«البغلة» في «الإبريق» السوداني!

معاوية يس

هو ليس سؤال العرب، بل وحدهم السودانيون لا يعرفون لماذا لا يريد فصل الربيع أن يتغشّاهم، ولو من باب التغيّر المناخي الذي تُعقد له المؤتمرات وتخصص له الموازنات في بقية بلاد العالم العربي التي تتعاقب فيها أربعة فصول وتهبّ فيها ثورات «الربيع العربي». ومن السودانيين مِنْ قائلٍ إن عمر البشير العائق الأكبر للثورة السودانية الثالثة منذ استقلال البلاد في العام 1956. ومنهم من يقول إن ضعف المعارضة هو أكبر حجارة العثرة منذ أكثر من عقدين.

أقوالهم كثيرة مثل كثرة سحناتهم وانتماءاتهم ومعتقداتهم وأفكارهم، حتى لتظننّ أنه لن يأتي يوم يتفقون فيه على شيء. وعندي أن المعطَّل الرئيس في السودان هو ضعف الشعور بالوطنية، الذي يقود بدوره إلى إعراض عن التضحية، ورفض ذاتي لفكرة فداء الوطن بالدم والمال والروح، وهي ليست من قبيل الإساءة ولا تبخيس بذل من يرون في أنفسهم شعوراً جامحاً بحب الوطن، بل هو تراكم على مدى عقود لغياب التربية الوطنية، وعدم وجود مناهج دراسية لتغذية التلاميذ والطلاب بحب وطنهم وتقديسه والاستعداد للتضحية من أجله.

وتبرز هنا الحقيقة المتمثلة في أن المطرب السوداني الراحل محمد وردي قام منفرداً بسد تلك الثغرة الخطرة، من خلال أناشيده الوطنية التي تجاوزت حواجز الانتماء السياسي الضيّق لتتغنى بعظمة الأبطال الذين قاموا بدور كبير في صنع التاريخ السياسي الحديث لبلادهم. تصوروا أن بلاد المليون ميل مربع (سابقاً) لم يكن في مدارسها على مختلف مراحلها درس في الوطنية، باستثناء بضع حصص عن تاريخ السودان.

ولم يعرف جيلنا ترديد النشيد الوطني (السلام الجمهوري) إلا بعدما صرنا رجالاً، ولم يكن علم السودان يرفرف على السارية في المدارس على عهدنا. وجاءت بعدنا أجيال لم تعد تعرف حتى أسماء العظماء الذين حكموا بلادنا بعد تحررها من الاستعمار البريطاني.

ولما تم فرض أداء تحية العلم والنشيد الوطني في المدارس كان الوطن نفسه مختطفاً، وإذا كان شعار الأنظمة العسكرية هو «البيان بالعمل»، فإن تلاميذ وطلاب العقدين الماضيين شبعوا من النظر إلى مشاهد التمرغ في الفساد، وتطاول البنيان، وسلب الحريات، والتخلي عن مجانية التعليم، وأضحوا يقادون إلى التجنيد الإلزامي والتجييش الشعبي في الميلشيا التابعة للمحفل الحاكم، ليُعلَّموا أن حب الوطن وحماية ترابه يعنيان أسلمة مناطق غير المسلمين، وسرقة الفرح والأمن من عيون أطفال المناطق غير العربية في السودان.

وكان بدهياً أن يستتبع ذلك شيوع نزعة إلى الأنانية وإيثار النفس والطمع في جني أكبر قدر من المكاسب واقتطاع الغنائم، وأضحى تأمين القوت وتحصيل الرزق يتطلبان قدراً من البراعة في النفاق الاجتماعي وتملق ممثلي رجال المحفل الحاكم في الدواوين الحكومية ودور الحزب الحاكم. وهي أثرة لم يخترعها العوام، بل تأثروا بها مما شاهدوه لدى أبقارهم الطائفية المقدسة التي عمدت إلى التصالح مع النظام، ورضيت من الغنيمة ببضعة كراسي في السلطة لأبناء سادة تلك البيوتات الطائفية التي لا همَّ لها سوى الانتفاع والانتفاخ وأكل أموال الموالين لها.

لذلك كله، ولغيره من أسباب تَعِزُّ على الحصر، لم تعد الدعوة للخروج في تظاهرة، أو تنظيم اجتماع حاشد، أو تنظيم حملة مقاطعة أو إضراب سياسي، تجد من يصيخ لها سمعاً، ومن شدة انهماك السودانيين في شواغل حياتهم اليومية، أضحت مشكلات الناس التي تنشرها الصحف اليومية ملهاة يتسلَّوْنَ بها، كما الكلمات المتقاطعة أو مطالعة الأبراج.

يبدو أن ما يزيد الطين بلَّة أن نظام المحفل الحاكم نجح في استنساخ عناصره وكوادره التي هيّأ لها أن تتظاهر بأنها هي المُعَارِضة، وبأنها الداعية إلى تيارات التحرر والثورة، في حين أنها عناصر المحفل وثعالبه، وليست دعواتها تلك سوى حيل للتخذيل وتشتيت أفكار الناس وبث اليأس في نفوسهم.

* صحافي من أسرة «الحياة».

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ضعف المعارضه بزعامه السيدين اكثر من ضعيفه والناس خايفه تضحي وتشيل الانقاذ تستلم السلطه الاحزاب الناس زهجت ما لاقيه البديل المناسب اين الشباب

  2. السبب ليس ضعف الحس الوطنى .. بالعكس السبب هو الخوف على الوطن. وهذه تمثل أعلى درجات الحس الوطني.

    أنا أتفق مع أبو محمد واحد من الأسباب ضعف المعارضة السلمية (الأحزاب) وعدم إتفاقها على أجندة واحدة لإسقاط النظام . كذلك المعارضة المسلحة (حركات دافور والحركة الشعبية قطاع الشمال) غير متفقين على قيادة الجبهة الثورية لإدارة الحرب وأسقاط النظام أو على الأقل هناك عدم رضا بينهم. يعني المعارضة بشقيها مختلفة مع بعضها في كيفية أسقاط النظام .
    فما بالك عندما يسقط النظام ويأتي دور السلطة. مؤكد سوف تختلف أكثر على تقسيم السلطة وتتصارع على السلطة. ويتحول السودان إلى صومال آخر . والنتيجة النهائية لا يوجد سودان . ويتحول السودان إلى غابة يسود فيها قانون الغابة .

    أعتقد أن المواطن العادي متخوف من (البديل). إذا كانت هناك معارضة (مسلحة وسلمية) قوية ومتحدة ، هذا سوف يشجع المواطن العادي بقبول فكرة (الربيع العربي).

  3. اتفق مع الاستاذ معاوية أن ضعف الحس الوطني هو لا شك احد الاسباب بل اقواها. فلا أحد اليوم كما ورد بالمقال على استعداد للتضحية من أجل الوطن فالكل اليوم ينظر لنفسه ويريد ان يعيش بعيداً على الرغم من قناعة الجميع بوجوب زوال هذا النظام. هناك العديد من الاصوات المتفرقة التي ترتفع منادية باسقاط النظام لكنها تفتقر للنظيم وتوحيد الهدف وكيفيفة التحرك لاسقاط الذي لا يحتاج إلى كبير عناء فهو تداعت اركانه وووووووواصبحت كمنسأة سليمان فلو نظمنا انفسنا وتجركنا لهوى النظام وسقط. هذا بالاضافة إلى أن هناك بعض الآراء المخذلة والتي يدعمها النظام مثل الخوف من البديل ومن الفوضي والصمولة التى ستعم البلاد في حالة سقوط هذا النظام. من قال أن البديل سيكون هو الصادق أم المرغني أو الترابي أو أي شخص اخر؟ عليناجمعياً أن نعلم ان البديل لن يكون أشخاص ولن يقوم على الاشخاص. البديل هو نظام متكامل يقوم على الحرية والعدالة والمساواة واحترام القانون والدستور. نظام يكون فيه السودان لكل السودانيين بمختلف سحناتهم ومعتقداتهم واصولهم لا فضل في الوطن لسوداني على سوداني إلا باحترام الدستور والقانون. بعد ذلك فليحكمنا من يحكمنا طالما ما تقيد بهذا النظام. فدعونا من سياتي بعد الانقاذ ومن ترديد هذه الاسطوانة التى يرددها ويزكيها النظام وسدنته.

  4. أنا شخصيا مقتنع تماما بأن الربيع السودانى سوف يأتى يوم القيامه العصر..وأرجو من قراء الراكوبه الكرام أن يذكرونى كلامى ده لو حصل قبل كده عشان أبلعوا.

  5. اقولها لك بصراحة .. سلوك الاسلاميين من ضرب القوميات والمكونات السودانية ببعضها (قبائل فى مواجهة قبائل اخرى ، اسلام ضد المسيحية وباقى الديانات ، توظيف حكومى على اسس قبلية ، افقار اقاليم ومحاباة ظاهرية لاخرى ) كل ذلك بالاضافة الى العوامل الاخرى ، جعلت من القوميات السودانية زاهدة عن الوحدة الوطنية ، كما ان هذا السلوك اوجد تعريفا جديدا للوطن فقديما كان الوطن يعنى لى كل السودان ، وكنت على استعداد للتضحية من اجله ، اما الان فليست لدى ادنى استعداد للتضحية لمكان اسمه السودان ، فالسودان ليس على قلب رجل واحد ، لكننى على اتم الاستعداد والموت فى قضايا شرق السودان الى ان تصل الى الحلول المرضية لاهلنا ، بالنسبة لى فالشرق اولا والشرق ثانيا واخيرا
    نفس الشيئ ينطبق على اهل دارفور ، وجبال النوبة ، بفضل الاسلاميين فقد توصل السودانيين الى خلاصة انهم ليسوا بشعب واحد على الاطلاق ، والسودان ليس بأرض واحدة ولا وطن يسع للجميع ، فلم التضحية ؟؟
    وقود التظاهر اصلا كانوا الدماء الحارة من جنوبيين ونوبة واهل دارفور ، ذهب الجنوبيين ، والنوبة لن يرضيهم شيئ الا الاستقلال ، الدارفوريين فى قرارة انفسهم زهدوا عن السودان ولا يرجون الا تقريرا لمصيرهم ، وسيفعلون ، اهل الشرق لن يرضوا باقل من تقرير المصير والانفصال لخنق السودان وتاديبه كما خنقت اثيوبيا.

    يجب الا نرجوا شيئا من اهل الوسط والشمال النيلى ، فهم ببساطة يخشون من ان يأتى اهل الهامش لاغتصاب نساءهم ؟؟ !! هكذا بكل بساطة ،، وكأنهم يحملون السلاح ويواجهون الموت فقط من أجل ممارسة الجنس مع الشماليات. وكأنهم غير منضبطين اخلاقيا وعسكريا ، وكأنهم بلا نساء ولا اسر ولا اطفال.

    لقد ماتت الوطنية السودانية بلا رجعة ، ولن تعود ابدا .

  6. الخوف الحقيقي من الهامش علي حسب العقليه الفوقيه لو تكاملت الادوار الجبهه الداخليه مع الجبهه الثوريه لقضي الامر من زمان

  7. السبب هو عدم امتلاك المعارضة للوسائل الاعلامية التى تمكنها من ايصال خطابها الى المواطنين الذين فلحت السلطة تماما فى السيطرة عليهم عبر ما تبثه بالقنوات الفضائية .
    تخويف ابناء الوسط والشمال النيلى من أهل الهامش . وايغال صدور اهل الهامش لاستغلال تصريحاتهم . فى تاكيد عملية التخويف او قسم صفوف الشعب واحدة من التكتيكات الناجحة والخبيثة التى تتبعها السلطة
    ايضاً التخويف والتشكيك من البديل القادم
    و التأكيد على ان بدائل البترول الذى فقده السودان بانفصال الجنوب موجودة وتتمثل فى الذهب والمنتجات الزراعية الاخرى .

    وضع اقتصادى مزرى وغلاء غير مسبوق ولا يوجد له مثيل فى العالم . لكن السلطة وعبر قنواتها نجحت فى ان تقنع المواطنين بان ما يحدث لهم هو (أزمة عالمية) تحدث فى كل العالم . وان الاقتصاد السودانى ناجح ويشهد تطورات .

    حجج واهية وكذب صريح
    لكن السلطة تعرف كيف توظفه اعلامياً فى صالح استمرارها
    وما لم تسعى المعارضة الى امتلاك وسائل مماثله تصل بها الى الجميع ولترد بها (بالحقائق) على كذب السلطة
    فسيستمر الوضع كما هو عليهً

  8. اذاكان ديل ناس الدين بسو كد قولو خليتو شنو ماسويتو الفاسد فى زمة النزيه كلكن فى مركب واحده ماف كوز يعمل نزيه وماعارف البحصل وبتقولو الستره تتستر من منو ماالناس شايفه دا فلان الكوز وراكبه معاو 000000ولافلان سرق الشركه الفلانيه ولاالمنظمه وحداث حدث حداث وعم الخبر والله الا الفساد الخارجى الماعارفنو وبرضو الخبر بيجى

  9. عفوا استاذ معاوية لاختلف معك فى بعض ما ذهبت اليه..اذ اعزى اللامبالاة من الشعب السودانى لما يعتريه ليس ضعفا فى وطنيته وانما لاستكانته منذ23عاما بحكم تدينه الفطرى لخطل مافيا الانقاذ وانها هدية السماء له وانها جاءت لانقاذه من شرور الطائفية والملحدين كما جاء فى بيانها الاول(وبالتالى سلمها دقنه)..
    وللاسف لم يفق القوم الا بعد ان ظهر الفساد فى البر والبحر واستقوت الانقاذ بقواها الامنية.. مع اختراقها للمعارضة واضعافها واحتضانها لرموز الطائفية بالقصر مما جاء وبالا عليها من حيث لا تدرى ..
    ومما يؤسف له فان شعار الشريعة والدين الذى تم استغلاله بصورة لا اخلاقية مع عدم وجود القدوة الصالحة قد غرس فى معظم جيل الشباب الراهن انطباع سيئ عن كلما هو اسلامى والاسلام براء مما يمكرون.. ولله الحمد فقد ارتد السحر على الساحر اذ هناك صحوة عارمة وسط الشباب لازالة هذه الطحالب المستترة خلف عباءة الشريعةالمفترى عليها خاصة بعد الكشف مؤخرا بان الشريعة فى واد واهل الافساد-عفوا الانقاذ فى واد آخر رغم المحاولات اليائسة بتكرار اسطوانة الشريعة المشروخة وكانما لم نسمع بها منذ 23عام..ولكن القطار قد فات ..

  10. انتهازية وضعف المعاضة وتصفية الجيش وتحويلة الى مليشيا في يد النظام الاخواني الذي يتبع للتنظيم العالمي للاخوان هو السبب.

  11. قبل مجئ اهل الأنقاذ اذا تغنى المبدع وردى يا شعبا تسامى ياهذا الهمام , وعندما يترنم ابو اللمين يا الشعب الذى سحق الضلال المجد لك , كان القلوب ترتجف وتقشعر اللأبدان وتنتاب الكل احاسيس وطنية جارفة بحب هذا الوطن كان هذا فى الثمانينيات من القرن الماضى عندما كنا شبابا فى الجامعات ولكن منذ مجئ الانقاذ قسم الشعب السودانى اولاَ الى مسلم وغير مسلم (كافر) ثم لاحقاَ الى عرب وزرقة ثم الى توزيعات جغرافية ضيقةثم ثم مرة أخرى الى بطون قبائل وافخاذ فكيف يكون هنالك ولاء لوطن, الولاءللتفريقات المذكورة وهذا هو سر قوة النقاذ

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..