انتزاع الحقوق

زمان مثل هذا
انتزاع الحقوق
الصادق الشريف
? جاءتني هذه الرسالة من الأخ المهندس عماد عبد الغني محمد أحمد، يتحداني بأن أنشرها إن كانت هناك حرية تعبير صحفي. ? في البدء ظننتُ أنّ بها كارثة يمنعها قانون الصحافة تعوق نشرها، ولكن حينما قرأت الرسالة، وجدتها صرخة شاب في وجه الشيوخ… صرخة المستقبل في وجه الماضي.صرخة لاستنهاض الإرادة في الجيل القادم. فإلى الرسالة، يقول عبد الغني : ? ذهب مبارك… وبقي الشعب المصري. ? إنّ تجربة مصر كانت الأكثر إلهاماً من التجربة التونسية… وفي كلٍّ خير. ? (إنّ الشباب طاقة خلاقة, يحمل في المجتمع لواء التنشيط والتجديد… وينبغي أن يوجه توجيهاً هادفاً على هدي الدين والأخلاق)… والعبارة بين القوسين كانت أحد بنود الدستور الدائم لجمهورية السودان. ? ولكن… ? لا يوجد الآن دستور دائم في سوداننا الحبيب هذا، كلما وضعت إحدى الحكومات دستوراً، جاءت الحكومة التي تليها وشطبت نصوص الدستور السابق وحرقت أوراقه، وصنعت لها دستوراً جديداً. مثل صنم العجوة. تأكله حينما تجوع إلى المزيد من الصلاحيات. ? بل ووصل الأمر بأن تقوم الحكومة نفسها بإلغاء الدستور الذي صنعته بيدها… لتضع محله دستوراً جديداً، ثمّ تشرع بعد فترة زمنية قصيرة في تعديل الدستور الجديد… وفي حكومة الإنقاذ خيرُ شاهدٍ على هذا. ? هكذا تمضي الحياة السياسية في السودان بلا أيِّ استراتيجيات وبلا مرجعيات صارمة، سوى استراتيجية (الحماس اللحظي). ? فحين يطغى الحماس على الحكومة (أو الحزب الحاكم) تقوم باتخاذ قرارات لا علاقة لها بالدستور، ويجتهد فقهاء (المخارجات) بعد ذلك في إيجاد ثغرة تعبر من خلالها تلك القرارات. ? من المهم أن نبني وطناً ذا مرجعياتٍ ثابتة… وليس وطناً مُشيداً فوق الرمال المتحركة، كلما ظنّ بعضُ أهله أنّهم قد أمنوا مكر البعض الآخر، يصحون صباحاً ليجدوا أنّ المكر قد حاق بهم وأنّ الرمال قد ابتلعت الوطن القديم الذي كانوا يعرفونه. ? كما أنّ الرهان على الشيوخ قد مضى إلى غير رجعة، فالرسولُ الأكرم صلى الله عليه وسلم اعترف للشباب بدورهم (نصرني الشباب حين خذلني الشيوخ). ? ونحن يا رسولنا الكريم شبابٌ مخذولون… يخذلنا الشيوخ في كلِّ يوم… ومع مطلع كل صباحٍ جديد. ? لهذا لن نستسلم للشيوخ بكل الأحزاب، بدءاً من حزب المؤتمر الوطني والشعبي مروراً بأحزاب الأمة والاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي. ? هذه الأحزاب التي يحكمها رجالٌ تجاوزوا السبعين، وما زالوا منذ أكثر من أربعة عقود يحكمون قبضتهم على مفاصل أحزابهم. ? دمروا الماضي، ويشاركون في تدمير الحاضر، وبذات الحماس يريدون أن يدمروا المستقبل ? مستقبلنا – بصراعهم على كراسي الحكم وعلى كعكة السُلطة. ? لا خير في شابٍ ما زال ينتظرُ (اجتماع السيدين) ليحسم له قضايا الوطن، ولا رجاء من يافعٍ ما زال يؤملُ في الرجال السبعينيين. ? أخي الصادق : الشعوب التي لا تستفيد من تجارب الغير وخبراتهم، هي شعوبٌ ميتة لا حراك فيها ولا خير يُرجى منها. وتجربة الشعب المصري هي تجربة ناضجة وما زالت بادية للعيان. ? لن ندعو قادة الأحزاب لإفساح المجال للشباب في أحزابهم، كما ينادي بذلك الصحافيون، بل ندعو الشباب لاقتلاع حقوقهم بالعنوة داخل أحزابهم. فالحق الذي ينتظر الناس حضورهُ… لن يحضر(حقاً تحرسو ولا بجي/حقك تلاوي وتقلعو). ? الحقُّ يُنتزعُ… ولا يُمنح.
التيار