نظرة علي وطني المستلب

بسم الله الرحمن الرحيم

نظرة علي وطني المستلب
محمد عبد المجيد أمين (عمر براق)

ما أعجبني في ثورة أهلنا بمصر أنهم خرجوا علي قلب رجل واحد واحتشدوا في مكان واحد ، لهدف محدد ، حققوه بامتياز. لم نسمع أن فلانا من قبيلة كذا قد أبعدوه عن الجمع وأن الزعيم الفلاني هو الأحق وأن هذا ” قاهري” متحضر، من حقه حكم الصعيد وأن ذاك “الأسواني ” لا يحق له حكم البلاد. هؤلاء تربوا علي حب الوطن وجعلوه عزيزا في قلوبهم رغم ذل الحكام لهم، صبروا واحتسبوا فأكسبهم الله عزا ونصرا وملكهم مصائرهم.
في حالتنا ” السودانية ” يختلف الأمر تماما ، فنحن لا زلنا مختلفين حول الهوية ، ولا زلنا نعتمد القبلية في المعاملة ، وتعطي قبائل بعينها لنفسها الحق في حكم الأخريين ولا زلنا نتناحر علي كراسي الحكم ولا زال بعضنا لا يعجب بعضا ولا يأبه أي منا إلا لمصالحه الخاصة ، نتشايع ونتحزب بغير أن نتهذب لذلك ، ترانا دائما في شقاق مع الآخر وحتى مع أنفسنا ، وإذا أخذتنا ” العنترية ” الوطنية ، لسبب ما نهرع منشدين ” نحنا … ونحنا الشرف البـ…..” وسرعان ما يخبو هذا الحماس في وقته بفعل الملل وربما اللاجدوى من تحقيق ” النصر” . هل العلة في النشيد ، أم فينا نحن ؟ إذا كانت العلة في النشيد ، فمن السهل تغييره فهي مجرد كلمات حماسية ، دافعها الوجداني ليس بمستوي زلزلة الأرض ، أما إذا كانت العلة في ذواتنا ? وهي كذلك ? فهذا شأن آخر يستوجب وقفات ووقفات أعرض فيما يلي جزء يسير منها:
* أننا لسنا في حاجة إلي إسقاط أو استبدال نظام الحكم فقط وإنما في حاجة أيضا إلي إعادة النظر في أسس التربية التي نشأنا عليها ، فحكامنا لم تربهم الـ ” بيبي ستر” وإنما أتوا من بين ظهرانينا من البوادي والحضر.
* أن انجازاتنا في كل الأصعدة وعلي كافة المستويات من تربية النشء إلي بناء الوطن تعتبر ضعيفة وقليلة جدا، عطفا علي الزمن الذي حزنا فيه علي الاستقلال وحتى تاريخه وقياسا لطموح ومستقبل أبناءنا ومقارنة بما يسير عليه العالم الآن من تقدم ورقي.
* أننا لا نري ولا نشعر- وهذا هو الأهم- بوطن يمكن أن نحبه ويحبنا ، ليس بعواطف القول وإنما بانجازات العمل، نزود عنه كما يزود باقي خلق الله عن أوطانهم والسبب بسيط … هو أننا عشنا ولفترات طويلة قبل وبعد الاستعمار وحتى الساعة في شكل كيانات مبعثرة تحكمها ممالك ومشايخ وفق أسس قبلية متخلفة وزاد الطين بله ولوج الصوفية وتغلغلها في نفوس الناس حتى أضحت من أبرز المعوقات التي تحول دون نهوض الأمة وتشكيل الوطن بعدما اختطف حكامنا المحليون ومن وراءهم الشيوخ والفقرا والأسياد أحلام ومستقبل آبائنا ومن قبلهم أجدادنا مستغلين جهلهم وأميتهم وحالوا بينهم وبين عبادة التوحيد الحقة وتعلم العلم الشرعي من مصادره الصحيحة لما جعلوا من أنفسهم ” أبوابا ” لابد أن يؤخذ منها الإذن كي تلج إلي عالم غير مطلوب أصلا في الشرع. عالم لم يشرعه الله تبارك وتعالي ولم يسنه النبي صلي الله عليه وسلم ولم يشتغل به الصحابة . لقد تيبست عقولنا عند الولي الفقيه والشيخ ” المهيب ” والزعيم ” المفدى” و القائد ” الملهم”.
في هذه المحنة من هذا الفهم ” البدعي” لابد أن نتساءل…لماذا جاء الأنبياء إذن، ولم بعث بالرسل وأنزلت الكتب ، إن كان هذا هو حالنا؟
في هذا البلد بالذات ، كم من قباب وأضرحة نري ، كم من قصص تروي عن خوارق الأولياء ” الصالحين” حتى أننا لنجد من يسجد للأحياء منهم ويقبل أياديهم لنيل البركة ويغتسل بماء وضوءهم وكأنهم قد حازوا الدين وحدهم وتوقفت عند طرقهم ورواتبهم وأورادهم ونسبهم وحسبهم سعادة الدنيا ونعيم الآخرة وأصبحت العبادة لا تكتمل إلا بهم. أف لهم … تعالي الله عما يفترون.
حري ببلد كهذا أن تتسلط عليه ، بل وتحكمه مردة الإنس والجن، فالنفس فيه ” حار” والدم ” أحر” ، والخسة والدناءة وخيانة الأمانة والغش والكذب والحقد والحسد والغل واحتقار وبغض الآخر ، نبتت وعششت في الضمائر والعقول ولم يرد شيوخنا وكبراءنا “المزعومين” أن يكبحوا جماحها أو يقتلعوها من جذورها لأن هذا هو عين ما يريدون .
هنا ، في مدينة الدمازين ، حيث أقيم وكمثال، تري عشرات من بائعي العروق والمساحيق و ” حليل التمساح” وأشياء أخري لا تعرفها ، يستظلون تحت الأشجار ، يكتبون ” المحاية ” و “البخرات ” والأحجبة . لكل منها وظيفة ولكل منها ثمن . الله أعلم فيما تُطلب ولماذا تُطلب ولكنها تجارة أصبحت رائجة ومعروفة ضمن الثقافة المجتمعية للبلاد . حتى الرقية الشرعية أضحت ضمن مسميات التجارة ويؤخذ عليها الأجر.
نعم… هناك منٌا الممسوس و المعيون وربما المسحور يعيش بيننا وهو يدري أو لا يدري ما به من علل، ونظرا لقلة الوعي والتوعية وضعف الوازع الديني وتغاضي السلطات عن هؤلاء، فان الخلل ربما يتفاقم ونحن في أشد الحاجة إلي أناس أسوياء ينهضون بهذا الوطن المتهالك.
هذا مجرد نموذج لما نعايشه في هذا البلد الذي يحتاج إلي الكثير والكثير من الجهد والعمل كي يستقم علي عوده. أعلمتم الآن ماذا تفعل ” هيئة كبار الجهلاء ” في البلاد ؟!!.
الله نسأل أن يشفي كل مريض منا، ويكشف الضر عنا جميعا بالرقي والأدعية الشرعية، ويعافنا مما أبتلي به غيرنا ويوحد كلمتنا علي الحق.

الدمازين في : 2011/02/18
محمد عبد المجيد أمين(عمر براق)
[email protected]

تعليق واحد

  1. جزأك الله خيرأخي عمر ما قلت إلا الحق فنحن نحتاج الي ثورة شاملة لكنس كل أثار الجهل والتخلف والرجعية لنلج افأق التقدم والازدهار وهذا لا يتم إلا بالعلم والتزود بالمعرفة وتطبيق مبأدي الحرية والعدالة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..