مسرحية من مشهد واحد – مسافات بين ثلاثة مهرجين

المسرح ؛ مساحة خالية ومظلمة إلا من ضوء خافت ، يقف ثلاثة مهرجين يرتدون أزياء مبهرجة ‏ولكن بألوان متباينة ، ويقفون متباعدين ، كل منهم على مسافة مترين من الآخر .‏
المهرج الأول : أين الضحية هذا اليوم ..؟
المهرج الثاني: هذا هو عملك أيُّها المهرج الأول .‏
المهرج الأول: (يحاول تثبيت كرة حمراء صغيرة على أنفه ) عملي ؟!! .. تقول بأن هذا عملي ‏؟؟
المهرج الثاني: بالتأكيد (يتأمل كرة الأنف على المهرج الأول باهتمام ) .. إنها لم تثبت بعد .. ‏عليك تثبيتها بلاصق صمغي ..‏
المهرج الأول : (يحاول تثبيتها ولكنها تسقط) .. تباً .. (ينظر إلى المهرج الثاني بغضب) إنها لا ‏تثبت .. (يتجهم وهو يكاد يبكي) .. ماذا أفعل أيها المهرج الثاني؟
المهرج الثاني : أنت من يحدد ماذا تفعل ؟
المهرج الأول: (يصرخ) أنا أيضاً .. كل شيء أنا .. ألا تفعلان شيئاً مرة واحدة … على الأقل ‏أنت تتحدث .. ولكن ذلك المهرج الثالث لا يتكلم أبداً .. فمن أي شيء نسخر .. نريد أن نضحك ‏قليلاً..‏
المهرج الثاني : يجب أن تحدد الضحية هذا اليوم .. لماذا تتهرب من واجبك ؟
المهرج الأول: أنا لا أتهرب .. ولكني سئمت من التحديد .. نحن نقف هكذا بلا بداية ولا نهاية ‏ونكتب ذات القصص التي لا تختلف رغم اختلاف الضحايا ..‏
المهرج الثاني: هة؟؟!! (تظهر ملامح الدهشة على وجهه) .. هذا عملك .. هذا واجبك .. ولكنك ‏أيضاً تملك أن تغير هذا العمل وهذا الواجب إذا أردت .. لقد صغت هذا الدور لنفسك ..فلماذا ‏ترفضه الآن بعد مليارات السنين .‏
المهرج الأول: لم يعد مسليا البتة .. نريد تسلية أكبر .. نريد أن نضحك قليلاً …‏
المهرج الثالث: (يقف ثابتاً كجندي وهو يمشق قوامه ودون أن تبدو على ملامحه أي مشاعر) ‏عليك أن تغير القوانين إذا .. وهذا خطر يا عزيزي .. ربما لن يؤثر ذلك على المهرج الثاني ولكنه ‏حتماً سيؤثر عليَّ
المهرج الثاني: ها قد نطقت أخيراً ..‏
المهرج الأول: أدرك ذلك .. (يحرك يديه ممتعضاً) ولكن .. ولكن يا صديقيَّ العزيزين .. ألا ‏ترغبان في أن نقلب الطاولة مرة واحدة .. أن نغير الضحايا مرة واحدة ثم نعيد كل شيء لمكانه ‏‏..‏
المهرج الثاني: حسناً ولكن يجب أن نحسب النتائج ..‏
المهرج الثالث: النتائج لن تكون يسيرة .. هذا قد ينهي المسرحية كلها في لحظة .. ‏
المهرج الأول: لا لا لا .. أنا متأكد من أنهم سيعودوا إلى حظائرهم مرة أخرى .. متى رأيت خرافاً ‏تفهم معنى الذبح ؟
المهرج الثاني: سيروننا .. سيعرفوننا … وحينها سينتهي كل شيء .. وليس المهم أن يعرفوني ‏أنا والمهرج الثالث .. الخوف من أنهم سيعرفونك أنت .. لو عرفوك فستنتهي قيمتنا تماماً .‏
المهرج الأول: اللعنة .. لم يعد من جديد إذن ؟ إذن سأختار الضحية الجديدة .. وسأحاول أن ‏أجد كوميديا جديدة وطريفة ومؤلمة في نفس الوقت ..‏
المهرج الثاني : اترك الوقت لي .. إنني أنا صاحبه .. لا تعتدي على سلطاتي وصلاحياتي .‏
المهرج الأول : لم اعتد على سلطاتك .. إنما أتحدث مجازاً .. ‏
المهرج الثالث: لقد بدأت تشيخ أيها المهرج الأول .. وبدأت أفكارك تتكرر .. حتى أن الخراف لم ‏تعد تكترث كثيراً للمقالب التي نحيكها لها.‏
المهرج الثاني: في الواقع .. لم تعد مسلياً كثيراً ولا مضحكاً أيها المهرج الأول .. حتى بالنسبة ‏لي وللمهرج الثالث.‏
المهرج الأول: لا تقسوا علي .. أنا من أوجد هذه اللعبة .. وأنتما تشاركاني اللعب .‏
المهرج الثاني: بالنسبة لي أنا خالد .. ولا أتغير .. رغم أنني لا أعرف إلا بالتغير المستمر ..‏
المهرج الثالث: (بغضب) أنا أقل شأناً منك أيها المهرج الثاني .. أليس هذا ما تقوله؟
المهرج الثاني: لم أقل ذلك .. صحيح أن محتواك هو نتيجة لتغيرات اللعبة ، لكنك أيضاً تتمتع ‏بذاتية .‏
المهرج الأول: (غاضباً) أي ذاتية تتحدث عنها .. إنه لا شيء .. كيف تكون للقصة ذاتية إذا ‏كنت أنا من يكتبها؟
المهرج الثاني: لا تنس أيها المهرج الأول أنك إن لم تكتب شيئاً فسيكون هو موجود رغماً عنك.‏
المهرج الأول: وجوده كعدمه .‏
المهرج الثاني: بل موجود ولكنه في حالة سكون .. وحينها فإن للسكون ذاتية أيضاً .. أليس ‏كذلك .‏
المهرج الثالث : (يبتسم) لم أكن أعرف قيمتي قبل أن تقول هذا الكلام .. (يضحك) أنت ذكي .. ‏
المهرج الثاني: (تنتفخ أوداجه فخراً) .. ‏
المهرج الأول: (بحسد) لا تتفاخر كثيراً أيها المهرج الثاني .. فإن قيمتك لا تكون إلا بقصصي .. ‏من يلتفت لك أو حتى يلاحظ وجودك إن لم تكن هناك حركة وتغير مستمرين .‏
المهرج الثاني: أنت .. أنت أيها المهرج الأول ..‏
المهرج الأول: أنا .. (بفزع) .. أنا ؟؟؟ لا .. من قال ذلك ؟ أنا لا أكترث لوجودك من عدمك أنا ‏القائد هنا .. أنا المهرج الأول هنا …‏
المهرج الثاني: أنت قلت ذلك ولم أقله أنا ..‏
المهرج الأول: (يصيح بغضب يمتزج بخوف) .. متى قلتُ ذلك ؟؟ هة ؟؟!! خبرني .. متى قلت ‏أنا ذلك ؟
المهرج الثاني: ألم تقل بأنك مللت من تكرار القصص رغم اختلاف الضحايا ؟
المهرج الأول: نعم مللت .. هذا حق .. ولكنه لا يعني أي شيء بالنسبة لك .‏
المهرج الثاني: أليس هذا يعني بأنني أؤثر عليك مباشرة .‏
المهرج الأول: (يصرخ بغضب) أقسم إن لم تنته عن مثل هذا الكلام فسوف أعاقبك عقاباً ‏شديداً..‏
المهرج الثاني: (بغضب) وماذا ستفعل ؟
المهرج الأول: ( يفكر بتردد وحيرة) .. سوف .. سوف أحذف دورك من المسرحية ..‏
المهرج الثاني: هذا مستحيل .. عليك إذا أن تصنع مسرحية بدون مضمون .. وحينها ستكون ‏مسرحيتك ساكنة ولا تتحرك ولا تتغير بل ولن يكون لها لا بداية ولا نهاية .. ههههههه ‏‏(يضحك)..‏
المهرج الأول: لن أكابر .. ولكن على الأقل عليك أن تفهم بأن قيمتك تكمن في مسرحياتي .. في ‏حبكاتي .. في أبطالي .. في ضحاياي .. ‏
المهرج الثاني: أنت تقف على مسرحي الأزلي أيها المسكين.. ‏
المهرج الأول : ماذا تقصد ؟ هل تقصد أنك تريد إخراجي منه .. هل تريد طردي..‏
المهرج الثالث: (بجزع) .. أيمكنه أن يفعل ذلك ..‏
المهرج الثاني: لا .. بالطبع لا أستطيع .. إن قوتي تكمن في أنني لا أستطيع أن أطرد أحداً من ‏نطاق سيطرتي كما أنه لا أحد يستطيع أن يفلت من نطاق سيطرتي بما فيهم أنت أيها المهرج ‏الثالث.‏
المهرج الثالث: هذا جيد ..‏
المهرج الأول: أنت دائماً أحمق أيها المهرج الثالث.. دائماً لا تحبذ الانفراد بشيء لنفسك .. دائماً ‏منهزم .. أما أنا فلا .. فقط لو كنت أستطيع أن أخرج من نطاق المهرج الثاني لتكوين مسرحي ‏الخاص والمتكامل الذي يكون لي وحدي ولا شريك لي فيه فلما ترددت لحظة في أن أفعل ذلك ..‏
المهرج الثالث: وما الفائدة من ذلك ؟
المهرج الثاني: ألا تعرف طبيعة المهرج الأول .. إنها طبيعة سادية .. مهووسة .. لو كان ‏بإمكانه الخروج عن نطاقي لرأيت الخراف تتعذب بالتقدم إلى الخلف تارة أو بالعودة إلى الأمام تارة ‏أخرى .ولكان قد قلب كل شيء رأساً على عقب ..‏
المهرج الأول: (يحاول أن يلكم المهرج الثاني إلا أن يده لم تكن قادرة على الوصول إليه ) عليك ‏اللعنة .. لو كان بإمكاني التزحزح من مكاني هذا لما ترددت في ضربك .‏
المهرج الثاني: رغم أنك تحاول الظهور أمام الخراف بمظهر المهرج الحكيم .. لكنك في الواقع ‏لست كذلك .‏
المهرج الأول: لن ألتفت لاستفزازاتك المتواصلة هذه .. (يهدأ وتنبسط أساريره) سوف ألتفت ‏للكوميديا التي يجب أن أكتبها .. يجب أن تكون مضحكة جداً ومأساوية جداً .. يجب أن أجعل ‏الخراف تفقد توازنها تماماً .. يجب ألا تفهم شيئاً في عالمها .. يجب أن تتزعزع ثقتها في ‏نفسها..‏
المهرج الثالث: أرجوك أرجوك .. خفف قليلاً من كرهك للخراف.. إنك حينما تؤلمها هكذا تكون كل ‏الشتائم موجهة إلىَّ أنا وليس أنت .. لأنهم يخافونك .‏
المهرج الثاني: لأنهم لا يعرفون أساساً إنه يهرج من خلف الكواليس دائماً … يخفي نفسه .. ‏ويترك لنا الشتائم ..‏
المهرج الأول: (يضحك) ألم أقل لكم بأنني المسيطر هاهنا ..‏
المهرج الثاني: لست مسيطراً علينا نحن.. بل على عقول خرافك الحمقاء ..‏
المهرج الأول: (بسعادة) فليكن . فليكن .. ففي النهاية أنا المنتصر .‏
المهرج الثالث: منتصر علينا ..‏
المهرج الأول: (بتواضع متكلف) ليس بالضبط .‏
المهرج الثاني: (باستخفاف) .. دعه في أوهامه .. دعه في أحلامه ..رغم آلام الخراف فهو في ‏النهاية لن يصل إلى نتيجة واضحة .. في النهاية عليه أن يجد نهاية للمسرحية .. إذا كان ‏يشعر الآن بالملل .. ‏
المهرج الأول: حقاً أيها المهرج الثاني .. ماذا سأفعل .. عليَّ أن أطور الحبكة قليلاً .. عليَّ أن ‏أنقلها إلى مستوى فردي وليس على مستوى قطعان الخراف المختلفة (يدور في محوره)..‏
المهرج الثالث: سوف يدورون كما تدور..‏
المهرج الثاني: من تقصد ؟
المهرج الثالث: الخراف .‏
المهرج الأول: (يتوقف فجأة) يدورون كما أدور … يدورون كما أدور.. أمممم .. عليك اللعنة ‏أيها المهرج الثالث .. عليك اللعنة .. (يصيح) يدورون كما أدور ..‏
المهرج الثاني: لا جديد في هذا .. إنهم يدورون كما تدور .. هذه مكررة..‏
المهرج الأول: (يتوقف عن الدوران) عليك اللعنة أيها المهرج الثاني ..‏
المهرج الثاني: المسافة .. المسافة بيننا ليست بعيدة ولا قريبة .. نحن نتوازي بشكل مريب.. ‏إنني أكاد أختنق من قربكما .. كما أنني أكاد لا أراكما ..‏
المهرج الأول: (يعود للدوران حول محوره) المسافة .. المسافة .. أجعلهم يتوازون ..عليك ‏اللعنة أيها المهرج الثاني.. (يصيح) عليك اللعنة..‏
المهرج الثالث: قديمة .. بل بل مكررة .. ‏
المهرج الأول: (يتوقف عن الدوران حول محوره) عليك اللعنة أيها المهرج الثالث .. متى بدأت ‏تفكرّ!‏
المهرج الثالث: سئمت .. سئمت .. لقد سئمت بالفعل.. ‏
المهرج الثاني: وأنا كذلك .. أنا أتمدد بلا نهاية .. سئمت ذلك .. أريد أن أموت ..‏
المهرج الثالث: وأنا كذلك .. ‏
المهرج الأول: (يدور حول محوره) تموتان … تموتان .. عليكما اللعنة أنتما الإثنان ..عليكما ‏اللعنة..‏
المهرج الثاني: (يصيح) اللعنة .. اللعنة .. لقد وجدتها … ‏
المهرج الثالث: ماذا وجدت؟
المهرج الثاني: الكوميديا..‏
المهرج الأول: هذه وظيفتي ..‏
المهرج الثاني: دعني انتهك بعض صلاحياتك ..‏
المهرج الثالث: (بدهشة) هل تستطيع ؟؟ هة؟؟ هل تستطيع حقاً أن تنتهك صلاحياته ؟؟ لو كنت ‏قادراً على ذلك فلماذا لم تفعل؟
المهرج الأول: أسكت .. أسكت يا أحمق .. أسكت ودعني أفهم ما يقوله المهرج الثاني.‏
المهرج الثاني: سوف نقتل أنفسنا أنا والمهرج الثالث..‏
المهرج الأول: (بجزع) ماذا تقول؟ عليك اللعنة .. وكيف ستفعل ذلك؟
المهرج الثاني: سوف نفعلها .. سنجد طريقة لنفعلها ..‏
المهرج الأول: لا ..لا لا لا .. هذا خطير … هذا خطير …‏
المهرج الثاني: (يضحك) ههههههههه .. ألم أقل لك أنك لا شيء بدوننا …‏
المهرج الأول: (يبدو مخذولاً ، يطأطئ رأسه بانهزام) .. ‏
المهرج الثالث: (ينظر بإعجاب وابتسامة واسعة نحو المهرج الثاني).. لقد أثبت وجهة نظرك ‏عمليا أيها المهرج الثاني .. كم أنت ذكي .. كم أنت ذكي..‏
المهرج الثاني: (بفخر) حتى لا يفكر في الجدل معنا مرة أخرى …‏
المهرج الأول: لم أفعل .. لم أفعل .. (بغضب) ولكن دعني أقول لك شيئاً.. حسناً أنا موافق.. ‏
المهرج الثاني: على أي شيء ؟
المهرج الأول: على أن تقتلا نفسيكما ..‏
المهرج الثاني: لا تتهور .. لا تتهور أكثر من اللازم ..‏
المهرج الثالث: لا تتهور .. لا تتهور أكثر من اللازم … ما هو اللازم ..‏
المهرج الأول: (يصرخ بجنون) بل سأتهور .. وعليك أن تفكر منذ الآن أيها المهرج الثاني في ‏كيفية قتل نفسيكما ..‏
المهرج الثاني :وماذا ستفعل بعدها ؟
المهرج الأول: (يدور حول محوره) لا أعلم .. لا لا أعلم .. سوف .. سوف .. لا أدري .. اللعنة ‏عليك أيها المهرج الثاني .. بل واللعنة عليكما أنتما الإثنان .‏
المهرج الثاني: سوف أخبرك ماذا تفعل.. ‏
المهرج الأول: (بدهشة) حقاً.. حقاً..‏
المهرج الثاني: حقاً ..‏
المهرج الثالث: ماذا سيفعل ..‏
المهرج الثاني : سيحاول إحياءنا من جديد .. ‏
المهرج الأول: هذا مستحيل.. هذا جنون ..‏
المهرج الثاني: ليس بالضبط يا أحمق ..‏
المهرج الأول: وماذا تقصد بالضبط ..‏
المهرج الثاني: سوف تحاول بناء كوميديا على مهرجين افتراضيين يعبران عنا .. ‏
المهرج الأول: هذا كالرسم السوريالي ..‏
المهرج الثاني: بالضبط..‏
المهرج الأول: وماذا سأفعل بعد ذلك ؟
المهرج الثاني: ستستمر لدهور عدة وأنت تحاول معالجة هذا الموقف المحرج .. وهذا في حد ‏ذاته سيخرجك من الملل ..‏
المهرج الثالث: والخراف ..‏
المهرج الثاني: ستظل عالقة مع مهرجين افتراضيين .. ستضيع ضياعاً كبيراً .. ستتوه .. ‏ستشعر بأن كل شيء من حولها لا أبعاد له .. سيختفي البعد الثالث من حولها .. ستتألم .. ‏ستتألم (يبتسم المهرج الأول وتلمع عيناه ) ستتألم وستخوض تجربة قاسية لم تخضها من قبل ‏‏(يزداد بريق وابتسامة المهرج الأول) .. لن تستطيع الاعتياد على الوضع كما اعتادت على ‏وضعها الحالي منذ مليارات السنين ..‏
المهرج الأول: (يضع يده على قلبه امتناناً ويبستم مغمضاً عينيه) شكراً أيها المهرج الثاني.. حقاً ‏شكراً على فكرتك المجنونة هذه .. كم أنت عبقري … هأنا اعترف لك بعبقريتك .. لم أكن لأكتب ‏مسرحية بمثل هذه الكوميديا السوداء مثلك.. ‏
المهرج الثاني: ولكن دعني أخبرك بشيء..‏
المهرج الثالث: تخبره بشيء ؟؟ بأي شيء ستخبره ؟
المهرج الثاني: سأخبره بأن لدي شرط واحد ولن أتنازل عنه ..‏
المهرج الأول والثالث: (بصوت واحد) شرط ؟؟!!!!‏
المهرج الثاني: نعم شرط ..‏
المهرج الأول: أي شرط ؟؟ قل لي وسأوافق عليه مباشرة ..‏
المهرج الثاني: سأكتب الكوميديا بنفسي .. لن تكتبها أنت ..‏
المهرج الأول: ماذا تقول ؟؟!! اللعنة .. هل أنت أحمق .. ماذا تقصد ؟؟؟!!‏
المهرج الثاني: أقصد ما قلته .. ستمنحني كراسة الكتابة والقلم .. وسأكتب الكوميديا بنفسي ..‏
المهرج الثالث: ستكتب الكوميديا بنفسك (بجزل وغبطة) ستكتبها بنفسك .. كم أنت ذكي..‏
المهرج الأول: هذا هو المستحيل نفسه .. ولا شيء يجبرني على قبول هذا الشرط .. فسأكتب ‏الكوميديا بنفسي مادمت قد عرفت الموضوع ..‏
المهرج الثاني: (يضحك) حسناً .. وكيف ستجبرنا على قتل نفسينا ..‏
المهرج الثالث: (بدهشة) صحيح .. كيف ستجبرنا على قتل نفسينا ؟؟
المهرج الأول: (يدور حول محوره وتبدو عليه الحيرة) حقاً .. اللعنة عليك أيها المهرج الثاني .. ‏اللعنة عليك ..‏
المهرج الثاني: حسناً .. الق لي بالكراسة والقلم ..‏
المهرج الأول:( يخرج كراسة وقلما من جيب واسع ويلقي به إلى المهرج الثاني) خذ..‏
المهرج الثاني: (يأخذ القلم والكراسة ويتصفح الكراسة ) أمممممم .. حسناً .. سأبداً من حيث ‏انتهيت ..‏
المهرج الأول: أريد سادية.. سادية .. دموية .. عذاب .. ألم .. ضحك .. أخرج لي ما عندك..‏
المهرج الثاني: (يقرأ من الكراسة) الأرض جافة .. السحب لا تحمل ماء في بطنها .. الخراف ‏تلهث من العطش .. عيونها متسعة ومرهقة في نفس الوقت .. (ماااء .. مااااء) يسقط بعضها ‏على الأرض مغشياً عليه .. يلفظ القليل منها الأنفاس الأخيرة … يقول أحدها : لا تشربوا دمي ‏‏.. اتركوا جثتي تموت بسلام .. ثم يلفظ أنفاسه الأخيرة .. حينها تصيح الخراف بصوت واحد (لا ‏تشربوا دمي .. فكرة …) .. يصيح البعض .. ابحثوا عن سكينة بسرعة .. لكن السكينة تهبط ‏لهم من السماء فيندهشون … (يضحك المهرج الأول بجزل، ويواصل المهرج الثاني القراءة) ‏يذبحون الخروف الميت ويشربون دمه .. يصيح البعض من الخراف : لا يكفي … لا يكفي … ‏نحتاج مزيداً من الدماء … نحتاج مزيدا من الدماء … يقول خراف آخرون : لو شرب الجميع ‏من الدماء فلن يموت آخرون لنشرب دماءهم .. علينا أن نتقاتل الآن … بعض الخراف الأخرى ‏تجزع وتحاول الهرب … تصيح الخراف الشجاعة : هؤلاء هم من يجب أن يموتوا الجبناء وحدهم ‏من يجب أن نشرب دماءهم .. (يتوقف المهرج الثاني عن القراءة ويلتفت للمهرج الأول) اللعنة .. ‏ما هذه المهزلة .. هل هذا ما كنت تكتبه .. هل هذه هي الكوميديا السوداء …‏
المهرج الأول: (يضحك بملء شدقيه) .. نعم ..‏
المهرج الثاني: اللعنة عليك .. وهل هذه كوميديا إنها ليست مضحكة البتة .. بل .. بل أنها ‏خالية من أي ذكاء … ليست مضحكة .. ولا حتى مأساوية .. ‏
المهرج الأول: (تبدو على ملامحه علامات الانقباض والخذلان) .. ولكن ماذا أفعل.. لقد أصبحت ‏القصص متكررة .. لم أعد أتمتع بذلك الخيال الخصب.. كل شيء تم وانتهى .. كل القصص ‏مكررة ..‏
المهرج الثاني: ألم تشعر بالملل أيها المهرج الثالث؟
المهرج الثالث: لم أشعر بالملل يوماً ما .. أو .. لا أدري .. ربما مرات قليلة ..‏
المهرج الأول: اسأله ..اسأله لماذا لم يكن يشعر بالملل .. (لا يترك للمهرج الثالث فرصة للإجابة ‏بل يواصل) لأنني كنت أفاجئ الجميع بحركة غريبة ههههههههههه (يضحك ضحكة متزلفة لا ‏تخفي قلقه) .. نعم .. كنت أجعل الأمور تسير في خط مستقيم ثم فجأة (يفرقع بأصابعه) أقلب ‏الطاولة على الجميع … هاهاها.‏
المهرج الثالث: هاهاها (يضحك)‏
المهرج الثاني : هذا كلام فارغ .. ربما يصدقك المهرج الثالث فهو لا يملك الفهم الكافي .. أما أنا ‏فدعني أقول لك بصراحة بأن كلامك هذا فارغ .. وقصصك هذه تصيبني بالغثيان ..(يضح سبابته ‏على خده وهو يفكر) دعني .. دعني أكتب هذه القصة .. نعم .. حسناً (يبدأ في الكتابة وهو ‏يسرد ما يكتبه) .. في يوم صحو..‏
المهرج الأول: صحو ؟!!‏
المهرج الثاني : كانت الأرض مفروشة بخضرة الأعشاب والزهور البرية المتفرقة ..‏
المهرج الأول: خضرة؟؟!!! … زهور …؟؟!!!‏
المهرج الثاني: وكان النهر يشق الوادي زاحفاً ليسقي قطيع الخراف..‏
المهرج الأول: نهر .. نهر يسقي الخراف.. اللعنة .. ماذا تفعل ..‏
المهرج الثاني: وكانت بعض الخراف نائمة بعد أن اتخمت من الأكل..‏
المهرج الأول: اللعنة .. اللعنة (يصرخ) أعطني الكراسة يا أحمق.. اعطنيها يا متخلف ..هل تقود ‏الخراف للتمرد .. هل تريدهم أن يعتادوا على الرفاهية والدعة أيها الأحمق ..اعطني الكراسة ‏والقلم بسرعة ..‏
المهرج الثاني: كان زواج أحد الخراف قد اقترب ميعاده ..‏
المهرج الأول: (بصدمة) زواج .. ماذا تفعل .. (يصرخ) قلت لك اعطني الكراسة ..‏
المهرج الثاني: كان الخروف يفكر في قدراته الجنسية وفي الإنجاب ..‏
المهرج الأول: سوف ألغي الاتفاق أعطني الكراسة …‏
المهرج الثاني : حسناً حسناً .. لن تلغي الاتـفاق .. هاك كراستك ..‏
المهرج الثالث: لن تلغي الاتفاق..أرجوك ..‏
المهرج الأول: سأحذف هذه الترهات أولاً..(يبصق على إبهامه ويبدأ في محو الكلام).‏
المهرج الثاني: علينا أن نتخذ قرارات منفردة .‏
المهرج الثالث: ماذا تقصد؟
المهرج الثاني: علينا أن ننفصل من حالة التوازي هذه ..‏
المهرج الأول يتوقف عن محو الكلام : هذا كلام خطير جداً ..‏
المهرج الثاني: هو كذلك بالفعل.‏
المهرج الأول: هذا مستحيل .‏
المهرج الثاني: بل ممكن..‏
المهرج الأول: بل مستحيل .. ‏
المهرج الثالث: هل ممكن أم مستحيل؟!‏
المهرجان الأول والثاني بأصوات متداخلة:(مستحيل .. ممكن .. ممكن … مستحيل).‏
المهرج الأول: إن هذه المسافات هي التي تمنع الحرب بيننا.‏
المهرج الثاني: هل أنت خائف؟
المهرج الأول: (باستكبار) بالتأكيد لست خائفاً .. إنني فقط قلق على النظام .. النظام بأكمله ‏سينهار ..‏
المهرج الثالث: سينهار على الخراف أيضاً.‏
المهرج الثاني: أصبت أيها المهرج الثالث.. ستكون هذه هي اللعبة القاتلة .. أن ينهار النظام ‏على الخراف..‏
المهرج الأول: بل سينهار علينا نحن أولاً..‏
المهرج الثاني: فليكن .. هل أنت خائف ؟
المهرج الأول: اللعنة على هذا السؤال .. ماذا ستجنيه من كل ذلك ؟
المهرج الثاني: لقد سئمت حقاً من هذا التواجد المتوازي بيننا .. على كل منا أن يذهب في حال ‏سبيله..‏
المهرج الأول: لا يوجد سبيل غير هذا التوازي .. هذه كينونتنا .. أن تكون أنت الأثير الذي ‏نتحرك داخله وأنا من يكتب الحركة والمهرج الثالث من ينفذ كل حكاياتي .. ‏
المهرج الثاني: لقد قررت الانفلات من هذا التوازي نحو حيزي الخاص .. هذا قراري النهائي ..‏
المهرج الأول: لا توجد قرارات أحادية هنا ..‏
المهرج الثاني: بل توجد ..‏
المهرج الأول: لا توجد ..‏
المهرج الثاني: بل توجد توجد توجد .. وسأشرع في الإنفصال ..‏
المهرج الثالث: هذا مرعب..‏
المهرج الأول: أرجوك .. أرجوك .. أتوسل إليك .. ‏
المهرج الثاني: هأنا ذا أنفلت ..‏
‏(يضغط بيده على الفراغ وكأنه يحاول الخروج من بالون غير مرئي ، يمسك المهرجان الأول ‏والثالث برأسيهما وهما يصرخان ألماً، يبدأ المهرج الثاني بالنفاذ والاقتراب من المهرج الأول ، ثم ‏يخرج سكيناً ويضرب به صدر المهرج الأول الذي يطلق صرخة حادة مرعبة قبل أن يسقط صريعاً ‏، وعلى إثر ذلك يسقط المهرج الثالث ميتا ، فيحمل المهرج الثاني الكراسة والقلم من يد المهرج ‏الأول ، ويعود إلى المكان الذي كان فيه )..‏
‏(سكون)‏
المهرج الثاني: (يبتسم وهو يلهث) .. سنبدأ القصة من جديد .. كانت الشمس صحوة ، والسماء ‏مشرقة ، والأعشاب تملأ الأرض والخراف ضرعها ممتلئ وهي تغني وترقص بكل سعادة .. بكل ‏سعادة … بكل سعادة يمكن تصورها …‏
‏(ستار)‏

أمل كردفاني
اكتملت يوم ‏
‏21 أكتوبر 2014م
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..