الناقد السوداني ( مصطفى الصاوي )

الناقد السوداني
( مصطفى الصاوي )
{إطلالة على أحد أهم رموز النقد}
من محاسن مواطن الإغتراب و المهاجر أن
تجمعك بأشخاص بينك و بينهم لغة مشتركة ، ربما وجودكم معاً في الوطن قبل أن تتخطفكم مواطن الإغتراب أو المهاجر ، تكون شحيحة و قلما تلتقي بهم في إحدى الندوات الأدبية أو المناسبات الثقافية النادرة الحدوث !!!؟؟؟…
و لعل من سوانح الصدف الحسنة أيضاً أن يجاورك من ترى فيه صنواً لك في ذات الإهتمامات التي تستهويك ؛؛؛؛؛
مع إطلالة مطالع الألفية الثالثة ، إنتقلتُ من شارع تعز في العاصمة اليمنية صنعاء الى شارع القاهرة ، في ذات الوقت الذي كان فيه الناقد القدير “مصطفى الصاوي” ، يقطن على مرمى حجر من سكني ، عقب عدة لقاءات ، توثقت بيننا الصلات الحميمة و لما كنا في معظم الأحوال نتحدث عن الشأن العام في السودان ، كان يشير في بعض الأحايين الى آصرة القرابة التي تربطه ب “منصور خالد” بإعتباره من الشخصيات البارزة و المؤثرة في متن مسار السياسة السودانية المتناقضة دوماً ، بلا منارة ! ؛؛؛
و كنت قبل نهاية الألفية الثانية بثلاث سنوات قد شرعت في خوض تجربتي الأدبية ، من خلال إبتداع شكل كتابي مغاير تماماً لنسق النثر الفني !!؟…. طوال النصف الأول من بداية العقد الذي تلى خاتمة الألفية الثانية ، كنت و الصديق “مصطفى الصاوي” بحكم الجوار و الإهتمامات المشتركة ، نلتقي كثيراً ….. و كان وقتها يجمع في حيثيات رسالة الدكتوراه عن الرواية السودانية ، و علمت مؤخراً عقب عودته الى السودان ، قد غير موضوع الرسالة الى ( السير و المذكرات في الأدب السوداني ) ، و كان في اليمن بجانب عمله كمحاضر في معهد المعلمين التابع للمعاهد الدينية ….
كان يخصص وقتاً لإهتماماته الأدبية و النقدية ، لذلك كتب مقالاً في صحيفة الوحدة اليمنية عن تجربتي المغايرة و نظر إليها من منظور حداثي و كان مقاله هذا دافعاً لي للإستمرار في خوض هذه التجربة ، كما كان يشارك معنا في منتدى النيلين بأوراقه النقدية و مداخلاته الجادة ….
* * * {النشأة و التكوين و النشاط الثقافي} هو ككثير من مبدعي السودان ، خرج من عباءة أم درمان و تتلمذ في المرحلة الثانوية على شاعر و روائي من أهم رواد الشعر الحر و السرد الحداثي في السودان و هما ( النور عثمان أبكر و إبراهيم إسحاق ) …
و لعل من نهل من معين ينابيع هذين الموردين العذبين ، لا بدّ أن يكون من النقاد ذوي الشأن في المشهد الثقافي السوداني ؛؛؛؛؛
و عقب عودته الى الوطن واصل دراسته الأكاديمية حتى حصل على شهادة الدكتوراه …
و ظل بجانب عمله الأكاديمي ، كمحاضر يدرس مناهج النقد الحديث في عدة جامعات سودانية …. فضلاً عن كونه مشارك نشط في المراكز
الثقافية و المحاضرات و الندوات الأدبية ،
و لم ينقطع أيضاً عن ممارسة إهتماماته الأخرى في تقديم المبدعين الشباب الذين يلمح في أعمالهم وهج ومضة الموهبة الحقيقية لصناعة الأدب ، أمثال الروائي “عبدالعزيز بركة ساكن” الذي تحدث عنه طويلاً و أشاد برواياته و لا سيما ، إنه في المشهد العام ، لأن “ساكن” يُعتبر من الروائيين السودانيين القلائل ، المكثيرين … مقارنة بمعظم كتاب السرد الذين يكتفي بعضهم بعمل روائي واحد ، بدءً ب ( ملكة الدار محمد و هلم جرا … )
و يقول عن “إبراهيم إسحاق” ، إنه إلتزم بالواقعية السحرية و يتساءل ( هل هذه القامة السامقة معروفة في مصر القريبة منا مثلاً !!؟…)
ثم يردف قائلاً ( هل ثمة مشكلة لدينا في فن تسويق أدبنا !!؟…)
ثم يواصل طرح عوائق عدم إنتشار الأدب السوداني ، مشيراً الى ذات المعضلة القديمة الجديدة !!؟…
التي قيل حولها و بصددها الكثير و ظلت قائمة ، دون إيجاد حلول لها !!؟..
أما عن النقد الأدبي الذي إتخذه أداةً للولوج الى الوسط الثقافي السوداني ، فقد قال عنه إنه لا يزدهر إلا في جو ديمقراطي حقيقي ، كما الإبداع تماماًن، و بذلك يكون قد أبطل المقولة التي كانت سائدة قديماً ( كلما عانى المبدع في السجون و المعتقلات و ذاق صنوف من جرعات التعذيب و التنكيل أنتج أدباً مبهراً !!!… ) و قال إن هناك علاقة تلازمية بينهما ، قد يسبق النقد الإبداع أو يحدث العكس !!؟….
و أشار أيضاً الى أن ثمة ضعف يلحق بالإبداع بسبب أن النقد في حالات كثيرة لا يقترب منه ، فيظل هذا الإبداع كماً مهملاً و مبدعه أيضاً في دائرة العتمة !..
و عرج الى خفوت صوت النقد الأكاديمي و لمح الى إشكالات النقد التي تتمثل في عدم مواكبته للإبداع الجديد و الصراعات الكامنة في اللامبالاة صوب الآخر حتى لو كان من ذات الوطن !!؟…
و طغيان الشللية في الوسط الثقافي !!؟. و في نهاية المطاف يخلص الى أن النقد الأدبي و مناهجه ينبغي أن تُطوع حسب البيئة و أن يجد الناقد هامشاً من الحرية يمكنه من ردم الفجوة بين الناقد و المبدع .
* * *
#مصطفى الصاوي و السير و المذكرات في الأدب السوداني#
كما أسلفنا آنفاً أن هذا المُؤٓلف هو عبارة عن رسالة الدكتوراه الذي نال به الدرجة العلمية ليدلف عبر بوابة الأكاديميين لتدريس مادة النقد و مناهجه الحداثية في الجامعات السودانية ….
عقب صدور هذا المُؤٓلف ، كأن حجراً أُسقط في بركة المشهد الثقافي الساكن ، فأثار نقاشاً و حواراً و وجد قبولاً منقطع النظير ، من قبل معظم النقاد و الأدباء و كتاب أعمدة الصحف ….
و يبدو أن “الصاوي” ، قد حفر عميقاً في المادة ، موضوع الدراسة عبر عدة ( سير و مذكرات و ذكريات ) ، التي كتبها مشاهير و ناشطون و ذوي تجارب ناضجة في مسيرة حياتهم الحافلة بما يفيد ؛؛؛؛؛
فنجده يقف طويلاً حول السير و المذكرات التي إعتمدت على شخوص مارسوا أقصى درجات الصراحة في مجتمعات محافظة ، كمزكرات الشيخ “بابكر بدري” و “خضر حمد” و “الدرديري أحمد عثمان” و ثمة من يتساءل لماذا ضرب “مصطفى الصاوي” صفحاً عن مؤلفي “حسن نجيلة” (ذكرياتي في البادية) و (ملامح من المجتمع السوداني !!؟…) على الرغم من أهميتهما البالغة !!؟….
و قد تناول “مصطفى الصاوي” هذه الأعمال من منظور النقد الأدبي ، إبتداءً
من عتبات النص حتى مقاربة المتن و فك رموزه السردية فيما يتعلق بالذاتي و الموضوعي ….
ثمة فرق بين السير و المذكرات في رأي “مصطفى الصاوي” …….
فالسيرة الذاتية في أصفى نماذجها ، تعتمد على التركيز في تفاصيل حياة المؤلف ، بينما يهتم كاتب المذكرات ، بتصوير الوقائع و الأحداث التي تمس حياته ….
ظل الناقد “مصطفى الصاوي” يبحث عن نماذج كتاب السير و المذكرات بروح المنقب عن الجوهر عبر قراءة متمهلة لنصوص هذه السير و تلك المذكرات لفك شفرات الأبواب المؤصدة ، حتى يفرق المتلقي بين الرواي العليم و الرواي المحتجب !!!؟….
و نختم بالإشارة الى السير و المذكرات التي تُكتب بواسطة الآخرين عن شخصيات مؤثرة في تشكيل حياة الناس
و تحريك الأوضاع السياسية ، التي غفل عن تدوينها أصحابها !!؟…
و هذا ما يُسمى بالسيرة الغيرية
و في نهاية المطاف ثمة سؤال ينطرح تلقائيا ( لماذا إكتفى ناقد بحجم “مصطفى الصاوي” بإصدار كتاب واحد ) !!؟…
ربما لأنه لا زال شاباً ، المُتوقع منه المزيد من المنجزات النقدية التي تبهر و تثير كثيراً من النقاش و الحوارات الجادة !؟…
التحية والإكبار للدكتور مصطفى الصاوي..
من غيرك يا (أنا) حي
هذا الناقد الكبير ؟….