أخبار السودانمقالات سياسية

حكومة كمال عبد اللطيف الإلكترونية

فتحي الضو

على الرغم من أن القراء الكرام ليسوا مطالبين بتذكُّر ما كتبت، إلا أنه لابد وأن الذين يتابعونني من غير البصاصين يتذكرون ما قلته في مقال سابق من أنني أعد واحداً من مدمني مشاهدة قناتنا (القومية) الفضائية. وبررتُ هذه العلاقة المريبة بقناعتي في أن وطنيتي لن تكتمل إلا باستضافتها في عقر داري. لكن أكثر ما يسؤني أنني لا استطيع ممارسة هذه الهواية إلا تلصصاً. وقد يعجب البعض من هذه المازوخية أو الماشوسية التي أمارسها مع نفسي (حب إيذاء وتعذيب الذات باعتبارها ضحية والتلذذ بذلك) لأنه على العكس تماماً فقد رسخ في أذهان كثير من المشاهدين أن القائمين على أمر هذه القناة هم ساديون ينتشون بتعذيب ضحاياهم بلا رأفة أو رحمة. ولسوف اقتنص هذه السانحة لأفصح أكثر عن مكنون السر الدفين في أجندة هذا الاهتمام العظيم، أو بالأحرى سأكشف عمَّا ظل يثير فضولي، فلربما عذرني من أنذرني خفية أو نصحني علناً بالكف عن ممارسة هذه العادة السرية. هم معذورون لأنهم لا يعلمون انني أفعل كل ذلك من أجل أن أنعم بمشاهدة لقطة عابرة لا تتوقف عندها الكاميرا إلا لماماً، وهذا عين ما تفعله (كليبات) مشاهير الفنانين في أغانيهم المُصوَّرة من باب التشويق والإثارة والجاذبية. لكنني أقِرُّ أنه من كثرة إدماني لهذه القناة فقد دأبت على إنتظار هذه اللقطة الفريدة واتحرى رؤيتها مثلما يتحرى الصائم رؤية هلال رمضان، والحقيقة ما أن أنال مبتغاي هذا إلا وأشعر بسعادة غامرة تجتاح كياني وتنتابني موجة من الفرح الطفولي، لا يفسده شيء عليَّ.. سوى مشاهدة أحد اساطين المعارضة الذين تطلق عليهم حكومتهم السنية لفظ الطابور الخامس!

لأن اللبيب بالاشارة يفهم فلا شك عندي أن جموع القراء قد أدركت أن اللقطة التي أتحراها هي الجلسة الاسبوعية لمجلس الوزراء الموقر (قد يرى البعض أن مصطلح اجتماع أوقع، لكن رأيت أن تعبير جلسة اكثر واقعية، لأن لها ما يماثلها في ثقافتنا الشعبية، بل حتى وسائل إعلام النظام نفسه تقول ذلك أيضاً وتبدو غير مكترثه بالايحاءات السالبة) المهم كثيراً ما شعرت بالشفقة على المصور التلفزيوني الذي يجتهد لادخال ما يربو على سبعين وزيراً أو يزيد في لقطة شاملة كيما تملأ الشاشة ولتملأ خياشيم مشاهديه بالنشوة الكبرى أيضاً. لكن بدا لي وللمصور بالطبع أن ذلك أمراً مستحيلاً في ظل الكثرة الكاثرة. ولهذا أراه عندما يتعذر عليه أخذهم أخذ عزيز مقتدر بـ (الجملة) فإنه يعمد لانجاز مهمته تلك بـ (القطاعي) فيمر عليهم الواحد تلو الآخر بتؤدة ومهل تكاد تطلع فيها روح المشاهد إلي بارئها. ثمَّ لأسباب حضارية بحنة مرتبطة بشغفي بالتكنلوجيا وآلياتها تزداد سعادتي حينما أشاهد وزيراً واحداً من بين السبعين مستوزراً يضع جهاز الكمبيوتر المحمول (لاب توب) أمامه، وأراه منهمكاً يحدق باهتمام بالغ في الشاشة كمن يطالع في أمر جلل. ثمَّ يتجلى لي إنهماكه الصادق في عدم إكتراثه بالكاميرا وأفاعيلها، وذلك على عكس آخرين ما أن تطوف عليهم هذه الكاميرا الخبيثة إلا وتراهم قد تباروا في إظهار سمات التفكير العميق الذي يدل على أنهم يحملون هموم الأمة السودانية، بل أن بعضهم يزيد بتقطيب جبينه ليبدو وجهه عبوساً قمطريرا يتسق وتحمله الأعباء الجسام. والمفارقة أن علامات الساعة هذه، استثنى السيد كمال عبد اللطيف نفسه منها بمواصلته التحديق المثير في الجهاز الذي أمامه، ولكن الأمر الذي ظل يشغلني على الدوام كلما رأيت هذا المنظر الأثير إلى نفسي، طفقت أسالها سؤالاً تائهاً لم أجد له اجابة شافية… لماذا يبدو السيد كمال عبد اللطيف وزير الدولة في رئاسة مجلس الوزراء الوحيد دون سائر الوزراء وأمامه ذلك الجهاز المثير الفضول!

أولا قبل أن أجيب بالمعلومة التي توفرت لي مؤخراً باجتهادي الخاص، لابد وأن أعتذر للسيد كمال عبد اللطيف بشدة، لا سيما وقد عاتبت نفسي سلفاً وزجرتها زجر من لا يخشى فيها لومة لائم. والسبب يبدو أنني قد أسأت الظن بسيادته، وهو يعلم والقراء يعلمون أن بعض الظن إثم كما أكدت ذلك تعاليم المشروع الحضاري، والتي حرصت أيضاً بدعوتنا في ألا يغتب بعضنا البعض، واننا طبقاً لذلك يجب علينا أن نتبين الخيط الأبيض من الأسود في كل ما تأتي به شاشة مرئية.. فما أكثر الفاسقات من شاشات التلفزة الذين لا يخشون الله ولا يخافون عباده. كنت أظن أن سيد كمال بخلفيته المهنية الأمنية المعروفة ركزَّ عينيه صوب الكمبيوتر المحمول، لأن في جوفه ما يعينه على معرفة ملفات أكثر من سبعين وزيراً، ويعلم الله لو كنت واحداً منهم لما استطعت أن اتعرف على أسمائهم ناهيك عن أقوالهم وما يفعلون. ثم أتضح لي خطل ما ظننت، وعلمت من خلال قراءات مكثفة في الصحف، ومقابلة فريدة في الشاشة المذكورة أجريت معه شخصياً، أن لذاك الاهتمام علاقة وثيقة بمفاجأة يعدها سيادته للشعب السوداني البطل. ولن أذيع سراً إن قلت إن هذه المفاجأة اسمها الحكومة الإلكترونية. وريثما تنطلق ومن قبل الدخول في عرصاتها، أقول لم تتوفر لنا أي معلومات تؤكد أو تنفي ما إذا كان هذه الحكومة الإلكترونية سترسل ذلك الجيش العرمرم من الوزراء إلى الصالح العام، بمثلما فعل بعضهم عندما فصلوا الناس زرافات ووحدانا تحت نفس الذريعة. لكنني أتمنى ألا يحدث ذلك ليس لأنه سيزيد من معدلات البطالة المتفاقمة أصلاً، وليس لأن ما نسبته 10.30% من الميزانية السنوية كانت مخصصة لرفاهيتهم، لن نعرف أين سنصرفها بعدئذٍ، ولكن لأنني على الأقل سأفقد متعتي الاسبوعية في مطالعة الوجوه البهية للسادة الوزراء!

بيد أن هذا لا يعني إنني لم أحسن الظن بسيد كمال، فقد فعلت ذلك مراراً قبل أن تتناوشني تلك الشكوك اللعينة، حدث ذلك عندما قلت لنفسي يبدو لي أن الرجل من عشاق التكنلوجيا، على عكس كثيرين في الحكومة الرشيدة تقول سيماؤهم إنهم لا يحسنون التعامل مع تقنيات العصر، ولكن أحد الأصدقاء قال لي يجدر بك أن تستثني الدكتور غازي صلاح الدين أيضاً، لأنه عضو فاعل في موقع (فيس بوك) الشبابي. فتذكرت وقلت له بلى يا صاحبي، لكن الأجدر أكثر أن نستثني الرئيس المشير عمر حسن أحمد البشير، ذلك لأنني قرأت أيضاً في صحيفة الشرق الأوسط في مارس من العام الماضي خبراً يقول (موقع إلكتروني على الانترنت للرئيس السوداني عمر البشير باللغات العربية والانجليزية والفرنسية) وقالت الصحيفة عن الموقع نقلا عن مديره (إن الموقع يهدف إلى رفع الاهتمام بنشاط وأخبار الرئيس البشير وجاء تدشين موقع على الإنترنت للرئيس السوداني أسوة بباقي الرؤساء) وكنت قد قلت سراً بمجرد قراءة هذا الخبر أن من ظلَّ منهمكاً في شاشة كمبيوتره في جلسات مجلس الوزراء لابد وأن يكون من وراء تلك الفكرة العظيمة، وهو ما يدل على أنني أحسنت الظن بالسيد كمال عبد اللطيف، وبالرغم من أن الفكرة لم تر النور رغم مرور ما يقارب العام على ذلك، لكن هذا لا يعني غمط سيد كمال حقه، فهو إن كان صاحب الفكرة فله أجر الاجتهاد وإن كان صاحبها ونفذها دون علمنا أو في طريقه لتنفيذها بعلمنا، فلا شك أن له أجران أسوة بما جاء في الحديث الشريف!

وبما أن الرئيس بالرئيس يذكر، لابد وأن أذر على سمع سيد كمال حالة من حالات الانفصام التي تغشاني في بلدي الثاني الذي منحني ما ظللت أحلم به في بلدي الأول، فأنا منذ أن ساهمت في حملة طويل العمر رئيسنا المفدى باراك حسين اوباما، ما زلت أتلقي وبشكل شبه يومي رسالة منه على بريدي الالكتروني، وأحيانا بتوقيع أحد مساعديه مثل ديفيد بلوف أو نتالي فوستر أو متش ستيورات. وغالباً ما تطلعني تلك الرسائل الراتبة عن ما تمَّ انجازه أو ما بصدد انجازه ويهمني أن أعرفه، ليس لأنه سيؤثر على مجريات حياتي بالسلب أو الايجاب فحسب، ولكن لأنه مرتبط أرتباطاً وثيقاً بحقوق المواطنة. وفي ذلكم أذكر على سبيل المثال موضوع التأمين الصحي، فقد ظل الرئيس ومساعديه يطلعونني على أية خطوة في هذا الصدد إلى أن تمت إجازته بواسطة مجلس النواب (الكونجرس) ولا شك أن الرئيس يعلم إننا سنحاسبه حساباً عسيراً عبر الصندوق الانتخابي في السنوات القليلة القادمة. ليس ذلك وحده.. بل أن شفافية الرئيس امتدت حتى في خصوصياته، وأذكر أنه بمجرد أن تلقى خبر منحه جائزة نوبل، أرسل لي رسالة على الفور، سرد فيها اللحظات التي تلقى فيها الخبر وقال: إنه استيقظ في السادسة صباحا وتلقى وزوجته ميشيل خبر اختياره، وأضاف في صدر رسالته بتواضع جم أنه يشعر بأنه لا يستحق أن يكون ضمن اولئك العظماء الذين رفدوا الانسانية بأعمال جليلة! المهم يا سيدي لا يجرفنك غروري هذا فأنا لست وحدي، فالرسالة التي اتلقاها من الرئيس ومساعديه ترسل لملايين الأمريكيين سواء الذين دعموه في الحملة الانتخابية أو لم يفعلوا، ذلك لأنه اقسم على الدستور بأن يصبح رئيساً للجميع، ولم يستثن أصحاب الولاء من عصبته!

أيضاً بما أن الحكومة الإلكترونية بالحكومة الإلكترونية تذكر، فأنا يا سيدي منذ أن وطئت أقدامي هذا البلد الظالم والمظلوم، اتلقى أيضاً على بريدي رسائل شتى من منظمات وجميعات وهيئات وأفراد، بعضها يشرح أمر ما صاحبه جدل أو لبس، وتجتهد الرسالة في بسط الحقائق أمامي علها تعينني على اتخاذ القرار الصحيح، وبعضها يسألك إلحافاً أن ترسل رسالة لممثل منطقتك في الكونجرس من أجل اجباره على تبني موقف معين، وهذه تسمى جماعات الضغط أو (اللوبيات) وهكذا فأنا اشعر جراء هذه المنظومة أنني اتمتع بحقوقي كاملة غير منقوصة، ليس فيها كذب ولا تدجيل ولا دس ولا نفاق، بل لم يزايد عليَّ أحد بأن من ضمن هذه الحقوق التمتع بحكومة إلكترونية في بلد هو قارة، اما أن شئت التيسير في أمور الحياة كسباً للوقت الذي يعلو ولا يعلى عليه، فأنا يا سيدي إلى الآن لم أعرف إين تقع إدارة الكهرباء ولا الماء ولا شركة التلفونات ولا الغاز ولم يحدث أن ذهبت لأي موقع يقدم لي خدمة استعين بها على قضاء حوائجي الدنيوية، فالتواصل بيننا يتم إما عبر البريد العادي أو الإلكتروني. وكم تمنيت أن أرى ممثلي في الكونجرس وصنوه في مجلس الشيوخ الذين انتخبتهم بِحُر صوتي ولم أرهم بأم عيني. ولهذا تجدني تواق لندوة استطيع أن أهلل وأكبر فيها بملء حنجرتي، لأنني كما تعلم من سلالة قوم قد يصبروا على المكاره ولكنهم يضعفون أمام مغالبة الترف. فتأمل تواضع هذه الحكومات… هي كالبشر يا سيدي، فيها القوى الأمين وفيها المتواضع الوديع، وبنفس القدر فيها الخنوع الذلول وفيها المكابر والمتبجح والمدعي الذي يبشر الناس بسوط عذاب وهو لا يجد قوت يومه!

نعود لموضوعنا بعد أن علمنا سر احتفاظ سيد كمال بجهاز الكمبيوتر المحمول، فهو كما أشرنا راعي الحكومة الإلكترونية التي تبشرنا بها حكومتنا الرشيدة. وكنت قد شاهدت سيد كمال في القناة المذكورة قبل عدة أشهر خلت، كان ذلك في مقابلة خصصت برمتها للحديث حول الحكومة الإلكترونية هذه. واحسبه قد ابدع يومذاك، فقد أظهر مقدرات هائلة في الحوار مع السيدة كوثر بيومي، والحقيقة إنها المرة الأولى التي أشاهد فيها مسؤولاً إنقاذياً لا يتعِب مُحاوره، لأنه ببساطة كان السائل والمجيب في آن معاً. فما أن تسفر السيدة عن ملامح السؤال حتى يبادرها سيد كمال بإكماله ومن ثم معالجته بالاجابة المناسبة، مثل قولها يا سعادة الوزير لابد من أن نتساءل كيف تكون الحكومة الإلكترونية في ظل معدلات…؟ فيجيبها.. الأمية مش كده، طبعاً عايزة تقولي كده، كل هذا وضعنا له إعتبارا. فتردف قائلة وكذلك يا سعادة الوزير كيف يمكن تأسيس حكومة إلكترونية والناس لا تملك…؟ فيقاطعها.. أجهزة كمبيوتر مش كده برضو، ويزيد بالضبط هذا ما عملنا حسابه. وهكذا بذل سيد كمال جهداً أسطورياً لكي يوصل لنا تلك الفكرة الخرافية بإسلوب واقعي دون أدنى تعقيدات تقنية، ولا شك أن المشاهدين مثلي غشتهم موجة من الطمأنينة وأدركوا أنهم في أيدٍ أمينة. واستدل على قولي هذا أن تلك المقابلة الرائعة أخرجها أهل تلك القناة من أضابيرها بعد مرور أكثر من شهرين على بثها واعادوها لنا مرة ثانية. ويبدو لي أنها كانت محاولة لتدريبنا على موضوع الحكومة الالكترونية، وليس بسبب رضا سيد كمال عنها، لأنه بحسب ما علمت فإنه رجل لا يحب الظهور في الأجهزة الإعلامية، وقيل إنه زاهد اصلاً في الشهرة، وهناك من قال أيضاً إنه يعشق العمل خلف الكواليس، والحقيقة كلها آراء سماعية، وأنا لا ادري إن كانت ستسعد سيادته أو تغضبه، لكن أرجو صادقاً ألا تغضبه فقد حرصت منذ بداية هذا المقال على ألا أنكد عليه بهجه يومه الذي قد يقرأ فيه هذا المقال، إن تواضع وفعل!

جزى الله جمهورية الصين الشعبية عنا خير الجزاء، فقد اصبحت لها في حياتنا بصمات واضحة، فمن بعد البترول الذي تدفق وعداً و (زفتاً) وتمني، ومن بعد السد الذي شاء ذو القرنين أن يلقم به الأعداء صخراً، فما أن هلت علينا فكرة الحكومة الإلكترونية حتى قامت جمهورية الصين الصديقة بتزويدنا بكمبيوترات تسد عين الشمس، وقد تبعثرت على البوادي والحضر لدرجة اصبحت تزاحم البشر في المسكن والمكتب. لكني اصدقكم القول فإن اكثر ما يزعجني واخشى ألا يؤثر على هذا المشروع العظيم، ما طالعته في الصحف عما سُمي بفضيحة النفايات الإلكترونية، ألم أقل لك يا سيدي إنني أضع يدي على قلبي خوفاً وهلعاً، فهناك من قال لي لابد وأن ثمة رابط، فقلت له صه يا مغرض ذلك من تمنيات الطابور الخامس، لو كانت ثمة ادني ثقوب لما تأخر سيد كمال بإعلامنا بشفافيته المعهودة. فدعك مما يقولون ياسيدي ولنحاول فك طلاسم ما قرأنا عن ذلك الداء الوبيل!

تقول الرواية بجانب الرواية أن عضوا في المجلس الوطني أسمه محمد نور الزين قد اثار قضية ما سمي بالنفايات الإلكترونية غير مرة، وتحدث سيادته لصحيفة الانتباهة 13/12/2009 وقال إن معلوماته تؤكد أن السلطات حجزت في العام 2009 ما مجموعه 586 حاوية تحمل نفايات الكترونية، الأمر الذي دعا الهيئة السودانية للمواصفات والمقاييس وهيئة الجمارك السودانية إلى اصدار بيان مشترك، نُشر في عدة صحف يوم 17/12/2009 طمأنانا فيه نحن الشعب السوداني الصبر، بقولهما (إنهما يعملان بتنسيق وتناغم تامين في إحكام الرقابة على الصادرات والواردات عبر منافذ الدولة البحرية والجوية والبرية) ثم نفي البيان إفتراءات العضو المذكور، وقال إنها لا تتعدى 8 حاويات استوردتها منظمات وأفراد من دولة الأمارات العربية ومصر والسعودية، ونفى الإعلان المدفوع الأجر أن تكون قد جاءت من دول أوربية، وقال: (لقد ظهر من نتيجة الفحص الاشعاعي أن المستويات الاشعاعية للأجهزة المحتجزة في حدود المستوى الطبيعي المقبول والمسموح به) ولن يسأل أحد بالطبع عن سبب الاحتجاز طالما أن الأمر كذلك، ولكن ما يثير الريبة تلك الخاتمة العجيبة في الاعلان (تقتضي الأمانة والشهادة الخالصة لوجه الله تعالى أن نعلن بأنه لم تكن هناك أي تدخلات أو ضغوط من أي جهة متنفذة أو غير متنفذة للإفراج عن هذه الأجهزة الإلكترونية من قبل أي مسؤول دستوري) وبعدها طمأننا البيان كذلك بأن نقِرُ عيناً لأن (العاملين في المواصفات والجمارك على قدر المسؤولية والأمانة وأن المستهلك والاقتصاد الوطني لن يؤتى من قبلهما ابداً بإذن الله تعالى).. قلنا آمين!

لكن المدهش أن العضو المحترم بمجرد أن قرأ هذا الاعلان لم يقل آمين مثلنا، وإنما عقد مؤتمراً صحفياً فى المجلس الوطني دحض فيه ما جاء في البيان، وقال إنه عار تماماً عن الصحة، وكشف عن أن المواصفات أصدرت شهادة بالرقم 1971 لحاويات بمنطقة حوش المويلح تؤكد أن الاجهزة جديدة تم التبرع بها لإحدى منظمات المجتمع المدني. ثمَّ دخل العضو نزار الرشيد طرفاً في الموضوع وهو عضو اللجنة المشتركة لتقنيات الاتصال وهيئة الجمارك، وقال إن اللجنة رفعت في تقريرها تأكيدات باحتواء عشرات الحاويات الموجودة في كل من بورتسودان وسوبا نفايات الإلكترونية، واتهم دولا أوربية بأنها تدير عملياتها بواسطة عصابات ومخابرات دولية بالتعدى على حرمة السودان وجعله مكباً لمواد مسرطنة، وأكد أن الأجهزة تحتوى على اشارات واضحة بأنها منتهية الصلاحية وأنها مواد معاد تصنيعها، ولفت النظر إلى أن السودان موقع على اتفاقية (بازك) التي تحظر على الدول نقل مواد خطره عبر الحدود إلا بعد تصديق الدولة المنقول إليها! وعند هذه النقطة سكتت شهر زاد عن الكلام المباح وأدرك شهريار الصباح!

دعك من ترهات نافخي الكير المثبطين للهمم المتخاذلين يا سيدي، فقولهم مردود عليهم، لن يحمدوا ربهم حتى ولو أنزلت العصبة عليهم مائدة من السماء. أنظر وتأمل في حججهم الانصرافية، يقولون لك لماذا حكومة الإلكترونية وجرحنا النازف في دارفور لم يندمل بعد؟ إفرض إنه لم يندمل هل ننتظر السنة تلو الآخرى حتى يفوتنا قطار التكنلوجيا. ويقولون لك كيف السبيل لحكومة إلكترونية في ظل نفرة خضراء اصبحت صفراء بموجب بيانات منظمة الأغذية (الفاو) التي تتحدث عن مجاعة محتملة على نحو 11 مليون سوداني؟ وماذا في هذا فنحن أربعين مليوناً بفضل الله وكرمه. ويقولون لم الحكومة الالكترونية وسلة غذاء العالم أصبح يستورد الطماطم من يوغندا والثوم من الصين والسكر من اريتريا؟ وهل نحن من أدخل بدعة كهذه في قاموس الدول، فأمريكيا بجلالة قدرها تستورد مننا الصمغ العربي. إذاً دعهم يقولون..دعهم يثرثرون. أما نحن فقد سعدنا بأن مجهودات وطموحات سيد كمال بدأت ترى النور، فقد جاء في الأخبار أن دكتور عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم دشن يوم الأثنين 21/12/2009 بحضور ثلة من المسؤولين في الولاية بما فيهم المشرف على مركز المعلومات ومسؤول مشروع الحكومة الالكترونية، انطلاق مشروع الحكومة الالكترونية بالولاية بتخريج أكثر من 40 دارساً، يمثلون المحليات والوزارات والوحدات المختلفة تلقوا تدريبا متقدما عن النظم القياسية وحوسبة المعلومات. وليخسأ الخاسئون (اللازمة الأخيرة هذه ليست ضمن الخبر، ذلك من فرط نشوتنا)!

هم لا يعلمون أن مفاجآتك الحضارية لا تنتهي يا سيدي، فقد ثبت لنا بحكم موقعك إنك حريص كل الحرص على توفير كافة سبل الراحة لهذه الحكومة المحترمة، ويحمد لك حرصك الواضح بضرورة التواصل بين القيادة والشعب. وليس أدل على قولنا من خبر سبق التدشين ولم يلفت إنتباه الرعية كثيراً مع أن فيه خير كثير لها، ذلك ما حدث تحديدا يوم 20/12/2009 قد جمع سيادته عددا من الصحفيين وأعدَّ لهم مفاجآة بمناسبة احتفالات البلاد بذكري الاستقلال، كشف فيها عن (استديوهات تلفزيونية وقاعة مؤتمرات متكاملة ترتبط بالتلفزيون القومي عبر خط فابير) وقال عبد اللطيف (إن هذه الوحدة الاعلامية تهدف إلى نقل الانشطة الحكومية داخل وخارج مجلس الوزراء لشاشة التلفزيون القومي وغيره من الفضائيات العالمية مباشرة وبمستوى تقني عالي الجودة مؤكداً أن خدمات الوحدة الاعلامية هذه ستكون متاحة أمام كافة الأجهزة الحكومية لترويج نشاطاتها وانجازاتها عبر انتاج برامج أو عقد المؤتمرات الصحافية المحلية والدولية) وأكد أن هذه الوحدة (تملك امكانات الانتقال لقناة فضائية اخبارية بسهولة متى ما توفر الربط عبر الأس أن جي مع الأقمار الصناعية) وكالعادة ترك الثرثارون الانجاز جانباً وإنشغلوا بالاعجاز في التكلفة، مع أنها لم تبلغ سوى بضع ملايين لا تغني ولا تسمن من جوع.

لله دره أبا الطيب المتنبي القائل إذا كانت النفوس كبارا تعبت من مرادها الأجسام، ولعله سيسعد في مرقده إن علم إن بيننا عصبة أدهشتنا بطموحاتها الكبيرة، فالسيد وزير الدفاع سبق وان بشرنا قبل عامين أو يزيد بدخولنا حلبة الدول المنتجة للطائرات بدون طيار، وآخر نفضل عدم ذكر اسمه لأنه لا يليق أن يُضم إلى زمرة الذين يقولون ما يفعلون.. قد وعدنا – قدس الله سره – بأننا سوف ننشيء مفاعل نووي. والآن سيد كمال يعمل مخلصاً لتدشين مشروع الحكومة الإلكترونية. فماذا يريد هذا الشعب الجاحد من عصبة تسهر الليالي لأجل راحته، غداً سيدركون عظمة هذه الانجازات عندما يجلسون أمام كمبيوتراتكم الصينية معلنين إنتهاء ظاهرة الذين يصوتون بأقدامهم كما يقول الانجليز، وسيصوتون بنقرة واحدة على الماوس لصالح المرشح الذي سينقلهم من العصور المظلمة إلى رحاب الحضارة في انتخابات حرة ونزيهة، ولا يغرنك يا سيدي غَرُور الصحف مثلما ما جاء في (الأحداث 25/12/2009) من أن مجلس الوزراء الموقر وأنت عضو فيه، وكنت قد بدأت به مقالي هذا وقلت إن طلعة وزرائه البهية تدخل الفرح والحبور في نفسي، لقد نسبت إليه الصحيفة قوله (إن الفجوة في التعليم التقني بلغت 99% وفقاً لتقرير ناقشه أمس برئاسة نائب الرئيس على عثمان طه، وأبدى وزراء الحكومة أسفاً لارتفاع النسبة خاصة في المستوى الطبي والهندسي الذي بلغ 95% واكد المجلس افتقار النظام التعليمي لمخرجات الكوادر التقنية) لابد أن هناك خطأ ما في هذه النسب، ولكن جلَّ من لا يسهو يا سيدي، فقط تكفينا هذه الرقة في الخطاب، مجلس يسمي نسبة ال 99% فجوة، ويتأسف على ما أغترفت يداه، ويعترف بشجاعة الأبطال في فقر التقنية.. أليس هذا المجلس جدير بحكومة الإلكترونية!!

فتحي الضَّـو
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..