من ذكريات زمن الشموخ أساتذتي (3) المناضل الكبير الراحل المقيم الباشمهندس محمد هدلول

بعد قبول عضويتي بالحزب الشيوعي استلمت اول مسؤولياتي بفرع السكن مسؤولا ماليا وقد تهيبت تلك المسؤوليه وانا اعكف على اعداد الخارطه الماليه للفرع وخاصة وان فرعنا كان يضم اثنين من كبار قادة الحزب بالمنطقه والذين قدمو الي مساعداتهم الرفاقيه وانا في اولى خطواتي بدون ان يشعروني بانني جديد وقليل الخبره خاصة وقد كنا نعمل بالخفاء (ايام نميري) وبعد ان تمت مراجعة الخطه وجهني المسؤول التنظيمي الى تسليم التقرير الى المسؤول المالي للمنطقه لكي يتم التعامل بيننا من الان وصاعدا وبعد اجراءات التامين المعروفه وجدت نفسي في حضرة استاذنا هدلول لاول مره والغريب انه تعامل معي ومنذ الوهلة الاولى باعتباري زميلا قديما وراجع معي الخارطه وبنودها ثم استلم مني الماليه ولم يستغرق الامر اكثر من ثلث ساعه ومن ذلك اليوم بدأت علاقة عميقه وصادقه بيني وبين ذلك الرجل العظيم ثم لم البث ان ترقيت في عملي الحزبي بعد سنوات وزاملته بلجنة المنطقه كان هدلول مناضلا شيوعيا شجاعا ومثقفا عركته سنوات النضال الطويله وقد اشتهر بنقاءه الثوري وحرصه الرفيع المستوى على مال وخط الحزب السياسي وشجاعته الفائقه وهو يقاوم كل انواع الحكومات العسكريه التى مرت ببلادنا كان هدلول من ابكار المهندسين البجا وهو صاحب مدرسه متفرده في الهندسه المعماريه وتشهد له بذلك عشرات العمارات والمنازل التى بناه بالبورت عامه وحي دبايوا خاصة كما كان معلما لاجيال من المهندسين والفنيين الشباب ممن تتلمذو على يديه بل وكانت له ملاحظات طورت انظمة الحمايه بالمنازل من ابواب وقرللات مازال الفنيون يعملون على هداها كما اشتهر بامانته وحرصه على مصالح الطبقه العامله بدون اهمال حقوق من يجهز لهم اعمالهم وهدلول كان من رجال البر والاحسان ولعل الكثيرون لايعلمون انه كان يكفل عشرات الاسر الفقيره والطلاب بدون من ولا اذى ولا اي اعلان عمنا هدلول وبالرغم من صرامته كمناضل حزبي متمرس كان مرحا وساخرا وصاحب ضحكة رنانه اشتهر بها خاصة عندما تصحبها شتائمه الخفيفة الظل وقد ارتبط بصداقات في كل طبقات وفئات المجتمع يعتبر محمد هدلول من مؤسسي مؤتمر البجا ومن الرعيل الاول الذي وضع بذرته وشارك في تطويره والدعايه له ودعمه ولم يتخل عن ذلك طوال حياته وحتى اخر دقيقه من عمره ولم يخلط يوما بين وعضويته بالحزب الشيوعي ومحبته لمؤتمر البجا بل كان يعتبر ان نضاله كمناضل شيوعي هو في سبيل الطبقه العامله والاقليات الاثنيه المختلفه ولهذا فانه لم يخلط يوما بين هاتين القضيتين فهو مسؤول بالحزب وهو ايضا ناشط في قضية البجا وكان يعي تماما دوره في كل مجال ولهذا فقد ظل محترما وسط قومه باعتباره من اباء مؤتمر البجا كما كان وبسيرته الذاتيه فائقة النقاء خير ممثل لحزبه وسط البجا عمل فقيدنا مهندسا بالاشعال حتى فصله للصالح العام فاتجه الى اعمال المقاولات وهذه ايضا كانت تقطعها اعتقالاته المتكرره وقد تشرفت بصحبته في واحدة منها عام 1991 وقد حكى لنا طرائف متعدده منها اعتقاله بعد انتفاضة 19 يوليو بالسجن العمومي بالبورت وكان معه من ابناء البجا عمنا هاشم بامكار ومعروف ان ابناء البجا لايحبذون ذكر اسماء نساؤهم ولهذا عندما جلس المعتقلون للتعارف بدأ زملاء الخرطوم في التعريف بأنفسهم فكان احدهم يقف ويقول ((اسمي فلان وزوجتى فلانه ولي بنت اسمها علانه الخ الخ)) فصاح هاشم بهدلول كيف سنتصرف لانني لن اذكر اي اسماء نسائيه ولهذا عندما جاء الدور على هدلول وقف وقال(انا هدلول مهندس) ثم جلس فصاح به الزملاء ماهذا الاختصار يازميل اخبرنا عن افرد اسرتك فانت مناضل شيوعي ولن تحكمك العقد البجاويه حول النساء فرد عليهم هدلول قائلا((انا زميل بره البيت وشيوعيتي حدها الباب))) كما اذكراننا عندما هممنا بدخول قسم الدرجه بالعمومي بورتسودان وكان مخصصا للمعتقلين السياسيين نظر هدلول الى الباب السميك والمغلف بالصاج الثقيل فضحك قائلا ((الله يلعن محمد وردي القال لينا السجن ترباسو انخلع هو الترباس ذاتو وينو؟؟؟))) وبالرغم من اصابته بنوع خبيث من الاذمه التى كانت تجعل تنفسه صعبا فلم يكن يلجأ ابدا الى الذهاب الى المستشفى بل يكتفي بتناول ا دويته حيث هو ظل استاذنا ثابتا على المبدأ وبشكل كان يحير بعض من يتلونون مع الايام ولم تكن تأخذه في الحق لومة لائم ولهذا فعندما قمنا بالعمل تحت لافنة مؤتمر البجا كحزب يعمل باخطار شن علينا حملة قويه الى درجة كتابة بيانات جماهيريه ضدنا وقد جلسنا نحن تلاميذه معه وشرحنا له باننا جناح سياسي لمؤتمر البجا الكفاح المسلح وانما نستعين بالاخطار كمظلة تتيح لنا عملا شرعيا وعندها تغير بعض الشيئ وقد ظهر معدنه الاصيل يوم 29 يناير فبالرغم من ظروفه الصحيه وخطورة التجول تحت الرصاص فانه اتصل بي ووضع نفسه وعربته تحت تصرف مؤتمر البجا ولعل الكثيرون لايعلمون انه كان يقود العربه البوكس خاصته ونحن نناور في الشوارع تحت مطاردة عملاء الامن حتى تمكنا من اجراء اول حديث لقناة الجزيره فضحنا فيه حقيقة المذبحه ولولا عمنا هدلول وعربته لكان ذلك صعبا وقد ظل هدلول وفي صمت وتجرد يعمل في كل المجالات ايام الانتفاضه كما تابع بعدها ظروف اسر الشهداء والمعتقلين وكل ذلك بدون اعلان اودعايه لنفسه ظل عمنا هدلول مرشدا لي طوال سنوات نضالي بالحزب الشيوعي وقد دعمني في كثير من الاذمات والمشاكل الحزبيه كما ساند خطواتي كزميل بنصاائحه وتوجيهاته لانواع من الكتب واهم ماتعلمته منه ان كل الزملاء سواسيه فلاينبغي ان اشعر بالرهبه امام احد فلائحة الحزب تسري على الجميع وقد عملت بنصيحته فاقترحت ايقاف زميل لانه لم يدفع اشتراكاته لاكثر من ستة اشهر وساندني بفرع السكن صديقي يوسف سوس مما اصاب لجنة المنطقه بالرعب لاننا طالبنا بفصل زميل عضو مركزية الحزب وبعد حوارات جماعيه تم عمل تسويه تعهد الزميل بموجبها بتسديد متأخراته وكان اكبر درس تعلمته ان احد من هؤلاءالزملاء وكانو يفوقونني ويوسف بسنوات خبرة كبيره في الحزب لم يؤنبنا بل تعاملو معنا بجديه وفي نهاية الامر شكرنا الزميل المعني بحراره واضحى بعدها استاذا وصديقا حتى وفاته رحمه الله رحم الله استاذنا محمد هدلول وجعل البركة في ابنه وبناته وتلاميذه وخاصة زميلتنا المميزه ابنته المقيمه في تشيكيا كما اعتقد فقد كانت كادر متميزا وقياديا باتحاد الطلاب العالمي بشهادة صديقي سليمان خلف الله الذي زاملها حينا من الزمان ستظل ذكرى هدلول حية في اذهاننا ولن ننساه معلما ومناضلا رحمه الله برحمته الواسعه
[email][email protected][/email]