أخبار السودان

الموت في زمن الكيزان!

توقفت عن السؤال عن اصدقائي القدامى كنت كلما سالت عن شخص ما اسمع أنه مات. حين سألت عن شيخ سليمان وكان رجلا لطيفا حاضر البديهة. جاءني الرد انه انتقل الىى الدار الاخرة، بعد فترة مرض طويلة.
قلت بأسى وكأنني ألومهم على موته : كيف تتركون مثله يموت؟
قال الطاهر: يعني نعمل شنو ؟ نمسك روحه نربطها؟ يومه تم!
شعرت باليأس في حديثهم. لايملكون ولا حتى الرغبة في تغيير شئ أو حتى الحفاظ على شئ، لولا ان حضر فارس بعد قليل.
سأله شيخ النور: كنت وين يا اخينا؟ حايم مطلوق مافي والي يسألك.
قال: سليم كان ضابح أخوه الفي امريكا جة من السفر.
سأله الطاهر: قبل اسبوعين كان ضابح سماية ولده. مش كان افضل يعملوا الكرامتين مع بعض!
قال فارس: والحسادة العليك شنو انشاء الله يضبح كل يوم، قاعدين يضبحوا من زريبتك؟ بعدين اخوه جة هسع بعد زوجته وضعت بشهر. حيقعد كلما المرة تلد ينتظر اخوة لغاية يجي من امريكا عشان يوفر ليه عتود!
قال شيخ النور: الطفل المولود الجديد قالوا كان عيان شوية بقى كويس؟
قال فارس: الشافع نصيح ما شاءالله وسمين تقول بيرضع مع عمايا!
ضحك شيخ النور وقال: خلاص نجمته ليهم، اصلا الولد الاول كان عيان من ولدوه لغاية مات. ودة هسع لو ما الليلة لحقوا بفقير قوي حيلحق برضه امات طه!
ضحك فارس: اخوه قاعد يرسل ليه قروش، لو مرض واحد من الاولاد ممكن يوديه المستشفى يعالجه، المشكلة فينا نحن ناس قريعتي راحت لو جاتنا ملاريا نروح فيها. والجماعة يقولو يومه تم! اديني الدوا وخلي اليوم يتم براه، مش تتمه من جيبك!
قال شيخ النور: وانت قريعتك راحت ولا ودرتها براك؟ ما كنت لامي الجماعة وفقرتك بالرسقة معاهم بقت قدر الحيطة دي. بدل تاكل العضم البيرموه ليك وانت ماسك خشمك مشيت داير تقسم معاهم في النهب التقيل، شالو رموك برة زي الكلب. جايي هنا تهوهو فوقنا نحن المساكين!
والله انا رغم اني كنت بهمبت شوية لكن جنب اكتر واحد فيهم نضيف انا نبي!
قال الطاهر: اها واستفدت شنو، لا قعدت نضيف بعيد منهم لا لميتهم بعدلك وسويت ليك قصر وشركة. دخّلو فوقك الفزع وفكوك فوقنا مضايقنا في رزقنا. الكرامة الفي تبقى سيدها، الناس قدر ما يحاولوا يجهلوك وكت يكون في عرس ولا كرامة وما يدعوك عشان يقدروا يأكّلوا الضيوف البيجوا من بعيد. برضو يلقوك أول زول في وشهم، اول صينية تمرق تستلمها !
قال فارس: هسع الجماعة ديل قالوا دايرين حوار. عمك بعد الوثبة رقد مستشفى غيّر الركب، العلاج الطبيعي قالوا بالدلوكة. يدقوا ليه وهو يرقص لغاية الركب الجديدة تسلك. الخازوق بس الركب تكون هندية قبل ما تسلك كويس يكون ردف سبيكة!
ضحك شيخ النور وقال: وانت صدقت دايرين حوار، ديل بيكسبوا في الوقت والأسيا بقوا معاهم، زمان كان اي زول يجيهم للحوار يغمتو ليه قرشين، ويدوه ورقة يمضيها، يي دة حوارهم. ويغشوه بمساعد رئيس ولا مستشار، هسع القروش كملت، سرقوا البلد حولوها ماليزيا، والواطة في كل مكان باعوها، ورئيسهم عدم الركب، يعني البيجيهم دة حيكون زول متطوع ساكت.
تذكرت حسن ولد حاج سعيد، كان صغير السن حين سافرت لم يتجاوز عمره انذاك العشرة أو اثني عشرة عاما، لكنه كان معروفا في القرية وفي القرى المجاورة، كان يغني على آلة الطنبور بصوت لم اسمع في حياتي أعذب منه. كان يؤلف بنفسه بعض الاغاني البسيطة ويؤديها في المناسبات فرحت حين تذكرته. كان صغير السن وصحته جيدة، لابد أنه حيّ أخيرا سأجد شخصا حيا ممن أسأل عنهم.
إنتهزت فرصة صمتهم بعد موضوع الحوار والوثبة في الفراغ، وقلت: حسن ود حاج سعيد، الفنان الكان بيغني أغاني الطنبور وين الزمن دة؟.
كنت متأكدا أنه اصبح مشهورا وربما انتقل للعيش في العاصمة ، لكنني فوجئت بالاجابة الصاعقة.
مات الله يرحمه.
قلت مصدوما: مات ليه؟.
قال الطاهر: يا زول انت مشيت عشت مع الخواجات ديل، مرقت من الملة ولا شنو؟ مات، يومه جة. نطلع مظاهرة من المقابر نقول لأ الزول دة لسة يومه ما تم، زي الشيخ الصوفي القالو طرد ملك الموت، قال ليه الولد لسة عمره فيه باقي، أنت يمكن ماشي تقبض روح زول تاني طشيت جيت هنا غلط!
قلت : كان مريض يعني ولا شنو؟.
قال شيخ النور: الولد دة مسكين كان مجتهد، وبقى فنان معروف، الناس يجوه للحفلات من كريمة وعطبرة. كان يكره الكيزان. وليه حق مافي زول شاف خير في زمنهم، غير السرقة والموت. اها قصدوه وكت عرفوه ما زولم، بقى محل ما يمشي يغني ينزلوه يدقوه، يقولو سكران. أفرض انا سكرت في روحي دي وما آذيت زول، أخير انا ولا انت السارق حق الناس؟ بسببك الرضع تاكل فيهم الكلاب في الشوارع. خاله في السعودية وكت عرف رسل ليه كرت زيارة. مشى الخرطوم يعمل الفيزا لموا فيه ناس الجيش ودوه مناطق العمليات بالقوة وبدون تدريب، ما اخد اسبوع مات. إتلموا الكيزان يكوركوا ويرقصوا، جابوا ليهم شوال سكر وأدوا امه ورقة قالوا خلاص عقدنا ليه للحور العين!
نظر شيخ النور حواليه كأنه يبحث عن شئ ما ثم قال: يا زول انت حكايتك شنو؟ ما تطرى الا الميتين؟ أوعك تمشي تقعد في أي مجلس في الحلة دي بورانا وتقول شيخ النور وين، تجيب أجلنا.
وضعت الحذاء في قدمي، لكنني بقيت مترددا في الخروج من المسيد. عاد شيخ النور ورفاقه لحديث الحوار والوثبة. تذكرت صديقا آخر لم أراه منذ عودتي، أمسكت لساني في آخر لحظة حتى لا يرتكب جريمة أخرى. آثرت أن أعيش على أمل أن يكون شخص واحد على الأقل من المجموعة التي لازلت أتذكرها قد قاوم رياح الموت الانقاذية وبقى على قيد الحياة.

[url]www.ahmadalmalik.com[/url]

تعليق واحد

  1. ( أمل أن يكون شخص واحد على الأقل من المجموعة التي لازلت أتذكرها قد قاوم رياح الموت الانقاذية وبقى على قيد الحياة.)— نعم — ذاك هو السودان وكل عام وانتم بخير

  2. ابداع حفظك الله كلنا بنخاف نسال الموت في زمن الكيزان اصبح سهلا هينا رخيصا رخص الانسان في زمنهم ايضا لك الله يا وطن

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..