أخطاء الانهيار الاقتصادي «1»

كتبت صحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية مقالاً عنوانه: «الانهيار الاقتصادي الشامل والمقاطعة البنكية للسودان تهدد مخزونه الاستراتيجي من القمح»، جاء فيه:
يكافح السودان من أجل الحفاظ على مخزونه الاستراتيجي من القمح بعد تناقصه، بسبب تمنّع مصارف غربية وخليجية من فتح اعتمادات بنكية، عقب رفضها التعامل مع البنوك السودانية، وتعرضت بنوك غربية للعقوبات الأمريكية بسبب تعاملها مع الخرطوم، وتعرض بنك «بي. ان. بي باريبا» الفرنسي لغرامة قدرها «9» مليار دولار من سلطات الولايات المتحدة التي اتهمته بأنه كان بمنزلة «البنك المركزي لحكومة السودان» وبانتهاك العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة على الخرطوم.
أن يقف نظام الحكم هكذا عاجزاً عن مواجهة العقوبات، هذا أمر معيب وإن دل إنما يدل على فشل النظام الحاكم في إدارة شؤون البلاد. هذه العقوبات لم تفرض اليوم إنما منذ أمد طويل، لكن الجديد في الأمر أن المصارف الخليجية بدأت تطبق هذه العقوبات، وهذا يعني قفل المنفذ الوحيد الذي بقي ليتنفس منه الاقتصاد السوداني!!
قبل ربع قرن من الزمان رفع شعار«نأكل مما نزرع» ولكنه كان مجرد شعار، فالقول سهل، ولكن العبرة في التنفيذ، وقد كانت تجربة يمكن أن تنجح، فزراعة القمح ليست بالأمر الجديد على السودان، وهي زراعة معروفة لدى السودانيين عبر القرون، وقد كان الاكتفاء الذاتي من ذلك المحصول الاستراتيجي يؤمنه المزارع السوداني!
كما أن الذرة يمكن أن تقوم مقام القمح وبنسبة عالية تفوق السبعين في المائة، بعد إضافة مادة رابطة بينهما وقد أثبتت التجارب العملية هذا، وتم إنتاج خبز مكون من الذرة لا يقل عن السبعين في المائة، وقد كتبت عن هذا قبل أعوام ولكن الصمت الأصم من قبل الدولة جعل من النداء صرخة بلا صدى!
يستورد السودان ما قيمته مليار ونصف المليار دولار سنوياً من القمح، وبعملية حسابية بسيطة نجد أن الذرة يمكن أن تقلل من هذا المبلغ ما مقداره مليار دولار ويزيد، ما يعني أننا يمكن أن ننتج من القمح محلياً ما يسد الحاجة، ولا أبالغ فيما أقول فقبل ربع قرن من الزمان باع السودان أكثر من مائة ألف طن كانت فائضة عن الحاجة!
ولكن الأصوات ترتفع لرفع الدعم عن القمح بدلاً عن التوسع في إنتاجه، وبدلاً من الدعوة إلى التوسع الرأسي في زراعة الذرة والدخن والذي هو الآخر يمكن أن ينتج خبزاً عالي التغذية بعد خلطه مع القمح مستخدمين ذات المادة الرابطة بينهما، وكذلك الأمر يسري على «الفيتريتة»، وهذا التوسع في زراعة الذرة يفتح أبواباً كانت مغلقة في وجه الاقتصاد السوداني كما يفتح الأبواب واسعة للمواطنين للعمل في مجال الزراعة، الأمر الذي يفتح أبواباً واسعة أمام المواطنين لكسب العيش الشريف!
والذرة وزراعتها في السودان لا تحتاج لخبرة كبيرة، فالسودان عرف زراعة الذرة منذ أمد طويل كما أن الدراسات التي يقوم بها العلماء في هذا المجال كثيرة بحيث يصعب حصرها. وبعض أنواع الذرة يمكن زراعتها في الشتاء، كما أن المناخ في السودان ُيمكِّن من زراعة الذرة من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه، فلماذا تتجاهل الدولة ذلك المحصول الاستراتيجي بينما تعاني من العقوبات التي تهدد المواطن بالموت جوعاً؟ ليس لأركان النظام الحاكم حجة أمام الله والذي لا شك في أنه سائلهم وسائلنا معهم «فيم كنتم»؟ توليتم أمر الأمة فجاعت، والجوع يقود أول ما يقود للكفر، أما نحن فمسؤولون عن صمتنا عن الجوع وضنك العيش، لم تحمَّلنا كل هذا؟
والغذاء كما ذكر المولى عزَّ وجل هو ركيزة الأمن الأساسية «فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» هكذا جاء الأمر الإلهي لعبادته فهو الذي أطعم وهو الذي نشر الأمن بين الناس.. وما دام الإنسان مكتفياً بالغذاء وآمناً في وسطه الذي يعيش فيه فإن المناخ صالح للإنتاج والتنمية والرقي!
بعض الدراسات أثبتت أن الذرة يمكن أن تحل محل القمح بنسبة مائة في المائة وليست خمسين أو سبعين كما أثبتت التجارب من قبل، ولكن، هل هناك من اطلع على هذه الدراسات أو قام بتمويلها من قبل الدولة، والتي أضعف ما يمكن أن تقدمه الدولة هو تمويل الدراسات وأقل ما يمكن أن تقوم به الدولة هو عدم الاهتمام بالدراسات العلمية، فهي لا تشغل مثقال ذرة من تخطيطها أو على الأصح تخبطها فكل ما لا يقوم على دراسة فهو تخبط!
كما أن أسوأ الثورات التي تندلع هي ثورة الجياع، والتاريخ أثبت هذا في الثورة الفرنسية التي لم تستقم إلا بعد مرور أكثر من قرن ونصف القرن، والثورة البلشفية التي قضت نحبها بعد سبعين عاماً فبالجوع هبت وبه سقطت!
ونواصل..
الشرق الاسط
[email][email protected][/email]