الرجل الاخضر ….. قصة قصيرة

في بواكير شبابه ونعومة اظفاره كان لونه المفضل هو الاخضر في اي درجة لذا كان يهيم في فصل الخريف بالاودية والخيران وشاطئ النهر ليجعل مخزونه البصري وذاكرته معباة بالصور الخضراء ويلتقط صوره قرب الاشجار والمتسلقات ولا يطربه الا كاغنية (خداري ) و( الله الليموني) و (قام اتعزز الليمون) و(الاخدر الليموني مشنق الطاقية) وكان يعز علم السودان لاجل مثلثه الاخضر فهو رمزه ولا تهمه بقية الالوان ويطرب لاهبل القرية وهو يصيح بين الفينة والاخري معبرا عن اعجابه بسمراء في دروب القرية ( احب الخدار ولو كان عدار ) و يحب العندليب الاسمر والجابري حين يغني اسمر يا اسمر وابواللمين حين يصدح بصوته القوي بحبيبي يااسمر ويذوب حين يصل الكابلي (لاسمر وسكر) وامنيته ان يصيّف يوما في تونس الخضراء وحَب علم السعودية والاخضر البلومي في المستطيل الاخضر وهو يمجد المهدي لانه لا يحب الحمرة اذن فهو يحب الخضرة في راية احد خلفائه. طعامه من الخُدرة التي يجفف منها لاشهر اختفائها والورق والسلج وام بقبق ويمكنه التنازل حتي حدود الرِجلة والشرموط الاخضر والسمك الاخضر وفي السلطة يركز علي الجرجير والعجور والفلفلية والشطة الخضراء وخلفيات التلفونات والكمبيوتر كلها من الشجر اليانع الظليل وكل ملابسه من درجات الاخضر وينتظر في اشارات المرور بصبر فارغ اضاءة اذن العبور وتعبأ ماضيه بالحبيبات (الخُدر) وكتب لمنظمة المدن العربية مستحسنا اختيارهم للون الاخضر في الواجهات التجارية للمدن العربية ويشارك سنويا في عيد الشجرة ويغرس طوال العام ما اتيح له من وقت مختلف انواع الشجر وكانت تستهويه الروايات المترجمة التي تصف البراري والسهول المخضرة وما بها من صنوف الزهر والشجر البري وديوانه المفضل (بعض الرحيق انا والبرتقالة انت) لما فيه من ايحاء وتلميح او قل تصريح للشجر ويردد دائما بعض ابيات السياب ( عيناك غابتا نخيل ساعة السحر.. او شرفتان راح ينأي عنهما القمر) ويحب المنحازين للغابة في مدرسة ( الغابة والصحراء ) الشعرية ويحب الكابلي جدا حينما يشدو بغابات كينيا والملايو ونظم بعضا من الدوبيت افعمه بجمال واشراق الخضرة والنضار وهو الان يتشوق لرؤية السندس الاخضر والاستبرق في الاخرة بعد ان يلف في كفن من الستان الاخضر الفاخر وتزوج بعد تمحيص وفحص لذوق ومزاج شريكة حياته ذات البشرة الموصوفة بالخدرة الناعمة او الدُقاقة وانتقيا ملابس الزفاف وما بعده سويا فلم يخرجا عن المزاج الاخضر حتي في الملابس الداخلية وبشكير الحمام وقبقابه وقضي اول العسل في كسلا الوريفة وعبأ عيونه من منظر الموز واشجار المانجو ومن ثم لكردفان في الخريف خضرة تبينها رمالها الذهبية وعاد الرجل الاخضر من رحلة الاحلام وحمل قفة الخضار واشفق منها انه كان جهولا. لم يعد الخضار لوحة تمني ان يجسدها برؤية تتعتق مع الزمن او منظراً يبهج الناظر مثل خلفية (قوقل) بل صار واجبا ووجبة وصار يردد مع الفنان ( جننونا بالخدار ) ويكرره دون ان يكمل شطر البيت ولم يجد عزاء في الواقع يرفع عن بصره غشاوة الخضرة وما تراكم في ذاكرته من تدليس اللون الا حينما صادف درويشا كل زيه اخضر ويردد (حي..حي.. لا يموت) قذف في وجهه شاله الاخضر المضمخ بالعطور وحمل عنه ثقل القفة النفسي فارتدت ذاكرته البصرية وتبع الدرويش تاركاً خلفه الخَدرة في خِدرها بعد ان صارت الحياة لون قزح…وصدح واطرب المريدين المحبين وسرد سيرة ساكن القبة الخضراء ام رخام…
[email][email protected][/email]
بديعة جداوتنبي بي االكثير