“فطومة” بت خالتي ليلا

* سمراء ضامر عودها اطراف اصابعها خشنة من كثرة ما امسكت بسبيط شجيرات النخيل وعبدت جداول الماء المتدفق بترو وكأنه سيمفونية موسيقية من الزمن الجميل.. هذه الفطومة في وجهها ترتسم كل ملامح الطيبة السودانية ابتسامتها بيضاء كقلبها النابض بحب يلملم مساحات الوطن بكل تفاصيل قبائله وبيوتاته المبنية من طين اخضر وتعريشات من بعض بقايا اثواب بالية وعيدان حصير عجفاء لا تكفي لحماية سكانه من اشعة قرص الشمس الحارقة. لكنه يسع الابناء والخالات والعمات الكمل ناس عشي البايتات.
* فطومة جاءت من مدن السودان ضمن وفود الاهل خصيصا لتشاركنا الافراح باحد البصات السفرية من بلدي القدار ريفي دنقلا العجوز وفي كل محطة تقف فيها الراحلة كانت تصحو من غفوتها لتسأل وصلنا الخرطوم بيت بنيتي بت امنة كانور.. هي تعتقد اننا أعلام بارزة تجدها عند نواصي الشوارع واسماؤنا مسطرة على بوابات المدن الكبيرة يعرفها الغاشي والماشي .
* هكذا هم اهلنا الطيبون في الريف يحسبون ان اهاليهم قامات عالية جاء احدهم بنفس تلك البصات الهالكة وعند منحنى مدينة امدرمان العتيقة سأله السائق أتعرف منزل من هذا؟ فرك عينيه وقال بلهجة دنقلاوية وبثقة لا يخالجها الشك (الدور شرفي كار) بمعنى اعتقد انه منزل شرفي وكان ذلك المنزل هو ديار طيب الذكر الزعيم اسماعيل الازهري رئيس وزراء السودان الاسبق ورافع علم استقلاله يوم جلاء المستعمر الانجليزي.. وشرفي طيب الله ثراه كان صول بالشرطة السودانية وابنه عبدالرحمن شرفي الان طبيب قلب شهير وابنته امنة من اوائل خريجات جامعة الخرطوم .
* “فطومة” نموذج لنساء بلادي هن كوكبة من البشر معجونات بسماحة الخلق وحسن المعشر لا يملكن من حطام الدنيا غير نخيلات عجفاء بقلبها شيء من التمر وزريبة بهائم نعيجاتها بالكاد تسقي صغارهن.. لكن فطومة ورفيقاتها من بنات عمومتي وخالاتي يملكن ما لا يملكه ساكنو القصور والحواشات مكتنزو الاموال، انهن عفيفات صابرات على رهق الحياة الكؤود تتمدد اياديهن بمصافحة نابعة من القلب للقلب وباياديهن “صرة” مليئة بحبيبات فول وتمر وحين قمح وزجاجة سمن بلدي معتق، فمواجبة الاعراس عطايا جزيلة وواجب مستحق حتى ولو كان خصما من مؤونة سنة القحط او الرخاء .هن تماما كأم زوجي النقية التي جاءت بكل ما تملكه من مؤونة دارها وشحنت قلبها بمحبة جعلت منها شابه في عمر الزهور وهي ترقص بالعديل والزين وتتقافز بقامتها على كيد الكايدين ناقصي العقل والدين وتدعو ان يحرسه المولى من عين الحسود ويعمره بالبنين والبنات .
* لهن التحية والدعاء للعلي القدير ان يلبسهن اثواب الصحة والعافية ويديم عليهن وهج الحياة الخضراء بسماحتهن وكرمهن النابع من قلوبهن الصافية المليئة بالمحبة الحق لان ذلك هو اجمل وازهى ما بقي من قيم السودان الجريح ربي يشافيه ويعافيه ، صحيح.. ان الشعوب تجوع وهي تشعل قناديل الامل والمحبة.
عواطف عبداللطيف
اعلامية مقيمة بقطر
[email][email protected][/email] همسة: شكرا فطومة وعيشة وشامة وسامية وعوضية وعالية وكثير من نماذج اهلي الكرام.
استاذه عواطف المعدن تغير إلا من ما ذكرتيهم اليوم كنت مع رجل البر ( الشيخ الدباغ ) ذكر لي عن تبدل اهل السودان في فترة قصيرة , فقلت له ريفنا سيحتفظ بتلك السماحة ونحمد الله غالبية سكان المدن بالمهجر محتفظين بكل سماحتهم.. شكراً لك كنداكة عواطف
و عن ما وجدن ؟ اين رد الجميل ؟ فابناء و بنات الشمالية ، مبعثرين في نواصي الدنيا الاربع. و الان اصبحت الشمالية خرابات مهجورة ، لا ماء و لا كهرباء و لا مستشفيات و لا مدارس و لا مصانع . اصبحت الشمالية ذكريات في عقول المهاجرين. وهذا هو عقوق الابناء الماثل امامنا و لا يحتاج لدليل.
أها تاني خليها ترجع … والله بدبابة ما ترجع …
انتِ انسانة جميلة الدواخل وجميلة الاسلوب وما ابهجني هو ان مقالك كصحن الصيني ليس به شق هطأ املائي ولاطق خطا نحوي وهذا نادر علي ايامنا هذي ! اهلنا البسطاء لا ينخيلون علو قدر اقربائهم انما هو اعتقاد يكاد يكون طينة لازبة عي تكوينهم انهم جميعا رفيعو اقدار . حكي احد كبار موظفي مشروع الجزيرة في كتاب صدر له ان بعض اهلنا هؤلاء من المزارعين من انحاء مختلفة من السودان فشلوا ان يوصلوا مطليهم الي مفتش انجليزي جاء من بلده حديثا وكانوا يطلبون البذور للزراعة ! لمحوا مترجم المشروع فتصايحوا به ولما اقبل عليهم قالوا له : تعال كلم البومة دا يدينا التيراب ! ولعل البومة الذي كان منجعصا علي حصانه لم بفهم كلمة تيراب وقد درسها بذورا ! اولئك اباؤنا يا اختاه !