حكومة خاتف لونين

بعد عصف ذهني داخل مكونات المؤتمر الوطني وبعد جدل كثيف اثارته المعارضة بمطالبها لحكومة انتقالية ورفضها في ذات الوقت لخيار الحكومة القومية، اختارت الحكومة الوقوف بين الخيارين او اللافتتين، فقالت انها لا تمانع من تشكيل حكومة جديدة هكذا بلا ادنى توصيفات ولكنها سمتها بالحكومة الجديدة التي يمكن ان تستوعب كلا الخيارين «القومية او الانتقالية».. ولكن يبقى السؤال الملح باي فهم تشكل الحكومة الجديدة او القادمة؟ هل هي حكومة قومية ذات تمثيل واسع؟ ام هي حكومة انتقالية ذات تفويض او مهام محددة؟ ام هي هي حكومة «خاتف لونين»، ولكن السؤال الاهم هو لماذا تحاشت الحكومة الموافقة على حكومة انتقالية وقبلت بالحكومة القومية التي تم رفضها من بعد من قبل تحالف المعارضة؟
يبدو ان الحديث عن اية حكومة قادمة او لاحقة سيكون خصماً على قيمة الحوار الجاري الآن، وربما تدفع هذه الفكرة في اتجاه تراجع همة الحكومة في اكمال مشوار الانتخابات الى نهاياته، وقد يعني هذا ان الحكومة تفكر بعقل الباطن في البديل المناسب للانتخابات، ولن يكون هذا البديل غير التفكير في حكومة «الكوتات» او التسويات السياسية والقبلية والمناطقية، وهذا في ظن الكثيرين اسوأ خيارات الحكم باعتباره يفرغ الدولة من الكفاءات والخبرات. ويبدو ان هناك صورة اخرى تتشكل داخل مطبخ الحكومة وشركائها من الاسلاميين والحلفاء الآخرين. وقد تفلح هذه الصورة في مقبل الايام في احداث تغييرات حقيقية في مسارات المشهد السياسي السوداني الآني.. والتسريبات تشير الي ان هناك عملية تحالف اسلامي بين جناحي الوطني والشعبي، وربما وصل هذا التحالف حد الاندماج وتوحيد الرؤى والمصير المشترك، الا ان هذا التحالف يخشى ان يكشف عن حقيقته ومقاصده في هذا الظرف السياسي الحرج، والمتابعون لهذا الحراك يعتقدون ان دعوة السيد رئيس الجمهورية لتشكيل حكومة جديدة هي احدى ثمار عملية التقارب او التفاهمات بين المؤتمر الوطني والشعبي، ولاحقاً سوف تزول الحجب وتتساقط الاستار ويعود الاسلاميون الى وجههم القديم وغداً لناظره قريب.
سياسات «حلاوة لكوم»
رغم التراجعات الكبيرة في الخدمة العلاجية والصحية بولاية الخرطوم ورغم كل التعهدات والالتزامات في مشروعات التامين الصحي، الا ان المحصلة التي يجنيها مواطن ولاية الخرطوم دوماً تثير فيه الأسى والاحباط وتدعو للاحتجاج، ولكن مسؤول الصحة بهذه الولاية ظل يكابر ويتحدث كثيراً في الاعلام اكثر مما يقدم تبريرات مقنعة لما تقوم به وزارته، ويستنكر على المواطنين حتى احتجاجاتهم ضد مستوى الخدمة الصحية.. والدكتور مأمون حميدة لا يبالي بكل هذه الاحتجاجات من مواطني الولاية بمناطقهم المختلفة، بل اتهم حميدة كل المعترضين على سياسات وزارته بأنهم اصحاب مصالح رغم انه استبعد ان تكون سياسات الاصلاح الصحي التي يتحدث عنها مثل «حلاوة لكوم».. طيب يا دكتور ان كانت سياساتك ليست كذلك فلماذا الارتباك والارباك؟ ولماذا هذه الغضبة يا دكتور ضد المحتجين لسياساتك تجاه مجمع فتح الرحمن البشير؟ والذي لا يدركه السيد وزير الصحة ان وزارته تواجه واقعاً صحياً مأزوماً، وما تحتاجه ولاية الخرطوم الآن يا دكتور هو ان تعلن اعترافاتها للرأي العام بأن مشروع التأمين الصحي كفكرة وكشعار وكبرنامج سقط تماماً بشواهد ومعطيات بينة لا تخطئها العين، وفي المقابل انشغلت السلطات الصحية في مستوياتها الاتحادية والولائية بالاستثمارات الطبية والتجارية، ولكنها اهملت في مقابل ذلك قطاعاً كبيراً من المرافق الصحية التي تقدم الخدمة العلاجية لعموم اهل السودان.. فقضية العلاج في بلادنا يا دكتور حميدة تحتاج الى اعترافات ومراجعات وثورة.
نيابة الجزيرة
مازالت نيابة الصحافة بولاية الجزيرة متخندقة في معسكرها لا تأبه بكل ما اصابها من رشاشات الصحافيين، وحتى الجهات الرسمية من نقد وتقريح وتبريرات لإبطال وجودها واختصاصها، ولكنها تمضي بإرادة منقوصة في ملاحقة ضحاياها من الصحافيين الذين لا حول لهم ولا قوة .. لماذا لا تبدي حكومة ولاية الجزيرة قدراً من حسن نواياها وتبطل هذه النيابة؟ ولماذا شذت الجزيرة وخرجت من القطيع؟ ومن الأجدى لاية حكومة في الجزيرة الاستجابة لحالة البحث عن توافق سياسي بين كل المكونات السياسية، خاصة ان ارض الكنانة ارهقتها عملية التنازع السياسي داخل البيت الواحد.
والذي يجب ان تدركه حكومة الدكتور محمد يوسف، ان معظم البلاغات المفتوحة ضد الصحافيين في هذه النيابة ذات علاقة بالدور الرقابي والارشادي الذي تمارسه الصحافة لاصلاح كل اعطاب الحكومة وتقويم ادائها دون اية اغراض او مكايدات سياسية او حزبية.. ولهذا فإن معظم الذين ينبغي ان يقولوا كلمتهم بشأن هذه النيابة قد قالوها بما في ذلك المنظمات الحقوقية وقبيلة الاعلاميين والمؤسسات الاعلامية بالدولة.. ويجب كذلك ان تتحدث حكومة الجزيرة وتعلن موقفها صراحة لأنها هي صاحبة الحق والمبادرة في انشاء هذه النيابة. وستظل القبيلة الصحفية في حالة مطالب مستمرة حتي ينتهي اجل هذه النيابة او تعود سلطاتها الى المحكمة المختصة لقضايا النشر الصحفي التي بشر بها السيد وزير الإعلام في الايام الماضية استجابةً لمقررات مؤتمر الاعلام، فالجزيرة لديها الكثير الذي يمكن ان تقوله صراحة للصحافة، وعليها كذلك ان تبادر بإنهاء علاقة الشك والتربص مع الصحافة. وربما القيادة الجديدة للصحافيين هي المعنية بالدرجة الاولى لقيادة مبادرة حقيقية وجادة مع الجهات الرسمية وتحديداً مع وزارتي العدل والاعلام، حتى نفهم ان الحكومة لديها ارادة حقيقية لتصحيح هذا الوضع الاستثنائي وتطبيق مقررات مؤتمرها الاعلامي الاخير.
ولأن اهل الجزيرة لا يرغبون كذلك في ان تكون ارض المحنة ساحة لمقاضاة الصحافة او محاكمتها في قضايا هي في الاساس من صميم مهامها ورسالتها.. يبدو أن عدة واجهات سياسية واعلامية وحزبية ومجتمعية تتحرك في الاتجاه المناوئ لهذه النيابة وتصحيح بعض المفاهيم والاخطاء.
حراك وعواصف
ولعل ابرز اشكال الحراك الذي يجري الآن تقوم به مجموعة من اعلاميي الجزيرة التي تشكلت أخيراً واعلنت عن نفسها تحت ديباجة «مرصد الجزيرة»، وتراضت المجموعة على الدكتور كرار التهامي في القيادة، وحددت مساراتها وطرائقها وادواتها في مخاطبة كل قضايا الجزيرة من منظور قومي لقناعة راسخة لدى هؤلاء الاعلاميين بأنه اذا صلح شأن الجزيرة صلح الشأن القومي، ومن البشريات التي تتداولها هذه المجموعة ان السيد والي الجزيرة وافق على مقابلة هؤلاء الاعلاميين والتفاكر معهم في سبيل الوصول الى معالجات وتفاهمات لكل ما يعن لاهل الجزيرة من مشكلات وازمات، علماً بأن هذه المجموعة الاعلامية تضم في مظلتها خبرات اعلامية كبيرة ينتشرون في كل اشكال «الميديا» محلياً وخارجياً. واكدت هذه المجموعة في كثير من لقاءاتها انها لا تتقاطع مع اية جهة، كما انها ليست خصما على احد او اية جهة، ولكنها تتحرك في فضاء واسع ومفتوح عبر خطاب اعلامي راشد وهادف لا تبتغي غير المصلحة العامة، وستحاول استدعاء وتحريك كل إرث الجزيرة بمكوناته المختلفة.. فهل تفلح هذه المجموعة في تقديم خدمة نوعية لأهل الجزيرة؟ أم أن حكومة محمد يوسف ستدرجها ضمن قائمة الهواجس والمقلقات والمهددات للعرش الولائي بالجزيرة؟
[email][email protected][/email]