الحوار الوطني.. هل تصدق تنبؤات قطبي المهدي

لما كانت قضية الحوار الوطني الذي انتظم الساحة السياسية السودانية طوال الأشهر التسعة الماضية، فقد أثار تصريحٌ منسوبٌ إلى د. قطبي المهدي القيادي بحزب المؤتمر الوطني الحاكم أمس الكثير من التساؤلات عن المصير الذي يمضي إليه الحوار الوطني، وفتح الباب على استفهامات أخرى لا تفتأ تتجدد بشأن مصير هذا الحوار وجدواه.. قطبي خلُصَ إلى نتيجة نهائية مثيرة ومفزعة مفادها أن الحوار الوطني الجاري الآن لن يفضي إلى شيء، واعتبر “أن الحوار الوطني لن يفضي إلى شيء وأن الأحزاب المشاركة فيه والحركات التي ستنضم إليه ليس لديها ما تقدمه للشعب في الحقيقة”..
ومن المعلوم أن تصريح قيادي مثل د. قطبي المهدي عن أن الحوار الوطني لن يفضي إلى شيء، حديث له وزنه عند الأحزاب المشاركة في عملية الحوار وأيضا تلك التي تنتظر في الضفة الأخرى ما بين الدخول او الرفض أو الاكتفاء بالمشاهدة والمراقبة، بإعتبار أن د. قطبي أحد قيادات حزب المؤتمر الوطني العالمين ببواطن الأمر، وهو الأمر الذي يدفع ببعض المراقبين إلى تفسير التصريح على أنه تأكيد على حقيقة أن الحوار الوطني الجاري يمضي باتجاه هدف آخر غير الأهداف المعلنة او إلى هدف غير الذي تخطط له القوى المشاركة وما يأمله السودانيون..
د. قطبي لم يتوقف في تصريحه عند التقليل من شأن المنضمين إلى الحوار الوطني فقط، بل ذهب إلى أكثر من ذلك عندما قال إن د. حسن الترابي الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي لا يريد الظهور حتى لا يفسر الحوار بأنه بين الشعبي والوطني. ونوه إلى أن الترابي هو الشخص الوحيد الذي يتبنى الحوار الوطني.
قطبي حصر طبيعة الحوار في شخص الترابي بإعتباره المحرك الأساسي للحوار، بالنظر إلى تبني المؤتمر الشعبي الدفاع عن الحوار بكل ما أوتي من قوة في تحوُّلٍ وصفه مراقبون وقتها بالناعم، على عكس ما كان عليه خطاب الشعبي العدائي إبان وجوده في ضفة أحزاب المعارضة، حين كان ينادي بإسقاط النظام بكل الوسائل ويرفض رفضاً باتاً أية محاولة للتقارب او الحوار او الاتفاق مع الوطني، ذلك التحول في خطاب الشعبي من المعادي إلى المتوافق مع خطاب الوثبة الذي دعا إليه الرئيس عمر البشير في يناير الماضي، برّره د. حسن الترابي الأمين العام للشعبي في حينه، بقوله في تصريحات صحفية عقب الخطاب، إن قبول حزبه الاستمرار فى مبادرة الحوار الوطني التي دعت اليها الحكومة خلال يناير الماضي محاولة للسعي إلى إرجاع السلطة للشعب. وهو تبريرٌ وصفه مراقبون بأنه يتوافق مع رؤية المؤتمر الشعبي القاضية بتغيير السلطة، ومادام الحوار أوْجَد فرصة تغيير النظام من خلال الحوار فالحزب تبنى تلك الخطوة لتلك الإعتبارات، إلا أن الحديث عن أن الترابي يتبنى الحوار الجاري فهذا يطرح العديد من التساؤلات والتي أجاب عليها من قبل كمال عمر الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي بوصفه الحوار الوطني بالفرصة الوحيده لتغيير النظام، والحل الأمثل لذلك، وقال إن الحوار الوطني يمثل الخيار الأمثل للمؤتمر الشعبي للحفاظ على أمن واستقرار السودان والإبقاء عليه مُوحّداً. وأشار غيرما مرة إلى ما يحدث في دول الربيع العربي من اقتتال وتقسيمات وتهديد أمني، وأوضح كمال عمر في تصريح له بداية الأسبوع الحالي أن حزبه طرح ست قضايا رئيسية أهمها الحريات والاقتصاد والهوية والمواطنة وقضية الحكم، وقال إن إرادة الحوار لدى حزبه تم إطلاع كل الأحزاب السياسية في تحالف الاجماع المعارض عليها. وأعلن كمال عمر أن حوار حزبه مع الوطني لم يبدأ بعد، وأبان سيستمر لفترة ثلاثة أشهر كفترة قصوى، وأشار إلى إيمان حزبه بأن قضية الحوار تعتبر المخرج الوحيد للبلاد من أزمتها.
وبالتالي يدعم تأكيد كمال عمر على أن الحوار هو الحل الأمثل لتغيير النظام تبرير د. حسن الترابي الذي طرحه من قبل بشأن طبيعة الرغبة في مواصلة الحوار الوطني إلى آخر نقطة، إلا أنه لا ينفي كذلك ما ذهب إليه القيادي بالمؤتمر الوطني قطبي المهدي تاركاً خلفه التساؤلات.
المؤتمر الشعبي ظل حريصاً على إقامة الحوار الوطني بل مضى إلى أكثر من ذلك حيث كشف عن اتصالات شملت عدداً من الحركات المسلحة بغرض إقناعها للدخول في عملية الحوار الجاري حسب كمال عمر في تصريحه لـ (الرأي العام) أمس الأول، بأن حزبه أجرى اتصالاً مع حركة مسلحة قوية ومؤثرة داخل منظومة الجبهة الثورية، بجانب اتصالات أجراها مع عبد الواحد نور ومنِّي أركو مناوي وجبريل إبراهيم، وكشف عن ترتيبات للاتصال بياسر عرمان وأكد أن عملية ضمّ الحركات تحتاج الى بنيات قوية للثقة..
الحراك الماكوكي الذي يقوم به الشعبي والحرص على أن يصل الحوار إلى ما تحدث عنه الأمين العام للحزب من تغيير في بنية النظام القائم مقروءاً مع تصريحات قطبي أعاد إلى الأذهان تصريحات مختلفة قللت من قيمة الحوار الوطني وما سيترتب عليه ذلك – على نحو ما كان قد تحدث عنه موسى هلال زعيم قبيلة المحاميد والذي حدد الغرض من دعوة الحزب الحاكم للحوار الوطني بثلاثة أهداف: هي جمع الفرقاء الإسلاميين “المؤتمر الوطنى والشعبي”، والإعداد المبكر لإنتخابات 2015م وتفريغ حالة الإحتقان وتفكيك التحالفات السياسية.
موسى هلال لم يكن وحده من انتقد ما يجري عليه الحوار بل توافق معه بروفيسور حسن مكي محمد أحمد المدير السابق لجامعة أفريقيا العالمية والمُحلل السياسي في إفادات سابقة والذي قال إن الحوار الحالي مجرد حوار داخلي بين الإسلاميين بغرض إعادة وحدتهم، ولا يخاطب اﻵخرين، وإذا ظل هذا الحوار مغلقاً على مكونات الإنقاذ ومدارس الحركة الإسلامية المختلفة من المؤكد لن يحل الإشكال السوداني.. بل مشكلة الحركة فقط، يجب قبل أن يموت مزيدٌ من الناس أن نصل إلى حل.
لكن ورغماً عن العاصفة التي تثار حول الحوار وجدواه إلا أن مراقبين يرون أن هذه مجرد آراء لا تعبِّرُ عن واقع ما يجري عليه الحال فعلا، وهو ما ذهب إليه المحلل السياسي البروفيسور حسن علي الساعوري أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية في حديثه لـ (الرأي العام) أمس، وقال إن حديث د. قطبي المهدي مجرد رأي ولا يمكن أن يكون معلومة بإعتبار أن المؤتمر الشعبي دعم الحوار وأعلن موقفه مع الحوار، وبالتالي الحديث عن الترابي بإعتباره الشخص المحوري في الحوار عارٍ من الصحة، فقطبي أراد أن يقول للأحزاب أنك غير مهمةٍ في هذه العملية الجارية. وأضاف: لذا إن كانت الأحزاب غير مهمة ولن تُقدِّم شيئا يدعم عملية الحوار الجارية فإن الترابي أيضا لن يقدم شيئاً. وتابع: الحوار الحالي أصبح حواراً قومياً وليس حواراً بين أحزاب سياسية، بل وأصبح هنالك رأيٌ عامٌ مجتمعيٌ وقُوىً أقليمية تدعم ذلك الحوار، بجانب الشعب السوداني ودول الجوار. واعتبر الساعوري أن ما جاء في حديث د. قطبي مجرد رأي يمثله هو وليس معلومة تعبر عن المؤتمر الوطني الذي ينتمي إليه.
وما بين تبريرات د. حسن الترابي للمشاركة وتصريحات د. قطبي وآخرين بشأن الحوار، فإن هنالك الكثير من الحراك السياسي الذي ستقود نحوه المواقف الحالية من جملة العملية الجارية في فضاء السياسة السودانية، والتي بدروها ستبين النتائج النهائية للحوار الجاري الآن عاجلاً أم آجلاً.
تقرير: الرأي العام
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اخ مجاهد تحليل جيد ولكن مشكلتنا بنيوية اساسية وماقاله قطبي هو عين الحقيقة لان يمثل النية المبيتة لدى المؤتمر الوطني وهو ما قاله نافع ان المؤتمر الوطني ليس من الغباء بأن يدع الاحزاب تفكك صواميل المؤتمر الوطني في قاعات مكيفة وهو نفس الحديث الذي قاله كمال عبد اللطيف البكاي انهم سوف يحكمون مئاتين عام.. هناك حكومة خفية للحركة الاسلامية والكيزان وان ما رشح من احاديث هو يمثل الرأي السائد وسط الحكومة الخفية للمؤتمر الوطني ..الحكومة تريد استغلال الحوار لثلاث جهات:
    1- جهة الوصول الى بر الانتخابات بنفسها وتحت ادارتها
    2-ثانيا تخفيض الضغط الدولي عليها وتعول الحكومة على مرور الوقت وتغيير القناعات
    3-تريد الحكومة الاستمرار في ان ياتي برنامج رفع الدعم الذي تمارسه اكله في القريب العاجل ريثما تلتقط الحكومة انفاسها.

    اما الترابي فهو اصلا لم يغادر هذه الحكومة وهو الذي يقود الحكومة السرية الخفية للمؤتمر الوطني من زمن المفاصلة فكيف نصدق ان الترابي يريد سلام او يريد خيرا للبلاد وهو الذي قصم ظهر البلاد بهذه الحكومة وهو الذي اسسها وقاموا بالانقلاب على الشرعية والانقلاب الذي حدث في مكونات الشعب السوداني واخلاقه فالترابي يسعى بكل ما اؤتي من قوة وطبق جميع نظريات الخبث والميكافيلية البغيضة مستغلين طيبة الشعب السوداني وعدم انشغاله بالسياسة فبداو حملتهم ضد الشعب السوداني ايام نميري ثم خلال فترة سوار الدهب ثم خلال فترة الديمقراطية – حكومة الصادق ثم توجوا اعماله بالقبض المحكم على مفاصل الشعب السوداني خلال هذه الحكومة..

    وينسب الى المرحوم الفريق الزبير قوله انهم ماضون في تنفيذ الخطة الموضوعة حتى لو ادى ذلك الى ذهاب نصف الشعب السوداني وهو ما يجري تطبيقه على يد حكومة الجبهة والمؤتمر الوطني..

    اذن كلام قطبي المهدي موش صحيح وبس بل هو السياسة الخفية للمؤتمر الوطني والكيزان عموماً

  2. حوار الداخل بعد تبنتو الالية الافريقية مع لجنة السبعة اصبح ميت او بالاصح مجرد شكلية للاسترشاد.
    ودي الورطة الوقع فيها المؤتمر الوطي لانو بصفتو دي غير معتمد امام الالية الافريقية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..