مذكرات حول فلاتة ميلي في كسلا

مذكرات حول فلاتة ميلي في كسلا
Notes on the Fellata Melle of Kassala
J. A. De C. H. جي أي دي سي أتش
ترجمة: بدر الدين حامد الهاشمي
هذه سطور قليلة سجلها من كسلا رجل بريطاني (لعله من الإداريين الذين عملوا بتلك المدينة في عشرينيات القرن الماضي عن الفلاتة في تلك المدينة)، ونشرت في مجلة “السودان في مدونات ومذكرات Sudan Notes and Records” في عددها التاسع والذي نشر في عام 1926م.
المترجم
**** **** **** **** **** **** ****
توجد في الوقت الحاضر في كسلا وما حولها خمس أحياء (فرقان) يقنطها مهاجرون من غرب أفريقيا. ولمجيء هؤلاء الناس للسودان، واستقرارهم فيه تاريخ مثير للانتباه.
لقد أتى هؤلاء المهاجرون، وبأعداد كبيرة، من منطقة تامبكتو قبل نحو ربع قرن من الزمان تحت قيادة الفقير/ محمد هاشم. وقاموا بأداء فريضة الحج، حيث بقى الفقير في المدينة بينما آب بقيتهم إلى السودان، وآثروا الاستقرار في مدينة كسلا. وكانوا في سنواتهم الأولى بالمدينة يعانون من شظف العيش والفقر المقذع، حيث كانوا يشتغلون بالأعمال اليدوية اليومية وبالرعي. وقليلا قليلا تحسنت أحوالهم فامتلكوا بعض أنواع البهائم (غالبا المعز والغنم)، وازدادت مع مرور السنوات أعداد أنعامهم، وقام كل واحد منهم بضم ما يملكه لقطعان أفراد قبيلته الآخرين، وصاروا من الرعاة الرحل، ينتقلون من مكان لآخر طلبا للماء والكلأ.
وكانت علاقة هؤلاء المهاجرين بالقبائل الموجودة قبلهم في المنطقة علاقة حسنة، رغم أنهم كانوا يعدون من “الأغراب” عندما تثار قضية تملك من نوع ما. غير أنهم ، وعلى وجه العموم، لم يواجهوا أي صعوبة أو مضايقة في الحصول على الماء والكلأ لبهائمهم.
ومما يجدر ذكره أنهم تطبعوا ببعض مظاهر وطباع وعادات القبائل التي وجدوها قبلهم في المنطقة، فبنوا بيوتهم على نمط يشابه ما كان سائدا عندهم في غرب أفريقيا، ولكن على نسق ما كان معتادا عند الهدندوة (مثل مد قطع طويلة من “برش” حول البيت المبني على هيكل من سيقان الأشجار). وتشبهوا بالهدندوة في ترك شعرهم ينمو على شكل “تفة” (Fuzzy head)، ويحمل الشاب منهم دوما الخنجر المعروف عند الهدندوة. ومن المثير أنهم أجادوا، وبسرعة ملحوظة، اللغتين المستخدمتين في المنطقة (العربية ولغة البجا) إضافة بالطبع للغتهم الأصلية.
وكانوا بالنسبة للإداريين شعبا مثاليا، فقد كانوا يتحاشون المشاكل، ويقومون بدفع ما عليهم من ضرائب في موعدها المحدد، ولا اذكر شخصيا أبدا أي حادثة أو جرم قام بارتكابه أي فرد من هؤلاء الفلاتة بكسلا في السنوات الأخيرة.
ويتزعم فلاتة كسلا حاليا الشيخ محمد أحمد بلو، وهو رجل متدين وله عظيم الأثر في حياة جماعته في المدينة، وما زال يحتفظ بعلاقات ود واحترام مع الفقير/ محمد هاشم بالحجاز.
وقد علمت من الشيخ بلو أنهم كانوا في بلادهم الأصلية قبيلة شبه مستقرة (أو شبه رحل)، وغدوا في كسلا بالتأكيد من الرحل، ولكن في منطقة محددة وصغيرة نسبيا.
إن ارتداد هؤلاء الناس لحياة الرحل أمر يستحق الدراسة لسببين. ويتعلق الأول منهما بمستقبل القبائل الرحل في السودان بصورة عامة، والثاني بمستقبل الرحل في مديرية كسلا على وجه الخصوص.
ومعلوم أن الأمر المعتاد هو أن يتحول الرحل إلى جماعة مستقرة، وذلك عن طريق التطور الطبيعي تحت ظروف أمنية مستقرة ومسالمة، وأيضا عن طريق النمو الزراعي المكثف في منطقة القاش في غضون السنوات القليلة الماضية.
ولكن أتى فلاتة ميلي بشيء مخالف للتيار العام، وتأقلموا بصورة سريعة ومذهلة مع طريقة عيش القبائل الحامية في المنطقة، وفي ظني أنه لن تنقضي إلا سنوات قليلة نسبيا وسيصعب بعدها التفريق بين فلاتة ميلي وغيرهم من سكان المنطقة.
ويبدو أن مد “الاستقرار” عند الرحل ليس قويا كما كان يظن البعض، وليس من المحتمل (كما يؤمل البعض) أن يسود الاستقرار في القرى والحضر في المستقبل القريب (أو البعيد!). ومن المرجح جدا (وحالة فلاتة ميلي تؤيد هذا الزعم) وبالنظر إلى الأحوال الطبيعية في شمال السودان، ومزايا حياة الترحال الطليقة الخالية من تكاليف حياة الزراعة والاستقرار، أن تظل حياة الرعاة الرحل كما هي، وألا تندثر في وقت قريب. ولا بد من وضع هذا في الاعتبار واعتبار الرعاة الرحل جزءً أصيلا لا يتجزأ من الحياة الاقتصادية في السودان.
فلاتة ملي تحددا لديهم قدرة عجيبة علي الاندماج فيمن حولهم و بعد اجيال قليلة يصعب التفريق ما بينهم و بين المجموعة السكانية التي سكنوا معها بعد ان يتخلوا عن لغتهم الاصلية يساعد علي ذلك سحنتهم التي تتطابق مع سحنة اهل السودان و قدرتهم العجيبة علي اتقان اللغة التي يحلون علي اهلها . و قد اندمج الملي في العديد من المجموعات السكانية في شمال السودان بل و انتسب الكثير منهم الي تلك المجموعات .. كما اندمجت مجموعات اخري في غرب السودان و في مناطق الوسط في سنار و الجزيرة و الخرطوم .. و يصعب نسبتهم الي غير القبائل و المجموعات التي اندمجوا فيها الا اذا ما افصح الواحد منهم
حسب علمي انه يوجد عدد كبير من الاسر الكبيرة والمشهورة بمدينة امدرمان من اصول الفلاته . ارجو من العارفين والمطلعين الكتابة عن ذلك لاثراء المعرفة العامة.
من المعروف ان الفلاتة عموما بمختلف مكوناتهم
هم مجتمع مسالم ويحب الاندماج مع الاخرين وغير متعصب للقبلية الا في حالة الحرب فان ردة فعلهم تختلف كثيرا فهم اشدا رغم الهدو في حياتهم الطبيعية
ولي كل الفخر ان يولد فلاتي … هذه ليست دعوة للتعصب والقبلية والويلات التي يعاني من الشعب السوداني الان ……..
ناس القاش يسمونهم الملو ويختلفون كثيرا عن الهوسا والتكارين الذين استجلبهم الانجليز بعد ادخال زراعة القطن في القاش ..من الصعوبة التمييز بينهم وبين الهدندوة.سحناتهم شبيهة بالبجا. يلبسون مثلهم ومساكنهم خيم من البروش وهم شعب مسالم ويعملون في رعي الضان والماعز ..تفرق الكثيرون منهم بعد انشاء مشروع خشم القربة الزراعي وللان هنالك العديد من الاسر الملاوية المعروفة في القاش
وحسب علمى أن الرئيس الحالى له أصول من قبيلة المولو ” الفلاته” الذى فكك السودان ودمر الحياة الإجتماعية للسودان وحياة الإنسان الإصلى السودانى من النوبه والفونج والجنوبيين وتسخير آلة الحرب ضدهم حتى يتمكن هاؤلاء الوافدين من غرب إفريقيا على السيطره والظهور بأنهم أصحاب حق وأرض لسرعة تأقلمهم لدرجة أن بعضهم يدعى بأنه جعلى كما يفعل بشه أبو شلاليف وزمرته وأهله فى حوش بانقا
يبدو ان الفقير محمد هاشم المذكور هوالشيخ هو محمد هاشم بن أحمد الفوتي المالكي المدني المشهور بألفا هاشم لأن المؤلف ذكر أن المهاجرين قدمو وبأعداد كبيرة، من منطقة تامبكتو قبل نحو ربع قرن من الزمان فاذا تم نشر المقال في العام ١٩٢٦ يكون قدومهم حوالي العام ١٩٠١ م, وهو يوافق تقريبا ماذكر لاحقاَ من ان الشيخ محمد هاشم قدم الحجاز عام ١٣٢٢ ه (١٩٠٤ م) مع مراعاة مرور الشيخ بالسودان واسقراره به برهة من الزمن والله اعلم.
ولد ألفا هاشم عام 1283هـ ببلدة “حلوار” من بلاد فلاته في الصحراء الكبرى بإفريقيا.
كان رحمه الله طويل القامة، عريض الجبهة، واسع العينين، عظيم الأنف، خفيف اللحية، يرتدي عمامة بيضاء مهندمة، وعباءة سوداء وهو زي العلماء في ذلك العصر.
عندما أردت أن أكتب عن الشيخ الفاهاشم بحثت كثيراً عن ترجمة وافية له ولكن لم أجد إلا القليل فهو عالماً بمعنى الكلمة بلغ صيته الآفاق الإسلامية فقد كان رحمه الله دمث الأخلاق، غزير العلم، واسع الإطلاع، شديد الحفظ، لا تأخذه في الحق لومة لائم، لقب بشيخ مشايخ أهل العصر.
نشأته وتعليمه:
منذ صغره كان الطفل الأديب الذي يحب مجالسة العلماء ومناقشتهم فاهتم به والده وأنشأه نشأة صالحة، فهو من بيت علم وفضل ودين وله مكانة عالية بإفريقيا، فبدأ شيخنا الفاضل ينهل من بحار العلوم العذبة على يد أعمامه وأخواله وعلماء بلاده والبلاد المجاورة وكان أبواه يساعدانه على ذلك ويمدانه بالمال ليروه عالماً.
فحفظ القرآن المجيد على رواية ورش وبلغ من العلم مبلغاً عظيماً ومكاناً كريماً وأصبح عالماً منذ صغره مرجعاً لأهله ومواطنيه في التدريس والفتوى.
فتصدر للتدريس وهو يافع السن فكان العالم الجليل الذي يعطي العلم بكل الأساليب الجميلة في بلاده وبين أقرانه.
هجرته إلى الحجاز
ولما غزا الفرنسيون بلاده سنة 1320هـ وتصدى لهم في بداية الأمر ولكنه اضطر مكرهاً لمغادرة بلاده التي نشأ وترعرع فيها وتوجه إلى الحجاز حاجاً قاصداً بيت الله الحرام وكانت الرحلات في تلك الحقبة من الزمن صعبة إما مشياً على الأقدام أو ركوباً على الدواب فوصل إلى مكة المكرمة عام 1322هـ وأدى فريضة الحج وبها تعرف على جماعة من العلماء أكرموه وأحسنوا نزله وعرفوا مكانته من العلم وقدر الله له زيارة سيد الكونين صلى الله عليه وسلم ثم عاد إلى مكة المكرمة وتصدر للتدريس في المسجد الحرام حتى نهاية عام 1326هـ حيث عاد الشيخ إلى المدينة وجاور بها وبدأ يعرف بين أهلها ويشتهر بين طلابها.
دروسه العلمية
لم تمضي فترة طويلة حتى أصبح الشيخ ألفا هاشم أحد علماء المسجد النبوي الشريف وعقد حلقته بجانب الشيخ إبراهيم بري والشيخ حميدة الطيب والشيخ محمد العمري والشيخ عبد الفتاح أبو خضير والشيخ محمد الطيب الأنصاري.
فتصدر التدريس عام 1325هـ وكانت حلقته تعقد بعد صلاة المغرب من كل يوم خلف المكبرية من الجهة اليسرى قرب الروضة الشريفة بجانب حلقة الشيخ محمد الطيب الأنصاري والشيخ عبد الفتاح أبو خضير وكان الشيخ الفاهاشم عالماً متضلعاً متمكناً ماهراً بارعاً بحق في جميع العلوم والمعارف خاصة في الفقه وأصوله والحديث والبلاغة والنحو والتفسير وغيرها من العلوم الهامة – فهو على جانب كبير من سعة الإطلاع موسوعياً وقد وهبه الله تعالى الذكاء والنباهة والحذاقة والفطانة.
وكانت حلقته تمتلئ بكثير من الطلاب المدنيين والمهاجرين وله حلقة أخرى تعقد في بيته بعد صلاة العصر أو العشاء فيؤمها طالبوا العلم ليأخذوا منها، فكان بيته مفتوحاً لكل طالب علم في أمور دينه الحنيف.
وكم حدثت بواسطته الفائدة لكثير من طلاب العلم الإسلامي عن طريق الإجازة.
الشيخ الفاهاشم عضو مجلس الشورى
عين الشيخ الفاهاشم عضو مجلس الشورى وكان نظام المجلس يقضي أن تمثل كل مدينة أو أكثر في المجلس وكان يتم اختيار العضو بالانتخاب وأول من مثل المدينة المنورة هو الشيخ سعود دشيشة الرجل المحنك وعين الشيخ الفاهاشم من ضمن العلماء التي ترجع إليهم الدولة في أمورها الشرعية وكان الملك عبد العزيز يأخذ بفتواه دائماً ويقدمها على الفتاوى الأخرى فالرجل شيخ مشايخ العصر وكانت له مكانة كبيرة في نفس الملك عبد العزيز طيب الله ثراه.
الشيخ الفاهاشم والفتوى
لقد برع واشتهر في المدينة المنورة فكان من علمائها الأفاضل متضلعاً في المذاهب الأربعة وخاصة في المذهب المالكي ويتميز الفاهاشم بسعة الإطلاع وغزارة الحفظ فإذا أتته الفتوى فإنه يقول لأحد طلابه: افتح الكتاب كذا صفحة كذا في السطر رقم كذا واقرأ فإذا هي إجابة السائل.
وكانت تأتيه الفتاوى والأسئلة من شتى البلاد الإسلامية فيجيب عنها إما في وقتها وإما خلال موسم الحج من كل عام وكانت داره بحارة الأغوات تمتلئ في موسم الحج بالعلماء من العالم الإسلامي، ويأتيه دائما علماء إفريقيا ليلتقوا به ويحصلوا منه بفائدة.
تلاميذ الفا هاشم
إن من الصعب علينا أن نحصي تلاميذ هذا العالم الفاضل فهم يعدون بالألوف فمنهم في إفريقيا ومنهم في المدينة المنورة ومنهم من الأقطار الإسلامية الأخرى، فتذكر منهم على سبيل المثال وهذا ما استطعت أن أتحصل عليه من الأسماء الشيخ سعيد بن صديق الفوتي المدرس بالمسجد النبوي الشريف المتوفى سنة 1353هـ والشيخ العلامة المتفنن عبد الرحمن بن يوسف الإفريقي المدرس بالمسجد النبوي الشريف المتوفى سنة 1377هـ والأستاذ الأديب المرحوم محمد حسين زيدان والشيخ عمر عادل التركي مؤسس مدرسة النجاح بالمدينة المنورة وهو على قيد الحياة والشيخ حسن المشاط المدرس بالمسجد الحرام المتوفى سنة 1399هـ والشيخ حسين باسلامه المكي المتوفى سنة 1359هـ والشيخ محمد السالك بن الخرش المتوفى سنة 1408هـ والشيخ سيدي أحمد بن أدة وغيرهم.
قصص لألفاهاشم
ذكر الأستاذ محمد سعيد دفتردار قصة تدل على عفة الشيخ وهي أن أحد الأثرياء الأتراك جاء إلى المدينة المنورة وكان يعطي كل عالم منديلاً به “مائة ريال مجيدي” فعندما وصل إلى الشيخ الفاهاشم وهو بين تلاميذه قدم له المنديل فاعتذر الشيخ عن القبول بأنه لا حاجة له بالمال فسأله الرجل الثري عن السبب فقال: إنه لا يأخذ الزكاة ولا الصدقة فقال له: إن هذه المنحة من زكاة مالي ولكن سأعطيكها كهدية تساعد بها تلاميذك فعندما اتضح الأمر في نظر الشيخ على أنها هدية أخذها ووزعها فوراً على التلاميذ فسر الرجل الثري بأسلوب الشيخ الفاهاشم وعزة نفسه.
وقد جمع الشيخ الفاهاشم مكتبة قيمة تحوي على نفائس الكتب والمخطوطات النادرة وبعد وفاته نقلت هذه المكتبة إلى إحدى الأربطة ثم بيعت الكتب والمخطوطات وبذلك تكون فقدت المكتبة وسبب ذلك أن الشيخ لم يرزق بولد يحمل اسمه ويحافظ على ما أثراه وإنما رزق ببنات لم يستطيعوا المحافظة على آثار والدهم لصغر سنهم حين وفاته.
قصة وفاة الشيخ الفاهاشم رحمه الله
وفي آخر حياته دب فيه المرض فأصبح لا يستطيع الخروج من البيت وحينما يأتي إليه الأطباء يقول:
مــــاذا يبغي الحكمــــاء منـــي
وقــــد دنــــا من السبعـــــين سني
وفي يوم وفاته جاء رجلان من ينبع إلى دار الشيخ الفاهاشم يسألانه عن فتاوى فسمعها منهم وقال لخادمه: افتح الكتاب كذا صفحة كذا وافت لهم فحدث وأفتاهم وخرج الرجلان من عنده مسرورين وبعد خروجهما بدقائق خرج الخادم يقول: إن الشيخ فارق الحياة وكان ذلك عام 1349هـ وكانت لوفاته رنة حزن في المدينة المنورة وخرجت المدينة على بكرة أبيها لتشيعه وعلى رأسهم أمير المدينة المنورة فرحمة الله عليه فقد كان الرجل محبوباً لكل الطبقات.
(منقول من منتديات روض الرياحين)
أنا وقبال ثلاثة أيام كتبت ردا على السيد يوسف ولكن هدا الرد لم يظهر حتى الآن وعليه أناأشم رائحة العنصرية في هذه الراكوبة والتي لا تستحي أن تنشر شتائم واحد جاهل على قبيله تعدادها أكثر من 60 مليون في كل قارة أفريقيا واصفا أياهم بكبر الشلاليف وأنهم متغولون على صحاري غيرهم من أمم ضحكت من جهلها البراغيث ولكن تستحي أن تنشر رد من يرد عليه. وعليه أنا أصنف هذه الراكوبه ككيان معادي للفلاته كقبليه وأنها ليست منبرا حرا للرأي والرأي المضاد وعليه أنا أهنف ضد الراكوبه! تسقط الراكوبه في الخريف وفي كل فصول العنصرية التي دمرت مقدرات هذا السودان وأدعو أبناء الفلاته في أفريقيا والعالم العربي والأروبي لحمل نشّاباتهم الإلكترونية لمحاربة هذه الراكوبه وإسقاطها علي رؤوس ساكنيها من الأغبياء والجهال وسيعلم الذين ظلموا أي منقلبِ ينقلبون
قل للذين يفاخرون بأقوامم @ جهلا ليس النجم كالدبران
ففي هذه المحطة سيرة أخرى لعلم من أعلام البشريه الشيخ عبدالله بن فودي حفيد الشيخ موسى جوكولّى الملاوي التمبكتاوي.
جهود الشيخ عبدالله بن فودي التعليمية في نظم العلــوم العربية والإسـلامية
د. عمر أحمد سعيد
مقدمة :
ولد الشيخ عبدالله بن محمد بن عثمان بن صالح بن فودي عام 1180هـ- 1766م في منطقة غوبر شمال نايجيريا الحالية ، لأسرة تنتمي إلى قبائل الفلاني ، وهو الأخ الأصغر للشيخ عثمان بن فودي مؤسس خلافة صكتو في المنطقة ، وكلمة فودي معناها الفقيه إذ ينتمي الشيخ عبدالله إلى أسرة ضالعة في العلوم العربية والإسلامية .
تلقي الشيخ عبدالله تعليمه . في غالبه . على أفراد أسرته بدءا بأبيه محمد بن عثمان ، وأمه وجدته ثم أخيه الشيخ عثمان وعدد من أعمامه وأخواله .
عرف الشيخ عبدالله بين بني بلده وأهله بأنه كان عالما بالعربية ضالعا فيها ، وكان شاعرا فحلا وعالم لغة ذائع الصيت ، حتي إنه لقب بين قومه بعربي السودان ، كان الشيخ عبدالله الساعد الأيمن لأخيه الشيخ عثمان في حركة الجهاد ، حيث اشترك في حملات الوعظ والإرشاد التي سبقت الجهاد في بلاد هوسا ثم قاد أغلب حملات الجهاد ضد ملوك هوسا الذين حاربوا الشيخ عثمان ودعوته .اشتهر الشيخ عبدالله وهو أحد القادة الثلاثة : الشيخ عثمان ، والشيخ عبدالله ، والشيخ محمد بيلو بن الشيخ عثمان ، بمقدراته الكبيرة في مجال اللغة العربية والعلوم الإسلامية ، فقد بلغت مؤلفاته عند بعض مؤرخيه مائة وسبعين مؤلفا مابين كتاب ورسالة ، ويعتبر كتابه في التفسير المسمي “ضياء التأويل في معاني التنزيل” ذو الأجزاء الأربعة من أجل مؤلفاته ، كمـــا يعتبر ديوانه المسمي ” تزيين الورقات ببعض مالي من الأبيات” من أهم الوثائق في حركة الجهاد لأنه سجل فيه شعرا أحداث الجهاد كاملة .
كتب الشيخ عبدالله في جميع أنواع العلوم الإسلامية والعربية مسهما بذلك إسهاما كبيرا في نشر العلوم والثقافة الإسلامية في منطقة بلاد هوسا بصفة خاصة ، وغرب إفريقيا عامة .
في هذا البحث نتناول إسهاماته في النظم العلمي الذي هدف به إلى مساعدة طلاب المنطقة علي حفظ العلوم العربية والإسلامية وضبطها ، حيث كتب مايزيد على الست عشرة منظومة علمية أغلبها لايزال مخطوطا لم ير النور . ويرمي هذا البحث إلى التعريف ببعض هذه المنظومات وبيان جهود الشيخ عبدالله التعليمية في هذا المجال ، آملا أن يلفت نظر الباحثين إلى هذا التراث العربي الإسلامي الذي انتجه هذا العالم النايجيري الجليل .
يعتبر الشيخ عبدالله بن فودي من العلماء الذين تعددت وسائلهم في خدمة العلوم العربية والإسلامية ، مما أدى الى تنوع وتعدد المجالات التي أسهم بها في نشر هذه العلوم في زمانه ، وعلى نطاق واسع من مكانه .
ويرجع ذلك في نظرنا إلى عدة عوامل منها : حبه الشديد لهذه العلوم وثقافتها ، وتعظيمه لها ومن ثم اطلاعه الواسع على عناصرها ومصادرها المختلفة ، بالإضافة إلى مقدراته وملكاته التي أحسن توجيهها وتنميتها .
وتتلخص الوسائل التي استخدمها الشيخ عبدالله في نشر العلوم الإسلامية في ثلاث وسائل رئيسية هي :
1- الشعر العربي
2- حلقات العلم والوعظ
3- الكتابة والتأليف
في هذا البحث ، نتناول الشعر العربي باعتباره وسيلة تعليمية هامة ركز عليها الشيخ عبدالله في جهوده التعليمية .
استخدم الشيخ عبدالله الشعر عموما والشعر العربي بصفة خاصة كثيرا باعتباره أداة تعليمية قوية ، وذلك بسبب سهولة حفظه وسرعة انتقاله وقوة تأثيره في أوساط المتعلمين من أبناء المنطقة
وقد كان الشعر بالنسبة للثقافة العربية التي سبقت ظهور الإسلام يمثل ديوان العرب ، يسجل أيامهم ووقائعهم ، ويحفظ تراثهم الحضاري الذي كان الشعر نفسه جزءا أساسيا منه.
ثم ورث الإسلام جزءا كبيرا من هذا التراث حيث كان الشعر يستخدم في تسجيل وقائع الإسلام الأولي في أغراض الوصف والفخر والهجاء والمدح ، والفروسية ، ثم تطور استخدامه بعد النهضة العلمية التي انتظمت الدولة الإسلامية ليشمل ? إلى جانب ? تلك الأغراض ? غرضا آخر هو تيسير دراسة قواعد العلوم الإسلامية والعربية ، وضبطها بطريق المنظومات العلمية التي سجل فيها ناظموها قواعد ونظم كثير من العلوم ، حتي أصبح حفظ هذه المنظومات ودراستها جزءا لايتجزأ من منهج دراسة العلوم الإسلامية والعربية .
انتقل هذا الفن كغيره من عناصر الثقافة الإسلامية إلى منطقة الجهاد منذ عصر مبكر ، إذ يرجع تاريخ النظم في هذه المنطقة إلى أحد علمائها الذين ذكرهم محمد بيلو في إنفاق الميسور(1) وهو ( عبدالله سكة ) ( ت 1691) الذي عاش في ( كانو) وإليها نسب ، حيث ألف منظومة في العلوم الإسلامية سماها( العطية للمعطي) اعتبرها (Hikeff ) أصلا لبداية النظم العربي في المنطقة ويأتي ذكرها لاحقا .
وقد شاعت في منطقة الجهاد منظومات أخرى كثيرة قبل زمن الجهاد منها القصيدة الوعظية التي نسبت أحيانا إلى يعقوب بن محمد المختار ، وإلى والد الشيخ عبدالله محمد بن صالح أحيانا أخرى كما تنسب في سودان وادي النيل إلى شاعر سوداني آخر ومطلعها:
الله لي عدة في كل نائبة أقول في كل حال حسبي الله
ومنها :
ياصاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفاتح الله (3)
وقريبة منها في النظم والنسق قصيدة الشيخ عثمان العجمية التي عربها الشيخ عبدالله ، في التوسل بالشيخ عبدالقادر الجيلاني ومطلعها :
يارب عالم باطن بالظاهر أجب الذي يدعو بعبدالقادر
وهي قصيدة طويلة مشهورة في التوسل ، ومن ذلك منظومة صرف العنان عن طريق النيران إلى طريق الجنان لمحمد دان مقاجي 1744م ، في مائتين وعشرة أبيات من الرجز ومطلعها:
وبعد لما أن رأيت القُرا ما لوالي جلب الحطام طرا (4)
وتشبهها في النظم والنسق أيضا منظومة الشيخ عبدالله في علوم القرآن التي يقول فيها :
وبعد ذا فهاك نظما ضمنا بيان أحكام الكتاب معلنا
ومنظومته في سند التصوف المسماة ضياء السند وهي إحدى ضياءاته التي تقارب العشرين كتابا يقول فيها :
وبعد فاقبلوا ضياء للسند لنا على كل كتاب معتمد
فهذا النوع من الشعر كان ذائعا في المنطقة ، وله أثره المباشر في خدمة الثقافة الإسلامية وتعليم علومها ولهذا استخدمه الشيخ عثمان في حملات الوعظ الأولى بصورة مكثفة ، ولنفس السبب استخدمه الشيخ عبدالله بن فودي بصورة أوسع من نظم العلوم العربية والإسلامية .
وقد فطن الشيخ عبدالله بن فودي إلى أهمية الشعر العربي في ذلك، بالرغم من وجوده في بيئة عجمية في عمومها ، مما يعد إسهاما كبيرا منه في هذا المجال في تلك البيئة ، حيث كان يستهدف بهذا النوع من المنظومات المثقفين من طلاب الثقافة العربية الإسلامية سعيا منه إلى تركيز العلوم وتجويدها .
ويبدو أن هنالك عوامل كثيرة ساهمت في توجيه الشيخ عبدالله إلى استخدام الشعر في تعليم العلوم الإسلامية أهمها :
1- توجيه الشيخ عثمان له منذ وقت مبكر للشعر، وذلك بتدريسه قدرا كافيا من عيون الشعر العربي ممثلا في الشعر الجاهلي وشعر المدائح (5) وغيره مما هيا الشيخ عبدالله إلى الالتفات للشعر في حياته والتركيز عليه في وسائله التي يستخدمها لنشر الثقافة الإسلامية .
2- ثم استخدام الشيخ عثمان نفسه للشعر في عصر مبكر من الجهاد في حملاته الأولى ، مما لفت نظر الشيخ عبدالله الي الشعر باعتباره أداة فعالة في تسجيل الأحداث من جهة ، وفي نشر الدعوة والثقافة الإسلامية من جهة أخرى حيث جارى أخاه في ذلك بالتخميس تارة وبالتعريب تارة أخرى .
وكان التخميس من فنون الشعر التي ازدهرت في عصر الانحطاط الذي يشير إليه تاريخ الأدب ، وهو من وسائل تعلم نظم الشعر ، حيث يعمد الشاعر إلى قصيدة تعجبه ويخمس أبياتها ، وهو فن معروف في العالم العربي ، انتقل إلى بيئة الجهاد وعرفت به في محاولات كثير من الشعراء مثل تخميس العشرينيات التي مر ذكرها وأول عمل شعري أثبته الشيخ عبدالله في ديوانه” تزيين الورقات” تخميسه لقصيدة أخيه الشيخ عثمان حـيث ربط بينه وبين بداية حـركة الجهاد ( 6)
أما التعريب الذي برع فيه الشيخ عبدالله منذ عصر مبكر من حياته فيعني نقل المعني الموجود في القصيدة العجمية وهي الفلفدي أو الهوسا ? لغة الجهاديين ? إلي اللغة العربية ، وهو أمر لايقدم عليه في تلك البيئة إلا رجل ضليع في اللغة العربية، معتد بعلمه بها ، ثم إن هذا النوع من الاهتمام في تلك البيئة لايمكن تفسيره إلا بحب الشيخ عبدالله للعربية والشعر العربي ، وإذا كانت القصائد العجمية التي ألفها الشيخ عثمان في المرحلة الأولى من الجهاد تستهدف العامة بغرض تبصيرهم بالدين ودعوتهم إلى نصرته ، فإن تعريب هذه القصائد بواسطة الشيخ عبدالله كان بدون شك يستهدف الصفوة المثقفة ، ولم تكن هناك ثقافة رائجة في تلك البيئة غير ثقافة الإسلام التي تعتبر اللغة العربية أداتها الفعالة ، كما يعتبر الشعر العربي جانبا أساسيا من تلك الأداة ووسيلة ناجحة من وسائلها .
والمطلع على اهتمام الشيخ عبدالله بالعربية عامة وبالشعر بصفة خاصة من بين الجهادين ، يلمس اعتداده الشديد وإبرازه لمقدراته في هذا المجال ، ويعتبر التخميس والتعريب من أهم وسائله المبكرة في هذا الجانب حرص على تسجيله وهو يكتب تزيين الورقات في فترة متأخرة من حركة الجهاد .
وتعتبر القصيدة القادرة الوعظية الكبري للشيخ عثمان بالعجمية والتي كان لها رواج في فترة الجهاد الأولى ، النموذج الأمثل لمحاولات التعريب المبكرة للشيخ عبدالله ، مطلعها :
يارب عالم باطن بالظاهر أجب الذي يدعو بعبدالقادر
وفيها يقول موضحا ما قام به من عمل كبير ودقيق:
عربت مالاخي وشيخي عجمة متوسلين معا بعبدالقادر
وحروف نظمي اتبعت بحروفه إلا قليلا حافرا عن حافر
أرجو بشـركته القبول لأنني تلميذ تلميذ لعبدالقادر (7)
3- حركت أحداث الجهاد المثيرة ووقائعه الكبرى وجدان الشيخ عبدالله فانفعل بها مما أدى إلى تحريك قريحته الشعرية وصقل ملكته ، الأمر الذي ساعده على إنتاج قصائده المشهورة في تزيين الورقات .
4- إلى جانب ذلك كان اطلاع الشيخ عبدالله المبكر على نماذج الشعر التعليمي ودراستها وتحليلها مع الشيوخ ، عاملا آخر في تركيز الشيخ عبدالله على أهمية الشعر باعتباره أداة هامة في نشر الثقافة ، فإذا أضفنا إلى كل ذلك إحساس الشيخ عبدالله القوي بقدراته وإمكاناته في مجال اللغة العربية واعتداده بتراثه اللغوي ، حيث يلاحظ ميله إلى الاستعراض اللغوي في قصائده المشهورة مثل الجيمية ، أمكننا أن نجد أسبابا معقولة وراء امتياز الشيخ عبدالله في مجال الشعر العربي ومن تم استخدامه له بصورة مكثفة في حياته وفي نشاطه التعليمي .
5- صادف كل ذلك ميولا فطرية عند الشيخ عبدالله إلى كتابة الشعر منذ عصر مبكر جدا في حياته كما يشهد بذلك النص الذي أورده في مقدمة كتابه تزيين الورقات حيث ذكر قصائده التي كتبها في عهد الصبا ثم تركها وجعلها نسيا منسيا (8)
نظم العلوم عنده :
حظيت علوم العربية عند الشيخ عبدالله بصفة خاصة بمجموعة من المنظومات قل أن تتوافر لعالم في زمانه ومكانه .
ويرجع اهتمام الشيخ عبدالله بنظم العلوم إلى شيوخ هذا الفن في زمانه في بلاد هوسا فهو بالإضافة لما ذكرناه من المنظومات الأوائل لعلماء من بلاد هوسا قد درس على علماء المنطقة العديد من المنظومات المشهورة .
درس ألفية الأثر للسيوطي في علم الحديث على خاله المسمي
( بوطنغ) ودرس منظومتي ابن البري والشاطبي في القراءات على محمد الزنفري من علماء إقليم زنفرا من بلاد هوسا ، ودرس السنوسية في علم العقائد على أخيه الشيخ عثمان بن فودي .
ومن أهم مادرسه من منظومات على عدد من العلماء في بلاد هوسا ألفية ابن مالك في النحو التي أشارإليها كثيرا في إبداع النسوخ بالخلاصة ، درسها مع شرحها المعروف بالبهجة المرضية على عمه عبدالله بن محمد بن الحاج .
ودرس الرامزة في علم العروض والقوافي على إبراهيم المندري ، كما درس ألفية السند في التصوف للمرتضي الحسيني المصري على شيخه جبريل(9)
فكان ذلك سببا مباشرا في نزوع الشيخ عبدالله إلى النظم في جهوده التعليمية هيأته له ميوله الفطرية والمكتسبة إلى العشر التي أشرنا إليها ، ومن ثم استخدم الشيخ عبدالله النظم بصورة مكثفة مماثلة لما اطلع عليه في تعليم العلوم العربية والإسلامية .
نختار من أهم المنظومات التي ألفها الشيخ عبدالله في علوم العربية مايلي :
1- منظومة الحصن الرصين :
وهي منظومة في علم الصرف تحتوي علي ألف بيت تناول فيها علم لسان العرب كما سماه وهو علم اللغة من معان ومفردات واشتقاقات ، دفعه إلى التأليف في هذا العلم قدرته العلمية الفائقة في مجال اللغة خاصة حصيلته اللغوية الهائلة التي تشهد بها قصائده في تزيين الورقات ، حتى ليقال إنه يحفظ القاموس المحيط عن ظهر قلب (10)
في هذه المنظومة تناول الشيخ عبدالله قواعد أكثر علوم العربية صعوبة علي الطلاب وهو علم الصرف، قصد بذلك تيسير هذا العلم لطلابه يقول فيها :
وبعد فالعـلم له رياض وبينها الحـياض والغياض
وحولها خـــمائل شعاب وفوقها شـواهق هضاب
تفرعت مـن أصله أفنان وانشـق من دوحته حيطان
ومبــرز الأسرار للجميع علم لسان العـرب الرفيع
وهو سبيل الفـهم للمعاني في ســنة النبي والقرآن
قد اعتني بحفظه عصابة في كل عصر هم ذوو إصابة
فقيدوا في نثرهـم شوارده وسردوا في نظمهم قلائده
في هذه المنظومة وظف الشيخ عبدالله كل إمكاناته العلمية واللغوية وخبراته فى النظم لتقديم علم الصرف في قالب شعري ميسر ، فكانت من أجل إسهاماته في مجال اللغة العربية ، سهلت على طلابها معرفة هذا العلم الذي لايزال يعتبر من
أجل العلوم ، وقد حظيت هذه المنظومة دون غيرها من منظومات الشيخ عبدالله بدراسة علمية جادة قام بها أحد العلماء السودانيين الذين عملوا في مجال تعليم اللغة العربية وهو الدكتور محمد صالح حسين الذي نال بدراسته للحصن الرصين درجة الماجستير من جامعة عبدالله بايرو بكانو في نايجيريا وطبعت عام 1989 ببيروت (11).
2- منظومة البحر المحيط :
ومن أكبر إسهامات الشيخ عبدالله في هذا المجال منظومة البحر المحيط في علم النحو العربي ، وضعها في مقدمة وأربعة فصول وهي منظومة ضخمة ، وهى الكبرى من نوعها حسب علمنا في تاريخ نظم النحو العربي ، تتكون من أربعمائة وأربعة آلاف بيت تناول فيها الشيخ عبدالله النحو على غرار ألفية ابن مالك التي درسها مرارا على عدد من علماء عصره ، ويبدو أن الشيخ عبدالله قد قصد بهذه المنظومة فك الرموز والاختصار الشديد لألفية ابن مالك مستعينا في ذلك بالشروح العديدة التي اطلع عليها على ألفية ابن مالك ومستفيدا بصورة مباشرة من كتاب جمع الجوامع للسيوطي وشرحه همع الهوامع (12)
وللشيخ عبدالله في نظم علوم العربية منظومة مختصرة في النحو سماها لمع البرق فيما لذي تشابه من فرق أخذ مادتها من الباب الرابع من كتاب الأشباه والنظائر للسيوطي(13)
وبجانب هذه المنظومات في النحو والصرف فللشيخ عبدالله منظومة مشهورة في علم العروض في ثلاثين ومائتين من الأبيات سماها فتح اللطيف الوافي في علمي العروض والقوافي يقول فيها :
وافضل الصــلاة والسلام على نبي جـاء بالإسلام
ومد ظله الطويل الكــاملا الوافر البـسيط فيه راملا
وهازجا في وعظه وراجزا في حربه واجتث كفرا ناجزا
وله نظم لامية الأفعال في النحو (14) فضلا عن منظومات أخرى في علوم العربية والإسلام .
كل واحدة من هذه المنظومات العلمية الآنفة الذكر في مجال اللغة العربية تعتبر كتابا قائما بذاته لم يحظ بالدراسة بل بالتحقيق منها إلا القليل النادر ، ويظل معظمها مخطوطا مجهولا لدى طلاب العربية في العالم العربي والإسلامي ، ومن ثم تظل إسهامات هذا العالم الإفريقي الجليل مجهولة لدى طلاب وعلماء العربية مما يعود بالكثير من الضرر والظلم لا عليه هو وحسب بل على علوم العربية وعلمائها أيضا .
نظمه في تعلم العلوم الإسلامية : والمقصود بالعلوم الإسلامية في هذا البحث أصول هذه العلوم من تفسير ، وحديث ، وفقه ، وسيرة ، وتوحيد وغيرها ، وذلك بغرض إلقاء الضوء على اهتمام الشيخ عبدالله بنشر ثقافة هذه العلوم في عصره وبين أبناء جيله وطلابه مركزين بصفة خاصة على الجانب التعليمي من إسهاماته .
يعد جانب العلوم الإسلامية بهذا المفهوم من أكبر الجوانب التي أسهم فيها الشيخ عبدالله كما وكيفا ، وذلك لاهتمامه البين بنشر هذه العلوم في بيئته من جهة ، ولما يترتب على هذا الاهتمام من غزارة إنتاجه فيها من الجهة الأخرى ، الأمر الذي يجبرنا على توخي الاختصار في عرض إسهاماته في هذا المجال مع تركيز على طبيعة الإسهام الفعلي للشيخ في مجالات العلوم التي نتناولها بالدراسة .
عرف الشيخ عبدالله في بيئة الجهاد بغزارة علمه وتنوعه يقول عنه ابن أخيه الشيخ محمد بيلو :
( العلامة النظار الفهامة شيخنا البركة المصنف المفسر المحدث الراوية الحافظ المقريء المجود النحوي ، اللغوي البياني المتفنن ، الآخذ من كل فن بأوفر نصيب الراتع في كل علم في مرعاه الخصيب ، الشهير ، الرحالة آخر السادات الأعلام ، وخاتمة النظار ذو التحقيقات البديعة والأبحاث الأنيقة الغريبة ، المتفق على علمه وهديه ممن قل سماح الزمن بمثله (15)
ولم يكن في هذا الوصف من ابن الشيخ عثمان لعمه إطراء أو مبالغه في المدح ، وإنما هو وصف رجل عالم يعي مكانة عمه من العلوم الإسلامية وطول باعه فيها ، وهو في المقام الأول أستاذه وشيخه ، والمطلع على مؤلفات الشيخ عبدالله في العلوم الإسلامية كما وكيفا يؤمن أن ماوصفه به ابن أخيه حق لا مراء فيه بل إنه ليشعر بأن ماقدمه هذا الرجل من خدمة للعلوم الإسلامية في بيئته وزمانه ليفوق كل وصف .
يضيف الشيخ محمد بيلو لوصفه قوله :
( معدن الصدق والعلم ، وزناد الفهم ، كان آية في تحقيق العلوم مفرط الاطلاع على المنقول ، جامع شتات العلوم ، فاضل وقته وأعجوبة زمانه (16)
ولعل من أهم السمات التي تميز بها إسهام الشيخ عبدالله في مجال العلوم الإسلامية هو ذلك التنوع العجيب في مؤلفاته واهتماماته العلمية مما يؤكد ثقافته الإسلامية الواسعة .
ولهذا السبب يحار الدارسون أمام إسهاماته ، فمنهم من ينسبه إلى علوم العربية ، ومنهم من ينسبه إلى علوم الإسلام ، وفي علوم الإسلام منهم من ينسبه إلى الفقه وأصوله ، ومنهم من ينسبه إلى التفسير ، ومنهم من ينسبه إلى الفكر السياسي ، ومنهم من ينسبه إلى الفكر الصوفي .
والحقيقة أن الشيخ عبدالله موسوعة إسلامية بكل ماتحمله الكملة من معنى وهو كما يقول البروفيسور حسن مكي ( أمة وحده ) وذلك لاتساع دائرة معارفه وغزارة إنتاجه :
( وحاصله أنه رمى بسهام في كل فن وأصاب ، وهو العجب العجاب(17)
نتناول في الصفحات التالية نماذج من إسهاماته في مجال العلوم الإسلامية اختصارا :
بالرغم من كتابته لسنده في العلوم في إيداع النسوخ فقد نظم الشيخ عبدالله هذا السند في منظومة جميلة ذيل بها كتابه المسمى إبداع النسوخ ، في هذه المنظومة سجل الشيخ عبدالله مثل مافعل في منظومته ذات الاربعة (أجزاء ضياء التأويل في معاني التنزيل في تفسير القرأن) الذي يعتبر أكبر إضافة.
وضمن التعرض لهذا الإسهام الكبير في مجال تفسير القرأن لابد من الحديث في هذا البحث عن منظوماته الشعرية الهامة التي كتبها في هذا المجال أعني مجال علوم القرآن والتفسير ، لأنها بكل المقاييس تعتبر إسهامات هامة في مجال علوم القرأن العامة وعلوم التفسير بصفة خاصة قدمها الشيخ عبدالله نظما .
ومن أهم إسهامات الشيخ في هذا المجال منظومة الفرائد الجليلة في علوم القرآن وتقع في خمسمائة بيت تقريبا تناول الشيخ عبدالله فيها كتابة القرأن وجمعه ، وترتيبه للسور وفضل دراسته وآداب حفظه والآداب التي ينبغي أن يتحلي بها حملة القرآن ودارسوه ، ثم تناول القرآن باعتباره مصدرا للأحكام متحدثا عن محكمه ومتشابهه ، وعامه وخاصه ، وغير ذلك من العلوم التي لم يتناولها في مفتاح التفسير يقول في هذا النظم .
وبعد فالقرأن بحر زاخر والعلماء فلكه المواخر
كل الفنــون منه تستمد وكل ماخالفه فرد
ويقول فيها أيضا مبينا علمه في مجال علوم القرآن والمصادر التي استقي منها مادة هذه المنظومة :
كنت بحمد الله ممن لازما لكتبه ملتقطا وناظما
وقد أردت الآن نظما يحوي ماجله للعالم الــشوشاوي
فسبـعة تلك من الأبواب تحوي فصول علم ذا الكتاب
سمـيته الفرائد الجليلة وسـائط الفوائد الجميلة ( 20)
وله في علم التفسير مؤلف ومبسط قصد به العامة من طلاب التفسير سماه كفاية ضعفاء السودان يقول في مقدمته :
لما من الله علي بإكمال تفسير القرآن ضياء التأويل في معاني التنزيل وكان حافلا ببيان القراءات السبع وبيان أقوال الأئمة الأربعة في الفروع وبيان علوم العربية والبلاغة ، والأصول وترتيب الغزوات وغير ذلك مما لايعرفه إلا من طاله مستحضرا لما فيه ، فضعف عنه لذلك الضعفاء ، صرفت الهمة إلى تلخيص لهم مبنياً على رواية ورش فقط وعلى مشهور مذهب مالك ، وعلى ما لابد منه من علوم العربية والبلاغة والقصص (21)
كما له كتاب فيما نقل عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) تفسيرا للقرأن أخذه عن الإمام السيوطي وسماه نيل السول في تفسير الرسول(22)
ولعل من أهم إسهامات الشيخ عبدالله في هذا الفن كتابه المنظوم الذي سماه مفتاح التفسير وأعقبه بآخر مبسط سماه سلالة المفتاح
منظومة مفتاح التفسير :
تعتبر منظومة مفتاح التفسير ذات الاثنين ومائتين وألف بيت من أجل إسهامات الشيخ عبدالله في مجال ثقافة القرأن وتفسيره وذلك لأسباب منها :
أنه ارتكز فيها على كتابين من أهم كتب علوم القرآن هما الإتقان في علوم القرآن ، والنقاية للإمام السيوطي الذي حشد فيهما كل مايمكن أن يحتاج إليه المسلم من ثقافة تتعلق بكتاب الله .
ثم إن الشيخ عبدالله قد صاغ هذه المعلومات في نظم ميسر ، الغرض منه تعليم الطلاب ، وإشاعة هذه العلوم شعرا ليسهل حفظها علي طالبها ، افتتح الشيخ عبدالله هذه المنظومة التي تقع في مائتين وست عشرة صفحة من الحجم المتوسط بقوله :
الحمـد لله الذي قد أنـزلا على محــمد كتابا شملا
كل الفنون من علوم الدين مبيــنا أدلة اليقـــين
صلى عليه الله مع صحابته وتابعـيهم عــلى محـبته
وبعد ذا فهاك نظما ضمنا بيان أحـكام الكــتاب معلنا
لجمعه ماجاء في ( النقايه) منها مع ( الإتقان) فـهو الغاية
سميته المفتاح للتفسير وأســال الإله بالتيــسير(23)
وبعد مقدمة قصيرة عن أصول الدين ، تحول الشيخ إلى بيان فضل علوم القرآن والتفسير :
علم به يبحث عن أحول كتاب ربنا العزيز الغالي
وقد استطاع الشيخ عبدالله في هذه المنظومة صياغة موضوعات علوم القرآن والتفسير بصورة ميسرة جميلة تعين الطالب على معرفة المعلومات والأحكام الواردة في ذلك ، فهو في الحديث عن موضوع تفصيل القرآن على بعضه، وبعد تفصيل آراء العلماء في ذلك يخلص لرأي الإمام مالك رضي الله عنه بقوله :
ومنع مالك من التفضيل كيلا يظن النقص في المفضول
ثم يتناول الشيخ عبدالله حكم قراءة القرآن بالعجمية وآراء العلماء فيه ثم يخلص إلى حكم تأويل آيات القرآن بقوله :
وجائز تأويله لعالم قواعد وبالعلوم فاهم
ينتقل الشيخ بعد ذلك إلى بيان المكي والمدني وعدد وخصائص كل ، ثم ينتقل إلى بيان أنواع التفسير ، وأحكام القراءات ورسم المصحف العثماني ، وأحكام الفصل والوصل ، والحذف والزيادة ، ثم آداب كتابة القرآن .
ثم يتناول الشيخ لغات القرآن مشيرا إلى بعضها بقوله :
هذيلها كنانة وخثعم وخــزرج ، وأشقر ، وجرهم
قيس تميم كندة همدان والأزد لخم ، حمير غسان
تناول الشيخ بعد ذلك مترادفات القرآن ومشتركه ، ثم الجوانب البلاغية فيه كالتشبيه والاستعارة والكناية ، بالإضافة إلى الجوانب النحوية التي ختم بها علوم اللغة ، ثم انتقل بعدها إلى جوانب الأحكام والأصول مبينا عام القرآن وخاصه ، ومجمله ومبينه ، ومنطوقه ومفهومه ، ومطلقه ومفيده، وناسخه ومنسوخه , وغير ذلك من ثقافة أصول الفقه . وبعد تناول بعض القضايا النحوية المتفرقة يتعرض الشيخ لما يجب على المفسر معرفته من قواعد تتعلق باللغة وأسلوب الخطاب ، والوجوه والنظائر ، وفواصل الآي وفواتح السور..الخ .
ثم يتناول الشيخ جدل القرآن مرجحا مذهب أهل السنة على المتكلمين بقوله :
جاء كتاب الله ذا أنواع أدلة العقل مع السماع
على طريق العرب الماضين لا على طريق المتكلمين
ثم تعرض لمحكم القرآن ومتشابهه.
ثم ينتقل الشيخ في منظومته إلى ذكر الأسماء المذكورة في القرآن مبتدئا بأسماء الأنبياء :
آدم نوح صالح خليل هود وإسحاق وإسماعيل
ثم أسماء الملائكة وأسماء القبائل والكفار ، والبلاد وختم ذلك بالأماكن الأخروية بقوله :
فالكوثر الفردوس عليونا تسنيم سلسبيل مع سجينا
ثم يذكر أسماء الطيور والألقاب والكني التي وردت في القرأن وأطال في أسماء زوجات الأنبياء وأبنائهم ، ومما تناوله الشيخ في المنظومة الخلاف حول مبهم القرآن يقوله :
والزركشي قال في البرهان لانبحث المبهم في القرآن
وقال جـرأة على الديان ورده الجلال في الإتقان
ويؤكد هذان البيتان أن الشيخ عبدالله بجانب ارتكازه على السيوطي في نظم علوم القرآن قد استعان بكتب أخري مثل كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشي وهذا يدل على ثقافة الشيخ الواسعة في العلوم الإسلامية التي مكنته من استصحاب آراء العلماء في الموضوعات التي يتم استعراضها خاصة موضوعات علوم العربية التي برع في نظمها الشيخ أيما براعة .
ثم أطال الشيخ في المنظومة في ذكر مفردات القرأن مثل الكرسي ، والعرش والإحسان وغيرها ثم خلص الي ذكر فضائله في أبيات منها :
الحمد ، ذات السبع المثان مع المنام الحفظ من شيطان
لايحـفظ الدخان عم ، هودا براءة من نقض العــهودا
آية عز آخر الإسراء في الكهف نور الأرض والسماء
هو الشـفاء ظاهرا وباطنا لكل مـــبتلى أتاه موقنا
قراءة وبالرضـى وشربه تقليل مايعنيه منــهما به
كما تحدث الشيخ في نظمه عن اعتقادات الصوفية حول التفسير الإشاري وختم ذلك بقوله:
عليك في التفسير باتباع أسلافنا وترك الابتداع
ولعل أهم ملايلاحظ في هذه المنظومة أنها حوت كما هائلا من معارف القرآن وعلومه ودقائق هذه المعارف ، وظف فيها الشيخ عبدالله كل إمكاناته اللغوية والشعرية لصياغتها تيسيرا لحفظها ومعرفتها للطلاب وهي في مجملها جهد تعليمي كبير اتسم بالموسوعية بالرغم من تسميتها بالمفتاح ، هذه المنظومة لم تحظ بالدراسة والتحليل فضلا عن كونها لم تحقق تحقيقا كاملا حسب ماوصل إليه علم الباحث.
ختم الشيخ منظومته هذه بقوله عن نظمه مبينا تاريخه وحجمه :
قد انتــهي برحمة المنان ممتلئا لتـــالي الاتقان
في عام تسع قبلها قرنان من بعد ألف هــجرة العدنان
في ألف بيت بعدها مئتان وللــصلاة بعدها بيـــتان
منظومة مصليا مسلما علـــى النبي المصطفى معمما
لجملة الأصحاب والأتباع وتابـعيهم لنداء الداعــــي( 24)
هذه المنظومة الجليلة التي قصد بها الشيخ عبدالله تلخيص محتويات كتاب الإتقان مع ما في النقاية من علوم جليلة ، تهم دارس القرآن ، اعتبرها الشيخ عبدالله مدخلا لعلم التفسير ، هذا العلم الذي يضم بين دفتيه كل علوم الإسلام ، بما في ذلك علوم العربية ، كما هو واضح من استعراضنا القصير لها ، ولهذا فهي مادة دسمة مكثفة تحتوي على ثقافة عالية في هذا المجال ، ونحن نرجح أن الشيخ قصد بها المتقدمين من طلاب التفسير في تلك المناطق ، إن لم يكن قد قصد بها العلماء ، وقد سبق أن أشرنا إلى الشعر التعليمي باعتباره واحدا من وسائله العامة في إشاعة العلوم الإسلامية ونشرها بين بني بلده ، وهذه لعمري خدمة عظيمة قدمها هذا الإمام السوداني الجليل للإسلام وثقافته في بلاد هوسا ، فلا نجد لها مثيلا لا في بلاد السودان وحسب بل وربما في العالم الإسلامي أجمع في تلك الفترة من الزمان التي عرفت في تاريخ العلوم بعصر الانحطاط ، هذه المنظومة وغيرها من المنظومات التي يزيد عددها على الستة عشر ، التي أشار إليها الشيخ في تزيين الورقات بقوله (مانظمت من كتب ) لاتزال مادة بكرا لم يحظ معظمها بدراسة الدارسين لغويا أو علميا بل إن القدر الأكبر منها لم يتم تحقيقه حتى الآن ، وهذا عمل علمي كبير ينتظر من المؤهلين من العلماء أصحاب الثقافة العربية الإسلامية الواسعة ليكشفوا النقاب عنه ويقدموه لطلاب العلوم ولهذا يرى كاتب هذا البحث أن الجهل بهذه الإسهامات العلمية العظيمة لهذا العالم السوداني الكبير لايعتبر ظلما له وحسب بل هو ظلم في حق العلم وطلابه على حد سواء ، لأن نظم العلوم قد ساعد بصورة جلية طلاب العلم عبر القرون في ضبط العلوم وحفظها ، وما أحوج العلم اليوم وما أحوج طلابه إلى هذا النوع من المنظومات .
أصول الفقه :
أما في أصول الفقه فقد جاءت اسهامات الشيخ عبدالله تعليمية بحتة وذلك لطبيعة علم أصول الفقه الجافة ، باعتباره علما للخاصة يشتمل على أصول ومباديء وقواعد لابد من حفظها مثل علم النحو والعروض وغيرهما .
ولعل من أهم مؤلفات الشيخ عبدالله في علم الأصول كتابه المنظوم من ألف بيت المسمي ألفية الأصول وبناء الفروع عليها وهو نظم للكتاب المسمي (مفتاح الأصول ) لعالم تلمسان محمد أحمد السني الشريف الحسني (25) يقول عبدالله في هذه المنظومة:
فهاكم ألفية الأصول ترى بها مباني الفصول
مأخذ الأئــمة العلاة ومنهم لصــفوة الولاة
نظم لمفـتاح الأصول وبنا فروعها لحائز بها السنا
قسم الشيخ عبدالله هذا الكتاب إلى ستة أبواب منها أربعة في الأصول المنقولة وهي الكتاب والسنة والإجماع وقول الصحابي بينما تناول في البابين التاليين القسم المعقول وهو القياس والاستدلال والاستصحاب (26)
في هذا النظم عمد الشيخ عبدالله إلى كتاب محمد السني الذي أشار إليه في المنظومة بقوله :
لعالم الفــروع والأصول وفارس المنقول والمعقول
شمس تلمسان محمد السني سليل أحمد الشريف الحسني
ويبدو أن الشيخ عبدالله قد وجد في كتاب محمد السني مايمكن نظمه للتسهيل على الطلاب ، فعمد إلى نظمه في هذه الألفية ، غير أن الشيخ عبدالله قد كتب في أصول الفقه نظما على نظم آخر للمقري يسمى المنهج المنتخب الذي اعتبره الشيخ عبدالله موجزا لدرجة عجز الطلاب في منطقة هوسا عن استيعابه ، فأعاد صياغته شعرا مستفيدا مما قدم له من شرح ماعند المقري من أصول وهذا عمل لم نعرف حسب علمنا أحدا قام به غير الشيخ عبدالله إذ المعهود أن يوضع على مثل هذا النظم وشرحه شرحا آخر يبين غامضه ويفصل موجزه ، ونحن نرجح أن الشيخ عبدالله قد لاحظ عدم كفاءة هذا النص الشعري في توصيل العلوم لبني منطقته فاستبدله بنظم آخر من ألف بيت أيضا ، ووعد بوضع شرح عليه فيما بعد ، يقول الشيخ عبدالله في هذه المنظومة :
قواعد الدين علي التعميم صــلاته عليه بالتـسليم
لم يغتنمها غالب الطلاب في قطرنا ، لفقد فتح الباب
إذ لم نجد نظما لها مهذبا يفتح ، إلا المنهج المنتخبا
لكنه لكثرة الإيجاز في مثله قد صـــار كالألغاز
نظمت لبه ولب الشرح والمقري ، ناويا بالشرح(27)
وبالإضافة إلى هاتين الألفيتين فقد وضع الشيخ عبدالله بعض الكتب النثرية في الفقه وأصوله من هذه الكتب ضياء الأمة في أدلة الأئمة وهو أحد ضياءاته الكثيرة عني فيه بأدلة الأحكام التي بني عليها أئمة التشريع أصولهم.
نظمه في التصوف :
انتشرت الطرق الصوفية عموما والطريقة القادرية خاصة في بلاد هوسا قبل فترة الجهاد بزمن غير قليل إذ يرى هسكت أن القادرية قد رخست أقدامها في بلاد هوسا منذ القرن السابع عشر ( 28) بينما يرشح علي أبوبكر (29) أوائل القرن التاسع عشر لدخول القادرية إلى المنطقة ، ويذكر الشيخ محمد بيلو عددا من شيوخ بلاد هوسا من المتصوفة الذين رسخت إقدامهم في التصوف أمثال محمود البغدادي ، والانصحني المسوفي (30) ولهذا كان توجه الشيخ عبدالله إلى التصوف منذ عصر مبكر من حياته أمرا طبيعيا ، والحال أن شيوخه الذين أخذ عنهم وتتلمذ عليهم وعلى رأسهم الشيخ جبريل بن عمر ، كلهم ذوو أقدام راسخة في التصوف .
ثم إن الشيخ عبدالله قد درس التصوف بشقيه النظري والسلوكي على أخيه الشيخ عثمان .
وترجع صلة الشيخ عبدالله بالتصوف إلى اهتمامه المبكر به كعلم له أصوله وقواعده ، وذلك حين كتب منظومته التي خصصها لإرساء قواعد التصوف وسماها ( منن المنان ) وهو ابن إحدى وعشرين سنة تقريبا .
في هذه المنظومة صاغ الشيخ عبدالله قواعد التصوف التي سجلها الإمام السيوطي نثرا في نهاية كتابه النقاية يقول :
وبعد فاعلم أنني قصدت نشر الفوائد التي وجدت
منثورة للعالم السيوطي وربنا توفيقه سيعطي (31)
صاغ الشيخ عبدالله هذه المنظومة قبل أربعين عاما تقريبا من وفاته وذلك حوالي عام 1787 هـ ثم عاد في نهاية حياته ليضع عليها شرحا سماه (شكر الإحسان على منن المنان) (32)
وقد سبق أن ذكرنا في الحديث عن وسائله في نشر الثقافة الإسلامية أن نظم العلوم كان فنا معروفا في بلاد هوسا ، ممثلين ببعض منظومات أهل هذه المنطقة ومن بينها منظومة عبدالله سكة (ثقة ) الكنوي المسماة ( العطية للمعطي) ولهذا فلا عجب أن يبدأ الشيخ عبدالله في عصر مبكر من حياته بهذا الفن وهو ضليع في فن الشعر عموما .
ولم تأت بداية الشيخ عبدالله المبكرة بالكتابة عن التصوف من فراغ بل جاءت نتيجة انخراطه المبكر في سلك الطريقة القادرية على يد شيخه جبريلين عمر الطارقي في وقت واحد مع أخيه الشيخ عثمان بن فودي .
يقول الشيخ عثمان متحدثا عن سنده في التصوف :
أما أنا فشيخي أبوالأمانة جبريل بن عمر ، وشيخه أبوالفيض محمد مرتضي الحسيني الواسطي ، وشيخه العارف بالله محيي الدين نورالحق الحسيني وشيخه المعمر سعد الله بن محمد الحسيني (33) إلى آخر السلسلة إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .
كما يذكر الشيخ عثمان أنه لبس خرقة التصوف عن الشيخ جبريل عن طريق ابنه تبركا (34) ويقول الشيخ عبدالله حول نفس الموضوع وهو يتحدث عن كلمة ( لا إله إلا الله ) باعتبارها أول قواعد التصوف .
وهذا هو الاسم الذي لقنيه أنا مع أخي وشيخي عثمان رحمه الله شيخنا الحاج جبريل بن عمر رحمه الله على هذه الهيئة تبركا به وبسنده في ذلك (35)
ومن أهم منظومات في علم التصوف منظومته في تحقيق سنده في التصوف والتي سماها (ضاء السند ) على غرار ضياءاته المشهورة قصد بها الشيخ عبدالله كما فعل شقيقه عثمان في (أسانيد الفقير) أن يؤسس مذهبه في التصوف على قاعدة متينة من الأسانيد .
يؤكد الشيخ عبدالله ذلك في ضياء السند حيث ينظم ماذكره الشيخ عثمان في أسانيد الفقير شعرا فيقول :
وبعد فاقبلوا ضياء للسند لنا إلـى كل كتاب معتمد
كذلك أحزاب الولي الشاذلي الخرقة المصافحات فانزل
مما أجازه لنا الشيخ الرضا جبريل عن محمد ذا المرتضى
ثم يقول في سند الأحزاب تفصيلا عن سند أحزاب القطب الشاذلي وجميع طرق القوم :
وعنه عن سـليل عبدالله وذلك نور الحـق سعد الله
إسناده عن عابد الشكور عن شيخه مسعـود المشكور
عن شيخه المرسي أبي العباس قطب الوجود طاهر الأنفاس
عن شيخه قطب الورى أبي الحسن الشاذلي الحسني المؤتمن (36)
والضمير في بداية سلسلة السند هذه راجع إلى الشيخ جبريل بن عمر الذى تلقى عنه الشيخ عبدالله أوراد الطريقة الخلوتية وتلقى عنه أحزاب الطريقة الشاذلية كما هو واضح من الأبيات الأربعة الماضية .
بل إن الشيخ عبدالله ليذكر أيضا سنده في المصافحة في أبيات أخرى من المنظومة فيقول في أولها:
صافحت شيخي جبريل بن عمر وصافح الإمام مرتضى الأثر
وذلك في سلسلة يصل بها إلي الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول :
وذا على ماذكروا محمودا وأوردوا في اسمه شهودا
وذا أبا سعيد الصحابي وذا رسول المـلك الوهاب
والمصافحة إجراء رسمي يتم بين الشيخ والمريد شبيه إلى حد كبير بالمبايعة في الفكر السياسي الإسلامي يتم خلالها التعاهد بين الشيخ والمريد على سلوك الطريق والالتزام الصارم ، وطريقتها أن يضع المريد يده فى يد الشيخ فيتم الاتصال ويقع الالتزام .
وهكذا سند لبس الخرقة التي بدورهاتمثل الصلة المادية المتناقلة بين الشيوخ عبر السلسلة :
وعنه في الخرقة عن شيخىعلى أعني سليمان الشريف الأهدلي
إلى ان يصل بها إلى الشيخ عبدالقادر الجيلاني :
وهو عن القطب الشهير الداني الغوث عبدالقادر الجيلاني (37)
الخاتمة :
استعرضنا في هذا شطرا من جانب هام من إسهامات الشيخ عبدالله بن فودي التعليمية وهي نظم العلوم شعرا بغرض تيسيرها على طلاب منطقته ، وتسهيل مهمة حفظها عليهم وبالرغم من أن هذا الجانب من أصعب جوانب التعليم في ثفافة الإسلام فقد برع الشيخ عبدالله فيه بصورة واضحة ، وأصبح علما من أعلامه لا في بلاد هوسا وحدها بل في بلاد السودان إن لم يكن في بلاد الإسلام بأسرها .
وحسب ظن هذا الباحث فإن جهود الشيخ عبدالله في هذا المجال لم يسبقه إليها أحد، كما وكيفا ، أسهم بها الشيخ في تعليم العلوم العربية والإسلامية في بلاده ولاشك أنه كان يدرس هذه المنظومات في مجالس علمه في منطقة غواندو وتدل على أن الشيخ قد وضع شروحا لبعضها ، وقوى أن يضع آخر على البعض الآخر ، مما يدل على ازدهار أصول التربية الإسلامية في ذلك الجزء من العالم الإسلامي ، وقد شهد كاتب هذا البحث تدريس شعر الشيخ عبدالله في مركز الدراسات الإسلامية التابع لجامعة صكتو (عثمان بن فودي حاليا ) في مطلع الثمانينات من القرن الماضي مما يؤكد أن الشيخ عبدالله قد رمى بسهم في مجال تعليم العلوم الإسلامية في بلاد الهوسا يستحق به أن ينال لقب رائد التعليم الإسلامي في المنطقة .
آمل أن يكون هذا البحث المتواضع مدخلا لطلاب التربية وطلاب العلوم العربية والإسلامية في إفريقيا لدراسة إسهامات هذا الشيخ الجليل تعريفا وتحقيقا وتعليقا ودراسة وتحليلا لإسهاماته في هذا المجال ، كما آمل أن أجد الوقت المواتي مستقبلا لتقديم المزيد من التحليل لنظم العلوم عند هذا الإمام المجهول الذي سطع نجمه في القرن التاسع عشر من غرب إفريقيا .
الهوامش :
1- محمد بيلو بن عثمان : إنفاق الميسور في تاريخ بلاد التكرور القاهرة 1962 ص 10
2- M. Hiskett : History of Hausa Islamic Verse B.SOAS University of London 1975 P. 15
3- A.F Ahmed Notes on some Arabic verse of Hausa Lanks composed between 1650 to 1750 Sokoto Seminar I.C. Uni Sokoto April 1986
4- نفس المرجع
5- درس الشيخ عبدالله الشعراء الستة للشنتمري والعشرينيات للفازازي ، على أخيه الشيخ عثمان بن فودي انظر : إيداع النسوخ من أخذت عنه من الشيوخ للشيخ عبدالله حققه (Hiskett ) مجلة الدراسات الآسيوية والإفريقية لندن 1957 ص 1
6- عبدالله بن فودي ، تزيين الورقات ببعض مالي من الأبيات مخطوط غير مصنف جامعة إفريقيا العالمية ص 3
7- عبدالله بن فودي : تزيين الورقات ، ص 28
8- عبدالله بن فودي ، تزيين الورقات ، مرجع سابق ص 1
9- عبدالله بن فودي : إيداع النسوخ ، مرجع سابق ص 3
10- د.حسن عيسي عبدالظاهر : الدعوة الإسلامية في غرب إفريقيا ، الرياض 1981 ص 293
11- محمد صالح حسين : الحصن الرصين للشيخ عبدالله بن فودي ، دار الفكر بيروت 1989
12- أبوالبشر آدم : الشيخ عبدالله بن فودي ، جهوده النحوية في البحر المحيط، رسالة ماجستير غير منشورة ، جامعة مايدوغري نيجيريا 1990، ص 112
13- أبوالبشر آدم : الشيخ عبدالله بن فودي لمحات من آثاره العلمية ، دراسات إفريقية جامعة إفريقيا العالمية ديسمبر 2000
14- انظر فهرست المخطوطات ، دار الوثائق كادونا في مؤسسة الفرقان ط 1 : 1/24/ Gar/ 2001 تحقيق J. Hunwick London
15- الشيخ محمد بيلو : إنفاق الميسور ، مرجع سابق ، ص 211
16- نفس المرجع
17- نفس المرجع والصفحة
18- عبدالله بن فودي : إيداع النسوخ ، مرجع سابق ، ص 6
19- عبدالله بن فودي : تزيين الورقات ، مرجع سابق ، ص 45 46
20- نقلا عن د. أبوالبشر علي آدم : الشيخ عبدالله بن فودي وآثاره العلمية ، دراسات إفريقية ، العدد 24 ديسمبر 2000 ، ص 180
21- عبدالله بن فودي : كفاية ضعفاء السودان في بيان تفسير القرآن مخطوط دار الوثائق صكتو ، مخ / ع / أ / 23/ 152
22- د. أبوالبشر علي أدم : الشيخ عبدالله بن فودي ، مرجع سابق نفس الصفحة .
23- عبدالله بن فودي : منظومة مفتاح التفسير ، مخطوط 4/49 جامعة إفريقية العالمية
24- عبدالله بن فودي مفتاح التفسير ، مرجع سابق
25- د. أبوالبشر علي آدم ، الشيخ عبدالله ، لمحات من آثاره العلمية ، دراسات إفريقية العدد 24 ، ديسمبر 2000 ، ص 181
26- د. حسن عيسي عبدالظاهر : الدعوة ، مرجع سابق ، ص 296
27- د. حسن عيسي عبدالظاهر ، نفس المرجع السابق
28- M.Hiskett : The Sward of the Truth London 1973 pp 60-63
29- علي أبوبكر ، الثقافة العربية في نيجيريا، القاهرة 1972 ص 68
30- محمد بيلو : إنفاق الميسور مرجع سابق ص 41
31- عبدالله بن فودي : منظومة ( منن المنان لمن أراد شعب الإيمان ) مخطوطN.H.R.S.P A.B. Zaria Nigeria 8/119
32- عبدالله بن فودي ( شكر الإحسان على منن المنان )
33- الشيخ عثمان بن فودي : السلاسل الذهبية
34- الشيخ عثمان : السلاسل القادرية ثم انظر أسانيد الفقير للشيخ عثمان
35- الشيخ عبدالله بن فودي : بيان الأركان والشروط لطريق الصوفية وتلقين الأسماء السبعة عن طريق السادة الخلوّتية ، مخطوط غير مصنف ، المركز الإسلامي جامعة صكتو ،ص 4
36- الشيخ عبدالله بن فودي : ضياء السند ، مخطوط غير مصنف المركز الإسلامي جامعة صكتو ، ص 1
37- الشيخ عبدالله بن فودي المرجع السابق