حكومة “الممل” ونظام “الملالي”، والقوة الناعمة!!

ما تراه على السطح ما هو إلا أحداث صورية في مسرح السياسة لإرضاء الجمهور.وإذا أردت أن تعرف ما حقيقة هؤلاء الممثلون عليك ان تقرأ ما بين السطور وتنظر لما يجري من وراء الستار.
في عقيدة الأخوان المسلمين السياسية (السنية) ما يسمى ب “ولاية المرشد”. فهدفهم الواهم هو توحيد البلدان الإسلامية وعودة نظام الخلافة الإسلامية بنظام “الخليفة”، أي الرجوع بالزمن للوراء. ولهذا لديهم تنظيم عالمي يقوم بالمؤامرات السياسية للسطو على الحكم غصبا في كل البلدان وممارسة سياسية الإقصاء للغير والتمكين لأنفسهم. والوطنية تأتي في المرتبة الأخيرة في أجندتهم السياسية. ولا يهمهم تململ الشعوب التي أصيبت بالملل وبات يسيطر عليها الإحباط واليأس منهم. وأوضح مثال هو حكومة الإسلاميين في السودان والتي تجلس في صدر الشعب لربع قرن من الزمان حتى الآن وعلى رأسها ذاك الرئيس “الممل”.
أما بالنسبة للمسلمين الشيعة فلديهم في فقههم السياسي إعتقاد بأن المسلمين سيتوحدون بظهور آخر الأئمة وهو الإمام المهدي المنتظر. فهذا الإمام سلطته مطلقة وطاعته واجبة وانه سيأتي وسينتصر على الظلم وسيقيم العدل في الأرض. فلذا على الأمة الإنتظار “السلبي” إلى أن يأتي.
ولكن لطول الإنتظار حدث تحول في الفكر السياسي الشيعي بأن عودة الإمام الغائب قد يكون تتويجا لسلسلة من الأعمال الإيجابية التي يقوم بها المؤمنون لمقاومة الظلم. لذلك لابد للفقهاء أن يحملوا مسؤولية الإمام الغائب من الآن. ولهذا إبتدروا ما يسمى ب “ولاية الفقيه”. والفقهاء هم طبقة الشيوخ والمتدينون الذين يكون أصلهم من آل البيت أو ما يطلق عليهم إسم الملالي. ولذلك يقال على نظام ولاية الفقيه نظام “الملالي”.
نظام “ولاية المرشد” ونظام “ولاية الفقيه” يلتقيان في نقطة جوهرية وهي الإسلام السياسي. أي يلتقيان في الدولة الشمولية، والإستبداد والقمع والقهر، وإقصاء الآخر والذي يصل أحيانا إلى تكفيره وإستحلال سفك دمه، وإرهاب وسجن وتفزيع وقتل المعارضين.
إذا أول وجه التقارب هو الفساد السياسي للإستفراد بالسلطة المطلقة بإسم الدين. فالتقارب تقارب سياسي وليس ديني. والناظر إليه يبدو له كانهم حلفاء. ويمكنك هنا تفسير مواقف التحالفات السياسية المختلفة.
والخلاف الديني بين السنة والشيعة طور سياسيا ليكون خلافا جوهريا في العقيدة، وهنا ليس المجال لسرد تاريخه. والناس لم تعرف هذين الإسمين، فالكل كانوا يعرفون بالمسلمين. ورجال الدين بدلا من محاولة توحيد الصف، أو على الأقل تهدئة الخلاف، زادوا من تعميقه وتعقيده. فمثلا الكثير من المتعصبين السنة كأصحاب الدعوة السلفية يرون أن خطر الشيعة أكبر على الإسلام من أي عدو آخر. وبالمثل يفعل المتعصبون من الشيعة. وتجد حربا دعائية بشعة من الطرفين تنشر التحريض والكراهية الطائفية والمذهبية والتفرقة بين المسلمين والتي تمتد للتكفير العقدي والتشكيك في إسلام كل من الطرفين. فقد رأينا كيف قتل سحلا الشيعي حسن شحاتة في مصر على أيدي العامة في الشارع وذلك بعد سماعهم لتحريض رجال دين. وقد رأينا وسمعنا كيف يحرض ذاك الشيعي الحاقد ويبشر الموهومون بإلتحاقهم بالإمام الحسين. وجل محصلة ما نرى الثورة السورية التي أصبحت حرب بين السنة والشيعة، وما يحدث في العراق الآن. وكل هذا يحدث أمام إتحاد علماء المسلمين والحوزة الشيعية الذين يعربدون لحد الثمالة في أروقة السياسة لتخريب الأوطان. والحل هو في الحرية. حرية العقيدة والطائفة ودولة القانون التي تفرض إحترام الناس لبعضها.
والسؤوال إلى متى وهل يمكن ان تمتد هذه الفتنة إلى بلدان اخرى؟.
ولكي تفهم هذا التناقض والتقارب أكثر هناك سر إسمه “القوة الناعمة”.
هذا المصطلح إبتكره أستاذ العلوم السياسية جوزيف ناي في كتابه “وثبة نحو القيادة” (Bound to Lead) ثم أعاد استخدامه في كتابه “مفارقة القوة الأميركية” (The Paradox of American Power). ويعرّف ناي القوة الناعمة بأنها: “القدرة على صياغة خيارات الآخرين، والحصول على ما تريد عبر
“”الجاذبية أو السحرCharm or Attractiveness) ) بدلاً من “القهر أو الإكراه أو الدفع القسري””.
أكد ناي ان “القوة الناعمة” هي من اهم وسائل النجاح في السياسة الدولية. كتابات ناي تعد مصدرا رئيسيا لتطور السياسة الخارجية لأوباما.
ويقول ناي في لقاء له في مجلة العرب الدولية [المجلة: 28-07-2011] متحدثا عن القوة الناعمة بعد الربيع العربي: «المجلة»: “إن الدين هو أحد المصادر الهائلة للقوة الناعمة. ففي النهاية، يجذب الدين الناس وتلك قوة ناعمة. وعندما تفرق بين الإسلام والحركات الإسلامية، سنجد أن للإسلام قوته الناعمة. فهو يجذب مليارات الناس. وإذا كانت الحركات الإسلامية تعني الآيديولوجية السياسية، التي تتبنى نوعا محددا من الإسلام وتحاول فرضه على الآخرين… إذن فلها أيضا قوة ناعمة ولكنني أشك أن ينجح ذلك لأن فهمها للإسلام يبدو مختلفا. فمثلا بن لادن و تنظيم القاعدة هم قوة ناعمة. فلم يوجه بن لادن سلاحا ضد من إنضم إليه ولم يدفع لهم مالا إلى أن فجروا مركز التجارة العالمي. فهو ببساطة جذبهم إلى رؤيته المشوهة للإسلام…-التي إستفادت منها أمريكا في بسط سيطرتها- والإعلام هو أهم وسيلة لإفشاء القوة الناعمة.. فمثلا عندما عرضت قناة الجزيرة خلال الحرب الأمريكية ضد العراق صورا لضحايا مدنيين استفزت مشاعر الناس وأصبح الكثير منهم متعاطفا مع القاعدة التي ارتفعت شعبيتها في بعض الدول مثل أندونيسيا والأدرن. هذه الجماعة الإرهابية قوة “ناعمة” لتضرب الآخرين بعضهم ببعض وتلهيهم ?وتشوه الإسلام وتخلق حالة إنفصام بين المسلمين في تلك الاوطان-.” إنتهى.
ويوضح ناي أخيرا أن حسم الصراعات بالقوة العسكرية لوحدها أصبح أمرا من الماضي خاصة وأن الانفتاح وقوة وسائل الاتصال والبرمجيات قد تشكل عائقا كلما حاولت الولايات المتحدة شن حرب جديدة. حيث يدعو إلى اعتماد استراتيجية القوة الناعمة لضمان حلفاء ليس من الحكام فقط بل من شعوب المناطق التي تريد أمريكا فرض سيطرتها عليها بشكل ما.
فإذا أمريكا والغرب تلعبان بإسلوب القوة الناعمة وتدركان كيفية التعامل مع هذين النظامين المتحالفين “بالإسلام السياسي” و المتضادين “بالإختلاف العقدي”. فلا تريد سقوط نظام ولاية “الممل” ولا سقوط نظام “الملالي” لتتحقق مصالحهما.
وهم يعلمون بأن الإسلام السياسي هو الذي جاء بالقاعدة من قبل وداعش الآن وغيرها من جماعات الهوس الديني، ولكنهم يمارسون سياسة الكيل بمكيالين.
وقد سمعناهم مرارا يقولون بضرورة القبض على البشير، ولكنهم لم يفعلوا ولن يفعلوا كما فعلوا مع نورييغا. فهذا “الممل” جداً هو الجوكر الرئيسي بين أوراق القوة الناعمة.
[email][email protected][/email]
ما نشرتو التعليق ليش