغط على الأخيرة وابتزازاها. ويقول الكاتب الكبير هويدي إن الدولة العميقة في تركيا تسمى أرجنكون وهي أسطورة شعبية تقول إن الصينيين حين هاجموا القبائل التركية أثناء وجودها في وسط آسيا، موطنهم الأصلي فإنهم هزموهم وطاردوهم ولم يبق من الجنس التركي سوى القليل واجتمعوا بوادي عميق باسم أرجنكون فتحصنوا فيه مختفين سنين عدداً.. تكاثروا بمضي الوقت ولم يعرفوا كيف يخرجون منه، حتى ظهر في حياتهم الذئب الأغبر الذي دله على الطريق للخروج من الوادي، ومن ثم أتيح لهم الانفتاح مع العالم وإقامة دولتهم الكبرى، وبعدها أصبح الذئب الأغبر رمزاً للقوميين الأتراك، وغدت أرجنكون رمزاً للحفاظ على الهوية وبقاء الجنس، ومغزى حمل المنظمة للاسم فإنها أرادت أن توحي للجميع ان رسالتها للدفاع عن تركيا ضد كل ما يهددها.
وتعمد وسائل الإعلام التابعة لمنظمة أرجنكون إلى تشويه صورة المسلمين وقد حفلت بالصور التي تشوه صورة المتدينين لإقناع الناس بأنهم ليسوا منحرفين سياسياً فحسب بل منحطين أخلاقياً ايضاً. ويواصل الكاتب الكبير هويدي القول إن المعركة لا تزال مستمرة حتى الآن وتوجه الاتهام لرئيس الوزراء أردوغان وفريقه بأن لديهم أجندتهم الخفية التي تستهدف إعادة الخلافة وتطبيق الشريعة، وقد بلغت الخصومة ذروتها في العام 1996م حين شكل زعيم حزب الرفاة نجم الدين أربكان حكومة ائتلافية لأول مرة في تاريخ الجمهورية وقد استفز الوضع المنظمة وعناصر التطرف العلماني، فظهرت التقارير تباعاً في بعض الصحف وانطلقت مظاهرات الدفاع عن العلمانية، وألقيت قنبلتان في فناء صحيفة الجمهورية العلمانية «اتهم مدير تحريرها بعضوية أرجنكون» وقتل محامي قاضياً في المحكمة العليا وفي التحقيق قال المحامي ان القضاء كان يعارض السماح للمحجبات بالدراسة في الجامعات. لم يكن هذا مصادفة يقول الكاتب الكبير ولكنها كانت بنزول الجيش إلى الشوارع ودعوة مجلس الأمن القومي ليصدر قائمة من القرارات التي استهدفت كلها قمع الإسلاميين وإقصائهم من أجهزة الدولة وحصار التدين في كل مظانه الأمر الذي ادى إلى استقالة أربكان من منصبه وإغلاق حزب الرفاه.!!
وانكشفت كل هذه الألاعيب حين فتح حزب العدالة والتنمية ملف الدولة العميقة، وكان الصدام حتميا مع أرجنكون، داهم الأمن شقة سكنية فوجد قنابل كتلك التي ألقيت على صحيفة الجمهورية، كما عثروا على صورة المحامي الذي قتل قاضي المحكمة العليا مع أحد الجنرالات المتقاعدين وأخرى لقائد الشرطة السابق وأخرى لجنرال ثالث مع مؤسسي جمعية الدفاع عن الأفكار الأتاتوركية وكانت تلك الوثائق من بين الخيوط المهمة التي تتبعتها اجهزة الأمن والتحقيق الذي توصلت إلى ملفات اخرى في تنظيم ارجنكون الجهنمي. ويختم الكاتب الكبير مقاله الشيق بقوله «حين يستعرض المرء أنشطة منظمة ارجنكون في تركيا، فإن مسلسل الأحداث التي شهدتها مصر منذ بداية الثورة وحتى الآن يظل ماثلاً أمامه طوال الوقت، سيجد ان طرفاً مجهولاً رتب واقعة الجمل، وفتح السجون، وهاجم أقسام الشرطة، وأدار الاضطرابات، واثار الإضرابات والاعتصامات، وأجج الفتنة الطائفية ورتب خطف السيارات واقتحام البنوك، وحرض على حصار مبنى مجلس الوزراء واقتحام وزارة الداخلية وتهديد وزارة الدفاع وأحرق المجمع العلمي واقتحم المتحف المصري ودبر خدعة بور سعيد، وسوف تستوقفك في السياق حكايات المرشحين للرئاسة الذين استبعدوا فجأة والذين اعيدوا فجأة، كما لابد أن تثير انتباهك تلك الحملة الشرسة التي تستهدف تخويف المجتمع بكل فئاته من الإسلاميين، وترويعهم من مغبة اقترابهم من مواقع السلطة وجهات إصدار القرار.! قد لا نكون متعسفين اذاربطنا بين كل تلك الوقائع ووضعناها في سياق واحد، ولن تخطئ ابداً اذا وجدت تشابها كبيراً بين الذي يجري في مصر وما فعلته منظمة ارجنكون خصوصاً فيما يتعلق بإثارة الفوضى للتخويف من الإسلاميين.
ويختم الكاتب الكبير حديثه بان الفرق بين مصر وتركيا أن المصريين لم يعرفوا المدبر والفاعل خلاف الأتراك الذين عرفوا، ورغم كل ذلك لا يستطيع أحد إنكار أن في مصر دولة عميقة.
[email][email protected][/email]
أولاً كاتبك هويدي هذا لا كبير ولا يحزنون انما هو كاتب اخواني يجيد التخفي تحت دعاوي الحياد والوطنية والديمقراطية لكن لا يخفى على أحد ذلك.
ثانيا؛ ما رأيك في دولة السودان الإخوانية! أليست دولة عميقة؟ أم إنها دولة مكشوفة حالة وقاعدة في السهلة لا نكس لا طاقية؟ ولماذا لا تتحفنا بتحليل مماثل عنها؟
لاخ الدكتور هاشم واصل البحث ففي السودان شئ من ذلك كثير وبعد ان تنتهي حلقاتك سيكون التعقيب بما لدينا وشكرا علي هذا البحث الهام واتمني ان كان لديك وقت ان تبدا ببحث اسميه (المشروع الوطني لخلق الدولة القومية في السودان ) املك رؤوس اقلام وخواطر ولكنها لم تنضج وان كنت طرحته عبر منتديات خطابية بطريقه غير مباشرة لانني مهموم باعادة صياغة مشروع الدولة السوةدانية علي اسس مشروع تربوي اتمني ان تبدا في ذلك واكون شاكر ومقدر فانا لا املك الوقت للبحث وشكرا