مقالات سياسية

انقاذ السودان من مصير سوريا وليبيا والعراق

سيحدث ذلك في القريب العاجل وسيكتمل المربع عندما يلتحق السودان بمثلث الفوضي في سوريا وليبيا والعراق وعلي الرغم من تفاوت واختلاف طبيعة الانهيارات الحادثة في تلك البلدان ولكنها تشارك بعضها البعض في العنوان الرئيسي لمجريات الامور من فوضي وقتل وانهيار في مؤسسات الدولة وضعف ووهن في وحدة الامة والنسيج الاجتماعي ولاحديث بالطبع عن الخدمات او القانون والاقتصاد وانعكاس ذلك الواقع علي مجتمعات وشعوب تلك البلدان التي صارت تستغيث بنظام عالمي اصبح هو الاخر يحتاج الي الغوث والمعونة بعد أن اصابته الشيخوخة والرهق بسبب تعدد واذدياد بؤر الفوضي والحروب والصراع المنتشر في كل بقاع واقاليم الدنيا وبسبب عدم واقعية وضعف تحليل وفهم وادارة الازمات الاقليمية والدولية بواسطة الدول الكبري والمهيمنة.
طبيعة الازمة السودانية القديمة المتجددة والمزمنة والمستمرة خلال ربع قرن من الزمان تختلف عن ازمات الدول المشار اليها كونها ازمة ناتجة عن انقلاب عسكري عقائدي قام به الفصيل الرئيسي في حركة الاخوان المسلمين السودانية الذي كان يعمل يومها تحت لافتة ما كانت تعرف باسم الجبهة القومية الاسلامية وزعيمها المعروف الدكتور حسن الترابي التنظيم الذي اعتاد علي تغيير الاسم واللافتة التي يعمل تحتها حسب الظروف والمتغيرات.
بينما تعتبر ازمة العراق الراهنة احد نتائج الغزو والاحتلال الامريكي لبلاد الرافدين بينما نتج الوضع في سوريا وليبيا بعد أن تم اختطاف حركات مطلبية وشعبية تزامنت مع ما كان يعرف بثورات الربيع العربي الذي سطت عليه جماعات الاخوان والجماعات السلفية والراديكالية في تلك البلدان التي تحولت الي جحيم ناطق استعرضت خلاله تلك الجماعات انواع والوان من الممارسات الهمجية التي ليس لها مثيل في تاريخ العالم المعاصر كما نري في المشهد الماثل من جز للرؤوس ونحر للرقاب المحمولة في الايدي والمنتشرة علي الارض في مشاهد استعراضية مروعة تبثها اجهزة دعاية الدولة الاسلامية المزعومة.
التطورات السياسية الراهنة في السودان تاتي علي خلفية انهيار احلام ومشاريع الجماعة الاخوانية الحاكمة واحدة بعد الاخري بعد ان ذهب اغلب البترول المستخرج الي الجماعة الانفصالية الحاكمة في جنوب السودان الذي اصبح هو الاخر دولة منهارة بطريقة حرمت حكومة الخرطوم حتي من عائدات ضخ بترول الجنوب عبر انابيب البترول في الدولة الشمالية ولاحديث بالطبع عن مضاعفات الخصصة واحتكار التجارة والارزاق والموارد علي قلتها ولاحديث عن الخدمات الاساسية التي كانت متاحة خلال عقود طويلة في زمن الاستعمار ومن بعده الحكومات الوطنية من مجانية الصحة والتعليم والحصول علي الحد الادني من غذاء وكساء والعيش بكرامة.
وقد شهد السودان ولاول مرة في تاريخه المعاصر تدويل الازمات والصراعات التي تحولت الي مادة ثابتة في اروقة المنظمات والمحاكم الدولية مثل قضية دارفور التي لايهم العالم بالطبع معرفة اسبابها وجذورها بل تعامل بصورة مباشرة مع نتائجها بطريقة افضت الي اتهام الرئيس السوداني المشير عمر البشير ووزير دفاعه المهندس عبد الرحيم حسين وعدد اخر من اعوانه الذين اصبحوا ايضا مطلوبين بواسطة المحكمة المعنية ومتهمين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية في اقليم دارفور كما جاء في حيثيات قرارت المحكمة الجنائية الدولية في هذا الصدد.
النظام الحاكم في الخرطوم لايزال يفرض سيطرته الامنية الكاملة علي معظم مدن البلاد واقاليمها مستفيدا بالدرجة الاولي من ضعف المعارضة السودانية التي انفق جهدا كبيرا واموالا طائلة في اختراقها وتفكيكها دون ان يدري ان حالة الفراغ السياسي المعارض هذه قد تتحول مع الايام الي قنبلة مؤقوتة تنفجر بعد ان تصل الازمة الي سقفها المفترض ويصعب بل يستحيل السيطرة عليها وتقود الي حالة من الفوضي الانتقامية التي تقضي علي الاخضر واليابس وتدق المسمار الاخير في نعش السلام الاجتماعي الذي ميز سلوك السودانيون افرادا وجماعات خلال الثورات الشعبية المعروفة وازمنة التحولات السياسية السابقة في اكتوبر من عام 1964 وابريل 1985 واليوم غير الامس بكل تاكيد وهناك تحولات عميقة وراديكالية في بنية المجتمع السوداني قد تتسبب في لحظة ما في حريق لايبقي ولايذر خاصة بعد انتشار ظاهرة الميلشيات والعسكرة العشوائية للمجتمع وبعد أن اصبح توزيع الرتب والالقاب العسكرية المتعارف عليها يتم في اطار المجاملات والترضيات السياسية ودون استحقاق من تدريب او تأهيل مهني كما يجري في الجيوش القومية والاحترافية في كل بلاد العالم الاخري.
السودان الراهن اصبح علي فوهة بركان في ظل الغلاء وعجز المواطن عن شراء السلع الضرورية لاستمرار الحياة وبعد ان حذرت المعارضة صراحة من حدوث مجاعة وثورة غير محسوبة وحتي شيوخ المساجد من المقربين للنظام واعوانه المخلصين دخلوا علي خط الازمة وطالبوا الحكومة بفرض حالة الطوارئ في الاسواق وهو امر غير عملي وغير قابل للتنفيذ.
مصدر الخطر في العملية هو الاحتمال الكبير بوصول ازمة النظام سقفها وتسبب الازمة الاقتصادية في خروج الاوضاع عن السيطرة في ظل حالة الفراغ السياسي ووجود جيوش العسكرة العشوائية والتوجهات القبلية والاقليمية والشعوبية وغرق البلاد في الفوضي.
التحسب العقلاني لما يمكن ان تسفر عنه اي تطورات غير محسوبة في السودان تستدعي اعلي درجات اليقظة والحذر والاستعداد والاتفاق علي قومية الهدف ومؤسسات الدولة واعادة البناء وسيادة القانون والعدالة الانتقالية واغلاق كل الطرق امام اي طريق وتوجه يقود الي الفوضي واخذ القانون في اليد ونشرالفتنة في المجتمع حتي ترسو سفينة البلاد علي بر الامان وتنجوا من المصير الذي الت اليه بعض البلدان الشقيقة والصديقة التي غرقت في شلالات الدم والفوضي الانتقامية كما هو حادث في سوريا وليبيا والعراق.
الامر في مجمله ليس فوق طاقة ابناء الشعب السوداني في كياناتهم المهنية والسياسية والاجتماعية اينما تواجدوا داخل البلاد وفي كل ارجاء المعمورة التي يجب عليها ان تستنفر نفسها وجهدها وتوحد خطابها وتحشد الامة كلها وراء هذا الهدف وهذه الغاية ومن اجل انقاذ ما يمكن انقاذه من كيان الدولة السودانية القومية الممزقة والمترهلة خاصة وان الحكم في السودان القادم لن يكون فيه اي امتياز يذكر وسيكون قطعة من نار علي خلفية حجم الدمار وعملية اعادة البناء واصلاح الاوضاع خاصة بعد ان اصبح الزمن غير الزمن وتطورت وسائل الرقابة الشعبية علي المنصب العام.
رابط له علاقة بالموضوع..

[SITECODE=”youtube VTGKozJO3EA”]..[/SITECODE]

مظاهر السيادة والفتوة في الدولة السودانية الفتية الوليدة صبيحة اليوم الاول لاستقلال البلاد الذي ضاع واصبح أثرا بعد عين
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الانهيار التام هو مخرج الكيزان ولصوص المؤتمر الوطني
    فهم يعلمون انهم لن ينفدوا بجلدهم هذه المره الا من خلال زرع الفتن والفوضي وهذا مسعاهم وللأسف نجحوا لحد بعيد
    ولكن السؤال هل يقلب الشعب المعادله ويفوت الفرصه علي اعداء الوطن من المتأسلمين؟

  2. لأول مره تكتب في الشأن السوداني وبصوره تحليليه عميقه. هذا ما احب ان تكتب عنه وليس الكتاب عن مصر وشعبها

  3. الأستاذ محمد فضل ، نشكرك على مقالك الجميل وياستثارتك التفكير العقلاني. صحيح نحن مقبلين على مستقبل قاتم والعاقل من اتعظ بغيره. مشكلتنا في السودان هي نفس المشكلة في العالم العربي ككل. وهي أن الناس كثيراً ما ترتكب الأخطاء وتصيب الناس بالجملة كما حصل في العراق وفي مصر على وجه التحديد. فصحيح أن نظام صدام كان بعثياً ونظام البعث يتحمل أخطاءه ، ولكن بدلاً من معاقبة المخطئين بعينهم عمدت القوى الجديدة بقيادة الأمريكان على إقصاء كل من كان بعثياً وتهميشهم بل والحكم عليهم وكانت النتيجة أن بقايا البعث تحالفت مع من تحالفت معهم وحولت العراق العراق إلى جحيم. نفس الشيء حصل في مصر ، فبعد القضاء على نظام مبارك اشتط الثوار في عداوتهم للنظام القديم فاستطاع النظام القديم بدهائه أن يوقع بين ثوار الأمس ثم ينقض على الثورة ويزج بأنصارها في السجون.
    صحيح أن النظام في السودان حكم باسم الإسلاميين ، ولكن لا ننسى أن قطاعاً واسعاً من الإسلاميين هم ضد الحكومة وهم أشد ضراوة في نقدهم للأوضاع القائمة. ونظراً لطبيعة التدين الوسطي للسودانيين عموماً من الغباء بمكان أن نتصور أن الطبقة الحاكمة هي تمثل الإسلاميين وبالتالي فإن بسقوطهم يكون قد سقط الإسلاميون ومن ثم إزاحتهم من الساحة السياسية!! من استهان بالقوة التنظيمية للإسلاميين وقدرتهم على الحشد والمواجهة فقد برهن مراهته السياسية ، كما فعلت السلطات الإنقلابية في مصر حيث أصيبت البلاد بشلل كامل مع إدعاء السلطات القضاء على الإخوان المسلمين!
    خلاصة القول أن التنظيمات السياسية السودانية من أقصى اليمين إلى اقصى اليسار قد أخذت حظاً وافراً من الحكم وإن كان حكم الإسلاميين هي الأطول ، وبالتالي لابد من البحث عن أسس جديدة للحكم تقوم على المواطنة وتعزيز سلطة القانون مع التشديد على ضرورة الابتعاد تماماً عن الانقلابات العسكرية التي أقعدت البلاد منذ الاستقلال. هذا لا يعني أن من أجرم في حق الشعب يفلت من العقاب بل يجد نصيبه كاملاً من العقاب وفق المعايير القانونية المعمول بها دولياً.
    إذن لابد من إشاعة هذه الثقافة ، ثقافة الرغبة في بناء المستقبل ومن ثم تتنافس التمظيمات السياسية على أساس البرامج لا أن تقتات على أخطاء الآخرين.
    إن ثقافة الانتقام يدفع ثمنها الراغب في الانتقام قبل المراد الانتقام منه!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..