مفارقات في المشهد السياسي الراهن

د. الشفيع خضر سعيد
نتعلم من دروس التاريخ، أن المعاهدات والاتفاقيات وحدها لا تستطيع أن تمنع تجدد الحروب، مهما كانت دقة حبكة وصياغة بنود المعاهدة، ومهما علا شأن من قاموا على صياغتها من حيث المعرفة والخبرة والعلم. فمعاهدة فرساي الشهيرة، وضعت حداً للحرب العالمية الأولى، وأفضت إلى تأسيس عصبة الأمم بهدف الحيلولة دون وقوع صراع مسلح بين الدول كالذي حدث في تلك الحرب. لكن، لا المعاهدة ولا عصبة الأمم نجحا في منع اندلاع الحرب العالمية الثانية، والتي انفجرت بعد أقل من عشرين عاماً من الأولى، لتدخل البشرية في دوامة جديدة من الكوارث والأهوال أشد رعباً وتدميراً مما حدث في الحرب العالمية الأولى. وتجدر الإشارة هنا إلى أن معاهدة فرساي اشتركت في صياغتها الأطراف المنتصرة والمهزومة في الحرب.
أما معاهدة نيفاشا، أو اتفاقية السلام الشامل التي أشرفت على كل صغيرة وكبيرة فيها كوكبة من الخبراء والعلماء الدوليين المسنودين من قبل حكومات الدول العظمى في العالم، فإنها أيضاً لم تمنع تجدد الحرب في البلاد والتي اندلعت مباشرة بعد تنفيذ أكثر بنود الاتفاقية خطورة، حق تقرير المصير. ومن هنا كان ذلك السؤال البسيط العميق لسائق العربة «الأمجاد» وهو يعلق على أحداث هجليج «بعد توقيع نيفاشا وانفصال الجنوب كنا نعتقد أن البلد سترتاح إلى الأبد من الحرب التي لا نريدها ولا نقوى عليها، لكن لماذا اندلعت مرة أخرى مع ناس جبال النوبة وناس النيل الأزرق وناس الجنوب نفسهم بعد أن انفصلوا عنا؟ وما هي فائدة الاتفاقية إذن؟»! وأيضا، تجدر الإشارة هنا إلى أن معاهدة نيفاشا لم توقع بين دولة وأخرى، وإنما بين طرفين في دولة واحدة، ليس بينهما غالب ومغلوب، ولكنها فصلت على مقاس اللا غالب واللا مغلوب، دون إشراك القوى السياسية الأخرى في المعادلة.
والمفارقة، أنه يجري الآن البحث عن سبل لوقف الحرب الأهلية الدائرة في البلاد، ومنع اندلاعها بين دولتي السودان الوليدتين بعد الاستفتاء، يجري البحث عنها في أروقة ذات المجتمع الدولي دون توفير كل العوامل والشروط الأساسية التي هي ضرورية جداً لمنع انهيار الحلول التي يقدمها المجتمع الدولي، والتي هي دائماً هشة ومؤقتة وسهلة الانهيار ما دامت تلك الشروط غير متوفرة. وبالنسبة للأزمة السودانية، فإن أهم تلك الشروط والعوامل تتمثل في: ضرورة توفر الإرادة القيادية والعقلانية عند قادة الأطراف المصطرعة، وضرورة مشاركة كل القوى السياسية السودانية في رسم بنود الحل وتحمل مسؤولية تنفيذها، وضروة بسط التحول الديمقراطي الكامل وبكل تفاصيله، بعيداً عن لغة التخوين والإرهاب واستثمار الأجواء للمصلحة الضيقة. وذات سائق العربة «الأمجاد»، وجه لي سؤالاً آخر: «من أين جاء الشعور بالنقص عند القوى السياسية السودانية، خاصة حزب المؤتمر الحاكم، لتندفع نحو المجتمع الدولي بحثاً عن حلول لمشكلاتنا، في حين هي مؤهلة تماماً لعلاج جذور هذه المشكلات إذا ما «ختت الرحمن في قلبها» وجلست على طاولة مستديرة سودانية خالصة؟»! قلت له: «لا أعتقد أنه مجرد شعور بالنقص، بقدر ما هي قناعة لدى المؤتمر الوطني بأن الحل في حضرة المجتمع الدولي سيضمن له وجوداً في موقع السلطة كما فعلت نيفاشا». قال السائق: «ولكن هذا قصر نظر بيِّن، إذ إضافة إلى أنه لا يراعي مصلحة الوطن، فإنه لا يضمن له ديمومة البقاء في السلطة، فالريح حتماً ستأتيه من باب آخر»!
السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية يقول إن المعركة الدائرة الآن في البلد «لم تبدأ بغزو هجليج». لكني، أقول له «إنها أيضاً لن تنتهي بتحرير جوبا»! وربما تنتهي باتفاقية أخرى في أديس أبابا أو في منتجع آخر أو مدينة أخرى في أفريقيا أو آسيا أو أمريكا، وهذا أفضل الظنون. والأقل سوءاً هو أن ينفصل جزء أو أجزاء أخرى من البلاد. أما الأسوأ على الإطلاق فهو اندلاع حرب أشبه بحرب الهوتو والتوتسي العنصرية الكريهة في رواندا، خاصة إذا لاحظنا ارتفاع وتيرة الخطاب العنصري المؤجج للنعرات العرقية والإثنية، في بلد انهار فيه التعليم ويستوطنه الفقر والتجهيل ومحاولات إلغاء العقل، وتتضاعف فيه أعداد الأطفال المتشردين دون سن الـ «18» عاماً لتفوق الواحد وعشرين ألفاً، في مناطق السلم فقط، ويحرق فيه مجمع مسيحي في «الجريف»، لتشير أصابع الاتهام إلى جماعات التطرف والهوس الديني!!
والذاكرة المرتبة، تستطيع بكل سهولة أن ترصد ثلاثة خطابات أو سيناريوهات طرحتها الحكومة: قبل العدوان على هجليج رمت الحكومة بخطاب الانتخابات المبكرة! وأثناء العدوان واحتلال هجليج، تحدثت عن ضرورة وأهمية توحيد الجبهة الداخلية. أما بعد دحر العدوان والفرحة العفوية في الشوارع، قطَّبت الحكومة جبينها وهي تتحدث عن أن الشعب جدد التفويض والبيعة لقادة الإنقاذ، والتفت هؤلاء القادة للبحث عن الطابور الخامس والمندسين، وهم قطعاً، بالنسبة لمنطق الحكومة، يسهل التقاطهم بين قوى المعارضة!! إنه عين التفكير القاصر الذي تُدار به شؤون البلاد، والمبني على الأهواء الذاتية وإعلاء مصالح الفئة على مصالح الشعب والوطن. كيف يستطيع العقل أن يقبل بمنطق (shoot to kill)، علماً بأنه لا السلاح ولا حامله بإمكانهما أن يحددا هل المقتول هو مهرب المؤن، الخائن الجاسوس، أم هو ذلك الراعي المسيري في رحلته المعتادة منذ مئات السنين جنوباً هو وأبقاره؟
المؤتمر الوطني ظل يبحث عن كل ما يعطيه عمراً إضافياً. وجاء العدوان على هجليج ليستثمره الحزب الحاكم، لا لاكتساب عمر إضافي فقط، وإنما للتزود بطاقة جديدة تمنحه القدرة على منح صكوك الوطنية: أنت مع….، أنت ضد….، إذن أنت كذا أو كذا.. لكنه لا يستطيع!. أما المزاج الشعبي، فليعد المؤتمر الوطني النظر في قراءته. نعم، الشعب يرفض العدوان، ولكنه أيضاً لن يسامح من يفرط في أرض الوطن وسيادته. والشعب السوداني، أبداً لا يتحمس للحرب. فالحرب لا يتحمس لها إلا من يجد فيها فرصة للاغتناء بإخفاء السلع الضرورية والتربح من الأزمات التموينية ومن تجارة «سفر الدولارات»! كما يتحمس لها الذين يخافون من مواجهة الحقائق ويركبون موجات الانفعال اللحظي ويلغون العقل لصالح التهييج الزائف، في وقت نحن أحوج ما نكون فيه لتحكيم العقل. والحرب يعشقها تجار السلاح العابرون للقارات ووكلاؤهم المحليون!!
الشعب السوداني، وهو سليل حضارة قائمة على التعايش السلمي، حضارة لم يكن طريق تعزيزها الحرب وافتعال المشكلات، بل طريق الاعتراف بالآخر، وبالاستعداد للتلاقح الثقافي والاجتماعي، وبطريق الزواج والمصاهرة والاحترام الذي يحفظ المسافة والإعجاب بسبل عيش وثقافة القبائل الأخرى، وبتعزيز الاندماج في مجتمعات جديدة بحثاً عن هويات مشتركة جديدة، في إطار الوطن الواحد. والشعب السوداني، في كل تاريخه، ظل يبدي استعداداً لتجاوز كل ما هو متخلف لصالح حياة عصرية متجددة. وبكل فخر وواقعية، نحن لا ننطلق من العدم عندما ندعو لتوطين قيم التسامح والتعايش السلمي بين المناطق والجهويات المصطرعة في كل بلاد السودان، ومع دولة الجنوب. فنحن ننطلق من تجربة راسخة في العيش باعتبارها مكونات متعددة متنوعة بحقوق متساوية في بلد واحد. والدخيل هو مشروع الحرب والتدمير الاقتصادي وإثارة الإحن والضغائن الذي يقوده مسعرو الحرب لتأسيس دولة اعتماداً على العرق أو الدين. وهكذا، وبعد هجليج، نحن مواجهون بمشروعين: مشروع «لا للحرب ولا لإلغاء العقل»، ومشروع «نعم للحرب» بكل أهواله. والمشروعان متضادان بالضرورة. ومشروع الحرب يقوده نظام مكشوف اقتصادياً، وينخر فيه النشاط الطفيلي بوتيرة متزايدة، والنتيجة هي أن يزداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، ولا عزاء للمقهورين. أما مشروع «لا للحرب»، فهو مشروع الحفاظ على الوطن بمكوناته المتعددة والمتنوعة، وتوطيد الديمقراطية وتحقيق المساواة والعدالة والتنمية. وهو مشروع لن يتحقق إلا بتغيير التركيبة الحاكمة في البلاد لصالح حكومة قومية تشرع فوراً في عقد المؤتمر القومي الدستوري.
الصحافة
مقال شيق وجميل و لكن لا حياة لمن تنادى
عين العقل ومقالك ان دلا انما يدل على فهمك العالى والدراية التامة لمشاكل السودان وحلولها,,,,,,,,,,,بس من يسمعك ياد.الشفيع
يا جماعة الخير نيفاشا دي سامعين بيها سمع ولا عارفين البنود بتاعتها قالو دفتر كامل وكل مرة تظهر منها قضيه فاشلة قضية تخص كل السودانين وتنتقل من درج لي درج اذا كان غلبتهم نطالبهم بان يسلمونا ليها وندرسها نحن كمواطنين الشمال والجنوب اكييييييييييييييد وبإذن الله ح نحلها ونضبح تور ابيض ونعيش في ثبات ونبات خلى الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني يتناحرو فيما بينهم لان همهم الكراسي ما همهم المواطن والحرب القائمة والسناريو ده فقط بينهما ولا دخل للمواطن فيه وهم من عرضو ارواح الناس وسمعـة السودان للخطر وشوهو ودمروا البنيات التحتية والهامة في السودان ,
هم من يستحقوا ان يحاسبوا مش المواطن الغلبان كان في الشمال او الجنوب
عايزين نعش في سلم ورفاهية كفاية حروب كرهتونا
انتوا عارفين مشكلتنا شنو؟ انحناالواحد مننا بفهم في اي شي ومنظراتيه في اي حاجه في الكوره والسياسه والصحافه وكل شي مع انوا والله مابنفهم غايتوا ربنا يصلح حال البلد دي وصلاحها من صلاح النفوس لكل سوداني ………
لافض فوك ,,, كفيت و وفيت
>>> المشهد السياسي الراهن .. يشبه تباين المشهد البيئى الراهن فى الصوة المرفقة مع هذا المقال ..!!
يا جماعة البشير وزمرته قالوها واضحة حرب حشرات ونقاء عرقى كتلة الحشرات الغرابة + كردفان + النيل الازرق + الشرق + اقصى الشمال اما كتلة الادميين القرشيين هم مثلث حمدى اتمنى ان نتوحد نحن الحشرات جنود الله قمل + بعوض + نحل +……………….
لمن يسْاْل عن اتفاقية نيفاشا علي الدخول علي الويب سايد قوانين السودان اون لا ينsudan laws online
مقال يصف المرض والعلاج .. لكن يبقي السؤال كيف نطبق العلاج ؟
الاجابه في عند المعارضه التي رضخت للخطاب الحربي وسارت مع ركب الهجلجه
د.الشفيع يازميل البلد واقفة علي حد السيف تحليلكم ايجابي لكن هل اذن النظام صاغية لمنطق العقل والخوف علي الوطن , في انتظار هذا المنطق اعتقد قد لانجد بلدآ بمفهوم التمازج والانصهار الثقافي الذي نرجوة بالرغم من ارثنا الهائل . بالعمل الجماعي وروح الوحدة ( العدالة ) تبداء خطوات تفكيك هذاالنظام الاحادي.
شكرا كلامك مفيد والواحد علي الاقل يقرأ كلام يستفيد منو مش مهاترات وتعيير وكلام فاضي