فلنكف عن السير في الطرق الخاطئة . “اعطوهم ” هذه المفاتيح

منذ العام 1989 انخرط عدد، يتزايد باضطراد مع مرور الايام، في مقاومة النظام الذي سلب السودانيين حريتهم وحقهم في اختيار الطريقة التي يعيشون بها ويديرون بها أمورهم الخاصة والعامة والاشخاص الذين يحكمونهم. ثم طفق يدمر كل مظاهر الاستقرار والحداثة والتنمية والازدهار ويقحم مقدراته في تحديات ومعارك ليست من صميم المصالح المشروعة والمباشرة لمجموع مواطنيه وصولا لاتباع سياسات افقار وتدمير ممنهج للمواطنين في مجموعهم وافرادهم، لا سيما أولئك الذين لا يجيدون فضيلة الصمت عن جرائمه ومخازيه المتناسلة بمتواليات هندسية مع تعاقب الليل والنهار.

حقيقة أن أعداد المقاومين تتزايد باستمرار تطمئننا إلى حد كبير جدا أننا واصلون ذات يوم قريب إلى مبتغانا الوطني الكبير بإسقاط هذا النظام الذي لا يشبهنا ولا يلبي تطلعات جماهيرنا في دولة مستقرة مزدهرة وعادلة. الحقيقة الرديفة لهذه هي أن عملية الإسقاط هذه لن تتم كما نشتهى إلا بانخراط قطاعات كبيرة من الجماهير فيها. بداهة أن أي طريقة نختارها لاسقاط النظام سنحتاج فيها إلى مشاركة هذه الجماهير وقبولهم بنتائجها وآثارها وتداعياتها.

مضى ? للأسف ? الوقت الذي يمكن فيه تهييج هذه الجماهير بالمشاعر والأحاسيس الفياضة تجاه الدين أو العرق أو الطائفة أو إلخ ولا بالشعارات والخطب الرنانة والحديث المنمق عن يوتيوبيا ستهبط من السماء بغتة أو تتفجر من الأرض فجأة ذات صباح أو مساء. لا سيما أنها ظلت تتجرع الحنظل وتضرس الحصرم خمسا وعشرين سنة حسوما في وجودها وأمنها ومعاشها وكل مقدراتها. لن تجدي نفعا مع هذه الجماهير القادرة وحدها على التغيير أية أساليب لا تخاطب بصدق يلمسونه مصالحهم الحقيقية والمباشرة، ولن تلتفت إلى نداءات المقاومين بالخروج للشوارع والاعتصامات إن لم تتأكد أن نواتج هذا الخروج ستصب في تلك المصالح المباشرة والحقيقة لكافة المواطنين وعامتهم.

إنها ليست معضلة أوغلوتية تعجيزية : كيف نجعل هذه الجماهير تصل إلى هذا اليقين؟ لا شيء أقل أو أكثر من “تمليكها” مفاتيح الصناديق. وصناديق مصالح الجماهير لا مفاتيح لها سوى دعم وتكريس قدرة هذه الجماهير على الانخراط في مقاومة سلمية لانهائية ومستمرة لانتزاع تلك الحقوق. وعندما تعرف الجماهير أن هناك طريقة ستمكنها من فرض كلمتها في أي لحظة حالية وأي لحظة قادمة .. فإنها لن تتوانى حينئذ عن إسقاط النظام الآن. افتحوا مسارات ومسارب العمل السلمي الجماهيري على آخرها ولا تضيقوها وتحصروها على هذه النخبة أو تلك الصفوة . رحبوا بالمبادرات الاحتجاجية السلمية التي تأتي من القاع ومن القطاعات غير المنظمة ومن الريف والأقاليم والمناطق المهمشة ذات ترحيبكم بالمبادرات التي تاتي من صفوة الثوار ورغوة المحتجين المنظمين والمسلطة عليهم أضواؤكم بحركة أو بدونها. ادعموا الاحتجاجات التلقائية والعفوية بمقدار دعمكم للاحتجاجات التي يتحكم بعضكم في (بلفها) فلن تخسروا مطلقا بانسراب عدوى الاحتجاج السلمي في المجتمعات. مطلقا. وإن خفتم عيلة واختراقا ونحوه فأنتم بدون هذا الباب السخي للدعم الثوري أشد عيلة واختراقا (ونحوه). لا تفوتوا فرصة . أي فرصة لحشد الجماهير الكثيرة غير المنخرطة سياسيا للتظاهر . أي تظاهر. جماهيركرة القدم . جماهير الحواتة. المهرجانات الشعبية إلخ . أحدث الثوار المصريون اختراقات كبيرة ومهمة بتوظيف شباب (التراس) لمهام ذات طابع ثوري وسياسي.

في العام 2012 قرر شباب القضارف تكوين مبادرة القضارف للخلاص للانخراط في إجراءات إعادة انتخاب والي جديد. كان تحقيق نصر انتخابي في هذه الانتخابات الجزئية أمرا بعيد المنال قليل التأثير في تقدير من يكتب هذا. في ظل قدرة الحزب الحاكم اللانهائية على الغش والتزوير والاستفادة من جهاز الدولة كله مقابل عدم قدرة ورغبة القوى السياسية الرئيسية على بذل موارد ومجهودات في هكذا انتخابات. بعد أن تيسر لقاء بعض الذين خططوا لذلك ومناقشتهم بينوا كيف أن الهدف ? منذ البداية ? لم يكن تحقيق هكذا نصر وإنما الاستفادة من جو الانتخابات لتمليك جماهير القضارف هذا (اليقين) الذي نتحدث عنه في هذا المقال. يستطيع مواطنو الحي والسوق المعين أن يحشدوا أنفسهم تلقائيا في تظاهرة ممعنة في البهاء خلف مطالب وشعارات تتعلق بمصالحهم المباشرة. دون انتظار لتدخل آخرين من الخرطوم ? مثلا ? ليخبروهم بما يتعين عليهم فعله أو المطالبة به.

فكرة دحرجة السلطات والصلاحيات لأسفل دائما، لا تقتصر على الوجه الإجرائي للديمقراطية، إن جازت التسمية، بمعنى: لا تنحصر فقط في تمليك سكان الحي صلاحية اختيار الطرق المثلى لتصريف شئونهم وحل مشكلاتهم بدلا من استيراد هذه الحلول من رئاسة المدينة أو الإقليم أو الدولة. وإنما تتمدد هذه الدحرجة المطلوبة أيضا للجانب الإنتاجي للديمقراطية. تمليك سكان الحي الثقة في إنتاج الثورة بدلا من انتظار اندلاعها في مركز المدينة او الاقليم او الدولة. تلك مهمة ثورية بامتياز. يتطلب انجازها جهدا نعم. بيد أن معظم هذا الجهد ينحصر في الجهة النفسية المحضة. قبول السياسيين والفاعلين والناشطين والمقاومين والثوار لفكرة أن الثورة الشعبية شيء غير قابل للخصخصة أو الاحتكار على الإطلاق … ألا هل بلغت؟
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..