عبد الله خليل.. عندما يتسمر التاريخ في مكانه

قضينا ليلة السبت الماضي نتجول في المتحف الأسري الصغير الذي أقامه الدكتور أمير لوالده الأميرلاي عبد الله بك خليل، أول رئيس وزراء للسودان، ويحتفظ فيه بكثير من الصور والتذكارات والتوثيقات والنياشين المضمخة بروائح ذلك الزمان، في واحدة من الإجابات الكثيرة التي أدهشتني أن عبد الله خليل لم يدون مذكراته ولم يسجل شهادته للتاريخ، مخافة أن يغير كثيرا من الناس رأيهم في الرموز الذين اعتادوا على رؤيتها لامعة ونظيفة … هذا في حد ذاته مخيف للغاية … فيا ترى كم هو حجم (المخبأ) من تاريخنا والمسكوت عنه ..
تحدثنا كثيرا عن تفاصيل وتداعيات انقلاب عبود الذي لم يكن سوى تسليما وتسلما بين الأميرلاي والجنرال عبود، ولكننا نقبنا عن حقيقة الدوافع مع كثرة ما قيل من روايات فلم نجد حجرا مركوزا في رمال كل المرويات، سوى أن خلافا صامتا ومكتوما كان قد نشأ داخل حزب الأمة، (بطلاه) البك عبد الله خليل والسيد الصديق عبد الرحمن المهدي.
عند هذه النقطة سرحت بعيدا بذهني وأنا ألاحظ أن الصراع داخل حزب الأمة لم يخرج أبدا عن ذلك المسار ولم ينزل شبرا من ذلك القضيب، بل ليس داخل حزب الأمة، ولكن كل تاريخنا المعاصر ظل باركا على ركبتيه في تلك السهول التاريخية رغم عبور الستة عقود على ذلك.
فيروس الصراع بين أهل البيت في حزب الأمة وقادة الحزب من المثقفين ظل ينتقل داخل أمعاء ذلك الجسد ويرهقه صعودا، فبعد صراع البك والصديق الذي تسبب في مجئ انقلاب عبود، شهدنا صراع الصادق والمحجوب الذي كانت واحدة من نتائجه مجئ انقلاب مايو بقيادة جعفر نميري، ثم هاهي الساحة تضج بذات الأسطوانة المشروخة والمعادة والمكرورة التي تنقل لنا صراع الصادق وكوادر وقادة حزبه والذين لن يكون آخرهم الأمين العام المقال إبراهيم الأمين، ظلت صورة الأميرلاي عبد الله خليل، تتناسل وترفض مغادرة المسرح، ولكنها تحل في صورة المحجوب تارة وصورة إبراهيم الأمين تارة أخرى، وظل السيد الصديق يطل على المسرح من خلال عمامة ابنه السيد الصادق، ولكن دون أن تمتد يد التغيير إلى السيناريو والمدافعات.
ملامح التأريخ لم تتغير كثيرا فيما يخص الصراع السوداني المصري فستجد (حلايب) بطلة الفيلم حاضرة مذاك ولكنها تظهر بالأبيض والأسود في عهد الراحل عبد الله خليل، ولكنها في حاضرنا هذا تعيد الظهور (بالألوان) والمكياج الذي طالته يد التأثيرات (اليمينية) التي اقتحمت السيناريو.
حال الأحزاب الاتحادية التي تبحث اسمها منذ ذلك الزمان … شوية مثقفين يطوفون حول مركز ديني.. لا يملون الطواف ولا يمل المركز الوعود والتسويف الزئبقي الذي لا يقبضه أحد.

التيار

تعليق واحد

  1. بالمقال نفس من الاحباط يمكن ان تحسه عند الكاتب وهو من الكوادر الشابه لحزب الامه
    لكن دعني اسئلك اولا
    ما الذي يمكن ان يقدمه حزب اسس علي شق عصا وحده الخريجيين في المرحله الوطنيه الاولى وادخل الطائفيه السياسيه في الحكم ؟
    وهو نفس الحزب الذي ابتدع الانقلابات وادخل العسكر في شئوون الحكم والسياسه في السودان (اما زالت رباح الصادق ترمي كل اللوم على الاميرالاي وحده؟).
    وهو نفس الحزب الذى شكل حاضنه قويه للجبهه الاسلاميه بفكرها الاخواني الاقصائي والذي بدونه ماكان سيكون لهم قائمه في البلاد
    وهو نفس الحزب الذي لم يلعب اي دور ايجابي في حل مشكله الجنوب بل كان منحازا بصوره اعمى بفعل قاعدته الجغرافيه حتى اتي الطوفان وقسم المقسم.

    بل ان المتامل الي القاعده المعروفه عن حزب الامه:” كل انصاري حزب امه وليس كل حزب امه انصاري” ، يلاحظ بهذه العباره امرين سالبين . الاول اجحاف لاصحاب العقيده الانصار انفسهم بالتبعيه العمياء للحزب والثاني ان ثمه مثقفين من غير اهل العقيده يمكن الحاقهم بالحزب لكنهم موالى وليس اصلاء.
    ولذا في كل حين سنشاهد من يطردون ومن يهانون في حزب الامه من المثقفين لان من يشكل الرؤيه ليس هم بل اخرون ستبدآ اسماءهم بالامير والسيد.
    المستبين لضوء الشمس الذي لايخفى في وضح النهار يعلم بان لاديمقراطيه لتتلاقى مع الطائفيه ولهذا اطروحات السيد الصادق في المزاوجه لن تنجح. والعبره في السياسه ليست بالاعداد -فحزب الامه مازال صاحب اكبر عدد من الاتباع في البلاد- ولكنه بانفتاح الرؤى وسرعه المناوره.

  2. بالمقال نفس من الاحباط يمكن ان تحسه عند الكاتب وهو من الكوادر الشابه لحزب الامه
    لكن دعني اسئلك اولا
    ما الذي يمكن ان يقدمه حزب اسس علي شق عصا وحده الخريجيين في المرحله الوطنيه الاولى وادخل الطائفيه السياسيه في الحكم ؟
    وهو نفس الحزب الذي ابتدع الانقلابات وادخل العسكر في شئوون الحكم والسياسه في السودان (اما زالت رباح الصادق ترمي كل اللوم على الاميرالاي وحده؟).
    وهو نفس الحزب الذى شكل حاضنه قويه للجبهه الاسلاميه بفكرها الاخواني الاقصائي والذي بدونه ماكان سيكون لهم قائمه في البلاد
    وهو نفس الحزب الذي لم يلعب اي دور ايجابي في حل مشكله الجنوب بل كان منحازا بصوره اعمى بفعل قاعدته الجغرافيه حتى اتي الطوفان وقسم المقسم.

    بل ان المتامل الي القاعده المعروفه عن حزب الامه:” كل انصاري حزب امه وليس كل حزب امه انصاري” ، يلاحظ بهذه العباره امرين سالبين . الاول اجحاف لاصحاب العقيده الانصار انفسهم بالتبعيه العمياء للحزب والثاني ان ثمه مثقفين من غير اهل العقيده يمكن الحاقهم بالحزب لكنهم موالى وليس اصلاء.
    ولذا في كل حين سنشاهد من يطردون ومن يهانون في حزب الامه من المثقفين لان من يشكل الرؤيه ليس هم بل اخرون ستبدآ اسماءهم بالامير والسيد.
    المستبين لضوء الشمس الذي لايخفى في وضح النهار يعلم بان لاديمقراطيه لتتلاقى مع الطائفيه ولهذا اطروحات السيد الصادق في المزاوجه لن تنجح. والعبره في السياسه ليست بالاعداد -فحزب الامه مازال صاحب اكبر عدد من الاتباع في البلاد- ولكنه بانفتاح الرؤى وسرعه المناوره.

  3. قى رايى الشخصى يجب اعطاء الفرصة للديمقراطية للاستمرار وهى حكمت لفترات بسيطة لم تكمل اى حكومة منتخبة فيها دورة كاملة ولو استمرت الديمقراطية بى سجم رمادها وطائفيتها لظهرت احزاب حديدة واندثرت اخرى وقيادات جديدة وانزوت اخرى وهلم جرا ماذا فعلت الحكومات العسكرية او العقائدية للوطن لم تحافظ عليه ولم تحل مشكلة الحكم اى المشكلة السياسية والدستورية وهى الهيكل الاساسى للاستقرار والتنمية المستدامة ومن قصر نظرهم بيفتكروا ان التنمية المادية شوية طرق ومزارع ومصانع وجسور وسدود هى البتحل المشكلة ويقعدوا يغنوا ليها فى وسائل الاعلام بدل ما يؤسسوا لحكم دستورى ديمقراطى من اول سنة او سنتين للحكم وانشاء دولة القانون والدستور باجماع اهل السودان وتحت اشرافهم وبدون انحياز لاحد ومن ثم ينسحبون من الحياة السياسية عبود جاء للحكم لانشاء دستور واتفاق سياسى بين القوى السياسية ولكنه اندمج فى التنمية المادية ونسى موضوع الدستور والمؤتمر الدستورى وكذلك فعلت مايو والانقاذ ولو استمر الحكم الديكتاتورى لمائة سنة ما بيحل مشكلة السودان الا من خلال مؤتمر جامع لاهل السودان الخ الخ الخ!!
    كسرة: مائة عام ديمقراطية ولو كسيحة ولا يوم واحد حكم عسكرى او عقائدى !!!

  4. الموضوع مش صراع داخل قيادة حزب الأمة كالذي صوره الأخ الكاتب بكل بساطة، على الرغم من أن ذلك الصراع كان حقيقة، الموضوع هو التآمر الحثيث والمستمر من أجل الحصول على مقاعدالسلطة وبأي ثمن من خارج قواعد الممارسة الدستورية الصبورة والملتزمة بين القوى السياسية المتنافسة، هو الصراع التاريخي بين قوى الطائفية السياسية المتسلطة (حزب الأمة نموذجا) وقوى التحرر السياسي والوطني التي يمثل الجيش أحد طلائعها.

    عبد الله خليل لعب لعبته ضد حزبه ومنافسه وقلب الطاولة على الجميع ودبر وخطط بل ونفذ انقلاب 17 نوفمبر 1958.

    عبد الله خليل متآمر لي قعر القدح ولم يمتلك أفقا يجعله يدرك فداحة ما كان يفعله، وبعد كل هذا لم يحاول راصدو التجربة السودانية والسياسيون ودارسو التاريخ السياسي أن يضعوه في حجمه التاريخي المناسب، بل العكس لم يظهروا عنه إلا المدح والحديث عن مناقبه الشخصية التي لا تعنينا إلا بالقدر الذي يتسق مع دوره كسياسي (أمين لحزب الأمة “الليبرالي”) ورجل دولة (رئيس حكومة).

    عبد الله وحكومته وأداؤه يحتاج إلى سمنار وبحث يكون أفضل لو ما شارك فيه (منصور خالد).

    نقول السبب؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..