فضلاً.. انعطف جنوباً..!!

لا يدري الفلاح الشاب زيدان ماذا حدث في العام المنصرم.. كل التوقعات كانت تشير إلى أن إنتاجه من محصول البصل سيقفز به إلى نادي أثرياء القرية.. بلا مقدمات انهارت أسعار البصل.. حاول الفلاح أن يقنع أحد التجار أن يحصد البصل المزروع في الحواشة دون مقابل حتى يتمكن من زراعة محصول آخر.. حتى هذه الصفقة لم تنجح.. أخيراً اضطر المزارع أن يجعل محصوله الوافر لقمة سائغة للمواشي والدواب محتسبا أجره في الدار الأخرى.
تلك الحالة وغيرها من أنواع الركود والبوار الناتج بسبب وفرة الإنتاج ما كان لها أن تحدث لو كان السوق السوداني مرتبط بدول الجوار الأفريقي.. كل الدول الأفريقية التي تقترب من خط الاستواء تحتاج لهذه السلعة الحيوية، ولكن تدفق المطر الدائم يمنع نمو البصل في تلك البقاع.. لو تمكن ذاك المزارع وغيره من نقل إنتاجهم لدول مثل جنوب السودان وإثيوبيا والكنقو لانتعشت تجارتهم وبالتالي زاد حماسهم لمزيد من الإنتاج.. ما يمنع تحقيق تلك الرغبة بجانب البيروقراطية ليس سوى صعوبة النقل.
قرأت بالأمس تصريحات للمهندس عبد الله مسار رئيس لجنة النقل بالمجلس الوطني.. مسار تحدث بشكل فضفاض عن خطط لربط السودان بكل من تشاد وإثيوبيا عبر السكة حديد.. لم يحدد السيد مسار جدولا زمنيا بل جعل المقترح في خانة الأمنيات المستحيلة.
في تقديري أن دولة جنوب السودان أولى بالارتباط.. بداية لأن الخط أصلا يصل مدينة واو بالتالي تمديده إلى جوبا يبدو أمرا سهلا.. بل من الأفضل أن يتم فتح مسارات جديدة مثلا من كوستي إلى ملكال.. سوق جنوب السودان واعد ومرحب بالسلع السودانية بسبب تشابه العادات والأذواق الغذائية.. على سبيل المثال تظل جبنة الدويم افضل أنواع الأجبان الآن في أسواق جوبا.. كلما تأخر الارتباط الاقتصادي توسعت حكومة جوبا في استخدام فقه البدائل من دول الجوار الأفريقي المتلهفة لزيادة حصتها في دولة ليس فيها سوى مصنع واحد للخمور.
في تقديري أن السودان حتى الآن لم يستفد من موقعه الجغرافي.. بلدنا لا تبعد كثيرا عن دول مغلقة لا تملك موانيء مثل جنوب السودان وتشاد والكنقو الديمقراطية.. ماذا أعددنا لهذه الدول.. المنطقة التجارية بقرى شمال الخرطوم والتي تعتبر منطقة سوق حر ليس فيها سوى عشرة مخازن ضخمة ومصنعين وعشر شركات تأمين.. بجانب هذه البنية التحتية الضعيفة توجد بروقراطية تجعل دول الجوار تفكر في موانيء بديلة وأن كانت بعيدة.
بصراحة.. تظل دول الجوار الأفريقي منخفضا اقتصاديا للسلع السودانية.. هذه الدول بها عمالة زهيدة التكلفة نحتاجها في أي نهضة شاملة.. مجاهل أفريقيا ومنابع النيل تستهوي السياح ولكن صعوبة التنقل وزيادة كلفته تقلل من الإقبال على الفكرة.
بصراحة.. الاتجاه جنوبا في هذا الوقت سيكون فيه منافع عظيمة لنا ولاخوتنا في الدول المجاورة.. البناء على الاقتصاد يجعل للسودان نفوذاً سياسياً في المنطقة مرحباً به.

التيار