المقالات والآراءيحي فضل الله

متفجرات

تداعيات

(الشنطة دي محتمل جدا تكون فيها متفجرات )
لم يكن صديقي الممثل الكوميدي يتوقع ان يحدث كل ما حدث و ذلك حين قذف بتلك الجملة بعد ان شحنها بهمس مفتعل يستطيع ان يمتص الخطورة التي تكمن من وراء كلمات تلك الجملة
الشنطة دي محتمل جدا تكون فيها متفجرات )
الموظف الذي يعمل في مكاتب النيابة العامة، نيابة امدرمان تلك التي كانت من قبل بمثابة نادي للفنانين و بعدها اصبحت واحدة من اشهر محاكم الطوارئ او العدالة الناجزة لا ادري ايهما و لكني اعرف ان هذا المبني قد تحمل هذا العبء ابان ان خطط هولاءالظلاميين الظالمين ، ابان ان خططوا لجعفر النميري بان يكون اماما للمسلمين ،المهم ذلك الموظف الذي يعمل بنيابة امدرمان لم يملك الا ان يصدق تلك الجملة التي قذف بها صديقي الممثل
الكوميدي
(الشنطة دي محتمل جدا تكون فيها مخدرات )
صدق ذلك الموظف تلك الجملة نافيا من بين سياقها معني الاحتمال، – محتمل جدا – و من ثم حمل معه الرعب الذي يكمن وراء تلك الجملة بعد ان نظر الي الشنطة الملقاة علي مسافة قريبة من حائط مبني النيابة العامة ، حمل معه ذلك الرعب و ولج به الي الداخل .
صديقي الممثل الكوميدي جاء راجلا يقصد المسرح القومي في هذا الصباح ، صباح من صباحات صيف العام الثاني و التسعين من القرن المنصرم و لانه كان راجلا اختار ان يأتي عبر ذلك الزقاق بين تلك البيوت الحكومية و مدرسة امدرمان الثانوية العليا للبنات ،علي شماله تلك الفسحة ذات التضاريس الخشنة و التي هي بين العلو و الانخفاض وحين وصلت خطواته ركن مبني النيابة العامة كان قد لمح تلك الشنطة و هي ملقاة علي الارض و فجأة ودون مقدمات خطرت له تلك الفكرة و بعقلية يبدو انها ادمنت تفاصيل الحبكة الدرامية في الافلام البوليسية خطرت له تلك الفكرة ، فكرة المتفجرات وحين صادفه و هو في طريقه الي المسرح القومي ذلك الموظف لم يتوان مطلقا ان يهمس له بتلك الجملة مشيرا بيده الي
حيث مكان تلك الشنطة السامسونايت .
دخل الموظف مباني النيابة العامة يهرول حاملا معه ذلك الرعب و من ثم
انتشر الخبر المرعب بين موظفي و موظفات ذلك المبني المؤهلة حساسيته تجاه هذا النوع من الاخبار ، الامر الذي عجل بخروج كل من في المبني و تناثروا بخوفهم بعيدا عن المبني الذي كان مهددا بتلك الشنطة ذات المتفجرات .
احد المسئولين الكبار بالنيابة العامة اقترب مرتجفا من خيمة العساكر التي كانت تحرس هذا الشارع الذي اكتسب خطورته من وجود الاذاعة و التلفزيون وهي اهداف استراتجية لكل انقلابي ،اقترب هذا المسئول المرتجف من تلك الخيمة و لهذه الخيمة حكاية مع صديقي مصمم الديكور بالمسرح القومي الذي ادمنت خطواته مواقعة تلك الدروب الخشنة و الحلزونية بين المسرح القومي او الحيشان التلاته كلها و دار الرياضة امدرمان لسنوات كثيرة و ظهرت الاسلاك الشائكة التي تقفل المدخل الي شارع الاسفلت بين النيابة العامة وركن حوش المسرح الذي يوجد فيه ضريح ولي صالح مجهول وعليه بيان من اقمشة الوانها كما اتفق و شارع اسفلت هو شارع النيل ذلك الشارع الذي قدل فيه خليل فرح حافي حالق وهو الشارع الذي وصفه بالطريق الشاقي الترام ،اسلاك شائكة، دبابات ، خيم لمضاجع العسكر، منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب او التصوير ، المسرح القومي اصبح منطقة عسكرية ممنوع الاقتراب او التمثيل ، سجنت هذه المنطقة التي كانت لها حيوية الحفل و الاحتفال و د ببت -من دبابة- وليس دبابين وذلك لان الدبابة استوطنت مدخل المسرح القومي ،ولان خطوات صديقي ادمنت ذلك التكرار لهذا المشوار من دار الرياضة امدرمان الي المسرح و هو مشوار لديه حميم يتناثر فيه صديقي مصمم الديكور داخل تهويماته و افكاره تلك المنفلتة منظما تلك التهويمات و الافكار بصوت فرقعة التسالي في فمه وخطواته ذات الوقع السريع و هكذا كان صديقي مصمم الديكور عائدا في تفاصيل مابعد المغرب من دار الرياضة متجها الي المسرح القومي كعادته و لسنوات طويلة و حين وصل الي ذلك المدخل الذي بين النيابة العامة و زاوية سور المسرح القومي وجده مقفولا بذلك السلك الشائك و بتلقائية
قفز صديقي متخطيا الاسلاك الشائكة و حين استقرت قدماه علي الارض بعد تلك القفزةالتلقائية هجم عليه جنود تلك الخيمة و من بين صلصلة حديد البنادق دوت في اذنه تلك الصرخة العسكرية البغيضة ( ثابت )
رفع صديقي مصمم الديكور يديه الي اعلي و صرخ في وجوه اولئك الجنود
( ينعل……… ما خلعتونا)
و لان صديقي مصمم الديكور من الاحجام الكوميدية لم يملك اولئك الجنود الا ان ينحازوا الي ضحكة مجلجلة و من بين ضحكة اولئك الجنود انسرب صديقي مصمم الديكور متجها الي المسرح القومي .
اقترب المسئول المرتجف من تلك الخيمة وتحدث مع احد العساكر الذي تحدث بدوره الي مسئول عسكري اخر الذي تحدث الي مسئول اكبر منه بينما اقترب بقية العساكر بحذر شديد من مكان تلك الشنطة منتظرين الاوامر بالتصرف تجاه هذا الامر الخطير ، تجمع الناس بعيدا عن ذلك المكان المخيف يثرثرون حول الامر .
وصلت دورية من رجال البوليس وحاصرت المكان، وصل الخبر الي مباني الاذاعة و التلفزيون
بوفيه المسرح القومي هرب منه الرواد في ذلك الصباح .
صديقي الممثل الكوميدي سبب كل هذه البلبلة لجأ الي قناع اخر يدعي عدم المعرفة بالامر و كثرت منه التساولات الي درجة السذاجة .
وصل فوج من سلاح المهندسين و اعمل آلاته الدقيقة حول تلك الشنطة دون جدوي الامر الذي جعلهم يشكون حول محتويات تلك الشنطة حيث من المحتمل ان تكون بها اشياء دقيقة و متطورة عن ألات كشف المتفجرات التي يعمل بها سلاح المهندسين.
الطالبات في مدرسة امدرمان الثانوية خرجن خائفات بعد ان وصل اليهن خبر تلك الشنطة
جاءت كاميرات التلفزيون كي تصور هذا الحدث الخطير و استعد السيد كبير المذيعين كي يذيع الخبر بنفسه بعد ان يزيح المذيع الذي عليه اذاعة نشرة منتصف الظهيرة وذلك بنوايا كسب رضا السلطة.
قسم الاخبار بالاذاعة جاء و هو يحلم بخبر جديد .
تناثرت الاقوال و تنوعت الاحاديث داخل الحيشان الثلاثة .
هرب اولئك الموظفون الذين يدمنون الغياب مستغلين هذا الحدث .
صديقي الممثل الكوميدي صاحب هذا الخبر ارتعب من تداعيات تلك التفاصيل فهرب راجلا نحو سوق امدرمان .
حاول مرة اخري افراد سلاح المهندسين الكشف بآلاتهم التي دارت حول الشنطة من كل الجوانب أملين ان يجدوا استجابة تشير الي مكمن الخطورة داخل تلك الشنطة دون جدوي .
بينما كان افراد الشرطة يحاولون ابعاد اولئك الفضوليين عن المكان حاول سلاح المهندسين مرة ثالثة ورابعة إعمال ادوات الكشف المختلفة حول الشنطة ولكن دون جدوي غير جدوي ان يتضخم الرعب بفعل الشكوك .
و اخيرا و بعد تعب شديد صدر قرار عسكري من مسئول عسكري كبير طبعا بضرب تلك الشنطة بالرصاص حتي ينتهي هذا الامر .
ابعدت الشرطة و رجال الامن الناس عن ذلك المكان ،تم اخلاء المسرح القومي و الاذاعة و التلفزيون و مدرسة امدرمان الثانوية بنات وتم اخلاء معهد تدريب معلمات المرحلة المتوسطة وكذلك مبني الفنون الشعبية و الاكروبات وجامعة امدرمان
الاهلية بعد ان تاكدت السلطات من اخلاء المنطقة من البشر تم ضرب تلك الشنطة
بوابل من الرصاص و بدلا من ان تنفجر تلك الشنطة كانت قد تناثرت الي قطع وشظايا و حين اقترب منها افراد سلاح المهندسين و جدوا بداخلها ملابس داخلية و ادوات حلاقة و فرشة اسنان ومعجون من نوع ابو وردة و لكن كانت هناك رصاصة طائشة قد استاثرت بماسورة في مبني مدرسة امدرمان الثانوية للبنات .
بينما كانت المياه تندفع من تلك الماسورة كان صديقي الممثل الكوميدي
يوزع ضحكاته في قهوة السبيل في سوق امدرمان
بعد ذلك بفترات متباعدة مارست المتفجرات تداعياتها في سودان الانقاذ وقد لمحت مرة من بين الذين اظهرهم التلفزيون كقادة لعمليات احدي التفجيرات احد اولئك المتمسرحين الذين كانوا يتجولون بادعاءاتهم في
الوسط المسرحي و كان هذا المتمسرح قد اصابه نوع من ذلك الذهول المقنع بصوفية و زخم من السبح اتعبت عنقه و يبدو انه قد ردت اليه غربته ومنح صفة قائد لعمليات التفجيرات ومعه اخرون .
يقول الشاعر ادونيس
(ما اغرب التماسيح
وحشية
وحين تهجم علي فرائسها
تتسلح بالدمع )

تعليق واحد

  1. ما أعجب سردك يا مبدع يحي فضل الله
    تتداعى و تخلق توليفة هي مزيج من الواقع
    المعيش و الخيال المجنح و الأيام الخوالي
    المسرح القومي والإذاعة و التليفزيون
    و المكان المحيط بتضاريسه العتيقة و الزمان
    ذاك الذي كان جميلاً و أحلام الممثلين المغمورين
    كل ذلك نُسج على منوال خيوطه رهيفة و مشدودة
    على أوتار تعزف أُنشودة الحياة
    سرد سلس و ممتع !!؟…

  2. رائع كما هي عادتك يا يحيى(هكذا يجب أن يكتب اسمك) ، ولكن أين الخيال الشعري أو الصورة الفنية في هذا البيت لأدونيس الذي ختمت به مقالك ، ما أضحله من شعر يا ( يحيى )؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..