القبلية في المضمار السياسي .زمن يلجمها ..؟

كل الدلائل ومعطيات الواقع تشير الي ان سفينة الدولة السودانية وتحت قيادة قبطانها الحاليين لن ترسو علي شواطي امنة لان هؤلاء القبطان ارهقتهم اعطاب التجربة ومخاضها وعاتيات الزمان وشغلتهم مفاسد السلطة ومفاتنها ..فالمشهد العام يبدو هكذا اكثر تعقيدا واكثر تشظيا..وضبابا كثيفا يسد الافق ويكاد ان يحجبه عن ناظريه الباحثين عن انفاق للخروج من العتمة الي براحات جديدة ..فالانتخابات باتت علي كف عفريت وهي بين الرجاء والامل رغم تاكيدات وتعهدات المؤتمر الوطني ذلك لان القوي التي تدفع في الاتجاه المضاد للانتخابات لها مبرراتها وقناعاتها الراسخة بعدم جدوي هذه العملية الا ان المؤتمر الوطني ظل يتمترس في خندقه القديم ويتمسك بخيار الاستحقاق الانتخابي لاعتقاده بان اي انتكاسة عن هذا الخيار تعني الفوضي الخلاقة وخرق الدستور وانتهاكه فيما تعتقد القوي المعارضة ان المناخ السياسي والامني في البلاد غير مهيا في الظروف الحالية كما ان الاحزاب ليست علي استعداد او بالاحري غير راغبة للدخول في هذا المضمار فهي في حالة شك دائم وتعتقد كذلك ان كل ما يقوله ازاء المؤتمر الوطني هو مجرد تكتيكات سياسية وكثير من هذه الاحزاب فقيرة ولا تمتلك القدرات المالية والاقتصادية التي تغنيها من سؤال الاخرين حت تخوض العملية الانتخابية .
واخطر ما يعتري المناخ السياسي الراهن هو ان القبيلة صعدت بالزانة الي قمة المسرح السياسي واصبحت بالتالي ذات سلطان ونفوذ وتاثير حتي علي منابع وصناعة القرار العام في بلادنا ايا كان شكله ونوعه ..وهذا الواقع افرز الكثير من المسالب واجهض الكثير من مشروعات البناء الوطني ..فالواقع اذن يحتاج الي حزمة اجراءات وتحولات كبيرة في المفاهيم والافكاروالرؤي تلجم القبيلة في المقام الاول من جنونها وانفلاتاتها وتعيدها كذلك الي حدود سلطاتها ومسوؤلياتها الاهلية داخل مجتمعاتها المحلية بعيدا عن اي ادوار امنية او سياسية ولهذا فان اي محاولة للزج بالقبيلة في اي سباقات سياسية او دستورية سيجلب علي البلاد المزيد من الاحتقانات والويلات والتراجعات الوطنية ولا ينبغي للمؤتمر الوطني ان يهنأ او يتفاخر بعضويته التي تمددت “وتناسلت” علي اسس ومعايير قبلية داخل هياكله واجهزته لان هذا البنيان سرعان ما ينهار في او اختبار سياسي او انتخابي فتنتكس العملية السياسية برمتها وربما تتحول الدولة السودانية الي مجموعة دويلات قبلية متناثرة ومتحاربة داخل الدولة الواحدة وهذا هو اخطر السيناريوهات المحتملة حال استمرت القبلية في صعودها سياسيا وامنيا وقد افرزت الممارسة الشورية الاخيرة للمؤتمر الوطني بالولايات حقيقة ما ذهبنا اليه .
اذن كيف هو المخرج من هذا المطب ؟..هناك بعض من عقلاء المؤتمر الوطني من استشعروا خطورة المضي في هذه المسارات ولهذا فان تيارا قويا كما يبدو داخل المؤتمر الوطني يسعي جاهدا ويحاول بلورة افكار ورؤي جديدة تلجم هذه القبيلية التي باتت وباء مستشريا داخل كل مؤسسات الدولة ولا سبيل للخروج من هذا المطب سوي اعلاء قيمة الوطنية والقومية وترسيخها في الممارسة السياسية وربما كان هذا الخيار هو احدي موجهات المرحلة المقبلة بل هو الخيار الذي لا سبيل غيره حتي يتعافي المسرح السياسي او علي الاقل تعود اليه بعض قيم مسلوبة ..وهل يمكن للمؤتمر الوطني ان يطوي صفحة تجربة انتخاب الولاة عبر مجالس الشوري او ان يتجاهلها تماما ؟ .. لانها وباعتراف رجالات الوطني انفسهم اساءت اليهم وجلبت عليهم وبالا كثيرا واحدثت كذلك تباينات سياسية وفكرية داخل مكونات الحزب وهذه التجربة ربما تدفع بحكومة المؤتمر الوطني للتفكر في اسناد مناصب الولاة لمن هم خارج الولاية والحد من التقسيمات الادارية للولايات والمحليات التي كانت قد اخضعت لمعايير قبلية وذلك في محاولة لتعزيز قيمة القومية وتفكيك القبلية ..هذا يعني ان الحكم الفيدرالي في حاجة الي مراجعات ومعالجات جادة تعيد للسلطة المركزية هيبتها وحقها في التقسينات الادارية للولايات والمحليات ..فاللجنة الفنية صاحبة هذا الحق في ديوان الحكم الاتحادي انزوت وتناستها الحكومة وبات كل وال او مسوؤل ولائي وتحت تاثير القبيلة يعطي الحق ويصدر القرار بانشاء المحليات الجديدة دون الاعتبار للمعايير اللازمة اوالمتفق عليها علي المستوي المركزي .
وتاسيسا علي كل ذلك فان المؤتمر الوطني اصبح امام خيارين كلاهما مر وقاسي ..فاما ان يستمر في ارضاء التكتلات القبلية او ” المناطقية” او ان ينتصر للذات القومية ويعمل علي تشكيل كل مؤسسات الدولة علي هذا الاساس القومي.