عواصف ضد الحركة الاسلامية
نبض المجالس
تواجه الحركة الاسلامية السودانية، عواصف عاتية تهب عليها من كل الاتجاهات تحاول اقتلاعها وتبديدها واجهاضها، ولكن الحركة تحاول ان تتماسك وتثني هامتها في اتجاه العاصفة، فهي لم تعد كما كانت حيث افقدتها تجربة الاسلام السياسية قدراً كبيراً من ادواتها السياسية والفكرية والمادية، ولم يعد مشروعها كذلك بذات الاشراق والاستنارة، ولعل اخطر ما اصاب الحركة الاسلامية من أعطاب حينما بدأت تنقض غزلها وتاكل ذاتها وتتراجع دون ان تراجع تجربتها، فمشروعها السلطوي بات مهدداً بالزوال وبالتلاشي رغم التزامات القيادة باصول ومبادئ النظرية الاسلامية التي حملت هؤلاء الاسلاميين للحكم، فالآخرون وبالاخص من الجماعات والتنظيمات العقائدية، يحاولون وضع الحواجز حتى لا تتكرر هذه التجربة بعد صيف 2015. ربما تدخل الحركة الاسلامية في امتحانات عسيرة في عملية التحضير للانتخابات الرئاسية القادمة، لان اي تباينات في اختيار المرشح الرئاسي القادم من المؤتمر الوطني بالضرورة تعني المزيد من الجراحات والتشظي والنزيف في التجربة الاسلامية، وسيحدث كل هذا اذا تجاهلت الحركة الاسلامية اصلاح ذاتها ومعالجة مفاسدها واخطائها، والاجدى والانفع للجماعة الاسلامية بكل تصنيفاتها وتوصيفاتها ان تفكر بعقل واحد وتتواثق على رؤية واحدة، وتسلك طريقاً واحداً حتى لا تتوه في الدروب الوعرة، وعليها ايضاً ان تمارس فضيلة التزكية الروحية داخل منظومتها السياسية، ولكن حتى الان لا ندري اي وجهة تسلكها جماعة حركة الاسلام السياسي في السودان.. هل ستعيد انتاج مفاهيمها وشعاراتها القديمة ؟ ام تبحث مع آخرين عن مسارات جديدة تجنب البلاد ويلات الضلال والمهالك؟.
قمة «الجنرالين»
شغلت زيارة السيد رئيس الجمهورية الى مصر الراي العام المحلي والاقليمي وحتى الدولي كثيراً، وأثارت كذلك لغطاً كثيراً وذهب البعض من المحللين والمراقبين مذاهب شتي في تفسيراتهم وتبريراتهم حول طبيعة الزيارة وتداعياتها واسقاطاتها.. ولكن تظل هذه الزيارة محطة مفصلية وعلامة بارزة في الافق السياسي والدبلوماسي بين الخرطوم والقاهرة، ولم يكن ملف حلايب وشلاتين هو الملف الاوحد على طاولة الجنرالين «البشير والسيسي» فهناك اكثر من ملف واكثر من محطة اخرى، فمثلاً مصر الان كما يبدو تلعب دوراً محورياً لابعاد الاسلاميين «اخوان السودان» عن السلطة، وهو ذات الدورالذي اقصت به «اخوان مصر» من الحكم ومعلوم ان مصر وعبر سياستها ودبلوماسيتها الخارجية لن تتحرك اوتحرك ادواتها، الا اذا شعرت بان خطراً ما يتهدد مصالحها الامنية والسياسية والاقتصادية، ولهذا فان سد النهضة اقلق السياسة المصرية وازعجها كثيراً، خصوصاً بعد ادراكها بان الخرطوم لا تمانع في انشاء هذا السد.. كثيرون يعتقدون ان الاجواء بين الخرطوم والقاهرة ستظل هكذا قابلة للمد والجزر بحكم طبيعة الملفات التي لازالت عالقة في فضاءات الدولتين، فالحكومة السودانية في حاجة الى فرض هيبتها وسلطانها على حدودها الشمالية وبالاخص في مثلث حلايب بحكم الحق التاريخي والقانوني للسودان في هذا المثلث، ولكن تظل القضية الابرز والهاجس الاكبر الذي تخشاه القاهرة هو تمدد الاسلام السياسي وتأثيره في المنطقة، خصوصاً ان السودان مقبل على مرحلة تحول كبرى في حكمه وفي فكره السياسي.. ومصر الان يبدو انها تبحث عن دور جديد يعيد لها التوازن في المنظومة العربية والدولية والافريقية، وهذا في الفهم المصري لن يتأتى الا اذا لعبت القاهرة دوراً فاعلاً وناشطاً لاخراج السودان من المحور الايراني والقطري.
العاصمة «تتريف»
من الملاحظات الجديرة بالبحث والتأمل في ولاية الخرطوم، ان الوسائط الاعلامية بكامل انماطها وادواتها اصبحت تضخ كماً هائلاً من المواد الاعلانية لانسان ولاية الخرطوم بهدف حفزه ودفعه ناحية المخططات السكنية الجديدة التي ملأت اعلاناتها الصحف وشغلت الناس، وفتحت ابواباً واسعة للمفاسد والثراء الكيري والانتهاك للحق العام. كأنما هذه الخرطوم اصبحت قارة لوحدها لا يحكمها قانون ولا تحميها خصوصية.. واكثر ما يلاحظه الداخل الى هذه الخرطوم ان هذه الولاية اصبحت كالعجوز الشمطاء التي تحاول ان تتجمل وتستخدم كل انواع المكياج «والبهارج» علي وجهها وشعرها وتهمل اطرافها البالية والمترهلة وهي حافية القدمين.. وأبلغ التوصيفات الحديثة التي قيلت في حق ولاية الخرطوم ان هذه الولاية بدأت «تتريف» وتتطور الى الأسوأ بفعل اتساع مظلة الفقر والرهق الاقتصادي، ودخول سلع ضرورية عديدة دائرة المحرمات للاسرة الفقيرة ومحدودة الدخل.. فالخدمات التي تشكل الحد الأدنى لحقوق المواطنة لا تلبي رغبات طالبيها وهي أيضاً باتت منالاً مستحيلاً في ولاية الدكتور الخضر.. وبكل هذه المعطيات والتبدلات فقدت الخرطوم خصوصيتها وحرمتها كعاصمة وواجهة حضارية للسودان، والغريب في هذه الولاية ان كل المشروعات الخدمية اصبحت تستخدم في مواسم للتسويق الانتخابي فينتظر الناخبون السنوات الطوال حتى يتحقق هذا الوعد أويسقط الرهان.
إحباطات «المهدي»
ماذا يعني رفض السيد رئيس الجمهورية لقاء السيد الصادق المهدي بالقاهرة؟ هل فعلاً وصلت الحكومة الى قناعة تامة بان سنوات الخصب قد انتهت مع زعيم حزب الامة؟ وكيف يمكن ان نقرأ حقيقة ان يتقدم السيد الصادق المهدي بطلب لقاء مع البشير على هامش زيارته للقاهرة والرجل يحمل في حقيبته مشروعاً متكاملاً لاسقاط وتصفية نظام الحكم في السودان؟ ثم ما الذي يريده زعيم الامة من البشير؟ ألم تكن وثيقة باريس هي التي قطعت سكة التواصل بين البشير والمهدي.. سيناريوهات عديدة ومحتملة يمكن استنتاجها ازاء مواقف السيد الصادق المهدي ومبادراته، فهو رجل يصالح بمزاجه ويعارض بمزاجه يدخل برجل ويهيئ الاخرى للخروج، لا يستقر على حال او موقف الا ويتخذ نقيضه، هكذا يقول عنه خصومه وحلفاؤه أيضاً.
ولكن أياً كانت مواقف السيد الصادق المهدي، فيحسب للرجل ان حبال الوصل ظلت ممتدة بينه وبين كل مكونات القوى السياسية ولكنه الان يواجه واقعاً سياسياً قاسياً، فالمعارضة التي يتكئ عليها المهدي منقسمة على نفسها ولم تتهيأ بعد لخلافة نظام البشير، رغم ما يعانيه المؤتمر الوطني من تنازعات داخلية ولكن هذه المعارضة تتناوشها افكار العقائديين وجماعة الاحزاب التقليدية وثوار الحركات المسلحة، اما على الصعيد الداخلي لحزب الامة فان الغاضبين بالحزب يتحركون الان وبشكل جاد وفاعل، لصناعة وانتاج تحالف داخلي عريض تحت امرة وقيادة مبارك الفاضل وابراهيم الامين واخرين.. تحالف يفتح مسارات جديدة في سبيل غاية تحقيق وحدة أحزاب وتيارات الامة بعيداً عن معسكر «المهدي» وعن قيادته. وربما اصبح هذا التحالف واقعاً حقيقياً حال استمرار السيد الصادق المهدي في مهجره القسري بالخارج، ولكن أخطر ما في هذا التحالف المرتقب انه يسعى الى تجريد حزب الامة من أسرة آل المهدي، خصوصاً ان معظم القيادات البارزة بالحزب آثرت الابتعاد في الوقت الذي تتجه اسرة المهدي في الصعود التدريجي الى قمة الهرم القيادي بالحزب، الأمر الذي فسره البعض بان السيد الصادق المهدي يمضي على خطى التوريث لأبنائه في قيادة الحزب
هاشم عبد الفتاح
[email][email protected][/email]