أخبار السودان

قراءة في رواية : حيث تكمن الألوان، للروائي الشاب محمد قسم الباري

سعدت جدا بقراءة رواية حيث تكمن الألوان للروائي الشاب محمد قسم الباري. الرواية تغوص عميقا داخل النفس البشرية، ترصد تناقضاتها، عذاباتها وفصامها في مواجهة واقع يومي يفرض دون رحمة شروطه المتغيرة.
تناقش الرواية قضايا الاستبداد والهجرة بنظرة مغايرة لكاتب شاب خاض هو نفسه تجربة الهجرة. شخصية البطل الثاني، الغائب الحاضر في الرواية مشغولة بالنضال ضمن مجموعات اخرى من الطلاب ضد السلطة العسكرية. ظلال تلك الشخصية تصاحب البطل المحوري للرواية طوال الوقت، تذّكره بالنقص الذي يعتور شخصيته السالبة تجاه الاخرين، الايجابية تجاه نفسها. يضطر لتبني شخصية شقيقه في مرات كثيرة ليجد مدخلا لعوالم كثيرة لا مجال لولوجها بشخصيته الجامدة المنكفئة على ذاته. بدءا بالهجرة نفسها حيث تفتح له قصة معاناة شقيقه مع السلطة أبواب اللجوء السياسي الى الخارج. رغم موهبته الكبيرة في الرسم، كأن الرواية تريد أن تقول ان تركيز الطاقة الكامنة في اللاوعي وصولا للإبداع سيساوي اغراقا في السلبية تجاه العالم وتجاه هموم الاخرين.
يقول يعقوب الشخصية المحورية لاستاذه في الجامعة حين يلاحظ أنه في جوانب كثيرة يشابه شخصية الفنان الهولندي فان خوخ:
لا اريد أن اكون فان خوخ الفقير، بل بيكاسو المترف!. لكنه في الحقيقة يبدو أشبه بمصطفى سعيد، يريد أن يأخذ كل شئ دون أن يعطي شيئا في المقابل.
تندمج الشخصيتان في شخصية واحدة في أحيان كثيرة وتتباعدان في أحيان اخرى. بحسب نوازع النفس الفصامية الأمّارة بالفن والواقعة تحت تأثيرات مختلفة، من نزوع نحو خدمة الناس والمجتمع الى نزوع نحو ترقية الذات وقطف ثمار السلبية تجاه العالم. تتقاطع الشخصيتان حتى في قمة صراع الموت والحياة الذي يلازم مسيرتهما طوال الوقت، حتى يقف يعقوب في مناسبة إجتماعية لبني وطنه، يقدمونه بإعتباره المناضل الفنان، ينتصر عندها لشخصيته المحورية، يشن عليهم هجوما صاعقا، على تفاصيل وأسلوب حياتهم، يتبرا من شخصية ياسر شقيقه في دواخله، يبدأ عندها يتعافي من الصراع الفصامي في شخصيته والذي يترك آثاره حتى على علاقته بزوجته الامريكية التي كانت تبدي دائما ميلا نحو الشق الآخر في شخصيته: شخصية الانسان الذي يناضل من اجل الاخرين ويتفانى في سبيل تقديم شئ لهم حتى لو كلفه ذلك عمره.
لا يكلف شخصيتنا المحورية قتل أخاه سوى تمزيق قصة حياة ونضال شقيقه التي ظل يعتاش عليها ليفتح لنفسه أبوابا الى العالم خارج نفسه.
الرواية تصور أيضا تجربة الهجرة لشاب صغير في حقبة التسعينات وتصور جانبا من الحياة في مدينة القاهرة والتي كانت محطة هامة توقف عندها معظم من اضطروا للهجرة عن الوطن هروبا من الواقع المزري الذي خلفته ممارسات السلطة الانقلابية، من طرد للناس بالجملة من وظائفهم ومطاردة وإعتقال وتعذيب الناشطين، وتدمير اسس الروابط الاجتماعية. تعالج الرواية علاقة الأجيال الجديدة التي ولدت او نشأت في المهاجر ونظرتها لثقافات وطنها واندماجها في المجتمعات الجديدة وما يثيره ذلك من إشكالات في علاقاتها بوطنها وبتنظيمات بني وطنها في المهاجر.
وبعد هذه مجرد قراءة إنطباعية متعجلة لرواية كبيرة بكل المقاييس، هي أضافة هامة جدا للمكتبة السودانية، وتستحق قراءات نقدية متخصصة . إنها خطوة أولى عملاقة لروائي شاب يمتلك بقوة كل أدوات فنه وإبداعه.

لتحميل ملف بي دي إف للرواية يرجى زيارة الرابط:

[url]http://wawnovels.blogspot.nl/2013/10/blog-post_840.html[/url]

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. هكذا يا أيها الروائي أحمد الملك
    يقدم رفقاء القلم أقرانهم بحب !!…
    ما أسعد المشهد الثقافي السوداني بك
    لو كان كل الأدباء السودانيين مثلك !!؟…
    لتغير الحال ؟؟….
    و صار أدبنا معروفاً
    و خرج من غشاء العتمة
    أكتبوا عن بعض بحب
    كما فعل الروائي أحمد الملك

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..